بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

22 يونيو 2010

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية ضريبة العاملين بالخارج








قضية رقم 43 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"







باسم الشعب المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 2 يناير سنة 1999 الموافق 14 رمضان سنة 1419 ه• برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر أصدرت الحكم الآتي فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 43 لسنة 17 قضائية "دستورية"• المقامة من 1 - الدكتور / أحمد صالح محمود عبد الرازق 2 - الدكتور / السيد محمد البلاسى 3 - الدكتور / محمد وحيد المنطاوى 4 - السيد / عمر فتحي الكومى ضد 1 - السيد / رئيس الجمهورية 2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء 3 - السيد / وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب الإجراءات بتاريخ العشرين من شهر يونيه سنة 1995، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبين الحكم بعدم دستورية المواد من الأولى حتى الخامسة من القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج ، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعين من الثاني حتى الأخير، وفى الموضوع برفضها .



وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها ، وبجلسة 5 سبتمبر 1998 طلب الحاضر عن المدعين أن تتصدى المحكمة -طبقا للمادة 27 من قانونها- لدستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .



المحكمة بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعين- وبوصفهم من العاملين المصريين في الخارج -كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 2403 لسنة 1995 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليه الثالث، طالبين الحكم بصفة مستعجلة الكف عن مطالبتهم بسداد الضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج وحتى الفصل في الدعوى، ورد ما سبق أن دفعه المدعى الأول منها في الفترة من 19/6/1994 حتى 2/8/1994، وبراءة ذمتهم من أية مبالغ مستحقة عليهم بصفتهم هذه اعتبارا من 19/6/1994 وبتعويض قدره مائة ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية، وأثناء نظر هذه الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت للمدعين بإقامة الدعوى الماثلة، فأقاموها .



وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعين من الثاني حتى الأخير لانتفاء شرط المصلحة بالنسبة إليهم، قولا منها بأنهم لم يسددوا الضريبة المشار إليها، كما لم توجه إلى أي منهم مطالبة بسدادها، لتكون دعواهم الموضوعية بالكف عن مطالبتهم بتلك الضريبة وبراءة ذمتهم منها خلوا من أية حقوق موضوعية يدعونها وتستقل بمضمونها عن الفصل بشكل مجرد في دستورية النصوص التشريعية المطعون عليها ولتغدو دعواهم الدستورية مفتقرة إلى شرط المصلحة لانتفاء صلتها بأية طلبات موضوعية يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازما للفصل فيها .



وحيث إن هذا الدفع مردود بأن شرط المصلحة اللازم قانونا لقبول الدعوى الدستورية يعد متوافرا دوما في شأن المخاطب بالقانون الضريبي المطعون فيه ولو لم تتخذ في شأنه إجراءات ربط وتحصيل الضريبة طبقا له .



متى كان ذلك وكان المدعون المشار إليهم يندرجون في عداد المصريين العاملين بالخارج الملتزمين قانوناً بالضريبة المطعون فيها فإن القول بانتفاء مصلحتهم في إقامة الدعوى الماثلة يكون حقيقا بالرفض .



وحيث إن القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج قد أورد المواد الخمسة الأولى منه -موضوع الطعن الماثل- على النحو الآتي: المادة الأولى : تفرض ضريبة على الأجور والمرتبات وما في حكمها التي يتقاضاها العاملون المصريون في الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية .



ولا يخضع لهذه الضريبة المصريون المهاجرون هجرة دائمة الذين تتوافر فيهم الشروط الواردة في المادة (8) من قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1983 ، المادة الثانية : يكون سعر الضريبة المنصوص عليها في المادة السابقة كالآتي: الشريحة الأولى: حتى ما يعادل 20 ألف جنيه مصري سنويا (1 %) الشريحة الثانية: أكثر مما يعادل 20 ألف جنيه مصري سنويا وحتى ما يعادل 40 ألف جنيه مصري سنويا (2%) الشريحة الثالثة: أكثر مما يعادل 40 ألف جنيه مصري سنويا (3 %) ، وتحدد قيمة التعادل بالجنيه المصري على أساس سعر الصرف عند بدء كل سنة تعاقد ، المادة الثالثة: تتحدد الإيرادات الخاضعة للضريبة على أساس مجموع ما يحصل عليه الممول من مرتبات وأجور ومكافآت وبدلات، وذلك على الوجه الآتي: 1 – لا تسرى الضريبة على بدلات السفر والانتقال والسكن والملابس والغذاء ، 2 – لا تسرى الضريبة على بدل طبيعة العمل إلا فيما يجاوز ما يعادل ألف جنيه مصري سنويا .



فإذا كان الثابت من عقد العمل أن الأجر أو المرتب أو المكافأة شاملا للبدلات المشار إليها في البندين (1) و (2) فيتحدد وعاء الضريبة بعد خصم 15 % من الأجر أو المرتب أو المكافأة الشاملة مقابل هذه البدلات 3 - يخصم من وعاء الضريبة اشتراكات التأمين الاجتماعي وأقساط الادخار التي تستقطع أو تسدد وفقا لأحكام قوانين التأمين الاجتماعي أو كنظم بديلة عنها أو قوانين المعاشات والادخار الحكومية سواء في جمهورية مصر العربية أو الدولة التي بها جهة العمل ، 4 - بعد إعمال أحكام البنود (1) و (2) و (3) يخصم من الوعاء 5% للأعزب و10% للمتزوج وللمتزوج ويعول وللعائل لأولاده أو لوالديه أو لأحدهما مقابل الأعباء العائلية ، وفى جميع الأحوال تخصم من وعاء الضريبة، الضريبة الأجنبية المسددة عن ذات الإيراد ، المادة الرابعة : على كل عامل خاضع لأحكام هذا القانون أن يقدم إلى مصلحة الضرائب سنويا وعند انتهاء الإجازة أو الإعارة صورة معتمدة من عقد العمل المبرم مع جهة عمله فى الخارج أو بيانا معتمدا بمفردات مرتبه أو أجره في تلك الجهة ويتعين عليه إيضاح التغييرات التي طرأت على مرتبه أو أجره خلال السنة ، وتختص مصلحة الضرائب بتحديد قيمة الضريبة المستحقة وفقا لأحكام هذا القانون وإخطار الممول بذلك على النموذج الذي تحدده اللائحة التنفيذية بموجب خطاب موصى عليه بعلم الوصول أو بالتسليم المباشر للعامل نفسه أو من ينيبه مقابل إيصال ، وفى حالة تسديد قيمة الضريبة تسلم المصلحة العامل شهادة تفيد ذلك لتقديمها للجهات المختصة للموافقة على تجديد الإجازة أو الإعارة أو منحه إذن العمل ، وفى جميع الأحوال يحظر على الجهات المختصة تجديد الإعارة أو الإجازة أو إذن العمل إلا بعد تقديم ما يفيد سداد الضريبة أو إيداع تأمين مناسب وفقا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون إذا قدم الممول اعتراضا أو طعنا وفقا لأحكام قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، ويكون صدور إذن العمل المنصوص عليه بالقانون رقم 173 لسنة 1958 بالنسبة للعاملين الخاضعين لأحكام هذا القانون لمدة عام قابلة للتجديد ، المادة الخامسة: يكون سداد الضريبة سنويا بالجنيه المصري وبالطريقة وفى المواعيد التي تحددها اللائحة التنفيذية وفى حالة حدوث تغيير في المرتب أو الأجر الخاضع للضريبة يعدل حساب الضريبة من تاريخ هذا التغيير على أساس الإيراد الجديد ، وفى حالة عدم اكتمال السنة تسدد الضريبة بنسبة المدة التي قضاها العامل في الخارج، ويتوقف سريان الضريبة في الحالات التي يتوقف فيها صرف مرتب أو أجر العامل لأي سبب من الأسباب، وبالنسبة لمتجمد المرتبات أو الأجور أو مكافأة نهاية الخدمة التي تصرف للعامل دفعة واحدة في سنة ما، يتم توزيع هذا المتجمد على سنوات الاستحقاق وتحسب الضريبة على أساس ذلك .



وقد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 18 يونيه 1994 وعمل به اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره وحيث إن المدعين ينعون على القانون رقم 208 لسنة 1994 الطعين مخالفته للمواد 4 و8 و31 و38 و40 و41 و 52 و61 و119 و120 من الدستور، وذلك من أوجه متعددة أهمه أولا : الإخلال بالعدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي، سواء من ناحية قصر الضريبة المطعون عليها على العاملين المصريين في الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية؛ لتصيب الضريبة الكادحين ويفلت منها القادرون؛ أو من ناحية ضوابطها التي لا تقيم وزنا للمقدرة التكليفية للممول ، ثانيا : مناهضة مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون بالتمييز غير المبرر بين أفراد الفئة الخاضعة للضريبة؛ وبين فئات أخرى من العاملين المصريين في الخارج ممن لم يتحقق في شأن عملهم عنصر التبعية الذي يشترطه القانون للخضوع للضريبة ، ثالثا: إخفاق المشرع في معالجة الازدواج الضريبي بنصه على أن يخصم من وعاء الضريبة، الضريبة الأجنبية المسددة عن ذات الإيراد، بينما الصحيح أن تخصم الضريبة الأجنبية من الضريبة التي فرضها هذا القانون ، رابعا: الخروج على مبدأ إقليمية الضريبة الذي اعتنقته الدولة وأخذت به في قانون الضريبة الموحدة باعتباره الشريعة العامة للنظام الضريبي بما لا وجه معه للخروج على هذا المبدأ، لما في ذلك من إخلال بالعدالة في توزيع الأعباء والتكاليف العامة وبقواعد فرض الضرائب وبأسس جباية الأموال العامة خامسا : أن تعليق تجديد الإعارة أو الإجازة على تقديم ما يفيد سداد الضريبة المشار إليها ينطوي على تقييد لحق العمل وحرية التنقل والهجرة المؤقتة .



وحيث إن من المقرر -وعلى ما جري عليه قضاء هذه المحكمة- أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة ، وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها بُذِلَت من أجلهم، وعاد عليهم مردودها ، ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضا عن تكلفته- وإن لم يكن بمقدارها ، وحيث إن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنا تحديد وعائها، وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها، وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضا عليها، ونُظُم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة -عدا الإعفاء منها- إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون ، وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي في جمهورية مصر العربية في إطار من قواعد القانون العام، متخذاً من العدالة الاجتماعية- وعلى ما تنص عليه المادة 38 من الدستور -مضموناً وإطاراً، وهو ما يعنى بالضرورة، أن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عَرَضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين أصلا بها والمسئولين عنها، في تحصيلها وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافيا لتحيفها، وحيدتها ضماناً لاعتدالها .



وحيث إن البين من نص المادة الأولى من القانون المطعون فيه ما يأتي: أولا: إن فقرتها الأولى قضت بفرض الضريبة على الأجور والمرتبات و ما في حكمها التي يتقاضاها العاملون المصريون في الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية ، ثانيا: إنه عملا بفقرتها الثانية لا يخضع لهذه الضريبة المهاجرون هجرة دائمة الذين تتوافر فيهم الشروط الواردة في المادة (8) من قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1983 ، ثالثا: أن غير هؤلاء المهاجرين هجرة دائمة من المصريين العاملين في الخارج ويحصلون على دخل من عملهم الذي لا يتوافر فيه عنصر التبعية يظلون بمنأى عن هذه الضريبة ، وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن النصوص القانونية -وأيا كان مضمونها- تعتبر مجرد وسائل تدخل بها المشرع لتنظيم موضوع محدد ، ومن خلال ربطها بأغراضها -وبافتراض مشروعيتها- واتصالها عقلا بها، تتحدد دستوريتها ، وإذ كانت المقاصد الأصلية لهذه الضريبة -على نحو ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون- تتمثل في إنماء موارد الدولة إيفاءً لنفقاتها العامة، ولكي يؤدى المصريون العاملون في الخارج جزءاً من الدين الواجب عليهم أداؤه مقابل تعليمهم وتنشئتهم وإعدادهم للعمل فى الخارج، وحتى يتحقق الانتماء الوطني بتحميل العاملين في الخارج جزءاً من عبء النفقات العامة للدولة، بما يحقق تكافل أبناء مصر داخلها وخارجها في بناء وتنمية الوطن ، إذ كان ذلك، فإن ما نصت عليه المادة الأولى من هذا القانون من قصر فرض الضريبة على الأجور والمرتبات – وما في حكمها- التي يتقاضاها العاملون المصريون في الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية، مخرجا بذلك من نطاقها ما يجنيه مصريون آخرون من حصيلة عملهم في الخارج لا لشئ إلا لكون عملهم لا ينطوي على تلك التبعية؛ يكون متصادما مع المقاصد الأصلية للقانون المطعون فيه، ذلك أن صفة المواطنة ليست حكرا على الطائفة الأولى وحدها دون الثانية، كما أن التكافل فى بناء وتنمية الوطن عن طريق التحمل بعبء الضرائب والتكاليف العامة يشمل المصريين جميعا -كل بحسب مقدرته التكليفية- التزاماً بما نص عليه الدستور في المادة الرابعة من كفالة عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة، وفى المادة السابعة من إقامة المجتمع على التضامن الاجتماعي؛ ومن ثم يكون اتخاذ عنصر التبعية في العمل لدى الغير بالخارج معيارا مُحِّددا للخاضعين للضريبة التي فرضها القانون المطعون فيه، مفتقدا للرابطة المنطقية التي تصل الضريبة بأهدافها المبتغاة ، وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون -وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها- مؤداه أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور، بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور أو التي ضمنها المشرع ، ومن ثم كان هذا المبدأ عاصما من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزا غير مُبَرَّر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلا لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز، أو قاصرة بمداها عن استيعابها ، لما كان ذلك، وكان القانون المطعون فيه قد استبعد من دائرة تطبيقه فئة من العاملين المصريين في الخارج ، هم الذين لا يتوافر في عملهم عنصر التبعية بينما أخضع لأحكامه أولئك الذين يتوافر في عملهم ذلك العنصر، فإن هذا التمييز وقد قام على غير أسس موضوعية تبرره، يصم المبدأ الذي اعتنقه ذلك القانون بالإخلال بالمساواة التي كفلتها المادة 40 من الدستور.



وحيث إن الضريبة التي يكون أداؤها واجبا وفقاً للقانون -وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و 119 من الدستور- هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية ، وتقوم على العدالة الاجتماعية التي فرضتها المادة 38 من الدستور كأساس للنظام الضريبي ، والتي ينافيها أن يقتصر فرض الضريبة على فئات دون أخرى رغم توافر مناط استحقاقها فيهم جميعاً، مما يعد إخلالا بحقوق الفئات التي أخضعها القانون للضريبة -بتحميلهم وحدهم أعباءها كاملة- وإعفاء الآخرين منها دون مقتضٍ .



وحيث إن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- تمتد إلى كل حق ذى قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية؛ وهو ما يعنى اتساعها للأموال بوجه عام؛ وكان القانون المطعون فيه قد انعكس أثره سلبا على عناصر الذمة المالية الإيجابية للممول منتقصا منها دون مقتضٍ، فإنه يكون قد تضمن -بذلك- عدوانا على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادتين 32 و 34 من الدستور .



وحيث إن العوار الدستوري الذي يصم الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون الطعين - طبقا للتفصيل متقدم الذكر- يهدم بنيان هذه الضريبة من أساسه؛ ذلك أن تصحيح نطاقها ليشمل كل من يتوافر فيه مناط استحقاقها، ينعكس تأثيره حتما على سائر نصوصه، وعلى الأخص تلك المتضمنة تعيين وعائها وتحديد سعرها وشرائحها وحدود وأحوال الإعفاء منها وبيان طرائق وإجراءات تحصيلها .



وحيث إن القضاء بعدم دستورية الفقرة الأولى المشار إليها، يؤدى -بحكم اللزوم العقلي- إلى سقوط باقي نصوص القانون رقم 208 لسنة 1994 برمتها، ودون حاجة إلى بيان المثالب الدستورية الأخرى التي اعتورتها -وذلك لارتباط هذه النصوص بالفقرة الأولى ارتباطاً لا يقبل التجزئة بحيث تكوِّن معها كُلاً واحداً لا يتجزأ، مما لا يتصوّر معه أن تقوم لهذه النصوص قائمة بغير تلك الفقرة، أو إمكان إعمال أحكامها في غيبتها ، وحيث إنه عن طلب المدعين التصدي لدستورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا -استناداً إلى المادة 27 من قانونها- فإنه بعد أن انتهى قضاء هذه المحكمة إلى عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون الطعين وسقوط باقي مواده تبعا لذلك، بما مؤداه انعدام أي أساس قانوني لمطالبتهم بالضريبة، فإنه يتعين الالتفات عن هذا الطلب ، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين في الخارج وبسقوط باقي نصوصه الأخرى، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .



أمين السر رئيس المحكمة ----------------- صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره أما السيد المستشار/ محمد على سيف الدين الذي سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع مسودة هذا الحكم ، فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار ماهر البحيرى .












مكتب  / محمد جابر عيسى المحامى  
 
 
 
قضية رقم 9 لسنة 27 دستورية عليا " تنازع أحكام "








قضية رقم 9 لسنة 27 قضائية المحكمة الدستورية العليا "تنازع"



باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا



بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 12 فبراير سنة 2006 م ، الموافق 13 محرم سنة 1427 هـ . برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة وعضويـة السادة المستشارين:حمدى محمد على ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصى ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى والدكتورعادل عمر شريف وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر .



أصدرت الحكم الآتي في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 9 لسنة 27 قضائية "تنازع" المقامة: من



1- السيد / محمد مهران عبد العال حسن



2- السيد / محمد محمود شحاته حسن



3- السيد / عاشور محمد عبد المنعم عبد الله



4- السيد / علاء كامل عبد العال ابراهيم



5- السيد/رزق أبو السعود عبد المطلب عبد الكريم



6- السيد / السيد عبد المحسن السيد عطية



7- السيد / محمد مصطفى عبد العزيز عشوب



8- السيد / محسن محمد محمد شلتوت



ضـــــد



1 – السيد وزير العدل



2- السيد المستشار رئيس مجلس الدولة



3- السيد المستشار رئيس المحكمة الإدارية العليا



الإجراءات :



بتاريخ 23/5/2005 ، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، بطلب الحكم أولاً : وبصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا "دائرة توحيد المبادئ " في الطعن رقم 12414 لسنة 46 قضائية عليا . ثانياً : وفى الموضوع بإزالة التعارض بين هذا الحكم والأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا في الطعون المشار إليها بصحيفة الدعوى .



وفى 13/6/2005 رفض المستشار رئيس المحكمة الطلب المستعجل . وقد قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.



وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.



ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



المحكمـــــة



بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة .



حيث أن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين كانوا قد أقاموا الطعون أرقام 18099 لسنة 50 قضائية و 1245 و 1246 و 1247 و 1248 و 1249 و 1250 و 1251 لسنة 51 قضائية أمام المحكمة الإدارية العليا بطلب الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 200 لسنة 2004 فيما تضمنه من تخطيهم في التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية ، وإذ سبق للمحكمة الإدارية العليا أن قضت في العديد من الطعون المشار إليها بصحيفة الدعوى – بأحقية القضاء الإداري في بسط رقابته على ركن السبب في مثل هذه القرارات ، ومراقبة السلطة التقديرية لجهة الإدارة في هذا الشأن .



إلا أن دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا ، قد قضت في الطعن رقم 12414 لسنة 46 قضائية ، على خلاف ذلك المبدأ ، مجزئة الرقابة القضائية على مثل هذه القرارات على ركن الغاية وحده ، التي تستلزم – في هذه الحالة – ضرورة إثبات سوء استعمال جهة الإدارة لسلطتها التقديرية كسبيل وحيد لإلغاء مثل هذه القرارات . مما حدا بهم لإقامة هذه الدعوى ، لإزالة التناقض بين هذه الأحكام .



وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين طبقاً للبند ثالثاً من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، هو – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة _ أن يكون أحد الحكمين صادراً من جهة من جهات القضاء ، أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والثاني من جهة قضائية أخرى ، وأن يكونا قد حسما النزاع في موضوعه ، وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً مما مؤداه أن النزاع المتعلق بهذا التناقض وتنعقد لهذه المحكمة ولاية الفصل فيه هو ذلك الذي يقوم بين حكمين نهائيين صادرين عن جهتين قضائيتين مختلفتين ، ولا كذلك ما قد يثور من تناقض بين الأحكام الصادرة من جهة قضائية واحدة ، إذ لا اختصاص للمحكمة الدستورية العليا بتقويم ما قد يشوب أحكامها من اعوجاج ، بل مرد الأمر في تصحيحها إلى ما ينتظم محاكم هذه الجهة من تدرج فيما بينها يجعل لبعضها علواً على بعض ، بما يخول الدرجة الأعلى حق مراجعة قضاء الدرجة الأدنى في الحدود التي ينص عليها القانون ، لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أن الأحكام المدعى بتناقضها – بصرف النظر عن وحدة الخصوم فيها من عدمه – إنما صدرت من جهة قضائية واحدة ، هى جهة القضاء الإداري ، فإن مناط قبول الطلب الراهن يكون منتفياً ، ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى .



فلهــذه الأسبــاب



حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى .






مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



قضية رقم 5 لسنة 28 ق دستورية عليا " تنازع "








قضية رقم 5 لسنة 28 ق دستورية عليا " تنازع "



باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا



بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 3 سبتمبر سنة 2006 م، الموافق 10 من شعبان سنة 1427 هـ.

برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري نائب رئيس المحكمة وعضوية الســادة المستشارين :محمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمـد عبد القـادر عبد الله وأنـور رشـاد العاصى وإلهـام نجـيب نـوار ومحمـد خيـرى طـه .



وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر



أصدرت الحكم الآتي فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 28 قضائية "تنازع" المقامة من



السيد/ سامح محمد أبو الخير



ضــــــــد



1 ـ السيد المستشار رئيس محكمة جنايات الإسماعيلية

2 ـ السيد المستشار رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية

3 ـ السيد المستشار مدير عام التفتيش القضائى

4 ـ السيد المستشار رئيس محكمة جنح مستأنف التل الكبير







الإجراءات



بتاريخ 4/2/2006م أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم أولاً : بصفة مستعجلة بوقف قيد القضية رقم 2905 لسنة 1998 جنايات التل الكبير باعتبار أنها جنحة حتى يفصل في هذه الدعوى ، ثانياً : عدم الاعتداد بالقيد والوصف الصادرين في الجناية رقم 2905 لسنة 1998 جنايات التل الكبير ، وبالاعتداد بالحكم الصادر في الجنحة رقم 4230 لسنة 2002 جنح التل الكبير .



وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.



وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .



ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .



المحكمــــة







بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.



حيث إن الوقائع ـ على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق ـ تتحصل في أنه بتاريخ 30/5/1998 بدائرة التل الكبير وعلى طريق الإسماعيلية / القاهرة وقعت مشاجرة بين قائدي سيارتين الأولى قيادة ضابط الشرطة محمد السيد مصطفى ويركـب معه المدعى الذي تدخـل في المشاجرة لصالحه والثانية قيادة محسن سيد عرفات ، وأثناء ذلك تصادف مـرور السيد / محمود محمد أحمد مصطفى بسيارته فتدخل لفض المشاجرة ، كما تصادف أيضاً مرور ضابط الشرطة معتز على أحمد بسيارته الذي تدخل في المشاجرة لصالح قائد السيارة الأولى والمدعى . وعلى إثر هذه المشاجرة أصيب السيد / محمود محمد أحمد مصطفى بإصابات تخلف عنها عاهـة مستديمة ، كما أصيب السيد / محسن سيد عرفات بإصابات شُفى منها . وقد قيدت الواقعة برقم 2905 لسنة 1988 جنايات التل الكبير ، وقضت محكمة الجنايات بمعاقبة سامح محمد أبو الخير – المدعى في الدعوى الماثلة – غيابياً بالسجن المشدد مدة خمس سنوات ، وإذ حضر المدعى وسلم نفسه وقدم للمحكمة صلحاً موثقاً مع المجني عليه فقضت حضورياً بمعاقبته بالسجن خمس سنوات . ومن جهة أخرى كانت النيابة العامة قد قدمت كل من ضابطي الشرطة محمد السيد محمد ومعتز على أحمد إلى المحاكمة بتهمة الضرب حيث قيدت ضدهما الجنحة رقم 4230 لسنة 2002 جنح التل الكبير فقضت المحكمة بجلسة 12/12/2002 بحبس كل منهما سنة مع الشغل ، وإذ استأنفا ذلك الحكم أمام محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية بالاستئناف رقم 1561 لسنة 2003 وقدما محضر صلح موثق ، فقضت تلك المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح عن تهمة الضرب .



وإذ تراءى للمدعى أن الحكمين الصادر أولهما من محكمة جنايات الإسماعيلية في الجناية رقم 2905 لسنة 1998 مركز التل الكبير ، والصادر ثانيهما من محكمة جنح التل الكبير في الجنحة رقم 4230 لسنة 2002 ، والحكم الصـادر في اسـتئنافه رقـم 1561 لسنة 2003 جـنح مسـتأنف الإسماعيلية ، قد تناقضا إذ أسند كل منهما واقعة إحداث العاهة المستديمة إلى متهم يختلف عن المتهم الآخر ، الأمر الذي يرى معه المدعى تعذر تنفيذ أي من هذين الحكمين ، فقد أقام الدعوى الماثلة لفض ما ارتآه من تناقض بينهما .



وحيث إنه بعرض طلب وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة جنايات الإسماعيلية فى الجناية رقم 2905 لسنة 1998 مركز التل الكبير على السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا ، قرر بتاريخ 13/3/2006 رفض هذا الطلب .



وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين طبقاً للبند ( ثالثاً ) من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – وعلى ما جـرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون أحد الحكمين صادراً من إحدى جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر صادراً من جهة أخرى منها ، وأن يكونا قد حسما النزاع في موضوعه وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً ، مما مؤداه أن النزاع الذي يقوم بسبب تناقض الأحكام النهائية وتنعـقد لهذه المحكمة ولاية الفصل فيه ، هو ذلك الذي يقوم بين أحكام صادرة من أكثر من جهة من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي . فإذا كان التناقض المدعى وجوده واقعاً بين أحكام صادرة من محكمتين تابعتين لجهة قضائية واحدة ، فإن محاكم هذه الجهة وحدها هي التي تكون لها ولاية الفصل فيه وفقاً للقواعد المعمول بها في نطاقها حيث تتولى المحكمة المختصة بتلك الجهة تقويم اعوجاجها تصويباً لما يكون قد شابها من خطأ في تحصيل الوقائع أو تطبيق القانون أو هما معاً .





وحيث إن الحكمين المدعى تناقضهما صادران من جهة قضائية واحدة هي جهة القضاء العادي ، وكان هذا التناقض – وبفرض قيامه – لا يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيه باعتبار أنها ليست جهة طعن في الأحكام الصادرة من الجهات القضائية الأخرى ، فإن شروط قبول دعوى التناقض طبقاً لقانون هذه المحكمة تكون متخلفةً في شأن الدعوى الماثلة ؛ مما يتعين معه القضاء بعدم قبولها .



فلهذه الأسباب



حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.












مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




عدم دستورية تبادل الوحدات السكنية بين المستأجرين








المحكمة الدستورية العليا



عدم دستورية تبادل الوحدات السكنية



بين المستأجرين







باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا



( الجريدة الرسمية 42 فى 16 اكتوبر 1997 )



بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 4 أكتوبر 1977 الموافق 2 جمادى الأخرى سنة 1418هـ



برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر 000 رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين :- عبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر أحمد البحيري ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد القادر عبد الله .



وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى 000 رئيس هيئة المفوضين .



وحضور السيد / حمدى أنور صابر 000 أمين السر .



" أصدرت الحكم الأتى "



فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 71 لسنة 1919 قضائية



( دستورية )



المقامة من



السيد / إسماعيل أحمد إسماعيل



ضــــد



1. السيد / رئيس الجمهورية وأخرين 2. السيد / رئيس مجلس الوزراء



3. السيد / احمد عبد المالك عبد الله 4. السيده / درية عواد عبد الغنى



5. السيد / هشام سمير فهمى سليمان 6. السيد / سيد إبراهيم كوسبر 7. السيده / حكمت إبراهيم سيد كوسبر 8. السيده / نظله إبراهيم كوسبر



9. السيد / أحمد إبراهيم سيد كوسبر 10. السيد / عبد الحميد إبراهيم كوسبر



11. السيده / ملكة إبرايه سيد كوسبر 12. السيده / عنايات إبراهيم كوسبر







الإجراءات



فى التاسع من إبريل سنة 1996 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا فى ختامها الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة السابعة من القانون رقم 49 لنسة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.



قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .



وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرا رأيما .



ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم .



المحكمة



بعد الإطلاع على الوراق والمداولة



- حيث أن الوقائع - حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتصل فى أن المدعى عليها الرابعة ونجلها المدعى عليه الخامس كانتا يقيمان فى وحدة سكينة بعقار المدعى بدائرة قسم مصر القديمة وقد أبرمه مع المدعى عليه الثالث المقيم بالدور الأراضي بالزمالك بالعقار المملوك المدعى عليهم من السادس إلى الأخير عقدا تبادلا وبمقتضاه مسكينها المؤجرين على سند من مقتضيات الحالة الصحية للمدعى عليها الرابعة وتغير الظروف الاجتماعية للمدعى عليه الثالث لازدياد عدد أفراد أسرته وقد أخطر المتادلان ملاك العقارين بصورة من عقد التبادل وبميستنداتهما التى تؤكد حقهما فى غجرائه وذلك وفقا لأحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 49 لسنة 1977 ، وبعد مضى أكثر من ثلاثين يوما على هذا الأخطار دون رد من الملاك بقبول التبادل أثام المتبادلان ضدهم الدعوى رقم 629 لسنة 1995 إيجارات كلى جنوب القاهرة وأثناء نظرها دفع المدعى فى الدعوى الماثلة بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 7 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى " أن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وإذا قرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت بالطعن بعدم الدستورية فقد أقام المدعى الدعوى الماثلة .



وحيث أن الفقرة الثالثة من المادة 7 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على ما يلى :



( وفى البلد الواحد يجوز تبادل الوحدات السكنية بين مستاجر وأخر وذلك فى البلاد وبين الحياء وطبقا للحالات ووفقا للقواعد والشروط والإجراءات والضمانات التى يحددها قرار وزير الإسكان والتعمير )



- عملا باللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير الإسكان والتعمير رقم 99 لسنة 1978 فإن تبادل الوحدات السكنية بالتطبيق لأحكام الفقرة الثالثة المشار إليها يتم فى الأحوال التى حددتها وهى :-



أولاً :-



...............................................................................................................



ثانيا :- أن تستلزم الحالة الصحية لكل من المستأجر راغبى التبادل أو كليهما الانتقال من مسكنه إلى أخر أكثر ملائمة لظروفة الصحية التى لا يجوز إثباتها إلا بتقرير قاطع من طبيين متخصصين متضامنا بيانا دقيقا بها واقتضائها من تغيير المسكن بسببها .



ثالثا :- أن يقع تغيير فى الأوضاع الاجتماعية لأحد لراغبى التبادل من مأجرين أو كليهما ويندج تحتها تغيير حجم الأسرة وما يقتضيه من ضيق او تساع مسمنها .



ويكون التبادل فى الحالتين المنصوص عليهما فى ثانيا وثالثا فى عواصم المحافظات وغيرها من البلاد التى تسري فيها أحكام الباب الأول من القانون رقم 49 لسنة 1977 سواء أكان ذلك فى عقار واحد أو بين عقار وأخر داخل البلدة الواحدة .



- وتشترط المادة 4 من اللائحة التنفيذية للقانون لإجراء التبادل - قبل البدء فيه - وفاء كل من المستأجرين الراغبين فى التبادل بالتزاماته المالية الناشئة عن عقد الإجارة وفيما عدا التبادل بسبب مقتضيات الحالة الصحية المبينه فى البند ( ثانيا ) يشترط لجواز التبادل انقضاء سنه كاملة على الأقل على إقامة كل مستأجر فى مسكنه قبل البدء فى إجراءات التبادل ويبقى المستأجران ضامنين متضامنين - كل منهما قبل الأخر وفى مواجهة المؤجر - إبقاء التزاماتها المالية الناشئة عن عقد الإيجار وذلك لمدة سنتين من تاريخ إتمام التبادل .



- وعملا بالمادة 5 من اللائحة التنفيذية يحرر المستأجران راغبا التبادل خمس نسخ من النموذج الخاص بذلك والمرفق بهذه اللائحة يخطوان مالكى العقارين المراد التبادل فيهما بنسخة من هذا النموذج علىأن تكون موقعا عليها منهما ومرفق مستنداتها التى تؤكد صحة بياناتها وعلى كل من الملاك وخلال ثلاثين يوما من تاريخ أخطاره برغبه المستأجرين إبلاغهما بكتاب موصى مصحوب بعلم الوصول برأيه فى طلباتهم ويعتبر انقضاء هذه المدة دون رد من قبله بمثابة رفض للتنازل .



- وتقضى المادتان 6 ، 7 من هذه اللائحة بأن يتنازل كل من المستأجرين راغبى التبادل عن عقد الإيجار الخاص به إلى المستأجر الأخر وذلك بعد رضاء الملاك أو صدور حكم من القضاء بالتبادل ويقوم الحكم الصادر لصالح المستأجرين مقام اللازم لإثبات التبادل .



- وحيث أن الفقرة من المادة 7 من القانون رقم 49 لسنة 1977 كان قد تضمنها مشروع قانون عرض على مجلس الشعب بجلسته المعقودة فى 19 يوليو 1977 إلا أن لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لهذا المجلى ارتأت ضرورة حذفها تأسيسا على انحيازها لصلحة مستأجرى الأعيان إضرارا بأًصحابها الذين سلبهم المشرع الحق فى تحديد الأجرة وفرض عليهم امتداد الإجارة بعد انتهاء مدتها وعرضهم كذلك لقيود صارمة نظم بها الروابط الإيجارية فى عديد من جانبها ولم يبقى لهم بعد اذن إلا حق اختيار مستأجرالعين التى يملكونها فإذا اسقط المشرع عنهم هذا الحق نالتهم مضار كثيرة يندرج تحتها أن يتحول المستاجرين إلى مستغلين إلى مستغلين من خلال عمليات التبادل التى يجرونها ويفاجئون من يملكون من يملكون الأماكن التى يشلغلونها بيد أن المجلس التى يجرونها ويفاجئون من يملكون الأماكن التى يشغلونها بيد أن المجلس رفض إقرار ما أنتهت إليه لجنة الشئون الدستورية والتشريعية وأعاد إدراج الفقرة الثالثة المشار غيها بنصها الوارد بمشروع الحكومة ثم أقرها.



- وحيث أن المدعى ينعى على الفقرة الثالثة من المادة 7 من القانون رقم 49 لسنة 1977 مخالفتها للمواد 2 ، 7 ، 33 ، 34 من الدستور وذلك من عدة أوجه حاصلها أن حكم الفقرة المطعون عليها يناقض الشريعة الإسلامية فى أصولها الكلية ويتضمن إسقاطها للمكلية عن أصحابها بما فرضه المشرع من قيود عليها وتحوير للإجارة عن طبيعتها الشخصية من خلال إعيار مقيما بها فلا يكون إنفاذ التبادل قيما بين هاتين الوحدتين إلا إقحاما عليها لأشخاص لا تربطهم بصلحبها صلة منطقية ، هذا فضلا عن أن هذا التبادل لا يتم فى الأعم من الأحوال إلا مقابل مبالغ مالية باهظة يدفعها أحد المتبادلين لثانيهما ولا يحصلا ملوجر على شيء منها .



- وحيث أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى لقبول الدعوى الدستورية مناطها ارتباطها بصله منطقية بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى وكان المدعى وأن قصر الدفع بعدم الدستور الذى أبداه أمام محكمة الموضوع على حكم الفقرة الثالثة م المادة 7 من الثانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر إلا أن الخصومة الدستورية الماثلة لا تكتمل عناصرها بعيدا عن الشروط والأوضاع التى نظم وزير الإسكان والتبادل من خلالها وهو ما يعنى تكوينها مع الفقرة المطعون عليها كلا لا يتجزأ .



- وحيث أن مؤدى الأحكام التى تضمنتها الفقرة الثالثة من المادة 7 من القانون رقم 49 لسنة 1979 - وفى إطار ربطها بلائحة التنفيذية لهذا القانون - أن تبادل الوحدات السكنية فيما بين مستأجرى يرغبان فيه ليس عملا رضائيا بل يقع فى الأحوال التى حددتها اللائحة النفيذية وبالشروط التى عينتها ووفق الأوضاع الإجرائية التى حددتها . ومن ثم يكون نص القانون مصدرا مباشرا لتبادل الوحدات السكينة يحيط بالأحوال والشروط والأوضاع التى يتم فيها فلا يحول دون نفاذه اعتراض أصحابها عليه كلما توافرت الواقعة إلى اعتبرها المشرع مصدرا للحق فيه . وهو ما يعنى أن الحق فى التبادل لا ينشأ إلا من النصوص القانونية التى تستنهضها إرادة مستأجرين توفقا على إجراء التبادل وأراد أن يتماه وفقا لأحكامها فلا يدور إلا معها .



- وحيث المادة 144 من الدستور تقضى بأن لرئيس الجمهورية إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها وله أن يفوض غيره فى إصدارها ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه



- وحيث أن من المقرر أنه لا يجوز للسلطة التشريعية - فى ممارستها لاختصاصاتها فى مجال إقرار الوقانين أن تتخلى بنفسها عنها إهمالا من جانبها بنص المادة 86 من الدستور التى تعهد إليها أصلا بالمهام التشريعية وتخول السلطة التنفيذية مباشرتها إلا استثناء ان وفى الحدود الضيقة التى بينتا نصوص الدستور حصرا ويندرج تحتها إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين التى لا يدخل فى مفهومها توليها ابتداء تنظيم مسائل حلا القانون من بيان الإطار العام التى يحكمها فلا تفصل اللائحة عندئذ أحكاما زوردها المشرع إجاملا ولكنها تشرع ابتداء من خلال نصوص جدية لا يمكن إسنادها إلى القانون وبها تخرج اللائحة عن الحدود التى ضبطتها بها المادة 144 من الدستور .



- وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه متى عهد القانون إلى جهة بذاتها بتنفيذ أحكامة كان إجراؤه مما تستقل به هذه الجهة دون غيرها وكان قانون بيع وتأجير الأماكن قد أورد نص الفقرة الثالثة المطعون عليها مجيزا بموجبها تبادل الوحدات السكنية فى البلد الواحد بين مستأجر وأخر ومتسليا من تحديد القيود والضوابط التى يباشر هذا الحق على ضوئها حتى فى خطوطها الرئيسية تاركا إحداثها - لا تفصلها - للائحة تنفيذية يصدرها الإجرائية التى يلتزمها وكذلك ضماناته وكان ذلك مؤداه أنه فيما خلا مبدأ جواز التبادل فى البلد الواحد الذى تقرر بالفقرة المطعون عليها فإن أسس هذا التبادل والقواعد التى يقوم عليها وإجراءاتها ظل بيد السلطة التفيذية تتولاه من خلال على لائحته تصدرها فلا تكن أحكامها تنفيذا لقانون قائم بل تشريعا مبتدأ يؤثر على الأخص فى حرية التعاقد والحق فى الملكية وهما من الحقوق التى كلفها الدستور .



- وحيث أن من المقرر كذلك أن حرية التعاقد فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية أنها كذلك وثيقة الصلة بالحق فى المكلية وذلك بالنشر إلى الحقوق التى ترتبها العقود فيما بين أطرافها أيا كان المدين بأدائها .



- وحيث أن السلطة التشريعية وأن ساغ لهذا استثناء أن تتناول أنواعها من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم أمر يكون مستندا إلى مصلحة مشروعة إلا أن هذه السلطة ذاتها لا يسعها أن تهدم الدائرة التى تباشرها فيها الإرادة حركتها فلا يكون لسلطانها بعد هدمها من أثر ذلك أن افرادة وأن لم يكن دورها كاملا فى تكوين القعود وتحديد الأثار التى ترتبها إلا أن الدائرة المنطقية التى تعمل الإرادة الحرة فى نطاقها لا يجوز اغتيالها بتمامها وإلا كان ذلك إنها لوجودها ومحوا كاملا للحرية الشخصية فى واحد من أكثر مجالاتها تعبيرا عنها ممثلا فى إراداة الاختيار استقالا عن الأخرين بما يصون لهذه الحرية مقومات فعاليتها



- وحيث أن الصل فى الروابط الإيجارية أن الإرادة هى التى تنشئها فإذا جردها المشرع من كل دور فى مجال تكوين هذه الروابط وتحديد أثارها كان تنظيمها أمراض منافيا لطبيعتها .



- ومن البديهى أن القيود التى فرضها المشرع على الإجارة اقتضاها أزمه الإسكان وحدة ضغوطها وضرورة التدخل لمواجهتها بتدابير استثنائية تعتبر من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها وقد أصابها هذا التنظيم الخاص فى كثير من جوابنها مقيدا عمل الإرادة فى مجالها وعلى الأخص فى مجال تحديد الأجرة وامتداد العقد بقوة القانون إلا أن الإجارة تظل - حتى مع وجود هذا التنظيم الخاص - تصرفا قانونيا ناشئا عن حرية التعاقد التى أهدرتها لانصوص المطعون فيها من خلال إنفاذها التبادل بقوة القانون فى شئون الأعيان التى تعلق بها فلا تكون الإجارة عقدا يقوم على التراضى بل غملاء يناقض أسسها ويقوضها .



- وحيث ان قضاء هذه المحكمة مطرد على أن صون الدستور للملكية الخاصة مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها ولا أن يفصل عنها أجزائها ولا أن ينتقص من أصلها أو بعدل من طبيعتها أو يزيلها ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية وكان ضمان وظيفتها هذه بفترض إلا ترهق القيو التى يفرضها المشرع عليها جوهر بنيانها ولا أن يكون من شانهما حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها وكان صون الملكية وأعاقتها لا يجتمعان فإن هدمها من خلال قيود ترهقها ينحل عصفا بها منافيا للحق فيها .



- وحيث ان قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على ان الملكية لا تعتبر حقا مطلقا وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها ومن ثم جاز تحملها ببعض القيود التى يقتضيها صون وظيفتها الاجتماعية التى لا يجوز ان يتذرع المشرع بها ليجرد الملكية من ثمارها أو منتجاتها أو ملحقاتها وكان الدستر فقد كفل للملكية حرمتها بقانون يوازن به المشرع حقوق أصحابها بما يراه من المصالح أولى بالاعتبار وكانت الفقرة المطعون عليها التى تضمنا قانون الإسكان لا تتناول غير أصل الحق فى التبادل فى البلد الواحد على أن تحدد اللائحة التنفيذية الأحوال التى يتم فيها التبادل وشروط إقاذه فإن التنظيم الوارد بها لحق الملكية يكون متضمنا فرض عليها تنال من محتواها وعلى الأخص من خلال الأثار التى ترتبها فى مجال استعمالها .



- وحيث أن التبادل المقرر بالنصوص المطعون عليها ليس إلا تنازلا رخص به المشروع وبه يحل كل متبادل محل نظيره فى الوحدة قانونيا كثيرا ما يقترن بمقابل يختص به أحدهما ولا يعود شيء منه - وأيا كان مقداره - على من يملكها مما يخل بتساؤيهم مع نظائرهم فى شأن الحقوق التى يستعدونها من تناول المستأجر الصلى عن الإجارة إلى غيره وفقا لنص المادة 20 من القانون 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر وذلك أن من يؤجرون أعيانا يملكونها بالخيار وفقا لحكمها بين اعتماد تنازل مستأجرها عن إجارتها مع الحصول من المتنازل على 5% من مقابل التنازل المعروض عليه أو رفض هذا التنازل استقالا منهم بالعين المؤجرة من دون المتنازل على أن يؤدى إليه مالكا عندئذ النسبة ذاتها من المعروض عليه مقابلا للتنازل عنها .



- ولا كذلك الفقرة المطعون عليها شكلا مضمونها بالائحة التنفيذية - لأنها تجعل تبادل الأعيان المؤجرة وفقا لأحكامها نافذا بقوة القانون فى شأن أصحابها ودون مقابل يعود عليهم من التنازل . وليس ذلك إلا تمييزا منهيا عنه دستوريا بين فئتين تؤجران أعيانا تملكها إحداهما تلك التى يتعلق التبادل بأعيانها وفقا للنصوص المطعون عليها وأخراها التى يكون التنازل عن الإجارة منصرفا إلى أعيانها فى الحدود التى بينتها المادة 20 المشار إليه .



- ولا يستقيم هذا التمييز وقد افتقر إلى الأسس الموضوعية التى ينهض بها سويا ومبدأ تساويهم أمام القانون وفقا لنص المادة 40 من الدستور التى تكفل صون محتواه باعتباره مدخلا للحرية وطريقا إلى العدل والسلام الاجتماعى لا يجوز أن يعاق من خلال أعذار لا اعتبرا لها .



- وحيث أن تبادل الأعيان المؤجرة وفقا للنصوص المطعون عليها لا يحول دون انتقال منفافعها بين أكثر من مستأجر يتعاقبون عليها اتصال بها كلما طرأ تغيير على الأوضاع التى قام عليها التبادل الأول .



- فما يكون من الأعيان المؤجرة بعيدا عن موقع العمل الأصلي قد يصير قريبا منه فى وقت لاحق ومن بادل عينا بأخرى لاتساعها قد يظهر ضيقها من بعد ومن يبادل مستاجرا اعتل صحيا قد يعدو هو عليلا فلا يبقي فى الوحدة التي انتقل إليها - والقرض انها يطابق أعلي - بل يبدلها بأخرى توافق ظروفه الصحية الجديدة فلا يكون التبادل الأول اجراء نهائيا فى كل الأحوال بل مسوغ جديد للتبادل فلا تخلص الاعيان المؤجرة لاصاحبها بل تتحدر حقوقهم بشانها الى مرتبة الحقوق المحددة أهميتها مع انبساط سلطة المستأجرين عليها الى حد يخل بالملكية الخاصة التي حرص الدستور على صونها تقديرا بان المزايا التي تنتجها هى التي تبلور جوهرها فاذا انقض المشرع عليها صار أمرها صريما ومسها بذلك ضر عظيم.



- وحيث أن ما نص عليه الدستور فى المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي يعني وحدة الجماعة فى بنائها وتداخل مصالحة تصادمها وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها واتصل أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيرا فلا يتفرقون بددا او يتناحرون طمعا او يتنابدون بغيا وهم بذلك شركاء فى مسئوليتهم قبلها لا يملكون التنصل منها او اتخلي عنها وليس لفريق منهم بالتالي ان يتقدم على غيره انتهازا ولا ان ينال من الحقوق قدرا منها يكون به - عدوانا - أكثر علوا وتتهيا معها تلك الحماية التي ينبغي ان يلوذ بها ضغاؤهم ليجدوا فى كنفها الأمن والاستقرار وحيث القرة.



- المطعون عليها - ومن خلال مطلق انحيازها لمصلحة من يقررون التبادل - لا تقيم وزنا لتوازن علاقاتهم مع مؤجرتها ولكنها تنحدر بها الى ما دون مسئوياتها المنطقية الى تكفل لعقود الايجار خصائصها وكانت السلطة التقديرية التي يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق لا يجوز ان ينفلت مداها بما يفقد الملكية مقوماتها وعلى الأخص من خلال اقتلاع مزاياها او تهميشها تسترا بتنظيم الحقوق المؤجرين وكان المشرع ما قد تدخل بالقواعد التي فرضها أطار لتبادل الانتفاع بالاعيان المؤجرة وكان المشرع ما قد تدخل بالقواعد التي فرضها اطار لتبادل الانتفاع بالاعيان المؤجرة بما ينال من حق أصحابها فى مباشرة سلطتهم فى مجال استعمالها وعلى الاخص عن طريق اختيارهم لمن يشغلونها مبلغا على مصالحهم حقوقا لا ترجحها بل تزاحمها وتعلو عليها دون مقتضى قال يكون المستاجر إلا مناهضا مؤجرتها متحفيا الحقوق المشروعة التي كان يجل أن يقتضيها ليكون صراعهما بديلا عن التعاون بينهما مما يخل بتضامنها اجتماعيا وتوافق مصالحها اقتصاديا .



- وحيث أنه متى كان ما تقدم فان الفقرة المطعون عليها تكون مخالفة لأحكام المواد 7 ، 32 ، 34 ، 40 ، 41 ، 86 ، 144 من الدستور.







فهذه الأسباب



حكمت المحكمة :-



أولا :- بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 7 من القانون رقم 49 لسنه 1977 فى شان تاجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستاجر.



ثانيا :- بسقوط أحكام اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بقرار وزير الاسكان والتعمير رقم 99 لسنه 1978 وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة الى تبادل الوحدات السكنية.



ثالثا :- بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.









مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




عدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 25 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة








عدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة







باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا







بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 14 يناير سنة 2007 م، الموافق 25 ذى الحجة سنة 1427ه. برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبدالواحد رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين :ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبدالقادر عبدالله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر



أصدرت الحكم الآتى



فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 175 لسنة 26 قضائية "دستورية"المقامة من السيد/ عمر عبد الهادى هلال



ضد



السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للصرف الصحى بالإسكندرية



الإجراءات



بتاريخ الثانى والعشرين من أغسطس سنة 2004 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 2354 لسنة 49 قضائية بعد أن قضت المحكمة الإدارية بالإسكندرية " الدائرة الأولى " بتاريخ 9/5/2004 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الخامسة من المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 .



وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً : بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً : برفضها .



وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .



ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .



المحكمة



بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.



حيث إن الوقائع على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام ضد الهيئة المدعى عليها الدعوى رقم 2354 لسنة 49 قضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية " الدائرة الأولى " طالباً الحكم بإلزام الهيئة المدعى عليها بتسوية حالته على أساس احتفاظه بالأجر الذى كان يتقاضاه إبان عمله بالمكافأة الشاملة ، قولاً منه أنه عُيّن بها بعقد مؤقت بمكافأة شاملة مقدارها سبعون جنيهاً اعتباراً من 15/7/1993 . ثم صدر قرار الهيئة رقم 679 بتاريخ 25/10/1993 بتعيينه بوظيفة مساعد ميكانيكى من الدرجة السادسة مانحة إياه أول مربوط هذه الدرجة دون أن تحتفظ له بقيمة المكافأة الشاملة التى كان يتقاضاها بها بالمخالفة لنص المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة مما حدا به إلى إقامة دعواه بغية القضاء له بطلباته سالفة البيان . وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن نص الفقرة الخامسة من المادة (25) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما قضى به من احتفاظ العامل الذى يعين على وظيفة دائمة بأجره الذى كان يتقاضاه إبان تعيينه بمكافأة شاملة ، يتضمن تمييزاً غير مبرر بينه وبين زميله المعين إبتداءً على درجة دائمة والذى يستحق بداية الأجر المقرر لدرجة الوظيفة طبقاً لجدول الأجور رقم (1) المرافق للقانون المشار إليه ، بالرغم من تماثل المركز القانونى لكل منهما مما يقيم شبهة مخالفة نص المادة (40) من الدستور ، فقد قضت تلك المحكمة بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية ذلك النص .



وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة تأسيساً على أن النص الطعين لم يمس المدعى بضرر ، ولم يُخِّل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور له ، ومن ثم فلا مصلحة له ترجى من الفصل فى دستوريته .



وحيث إن هذا الدفع مردود ، ذلك أن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية وهى شرط لقبولها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع ، وأن الدعوى الدستورية وإن كانت تستقل بموضوعها عن الدعوى الموضوعية ، باعتبار أن أولاهما تتوخى الفصل فى التعارض المدعى به بين نص تشريعى وقاعدة فى الدستور ، فى حين تطرح ثانيتهما فى صورها الأغلب وقوعاً الحقوق المدعى بها فى نزاع موضوعى يدور حولها إثباتاً أو نفياً ، إلا أن هاتين الدعويين لا تنفكان عن بعضهما من زاويتين : أولاهما : أن المصلحة فى الدعوى الدستورية مناطها ارتباطها بالمصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثراً فى الطلب الموضوعى المرتبط بها ، وثانيتهما : أن يصبح الفصل فى الدعوى الموضوعية متوقفاً على الفصل فى الدعوى الدستورية . متى كان ذلك ، وكانت رحى النزاع الموضوعى تدور حول طلب المدعى إعمال حكم المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة والذى يقضى باحتفاظه بالمكافأة الشاملة التى كان يتقاضاها إبان عمله بالهيئة قبل تعيينه فى وظيفة دائمة بها ، وقد تراءى لمحكمة الموضوع أن النص المطلوب إنزال حكمه على النزاع المعروض عليها يشوبه من وجهة أولية عوار دستورى مما يقتضى عرض أمره على المحكمة الدستورية العليا ، ومن ثم فإن حسم المسألة الدستورية المثارة يكون لازماً للفصل فى الطلب الموضوعى المرتبط بها ، مما يتوافر معه شرط المصلحة فى الدعوى الماثلة ، محدداً نطاقها بما تضمنته الفقرة الأخيرة من المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 من احتفاظ العاملين المعينين بمكافأة شاملة بأجرهم السابق عند تعيينهم فى وظائف دائمة .



وحيث إن المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أن " يستحق العامل عند التعيين بداية الأجر المقرر لدرجة الوظيفة طبقاً لجدول الأجور رقم (1) المرافق لهذا القانون .



ويستحق العامل أجره اعتباراً من تاريخ تسلمه العمل ، ما لم يكن مستبقى بالقوات المسلحة فيستحق أجره من تاريخ تعيينه .



واستثناء من ذلك إذا أعيد تعيين العامل فى وظيفة من مجموعة أخرى فى نفس درجته أو فى درجة أخرى احتفظ له بالأجر الذى كان يتقاضاه فى وظيفته السابقة إذا كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها بشرط ألا يجاوز نهايته وأن تكون مدة خدمته متصلة .



ويسرى هذا الحكم على العاملين السابقين بالوحدات الاقتصادية والمعاملين بنظم خاصة الذين يعاد تعيينهم فى الوحدات التى تسرى عليها أحكام هذا القانون .



كما يسرى هذا الحكم على العاملين المعينين بمكافأة شاملة عند تعيينهم فى وظائف دائمة " .



ومفاد النص المتقدم ، أن الأصل هو استحقاق العامل عند التعيين بداية الأجر المقرر لدرجة الوظيفة المعين عليها طبقاً لجدول الأجور الملحق بالقانون . واستثناء من هذا الأصل ، احتفظ لمن كان معيناً بمكافأة شاملة ثم عين فى وظيفة دائمة بأجر يساوى المكافأة التى كان يتقاضاها عند تعيينه فى هذه الوظيفة وذلك بشرط اتصال المدة بين الخدمة السابقة واللاحقة وبقيد مؤداه عدم تجاوز أجر العامل نتيجة هذا الاحتفاظ نهاية ربط الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها .



وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها ، وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية بتنظيم موضوع معين ، فإن ما تُقِرُّه القواعد القانونية فى هذا النطاق لا يجوز أن ينال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها .



وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن العمل وفى إطار الخصائص التى يقوم عليها باعتباره حقاً وواجباً وشرفاً وفقاً للمادة (13) من الدستور مكفول من الدولة سواء بتشريعاتها أو بغير ذلك من التدابير . وإعلاؤها لقدر العمل وارتقاؤها بقيمته ، يحملها على تقدير من يمتازون فيه ، ليكون التمايز فى أداء العاملين ، مدخلاً للمفاضلة بينهم ، وهو ما يعنى بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها هى التى يُعتد بها فى تقدير العمل وتحديد المقابل المستحق عنه ، والأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها ، والحقوق التى يتصل بها ، وأشكال حمايتها ووسائل اقتضائها . وأن ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (13) من الدستور من أن العمل لا يجوز أن يُفرض جبراً على المواطنين إلا بمقتضى قانون ، ولأداء خدمة عامة ، وبمقابل عادل ، مؤداه أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائماً على الاختيار الحر ، فلا يُفرض عنوة على أحد إلا أن يكون ذلك وفق القانون وبمقابل عادل ؛ وهو ما يعنى أن عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التى يؤديها العامل سواء فى نوعها أو كمها ، فلا عمل بلا أجر ، ولا يكون الأجر مقابلاً للعمل إلا بشرطين : أولهما : أن يكون متناسباً مع الأعمال التى أداها العامل ، مقدراً بمراعاة أهميتها أو صعوبتها وتعقدها وزمن إنجازها ، وغير ذلك من العناصر الواقعية التى يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها . ثانيهما : أن يكون ضابط التقدير موحداً ، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر . وهو ما يعنى بالضرورة ألا يكون مقدار الأجر محدداً التواءً أو انحرافاً . فلا يمتاز بعض العمال عن بعض إلا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التى يؤدونها وأهميتها ، فإذا كان عملهم واحداً فإن الأجر المقرر لجميعهم ينبغى أن يكون متماثلاً ، بما مؤداه أن قاعدة التماثل فى الأجر للأعمال ذاتها ، تفرضها وتقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر فى نطاقها .



وحيث إنه يبين من الاطلاع على المذكرة الإيضاحية لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة أن أحكام هذا القانون تقوم على أسس موضوعية وذلك عن طريق الاعتداد أولاً " بالوظيفة " باعتبارها مجموعة من الواجبات والمسئوليات يلزم للقيام بها توافر اشتراطات معينة فى شاغلها تتفق مع نوعها وأهميتها وتسمح بتحقيق الهدف من إيجادها ، وأن هذا الاعتداد الموضوعى لا يتعارض مع الجانب الآخر للوظيفة المتمثل فى " العامل " الذى يقوم بأعبائها وما يتطلبه هذا الجانب " البشرى " لا الشخصى من الاعتداد بالخبرة النظرية أو المكتسبة اللازمة للقيام بأعباء الوظيفة ومراعاة ذلك فى الأجر الذى يحصل عليه بوصفه مقابلاً موضوعياً لا شخصياً لما يناط به من مسئوليات .



وحيث إن من المقرر أن النصوص القانونية التى ينظم بها المشرع موضوعاً محدداً لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها ، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر عن فراغ ، ولا يعتبر مقصوداً لذاته ، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها ، وتعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها ، وطريق الوصول إليها .



وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان النص الطعين قد قضى باحتفاظ العامل المعين بمكافأة شاملة بأجره عند تعيينه على وظيفة دائمة ولو كانت هذه المكافأة تزيد على بداية الأجر المقرر لدرجة الوظيفة طبقاً لجدول الأجور رقم (1) المرافق لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة والذى يمنح لزملائه الذين عينوا فى الوظيفة ذاتها ، وذلك بالرغم من أن الوظيفة التى يشغلها كلاً من الفريقين واحدة ومن ثم يكون هذا النص قد أخل بقاعدة التماثل فى الأجر للأعمال ذاتها والتى تقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر فى نطاقها ، كما يتعارض مع حق العامل فى اقتضاء الأجر العادل لقاء عمله الذى يتكافأ مع عمل نظيره بالمخالفة بالنص المادة (13) من الدستور .



وحيث إن الدستور أولى مبدأ المساواة أهمية كبرى ، إذ نصت المادة (40) منه على أن " المواطنين لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة " . ويعتبر هذا المبدأ ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى ، وأن غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة . فإذا ما قام التماثل فى المراكز القانونية التى تنظم بعض فئات المواطنين وتساويهم بالتالى فى العناصر التى تكونها ، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى تطبيقها فى حقهم ، فإن خرج المشرع على ذلك سقط فى حمأة المخالفة الدستورية .



وحيث إن النص الطعين مايز بين فئتين من العاملين الخاضعين لنظام قانونى واحد هو نظام العاملين المدنيين بالدولة ، إذ قضى باحتفاظ من كان منهم معيناً بمكافأة شاملة بأجره السابق عند تعيينه على وظيفة دائمة ، فى حين أن زملاءهم الذين عينوا فى الجهة ذاتها فى ذات الوظيفة لا يستحقون إلا بداية الأجر المقرر لدرجة الوظيفة طبقاً للجدول رقم (1) المرافق للقانون المشار إليه ، دون أن يستند هذا التمييز إلى أساس موضوعى يبرره ، ومن ثم يضحى هذا التمييز تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة (40) من الدستور .



ولا ينال مما تقدم أن من كان معيناً بمكافأة شاملة اكتسب خبرة فى مجال الوظيفة التى كان يباشر أعمالها مما يلزم أن ينعكس على أجره ، ذلك أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة عالج هذا الأمر بأن أجاز بنص المادة (27) منه معدلاً بالقانون رقم 115 لسنة 1983 حساب مدة الخبرة العملية التى تزيد على مدة الخبرة المطلوب توافرها لشغل الوظيفة على أساس أن تضاف إلى بداية أجر التعيين عن كل سنة من السنوات الزائدة علاوة بحد أقصى خمس علاوات من علاوات درجة الوظيفة المعين عليها وبشرط ألا يسبق زميله المعين فى ذات الجهة فى وظيفة من ذات الدرجة فى التاريخ الفرضى لبداية الخبرة المحسوبة سواء من حيث الأقدمية فى درجة الوظيفة أو الأجر .



وحيث إن مقتضى حكم المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو عدم تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالى لنشر الحكم الصادر بذلك ، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر إلا ما استقر من حقوق ومراكز صدرت بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضى أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخاً آخر لسريانه ، لما كان ذلك وكان إعمال الأثر الرجعى للحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ، سيؤدى إلى زعزعة كثير من المراكز القانونية التى استقرت للعاملين الذين أفادوا من حكمه ، ومن ثم فإن هذه المحكمة حفاظاً منها على ما استقر من هذه المراكز القانونية فإنها ترى إعمال الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها وتحدد لسريان هذا الحكم تاريخاً آخر هو اليوم التالى لنشره .



فلهذه الأسباب



حكمت المحكمة :



أولاً : بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما نصت عليه من " كما يسرى هذا الحكم على العاملين المعينين بمكافآت شاملة عند تعيينهم فى وظائف دائمة " .



ثانياً : بتحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخاً لإعمال أثره .









مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




عدم دستورية المادة 112/1 من لائحة نظام العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر








عدم دستورية نص الفقرة (1) من المادة 112



من لائحة نظام العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر







باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا







بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 14 يناير سنة 2007 م، الموافق 25 ذى الحجة سنة 1427هـ برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبدالواحد رئيس المحكمةوعضوية السادة المستشارين :ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين ومحمد عبد القادرعبدالله وأنور رشاد العاصى وإلهام نجيب نوار وسعيد مرعى عمرو وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر





أصدرت الحكم الآتى فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 177 لسنة 26 قضائية " دستورية ". المحالة من المحكمة الإدارية لوزارة النقل والمواصلات بمجلس الدولة بموجب حكمها الصادر بجلسة 17/5/2004، فى الدعوى رقم 474 لسنة 46 قضائية المقامة من السيد/ جورج صموئيل متياس ضد



1- السيد وزير النقل والمواصلات.



2- السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لسكك حديد مصر.



3- السيد مدير إدارة أقسام حركة القاهرة لسكك حديد مصر.



الإجراءات



بتاريخ الخامس والعشرين من شهر أغسطس سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 474 لسنة 46ق، بعد أن قضت المحكمة الإدارية لوزارة النقل والمواصلات بمجلس الدولة بجلسة 17/5/2004 بوقف نظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادة (112) من لائحة العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، فيما لم يتضمنه من ضرورة إنذار العامل قبل إنهاء خدمته للانقطاع.



وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.



وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.



ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



المحكمة



بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.



حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 474 لسنة 46 ق، أمام المحكمة الإدارية لوزارة النقل والمواصلات، طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار رقم 346 لسنة 1999 الصادر من إدارة أقسام حركة القاهرة بالهيئة القومية لسكك حديد مصر بنقله من وظيفة إلى أخرى، وأثناء تداول الدعوى عدل المدعى طلباته بإضافة طلب جديد بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 787 لسنة 1999 الصادر بإنهاء خدمته لتغيبه عن العمل، لعدم إنذاره قبل إصدار القرار. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع شبهة عدم دستورية نص المادة (112) من لائحة العاملين بهيئة سكك حديد مصر، التى صدر قرار إنهاء خدمة المدعى بناءً عليها، فقد أوقفت الدعوى وأحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى ذلك النص فيما لم يتضمنه من تقرير ضرورة إنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته للانقطاع عن العمل.



وحيث إنه تنفيذاً للفقرة (6) من المادة 17 من القانون رقم 153 لسنة 1980 بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، والتى تقضى بتخويل مجلس إدارة الهيئة اقتراح وضع اللائحة المتعلقة بتعيين العاملين بالهيئة وترقيتهم وتحديد رواتبهم ومكافآتهم وسائر شئونهم الوظيفية وتصدر اللائحة بقرار من وزير النقل، أصدر وزير النقل قراره رقم 17 لسنة 1982 بإصدار هذه اللائحة متضمنة النص فى المادة (112) منها على أن : "يعتبر العامل مقدما استقالته فى الحالات الآتية:



1- إذا إنقطع عن عمله بغير إذن أكثر من ثلاثين يوماً متتالية، مالم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان خارجاً عن إرادته وبعذر مقبول، وفى هذه الحالة يجوز للسلطة المختصة أن تقرر عدم حرمانه من أجره عن مدة الانقطاع إذا كان له رصيد من الأجازات يسمح بذلك، وإلا وجب حرمانه من أجره عن هذه المدة، فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت إعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.



2- إذا إنقطع عن عمله بغير إذن مدداً تبلغ أكثر من خمسة وأربعين يوماً غير متصلة فى السنة ولم يقدم عذراً تقبله الهيئة فتعتبر خدمته منتهية من اليوم التالى لاكتمال هذه المدة.



3- إذا التحق بخدمة أية جهة أجنبية بغير ترخيص من حكومة جمهورية مصر العربية، وفى هذه الحالة تعتبر خدمته منتهية من تاريخ التحاقه بالخدمة فى الجهة الأجنبية.



وفى جميع الأحوال لا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً إذا كان قد اتخذ ضده أى إجراءات تأديبية خلال الشهر التالى لانقطاعه عن العمل أو لالتحاقه بالخدمة فى الجهة الأجنبية أيهما أسبق".



وحيث إن المحكمة الإدارية لوزارة النقل والمواصلات قد أوردت فى حكمها بالإحالة أن المادة المشار إليها، وقد خلت من ثمة ما يلزم جهة الإدارة بأن تقوم بإنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته للانقطاع، تكون قد أهدرت ضمانة جوهرية للعامل لا يجوز إغفالها ليستبين لها إصرار العامل على تركه وعزوفه، وذلك على خلاف نص المادة (98) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 رغم وحدة المركز القانونى للعاملين فى الحالتين بما يتضمن إخلالاً بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة (40) من الدستور.



وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها، على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك ، وكان النزاع الموضوعى يدور حول طلب المدعى وقف تنفيذ وإلغاء قرار إنهاء خدمته بسبب انقطاعه عن العمل أكثر من ثلاثين يوماً متصلة لعدم إنذاره ، فإن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بالفقرة (1) من المادة (112) المشار إليها فيما لم تتضمنه من ضرورة إنذار العامل المنقطع عن العمل لمدة أكثر من ثلاثين يوماً متصلة قبل إنهاء خدمته، وذلك دون باقى الأحكام التى إشتملت عليها تلك المادة.



وحيث إن المسلم به أن الاستقالة – سواء الصريحة أم الضمنية- إنما تقوم على إرادة العامل، حيث تستند الاستقالة الصريحة إلى طلب كتابى يقدمه العامل بينما تقوم الاستقالة الضمنية على اتخاذه موقفاً ينبئ عن انصراف نيته إلى ترك العمل بحيث لا تدع ظروف الحال أى شك فى دلالته على حقيقة المقصود منه- ويتمثل هذا الموقف فى إصرار العامل على الانقطاع عن العمل. وقد أخذ المشرع هذا الأمر فى الحسبان عند صياغته لنص المادة الطعينة وكذا نص المادة (98) من قانون العاملين المدنيين بالدولة بقوله "يعتبر العامل مقدماً استقالته ......." ، فأراد أن يرتب على الاستقالة الضمنية – إذا ما توافرت عناصرها وتكاملت أركانها- ذات الأثر المترتب على الاستقالة الصريحة وهى إنتهاء خدمة العامل . ولخطورة هذه القرينة على الحياة الوظيفية للعامل فقد أحاطها المشرع فى المادة (98) المشار إليها بإجراءات وضمانات الغرض منها الاستيثاق من موقف العامل بحيث يترتب على مخالفة تلك الإجراءات أن يضحى القرار الصادر بإنهاء الخدمة مخالفاً للقانون".



ويتعين لإعمال أثر القرينة القانونية المترتبة على انقطاع العامل عن العمل بإنهاء خدمته، أن تقوم جهة الإدارة بإنذاره كتابة، على اعتبار أن الإنذار على هذا النحو إجراء جوهرى الغرض منه أن يستبين لها مدى إصراره على ترك العمل وعزوفه عنه – ومن جهة أخرى- إعلانه بما سوف يتخذ قبله من إجراءات حيال هذا الانقطاع حتى يتمكن من إبداء عذره قبل اتخاذ هذه الإجراءات، وكان من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة- أن الاستقالة الحكمية هى تعبير عن الإرادة الضمنية للعامل، إعراباً منه عن عزوفه عن العمل وإعراضه عن أدائه، فلا يجوز إجباره عليه، وكلتاهما – الاستقالة وما فى حكمها- يأتى تقنيناً لمبدأ حرية العمل والحق فيه المنصوص عليه فى المادتين 13و 14 من الدستور، باعتبار أن الأصل فى العمل أن يكون إرادياً قائماً على الاختيار الحر، وفى غير ذلك لا يكون الإنهاء إلا بالطريق التأديبى.



وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة يعد الشريعة العامة التى تسرى على جميع العاملين بالجهات الإدارية المختلفة، إلا أن الطبيعة الخاصة للنشاط الذى تزاوله بعض هذه الجهات أو الاشتراطات اللازم توافرها فى العاملين بها قد تقتضى إفراد هؤلاء العاملين بأحكام خاصة تختلف باختلاف ظروف ومقتضيات العمل فى كل منها، بما قد يؤدى إلى المغايرة فى الأوضاع الوظيفية – أو بعضها- بين العاملين الخاضعين لهذه التشريعات وبين أقرانهم من العاملين الخاضعين لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، مراعاة للطبيعة الخاصة لتلك الوظائف.



لما كان ذلك، وكانت الهيئة القومية للسكك الحديدية الصادر بإنشائها القانون رقم 153 لسنة 1980، وهى من الهيئات التى خول المشرع مجلس إدارتها حق اقتراح وضع لوائح بانظمة خاصة لشئون العاملين بها، وقد صدر بلائحة تلك الهيئة قرار وزير النقل رقم 17 لسنة 1982، إلا أن المشرع عند وضعه هذه اللائحة لم ير أثراً للطبيعة الخاصة للنشاط الذى تزاوله الهيئة يقتضى إفراد هؤلاء العاملين بأحكام خاصة فى شأن قواعد إنهاء خدمتهم ، ومن ثم فقد جاء هذا التنظيم فى مجمله مواز ومساو للتنظيم العام، بل حرصت اللائحة على تأكيد هذا المعنى بالنص فى المادة (118) منها على اعتبار قانون العاملين المدنيين بالدولة مكملاً لها فيما لم يرد به نص خاص فيها، وإذ أغفل المشرع فى النص الطعين اشتراط إنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته للانقطاع- وهو الأمر الذى يشكل إهداراً لضمانة جوهرية للعامل تمتع بها سائر العاملين المدنيين بالدولة، ومن ثم فإنه يكون قد أخل بمبدأ المساواة أمام القانون الذى أرساه الدستور بنص المادة (40) منه بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعى- لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق التى كفلها الدستور، وإنما يمتد كذلك إلى ما يكون منها قد تقرر بقانون- أو بآداة تشريعية أدنى- فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المخاطبين بأحكامها.



لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وآثار يرتبها ، من بينها فى مجال حق العمل ، ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها محدداً، وإنهاؤه معبراً حقاً وصدقاً عن إرادة العامل فى العزوف عنه، خاصة إذا كان إنهاء علاقة العمل مرده إلى الإرادة الضمنية للعامل متمثلة فى إصراره على الانقطاع، وسيلة للتعبير عن رغبته فى التحلل من رابطته، ومن هنا كان حرص المشرع فى قانون العاملين المدنيين بالدولة على إلزام جهة الإدارة بإنذار العامل المنقطع عن العمل بعد فترات معينة من انقطاعه، لخطورة هذه القرينة على حياة العامل الوظيفية، وحتى يطمئن إلى سلامة إرادة العامل فى الدلالة على رغبته فى فصم عرى رابطة العمل. إذ كان ذلك وكان النص الطعين قد أغفل شرط الإنذار الكتابى المسبق للعامل قبل إنهاء خدمته للانقطاع، فإنه بذلك يكون قد أخل بضمانة جوهرية بما ينطوى على تمييز غير مبرر بين العاملين بتلك الهيئة وغيرهم من العاملين الخاضعين لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة – رغم عدم تمايز أوضاعهم الوظيفية فى شأن الحقوق التى ينظمها النص الطعين.



وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل، إلا أنه لا يجوز لها أن تعطل جوهره، وعليها أن تضمن بتنظيمها سلامة شروط أدائه، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغى أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التى يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلبات ممارستها وإلا كان تقريرها انحرافا بها عن غايتها، يستوى فى ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية. لما كان ذلك، وكانت لائحة العاملين بهيئة السكك الحديدية لم تضمن النص الطعين ضمانة جوهرية فى الوقوف على الإرادة الضمنية للعامل فى ترك العمل، فإن ذلك يحمل فى طياته شبهة إجباره على ترك العمل وإنهائه على خلاف إرادته الحقيقية، ويصم التنظيم اللائحى الذى وضعه المشرع فى هذا الشأن بمخالفته نص المادة (13) من الدستور. بل إن إنهاء علاقة العمل دون الاستناد إلى إرادة حقيقية من العامل يجعل الأمر على هذا النحو بمثابة فصل غير جائز حصل بغير الطريق التأديبى مخالفاً لنص المادة (14) من الدستور التى لا تجيز ذلك إلا فى الأحوال التى يحددها القانون.



وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن كل مخالفة للدستور، سواء تعمدها المشرع أم انزلق إليها بغير قصد، يتعين قمعها. كما أن الدستور يكفل لكل حق أو حرية نص عليها، الحماية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وتتمثل هذه الحماية فى الضمانة التى يكفلها الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم، والتى يعتبر إنفادها شرطاً للانتفاع بها فى الصورة التى تصورها الدستور نطاقاً فاعلاً لها، وهذه الضمانة ذاتها هى التى يفترض أن يستهدفها المشرع، وأن يعمل على تحقيق وسائلها من خلال النصوص القانونية التى ينظم بها هذه الحقوق وتلك الحريات ، وشرط ذلك بطبيعة الحال أن يكون تنظيمها كافلاً تنفسها فى مجالاتها الحيوية، وأن يحيط بكل أجزائها التى لها شأن فى ضمان قيمتها العملية، فإذا نظمها المشرع تنظيماً قاصراً، وذلك بأن أغفل أو أهمل جانباً من النصوص القانونية التى لا يكتمل هذا التنظيم إلا بها، كان ذلك إخلالاً بضمانتها التى هيأها الدستور لها، وفى ذلك مخالفة للدستور. لما كان ذلك، وكان المشرع لم يضمن النص الطعين شرط الإنذار المسبق للإعتداد بانقطاع العامل عن العمل- قبل إنهاء خدمته- حتى يمكن أن تقوم به القرينة على اتجاه إرادته الضمنية إلى تأكيد رغبته فى عدم الاستمرار فى العمل ، فإن تنظيمه على هذا النحو يكون قاصراً ومخالفاً لمبدأ سيادة القانون الذى نصت عليه المادة (64) من الدستور.



وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم ، يكون النص الطعين قد تردى فى حمأة مخالفة أحكام المواد (13و 14و 40 و64) من الدستور.



فلهذه الأسباب



حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة (1) من المادة 112 من لائحة نظام العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحرى رقم 17 لسنة 1982، فيما لم تتضمنه من وجوب إنذار العامل كتابة قبل إنهاء خدمته لانقطاعه عن العمل بغير إذن أكثر من ثلاثين يوماً متتالية.









مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



عدم دستورية قرار وزير التعليم رقم 305 لسنة 2005 بتط بيق نظام التقويم الشامل








عدم دستورية قرار وزير التربية والتعليم رقم 305 لسنة 2003 بتطبيق



نظام التقويم الشامل المستمر بالحلقة الإبتدائية من التعليم الأساسى.







باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا







بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 14 يناير سنة 2007 م، الموافق 25 ذى الحجة سنة 1427هـ برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبدالواحد رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين :ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعلى عوض محمد صالح والدكتور حنفى على جبالى وماهر سامى يوسف والدكتور عادل عمر شريف.وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضينوحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر



أصدرت الحكم الآتى



فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 220 لسنة 26 قضائية "دستورية". المحالة من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة (الدائرة الأولى) بموجب حكمها الصادر بجلسة 6/9/2004 فى الدعوى رقم 7019 لسنة 58 قضائية.



المقامة من



1- السيد/ محمد أمين راشد، بصفته ولياً طبيعياً على ولديه القاصرين أدهم وميار.

2- السيد/ مصطفى محمود حسن، بصفته ولياً طبيعياً على ولديه القاصرين عبدالله وعبدالرحمن.

ضد



1- السيد وزير التربية والتعليم.



2- السيد محافظ الجيزة



3- السيد وكيل أول وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة.



4- السيد مدير إدارة العمرانية التعليمية.



5- السيد مدير مدرسة يوسف جاد الله التجريبية للغات.



الإجراءات



بتاريخ الثامن عشر من نوفمبر سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 7019 لسنة 58 قضائية من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، بعد أن قضت فيها تلك المحكمة بجلسة 6/9/2004 "بقبول الدعوى شكلاً، وفى الطلب العاجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه رقم 305 لسنة 2003 الصادر بتطبيق نظام التقويم الشامل المستمر بالحلقة الابتدائية من التعليم الأساسى، وفى الموضوع بوقف الدعوى وإحالتها بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية ذلك القرار فيما تضمنه من نسبة 30% المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القرار".



وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.



وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.



ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



المحكمة



بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.



حيث إن الوقائع -على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى الموضوعية ابتغاء القضاء بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزير التربية والتعليم رقم 305 لسنة 2003 بتطبيق نظام التقويم الشامل المستمر بالحلقة الإبتدائية من التعليم الأساسى، والذى قضى بإن يتم تطبيقه بصفة تجريبية على عينة قوامها 30% من مدارس هذه الحلقة للعام الدراسى 2003/2004؛ وبجلسة 6/9/2004 صدر حكم الإحالة مؤسساً على أن القرار المطعون فيه وإن صدر ممن يملكه، إلا أنه وقد تضمن تطبيق النظام الذى أتى به على عينة قوامها 30% من مدارس الحلقة الإبتدائية دون غيرها من المدارس المماثلة، فقد أكتنفته شبهة عدم الدستورية لمخالفة مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين أصحاب الفئة المتماثلة المراكز القانونية .



وحيث إن الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة غايتها أن ترد إلى قواعد الدستور كافة النصوص التشريعية المطعون فيها –سواء أقرتها السلطة التشريعية أو أصدرتها السلطة التنفيذية فى حدود صلاحيتها التى ناطها الدستور بها- وسبيلها إلى ذلك أن تفصل بأحكامها النهائية فى الطعون الموجهة إليها شكلية كانت أو موضوعية؛ وبديهى أن يكون استيثاقها من استيفاء هذه النصوص لأوضاعها الشكلية سابقاً على فحصها لها من الناحية الموضوعية.



وحيث إن نصوص القرار المطعون فيه تجرى على النحو الآتى:



"المادة الأولى: يطبق نظام التقويم الشامل المستمر بصفة تجريبية على عينة قوامها 30% من مدارس الحلقة الإبتدائية من التعليم الأساسى فى مختلف محافظات الجمهورية للعام الدراسى 2003 – 2004.

المادة الثانية: يكون اختيار العينة التى يطبق عليها نظام التقويم الشامل المستمر المشار إليه وإجراء عملية التقويم، طبقاً للقواعد والضوابط المرفقة بهذا القرار



المادة الثالثة: .......



المادة الرابعة: يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره، وعلى جميع الجهات كل فيما يخصه تنفيذه".

وقد صدر هذا القرار بتاريخ 13/12/2003. والثابت أن الإدارة المركزية للتعليم الأساسى أفادت بكتابها المؤرخ 16/2/2006 –المرفق بالأوراق- أنها قد أخطرت به مديريات التعليم المختلفة عن طريق البريد بتاريخ 29/12/2003، غير أنه لم ينشر بالوقائع المصرية أو الجريدة الرسمية.



وحيث إن النص فى المادة (188) من الدستور على أن "تنشر القوانين فى الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها، ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالى لتاريخ نشرها إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر"، يدل –على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- على أن اخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية يعتبر شرطاً لإنبائهم بمحتواها، ونفاذها فى حقهم؛ ولايتحقق ذلك إلا من خلال نشرها وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها. وعلة ذلك أن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها، وذيوع أحكامها، واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع التذرع بالجهل بها، ولأن حملهم قبل نشرها على النزول عليها يتمحص إخلالاً بحرياتهم أو بالحقوق التى كفلها لهم الدستور؛ ومؤدى ذلك ولازمه؛ أن القاعدة القانونية التى لا تنشر لا تتكامل مقوماتها التى اعتبر الدستور تحققها شرطاً لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها؛ وعلى ما اتصل منها بالحق فى التعليم على وجه الخصوص.



وحيث إن من المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تكتمل فى شأنها الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فى شأنها؛ لا تفقد مقوماتها بإعتبارها كذلك فحسب، بل إن تطبيقها فى شأن المشمولين بأحكامها؛ مع افتقارها لهذه الأوضاع، لا يلتئم ومفهوم الدولة القانونية التى لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها إلا بخضوعها للقانون وسموه عليها باعتباره قيداً على كل تصرفاتها وأعمالها. متى كان ذلك؛ فإن تطبيق القرار المطعون فيه قبل نشره فى الوقائع المصرية، بالمخالفة لحكم المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية رقم 901 لسنة 1967، يزيل عن القواعد القانونية التى تضمنها صفتها الإلزامية فلا يكون لها قانوناً من وجود متعيناً القضاء بعدم دستوريته لمخالفته أحكام المواد (64 و65 و188) من الدستور.



فلهذه الأسباب



حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار وزير التربية والتعليم رقم 305 لسنة 2003 بتطبيق نظام التقويم الشامل المستمر بالحلقة الإبتدائية من التعليم الأساسى.










مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




عدم دستورية عجز المادتين 58 من قانون التموين ، و15 من قانون التسعير الجبري








عدم دستورية عجز نص المادتين (58) من المرسوم بقانون



رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، و(15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح،







باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا







بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 14 يناير سنة 2007 م، الموافق 25 ذى الحجة سنة 1427هـ برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين :عدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح والدكتور/ حنفى على جبالى والهام نجيب نوار وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه.



وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر



أصدرت الحكم الآتى فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 124 لسنة 25 قضائية "دستورية"



المقامة من



السيد/ محمد سعيد أحمد الفرماوى



ضد



1 – السيد رئيس الجمهورية



2- السيد رئيس مجلس الشعب



3 – السيد رئيس مجلس الوزراء



4 – السيد وزير العدل



5 – السيد وزير التموين



الإجراءات



بتاريخ أول إبريل سنة 2003، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 ، والمادة (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 .



وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .



وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .



ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



المحكمة



بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.



حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى – بصفته صاحب مستودع بوتاجاز ناهياً ببولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، وآخر بصفته المسئول عن إدارة المستودع – فى القضية رقم 3560 لسنة 2002 جنح أمن الدولة (طوارئ) بولاق الدكرور، أنهما فى يوم 16/11/2002 بدائرة قسم بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة:-



1- باعا سلعاً مسعرة (اسطوانة بوتاجاز) بسعر يزيد عن السعر المحدد لها .



2- لم يمسكاً السجلات المقررة ولم يتبعا أسلوب القيد بها .



وقدمتهما للمحاكمة الجنائية بطلب عقابهما بالمواد (1، 2، 9، 14، 15، 16، 20) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 المعدل بالقانون رقم 108 لسنة 1980، والمواد (1، 2، 14، 17/2) من القرار رقم 51 لسنة 1983 المعدل بالقرار رقم 70 لسنة 1983 ، والمادتين (1/أ ، ه ، 56) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدل بالقانون رقم 109 لسنة 1980. وحال نظر القضية بجلسة 22/2/2003 قدم المدعى فى الدعوى الدستورية مذكرة بدفاعه التمس فيها براءته مما نسب إليه، وذلك على سند من أن حالته المرضية تمنعه من الرقابة والإشراف على مستودع إسطوانات البوتاجاز المرخص باسمه، مما دفعه بتاريخ 4/4/1999 إلى طلب التوقف عن نشاطه فى بيع أسطوانات البوتاجاز، ولما لم ترد عليه الجهة الإدارية، فأنذرها فى 23/6/1999 باعتبار ذلك ترخيصا منها بالتوقف، إلا أنه فوجئ بتاريخ 20/7/1999 بصدور قرار محافظ الجيزة باستمراره فى النشاط ، فطعن عليه أمام محكمة القضاء الإدارى بالدعوى رقم 10161 لسنة 53 قضائية، طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رفض إنهاء الترخيص ، وفى الموضوع بإلغائه ، فأجابته المحكمة إلى طلبه وقف التنفيذ بحكمها الصادر بجلسة 29/2/2000 ، وتم غلق المخزن تنفيذاً لذلك، طعنت الجهة الإدارية فى الحكم الصادر فى الشق العاجل أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 5901 لسنة 46 قضائية بتاريخ 27/4/2000 طالبة إلغاءه فأجابتها المحكمة إلى طلبها .



وبتاريخ 1/10/2001، ولظروفه المرضية قام بتأجير المستودع (المخزن) وتسليمه لآخر الذى استخدم المتهم الثانى ، وظل الأخير وحده المسئول عن المستودع. ورغم تمسك المدعى ببراءته لاستحالة إشرافه على المستودع لكون المتهم الثانى هو المسئول عن إدارته، إلا أن النيابة العامة طلبت مساءلته جنائياً طبقاً للمادتين (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945، (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950، فدفع بجلسة 22/2/2003 بعدم دستورية هاتين المادتين. وبعد تقدير المحكمة لجدية الدفع قررت التأجيل لجلسة 5/4/2003 وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.



وحيث إن المادة (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين تنص على أن "يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم بقانون ويعاقب بالعقوبات المقررة لها، فإذا أثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المواد من (50) إلى (56) من هذا المرسوم بقانون".



وتنص المادة (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح على أن "يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم بقانون ويعاقب بالعقوبات المقررة لها. فإذا ثبت أنه بسبب الغياب أو إستحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المادتين (9)، (13)".

وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون عليهما أنهما أقاما قرينة قانونية افترض بمقتضاها مسئوليته – باعتباره صاحب المحل – مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام كلًّ من المرسومين بقانون سالفى البيان، وعاقبه بذات العقوبة، كما عاقبه بعقوبة الغرامة حتى لو أثبت أنه بسبب الغياب أو إستحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة الأمر الذى يعد مخالفة، للمواد (2، 67، 86، 165) من الدستور.



وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهىشرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.



لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر الضبط والمستندات المقدمة فى الدعوى أن الطاعن قد تمسك بعدم تواجده بالمحل – المرخص باسمه - وقت الضبط مما يحول دون إمكان مراقبة ومنع وقوع المخالفة وذلك لقيامه بتأجيره لآخر وانقطاع صلته به كإدارة. فإن نطاق الدعوى الماثلة لا يمتد إلا لعجز المادتين سالفتى البيان والذى ينص على معاقبته بعقوبة المخالفة إذا ثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة، حيث تكون المصلحة متوافرة بالطعن بعدم الدستورية على ما ورد بهذين النصين لما له من انعكاس على الفصل فى الدعوى الموضوعية.



وحيث إن الدستور قد عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا، ذلك أن الدستور فى المادة (86) منه قد ناط بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقاً لأحكامه، بينما أسند وفقاً للمادة (165) إلى السلطة القضائية ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور.



وحيث إن الدستور – فى إتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ، ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية – نص فى المادة (66) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها. وكان الدستور – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع عن فعل وقع بالمخالفة لنص عقابى، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء – فى زواجره ونواهيه – هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، فى علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم الفعل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه فى مجال تقدير توافر القصد الجنائى فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الإتهام التى قام الدليل عليها قاطعاً واضحاً، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقه من وراء ارتكابها – ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التى أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التى يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته – تعتبر واقعة فى منطقة التجريم ، كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها ، وتم التعبير عنها خارجياً فى صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.



وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الدستور كفل فى مادته السابعة والستين ، الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة فنصت الأولى على أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره فى محاكمة علنية، ومنصفة، وتقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه. بينما نصت الثانية فى فقرتها الأولى على حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه. وهذه الفقرة هى التى تستمد منها المادة (67) من الدستور أصلها، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة .



وحيث إن الأصل فى الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين باعتباره مسئولاً عنها، وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن "وطأتها" مع طبيعة الجريمة موضوعها. بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن "شخصية العقوبة" "وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطان بمن يعد قانوناً "مسئولاً عن ارتكابها"، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة التى كفلها الدستور بنص المادة (66) – شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما - ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة، ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها .



وحيث إن القانون الجنائى وأن إتفق مع غيره من القوانين فى تنظيمها لبعض العلائق التى يرتبط بها الأقرار فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها، فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد – ومن منظور اجتماعى – ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم، لا يكون مبرراً، إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور.



وحيث إنه على الرغم من أن الجرائم التموينية – المخالفات – محل النصين الطعينين لها طبيعية خاصة ، ووضعت لتحقيق سياسة اقتصادية معينة عن طريق تدخل الدولة لضمان توازن الأسعار وحماية المستهلك – إلا أن النصين الطعينين تضمنا فى فقرتهما الثانية، وهى التى تحدد بها نطاق الطعن الماثل على النحو سالف البيان، معاقبة صاحب المحل بعقوبة الغرامة رغم ثبوت إنه بسبب غيابه أو استحالة مراقبته لم يتمكن من منع وقوع المخالفة، مفترضاً بذلك علمه بوقوع المخالفة ومسئوليته عنها لمجرد كونه مالكاً للمحل والترخيص صادر باسمه، ومن ثم فقد أقام المشرع قرينة تحكمية غير مرتكزة على أسس موضوعية، ذلك أن الواقعة البديلة التى اختارها لا ترشح فى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بالمخالفة ثابتة بحكم القانون ولا تربطها بالتالى علاقة منطقية بها، بل أن الثابت – وفقاً للنص – هو الاستحالة، ومن ثم فإن عمل المشرع هذا يُعد جزاءً جنائياًَ حدد اعتسافاً عن مخالفة لتكليف بمستحيل، لا يحقق أى مصلحة اجتماعية، ومجاوزاً موازين الاعتدال، ولا تربطه علاقة منطقية بالغرض منه، بما يخرجه عن إطار المشروعية الدستورية، ويكون مخالفاً لمبدأ شخصية العقوبة ماساً بالحرية الشخصية ومهدراً أصل افتراض البراءة، ومخلاً بحق الدفاع وجائراً على ولاية السلطة القضائية وحقها المنفرد فى تقدير أدلة الثبوت والنفى فى الجريمة المنسوبة إلى المتهم، الأمر الذى يتعارض وأحكام المواد (41 ، 67 ، 69 ، 86 ، 165) من الدستور .



فلهذه الأسباب



حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز نص المادتين (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين ، (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح، فيما نصا عليه من معاقبة صاحب المحل بعقوبة الغرامة إذا ثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة..









باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا







بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 14 يناير سنة 2007 م، الموافق 25 ذى الحجة سنة 1427هـ برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين :عدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح والدكتور/ حنفى على جبالى والهام نجيب نوار وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه.



وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر



أصدرت الحكم الآتى فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 124 لسنة 25 قضائية "دستورية"



المقامة من



السيد/ محمد سعيد أحمد الفرماوى



ضد



1 – السيد رئيس الجمهورية



2- السيد رئيس مجلس الشعب



3 – السيد رئيس مجلس الوزراء



4 – السيد وزير العدل



5 – السيد وزير التموين



الإجراءات



بتاريخ أول إبريل سنة 2003، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 ، والمادة (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 .



وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .



وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .



ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



المحكمة



بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.



حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى – بصفته صاحب مستودع بوتاجاز ناهياً ببولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، وآخر بصفته المسئول عن إدارة المستودع – فى القضية رقم 3560 لسنة 2002 جنح أمن الدولة (طوارئ) بولاق الدكرور، أنهما فى يوم 16/11/2002 بدائرة قسم بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة:-



1- باعا سلعاً مسعرة (اسطوانة بوتاجاز) بسعر يزيد عن السعر المحدد لها .



2- لم يمسكاً السجلات المقررة ولم يتبعا أسلوب القيد بها .



وقدمتهما للمحاكمة الجنائية بطلب عقابهما بالمواد (1، 2، 9، 14، 15، 16، 20) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 المعدل بالقانون رقم 108 لسنة 1980، والمواد (1، 2، 14، 17/2) من القرار رقم 51 لسنة 1983 المعدل بالقرار رقم 70 لسنة 1983 ، والمادتين (1/أ ، ه ، 56) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدل بالقانون رقم 109 لسنة 1980. وحال نظر القضية بجلسة 22/2/2003 قدم المدعى فى الدعوى الدستورية مذكرة بدفاعه التمس فيها براءته مما نسب إليه، وذلك على سند من أن حالته المرضية تمنعه من الرقابة والإشراف على مستودع إسطوانات البوتاجاز المرخص باسمه، مما دفعه بتاريخ 4/4/1999 إلى طلب التوقف عن نشاطه فى بيع أسطوانات البوتاجاز، ولما لم ترد عليه الجهة الإدارية، فأنذرها فى 23/6/1999 باعتبار ذلك ترخيصا منها بالتوقف، إلا أنه فوجئ بتاريخ 20/7/1999 بصدور قرار محافظ الجيزة باستمراره فى النشاط ، فطعن عليه أمام محكمة القضاء الإدارى بالدعوى رقم 10161 لسنة 53 قضائية، طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رفض إنهاء الترخيص ، وفى الموضوع بإلغائه ، فأجابته المحكمة إلى طلبه وقف التنفيذ بحكمها الصادر بجلسة 29/2/2000 ، وتم غلق المخزن تنفيذاً لذلك، طعنت الجهة الإدارية فى الحكم الصادر فى الشق العاجل أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 5901 لسنة 46 قضائية بتاريخ 27/4/2000 طالبة إلغاءه فأجابتها المحكمة إلى طلبها .



وبتاريخ 1/10/2001، ولظروفه المرضية قام بتأجير المستودع (المخزن) وتسليمه لآخر الذى استخدم المتهم الثانى ، وظل الأخير وحده المسئول عن المستودع. ورغم تمسك المدعى ببراءته لاستحالة إشرافه على المستودع لكون المتهم الثانى هو المسئول عن إدارته، إلا أن النيابة العامة طلبت مساءلته جنائياً طبقاً للمادتين (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945، (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950، فدفع بجلسة 22/2/2003 بعدم دستورية هاتين المادتين. وبعد تقدير المحكمة لجدية الدفع قررت التأجيل لجلسة 5/4/2003 وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.



وحيث إن المادة (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين تنص على أن "يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم بقانون ويعاقب بالعقوبات المقررة لها، فإذا أثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المواد من (50) إلى (56) من هذا المرسوم بقانون".



وتنص المادة (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح على أن "يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم بقانون ويعاقب بالعقوبات المقررة لها. فإذا ثبت أنه بسبب الغياب أو إستحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المادتين (9)، (13)".

وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون عليهما أنهما أقاما قرينة قانونية افترض بمقتضاها مسئوليته – باعتباره صاحب المحل – مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام كلًّ من المرسومين بقانون سالفى البيان، وعاقبه بذات العقوبة، كما عاقبه بعقوبة الغرامة حتى لو أثبت أنه بسبب الغياب أو إستحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة الأمر الذى يعد مخالفة، للمواد (2، 67، 86، 165) من الدستور.



وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهىشرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.



لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر الضبط والمستندات المقدمة فى الدعوى أن الطاعن قد تمسك بعدم تواجده بالمحل – المرخص باسمه - وقت الضبط مما يحول دون إمكان مراقبة ومنع وقوع المخالفة وذلك لقيامه بتأجيره لآخر وانقطاع صلته به كإدارة. فإن نطاق الدعوى الماثلة لا يمتد إلا لعجز المادتين سالفتى البيان والذى ينص على معاقبته بعقوبة المخالفة إذا ثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة، حيث تكون المصلحة متوافرة بالطعن بعدم الدستورية على ما ورد بهذين النصين لما له من انعكاس على الفصل فى الدعوى الموضوعية.



وحيث إن الدستور قد عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا، ذلك أن الدستور فى المادة (86) منه قد ناط بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقاً لأحكامه، بينما أسند وفقاً للمادة (165) إلى السلطة القضائية ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور.



وحيث إن الدستور – فى إتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ، ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية – نص فى المادة (66) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها. وكان الدستور – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع عن فعل وقع بالمخالفة لنص عقابى، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء – فى زواجره ونواهيه – هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، فى علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم الفعل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه فى مجال تقدير توافر القصد الجنائى فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الإتهام التى قام الدليل عليها قاطعاً واضحاً، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقه من وراء ارتكابها – ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادى، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التى أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التى يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته – تعتبر واقعة فى منطقة التجريم ، كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها ، وتم التعبير عنها خارجياً فى صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.



وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الدستور كفل فى مادته السابعة والستين ، الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة فنصت الأولى على أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره فى محاكمة علنية، ومنصفة، وتقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه. بينما نصت الثانية فى فقرتها الأولى على حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه. وهذه الفقرة هى التى تستمد منها المادة (67) من الدستور أصلها، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة .



وحيث إن الأصل فى الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين باعتباره مسئولاً عنها، وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن "وطأتها" مع طبيعة الجريمة موضوعها. بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن "شخصية العقوبة" "وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطان بمن يعد قانوناً "مسئولاً عن ارتكابها"، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة التى كفلها الدستور بنص المادة (66) – شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما - ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة، ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها .



وحيث إن القانون الجنائى وأن إتفق مع غيره من القوانين فى تنظيمها لبعض العلائق التى يرتبط بها الأقرار فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها، فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد – ومن منظور اجتماعى – ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم ، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم، لا يكون مبرراً، إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور.



وحيث إنه على الرغم من أن الجرائم التموينية – المخالفات – محل النصين الطعينين لها طبيعية خاصة ، ووضعت لتحقيق سياسة اقتصادية معينة عن طريق تدخل الدولة لضمان توازن الأسعار وحماية المستهلك – إلا أن النصين الطعينين تضمنا فى فقرتهما الثانية، وهى التى تحدد بها نطاق الطعن الماثل على النحو سالف البيان، معاقبة صاحب المحل بعقوبة الغرامة رغم ثبوت إنه بسبب غيابه أو استحالة مراقبته لم يتمكن من منع وقوع المخالفة، مفترضاً بذلك علمه بوقوع المخالفة ومسئوليته عنها لمجرد كونه مالكاً للمحل والترخيص صادر باسمه، ومن ثم فقد أقام المشرع قرينة تحكمية غير مرتكزة على أسس موضوعية، ذلك أن الواقعة البديلة التى اختارها لا ترشح فى الأعم الأغلب من الأحوال لاعتبار واقعة العلم بالمخالفة ثابتة بحكم القانون ولا تربطها بالتالى علاقة منطقية بها، بل أن الثابت – وفقاً للنص – هو الاستحالة، ومن ثم فإن عمل المشرع هذا يُعد جزاءً جنائياًَ حدد اعتسافاً عن مخالفة لتكليف بمستحيل، لا يحقق أى مصلحة اجتماعية، ومجاوزاً موازين الاعتدال، ولا تربطه علاقة منطقية بالغرض منه، بما يخرجه عن إطار المشروعية الدستورية، ويكون مخالفاً لمبدأ شخصية العقوبة ماساً بالحرية الشخصية ومهدراً أصل افتراض البراءة، ومخلاً بحق الدفاع وجائراً على ولاية السلطة القضائية وحقها المنفرد فى تقدير أدلة الثبوت والنفى فى الجريمة المنسوبة إلى المتهم، الأمر الذى يتعارض وأحكام المواد (41 ، 67 ، 69 ، 86 ، 165) من الدستور .



فلهذه الأسباب



حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز نص المادتين (58) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين ، (15) من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح، فيما نصا عليه من معاقبة صاحب المحل بعقوبة الغرامة إذا ثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة..