بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

21 يونيو 2010

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




طبيعةأوامر الأداء والطعن فيها - الجزء الأول








طبيعة اوامر الاداء والطعن فيها







مقدمات :



أوجب المشرع استثناء من القواعـد العـامة في رفع الدعوي الالتجاء الي نظام استصدار اوامر الاداء عند المطالبة بدين من النقود إذا كان ثابتاً بالكتابة وحال الاداء ومعين المقدار .... سواء اكان الدين صغير ام كبير ( م 851 مرافعات ) .....



ولسنا نبغي من هذا البحث بسط احكام نظام اوامر الاداء وانما نهدف الي بيان طبيعة امر الاداء التي ثار حولها الخلاف في الفقه والقضاء لما لها من اهمية عملية سواء من حيث الاثار القانونية المترتبه علي امر الاداء او من حيث طرق الطعن فيه خصوصا بعد ان اصبح الدائن ملزما بأن يسلك طريق استصدار امر الاداء في مطالبته بدينة الثابت بالكتابة الحال الاداء والمعين المقدار دون ان يسلك الطريق العادي في رفع الدعاوي



ولكنا نري قبل تناول ما نهدف اليه من هـذا البحث أن نبين إجمالاً اجراءات استصدار امر الاداء التي أوجبها القانون والتي تبدأ بأن يكلف الدائن مدينة بالوفاء بميعاد ثلاثة ايام علي الاقل ثم يتقدم للقاضي المختص بعريضة مشتملة علي وقائع طلبه واسانيده واسم المدين كاملا ومحل اقامته مع المستندات المؤيدة لاستصدار امر الاداء - ثم يصدر القاضي الامر مبيناً به المبلغ الواجب الاداء من أصل وفوائد ومصاريف إذا رأى أن يجيب الدائن إلى كل طلباته - أما اذا رأى ألا يجيبه اليها أو إلي بعضها كان عليه ان يمتنع عن اصدار الامر وأن يحدد جلسة لنظر الدعوي أمام المحكمة بالطريق العادي مع تكليف الدائن خصمه بالحضور إليها ( م 852 و853 و854 مرافعات ) وإذا اصدر القاضي الاداء كان للمدين المعارضة فيه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ اعلانه .



والذي نراه في طبيعة أمر الأداء أنه ليس أمراً على عريضة لاختلافها من حيث إجراءات الصدور والآثار التي رتبها القانون لكل منها ---- رغم انهما يتفقان في انهما يصدرون من قاض علي عريضة في غيبة الخصوم وبدون سماع مرافعة وذلك للامور الاتية :-



أولا :- أن الأمر علي عريضة يصدر بإتخاذ اجراءات وقتية أو تحفظية أو إدارية لتنظيم سير الخصومة التي لم تبدأ بعد فهي لا تفضل في خصومة بين طرفين متنازعين أما أمر الأداء فهو يفضل في مطالبة بحق وخصومة قائمة حول الحق لا حول اجراءات وقتيةولذلك فعمل القاضي في اصداره الامر علي عريضة ولائي بعكس عمله في اصدار الامر بالاداء فهو عمل قضائي



ثانيا :- ان القانون قد جعل استصدار أوامر الاداء وجويا واعتبره طريقا لرفع الدعوي استثاء من القواعد العامة وذلك في حالات المطالبة بالديون الثابتة بالكتابة .... وعلي ذلك فإن طلب استصدار امر الاداء يعد مطالبة قضائية dema de en justice لأن فيه معي المطالبة امام القضاء بالحق مطالبة جازمة بعد تكليف المدين بالوفاء ، ولا ينال من ذلك ان القاضي يفضل في طلب امر الاداء في غيبة المدين ودون تكليف بالحضور ما دام ان المشرع قد اراد رفع الدعوي بهذا الطريق وجعل سلوك هذا الطريق حتميا في حالة الديون الثابتة بالكتابة فضلا عن انه في تكليف المدين بالوفاء قبل طلب استصدا الامر علي عريضة فلا يشترط فيه إعـلان الخصم قبل طلب استصدار الامر علي عريضة .



ثانيا :- أن المادتين 853 و 857 مرافعات قد قضتا صراحة بأن الامر بالاداء يعتبر بمثابة حكم غيابي كما ان الحكم في المعارضة يعتبر يمثابة حكـم حضوري مما تتنفي معه فكرة ان الامر بالاداء يأخذ حكم الامر علي عريضة بمعني ان يكون واجب النفاذ وبقوة بالقانون وقضاء حكم المادة 466/1 مرافعات ـ ولذلك قضت المادة 857 مكرر مرافعات علي انه سري علي الامر بالاداء والحكم الصادر في المعارضة فيه الاحكام الخاصة بالنفاذ المعجل حسب الاحوال التي يبينها القانون شأنها في ذلك شأن باقي الأحـكام مما يستدل منه علي ان امر الاداء ليس امرا علي عريضة بل هو حكم قضائي كغيرة من الاحكام ( المذكرة الايضاحية للقانون 485 سنة 1953 المعدل لقانون المرافعات ) .



أن أمر الاداء يعتبر كأن لم يكن إذا لم يعلن للمدين خلال سته شهور من تاريخ صدوره ( م 856 مرافعات ) وهو ذات الحكم اذا لم يعلن الحكم الغيابي خلال ستة اشهر من تاريخ صدوره وفقا للمادة 393 مرافعات فإنه يعتبر كذلك لم يكن ... أما الامر علي عريضة فإنه يسقط إذا لم يقدم للتنفيذ في ظرف ثلاثين يوما من تاريخ صدوره



أمر الاداء حكم قضائي :-



وينبني علي ما تقدم ان امر الاداء غيابي فاصل في خصومة بحيث اذا لم يعارض فيه يصبح بعد فوات مواعيد المعارضة بمثابة حكم حضوري - كما انه اذا كانت قيمة الدعوي الصادر فيها الامر بالاداء لا تجاوز الخمسين جنيها فان امر الاداء بعد فوات مواعيد المعارضة يعتبر حكما نهائيا غير قابل للطعن ( راجع مستعجل مصر 12 ديسمبر سنة 1954 محاماة س 36 ص 1107 ) .



ولا ينال من كون أمر الأداء بمثابة حكم قضائي أنه لا تحرر له أسباب لأن المشرع هو الذي رسم طريق استصدار امر الاداء تبسيطا للاجراءات ولم يتطلب تحرير اسباب له علي اساس ان موضوعه من الوضوح فهو لا يصدر إلا في حالة الديون الثابتة بالكتابة والحـالة الاداء والمعينة المقدار – بحيث لا ضرورة أو أهمية من تحرير أسباب له . وعلي ذلك فلا نري صحيحا القول بان امر الاداء قضاء قطعي ملزم في مطالبة بحق وان كان معلقا علي شرط عدم التظلم فيه ، فإذا تحقق شرط عدم التظلم اصبح لامر الاداء كل حجية الحكم واثاره ، وذلك لأ ننا رأينا ان امر الاداء قبل المعارضة فيه بمثابة حكم غيابي فله حجة الحكم الغيابي واثاره ما لم يسقط بمضي ستة شهور من تاريخ صدوره دون إعلانه للخصم المدين ـ ولأنه بفوات مواعيد المعارضة يصح حكما حضوريا له آثاره كذلك وعلي ذلك فاالأمر بالاداء قوة الحكم مشمولا بالنفاذ ، كما انه تسري عليه احكام النفاذ المعجل المتعلقة بالاحكام الغيابية كما انه ينبني علي صدور امر الاداء قطع مدة التقادم وسريان الفوائد اذ يجوز للقاضي ان يأمر بالفوائد مع مبلغ الدين في امر الاداء بدليل ما نصت عليه المادة 853 فقرة اخيرة من انه يجب ان يبين بامر الاداء المبلغ الواجب الاداء من اصل وفائدة ومصاريف وتستند اثار امر الاداء الي تاريخ طلب الامر لا الي تاريخ صدوره



قضاء الاستئناف :



ومع وضوح القواعد المتقدمة وما جاء بالمذكرة الايضاحية سالفة الذكر رأت محكمة استئناف الاسكندرية ان امر الاداء لا يخرج في الواقع عن كونه امر صادرا علي عريضة ولا يرفع عنه هذا الوصف ان المشرع اعتبره بمثابة حكم غيابي اجاز فيه المعارضة وبمثابة حكم حضوري اذا لم ترفع المعارضة في الميعاد المحدد ـ اذا انه اذا اعتبره كذلك لم يقصد غير الاثار التي تترتب علي هذا الامر دون اعتباره حكما بمعناه المحدد كسائر الاحكام وان المعارضة في امر الاداء لا تعدو ان تكون تظلما كما هو الشان في الاوامر الصادرة علي عرائض وان معني اعتباره امر الاداء بمثابة حكم غيابي او حضوري هو ان يكون كذلك من حيث شموله بالنفاذ من عدم اما فيما ، عدا ذلك فلا يعتبر حكما كسائر الاحكام وذلك علي اساس انه لا يفصل في خصومة ولم يبن علي اسباب يمكن مناقشتها لدي استئنافه وان الخصومة لا تنعقد في الامر بالاداء الا عند الطعهن عليه بطريق المعارضة ( استئناف اسكندرية 6 ديسمبر سنة 1955 مجلة المحامة ص 1358 ) .



وبنت محكمة استئناف الاسكندرية علي ذلك في حكمها ان استئناف امر الاداء ذاته غير جائز سواء فوت المستانف ميعاد المعارضة فيه او لم يفوتها ويكون الحكم الصادر في المعارضة في امر الاداء هو الذي يقبل الطعن فيه بالاستئناف



علي ان هذا الراي مردود في نظرنا بما وردنا بالبند الثالث من هذا البحث وبين الشارع قد ساوي بين امر الاداء والحكم الغيابي من حيث احكام النفاذ وصرح في مذكرته الايضاحية بانه ليس من قبل الاوامر علي العرائض كما ساوي بينهما من حيث السقوط اذا لم يعلن اي منهما خلال ستة شهور من تاريخ صدوره ثم ساوى بينهما من حيث السقوط اذا لم يعلن اي منهما لكل منهما خمسة عشر يوما من تاريخ اعلان الحكم العيابي او امر الاداء ( م 288 – 855 مرافعات ) .



وقد كان للراي القابل بأن امر الاداء هو امر علي عريضة من نصوص قانون المرافعات الخاصة باستيفاء الديون الثابتة بالكتابة ( م 851 مرافعات وما بعدها ) قبل تعديلها بالقانون 265 و 485 سنة 1953 اذا كانت المادة 855 مرافعات تنص قبل التعديل علي ان التظلم من الامر يكون خلال ثمانية ايام من تاريخ اعلانه ، وكانت المادة 857 قبل تعديلها تنص علي ان امر الدفع يعتبر كان لم يكون اذا لم يعلن للمدين في ظرف ثلاثين يوما من تاريخ صـدوره وذلك اسواه بالاوامر علي العرائض .



ولكن بتعديل المواد سالفة الذكر اتجه الشرع الي الوضع السليم للامر بالاداء من حيث انه فصل في خصومة حول حق بدون مرافعة فاعتبر امر الاداء بمثابة حكم غيابي واعتبر التظلم منه ومعارضة شان المعارضة في الحكم الغيابي مما حدا بالمشرع الي ان يستعمل لفظ المعارضة في امر الاداء بدلا من لفظ التظلم وان يجعل ميعاد المعرضة في الامر متفقا مع ميعاد المعارضة في الاحكام الغيابية وكذلك نص في المادة 856 علي ان يعتبر كان لم يكن اذا لم يعلن للمدين خلال سنة اشهر منتاريخ صدوره كما هو الحال في الاحكام الغيابية تماما علي ما تقدم ( راجع المذكرة التفسيرية للقانون 265 و 485 سنة 1953 المعدلين لقانون المرافعات



1- وينبني علي كون امر الاداء حكما لا امرا علي عريضة فضلا عن الاثار التي للاحكام الغيابية كما يينا :-



اولا :- انه يخضع للاحكام التي وضعها القانون لقواعد في الاحكام فلا يجوز للطعن فيه الا ممن صدر ضده الامر كما لا يجوز الطعن في الامر ممن قبله او ممن قضي له بكل طلباته كما ان مواعيد الطعن فيه لا تبدا الامن تاريخ اعلان الامر الي نفس المدين او في موطنه الاصلي كما ان المعارضة في امر الاداء ترفع بتكليف بالحضور امام المحكمة التي اصدرت الامر المعارض فيه سواء اكانت محكمة المواد الجزئية او المحكمة اابتدائية حسب الاحوال علي ان يراعي في صحيفة المعارضة ان تشتمل علي بيان الامر المعارض فيه واسباب والا كاننت باطلة ( 389 و 855 مرافعات )



ثانيا :- ان امر الاداء يجوز استئنافه قبل المعارضة فيه لانه بمثابة حكم غيابي والاحكام الغيابية يجوز استئنافها قبل الطعن فيها بالمعارضة علي ان يعتبر الطعن في الحكم اليابي بطريق الاستئناف نزولا عن حق المعارضة ( 387 مرافعات ) وكذلك يجوز الطعن في الحكم الصادر في المعارضة في امر الاداء بالاستئناف سواء اكان قد صدر بتاييد امر الاداء ام بالغائة ويبدا ميعاد استئناف امر الاداء اذا لم يطعن فيه بالمعارضة من اليوم التالي لانقضاء ميعاد المعارضة اما ميعاد استئناف الاحكام الصادرة في المعارضة فيبدا منتاريخ اعلانها للمحكوم عليه .



شكل استئناف امر الاداء :-



وليست التفرقة بين استئناف امر الاداء دون الطعن فيه بالمعارضة وبين استئناف الحكم الصادر في المعارضه المرفوعة عن امر الاداء قاصرة علي بدء ميعاد الاستئناف وانما ثار الخلا بصددها عن البحث في شكل الاستئناف المرفوع في الحاين اذ نصت المادة 405 مرافعات علي طريقين لرفع الاستئناف او لهما بان يرفع لاستئناف بعريضة تقدم الي قلم كتاب المحكمة المختصة وهذا الطريق هو طريق استئناف كافة الدعاوي فيما عدا المنصوص عليه في المادة 118 مرافعات والطريق التاني ان يرفع الاستئناف بتكليف بالحضور تراعي فيه الاوضاع المقررة بصحيفة افتتاح الدعوي وذلك طريق استئناف الاحكام الصادرة في الدعاوي المنصوص عليها في المادة 118 مرافعات المعدلة بق 264 سنة 1953 وهي :-



(1) الدعاوي المستعجلة



(2) دعاوي شهر الافلاس والدعاوي البحرية متي كانت السفينة في المينا



(3) دعاوي السندات الاذنية والكمبيالات



(4) كل الدعاوي التي ينص علي وجوب الفصل فيها علي وجه السرعة



(5) دعاوي التماس اعادة النظر . وقد رتب القانون علي عدم مراعاة الطريق القانوني لرفع الاستئناف بطلانه الذي تملك المحكمة من تلقاء نفسها القضاء به ( م 405 مرافعات )



وقد انقسم الرائ في طريقة استئناف امر الاداء وطريقة استئناف الحكم الصادر في المعارضة الي ثلاثة اراء.-



الرأي الاول :- ذهب الي ان العبرة في استئناف الاحكام الصادرة في المعارضة في امر الاداء هو بموضوع الدعوي التي صدر فيها الاداء فان كانت ضمن الدعاوي المنصوص عليها في المادة 118 مرافعات كان الاستئناف بتكليف بالحضور والا كان الاستئناف بطريق عريضة الي قلم الكتاب واتخاذ اجراءات الاستئناف المنصوص عليها قانونا في هذه الحالة وكذلك تكون العبرة في استئناف امر الاداء دون المعارضة فيه موضوع الدعوي التي صدر فيها



والرأي الثاني :- ذهب الي التسوية كذلك بين استئناف امر الاداء دون المعارضة في دين استئناف الحكم الصادر في معارضة من حيث شكل الاستئناف فاشترط ان يكون الاستئناف في الحالين بتكليف بالحضور استنادا الي ان المعارضة في امر الاداء يفصل فيها علي وجه السرعه عملا بنص المادة 855 مرافعات وعلي ذلك فتدخل ضمن الدعاوي التي تضمنها نص المادة 118 مرافعات سالف الذكر وان امر الاداء الذي لم يعارض فيه يصدر كذلك باجراءات رسمها القانون علي وجه السرعة اذ تطلب صدوره خلال ثلاثة ايام علي الاكثر من تقديم عريضة امر الاداء ( م 853 مرافعات ) .



ويعيب الرأي الأول : انه لم يعتد بما نصت عليه المادة 855/2 مرافعات من ان " قلم المحضرين يقيد دعويالمعارضة ( في امر الاداء ) من تلقاء نفسه ويحكم فيها علي وجه السرعه ...." مما يجعل المعارضة في امر الاداء من الدعاوي التي يحكم فيها علي وجه السرعة والتي يشملها نص المادة 118 مرافعات ، وبالتالي يكون استئنافها بطريق التكليف بالحضور .



كما يعيب الرأي الثاني : انه اعتبر امر الاداء صادرا في دعوي علي وجه السرعه مع ان القانون لم ينص صراحة علي ذلك ومن ثم فلا يمكن اعتبار امر صادرا في دعوي يحكم فيها علي وجه السرعه للماده 118 مرافعات التي اشترطت في الدعاوي التي يحكم فيها علي وجه السرعه ان ينص القانون علي وجوب ذلك ولا يمكن اعتبار دعوي انها من الدعاوي التي يحكم فيها علي وجه السرعة مالم يصرح بذلك القانون .



الرأي الثالث :- وهو الذي نراه – يفرق بين استئناف امر الاداء دون المعارضة فيه وبين دين استئناف الحكم االصادر في امر الاداء .







اما استئناف أمر الاداء دون المعارضة فيه فالعبرة في طريقة رفعه بموضوع الدعوي التي صدر فيها فان كانت ضمن دعاوي المادة 118 مرافعات كدعاوي السندات والكمبيالات كان استئناف الحكم الصادر فيها بطريق التكليف بالحضور لان امر الاداء الذي لم يعارض فيه بمثابة حكم حضوري فيرجع في تعرف طريقه استئنافه الي موضوع الدعوي فاذا خرج موضوعها عن الدعاوي المنصوص عليها في المادة 118 مرافعات كان استئناف الحكم فيها بعريضة الي قلم كتاب المحكمة المختصة بالاستئناف



اما الاستئناف الحكم الصادر في المعارضة في امر الاداء فاننا نري دائما انه ينبغي رفعه بتكليف .



بالحضور دون اعتداد بموضوع الدعوي سواء كانت تدخل ضمن دعاوي المادة 118 مرافعات ام لا ذلك لان القانون قد افصح عن ان المعارضة في امر الاداء يفصل فيها علي وجه السرعة (1) ومن ثم فتعد من الدعاوي التي يتضمنها نص المادة 118 مرافعات وبالتالي يكون استئناف الاحكام الصادر فيها بتكليف بالحضور .



أهمية التفرقة :-



واهمية التفرقة بين طريقي الاسئتناف بالنسبة الامر الاداء او للحكم الصادر في المعارضة فيه تظهر في امرين :-



أولا :- مواعيد الطعن بالاستئناف .



ثانيا :- مدي انطباق قاعدة انه لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا علي من رفع عليه المنصوص عليها في المادة 384 مرافعات .



أما من حيث مواعيد الطعن بالاستئناف فهي في حالة الاستئناف بطريق التكليف بالحضور عشرين يوما لاحكام محاكم المواد الجزئية واربعين يوما لاحكام المحاكم الابتدائية وينقض هذان الميعادان الي النصف في مواد الأوراق التجارية ويكون الميعاد عشرة ايام في المواد التي يوجب القانون فيها الفصل علي وجه السرعه ( م 402 مرافعات ) وفي حالة رفع الاستئناف بعريضة الي قلم الكتاب ينبغي ان تقدم العريضة الي قلم الكتاب خلال المواعيد سالفة الذكر وهي عشرين يوما لاحكام المحاكم الجزئية واربعين يوما لاحكام المحاكم الابتدائية ثم يعلن المستانف عليها خلال الثلاثين يوما التالية لتقديم عريضة الاستئناف بالاستئناف المرفوع ( م 405 و 406 مرافعات ) .



ويعتبر الاستئناف مرفوعا في الحالة الاولي باعلان صحيفة الاستئناف ورقة تكليف بالحضور وفي الحالة الثانية بمجرد تقديم عريضة الاستئناف الي قلم كتاب المختصة وقبل اعلانها الي الخصوم وتفريعا علي ما تقدم يكون ميعاد استئناف امر الاداء دون المعارضة فيه اذا كان صادر في دعوي يوجب القانون الفصل فيها علي وجه السرعة او كان صادرا في مواد الاوراق التجارية كدعاوي السندات الاذنية او الكمبيالات عشرة ايام بالنسبة للأوامر الصادر من المحاكم الجزئية وعشرين يوما بالنسبة للاوامر الصادرة من المحاكم الابتدائية .



أما اذا كان أمر الاداء قد صدر في غير دعاوي المادة 118 مرافعات وكان استئنافه بطريق تقديم عريضة الي قلم الكتاب فان مواعيد الاستئناف تكون هي المبنية بالمادة 402 سالفة الذكر مع وجوب اعلان استئناف للخصوم بعد ذلك خلال الثلاثين يوما التالية لتقديم عريضة الاستئناف .



أما مواعيد الاستئناف في حالة استئناف الحكم الصدر في المعارضة في امر الاداء فهي عشرة ايام دائما من تاريخ الاعلان فينبغي اعلان ورقة التكليف بالحضور ( صحيفة الاستئناف ) الي المستانف عليه خلال هذا الميعاد مهما كان موضوع الدعوي الصادر فيها امر الاداء المعرض فيه وذلك لما قدمنا من ان المعارضة في امر الاداء من الدعاوي التي اوجب القانون الفصل فيها علي وجه السرعة .









مكتب  /  محمد جابر عيسى المحامى


الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي - الجزء الثاني








اما الاعمال المادية الحقل الخصب للمسئولية فيتمتع علي مجلس الدوية نظرها وبذا يكون التحدث في امر النظرية الادارية معركة في غير ميدان وتظل الغلبة للنظرية المدنية التي تضاع لها علي الدوام محاكمنا المدنية .



فالواجب اذن علي الاقل في حدود التنظيم القضائي الحالي استبعاد النظرية الادارية والواقع اننا لو سايرنا الراي المضاد لوصلنا الي مفارقات لا يسيعتها الذوق القانوني فلو لجا شخص – ثري الحال- الي المحكمة الادارية التي لا تنعقد حتي الان الا في القاهرة والاسكندرية واستخلص منها حكما بالتعويض عن خطا للادارة بدعوي انه مصلحي واستعصي علي اخر متواضع الحال رفع الدعوي امامها بخصوص نفس الواقعة – بسبب ظروفه المادية التي تنوء بمصاريف الانتقال من بلدته التائية الي مقر المحكمة الادارية فاقام الدعوي امام المحكمة المدنية القريبة منه ووجدت الاخيرة نفسها مقيدة بالقواعد ثم حكمت في غير صالحة فان في هذه النتيجة التي تتاذي منها العدالة ردا مفحما لمن يقول بالنظرية الادارية في مصر .



ثانيا : في الموضوع :-هناك فكرة ملحة ظلت تداعب خاطري دائما ... لماذا لا نستظل بالقواعد المدنية بدلا من كل هذا العناء ؟ قد تلوح امامنا بعض الحجج الهزيلة , وهذه لن تقف امامها طويلا (1) فالتحجج – مثلا – بان القانون المدني لا ينظم الا علاقات الافراد فيما بينهم جوابه ان القانون المصري بالذات سوي بين الاشخاص الطبيعية والاعتبارية ( م 52 /53 مدني) واعطي للاخيرة كل الحقوق التي للاولي خلا ما استثي وحينما سن المشرع لائحة ترتيب المحاكم من قبل واعطي للقضاء ولاية التعويض عن القرارات الادارية المعيبة لم يفرد لذلك احكاما خاصة وفي هذ الدليل الكافي علي اعتباره القواعد المدنية القانون العام في هذا الميدان .



ما الزعم بان العلاقة بين الموظف والادارة ليست علاقة تعاقدية كتلك القائمة بين التابع والمتبوع فيرد عليه بان التعاقد ليس اساسا لقيام المسؤلية الاخيرة يؤكد هذا المعني العميد السنهوري احد واضعي القانون المدني في كتابه الوسيط حيث يقول " تقوم علاقة التبعية علي سلطة فعليه فليس ضروريا من جهته ان تكون هذه السلطة عقدية تقوم علي الاختيار



وهذه حجة ثالثة – القوعد المدنية عاجزة عن معالجة حالة خطا المصلحة اي عندما يكون الخطأ غير منسوب الي شخص معين " ويمكننا نفنيد هذه الحجة بانه يمكن مساءلة الادارة هنا علي اساس خطاها الشخصي ( المادة 163 مدني) لا خطاها المفترض بوصفها متبوعة (م 174 مدني) هذا ومن المتفق عليه في حالة الخطأ المصلحي الذي يكون فيه الموظف محدث الضرر غير معروف تطبق النظرية المدنية ( راجع السنهوري الوسيط ص 1018 والتطبيقات العديدة التي اوردها بالهامش )



ناتي الي حجة رابعة قد تكون براقة المظهر مجملها ان مجلس الدولة لا يسعه مجال – وهو المتحرر المتطور – ان يدور في فلك النظرية المدنية ؟؟؟



وقد رددنا علي ذلك – عند بحث الاختصاص - بما فيه الكفاية ومع ذلك دعنا نتامل قليلا النظرية المدنية لنحلها في الموضع الملائم لها في ركب التطور والارتقاء اشار القانون المدني القديم الي هذه النظرية في المادة 152 فنص علي انه " يلزم السيد ايضا بتعويض الضرر الناشئ عن افعال خمسة متي كان واقعا منهم حالة تادية وظائفهم والنص كما تدل صياغة يضيق رابطه التبعية ما امكنه ورغم ذلك فان القضاء المدني لم يقف مكتوف الايدي حيالة بل اشيعة تفريعا وتطويعا حتي وصل الي مساءلة المتبوع اذا كانت الوظيفة قد سهلت او ساعدت او هيات الفرصة لارتكاب الخطأ اي اذا كان الخطأ قد ارتكب بمناسبة تادية الوظيفة ( السنهوري المرجع السابق ص 1025 ) وشتان بين النص وبين ذلك القضاء



ثم جاء القانون الحالي بالمادة 174 قاصدا من ذلك توكيدا ما انتهي اليها القضاء المصري من نتائج ( السنهوري ص1013 ) فاذا كان القضاء المدني قد استبق التشريع بهذه الخطوات بل الطفرات الهائلة .. فكيف يري بعد ذلك بالجود ؟ لقد انتحي قضائنا المدني الي نفس النتيجة التي اعلنها مجلس الدولة الفرنسي ولكن علي اسس ثابتة وقواعد راسخة



واذا كانت سهام القصد قد تحطمت جميعا امام هذا الصرح الشامخ الذي شاده القضاء المدني فان نظرة واحدة داخل محراب ذلك القضاء – وكيف انه امسك العصا من وسطها معطيل كل ذي حق حقه كفيلة بان تزيدنا استمتاكا بالنظرية المدنية :



اولا – مركز المضرور : تسال الادارة عن خطا موظفها ايا كانت درجة الخطأ حتي ولو كان يسيرا والمضرور في هذا ينعم بميزة غير متوافرة في النظرية الادارية حيث لا تسال الادارة الا عن خطاها الجسيم فحسب , وحيث ينقسم الخطأ – علي غير اساس – سوي التحكم الذي لا سند له الي خطا ظاهر الوضوح , واخر جسيم علي النحو الذي قضلناه في حينه والادارة حيث يثبت الخطأ علي موظفها لا تستطيع المحاورة والمداورة ... عليها ان تكفكف الام المضرور لا يهم في ذلك ان يكون الخطأ شخصيا او مصلحيا . وبذلك نعفي انفسنا من مشكلتين نصطدم بهما في النظرية الادارية:



الاولي:- وضع معيار جامع مانع للخطا المصلحي اذ ان الادارة ازاء المضرور مسؤلة دائمة وفي مقابل ذلك انها ترجع علي الموظف من ناحية اخري في كل الاحوال .



الثانية :- تقدير درجة الخطأ المصلحي في كل حالة علي حدة وهل الخطأ علي قدر معين من الجسامة يبرر مسئولية الادارة . نحن هنا نكيل بكيل واحد واف . ان المعيار المجرد in abstract الذي شرعه القانون المدني ادعي الي الثبات واقرب الي الاطمئنان فالادارة تسال عن كل خطا لا تقع فيه ادارة متوسطة العناية وجدت في نفس الظروف الخارجية وعامل الظروف الخارجية هذه هي التي تضفي علي النظرية المدنية . الحيوية فيجعلها طازجة ابدا . ويقول اعميد السنهوري في وصف ذلك المعيار ( ويتبين ان الظرف الواحد قد يكون ظرفا داخليا شخصيا بالنسبة الي شيء معين ثم ينقلب الي ظرف خارجي عام بالنسبة الي شخص اخر وفي هذه القضية بها ما يجعل القياس المجرد او فر مرونة واكثر مطاوعة لمقتضيات الظروف ( السنهوري – المرجع السابق – ص 785 – بيذة 529 ) ويقصد بالظروف الخارجية : الظروف التي تحيط بكل الناس كظروف الزمان والمكان وهنا نستشعر حنين القضاء الاداري الي نظريتنا المدنية حينما اخد يحاسب المراق وفقا لهذه الظروف ( الزمان / المكان ) وعندما مال في نهاية الامر الي التاسي بالنظرية المدنية ووضع معيار موضوعي لقياس خطا المرفق ( ثانيا) مركز الادارة . ترجع الادارة علي الموظف في كل الاحوال هذا وان كان هناك تضامن دفع التعويض بين الادارة والموظف ( م 169 مدني) فان الادارة تكون متضامنة مع الموظف لا عنه ولا يجديه في حالة رجوعها عليه ان يدفع في مواجهتها بان خطاها مفترض اذ ان هذه قرينة اقامها المشرع لصالح المضرور ولا لصالح الموظف المسئول ومن ناحية اخري لا يمكن للموظف دفع مسئوليته بزعم ان الخطأ مصلحي ... وفي هذا تنحاز النظرية المدنية ايضا



( ثالثا ) مركز الموظف . قر في اذهاننا الان ان الموظف مسئول دائما حتي عن خطئه اليسير وعن ذلك الخطأ الذي يسميه الاداريون شخصيا وهذا امر مستحب بقدر ماهو مطلوب اذ بغير هذا السلاح المسلط لا يستقيم عمل ولا يرعوي مخطئ ومع ذك فان الموظف يستطيع ان يجعل له مخرجا من احكام هذه المسؤلية اذ بدت ثقيلة قاسية علي النحو الاتي ( ) الخطأ المباح تنص المادة 167 مدني علي " انه لا يكون الموظف العام مسؤلا عن عمله الذي اضر بالغير اذا قام به تنفيذ لامر صدر اليه من رئيس متي كانت اطاعة هذا الامر واجبة عليه او كان يعتقد مشروعية العمل الذي وقع منه وكان اعتقاده مبنيا علي اسباب معقولة وانه راعي في عمله جانب الحيطه" والاعفاء في هذه الحالة قاصر علي الموظف المرؤوس ولا يتمتع به الرئيس الا اذا انطبق عليه النص بشروطه الواردة فيه (2) الرجوع في حدود الخطأ " تقرر المادة 175 مدني" ان للمسئول عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها هذا الغير مسؤلا عن تعويض الضرر والموظف غالبا ما تتقاسم معه الادارة وزر الخطأ وعلي هذا يتعين عليها الا تحاسبه الا عن خطئه وحده (3) حق العفو . الادارة ان ملكت حق الرجوع علي الموظف الا انها كثيرا ما تعفو عنه تخفيضا وترفيها وبديهي ان العفو هنا حق للادارة لا للموظف فهو منحه منها لا واجب عليها ويراعي بطبيعة الحال ظروف كل موظف علي حده وفي هذا مزيد من المرونه للقاعدة المدنية (4) التعسف في استعمال الحق : يري الدكنور سليمان الطحاوي ( المرجع السابق ص 250 ) انا رجوع الادارة علي الموظف واقتضائها التعويض منه كاملا عن خطا قد يكون تافها ان هو الا ضرب من الاعتساف في استعمال الحق مصدافا للمادة 5/3 مدني التي تجري عباراتها بالاتي : يكون استعمال الحق غير مشروع في الاحوال الاتية ............. ب- اذا كانت المصالح التي يري الي تحقيقها قليلة الاهمية بحيث لا تتناسب البته مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها



من جماع ما تقدم ننتهي الي الحقيقتين الاتيين :



اولا – ان القضاء الاداري المصري يتعذر عليه تطبيق نظرية الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي :



1- علي الاعمال المادية لانه غير مختص بها



2- وعلي الاعمال الادارية لانه مرتبط بالنصوص المدنية



ثانيا :- ان النظرية المدنية ادني الي صوالح كل من المضرور والادارة والموظف من النظرية الادارية وهذا هو راينا الخاص



وعسي الا نكون قد وقعنا في خطا .......... في معالجة ذلك " الخطأ "











مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي - الجزء الأول








الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي







لم تعد نظرية الخطأ المصلحي عصية علي النقد بعد ان فقدت التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي اهميتها بالنسبة للادارة – بعد ان طور القضاء الفرنسي النتائج المبنية عليها تطويرا لا يتلائم ومصلحة في كثير من الحالات وسنتناول في نقدنا الموضوع من زاويتين تشمل الاول . معايير التفرقة وتتصرف الثانية الي الاثار المترتبة علي التفرقة .



نقد معايير التفرقة :



لم نتوان في نقد كل مذهب من المذاهب المتقدمة التي حاولت إقامة حاجز فاصل بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي ، ونحن هنا ننقد المذاهب مجتمعه في إغفالها نوعا هاما من الخطأ المصلحي يسمي عند البعض بخطأ المصلحة عند faute service ذلك ان الخطأ المصلحي اما ان يقع من موظف يكون متسبباً فيه غاية ما هناك أنه يسأل عنه لوقوعه منه اثناء وبسبب الوظيفة ودون وجود قصد لديه للاضرار بشخص من وراء هذا الخطأ ويسمي في هذه الحاله : الخطأ المصلحي faute de service ، وقد يقع الخطأ المصلحي نتيجة سوء تنظيم الإدارة واختلال سيرها ويسمي في هذه الحالة خطأ المصلحة faute de service .



ومن أمثلة هذه الصورة قضية ( انجيه ) سالفة الذكر وقضية ( كليف ) وملخصها أن البوليس قبض علي أحـد المتظاهرين في عيد العمال ( اول مايو ) واودعه احدى الثكنات العسكرية تمهيدا لإستجوابه وهناك اعتدى أحـد الجنود عليه بالضرب المبرح ورغم عدم معرفة المعتدين بالتحديد فقد قضي مجلس الدولة في 13/3/1935 بمسؤلية الادارة لانها باهمالها الرقابة علي الثكنات قد سلمت الفرصة لوقوع الاعتداء . فالخطأ هنا ليس راجعا الي شخص بعينه بل الي الادارة في مجموعها ( سيري 1936 – ح 3 ص 37 ) .



ويعنينا ان نؤكد هنا ان خطا المصلحة وان نسب الي المرفق كله دون ان يلصق باحد عماله بالذات إلا ان هذا لا ينفي انه خطا وان الادارة تؤخذ به كوحدة ولذا يتعين علي المضرور ان يثبت هذا الخطأ وعلي ضوء ما تقدم تتحدد مسؤلية الإدارة عن خطأ المصلحة واضحة ومستقلة عن مسؤليتها من نظرية المخاطر التي تكتفي بالضرر دون الخطأ .



ولازالت حتي يومنا هذا – التفرقة بين الخطئين يعوزها الضابط القاطع – الذي فيه فصل الخطاب ومهما حاول انصار النظرية الإدارية التغطية علي هذا العيب الجوهري بالضرب علي نغمة وجوب انقضاء حل مناسب لكل حاله علي حدة ... فان الامر سيظل مختلفا غامضا . صحيح ان النظريات الادارية تتسم بالليونه والمرونه – ولكن فرق كبير بين المرونه داخل اطار ثابت الاركان معلوم لكل المعنيين بالامر فرق بين هذا وبين ذلك الاضطرب والاضطرام الذي يحلق بسحبه الكشيفة فوق نظريتنا الادارية هذه فيحيلها طلسها مجهلا لا معني له .. بلا اركان ولا اثار ...



ليس في هذا القول غلو ولا اسراف ، واذا ما شخصنا بابصارنا الي القضاء الفرنسي – مهد النظرية واحسسنا في غير جهد ما نقول .



فقد عرضت علي محكمة ديجون المدينة قضية المدرس ( مورزوت ) التي اقامها احد اولياء التلاميذ ضد هذا المدرس الذي كان يعمل بمدرسة ديجون ويلقن تلاميذه دروسا مشبعة بالاحاد والانحلال منها .



1- ان رجال الدين هم مشعلوا الحرب



2- وانهم مجرد طفيليات



3- وان الجنود الفرنسيين جبناء



4- وان الالمان في الحرب السبعينية احسنوا صنعا اذ قتلوا الاطفال



5- وان من يعتقد في وجود الله غبي



6- وعلي الطلبة الا يعترفوا بخطاياهم لرجال الدين بل لهؤلاء الذين يصيبهم ضرر منهم



7- وان الله – سبحانه وتعالي – محفظه نقود مليئة



8- وانه لا اختلاف بين الانسان والبقرة فلكل منهما ذيلا



(أ‌) حكمت محكمة ديجون بان ارهاصات الدرس المتقدمة ان هي الا مجرد اختلاف في تقدير الامور



(ب‌) لجا المدعي الي محكمة استئناف ديجون فقضت ان الاقوال (1) و (2) تنطوي علي خطا مصلحي بينما تعد بقية الاقوال خطا شخصيا تختص به المحكمة



(ت‌) رفع المدير اشكالا الي محكمة التنازع . وراي المفوض ان اقوال المدرس تعتبر خطا جسما عدا القول رقم (6) فهمو نصيحة خلفية .



(ث‌) قضت محكمة التنازع ان اقوال المدرس جميعها خطا شخصي جسيم .



( انظر في ذلك الدكتور الطماري في مسؤلية الادارة عن اعمالها غير التعاقدية ص 92 وامثلة اخري في هامش ص 94 )



ومهما يكن من امر فان الجهود ان ذهبت ادراج الرياح بصدد تجديد " مبدا الخطأ المصلحي ، فانها قد ادركت قسطا وفيرا من النجاح في تعيين " مدي ذلك الخطأ علي التفصيل الذي اورده دويز في عرض صور الخطأ المصلحي الثلاثة وعلي كل حال فنحن لا نستطيع مجال النظر الي هذه الصور كميعاد لفصل الخطأ المصلحي عن الخطأ الشخصي اذ انها اقرب الي التصنيف منها الي التعريف فضلا عن ان هذه الصور كثيرا ما تتداخل في بعضها فالخطأ الايجابي مثلا في حالة اصابة جندي البوليس لاحد المتظاهرين وقتله قد يعتبر خطأ سلبيا من حيث ان الادارة قد اهملت في اتخاذ الحيطة الازمة في تنفيذ اجراءاتها البوليسية كذا مسؤلية الادارة عن صيواناتها كالاهمال في الاشراف علي خيولها مما يؤدي الي دهسها شخصا ما . ماهو في الواقع خطا سلبي لحمته الامبالاة وعدم الاكثرات



في نقد اثار التفرقة :-



نقسم الكلام في هذه النقطة الي قسمين



(1) في العلاقة بين المضرور , وكل من الادارة والموظف



(2) في العلاقة بين الادارة والموظف



العلاقة بين المضرور . وكل من الادارة والموظف :



درج الفقهاء علي المجاهرة بان المضرور اذا قاضي الادارة مطالبا بالتعويض فانه لا يستطيع اثبات مسئوليتها الا اذا كان الخطأ مصلحيا ومن هنا نبتت الاهمية العملية لهذه التفرقة فان الادارة تستطيع نفي مسؤليتها اذا اقامت الدليل علي ان الخطأ شخصي , لا يسال عنه الا الموظف المتسبب فيه وحدة دون غيره وعلي ذلك اذا جاء القضاء يوما وقال للادارة . انني مسئوله . شخصا سواء كان الخطأ شخصيا او مصلحيا لهزلت – بلا شك – هذه التفرقة ـ واصبحت سفسطة جوفاء لا طائل تحتها وهذا هو الذي حدث فعلا علي النحو الذي عرضناه تفصيلا عند الكلام علي فكرة الجمع بين الخطئين الشخصي والمصلحي والتي انتهت بالامساك بتلايب الادارة عن خطا الموضف الشخصي حتي ذلك الذي ياتيه كالمفروض اصلا ام عن خطا شخصي , حسب تطور القضاء الاداري الفرنسي , غير ان هذا القضاء قد تحفظ بالنسبة للخطا الاخير فجعل المسئولية بصدوره نسبية لا مطلقة كالحال في الاول .



أولا :- الخطأ المصلحي



هنا تلتزم الادارة وتلتزم وحها دون الموظف , فالموظف غير مسئول سواء امام المضرور او الادارة ومعني ذلك ان مسؤلية الادارة مطلقة وهذا مسلم به قضاء ونستقي من الاحكام قضية ( بورسين ) حيث تبين لمجلس الدولة ان ضابطا خلال الحرب العالمية الاولي اعدم شخصا رميا بالرصاص لجريمة اعتقد انه قد ارتكبها ثم ظهرت براءته بعد ذلك واعترفت وزارة الحربية بخطئها في ذلك ومنحت ورثة المجني عليه تعويضا قدره 40 الف فرنك , غير ان وزير الحربية حاول الرجوع بالطريق الاداري علي الضابط واقتضاء مبلغ التعويض منه فالغي مجلس الدولة في 28 مارس 1924 قرار الرجوع هذا مقررا عدم جواز مساءلة الموظف في حالة الخطأ المصلحي ( داللوز 1924 – ح3 – ص 49 )



ثانيا – خطا المصلحة المفروض ان الخطأ هنا ناجم عن اضطراب سير المرفق الاداري عموما وان المتسبب فيه غير معلوم لهذا يكون من المنطقي بل من المحتم عدم امكان رجوع الادارة علي المتسبب في الخطأ



ثالثا :- الخطأ الشخصي .



هنا مسئولية الادارة نسبية بمعني ان التزامها بالتعويض زاء المضرور لا يمنع من رجوعها علي الموظف ولا يكون في هذا الموقف اي تناقض او غرابة . فان حكمة تقرير مسئولية الادارة عن اخطاء لم يكن لها دخل في حدوثها هي الاخذ بيد المضرور ومسح الامه عن طريق تيسير مورد التعويض له فملاءه الدولة مضمونه خلاف الموظف المحدود الدخل سند اذن اجتماعي لا قانوني واساسها اقرب الي فكرة تحمل التبعية منها الي الخطأ وهذه الحكمة تنتقي في العلاقة بين الادارة والموظف فلما ان تقتطع منه ما دفعته عنه , والقول بعكس ذلك فيه افساح لموجه الاهمال والاستهانة بين الموظفين ما دام لن يصيبهم ضر اذا ما حادوا عن جادة الصواب وما دام الموظف يخطا والدولة تدفع



غير اننا نري رجوع الادارة علي الموظف عديم الفائدة في اغلب الاحوال والادلة التالية شهود علي ذلك .



اولا - وجوب كون الخطأ شخصيا بحثا فلو كان مزدوج الصفة لامتنع الرجوع في حدود " مصلحية " الخطأ علي الاقل ولما كان الاتجاه الغالب الان في اعتبار الخطأ الشخصي قرينة علي الخطأ المصلحي لذلك يحب التحرز من تقرير الرجوع في كل الاحوال صحيح ان هذه القرينة بسيطة يمكن اثبات عكسها الا اننا ينبغي ان عبء الاثبات ملقي علي كاهل الادارة



ثانيا :- اشتراط اخفاظ الادارة في حلولها محل المضرور في الرجوع بالتعويض علي الموظف في الدعوي المرفوعة من المضرور علي الادارة واعتبار هذا الحل جوهريا في نظر الكثير من الفقهاء لامكان الرجوع وبذلك تضيع كثير من الفرص من يد الادارة نتيجة عدم اشتراطها ذلك عن جهل او عن سهو .



ثالثا – عسر الموظف المرجوع عليه : فالموظف المتسبيب في الخطأ عادة من صغار المستخدمين وهم عماد جهاز المرافق العامة التي يكثر تعامل الافراد معها واحتكاكهم بها ووقوع الخطأ من جراء ذلك الاحتكاك لهذا يبدو مقاضاة مثل هذا الموظف مضيعة للجهد وللمال ( المصروفات القضائية ) وتشتيتا لوقت المحاكم دون جدوي .



رابعا- تقييد الحجز علي راتب الموظف بنسب ضئيلة ( الربع عادة) ففضلا عن تفاهة مرتب الموظف – كما تقدم – فان نسبة اباحته مالا طليقا للادارة لتستادي حقها نسبة متواضعة لا تذكر بجانب التعويضات الطائلة التي يسخو بها القضاء الاداري مدفوعا وراء البواعث الاجتماعية والانسانية .



والخلاصة ان مسئولية عن خطا الموظف الشخصي تكاد تكون من الناحية العملية مطلقة شانها في ذلك شان مسؤليتها عن الخطأ المصلحي فقد اصبحت مسؤليتها كاملة تجاه المضرورين من جهة – وتعذر او تعسر عليها استرداد ما دفعته من الموظف المتسبب من جهة اخري وبذلك تكون التفرقة بين الخطأ المصلحي قد تضخمت ثم تمخصت عن ............ لا شيء



الراي الذي نقول به



هل يمكننا ان نقرر – بعد كل ما تقدم – ان النظرية المدنية القائمة علي اساس مسؤلية المتبوع ( الادارة ) عن فعل التابع ( الموظف ) نفضل النظرية الادارية المستوحاة من فكرة التفرية بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي



هذا ما سنحاول التدليل عليه الان :-



( أولا ) في الاختصاص :-



مؤدي الاخذ بالنظرية الادارية اختصاص القضاء الاداري بنظر ما يسمي بالخطأ المصلحي في حين تقتصر ولاية القضاء المدني علي الخطأ الشخصي ولما كانت المحكمة الادارية لا تتقيد بتقدير ونكييف المحكمة المدنية للوقائع فان رفع النزاع الي القضاء المدني ووصف الاخير للخطا بانه شخصي لا يمنح القضاء الاداري اذا اثير الموضوع امامه من اعتباره ذات الخطأ مصلحيا انسياقا وراء ضوابط غير محدة تتلوي و تتلون وفقا لكل حالة ( قضية انجية المتقدمة) .



وقد يحدث العكس فتري المحكمة المدنية ان الخطأ المطروح امامها خطا مصلحي , بينما تعارضها المحكمة الادارية مقررة انه خطا شخصي وهذا ما رايناه فعلا في قضية المدرس ( مورزوت ) ودروسه بمدرسة ديجون .



ولا يخفي مافي هذا التناقض من اشاعة للغموض واضاعة للجهود والوقت والمال



ولعل هذا المأخذ يزداد وضوحا عندنا في مصر حيث المحاكم المدنية – لا مجلس الدولة هي صاحبة الاختصاص العام في قضايا الادارة فمجلس الدولة حتي يومنا هذا لا يختص الا بالتعويض عن اعمال الادارية التي تقارب في ننطاقها احكام النظريتين المدنية والادارية (1) وحتي هذه يزاحمه في نظرها القضاء المدني بالشروط المنصوص عليها في 8 و9 من ق 165 سنة 1955 " فيمكنه التعويض عنها بل والغائها اذا هوي بها العيب الذي يشوبها الي درك الغضب المادي



ففي هذا المجال - وما اضيفه يعمل مجلس الدولة وحتي في تلك الشقة الضيقة تري من العسير اقحام النظرية فالقانون المدني الحالي صدر بعد مولد مجلس الدولة المصري ولم يورد في موادده سيما المنظمة المسؤلية التقصيرية تحفظا او استدراكا ما بشان القواعد الواجية التطبيق علي الاختصاص المتقدم ومعني هذا اعمال النظرية المدنية في كل الحالات ولو اختص مجلس الدولة ببعضها وقد يرد علي هذا بان طبيعة مجلس الدولة في فرنسا اذ ان القانون المدني هناك لا يحكم العلاقات بين الافراد والاشخاص المعنوية العامة – عكس الحال في مصر – وبالتالي فهو لا يخاطب المحاكم الادارية ويحق لها بذلك ان تخرج عن سلطانه .





مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



التنازل عن الإيجار والتأجير من الباطن








حق المستـأجر فى التنـازل عــن



عقـد الإيجــار والإيجار من الباطن











الأساس القانوني لحق المستأجر في التأجير من الباطن والتنازل عن عقد الإيجار في ظل أحكام القانون المدني



( للمستأجر حق التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن وذلك عن كل ما أستأجره أو بعضه ما لم يقضى الاتفاق بغير ذلك )



[ المادة 593 من القانون المدنى ]



القيود الواردة قانونا علي حق المستأجر في التنازل عن عقد الإيجار والتأجير من الباطن



يحق للمستأجر التنازل عن الإيجار من الباطن ، إلا أن هذا الحق مقيد بعدم الاتفاق على ما يخالفه ، فلو اتفق المتعاقدان ( المؤجر والمستأجر) على منع المستأجر من حق التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن سري هذا الاتفاق باعتبار الاتفاق هو قانون المتعاقدين وشريعتهم ، وأن ظل الأصل هو حق المستأجر فى التنازل عن الإجارة والتأجير من الباطن ما لم يقيد في عقد الإيجار بما يناقض ذلك .







مسئولية المستأجر الأصلي عن تنفيذ التزامات المتنازل له والمستأجر من الباطن



متى انعقد عقد الإيجار ، فالأصل أنه يجيز للمستأجر حق التنازل عنه والتأجير من الباطن ، وإذا رغب المؤجر فى تقيد هذا الحق لزم تضمين عقد الإيجار نص صريح بعدم جواز التنازل أو الإيجار من الباطن ، وفى حالتي التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن - متى لم ينص عقد الإيجار على حرمان المستأجر من ذلك - فإن المستأجر يكون ضامنا للمتنازل له فى تنفيذ التزاماته .







حرمان المستأجر من حق الإيجار من الباطن و أثره على استعمال المستأجر لحق التنازل عن الإجارة .



( منع المستأجر من أن يؤجر من الباطن يقتضي منعه من التنازل عن الإيجار وكذلك العكس )



[ المادة 594 فقرة 1 من القانون المدنى ]



إذا كان الأصل وفق قواعد وأحكام القانون المدنى هو حق المستأجر فى التأجير من الباطن والتنازل عن الإجارة فإن اتفاق المتعاقدان على عكس ذلك يقيده ، فلا يجوز لمستأجر التأجير من الباطن أو التنازل عن عقد الإيجار ، وقد ساوى المشرع فى الأثر بين التأجير من الباطن والتنازل عن الإجارة وبالآدق جعل حظر أحدهما حظرا للأخر فإذا أشترط المؤجر عدم جواز التأجير من الباطن امتد هذا الخطر إلى التنازل عن الإجارة فيصبح التأجير من الباطن والتنازل عن الإجارة كلاهما ممنوع .







بيع المحل التجاري والمصنع وأثرة علي جواز التنازل عن عقد الإيجار رغم وجود الشرط المانع الصريح



- أورد المشرع بالفقرة الثانية من المادة 594 استثناء خاص بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر مصنعه أو متجره ، واشترط المشرع لبقاء العلاقة الإيجارية رغم مخالفة شرط منع التنازل عن الإجارة أو الإيجار من الباطن أن يقدم المشترى ضمانا كافيا وإلا يلحق بالمؤجر ضرر .







( ومع ذلك إذا كان الأمر خاصا بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضى بنقاء الإيجار إذا قدم المشترى ضمانا كافيا ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق )



[ المادة 594 فقرة 2 من القانون المدنى ]







( المقرر فى قضاء محكمة النقض أن ما نصت عليه المادة 594 / 2 من القانون المدني من أنه " إذا كان الأمر خاصا بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقتضي بإبقاء الإيجار إذا قدم المشتري ضمانا كافيا ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق " . إنما هو استثناء من الأصل المقرر وهو التزام المستأجر باحترام عقد الإيجار فيما نص عليه من حظر التنازل عن الإيجار ، اقتضاه حرص المشرع على استبقاء الرواج التجاري فى حالة اضطرار صاحبه إلى التوقف عنه ، ويشترط لتطبيقه أن يكون المكان المؤجر مستعملا لممارسة الأعمال ذات الصفة التجارية والتي ينطبق عليها وصف المصنع أو المتجر دون سواها من الأماكن التي لا يمارس فيها هذا النوع من النشاط ، ومن المقرر أن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه.



[ الطعن رقم 1376 لسنه 49 ق جلسة 30/4/1980 س 31 ص 1274 ]



­



( لما كان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني من أنه " إذا كان الأمر خاصا بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر ، جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضي بإبقاء الإيجار 000 " إنما هو استثناء من الأصل المقرر وهو التزام المستأجر باحترام الحظر من التنازل عن الإيجار ، كان الدافع إلى تقريره حرص المشرع على استبقاء الرواج التجاري متمثلا فى عدم توقف الاستثمار الصناعي أو التجاري فى حالة اضطرار صاحبه للتوقف عنه ، فأباح المشرع للمستأجر التجاوز عن الشرط المانع والتنازل عن الإيجار على خلافه متي كان الشيء المؤجر عقارا وأنشأ فيه المستأجر محلا تجاريا سواء كان متجرا أو مصنعا ، يشرط أن تثبت الصفة التجارية للنشاط الذي كان يزاوله المتنازل وقت إتمام بيع المتجر أو المصنع ، ومؤدي ذلك أنه إذا كان المحل مستغلا فى نشاط قوامه الاعتماد – وبصفة رئيسية – على استغلال المواهب الشخصية والخبرات العملية والمهارات الفنية لصاحبه ، دون أن يستخدم عمالا يضارب على عملهم ، أو آلات يضارب على إنتاجها ، فإنه لا يعتبر متجرا ، إذ تقوم صلته بعملائه فى هذه الحالة على ثقتهم فى شخصه وخيرته بخلاف المحل التجاري الذي يتردد عليه العملاء لثقتهم فيه كمنشأة مستقلة عن شخص مالكها ، وإذ كان من المقرر عدم جواز التوسع فى تفسير الاستثناء أو القياس عليه ، فإن الاستثناء المقرر بالفقرة الثانية من المادة 594 مدني يظل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – مقصورا على الأماكن التي يمارس فيها الأعمال ذات الصفة التجارية والتي ينطبق عليها وصف المصنع أو المتجر دون سواها ، لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر ، وأقام قضاءه برفض دعوى الطاعن على ما أورده بأسبابه من أن " عبارة المحل التجاري تشمل كل مكان يباشر فيه المستأجر حرفة أو مهنة تدر عليه ربحا 000 كمكاتب السمسرة ومكتب المحامي وعيادات الأطباء 000 فلا تقتصر على المكان الذي تباشر فيه التجارة بمعناها الضيق 000" فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون ، وقد حجية هذا الخطأ عن بحث ما إذا كان المستأجر الأصلي كان يستغل عين النزاع فى استقبال العملاء الذين يقصدونه كخبير مثمن ، كقول الطاعن والذي اعتنقه الحكم المستأنف ، أو كصالة مزادات كما يقول المطعون ضدهم ، مما يعيبه – فضلا عن الخطأ فى تطبيق القانون – بالقصور فى التسبيب ، مما يتعين معه نقض الحكم لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.



[ الطعن رقم 1031 لسنه 48 ق جلسة 10/11/1983 ]







( أن النص فى الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني على أنه " إذا كان الأمر خاصا بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتصت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضي بإبقاء الإيجار " يدل – وعلى ما جري عليه قضاء هذه المحكمة – على أن المشرع أجاز التجاوز عن الشرط المانع وأباح للمستأجر التنازل عن الإيجار على خلافه متى كان الشيء المؤجر عقارا مملوكا لشخص وأنشأ فيه المستأجر محلا تجاريا سواء كان متجر أو مصنعا ، يشرط أن يثبت الصفة التجارية للنشاط الذي كان يزاوله المتنازل وقت إتمامه بيع المتجر أو المصنع ، مما مفاده أنه يجب لاعتبار المحل تجاريا فى معني المادة 594 مدني سالفة الذكر أن يكون مستغلا فى نشاط تجاري قوامه الاشتغال بأعمال وأغراض تجارية فإذا كان غير ذلك بأن انتفت عن نشاط مستغله الصفة التجارية فإنه يخرج عن مجال هذه المادة ، إذ كان ذلك وكان المقرر أن المتجر فى معني المادة 594 من القانون المدني هو منقول معنوي يشمل مقومات معنوية منها حق الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية والحق فى الإجارة والرخص والإجازات وحقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية ومقومات مادية أهمها المهمات كآلات المصنع والأثاث التجاري والسلع ، ويتحتم حتى يقوم بيع المتجر أن يتضمن حق الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية دون باقي المقومات المعنوية أو المادية ، فان الحكم المطعون فيه إذا أقام قضاءه على أن " الثابت بالأوراق وبإقرار المستأنف نفسه فى جميع مراحل التقاضي وبصحيفة الاستئناف أن المستأجر الأصلي لم يزاول ثمة نشاط تجاري أو خلافه بالعين المؤجرة التي استأجرها لكي يتخذ منها مكتبا تجاريا كما جاء فى عقد إيجارها وقد خلت الأوراق أيضا من ماهية هذا العمل التجاري الذي كان يزمع المستأنف عليه الثاني مزاولته فى تلك العين وما هي مقوماته المادية والمعنوية الذي ذكرها فى عقد البيع 000" فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون ، وأما النعي على الحكم بمخالفة الثابت فى الوراق بالنسبة لما اعتبره إقرارا من الطاعن بعدم ممارسته النشاط التجاري قبل البيع فهو مردود بأن للمحكمة أن تأخذ بالدليل المستمد مما يصدر عنه من إقرار فى مجلس القضاء بصرف النظر عما كان يستهدفه منه طالما أنها لم تخرج عن فحوى العبارات الصادرة منه ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق فى غير محله.



[ الطعن رقم 586 لسنه 49 ق جلسة 21/6/1984 ]






مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


الأمتداد القانوني لورثة المستأجر








حــق ورثة المستـأجر فى الامتـداد القانونـي لعقد الإيجار







الأساس القانوني لحق ورثة المتاجر الأصلي في البقاء في العين المؤجرة



( لا ينتهي الإيجار بموت المؤجر ولا بموت المستأجر )



[ المادة 601 فقرة 1 من القانون المدنى ]







عقد الإيجار الخاضع لأحكام القانون المدنى لا ينقضى بموت أحد عاقدية المؤجر أو المستأجر ومقتض ذلك أن عقد الإيجار يظل نافذا بين الورثة سواء ورثة المؤجر أو ورثة المستأجر إلى أن تنقضي المدة المحددة له قانونا ، وبالتالي تنتقل التزامات العقد إلى الورثة الشرعيين فيلزم ورثة المؤجر بتمكين المستأجر أو ورثته من الانتفاع بالعين كالتزام أساس وجوهري ، وفى المقابل يلتزم المستأجر أو ورثته بأداء القيمة الإيجارية .







مفهوم امتداد عقد الإيجار في ظل قواعد القانون المدني



مفهوم الامتداد فى ظل قواعد القانون المدني لا يعنى وكما كان الوضع فى قوانين الإيجارات الاستثنائية امتداد تلقائي دون حد أقصى للمدة ، بل امتداد العقد حتى ينتهى بانتهاء المدة المقررة له .







التعاقد لأسباب شخصية - التعاقد لاعتبارات خاصة



أثر ذلك على الامتداد القانوني لعقد الإيجار







( إذا لم يعقد الإيجارية إلا بسبب حرفة المستأجر أو لاعتبارات أخرى تتعلق بشخصه ثم مات جاز لورثته أو للمؤجر أن يطلب إنهاء العقد )



[ المادة 602 من القانون المدنى ]







- لما كان الأصل فى عقد الإيجار أنه من العقود المالية والتي لا تبرم عادة لاعتبارات خاصة ( حرفة المستأجر - شخصيته ) فإن عقد الإيجار لا ينتهى قانونا بموت أحد المتعاقدين بل يظل نافذا مولدا لإثارة إلى أن تنقضي مدته .



العقود المحررة لأسباب خاصة - العقود المحررة بسبب حرفة المستأجر







- إذا كان الإيجار معقوداً بسبب حرفة المستأجر أو لاعتبارات خاصة فإن الإيجار وأن كان لا ينتهي بقوة القانون فأنه يجب أن يطلب إنهاؤه .



( إذا لم يعقد الإيجار إلا بسب حرقة المستأجر أو لاعتبارات أخرى تتعلق بشخصه ثم مات جاز لورثته أو للمؤجر أن يطلبوا إنهاء العقد )



[ المادة 602 من القانون المدنى ]







(00 إذا كان الإيجار قد عقد لاعتبارات شخصية في المستأجر ، كما لو أجرت العين لتكون مكتب محام أو عيادة طبيب ، وكما فى عقد الزراعة فيجوز لورثة المستأجر أن يطلب إنهاء العقد [ من المذكرة الإيضاحية للقانون ]







خلاصة القول 000 " أن الإيجار لا ينتهى بموت المستأجر وأن الحقوق الناشئة عن العقد والالتزامات المترتبة عليه تنتقل إلى ورثته وأن كان يحق لهم طلب إنهائه إاذ كان لم يعقد إلا بسبب حرفة مورثهم أو لاعتبارات أخرى متعلقة بشخصه ، لذا يكون فى استمرار الإيجار رغم عدم توافر القدرة لدى ورثته على استعمال الشيء المؤجرة فيما أجر لتحقيقه من أعراض إعنات لهم رأى المشرع إعفائهم منه كما يحق للمؤجر طلب الإنهاء إذا كانت الاعتبارات الشخصية فى المستأجر هى التي دفعت المؤجر إلى التعاقد معه بحيث لا يصلح ورثته للحلول محله فى تحقيق الغرض من الإيجار











مكتب  /  محمد جابر عيسى المحامى


إلغاء القرار الإداري لحياده عن الهدف المخصص لإصداره








إلغاء القرار الإداري لحياده عن الهدف المخصص لإصداره ( دراسة مقارنة )







تمهيد و تقسيم :



للقرار الإداري هدفان أولهما تحقيق المصلحة العامة و ثانيهما تحقيق الهدف الذي خصصه المشرع لإصدار هذا القرار 0



فإذا حاد مصدر القرار عنهما غدا قراره باطلا لكونه مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة ذلك العيب الهام من عيوب قرار الإداري الموجب لإلغائه والمتمثل في استخدام رجل الإدارة لسلطاته بغية تحقيق غاية غير مشروعة لتعارضها مع المصلحة العامة أو مع الهدف الذي حدده القانون لإصدار القرار .



و نظرا لما يتسم به الانحراف عن الهدف المخصص من أهمية و غموض سبه اتسامه بالدقة , ففيه يكون القرار باطلا حتى لو ابتغى مصدره تحقيق مصلحة عامة 0



و تنظرا لأن كتب الفقه على كثرتها لم تعني بهذا الموضوع برغم أهميته البالغة في الحفاظ على حقوق الأفراد و حرياتهم تجاه تعسف الإرادة .



لذا فقد آثارنا إلقاء الضوء – على هذا الموضوع من خلال مبحثين في أولهما نضع تحديدا لمفهوم قاعدة تخصيص الأهداف و في ثانيهما نحصر أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف و في ثانيهما نحصر أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف المتمثلة في الخطأ في تحدي الأهداف المنوط برجل الإدارة تحقيقها ، والخطأ في استعماله لوسائل تحقيق هذه الأهداف .



المبحث الأول



تحديد مفهوم قاعدة تخصيص الأهداف





إذا كانت القاعدة أن القرارات الإدارية جميعها و بغير استثناء يجب أن تستهدف تحقيق المصلحة العامة فإن هناك أيضا قاعدة أخرى تضاف إلى هذه القاعدة و تكملها و تقضي بوجوب استهداف القرارات الإدارية تحقيق الأهداف الذاتية المتخصصة التي عينها المشرع في المجالات المحددة لها 0



و يكون القرار الإداري مشوبا بالانحراف في السلطة في هذه الحالة , كلما كان الباعث على اتخاذه هو تحقيق هدف غير الذي أراده المشرع حين منح الإدارة السلطة في اتخاذ هذا القرار بالذات و و لا يهم بعد ذلك أن يثبت إن الإدارة كانت تهدف من القرار الذي اتخذته تحقيق مصلحة عامة , ما دامت هذه المصلحة غير المصلحة التي حددها المشرع .



فالفرق بين الانحراف عن المصلحة العامة و الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف أنه في حالة انحراف عن مبدأ تخصص الأهداف يكون العضو الإداري حسن النية لا يبغي إلا تحقيق الصالح العام , و لكنه يستخدم ما بين يديه من وسائل لتحقيق أغراض مما لا يجوز تتحقق بتلك الوسائل أو مما لا يختص بتحقيقها .



و معنى ذلك أن لكل قرار إداري هدفين , أحدهما خاص و هو الذي حدده القانون أو يستفاد من طبيعة الاختصاص و هذا الهدف تختلف و درجة تحديده من حالة إلى حالة أخرى كما أن له دائما هدفا عاما و هو المصلحة العامة .



والتخصيص قد يستفاد من صراحة النص حيث حدد المشرع هدفا خاصا لقرارات وزير التموين هو توفير المواد التموينية للمواطنين و تحقيق العدالة في توزيعها فإذا استهدفت هذه القرارات تحقيق أكبر عائد اقتصادي للدولة فإنها تكون مشوبة بالانحراف بالسلطة و كذلك القرار الصادر بوقف العامل المحال للتحقيق عن العمل , يجب أن يكون الهدف منه هو تحقيق صالح التحقيق فإذا كان الهدف منه إسناد عمله إلى أخر كفء فإن هذا القرار يكون مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة .



و قد يستخلص الهدف المخصص من روح التشريع أو طبيعة الاختصاص فقد حدد المشرع مثلا لسلطات الضبط الإداري هدفا محددا , و هو المحتفظة على النظام العام فإذا استعملت الإدارة سلطاتها في هذا الخصوص لغير هذا الهدف كان قرارها مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة حتى و لو كان الهدف لا بجانب الصالح العام .



و في حالة عدم تحديد المشرع للهدف لخاص الذي يتعين أن يحققه القرار يكون تحديد هذا الهدف متروكا لتفسير القاضي و استخلاصه لمراد المشرع و قصده , حيث يستعمل سلطته التقديرية في تحدي الأهداف الخاصة للقرار بكل الوسائل المكنة كالرجوع إلى الأعمال التحضيرية و المذكرات التفسيرية و تتبع المناقشات التي دارت حول القانون .



و مفاد ذلك أنه لا يكون للقاضي أي دور أو اجتهاد في تحديدي الهدف الخاص إذا ما كشف عنه المشرع صراحة و إنما يتعين عليه أن يعمل على تحقيقه و على العكس من ذلك يكون له دور بارز في استخلاصه على نحو ما رأينا إذا لم يكشف عنه المشرع .



وعلة تطبيق قاعدة تخصيص الأهداف أن الجهاز الإداري بمختلف فروعه و تعدد أطرافه و تكاثر مسئولياته لا يمكن أن يتيح لأي فرد من أعضاء هذه النظام الضخم أن يأخذ على عاتقه تحقيق طائفة خاصة من المصالح العامة دون الطوائف الأخرى حيث إن التنظيم الهيكلي للإدارة الذي يترتب عليه أن السلطة الممنوحة للموظف يقابلها مجال معين من المصلحة العامة يتعين عليه تحقيقه و عدم خلطه مع مجالات المصلحة العامة الأخرى .



فالقانون هنا عين له الهدف وحدده و الذي من أجل بلوغه منحه السلطة فإن هو استخدم هذه السلطة للوصول إلى هدف أخر و لو كان يحقق مصلحة عامة فإن قراره يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة.



و يرى جانب من الفقه أن ضرورة الانحراف بالسلطة المتمثلة في مخالفة قاعدة تخصيص الهداف أقل خطورة من صورته المتمثلة في مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف أقل خطورة من صورته المتمثلة في مجانية المصلحة العامة لأن رجب الإدارة في الحالة الأولى لم يتجاوز نطاق الصالح العام ليعمل على تحقيق صالح شخصي و إنما اقتصر على مخالفة الهدف الذي حدده له المشرع و جعل قراراته مرصودة على تحقيقه كما إنه في حالة الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف يكون العنصر الإداري حسن النية لا يبغي إلا تحقيق الصالح العام و إن استخدم ما بين يديه من وسائل لتحقيق أغراض مما لا يجوز أن تتحقق بتلك الوسائل أو مما لا يختص تحقيقها .



إلا أن هناك جانب أخر من الفقه ذهب بحق إلى أن ذلك لا ينفي خطورة الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف و ذلك بالنظر إلى الآثار المترتبة عليها من اعتداء على حقوق الأفراد لا يعنيهم أن كون الهدف المبتغي من تصرف الإدارة قصدت به تحقيق مصلحة عامة أم لا إنما يعنيهم ما موقع عليه من اعتداء سبه خروج الإدارة عن قاعدة تخصيص الأهداف 0



و قد وجدت هذه القاعدة تطبيقا لها في قضاء مجلس الدولة الفرنسي حيث دأب على إلغاء قرارات الإدارة التي يثبت لديه خروجها عن تحقيق الهدف المخصص .



حيث قضى بإلغاء قرار المحافظ و الصادر بتقرير المنفعة العامة لقطعة أرض مملوكة للسيد Baron و ذلك للانحراف بالسلطة حيث تبين للمجلس من الظروف المحيطة بالدعوى أن ما أعلنته البلدية من ضرورة المحافظة على الطابع الهادئ للمنطقة السكنية المجاورة للأرض المذكورة ليس من الأهداف التي لأجلها يتقرر نزع الملكية للمنفعة العامة .



كما قضى بإلغاء قرار المحافظ الصادر بتقرير المنفعة العامة للأرض المملوكة للسيد Schewartz لإنشاء ملاهي و حمام سباحة , ذلك أن القرار لا هدف إلى المحافظة على صحة العامة و إنما يهدف إلى تطوير أنشطة الترفيه الخاصة بالبلدية 0.



و قد كان إلغاء مجلس الدولة لقرار المحافظ في القضيتين سبه خروج المحافظ على الهدف المخصص لتقرير المنفعة العامة و هو المحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة و كان إلغاء مجلس الدولة للقرارين بالرغم من ابتغائهم تحقيق مصلحة عامة .



و قد كان لمجلس الدولة المصري ذات الموقف الذي يؤكد ضرورة احترام قرارات الإدارة للهدف الذي حدده المشرع لإصدارها و إلا قضى بإلغائها لخروجها على قاعدة تخصيص الأهداف .



فقد كان لمحكمة القضاء الإداري منذ البداية موقف واضح في هذا الشأن حيث ذهبت إلى أنه " لا يجوز اتخاذ أي من التدابير أو الإجراءات التي يجيزها الشارع , لتحقيق هدف أخر مغاير للهدف الأساسي الذي قصد إليه الشارع و لو كان هذا الهدف محققا للصالح العام بمعناه لشامل , و ذلك تطبيقا لقاعدة أصولية هي المصطلح على تسميتها قاعدة تخصيص الأهداف و جزاء مخالفة تلك القاعدة بطلان تلك القرارات لكونها مشوبة بالانحراف بالسلطة و الذي يتمثل في عدم احترام الإدارة لركن الغاية من التشريع .



وإذا كان قضاء محكمة القضاء الإداري قد اتسم منذ البداية بإدخال مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف ضمن حالات الانحراف بالسلطة فإن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد مر في هذا الشأن بمرحلتين ففي البداية لم تسلم المحكمة الإدارية العليا بما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري , و قدمت أحكام تضييق فيها من نطاق الانحراف بالسلطة بحيث تقتصره على حالة استهداف مصلحة خاصة فقط دون حالة مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف حيث كانت تشترط لقيام الانحراف بالسلطة توافر سوء النية لدى مصدر القرار الإداري و لذلك قضت بأنه " إذا لم يكن لدى الإدارة هذا القصد , بدافع من هوى أو تعد " أو انتقام فلا قيام لعيب إساءة استعمال السلطة .



غير أن الفقه انتقد هذا التطبيق لعيب الانحراف بالسلطة حيث لم يلق استجابة لديه استنادا لعيب الانحراف بالسلطة يقوم مع حسن النية إذا خالفت الإدارة قاعدة تخصيص الأهداف .



و قد عدلت المحكمة الإدارة العليا في أحكامها اللاحقة لحكم السابق عن مذهبها في التضييق من نطاق عيب الانحراف بالسلطة آخذة بوضوح بقاعدة تخصيص الأهداف حيث قضت بأنه " إذا ما عين المشرع غاية محددة , فإنه لا يجوز لمصدر القرار أن يستهدف غيرها و لو كانت هذه الغاية تحقيق مصلحة عامة "



و قضت أيضا بعدم شرعية قرار ضبط بإغلاق سوق خاصة يوم الاثنين من كل أسبوع ليحقق رواج سوق مجلس قروي الوسطي الذي أصابه الركود .



و أخيرا قضت بانعدام قرار ضبط تضمنه ترخيص سوق عمومي يستهدف مصلحة مالية بتخويل المرخص له تحصيل مقابل إشغال الطريق العام للمجلس المحلي .



و الواقع أن ما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا من عدم اشتراط سوء نية مصدر القرار للقضاء بالانحراف بالسلطة هو قضاء محمود فإلى جانب ما يترتب عليه من إدخال مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف ضمن حالات الانحراف بالسلطة فإن فيه تشديدا لقبضة القضاء على رجل الإدارة الذي ينحرف بسلطته حيث أنه في ظل القضاء السابق و الذي يشترط سوء النية يوسع رجل الإدارة الإفلات من إلغاء قراراه لمجرد إثباته أنه كان حسن النية حين أصدر و يترتب على ذلك الهروب من الإلغاء مما يؤدي إلى الإضرار بمصلحة من اعتدى القرار المشوب بالانحراف على حقوقه و حرياته و الذي كل ما يصبو إليه هو إلغاء هذا القرار الخاطئ و التعويض عن الأضرار التي مني بها من جرائه ، و لا يعنيه في سيئ ما إذا كان رجل الإدارة سيئا أو حسن النية .



و مما ساعد على انتشار الانحراف بالسلطة المتمثل في الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف قيام نظام لا مركزي تتمتع فيه السلطات الإقليمية و المركزية بجانب كبير من الاستقلال في استعمال سلطتها فعيب الانحراف يستلزم قيام سلطة تقديرية و من الطبيعي ألا يخطئ العضو الإداري خطأ من هذا القبيل إلا إذا تنوعت السلطات التي تحت يديه و كان له بعض الحرية في استعمالها .



و للانحراف عن قاعـدة تخصيص الأهداف وجهان يضمان صورا عديدة سـوف تكون موضوع المبحث التالي .











مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



مبدأ المعاملة بالمثل - في تنفيذ الأحكام الأجنبية








مبدأ المعاملة بالمثل



في تنفيذ الأحكام الأجنبية



التعريف بميدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :



وهو ما يعرف بشرط المعاملة بالمثل أو التبادل ([1]) ، ومقتضى هذا المبدأ أن المحاكم الوطنية لدولة ما ، لا تقبل الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إلا إذا كانت المحاكم الأجنبية التي أصدرت هذا الحكم تقبل تنفيذ الأحكام الصادرة من قبل محاكم هذه الدولة بنفس القدر وفى نفس الحدود ([2]) .



وهذا يعني أن مبدأ المعاملة بالمثل ما هو إلا خطة تتبعها محاكم الدول إزاء بعضها البعض ، بمناسبة تنفيذ أحكام كل منها في بلاد الأخرى ، ويجب أن نلاحظ أن مبدأ المعاملة بالمثل يجب أن يطبق في أضيق معانية ، فيجب النظر إلى معاملة المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في دولة ما ، لحكم هذه الدولة الصادر في نفس الظروف إذا ما أريد تنفيذه في تلك الدولة الأجنبية ، فإذا كانت تلك الدولة الأجنبية لا تحترمه في ظل تلك الظروف وجب على محكمة الدولة المطلوب إليها إصدار الأمر بتنفيذه ، ألا تحترم ذلك الحكم الأجنبي المراد تنفيذه ولا أهمية لكونها قد تحترم أحكاماً أخرى في ظروف أخرى ([3]) ،([4]) .



ومثال ذلك المحاكم الإنجليزية فهي لا تراجع موضوع الأحكام الأجنبية كقاعدة عامة وإنما تراجعها ، إذا ادعى المحكوم عليه أن الحكم تم الحصول عليه بناء على غش المدعي أو المحكمة التي أصدرته ، لذلك يجب على المحكمة المطلوب منها إصدار الأمر بتنفيذ حكم أجنبي إنجليزي ، أن تراجعه إذا ادعى المحكوم عليه أمامها بحصول غش ، كذلك المحاكم الإيطالية فهي تعمل على مراجعة الأحكام الأجنبية المطلوب تنفيذها في إيطاليا ، والصادرة في غيبة المدعى عليه إذا طلب ذلك المدعى عليه ، لذلك يجب على محاكم الدول التي يقدم إليها أحكاماً إيطالية لتنفيذها ، أن تراجعها إذا طلب المدعى عليه ذلك ، وأبدى أسباباً وجيهة تجعل من نقض الحكم الغيابي أمراً محتملاً ([5]) .



كذلك محاكم الدول الاسكندنافية ([6]) ، فإنها تشترط رفع دعوى جديدة لتقرير الحق المحكوم به من القضاء الأجنبي ، حيث يقدم الحكم الأجنبي كدليل قابل لإثبات العكس ، لذلك يتعين على محاكم الدول الأخرى ، إذا طلب منها تنفيذ حكم صادر من إحدى محاكم هذه الدول أن ترفض التنفيذ ، ويكون للمحكوم له أن يرفع دعوى جديدة أمام القضاء للمطالبة بحقه ، وإن كان بعضها نص على إجازة عقد معاهدة دولية يتفق فيها على تنفيذ الحكم الأجنبي ([7]) .



ومما سبق يتضح لنا أن تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على النحو المتقدم ، لا يكون على درجة واحدة ، لأن الأحكام الأجنبية المراد تنفيذها لا تعامل على درجة واحدة ، فتختلف باختلاف البلاد التي صدرت فيها ، وما تلقاه أحكام محاكم هذه البلاد من معاملة إذا ما أريد تنفيذها في بلاد أخرى .



وقد اختلفت الدول من حيث تقريرها لكيفية التحقق من وجود التبادل ، فمنها من يشترط أن يكون التبادل دبلوماسـياً ، ومنها من يشترط أن يكون التبادل تشريعياً ، ومنها من يشترط أن يكـون التبادل واقعياً .



والتبادل الدبلوماسي : هو التبادل المنصوص عليه في معاهدة معقودة بين دولتين أو أكثر ، بمعنى أنه إذا وجد نص في المعاهدة يقضي بضرورة تنفيذ محاكم كل دولة للأحكام الصادرة من محاكم الدول الأخرى ، فإنه يتعين على القاضي الوطني في هذه الحالة أن ينفذ الحكم الأجنبي .



والتبادل التشريعي : هو التبادل المنصوص عليه في قانون الدول ، بمعنى أنه لا تقوم محاكم الدول بتنفيذ الأحكام الأجنبية ، إلا إذا كان قانون هذه الدول يتضمن نصاً يسمح بتنفيذ تلك الأحكام الأجنبية ([8]) .



أما التبادل الواقعي : فهو التبادل الذي يقوم على ما يجري عليه العمل فعلاً في الواقع أمام القضاء الأجنبي ، أي عدم قبول تنفيذ الأحكام الأجنبية في دولة ما إلا إذا كانت تلك الدولة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها ، تسمح بتنفيذ الحكم الصادر عن محاكم الدولة الأولى المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ ، فلا ينظر إلى وجود معاهدة أو نص قانوني لإثبات توافر التبادل ، بل ينظر إلى ما يجري عليه العمل في الواقع ([9]) .



ويرى البعض أن التبادل التشريعي أكثر ضماناً وأوضح معالماً من التبادل الواقعي ([10]) بينما يرى البعض الآخر أن التبادل التشريعي لا يكفي وحده لقيام التبادل ، لأنه قد يحدث أن تكون نصوص القانون الخاص بتنفيذ الأحكام الأجنبية معطلة عن التطبيق في البلد الأجنبي بعكس التبادل الواقعي فهو يكفي وحدة لقيام التبادل ، ولو لم يكن قانون البلد الأجنبي يكفل من خلال نصوصه تنفيذ الأحكام الأجنبية ([11]) .



ويجب أن نلاحظ أن العبرة في تقدير قيام التبادل لا يرجع إلى الدولة التابع لها الخصوم بل يرجع إلى الدولة التي صدر عنها الحكم المراد تنفيذه .







نطاق مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :



إذا أمعنا النظر في مفهوم شرط المعاملة بالمثل أو التبادل على النحو المتقدم نجد بأنه لا معاملة بالمثل ولا تبادل فيما يتعلق بالإجراءات الواجب اتباعها عند التقدم بطلب إصدار الأمر بالتنفيذ ، لأن تلك الإجراءات تدخل ضمن قواعد المرافعات ، فتخضع لقانون القاضي الذي ينظر في طلب التنفيذ ([12]) ، كما أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لا يتناول الجهة القضائية المختصة بإصدار الأمر بالتنفيذ ([13]) ، فهي قد تكون في دولة معينة قاضي الأمور الوقتية ، وقد تكون في دولة أخرى قاضي التنفيذ ، وقد تكون في دولة ثالثة رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها المحكوم عليه وهكذا … فاختلاف هذه الجهات والإجراءات الواجب اتباعها أمامها لا يعني عدم قيام شرط المعاملة بالمثل أو الإخلال به .



فشرط المعاملة بالمثل لا يطبق فحسب في تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية بل يطبق أيضاً في تنفيذ الأوامر الأجنبية ، وفى تنفيذ أحكام المحكمين ، وفى تنفيذ السندات الأجنبية ويتعين على المحكمة المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ ، أن تتحقق من تلقاء نفسها من توافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ([14]) .



وأما عن تحديد الوقت الذي يعتد فيه بتوافر شرط المعاملة بالمثل أو التبادل من عدمه فقد تعرض القضاء الألماني لهذه المشكلة ، وقرر وجوب التفرقة بين ما إذا كان صاحب المصلحة قد طلب تنفيذ الحكم الأجنبي في ألمانيا ، أو أنه قد تمسك فقط بحيازة هذا الحكم لحجية الشيء المقضي به ، ففي حالة طلب تنفيذ الحكم الأجنبي ، يتعين أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند التقدم بطلب التنفيذ ، أما إذا كان المحكوم له قد تمسك بحجية الحكم الأجنبي ، فيكفي أن يكون شرط المعاملة بالمثل أو التبادل قد توافر عند تمتع الحكم الأجنبي بهذه الصفة ( حجية الشيء المحكوم به ) في الدولة الأجنبية ([15]) .



إلا أنه لا يمكن التسليم بما ذهب إليه القضاء الألماني ، لأن التفرقة التي قال بها ستؤدي إلى نتائج غير مقبولة ، إذ أنه من المتصور وفقاً لهذا الاتجاه أن يتمتع الحكم الأجنبي بحجية الشيء المقضي به ، إذا كان شرط المعاملة بالمثل أو التبادل متوافراً عند صدور الحكم أو صيرورته نهائياً ، بينما لا يصح تنفيذ هذا الحكم ما دام أن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لم يعد متوافراً عند طلب التنفيذ ، ويؤدي ذلك إلى إنكار العدالة ، لأن المحكوم له لن يستطيع تنفيذ الحكم الأجنبي لتخلف شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ، في الوقت الذي لن يتمكن فيه من رفع دعوى جديدة ، لوقوف حجية الحكم الأجنبي حائلاً يمنعه من تجديد النزاع مرة أخرى ([16]) لذلك فإن العبرة بتوافر شرط المعاملة بالمثل عند التمسك بحجية الحكم الأجنبي أو عند الأمر بتنفيذه ، لأن حجية الشيء المقضي به والقوة التنفيذية هما مظهران لنفاذ الحكم ، وإن كان الأول مظهراً سلبياً ، والثاني مظهراً إيجابياً ([17]) .



ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل يمتد شرط المعاملة بالمثل أو التبادل ليتناول الشروط الخارجية للحكم الأجنبي ؟



باعتبار أن هناك بعض القوانين تنص على شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لتنفيذ الحكم الأجنبي ، وتنص في ذات الوقت على ضرورة توافر شروط أخرى لتنفيذ ذلك الحكم الأجنبي كما هو الحال في القانون المصري عندما نص في المادة 296 مرافعات على أنه " يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي بنفس الشروط التي يقررها قانون الدولة الصادر منها هذا الحكم لتنفيذ الأحكام المصرية فيه " ، وفى ذات الوقت نص في المادة 298 مرافعات على أنه " لا يجوز للقاضي المصري أن يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إلا بعد التحقق من توافر شروط معينة تم تعدادها في صدر هذه المادة " .



ذهب شراح القانون الدولي الخاص المصرين في الإجابة على هذا التساؤل لتبرير موقف واضعي القانون المصري إلى القول بأنه : يجب أن يفسر ذلك على أنه مزج بين مبدأ الرقابة ومبدأ المعاملة بالمثل ، ولهذا يمكن القول أن الشروط التي عددها القانون المصري في المادة 298 مرافعات ، هي الشروط الخارجية أو الأساسية التي تمثل الحد الأدنى الذي يلتزم القاضي المصري بالتحقق من توافره طبقاً لمبدأ المراقبة ، ولا يصح له النزول عنها ولو بمقتضى مبدأ المعاملة بالمثل بمعنى أنه لو كان قانون الدولة الأجنبية الصادر منها الحكم المراد تنفيذه في مصر يضع شروطاً أقل لتنفيذ الأحكام المصرية في تلك الدولة الأجنبية أو أنه لا يستلزم أي شرط في هذا الشأن ، فالقاضي المصري ملزم بالرغم من ذلك بمراقبة الحد الأدنى من الشروط الواردة بالمادة 298 مرافعات ، أما في الحالة العكسية حين يتطلب قانون الدولة الأجنبية شروطاً أخرى تزيد أو تختلف عن ذلك الحد الأدنى فعلى القاضي المصري أن يضيف هذه الشروط الأخرى التي يمليها مبدأ المعاملة بالمثل على الحد الأدنى ([18]) .



ومثل هذا التفسير تقضيه ضرورة مزج مبدأ المعاملة بالمثل بالشروط الأخرى التي تمثل حداً أدنى لما يلزم توافره في الحكم الأجنبي ، ولا يهم بعد ذلك وصف النظام القائم في الدولة الأخرى في شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية فيها ، لذلك فإن مبدأ المعاملة بالمثل يكون قائماً حين يطلب من القاضي المصري تنفيذ حكم إنجليزي لأن القانون الإنجليزي يجيز تنفيذ الحكم المصري من حيث المبدأ مع أخذه بنظام الدعوى الجديدة ، فيعتبر الحكم المصري دليلاً قاطعاً على ثبوت الحق بمقتضاه بالرغم من أن القاضي المصري يتحقق من شروط الحد الأدنى الواجب توفرها في الحكم الإنجليزي ([19]) ، فبالرغم من اختلاف الوسيلة المتبعة فإنها توصل إلى نفس النتيجة ([20]) .







تقدير مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل :



إن مبدأ أو شرط المعاملة بالمثل أو التبادل بصورته المذكورة مأخوذ به في بعض الدول ويدعو إلى الأخذ به فريق من شراح القانون الدولي الخاص المعاصرين ، وقد أخذت به لجنة تنقيح القانون المدني الفرنسي ، والظاهر أن القانون المصري نقله عن القانون الألماني ، و يمكن أن يقال في الدفاع عن هذا المبدأ ، أن من شأن الأخذ به بالنسبة للدول التي تأخذ به أن تحمل الدول الأخرى على تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم الأولى في أقاليم هذه الأخيرة ([21])



وهذا الدفاع لا يخلو من النقد ويتضح ذلك من خلال التالي :-



يعاب على مبدأ المعاملة بالمثل أنه يقوم على معنى سياسي ، باعتباره وسيلة زجر للدول التي لا تعترف بأحكام الدول الأخذة بهذا المبدأ ، إذ أنه بمثابة محاولة لإكراه هذه الدول على تعديل موقفها وقبول الاعتراف والسماح بتنفيذ الحكم الأجنبي ، وهذا المعنى السياسي لا يلتفت إلى حاجة المعاملات الدولية ، التي تقتضي تمكين صاحب المصلحة في الوصول إلى حقه ، بغض النظر عن موقف الدولة التي صدر عنها هذا الحكم ([22]) .



صعوبة رجوع القاضي المطلوب منه إصدار الأمر بالتنفيذ إلى القوانين الأجنبية للتأكد من قبول تنفيذها للأحكام الوطنية الصادرة من محاكم هذا القاضي ([23]) .



إن الأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل قد يؤدي إلى تحايل الدول لإمكان تنفيذ أحكامها لدى الدول التي تأخذ به ، فقد حدث وأن صدر قانون في أمريكا في ولاية كاليفورنيا بالأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل ، بهدف تنفيذ الأحكام الأمريكية في ألمانيا ، والصادرة ضد شركات التأمين الألمانية بعد زلزال وحريق مدينة سان فرانسيسكو عام 1906م ، وذلك نظراً لاشتراط القانون الألماني لمبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل لتنفيذ الأحكام الأجنبية ولكن المحاكم الألمانية رفضت تنفيذ هذه الأحكام ، لأن مبدأ المعاملة بالمثل كان وارداً في قانون ولاية كاليفورنيا عند حدوث الكارثة ، ولم يكن وارداً في قانون ولاية سان فرانسسكو ([24]) .



إنه ليس من مصلحة شعوب الدول دائماً أن تعلق دولهم تنفيذ الحكم الأجنبي على مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل ، لأنه لو حصل أحد المصريين على حكم من محكمة إيطالية ضد أحد الإيطاليين ، وأراد تنفيذ هذا الحكم على أموال الإيطالي الموجودة بمصر ، فإن القاضي المصري سيرفض تنفيذ الحكم إذا لم تكن المحاكم الإيطالية تنفذ الأحكام المصرية ، فإذا أمعنا النظر لوجدنا أن رفض تنفيذ الحكم الإيطالي لم يضر بأي مصلحة أجنبية ، بل أضر بالمصلحة المصرية ، حيث أضر بمصلحة الدائن المصري الذي لم يستطع الحصول على دينه من مدينة الإيطالي ([25]) .



إن شرط المعاملة بالمثل أو التبادل لا يكفل للدولة تحقيق العدالة دائماً وإن الأحكام الأجنبية التي ستنفذ بناء على هذا الشرط أحكام سليمة وجديرة بالتنفيذ فالأمر قد يكون على العكس من ذلك ، ويحدث عندما تعترف دولة غير متحضرة ذات قضاء غير نزيه بالأحكام الأجنبية الصادرة من دولة ما ، حتى تعترف تلك الدولة بأحكامها ، في حين أن الأخيرة قد ترفض تنفيذ أحكام دولة أخرى معروف قضاؤها بالنزاهة والعدل ، لأن هذه الدولة المراد تنفيذ حكمها لا تعترف بأحكامها .



ولعل من أهم ما وجه إلى هذا المبدأ من نقد ، قيامه على اعتبارات سياسية والتي يجب أن تكون بمنأى عن الروابط القانونية المتعلقة بحقوق الأفراد ، فمسألة جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية أو عدم جوازها ، هي مسألة يجب أن تقدرها الدول وفق ما تراه محققاً للعدالة ، وأن فكرة المجاملة الدولية التي تبرر قيام مثل هذا المبدأ ، لم تعد صالحة كقاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص ([26]) ، ولهذا فنحن نعتقد أن قوانين الدول التي نصت على هذا المبدأ لم يجانبها الصواب([27]) .



















--------------------------------------------------------------------------------



([1]) ويرى البعض أن شرط المعاملة بالمثل يختلف عن شرط التبادل ، حيث أن شرط المعاملة بالمثل هو الوسيلة الفنية التي قد تأخذ بها الدولة في قانونها الداخلي كشرط من شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية ، فشرط المعاملة بالمثل وإن كان يحمل معنى التبادل أو ينطوي على إبراز للطابع الدولي لمسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية ، فإنه ما يزال وسيلة فنية داخلية تأخذ بها قوانين الدول أو ترفضها بحسب تقديرها ، أما شرط التبادل فهو الوسيلة الفنية الدولية التي على أساسها تعقد الدولة مع غيرها من الدول اتفاقيات أو معاهدات دولية في شأن تنفيذ الأحكام بين الدول المتعاقدة على وجه التبادل . أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 197 .



([2]) فؤاد عبد المنعم رياض ، وساميه راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1979م ) ، 554 .



عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 888 .



([3]) على الزيني ، المرجع السابق ، 100 .



([4]) لذلك قضت المحاكم المصرية المختلطة أنه يجب عند تقدير المعاملة بالمثل التي يلقاها الحكم المصري في الخارج أن ينظر إلى الرأي المتبع عملاً أمام المحاكم في البلد الذي صدر فيه الحكم ، لا إلى ما يصبو إليه الشراح النظريون في هذا البلد أو غيره ، ولا إلى ما جرى عليه العمل في غيرة . المرجع السابق ، 100



([5]) نقلاً عن على الزيني ، المرجع السابق ، 100 .



([6]) لم يعالج القانون السويدي آثار الحكم الأجنبي بنص صريح ، ويجري القضاء على أن الحكم الأجنبي لا يتمتع في السويد بقوة التنفيذ وحجية الأمر المقضي ، ويستثنى من هذا الأثر الثاني الأحكام المنشئة وهي غالباً الأحكام الخاصة بالحالة والأهلية .



نقلاً عن عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 875 .



([7]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 169 .



محمد كمال فهمي ، المرجع السابق ، 669 .



([8]) ولكن قد يحدث أن يشترط قانون الدولة المراد فيها تنفيذ الحكم الأجنبي أن تكون الأحكام الصادرة عن محاكمها هي الأخرى قابلة للتنفيذ في الدولة المراد تنفيذ حكمها ، فهنا نقع في حلقة مفرغة ، لأن كل طرف ينتظر أن يبدأ الطرف الآخر بالتنفيذ ، وللخروج من هذا المأزق جرى العمل على اعتبار مبدأ التبادل متوافر في مثل هذه الحالة . فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 455 .



([9]) المرجع سابق ، 455- 456 .



([10]) محمد كمال فهمي ، المرجع السابق ، 672 .



([11]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 893 .



([12]) حامد زكي ، المرجع السابق ، 453 .



([13]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 892 .



([14]) المرجع السابق ، 893 .



([15]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 173 .



([16]) المرجع السابق ، 174 .



([17]) المرجع السابق ، 174 .



([18]) أحمد قسمت الجداوي ، المرجع السابق ، 199 .



حامد زكي ، المرجع السابق ، 454 – 455 .



([19]) أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 200 .



([20]) وقد سار القضاء المصري فعلاً على هذا النهج في بعض أحكامه ، فقد حكمت المحاكم المختلطة بأن هناك تبادلا بين مصر وإنجلترا بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية ، بالرغم من أن المحاكم الإنجليزية تتبع وسيلة مختلفة لتنفيذ الأحكام المصرية . فؤاد عبد المنعم رياض ، وسامية راشد ، الوسيط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 500 .



([21]) عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 894 .



([22]) أحمد قسمت الجداوى ، المرجع السابق ، 201 .



([23]) بدر الدين عبد المنعم شوقي ، المرجع السابق ، 483 .



([24]) نقلاً عن المرجع السابق ، 484 .



فؤاد عبد المنعم رياض وسامية راشد ، الوسط في القانون الدولي الخاص ، مرجع سابق ، 456 .



([25]) المرجع السابق ، 456 .



([26]) هشام صادق ، دروس في تنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مرجع سابق ، 178 .



([27]) ونحن نتعجب من موقف القانون المصري الذي نص على هذا المبدأ ، ولم يلتفت إلى أوجه النقد الموجه إليه ، وذهابه إلى أبعد من ذلك عند نقله لهذا المبدأ عن القانون الألماني دون أن يأخذ بالقيود التي أوردها القانون الألماني نفسه على هذا المبدأ ، فبالرغم من أن القانون الألماني قد نص على هذا المبدأ في المادة 328 من قانون المرافعات ، إلا أنه قد أباح مع ذلك الاعتراف بآثار الأحكام الأجنبية رغم تخلف مبدأ المعاملة بالمثل ، إذا كان النزاع يتعلق بحقوق غير مالية ، أو لم تكن هناك محكمة ألمانية مختصة بذلك وفقاً للقانون الألماني . المرجع السابق ، 178 .






مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




أوجه انحرا ف القرار الإداي عن قاعدة تخصيص الأهداف








أوجه انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف





قد يقدم رجل الإدارة نتيجة لخطأ فني وقع فيه على إصدار قرار لتحقيق مصلحة عامة لم يوكل إليه أمر لتحقيقها و قد يقدم على تحقيق مصلحة عامة مكلف بتحقيقها و لكنه استخدم في ذلك وسائل غير تلك التي قررها لمشرع لتحقيق هذه المصلحة ، و في تلك الحالتين يرتكب رجل الإدارة انحرافا بالسلطة ممثلا في قاعدة مخالفة تخصيص الأهداف .



و لإيضاح ما أجملناه سوف نتناول أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف و ذلك في مطلبين:



الخطأ في تحديد مدى الأهداف المنوط بالموظف تحقيقها



الخطأ في استعمال رجل الإدارة لوسائل تحقيق الاهداف









الخطأ في تحديد مدى الأهداف المنوط بالموظف تحقيقها 0





في هذه الصورة يستعمل رجل الإدارة سلطته التقديرية في تحقيق أهداف عامة غير منوط به في تحقيقها حيث إن القانون لم يجعلها من بين الأهداف التي يتعين على رجل الإدارة أن يحققها باستعمال ما بين يديه من سلطات 0



و في هذه الصورة من صور الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف يتصف عيب الانحراف بالسلطة بعيب عدم الاختصاص لأن عضو الإدارة يحاول أن يحقق غرضا قد جعله القانون من اختصاص عضو إداري أخر و تظهر تطبيقات هذه الصورة بمناسبة استعمال الإدارة لسلطاتها المقررة في الاستيلاء أو في استعمالها لسلطتها بقصد فض نزاع ذي صبغة خاصة أو قيام إحدى الهيئات بمنع خدماتها عن أحد المواطنين لإجباره على القيام بتصرف معين 0، وتفصيل ذلك :-



- الانحراف في استعمال سلطة الاستيلاء



- استعمال السلطة الإدارية لفض نزاع ذي صبغة مدنية 0



- منع خدمات الإدارية عن أحد الأفراد لإجباره على إتيان تصرف معين





الانحراف في استعمال سلطة الاستيلاء



يعد الاستيلاء من الممكنات الخطيرة التي تملكها الإدارية و التي يمكن أن تهدد ملكية الأفراد و حقوقهم المالية و بالتالي فإنه من المحتم أن ينفذ تنفيذا دقيقا في حدود القانون و دواعيه و البواعث المشروعة لدى الإدارة لإعمال هذا الامتياز على خطورته يمكن أن تجد تبريرها في أن الإدارة مكلفة بإقامة و رعاية الصالح العام , و قد يكون الاستيلاء وسيلة لحصول الإدارة على بعض احتياجاتها التي أعوزتها الوسائل العادية في الحصول عليها و قد كون وسيلة لمواجهة ظروف طارئة قد تهدد الأمن الداخلي أو الخارجي لمواجهة كارثة عامة و نحو ذلك



و قد عرف بعض الفقهاء الاستيلاء بأنه عملية تقوم بها السلطة الإدارية من جانب واحد و بإرادتها المنفردة في مواجهة شخص طبيعي أو معنوي يلزم هذا الأخير بموجبها بأن يقدم لها أو للغير خدمة معينة أو عقارا معينا لاستخدامه أو منقولا لاستخدامه أو تملكه و ذلك من أجل إشباع احتياجات طارئة و مؤقتة تتعلق بالمصلحة العامة في ظل الشروط المقررة قانونا 0



و إذا كان المشرع يمنح الإدارة سلطة الاستيلاء على المواد الغذائية و الأولية و المساكن و غيرها فإن هي حادت عن تلك الأغراض مبتغية تحقيق غيرها فإنها تكون قد انحرفت بتلك السلطة عن غاياتها مما يستتبع إلغاء قرار الإدارة لانحرافها بسلطتها في إصداره و مبرر إلغاء



القرار في هذه الحالة أن الإدارة لانحرافها بسلطتها في إصداره و مبرر إلغاء القرار في هذه الحالة أن الإدارة انحرفت عن الهدف المخصص لقرارها و الذي بموجبه منحت سلطة الاستيلاء حيث إنها استعملت أحكام القانون في غير ما أعدت له 0



و قد استقر قضاء مجلس الدولة المصري و الفرنسي على إلغاء قرارات الإدارة التي تنحرف فيها عن الهدف الذي حدده لها المشرع من استعمال سلطة الاستيلاء حيث قضت المحكمة الإدارية العليا أنه " 000 حيث يستفاد من دفاع الوزارة 00 أنها تقرر بأن ذلك الاستيلاء الذي خصت به معصرة المدعي دون معاصر البلاد إنما قررته بسبب الشكاوى لم تسفر عن إدانة المدعي إذ انتهت جمعا إلى الحفظ إلا أن الوزارة لم تسلم بذلك , و قرت الاستيلاء و نفذته قبل أن يتم التحقيق نهائيا في تلك الشكاوى إذن فيكون الاستيلاء و الحالة هذه جزاء قصدت الإدارة توقيعه على المدعي بتسخير أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بالاستيلاء في غير ما أعد له و تكون الوزارة بتصرفها هذا قد أساءت استعمال سلطتها و انحرفت عن الغاية التي وضعت لها مما يعيب القرار المطعون فيه و يوجب إلغائه 0



و هذا الحكم يؤكد إن إلغاء قرار الاستيلاء على المعصرة موضوع الدعوى يجد سنده في أن قرار الاستيلاء فقد مبرره في تأمين تمويل البلاد من التلاعب و الجشع بعد ما أثبتت التحقيقات عدم صحة الشكاوى المقدمة ضد صاحب المعصرة بل إن الإدارة لم تنظر على ما سوف تسفر عنه تلك التحقيقات مما جعل المحكمة تستشف من ذلك وجود نية مسبقة لدى الإدارة في الاستيلاء بغض النظر عن توافر شروطه مسخرة في ذلك أحكام القانون في غير ما قصدت إليه و من ثم كان قرار الاستيلاء مشوبا بالانحراف بالسلطة مستوجبا الإلغاء



و الاستيلاء باعتباره قيد على حق الملكية فإنه يشترط لمشروعيته أن يكون قد تقرر لضرورة قصوى و يسقط الاستيلاء بانتهائها باعتباره إجراء مؤقت بطبيعته و يلزم هذا الإجراء أيضا تحقيق الهدف الذي تغياه المشرع منه و قد أرست هذه المبادئ المحكمة الإدارية العليا في أحدث أحكامها و الذي ذهبت فيه إلى أنه لا يجوز للجهة الإدارية المختصة اللجوء إلى الاستيلاء على عقارات الأفراد لحاجة التموين إلا في حالة الضرورة القصوى و التي يتعذر معها على الإدارة تدبير احتياجاتها بالطريق الطبيعي و من ثم يكون بهذه المثابة ذو طبيعة مؤقتة 000 كما أنه يلزم لمشروعية قرار الاستيلاء وسيلة استثنائية , تتضمن قيدا على حق الملكية عبثا عليها لا يبره إلى الصالح العام الذي يحدده المشرع صراحة في القانون و من ثم لا يجوز لوزير التموين اللجوء إليها إلا إذا استنفذت جميع الوسائل العادية المتاحة و لم يجد بعدها إلى هذه الوسيلة الاستثنائية لتحقيق الهدف الذي تغياه المشرع من ضمان تزويد البلاد بالمواد التموينية و تحقيق العدالة في توزيعها فيكون في هذه الحالة ضرورة ملحة اقتضاها الصالح العام , شريطة أن تدر هذه الضرورة بقدرها و ألا تجاوز حدودها



و قد أصدرت المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن حكما هاما حين قضت عدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 52 لسنة 1955 بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة و معاهد التعليم و من بين ما استندت إليه المحكمة في حكمها أن البين من النصوص التي تضمنها القانون المطعون فيه أن الاستيلاء وفقا للأحكام التي تضمنته مادته الأولة ليس موقوتا بل متراخيا إلى غير حد و موكول انتهاؤه إلى السلطة التقديرية لوزير التعليم و تخرج بذلك الأموال من السلطة الفعلية لأصحابها 000 مما يعتبر غصبا لها يحيل أصلها عدما بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها لاتخاذه الشرعية ثوبا و إطارا و انحرافه عنها قصدا و معنى فلا تكون الملكية التي كفل الدستور صونها إلا سرابا و وهما 0



و في هذا الحكم إلهام للمحكمة الدستورية العليا اعتبرت أن الاستيلاء المؤقت يخرج عن مضمونه إذا فقد صفة التأقيت , و ذهبت إلى أن في ذلك انحرافا عن المشروعية أي انحرافا في استعمال السلطة



و قد استعملت الإدارة الفرنسية سلطة الاستيلاء مدفوعة في ذلك بظروف الحرب و ما خلفته من

مشكلات تمتد إلى نعظم نواحي الحياة لا سيما ما تعلق منها بالغذاء و المسكن إلا أن هذه السلطة باعتبارها سلطة استثنائية كانت محددة دائما بالغرض الذي من أجله منحت و قد عني المشرع الفرنسي بتحديد تلك الأغراض فإذا ما غفلت عنها الإدارة سهوا أو عمدا ألغي مجلس الدولة قراراها لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء القرار الإداري الصادر بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن لأنه قام بتصدير كمية جبن غير مشروعة و قد قرر مجلس الدولة في هذا الحكم " و حيث إن قرار مدير التموين بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن إنما من أجل توقيع جزاء عليه لقيامه بتصدير كمية جبن بطريقة غير مشروعة و بالتالي فإن الإدارة تكون قد استعملت حقها في الاستيلاء من أجل غرض أخر يختلف عن الغرض الذي تقرر هذا الحق من أجله و بناء عليه فإن قرار الاستيلاء يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة "







استعمال الإدارة سلطتها في فض نزاع مدني



لكل سلطة من سلطات الدولة الثلاثة اختصاص ثابت يتعين عليها التزام حدوده ليكون عملها مشروع 0

و إذا كان المشرع قد خص السلطة القضائية بالفصل فيما ينشأ بين الأفراد من نزاع و حسمه بحكم قضائي تنفيذه ملزم للكافة , فإن محاولة اسلطة الإدارية الإطلاع بهذا الدور يجعل ما يصدر عنها من قرارات في هذا الشأن خارجة عن نطاق المشروعية مشوبة بالانحراف بالسلطة و ذلك بالرغم من نبل الغاية و استهدافها تحقيق صالح عام متمثل في تحقيق السلام الاجتماعي 0



و ترجع عدم مشروعة عمل الإدارة في هذه الخصوص إلا إن الإدارة استعملت سلطتها في غير ما أعهدت له بالإضافة إلى اعتدائها على السلطة القضائية الأصيل في فض ما ينشأ بين الأفراد من نزاعات كما أن الإدارة بحكم تكوينها و طبيعة أداءها لنشاطها غير مؤهلة أصلا لفض النزاعات التي ذات الصيغة المبينة التي تنشأ بين الأفراد حيث أن القضاء هو الأولى بممارسة هذا الدور لما يتمتع به من حيدة و نزاهة و استقلال 0



من أجل ذلك كان ما تصدره الإدارة من قرارات مستعملة فها سلطتها قاصدة فض نزاع ذي صبغة مدنية يكون مصيرها دوما الإلغاء القضائي 0



و هذا النوع من الانحراف كثيرا ما يرتكبه المحافظون و غيرهم من رجال الإدارة فتأتي قراراتهم مشوبة بعيب الانحراف بالسلطة حيث استعملت الإدارة الصلاحية المخولة لها قانونا من أجل تحقيق هدف يختص به القضاء العاجي 0



و بالرغم من أن هذا العمل يدخل في إطار الأعمال الخيرية الجليلة إلا أن مجلس الدولة الفرنسي رفض أن يعترف للإدارة بإجراءاته و الانحراف بسلطتها في سبيله حيث قضى بعدم مشروعيته قرار ضبط قصد به حل نزاع بين الأفراد 0



و قد سار مجلس الدولة المصري على ذات الدرب حيث أعلنت محكمة القضاء الإداري عن موقفها في هذا الشأن بوضوح في حكم لها ذهبت إلى أنه " قد بان للمحكمة أن المصلحة العامة اقتضت إنشاء خط تنظيم في الشارع الواقع عليه منزل المدعي و حيث إن هذا التنظيم قد تخلفت عنه القطعة موضوع النزاع فأصبحت من الأملاك الخاصة التي يصح التصرف فيها و يكون للمالك المجاور لها حق الشفعة العادي , المقرر في القانون المدني للجار الملاصق و من حيث إن البلدية قد صدر عنها فعلا للمدعي وعدا بالبيع بعد أنه هذا الوعد زاحمته عائلة أخرى و انتهى المر بصدور القرار المطعون فيه بإلغاء زوائد التنظيم المذكورة و إعادتها للشارع مما يحدث فيه فجوة و انبعاجا لا يتفق مع التنظيم و من حيث إن هذا التصرف قد يؤدي إلى فض المنازعة و التزاحم بين جارين بشأن شراء أرض أو الانتفاع بها إلا أنه لا يدخل ضمن وظيفة البلدية فض المنازعات الخاصة أو صيانة المن بل أن وظيفتها هي التنظيم الهندسي للمدينة " و انتهت المحكمة في حكمها بالإلغاء القرار الذي قصدت به الإدارة فض نزاع ذي صبغة خاصة 0





رفض جهة تقديم خدماتها لأحد المواطنين لإجباره على القيام بتصرف معين



على السلطات الإدارة واجب تجاه الأفراد , يتمثل في أداء ما كفله لهم القانون من خدمات شريطة أن تنطبق عليهم شروط استحقاقها فإن توافرت تلك الشروط فالإدارة ملزمة بأداء الخدمة بلا سلطة تقديرية لها في ذلك و تكون الإدارة قد ارتكبت انحرافا بالسلطة إن هي امتنعت أو تباطأت في أداء الخدمة أيا كان باعثها على ذلك نبيلا أنم كان خبيثا فسلوك الإدارة في هذه الحالة يمثل انحرافا بالسلطة حتى و لو كان دافع هذا السلوك الضغط على أداء ما عليه من أموال للدولة



,علة وصف قرار الإدارة بالانحراف في هذا الشأن , إن الإدارة استعملت سلطتها في غير ما أعدت له حين قصدت تحقيق صالح عام لم يكلفها القانون بتحقيقه لكون ذلك من اختصاص القانون بتحقيقه لكون ذلك من اختصاص سلطة إدارية أخرى و الهدف من إلغاء قرار الإدارة في هذه الحالة هو إعلاء شأن القانون حيث إن في سلامة تطبيقه تحقيق الصالح العام بصورة أكثر شمولا 0



لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار الإدارة حيث استخدمت سلطة الضبط الإداري لإجبار المتعاقد معها على الوفاء بالتزاماته التعاقدية 0



و قد ألغت محكمة القضاء الإداري قرارا لقلم المرمر بالامتناع عن تسليم أحد المواطنين رخصة سيارته التي استوفى شروط استخراجها و ذلك بهدف إجباره على سداد الرسوم المتأخرة عليه لإحدى الجهات الحكومية 0



و في هذه الدعوى وضع قلم المرور في تصور خاطئ و هو أنه كجهة حكومية مكلف بالدفاع عن مصالح باقي الجهات الحكومية و في استيفاء حقوقها لدى الأفراد مستعملا في ذلك سلطته في منح أو منع استصدار تراخيص تسيير السيارات و قد دفعه هذا الاعتقاد الخاطئ إلى الحلول محل الجهة الحكومية الدائنة و التي كفل لها القانون من الوسائل ما يمكنها من استيفاء حقوقها 0



و قد أيدت المحكمة الإدارية العليا مذهب محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن حيث قرت

إنه " لا يجوز لجهة الإدارة رفض منح الترخيص لأساب أخرى يدخل تقديرها في مجال اختصاصها



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


النصب بطريق الخصومة








النصب بطريق الخصومة














جنحة النصب من أدق الجنح في القانون ، فإن النصب دقة ومهارة ، وتعقيد ، وتفنن ، فكان طبيعيًا أن يتشكل بأشكال عديدة ، وكان معقولاً أن يحتاط النصاب لنفسه فلا تخنقه حبائله التي ينشرها لاصطياد الغير..، فجمع النص الذي يحيط بأعمال النصابين من الأركان والدقائق ما قد يختلف فيه الآراء وتتناقض بسببه الأحكام.

والذي جعل هذه الصعوبة دائمة، وجعل الخلاف مستمرًا أن الأركان التي نصت عليها مادة النصب كثيرة من جهة، ثم أن بعضها قد يحل محل البعض الآخر من جهة أخرى، فإذا عرضت واقعة فاتجهت وجهة النظر إلى توافر الأركان الأصلية وغاب عن الباحث ما يصح أن يكون لأحدها بديلاً، ذهبت الواقعة كأنها ناقصة الأركان فتخرج من دائرة العقوبة.

لسنا نريد أن نبحث في كل أو أكثر ما يعرض من هذا النوع فإن هذا لا يحيط به بحث محدود، ولكننا نريد فقط أن نبحث في واقعة واحدة، لم تعرض على محاكمنا قبل الآن على ما نعلم، ورأينا أن نعرضها لأول مرة على أن الإفهام متفقة على أنها ليست نصبًا، وهي الآتية:

أودع منقول عند آخر، وثبتت الوديعة بسند مكتوب، ثم طلب المودع استرداد الوديعة فردت فعلاً، وطلب المودع لديه سندها، فاعتذر مالك المنقول بأن السند ليس في متناول يده ساعة الرد، ووعد بتسلمه غدًا، فصدقه المودع لديه، ولما رجع في الموعد المضروب طلب إليه المالك الذي استلم وديعته أن يقوم بعمل معين، وهدده إذا لم ينفذ طلبه، بإنكار استلام الوديعة، وبالتبليغ ضده على اعتبار أنه مبدد، وهذه الواقعة هي محل البحث.

نحن نقول إنها نصب تام الأركان ، لا ينقصه شيء لا من الناحية الأدبية ولا من الناحية القانونية ، وأن النفس لتنزعج بمجرد استعراض الواقعة بظروفها ، على ما فيها من دلائل الاستقامة ، وحسن النية من جهة المودع لديه ، وما يقابل ذلك من فظاعة الإجرام من جهة المالك ، فإنك لا تستطيع أن تتصور ضلالاً أكثر، ولا سوادًا يملأ النفس أظلم ، ولا جرأة على الشر أشد ، فإن هذا الفاتك يقبض على فريسته بيد من حديد ، إذ في يده سند مكتوب أمَّنه عليه المودع لبضعة ساعات لعذر انتحله فأنكر الأمانة حول السند إلى مصلحته ، يريد أن يملك به رقبة المدين ، ويملك به ضمير القاضي ، فيسد عليه طريق الحق ، فأصبح المودع لديه البريء ألعوبة أثيم يهدده في شرفه ، وفي ماله !!

فأين تجد واقعة من وقائع النصب يمكن أن تكون أشد هولاً - أو أثبت ظهورًا في واقعتها - وفي توافر أركانها، وفي مبلغ أثرها ، وسعة الجرم فيها. ؟!!!

يخيل لنا وقد وضعنا الواقعة بحدودها ، أنها لا تحتمل خلافًا ، ولا تحتاج إلى بحث ، بل نراها نصبًا واضحًا لا يقبل الجدل ، فإن الركن الأول وهو الكذب ظاهر ، وواقعته هنا دعوى المالك أنه لم يستلم الوديعة وقد استلمها، والركن الثاني وهو الاحتيال لتأكيد هذا الكذب متوفر، وهو الاستدلال بسند، ترك في يده أمانة وليس عند المودع لديه دليل يثبت براءة ذمته ويدفع به عن نفسه شر هذا الاتهام الكاذب، والركن الثالث متوفر وهو قائم في أن هذا التهديد من شأنه أن يحدث في النفس جزعًا يدفعها إلى الخضوع لمطالب المهدد، أما الركن الرابع وهو الاستيلاء على المال بغير حق فإذا لم يتم فالواقعة شروع لا جنحة كاملة.

يجب أن نحدد عند أي ظرف ، من ظروف هذه الواقعة تبدأ أركان جنحة النصب في دور التكوين.

هل تبدأ عندما يطالب مالك الوديعة برد وديعته، للمرة الأولى أي قبل أن يكون استلمها ؟ بالطبع لا، لأنه إنما يستعمل حقًا ، حتى ولو كان مصممًا على أن يلعب الدور إلى آخره ، لأن التصميم النفسي لا يعتبر ركنًا لجنحة ما، اللهم إلا بعد وقوعها وعلى اعتبار أنه بحث رجعي لتكوين نية الإجرام.

هل تبدأ تلك الأركان، عند استلامه الوديعة، والتحايل لعدم رد السند، معتذرًا بأي عذر يبديه ؟!

لا شك أننا ندخل هنا في دور العمل المادي ، وفي طريق الاستعداد التنفيذي للنصب ، فكان يصح أن يكون هذا العمل بداية للجنحة وركنًا من أركانها .

قد يعرض للذهن أن المودع لديه هنا ، أيضًا ، إنما يسترد ماله الذي يملكه ومن حقه أن يسترده ، فهو في دائرة حقوقه ، فلا ينقلب عمله ركنًا لجنحة النصب .

والنظرة هنا خاطئة على ما نرى - لأنه أولاً لم يسترد وديعته فقط بل هو بدأ يتحايل لعدم رد السند لغرض الاستيلاء على مال الغير بدون حق - ولأنه ثانيًا إذا كان من حقه أن يسترد وديعته ، فإنما هذا الحق مرتبط بأن يسلم السند الذي في يده، إذ الأمران متلازمان ، بل هما في الواقع عمل واحد ، لا يتجزأ ، ولا سبيل إلى قسمته لأمرين منفصلين فاستلام الوديعة منفصلاً ، ثم رد السند منفصلاً .

بل إن المودع لديه إذا ما حضر يحمل الأمانة إلى صاحبها ، فإنما يقابل هذا في الحال ، واقعيًا، وقانونًا، وفي عقيدة حاملها ، وكذلك في عقيدة المالك الذي يريد أن يستلم ، أن هذه الوديعة يقابلها سند يمثلها تمامًا، وأن الإلزام الذي يرتب على المودع لديه واجب رد الوديعة هو بذاته الذي يرتب على صاحبها واجب رد السند في لحظة استلامه للوديعة ، فإذا ما احتال على أن لا يرد، واقتصر على استلام وديعته، فغير صحيح لا واقعيًا ، ولا قانونًا ، ولا ذمة أنه يستعمل حقًا إنما الواقع أنه يبدأ في الكيد ، ويخطو الخطوة الأولى للوصول إلى الاستيلاء على مال الغير ، ويتسلح لاغتصاب هذا المال اغتصابًا .

ومن ناحية أخرى ، فإن المالك إذا استلم وديعته فقد برئت ذمة المودع لديه قانونًا ، ويصبح سند الوديعة تحت يد المالك هو بذاته وديعة في ذمته عليه أن يرده لصاحبه ، فإذا ما رفض الرد وأراد استعمال السند لمصلحته فقد ارتكب جنحة التبديد وخيانة الأمانة ، فلا سبيل بحال من الأحوال أن يوصف هذا العمل من جهة النظر القانوني بأنه استعمال لحق .

ومهما يكن من وجهة النظر في هذه الخطوة الأولى ، فإن الظروف التالية تجمع وحدها جميع أركان جنحة النصب كاملة: ذلك - لأن مالك المنقول بعد أن استلمه - ووعد برد السند لصاحبه، نراه قد أنكر الاستلام ، ثم هدد باستعمال السند الذي بيده ، وهو سند قد أصبح باطلاً معدوم الأثر ، وقد أصبح مملوكًا للمودع لديه بحكم رد الوديعة ، وفي هذا جمع لأركان جنحة النصب كما قدمنا .

على هذا يمكنا أن نقول خذ الواقعة من حيث شئت ، فإنها جنحة مضاعفة لأن مالك المنقول احتال على المودع لديه حتى استلم منه الوديع ة، وهو يضمر له شرًا ، ثم بعد ذلك تقدم للاحتيال عليه من جديد ، للاستيلاء على مال من طريق التهديد - بتهمة التبديد - وهو أشد طرق الاحتيال، وأفعلها في نفس المهدد، فالشروع في النصب قائم مقرر.

على أن تدليلنا قد يبدو للمشتغلين بالقضاء ضعيفًا، إذ جرت العادة - مهما كان التدليل العقلي واضحًا - بالرجوع إلى آراء العلماء وفقه المحاكم فلنتمم بحثنا للواقعة من هذه الوجهة.

جاء في جارسون، شرحًا على المادة (405) التي تقابل مادة (293) عندنا، صفحة 1336:

(425): (أن سداد الديون قد يصحبها طرق احتيال متنوعة، وأشهرها أن يستلم المدين مخالصة بدينه ثم لا يدفع الدين ويدعي أنه دفعه).

وقد أثارت هذه الواقعة من جهة وصفها القانوني صعوبات عسيرة الحل ، ولكن فقه المحاكم قرر مبادئ يصح أن تعتبر ثابتة، فإنه إذا أخذ المدين إيصالاً أو مخالصة لمراجعته، ثم لا يدفع، فقد ارتكب سرقة، لأن السند لم يسلم له بصفة نهائية، ومن طريق التمليك بدون قيد، بل سلم له تسليمًا مؤقتًا، لا ينفي السرقة من طريق الاختلاس.

ويقول أيضًا:

(426): (ولكن هذه الأسباب بذاتها تزول وتسقط نتيجتها إذا لم يستلم المخالصة على شرط ردها - بل على أن تكون له بصفة نهائية، وذلك حتى إذا استلم المخالصة من طريق الحيلة لأن أركان السرقة تنعدم، وليس من الضروري دائمًا أن فقدان أركان السرقة يجعل الواقعة نصبًا إلا إذا ثبت أن المخالصة سلمت بسبب استعمال طرق احتيالية).

ونرى أن التفرقة بين حالتي تسليم المخالصة إما مؤقتًا وإما نهائيًا، إنما هو تفريق اصطناعي أكثر منه واقعي أو قانوني.

فإن المخالصة لا تسلم عادةً على شرط درها بذاتها، بل على شرط دفع الدين، فالتسليم دائمًا وقتي ومقرون بشرط: لكن هذا في رأينا لا يجعل الواقعة سرقة إذا لم يدفع المدين، لأن ركن الاختلاس مهما أجهد الباحث نفسه غير حاصل واقعيًا بل هو متوفر حكمًا على ما يقول جارسون، ولسنا ممن يقبلون القول بأن الجنايات تقع اعتبارًا.

أما أركان النصب فظاهرة بدون حاجة إلى إثبات احتيال آخر، فإن الإجماع قائم على أن طرق الاحتيال قد تكون مستفادة من ظروف الواقعة بنفسها ، أو من صفة نفس المتهم إذا كانت تلك الصفة تدعو إلى تصديقه، أو من طبيعة العمل، وواضح أن علاقة الدائن والمدين تستدعي بذاتها أن يدفع المدين دينه، فحضوره متظاهرًا بنية الدفع عمل يدعو بذاته إلى تصديقه، وطلب المخالصة يؤكد قوله أو مظهره، فلا حرج على الدائن إذا قدم له المخالصة، فإذا ما استلمها بعد ذلك وادعى أنه دفع الدين كذبًا، فقد تمت أركان النصب كلها واقعيًا وقانونًا.

وتوافر ركن النصب هنا، أقرب منه إلى توافر ركن السرقة، وهو الاختلاس، لأن الاختلاس في هذه الحالة إنما هو انتزاع فكري، محض، بل هو اجتهاد نظري، يراد به تغليب الاعتبار الفكري، على الواقع المحسوس، فيجب عليك أن تمحو من الوجود واقعة تسليم المخالصة اختيارًا، ثم تضع مكانها من طريق الاعتبار النظري أن المخالصة قد اختلست، وهذا تخريج خطر في مقام البحث في توافر أركان الجنح، فإن الجنحة واقعة مادية على الدوام، أما هنا فيراد تأليفها من فكر مجرد، واعتبار نظري، وهذا لا يجوز على ما نرى.

وعلى كل حال فإن (جارسون) ومعه الأحكام التي يشير إليها مجمعة على تأييد الرأي الذي نقول به وهو اعتبار الواقعة نصبًا إذا كان تسليم المخالصة قد سبقه عمل احتيالي، والنظر في هل وقع احتيال أو لم يقع، إنما هو أمر موضوعي، وأما النصب من جهة وصفه القانوني فلا خلاف فيه.

على أن ما نذهب إليه هو رأي محكمة النقض في باريس، وقد نقله جارسون بعد أن وضع رأيه الذي علقنا عليه بما تقدم، حيث يقول:

(432): (ولكن محكمة النقض، رأت من الطرق الاحتيالية أن يحضر المدين مظهرًا أنه مستعد لدفع الدين، فيضع كيس النقود على ترابيزة، ثم يطلب المخالصة، فإذا أخذها ولم يدفع ، فقد تمت جنحة النصب... (كاساسيون 4 سبتمبر سنة 1824)).

ويعلق جارسون على هذا الحكم بما يأتي:

(هذا القرار قديم، وواقعته في غاية الدقة، أما الفقه الأحدث فإنه يعتبر المدين الذي يضع النقود تحت تصرف الدائن بعد عدها، ثم بعد ذلك يختلسها بالحيلة أو بالمهارة يعتبر أنه قد ارتكب جنحة السرقة لأنه كان ملكها فعلاً للدائن ثم اختلسها).

ثم يقول بعد ذلك:

(أما في حادثة قرار محكمة النقض فإن المدين لم يكن قد وضع النقود تحت تصرف الدائن، إنما أظهر الكيس فقط..، وبهذا فإنه لم يكن في الإمكان اعتباره مختلسًا لنقود هي في الأصل تحت يده ولا زالت كذلك).

(ومع هذا فإننا نميل إلى اعتبار أنه سرق المخالصة). !!

وجاء فيه أيضًا، فقرة (433).

كذلك رأت محكمة النقض أن جنحة النصب متوافرة الأركان في الواقعة الآتية:

(مضارب في البورصة، طلب أن يستلم السندات التي اشتراها في نظير دفع ثمنها.. ثم استلمها من العامل المختص بذلك، ومعها فاتورة عليها مخالصة، ووضع كل هذا في مكتبه، ثم دفع جزءً من الثمن، وطلب من المستخدم أن يصحبه إلى مكتب أخيه ليدفع الباقي ثم تركه ولم يدفع).

ليس في هذه الواقعة إلا ما نذهب إليه، فقد رأت محكمة النقض كما رأينا أن في حضور المشتري إلى مكتب البائع، مظهرًا أنه مستعد لاستلام الأوراق التي اشتراها مظهرًا يدعو بذاته إلى تصديقه، لأن العملية تستلزم ذلك، وكان هذا التظاهر الكاذب حيلة ترتب عليها تسليم المخالصة فوقع النصب كاملاً.

لكن جارسون يستمر على رأيه فلا يرى أن في هذا المظهر ما يكفي لاعتبار أن الاحتيال قد تمثل، وهذا هو سبب اعتراضه الوحيد، فالمسألة ليست اختلافًا على جوهر المبدأ كما ترى، بل على تقدير الطرق الاحتيالية وكيف تكون، وهذه مسألة واقعية، فالإجماع حينئذٍ قائم على أنه نصب إذا كان من الظروف ما يدعو إلى اعتبار أن الدائن إنما سلم المخالصة معتقدًا أنه سيقبض دينه.

هذا فيما يتعلق بالمدين إذا أخذ مخالصة ولم يدفع الدين، فهل تختلف الحالة العكسية ؟ وهي إذا ما استلم الداين دينه، ثم احتفظ بسنده، ورجع إلى المطالبة مرة أخرى. !!

يقول جارسون، صفحة 1338 ما يأتي:

(433): (وقد تقع نفس الطرق الاحتيالية من الدائن ضد المدين فبعد أن يستلم دينه، يدعي أن المدين لم يدفع ثم يطالب بالدين من جديد، والمبادئ التي قررناها في شأن المدين تنطبق على هذه الحوادث الدقيقة).

نرى أن الواقعة تعتبر سرقة، إذا استولى الدائن على النقود قبل أن توضع تحت تصرفه، أو إذا استرد سند الدين أو المخالصة بعد أن أعطى أحدهما للمدين، ويعتبر نصبًا إذا كان الدائن قد استعمل الحيلة فجعل المدين يسلمه الدين - بدون تسليم سنده - ولكن النصب لا يتكون إذا لم يثبت أنه استعمل لأخذ الدين طريقًا احتياليًا، ولا يكفي لتكوين أركان النصب أن الدائن كذب على المدين فجعله يدفع الدين بدون أخذ إيصال أو بدون استرداد السند.

لهذا فقد حكمت محكمة النقض، أنه إذا كتب سند جديد بدل السند القديم الذي استحق وادعى الدائن أن السند القديم قد فُقد فإن ركن النصب غير متوفر، لأن الدائن لم تصدر منه حيلة لاستلام السند الجديد، أما دعوى فقدان السند القديم فقد صدرت بعد استلام الجديد فهي لم تكن سببًا لاستلامه. (نقض 9 يناير سنة 1885).

وهنا أيضًا يجب أن نلاحظ أن جارسون يحصر بحثه، سواء في الرأي يبديه هو، أو في نقل حكم محكمة النقض، في واقعة استلام السند الجديد، أو قبض الدين، ويريد أن يعطي لهذه الواقعة بالذات حكمها، ثم يريد أن يبسط حكمها وحدها على الوقائع التي تليها، وهو خطأ لأنها تقف عند استلام الدين، أو السند الجديد، الذي حل محل القديم، وهذا هو موضوع حكم محكمة النقض بالتحديد.

أما الواقعة التالية، وموضوعها، أن ذلك الدائن - الذي لا دين له - يدعي بعد أن قبض دينه أنه دائن، ثم يهدد برفع الدعوى ثم يرفعها فعلاً فإنها واقعة مستقلة ذات أركان خاصة بدأت بدعوى كاذبة ثم أسندت إلى وقائع احتيالية، ودليلها قائم موجود لكنه دليل باطل مسموم، وهذه الواقعة التامة الأركان، لا يتعرض لها جارسون ولا يبحث في حكمها، لا هو ولا حكم النقض. !!

بل إننا إذا أخذنا مبدأه أساسًا، ثم أردنا تطبيقه على هذه الحادثة التالية من باب الاستطراد، فإنها تكون نصبًا أيضًا، إذ هو قد أخرج واقعة استلام الدين من دائرة النصب، بناءً على أن دعوى فقدان السند القديم، جاءت بعد استلام الدين، والواقع أنه لا يستطيع أحد أن يفهم أن تأخير الحيلة يجعل تسليم الدين حاصلاً على أنه تبرع نهائي، غير مشترط فيه بحكم الحال والظروف، بل بحكم الواجبات المفروضة، أنه دفع مرتبط في واقعته، وحكمه، بتسليم سند الدين، أو تسليم مخالصة عنه، وما دام أن هذا هو شرط الدفع الذي لا نزاع فيه كان الاحتجاج بأن التحايل بفقدان السند حصل بعد استلام المبلغ لا يغير شيئًا من معاني الواقعة، ولا من ركنها الإجرامي، بل هو يزيد في بيان نية الإجرام، وفي بيان مقدار الحيلة، لأن الدائن سكت احتيالاً حيث يجب السكوت، حتى يهيء له طريق الاختلاس الذي يريده، فإنه إذا أعلن المدين قبل استلامه الدين أنه لا يريد أولاً يستطيع أن يسلم سنده، أو مخالصة عنه، فقد يثير ذلك حذر المدين، وقد يعتذر عن الدفع فمن الغريب في الصورة التي يرويها جارسون أن يكون احتياط الجاني لإتمام جنايته وإحكامه في ارتكابها سببًا لعدم تكوين أركانها وإفلاته من العقوبة. !!

ونظن أنه من أجل هذا قد تجاوزت محكمة النقض عن الأخذ بشرط جارسون، ورأت أن الواقعة نصب تام الأركان، ونجد هذا في جارسون نفسه فقرة (446) حيث يقول:

(ولكن محكمة النقض حكمت بأن النصب واقع إذا قبض محصل الأموال الذي رُفض من وظيفته ما هو مطلوب من أحد الممولين وأعطاه مخالصة).

(747): (وكذلك الدائن الذي يقبض دينه من مدين أمي وانتهز فرصة جهله فسلمه صورة من سند الدين وحفظ الأصل ثم حوله وطلب بقيمته بعد ذلك).

هنا فقط وفي هذا الحكم الأخير تجد الواقعة التي نفترضها، لأن جنحة النصب ليست مشخصة في واقعة قبض الدين في ذاتها بل تشخصها الواقعة التالية وهي المطالبة بالدين الذي أصبح غير مستحق، ثم استعمال سند الدين المحفوظ دليلاً عليه.

لكن جارسون يستمر على فكره الأول، وهو التوحيد دائمًا بين الواقعتين، قبض الدين، ثم المطالبة به مرة أخرى، فنراه يوافق على هذا الحكم، ولكنه يرجع في تعليله القضائي إلى ما أبداه فيما مضى، فيقول إن المدين هنا قد دفع بناءً على حيلة صدرت من الدائن وهي إيهامه بإعطاء مخالصة والواقع أنها ليست كذلك.

ولو تأملنا إلى هذا التعليل لجاز لنا الشك في قبوله إذ أن هذا المدين، كان له من الطرق مهما كان جهله ما يضمن به كشف حقيقة الورقة التي عرضت عليه، وحكايته لا تخرج عن أنه قد صدق الدائن لمجرد قوله أنه يعطي مخالصة، ولا فرق بينه وبين من يعرف القراءة إذا صدق الدائن في اعتذاره مثلاً بأن سند الدين ليس في متناول يده، مؤقتًا .

وليس من الواجبات المفروضة أن يعتقد الناس في بعضهم البعض أنهم لصوص خاطفة، وإذا شئت أن تجعل هذا الاعتقاد واجبًا لوجب على ذلك المدين الجاهل الأمي أن يحضر من يقرأ له الورقة، ولكن الواجبات العامة وأحكام الاجتماع تقضي باعتبار الإنسان بريئًا، فإذا ما ثبت هذا الواجب في نفس أحد المتعاملين فعمل به فلا يحرمه هذا من حماية القانون .

على أنه طبيعي أن يكون من آثار المعاملة بين اثنين أن تزيد في هذا الواجب تأكيدًا فليس للذي صدقه مدينه - في اعتذاره لعدم إمكانه رد السند - أن يتمسك عليه لماذا لم يعتقد أنه لص، وعلى هذا ينجو من العقوبة، لا لسبب آخر غير حُسن الظن به. !!

هذا نقوله - من باب المساجلة مع جارسون في رأيه - فيما يختص بالواقعة الأولى وهي تسليم الدين بدون أخذ مخالصة لكن حكم النقض واقع على الواقعة الثانية المستقلة، وهي دعوى الدائن أنه لم يقبض الدين، واستعمال سنده القديم الذي أصبح باطلاً، وطلب قبضه مرة ثانية، وفي هذه الدعوى كل أركان النصب كاملة، ولم يبدِ جارسون في شأنها شيئًا يعترض حكم النقض .

نخرج من هذا - حينئذٍ - على أن القول الشائع بأن الدائن إذا طلب دينًا قد سبق أن أخذه لا يدخل عمله في دائرة قانون العقوبات، إنما هو قول يخالف القانون، ويخالف الآداب العامة، ويخالف الأحكام، وإجماع المذاهب .

إلى هنا بحثنا الموضوع من ناحيته العامة، على اعتبار أن صاحب الوديعة دائن، وأن المودع لديه مدين، ونريد الآن أن نبحث في الوديعة بذاتها، وإذا جئنا إلى هذا البحث وجدنا الموضوع لا خلاف فيه ولا نزاع.

لم نجد في المطولات بابًا معقودًا للوديعة على وجه العموم، لكنا وجدنا بابًا عنوانه النصب في أمانات مصلحة السكة الحديد، وما تقرر في شأنها ينطبق على الودائع عامة - لأنه لا يوجد تشريع خاص لمصالح أو شركات السكة الحديد، بل الأحكام فيها راجعة إلى قواعد القانون العامة.

وردت في جارسون صفحة 1357:

(615 - أن طرق الاحتيال التي تحصل ضد شركات السكك الحديدية - كثيرة - وأن أهمها يكون جنحة النصب، لأن جميع أركانها متوفرة فيها).

ثم قال بعد ذلك في صفحة 1358، وهذا هو موضوع الوديعة.

(633 - كذلك نقل البضائع - قد يكون ظرفًا لاستعمال حيل تتكون منها جنحة النصب).

وقد تقرر أن المادة (405) تنطبق على من استلم كل أو بعض البضائع، ثم حفظ السند، وطالب بالبضائع من جديد.

اقرأ هنا ماذا يقول جارسون بعد الذي نقلناه فيما مضى، تراه قد رجع صراحةً عن رأيه وانضم إلى رأي أحكام النقض فيما تقدم، وصدق على وجهة النظر التي نبديها !! وكأنه هنا قد فطن إلى العملية الثانية، التي تقول إنها منفصلة تمام الانفصال، وهي واقعة المطالبة الجديدة، بصرف النظر عن واقعة استلام الوديعة.

يقول جارسون هنا ما يأتي:

هذه الواقعة لا يمكن اعتبارها سرقة - لأن المسافر الذي استلم بضاعته قد استلم شيئًا هو ملكه، لكن جميع أركان النصب متوافرة لأن هذا المسافر يكذب، في تأكيده أنه لم يستلم البضاعة، وهو يؤيد هذا الكذب بطرق احتيالية، هي طلبه رد البضاعة، وتمسكه بقسيمة، يستدل بها على حق وهمي لا أثر له.

- كاساسيون - 3 ديسمبر سنة 1885 - سرى سنة 1887 - 1 - 238.

- كاساسيون - 9 يونيو سنة 1888 - سرى سنة 1888 - 1 - 448.

- كاساسيون - 16 يناير سنة 1892 - سرى سنة 1892 - 1 - 216.

- ليموج - 12 نوفمبر سنة 1898.

- كورنيل - 18 مايو سنة 1900.

كذلك نجد هذا الإجماع، في كل مطول من المطولات، وفي المجموعات، والمؤلفات بدون شذوذ، وفي داللوز وفي سيرى، وفي جارو، وهكذا، فوضح أن قولنا الذي صدرنا به هذا البحث أن هذه قضية يخيل لنا أنها بديهية لا تحتاج بحثًا، إنما هو الصواب بذاته وقد أدى بنا الاستقراء إلى أن إجماع العلم وفقه المحاكم قائم على أن النصب لا خلاف في توافر أركانه. وإذا تأملت إلى هذا الإجماع في حالة ودائع مصلحة السكة الحديد، وليس بين المصلحة وبين مالك البضاعة، علاقة شخصية !!، فلا ثقة تصلح عذرًا للتساهل في استرداد سنة الوديعة !!، ولا معاملة مستديمة تخجل الموظف من طلب السند !! ولا صداقة مانعة من رفض تسليم البضاعة بدون استرداد القسيمة .

فما بالك بالواقعة إذا حصلت بين صديقين، أو زميلين في صنعة أو في تجارة، قد تعاملا كثيرًا في أموال جسيمة سنوات متواليات، سواء بإيصالات أو بغير إيصالات، مما يبعث على الثقة ؟!.

بل ما قولك إذا كانت المعاملة في نوعها، إنما كان جوهرها وموضوعها الثقة بين الفريقين كأن تكون نفس الوديعة حاصلة لمصلحتهما معًا كبيع البضاعة واقتسام الربح، إلى غير هذا من الظروف التي توحد بين الناس، وتجمع بين المتعاملين بجامعة المصلحة والتعاون، فتجعل تصديق كل اعتذار لعدم رد السند واجبًا أدبيًا للخروج عن حكمه ؟!! اللهم إلا في أخلاق اللئام والأشرار !

وإنك لتعجب وهذا هو الإجماع إذا علمت أننا لما عرضنا الواقعة على أنها نصب، كان الاعتراض علينا من كل ناحية، ومن كل مشتغل بالقضاء كأننا نبدي كفرًا بالقانون، بل شذوذًا عن مرامي العقل الإنساني، فمن قائل، ولماذا سلم المودع لديه الأمانة بغير إيصال ؟ ومن قائل، وكيف يثبت المودع لديه براءة ذمته من الوديعة بشهادة الشهود رغمًا عن وجود السند المكتوب ؟!!!

أما لماذا سلم الأمانة فهذا لا يدخل في المناقشة بوجه من الوجوه، لأن واقعة النصب ليست هي تسليم الأمانة بغير إيصال، وقد قلنا كثيرًا ونعيد أن مالك الوديعة إنما قد استلم منقولاً هو يملكه فليس في هذا الاستلام نصب، ولكن النصب يبتدئ من المطالبة بالوديعة مرة ثانية، وبدعوى أنه لم يستلم كذبًا، ثم الاستلال على هذا الكذب بالإيصال الذي بقي بيده ولكنه أصبح باطلاً، وأصبح وديعة على ذمة المودع لديه الذي برئت ذمته، ثم في تهديده للمودع لديه باتهامه بالتبديد ظلمًا، إنما لم يعطه شيئًا من المال !!!

هذا هو النصب بالإجماع وهذا هو الذي لا يستطيع أحد أن يعارضه من طريق نقل البحث فيه إلى الواقعة السابقة عليه، وهي لماذا وكيف سلم المودع لديه الأمانة بلا إيصال ؟!!

على أني لا أفهم معنى لهذا الاعتراض غير أنه جمود أمام الواقع، وعصيان لتقدير هذا الواقع وتعرف حكمه، فإنه لولا هذا التسليم بدون إيصال لما وجدت الواقعة أصلاً !!! ولما كان هناك سبيل لارتكاب الجنحة !!! ولعرض البحث مطلقًا، فكأنما الذي يضع هذا الاعتراض، يعلل الشيء بذاته، أو يقول إن الواقعة لا يعقل حصولها، أو هي لم تحصل، فهي لا تعتبر أيضًا من جهة القانون، والمفهوم بداهةً أن البحث في تكييف الواقعة من جهة القانون إنما لا يأتي إلا مع التسليم بأن الواقعة قد حصلت في ذاتها والمقصود إفراغها في قالبها القانوني، وتحديد المادة التي تنطبق عليها.

بل ويتقدم الاعتراض خطوة فيأخذ شكلاً يفهم صاحبه أنه القانون بذاته، فيقول، وكيف يثبت المودع لديه براءة ذمته بشهادة الشهود والأمانة ثابتة بسند مكتوب !!!

الاعتراض هو بذاته نفس الاعتراض الذي تقدم لكنه يأخذ شكلاً جديدًا، تتوهم فيه النفس العاصية عن البحث، أنها تتمسك بمبدأ قانوني، والواقع أن القانون ليس فيه شيء من هذا إذ هو يقضي بأن وقائع النصب تثبت بشهادة الشهود، مهما كان موضوع النزاع، وهذا هو الإجماع.

فالذي يعترض بقواعد الإثبات، إنما يخطئ الخطأ كله، إذ لا توجد قاعدة تقضي بأن للنصاب أن يتمسك بقواعد الإثبات المدنية، ليحمي به جريمته، وإذا شئت ما دمنا في عصيان مستمر أن تقدم رأي العلم لا رأينا، فخذ أي كتاب نجد هذه القاعدة مقررة، ونراها مثلاً في جارو جزء (5) - صفحة 277 فقرة (276)، وفي أي كتاب آخر غيره، ونراها في البندكت جزء 30 صفحة 307 إذ ورد فيها، ويثبت النصب دائمًا بشهادة الشهود مهما كانت أهمية الحق المتنازع عليه وكذلك البينة ضد العقود المكتوبة وضد العقود الرسمية.

على أني لست أدري كيف خفي على النفس المعترضة نتيجة هذا الاعتراض الخطر، فإنه لا يوجد من يستطيع أن ينكر أن مثل هذه الواقعة قد تحصل، والاعتراض موضوعه أنها إذا حصلت فقد أصبح الذي أدى الأمانة لصاحبها، في حكم من لم يردها، مقيدًا بالأغلال ملزمًا بالرد، وهذا محال عليه لأنه قد ردها فعلاً، وملزمًا بالتعويض، ولا تعويض عليه لأنه غير مدين في الواقع، ومعرضًا للعقوبة باعتباره مبددًا وهو بريء، ثم هو في هذا الموقف المظلم ممنوع حتى عن الدفاع عن نفسه، بإثبات براءة ذمته ليتقي توقيع عقاب لا يستحقه !!!، والواقع أن كل جنايته إنما انحصرت واقعيًا في أنه قصر في حق نفسه، أو صدق عميلاً وصديقًا لم يكن خصمًا في وقت أن صدقه، لا في أنه بدد أمانة أعطيت له فعلاً، لأنك إنما تضع هذا الفعل من باب الاستنتاج النظري بناءً على قواعد الإثبات التي تتوهمها.

أن القانون لا يحمي في أي حكم من أحكامه ولا في أية قاعدة من قواعده بما في ذلك قواعد الإثبات غير المعاملات البريئة.

أما من أجرم فإنه خارج على القانون عابث به، فلا يحميه، ولهذا تقرر أن جميع أعمال العدوان وجميع التهم، تثبت بشهادة الشهود، بل جميع أعمال الغش والاحتيال حتى في دائرة النزاع المدني تثبت بالشهود أيضًا !! وبقرائن الأحوال، فتبطل العقود بالشهود، وتثبت براءة الذمة بالشهود، ولولا هذه القاعدة الأصلية لما كان ذلك الإجماع الذي نقلناه على اعتبار الواقعة نصبًا.

والقول الصريح إن هذا الجدل بذاته، بما فيه من الإعراض عن الواقع، والعصيان عن تحري الحقيقة وترتيب المسؤوليات الحقة عليها، إنما هو مساعدة للنصاب في أن يتم عمله، وفي أن ينجو من المسؤولية، بناءً على وهم يراد إسناده إلى القانون وهو في موضوعه تأثيم بريء، بتهمة أنه بدد الأمانة نظريًا، لا واقعيًا.

وأنها لمسؤولية كبرى أن يريد المسيطرون على العدالة أن يصموا الآذان عن معرفة الواقع !!! وأن، فإنك إذا قضيت على من صدق فسلم الوديعة على وعد أن يستلم السند غدًا، فإنما تقضي عليه لأنك ترى محالاً أن يحصل مثل هذا التصديق، فأنت حينئذٍ تقول إن القانون وضع لحماية الكذابين والمكذبين، لا لحماية الرجل الطيب المصدق، وإذا كان ذلك ما تريده القوانين بين الناس فاللهم رفقًا بهذه النجمة السوداء ومن عليها، وأنه لعبث أن يقال إن القوانين وضعت لحماية الصالحين !!