بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

18 يونيو 2010

 مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


الضمان في الشريعة الإسلامية - الجزء الثامن








انتفاء الضّمان :



ينتفي الضّمان - بوجه عامّ - بأسباب كثيرة ، من أهمّها :



أ - دفع الصّائل :



يشترط في دفع الصّائل ، لانتفاء الإثم وانتفاء الضّمان - بوجه عامّ - ما يلي :



1 - أن يكون الصّول حالاً ، والصّائل شاهراً سلاحه أو سيفه ، ويخاف منه الهلاك ، بحيث لا يمكن المصول عليه ، أن يلجأ إلى السّلطة ليدفعه عنه .



2 - أن يسبقه إنذار وإعلام للصّائل ، إذا كان ممّن يفهم الخطاب كالآدميّ ، وذلك بأن يناشده اللّه ، فيقول : ناشدتك اللّه إلاّ ما خلّيت سبيلي ، ثلاث مرّات ، أو يعظه ، أو يزجره لعلّه ينكفّ ، فأمّا غيره ، كالصّبيّ والمجنون - وفي حكمهما البهيمة - فإنّ إنذارهم غير مفيد ، وهذا ما لم يعاجل بالقتال ، وإلاّ فلا إنذار ، قال الخرشيّ : والظّاهر أنّ الإنذار مستحبّ ، وهو الّذي قاله الدّردير : بعد الإنذار ندباً .



وقال الغزاليّ : ويجب تقديم الإنذار ، في كلّ دفع ، إلاّ في مسألة النّظر إلى حرم الإنسان من كوّة .



3 - كما يشترط أن يكون الدّفع على سبيل التّدرّج : فما أمكن دفعه بالقول لا يدفع بالضّرب، وما أمكن دفعه بالضّرب لا يدفع بالقتل ، وذلك تطبيقاً للقواعد الفقهيّة المقرّرة في نحو هذا ، كقاعدة الضّرر الأشدّ يزال بالضّرر الأخفّ .



4 - وشرط المالكيّة أن لا يقدر المصول عليه على الهروب ، من غير مضرّة تحصل له ، فإن كان يقدر على ذلك بلا مضرّة ولا مشقّة تلحقه ، لم يجز له قتل الصّائل ، بل ولا جرحه، ويجب هربه منه ارتكاباً لأخفّ الضّررين .



الضّمان في دفع الصّائل :



ذهب الجمهور إلى أنّه إن أدّى دفع الصّائل إلى قتله ، فلا شيء على الدّافع .



ب - حال الضّرورة :



الضّرورة : نازلة لا مدفع لها ، أو كما يقول أهل الأصول : نازلة لا مدفع لها إلاّ بارتكاب محظور يباح فعله لأجلها .



ومن النّصوص الواردة في أحوال الضّرورة :



1 - حريق وقع في محلّة ، فهدم رجل دار غيره ، بغير أمر صاحبه ، وبغير إذن من السّلطان ، حتّى ينقطع عن داره ، ضمن ولم يأثم .



قال الرّمليّ : وفيه دليل على أنّه لو كان بأمر السّلطان لا يضمن ، ووجهه : أنّ له ولايةً عامّةً ، يصحّ أمره لدفع الضّرر العامّ . وبه صرّح في الخانيّة .



2 - يجوز أكل الميتة كما يجوز أكل مال الغير مع ضمان البدل إذا اضطرّ .



3 - لو ابتلعت دجاجة لؤلؤةً ، ينظر إلى أكثرهما قيمةً ، فيضمن صاحب الأكثر قيمة الأقلّ .



4 - إذا مضت مدّة الإجارة ، والزّرع بقل ، لم يحصد بعد ، فإنّه يترك بالقضاء أو الرّضى ، بأجر المثل إلى إدراكه رعايةً للجانبين ، لأنّ له نهايةً .



ج - حال تنفيذ الأمر :



يشترط لانتفاء الضّمان عن المأمور وثبوته على الآمر ، ما يلي :



1 - أن يكون المأمور به جائز الفعل ، فلو لم يكن جائزاً فعله ضمن الفاعل لا الآمر ، فلو أمر غيره بتخريق ثوب ثالث ضمن المخرّق لا الآمر .



2 - أن تكون للآمر ولاية على المأمور ، فإن لم تكن له ولاية عليه ، وأمره بأخذ مال غيره فأخذه ، ضمن الآخذ لا الآمر ، لعدم الولاية عليه أصلاً ، فلم يصحّ الأمر ، وفي كلّ موضع لم يصحّ الأمر كان الضّمان على المأمور ، ولم يضمن الآمر .



وإذا صحّ الأمر بالشّرطين السّابقين ، وقع الضّمان على الآمر ، وانتفى عن المأمور ولو كان مباشراً ، لأنّه معذور لوجوب طاعته لمن هو في ولايته ، كالولد إذا أمره أبوه ، والموظّف إذا أمره رئيسه .



قال الحصكفيّ : الآمر لا ضمان عليه بالأمر ، إلاّ إذا كان الآمر سلطاناً أو أباً أو سيّداً ، أو كان المأمور صبيّاً أو عبداً .



وكذا إذا كان مجنوناً ، أو كان أجيراً للآمر .



د - حال تنفيذ إذن المالك وغيره :



الأصل أنّه لا يجوز لأحد أن يتصرّف في ملك الغير بلا إذنه ، فإن أذن وترتّب على الفعل المأذون به ضرر انتفى الضّمان ، لكن ذلك مشروط : بأن يكون الشّيء المأذون بإتلافه مملوكاً للآذن ، أو له ولاية عليه .



وأن يكون الآذن بحيث يملك هو التّصرّف فيه ، وإتلافه ، لكونه مباحاً له .



وعبّر المالكيّة عن ذلك بأن يكون الإذن معتبراً شرعاً .



وقال الشّافعيّة : ممّن يعتبر إذنه ، فلو انتفى الإذن أصلاً ، كما لو استخدم سيّارة غيره بغير إذنه ، أو قاد دابّته ، أو ساقها ، أو حمل عليها شيئاً ، أو ركبها فعطبت ، فهو ضامن .



أو انتفى الملك - كما لو أذن شخص لآخر بفعل ترتّب عليه إتلاف ملك غيره - ضمن المأذون له ، لأنّه لا يجوز التّصرّف في مال غيره بلا إذنه ولا ولايته .



ولو أذن الآخر بإتلاف ماله ، فأتلفه فلا ضمان ، كما لو قال له : أحرق ثوبي ففعل ، فلا يغرم ، إلاّ الوديعة إذا أذن له بإتلافها يضمنها ، لالتزامه حفظها ، ولو داوى الطّبيب صبيّاً بإذن من الصّبيّ نفسه ، فمات أو عطب ، ضمن الطّبيب ، ولو كان الطّبيب عالماً ، ولو لم يقصّر ، ولو أصاب وجه العلم والصّنعة لأنّ إذن الصّبيّ غير معتبر شرعاً .



وكذا لو أذن الرّشيد لطبيب في قتله ففعل ، لأنّ هذا الإذن غير معتبر شرعاً ، وهذا عند المالكيّة .



وقال الحنفيّة : لو قال له اقتلني فقتله ، ضمن ديته ، لأنّ الإباحة لا تجري في النّفس ، لأنّ الإنسان لا يملك إتلاف نفسه ، لأنّه محرّم شرعاً ، لكن يسقط القصاص ، لشبهة الإذن ، كما يقول الحصكفيّ ، وهو قول للشّافعيّة .



وفي قول للحنفيّة : لا تجب الدّية أيضاً ، وهو قول سحنون من المالكيّة ، وهو الأظهر عند الشّافعيّة ، فهو هدر للإذن ، وفي قول ابن قاسم : يقتل ، وهو قول الحنفيّة .



هـ – حال تنفيذ أمر الحاكم أو إذنه :



إذا ترتّب على تنفيذ أمر الحاكم ، أو إذنه بالفعل ضرر ، ففيه خلاف وتفصيل .



فلو حفر حفرةً في طريق المسلمين العامّ ، أو في مكان عامّ لهم ، كالسّوق والمنتدى والمحتطب والمقبرة ، أو أنشأ بناءً ، أو شقّ ترعةً ، أو نصب خيمةً ، فعطب بها رجل ، أو تلف بها إنسان ، فديته على عاقلة الحافر ، وإن تلف بها حيوان ، فضمانه في ماله ، لأنّ ذلك تعدّ وتجاوز ، وهو محظور في الشّرع صيانةً لحقّ العامّة لا خلاف في ذلك .



فإن كان ذلك بإذن الحاكم أو أمره أو أمر نائبه : فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يضمن ، لأنّه غير متعدّ حينئذ ، فإنّ للإمام ولايةً عامّةً على الطّريق ، إذ ناب عن العامّة ، فكان كمن فعله في ملكه .



وقال المالكيّة : لو حفر بئراً في طريق المسلمين فتلف فيها آدميّ أو غيره ضمن الحافر لتسبّبه في تلفه ، أذن السّلطان أو لم يأذن ويمنع من ذلك البناء .



وقال الشّافعيّة : لو حفر بطريق ضيّق يضرّ المارّة فهو مضمون وإن أذن فيه الإمام ، إذ ليس له الإذن فيما يضرّ ، ولو حفر في طريق لا يضرّ المارّة وأذن فيه الإمام فلا ضمان ، سواء حفر لمصلحة نفسه أو لمصلحة المسلمين ، وإن لم يأذن فإن حفر لمصلحته فقط فالضّمان فيه ، أو لمصلحة عامّة فلا ضمان في الأظهر لجوازه ، ومقابل الأظهر : فيه الضّمان ، لأنّ الجواز مشروط بسلامة العاقبة .



وفصّل الحنابلة ناظرين إلى الطّريق : فإن كان الطّريق ضيّقاً ، فعليه ضمان من هلك به ، لأنّه متعدّ ، سواء أذن الإمام أو لم يأذن ، فإنّه ليس للإمام الإذن فيما يضرّ بالمسلمين ، ولو فعل ذلك الإمام ، يضمن ما تلف به ، التّعدية .



وإن كان الطّريق واسعاً ، فحفر في مكان يضرّ بالمسلمين ، فعليه الضّمان كذلك .



وإن حفر في مكان لا ضرر فيه ، نظرنا : فإن حفر لنفسه ، ضمن ما تلف بها ، سواء حفرها بإذن الإمام ، أو بغير إذنه وإن حفرها لنفع المسلمين - كما لو حفرها لينزل فيها ماء المطر ، أو لتشرب منه المارّة - فلا يضمن ، إذا كان بإذن الإمام ، وإن كان بغير إذنه، ففيه روايتان :



إحداهما : أنّه لا يضمن .



والأخرى : أنّه يضمن ، لأنّه افتات على الإمام .



الضّمان في الزّكاة :



في ضمان زكاة المال ، إذا هلك النّصاب حالتان :



الحالة الأولى :



لو هلك المال بعد تمام الحول ، والتّمكّن من الأداء :



فذهب الجمهور ، إلى أنّ الزّكاة تضمن بالتّأخير ، وعليه الفتوى عند الحنفيّة .



وذهب بعض الحنفيّة كأبي بكر الرّازيّ ، إلى عدم الضّمان في هذه الحال ، لأنّ وجوب الزّكاة على التّراخي ، وذلك لإطلاق الأمر بالزّكاة ، ومطلق الأمر لا يقتضي الفور ، فيجوز للمكلّف تأخيره ، كما يقول الكمال .



الحالة الثّانية :



لو أتلف المالك المال بعد الحول ، قبل التّمكّن من إخراج الزّكاة ، فإنّها مضمونة عند الجمهور أيضاً ، وهو الّذي أطلقه النّوويّ ، وأحد قولين عند الحنفيّة ، لأنّها كما قال البهوتيّ استقرّت بمضيّ الحول ، وعلّله الحنفيّة بوجود التّعدّي منه .



والقول الآخر عند الحنفيّة : أنّه لا يضمن .



لو دفع المزكّي زكاته بتحرّ ، إلى من ظنّ أنّه مصرفها ، فبان غير ذلك ففي الإجزاء أو عدمه أي الضّمان خلاف .



الضّمان في الحجّ عن الغير :



ذهب جمهور الفقهاء ، إلى جواز الاستئجار على الحجّ ، وفي تضمين من يحجّ عن غيره التّفصيل التّالي :



أ - إذا أفسد الحاجّ عن غيره حجّه متعمّداً ، بأن بدا له فرجع من بعض الطّريق أو جامع قبل الوقوف ، فإنّه يغرم ما أنفق على نفسه من المال ، لإفساده الحجّ ، ويعيده من مال نفسه عند الحنفيّة .



وقال النّوويّ : إذا جامع الأجير فسد حجّه ، وانقلب له ، فتلزمه الكفّارة ، والمضيّ في فاسده ، هذا هو المشهور .



وصرّح الجمل بأنّه لا شيء له على المستأجر ، لأنّه لم ينتفع بما فعله ، وأنّه مقصّر .



وقال المقدسيّ : ويردّ ما أخذ من المال ، لأنّ الحجّة لم تجزئ عن المستنيب ، لتفريطه وجنابته .



ب - إذا أحصر الحاجّ عن غيره ، فله التّحلّل وفي دم الإحصار خلاف :



فعند أبي حنيفة ومحمّد ، وهو أحد وجهين عند الشّافعيّة ورواية عند الحنابلة : أنّه على الآمر ، لأنّه للتّخلّص من مشقّة السّفر ، فهو كنفقة الرّجوع ولوقوع النّسك له ، مع عدم إساءة الأجير .



وعند أبي يوسف ، وهو الوجه الثّاني عند الشّافعيّة ورواية عند الحنابلة أنّه في ضمان الأجير ، كما لو أفسده .



ج - إذا فاته الحجّ ، بغير تقصير منه بنوم ، أو تأخّر عن القافلة ، أو غيرهما ، من غير إحصار ، بل بآفة سماويّة ، لا يضمن عند الحنفيّة النّفقة ، لأنّه فاته بغير صنعه ، وعليه الحجّ من قابل ، لأنّ الحجّة وجبت عليه بالشّروع ، فلزمه قضاؤها .



قال النّوويّ : ولا شيء للأجير في المذهب .



دم القران والتّمتّع :



اختلف الفقهاء فيمن يجب عليه دم القران والتّمتّع في الحجّ عن الغير :



قال الحنفيّة : دم القران والتّمتّع على الحاجّ - أي المأمور بالحجّ عن غيره - إن أذن له الآمر بالقران والتّمتّع ، وإلاّ فيصير مخالفاً ، فيضمن النّفقة .



وللشّافعيّة تفصيل وتفرقة بين ما إذا كانت الإجارة على الذّمّة أو العين ، وكان قد أمره بالحجّ ، فقرن أو تمتّع .



وقال الحنابلة : دم التّمتّع والقران على المستنيب ، إن أذن له فيهما ، وإن لم يؤذن فعليه .



أمّا ما يلزم من الدّماء بفعل المحظورات فعلى الحاجّ وهو المأمور لأنّه لم يؤذن له في الجناية ، فكان موجبها عليه ، كما لو لم يكن نائباً .



وكلّ ما لزمه بمخالفته ، فضمانه منه كما يقول البهوتيّ .



الضّمان في الأضحيّة :



لو مضت أيّام الأضحيّة ، ولم يذبح أو ذبح شخص أضحيّة غيره بغير إذنه



ضمان صيد الحرم :



نهى الشّارع عن صيد المحرم ، بحجّ أو عمرة ، حيواناً برّيّاً ، إذا كان مأكول اللّحم - عند الجمهور - من طير أو دابّة ، سواء أصيد من حرم أم من غيره ، وذلك بقوله تعالى: { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } .



وأطلق المالكيّة عدم جواز قتل شيء من صيد البرّ ، ما أكل لحمه وما لم يؤكل ، لكنّهم أجازوا - كالجمهور - قتل الحيوانات المضرّة : كالأسد ، والذّئب ، والحيّة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور ، بل استحبّ الحنابلة قتلها ، ولا يقتل ضبّ ولا خنزير ولا قرد ، إلاّ أن يخاف من عاديته .



وأوجب الشّارع في الصّيد المنهيّ عنه بالحرم وبالنّسبة للمحرم ضمان مثل الحيوان المصيد من الأنعام ، فيذبحه في الحرم ويتصدّق به ، أو ضمان قيمته من الطّعام - إن لم يكن له مثل - فيتصدّق بالقيمة ، أو صيام يوم عن طعام كلّ مسكين ، وهو المدّ عند الشّافعيّة ، ونصف الصّاع من البرّ ، أو الصّاع من الشّعير عند الحنفيّة .



وهذا التّخيير في الجزاء ، لقوله تعالى : { فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } ... الآية .



ضمان الطّبيب ونحوه :



مثل الطّبيب : الحجّام ، والختّان ، والبيطار ، وفي ضمانهم خلاف :



يقول الحنفيّة : في الطّبيب إذا أجرى جراحةً لشخص فمات ، إذا كان الشّقّ بإذن ، وكان معتاداً ، ولم يكن فاحشاً خارج الرّسم ، لا يضمن .



وقالوا : لو قال الطّبيب : أنا ضامن إن مات لا يضمن ديته لأنّ اشتراط الضّمان على الأمين باطل ، أو لأنّ هذا الشّرط غير مقدور عليه ، كما هو شرط المكفول به .



وقال ابن نجيم : قطع الحجّام لحماً من عينه ، وكان غير حاذق ، فعميت ، فعليه نصفا الدّية.



وقال المالكيّة : في الطّبيب والبيطار والحجّام ، يختن الصّبيّ ، ويقلع الضّرس ، فيموت صاحبه لا ضمان على هؤلاء ، لأنّه ممّا فيه التّعزير ، وهذا إذا لم يخطئ في فعله ، فإن أخطأ فالدّية على عاقلته .



وينظر : فإن كان عارفاً فلا يعاقب على خطئه ، وإن كان غير عارف ، وغرّ من نفسه ، فيؤدّب بالضّرب والسّجن ، وقالوا : الطّبيب إذا جهل أو قصّر ضمن ، والضّمان على العاقلة، وكذا إذا داوى بلا إذن ، أو بلا إذن معتبر ، كالصّبيّ .



وقال الشّافعيّ : في الحجّام والختّان ونحوهما : إن كان فعل ما يفعله مثله ، ممّا فيه الصّلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصّناعة ، فلا ضمان عليه ، وله أجره .



وإن كان فعل ما لا يفعله مثله ، كان ضامناً ، ولا أجر له في الأصحّ .



وللشّافعيّة في الختان تفصيل بين الوليّ وغيره : فمن ختنه في سنّ لا يحتمله ، لزمه القصاص ، إلاّ الوالد وإن احتمله ، وختنه وليّ ختان ، فلا ضمان عليه في الأصحّ .



ضمان المعزّر :



قال الحنفيّة : من عزّره الإمام فهلك ، فدمه هدر ، وذلك لأنّ الإمام مأمور بالتّعزير، وفعل المأمور لا يتقيّد بشرط السّلامة في التّعزير الواجب ، وقيّده جمهور المالكيّة بأن يظنّ الإمام سلامته ، وإلاّ ضمن ، وكذلك الشّافعيّة يرون التّعزير مقيّداً بسلامة العاقبة .



ومعنى هذا : أنّ التّعزير إذا أفضى إلى التّلف لا يضمن عند الجمهور بشرط ظنّ سلامة العاقبة ، لأنّه مأذون فيه ، فلا يضمن ، كالحدود ، وهذا ما لم يسرف ، كما نصّ عليه الحنابلة بأن يجاوز المعتاد ، أو ما يحصل به المقصود ، أو يضرب من لا عقل له من صبيّ أو مجنون أو معتوه ، فإنّه يضمن حينئذ ، لأنّه غير مأذون بذلك شرعاً .



ضمان المؤدّب والمعلّم :



ذهب الفقهاء إلى منع التّأديب والتّعليم بقصد الإتلاف وترتّب المسئوليّة على ذلك ، واختلفوا في حكم الهلاك من التّأديب المعتاد .



ضمان قطّاع الطّريق :



اختلف الفقهاء في تضمين قطّاع الطّريق ما أخذوه من الأموال أثناء الحرابة ، وذلك بعد إقامة الحدّ عليهم فذهب جمهور الفقهاء إلى تضمينهم .



ضمان البغاة :



لا خلاف في أنّ العادل إذا أصاب من أهل البغي ، من دم أو جراحة ، أو مال استهلكه أنّه لا ضمان عليه ، وذلك في حال الحرب وحال الخروج ، لأنّه ضرورة ، ولأنّا مأمورون بقتالهم ، فلا نضمن ما تولّد منه .



أمّا إذا أصاب الباغي من أهل العدل شيئاً من نفس أو مال فمذهب الجمهور - وهو الرّاجح عند الشّافعيّة - أنّه موضوع ، ولا ضمان فيه .



وفي قول للشّافعيّة : أنّه مضمون ، يقول الرّمليّ من الشّافعيّة : لو أتلفوا علينا نفساً أو مالاً ضمنوه ، وعلّق عليه الشّبراملّسي بقوله : أي بغير القصاص ، وعلّله الشّربينيّ بأنّهما فرقتان من المسلمين ، محقّة ومبطلة ، فلا يستويان في سقوط الغرم ، كقطّاع الطّريق ، لشبهة تأويلها .



واستدلّ الجمهور بما روي عن الزّهريّ ، أنّه قال : وقعت الفتنة ، وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم متوافرون ، فاتّفقوا على أنّ كلّ دم استحلّ بتأويل القرآن فهو موضوع، وكلّ مال استحلّ بتأويل القرآن فهو موضوع .



قال الكاسانيّ : ومثله لا يكذب ، فوقع الإجماع من الصّحابة - رضي الله عنهم - على ذلك، وهو حجّة قاطعة .



ولأنّ الولاية من الجانبين منقطعة ، لوجود المنعة ، فلم يكن وجوب الضّمان مفيداً لتعذّر الاستيفاء ، فلم يجب .



ولأنّ تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم من الرّجوع إلى الطّاعة فسقط ، كأهل الحرب ، أو كأهل العدل .



هذا الحكم في حال الحرب ، أمّا في غير حال الحرب ، فمضمون .



ضمان السّارق للمسروق :



لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المسروق إن كان قائماً فإنّه يجب ردّه إلى من سرق منه .



ضمان إتلاف آلات اللّهو :



آلة اللّهو : كالمزمار ، والدّفّ ، والبربط ، والطّبل ، والطّنبور ، وفي ضمانها بعض الخلاف :



فمذهب الجمهور ، والصّاحبين من الحنفيّة ، أنّها لا تضمن بالإتلاف وذلك : لأنّها ليست محترمةً ، لا يجوز بيعها ولا تملّكها ، ولأنّها محرّمة الاستعمال ، ولا حرمة لصنعتها . ومذهب أبي حنيفة أنّه يضمن بكسرها قيمتها خشباً منحوتاً صالحاً لغير اللّهو لا مثلها ، ففي الدّفّ يضمن قيمته دفّاً يوضع فيه القطن ، وفي البربط يضمن قيمته قصعة ثريد .



ويصحّ بيعها ، لأنّها أموال متقوّمة لصلاحيّتها بالانتفاع بها في غير اللّهو ، فلم تناف الضّمان ، كالأمة المغنّية ، بخلاف الخمر فإنّها حرام لعينها ، والفتوى على مذهب الصّاحبين، أنّه لا يضمنها ، ولا يصحّ بيعها .



قالوا : وأمّا طبل الغزاة والصّيّادين والدّفّ الّذي يباح ضربه في العرس ، فمضمون اتّفاقاً ، كالأمة المغنّية ، والكبش النّطوح ، والحمامة الطّيّارة ، والدّيك المقاتل .



حيث تجب قيمتها غير صالحة لهذا الأمر .



وذكر ابن عابدين ، أنّ هذا الاختلاف بين أبي حنيفة وبين صاحبيه إنّما هو : في الضّمان ، دون إباحة إتلاف المعازف ، وفيما يصلح لعمل آخر ، وإلاّ لم يضمن شيئاً اتّفاقاً ، وفيما إذا فعل بغير إذن الإمام ، وإلاّ لم يضمن اتّفاقاً .



وفي غير عود المغنّي وخابية الخمّار ، لأنّه لو لم يكسرها لعاد لفعله القبيح ، وفيما إذا كان لمسلم ، فلو لذمّيّ ضمن اتّفاقاً قيمته بالغاً ما بلغ ، وكذا لو كسر صليبه ، لأنّه مال متقوّم في حقّه .



ضمان ما يترتّب على ترك الفعل :



لمال المسلم حرمة كما لنفسه ، وقد اختلف الفقهاء في تضمين من يترك فعلاً من شأنه إنقاذ مال المسلم من الضّياع ، أو نفسه من الهلاك .



ترك الشّهادة والرّجوع عنها :



ذهب الفقهاء إلى أنّ من يترك الشّهادة بعد طلبها منه وعلمه أنّ تركها يؤدّي إلى ضياع الحقّ الّذي طلبت من أجله آثم ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } .



ونصّ المالكيّة على أنّ من ترك الشّهادة بعد طلبها منه وعلمه أنّ تركها يؤدّي إلى ضياع الحقّ يضمن .



قطع الوثائق :



نصّ المالكيّة على أنّه إذا قطع وثيقةً ، فضاع ما فيها من الحقوق ، فهو ضامن ، لتسبّبه في الإتلاف وضياع الحقّ ، سواء أفعل ذلك عمداً أم خطأً ، لأنّ العمد أو الخطأ في أموال النّاس سواء - كما يقول الدّسوقيّ - وكذا إذا أمسك الوثيقة بمال ، أو عفو عن دم . ولو قتل شاهدي الحقّ ، أو قتل أحدهما وهو لا يثبت إلاّ بشهادتهما ، فالأظهر أنّه يغرم جميع الحقّ ، وجميع المال وفي قتله تردّد .



تضمين السّعاة :



إذا سعى لدى السّلطان لدفع أذاه عنه ، ولا يرتفع أذاه إلاّ بذلك ، أو سعى بمن يباشر الفسق ولا يمتنع بنهيه فلا ضمان في ذلك ، عند الحنفيّة .



وإذا سعى لدى السّلطان ، وقال : إنّ فلاناً وجد كنزاً ، فغرّمه السّلطان ، فظهر كذبه ، ضمن، إلاّ إن كان السّلطان عدلاً ، أو قد يغرم أو لا يغرم ، لكن الفتوى اليوم - كما نقل ابن عابدين عن المنح - بوجوب الضّمان على السّاعي مطلقاً .



والسّعاية الموجبة للضّمان : أن يتكلّم بكذب يكون سبباً لأخذ المال من شخص ، أو كان صادقاً لكن لا يكون قصده إقامة الحسبة كما لو قال : وجد مالاً وقد وجد المال ، فهذا يوجب الضّمان ، إذ الظّاهر أنّ السّلطان يأخذ منه المال بهذا السّبب .



ولو كان السّلطان يغرم ألبتّة بمثل هذه السّعاية ، ضمن .



وكذا يضمن لو سعى بغير حقّ - عند محمّد - زجراً للسّاعي ، وبه يفتى ويعزّر ولو مات السّاعي فللمسعى به أن يأخذ قدر الخسران من تركته ، وهو الصّحيح ، وذلك دفعاً للفساد وزجراً للسّاعي ، وإن كان غير مباشر ، فإنّ السّعي سبب محض لإهلاك المال ، والسّلطان يغرّمه اختياراً لا طبعاً .



ونقل الرّمليّ عن القنية : شكا عند الوالي بغير حقّ ، فضرب المشكوّ عليه ، فكسر سنّه أو يده ، يضمن الشّاكي أرشه ، كالمال .



وتعرّض المالكيّة لمسألة الشّاكي للحاكم ممّن ظلمه ، كالغاصب وقالوا : إذا شكاه إلى حاكم ظالم ، مع وجود حاكم منصف ، فغرّمه الحاكم زائداً عمّا يلزمه شرعاً ، بأن تجاوز الحدّ الشّرعيّ ، قالوا : يغرم .



وفي فتوى : أنّه يضمن الشّاكي جميع ما غرّمه السّلطان الظّالم للمشكوّ .



وفي قول ثالث : أنّه لا يضمن الشّاكي شيئاً مطلقاً ، وإن ظلم في شكواه ، وإن أثم وأدّب . ونصّ الحنابلة على أنّه لو غرم إنسان ، بسبب كذب عليه عند وليّ الأمر ، فللغارم تغريم الكاذب عليه لتسبّبه في ظلمه ، وله الرّجوع على الآخذ منه ، لأنّه المباشر .



إلقاء المتاع من السّفينة :



قال الحنفيّة : إذا أشرفت سفينة على الغرق ، فألقى بعضهم حنطة غيره في البحر، حتّى خفّت السّفينة ، يضمن قيمتها في تلك الحال ، أي مشرفةً على الغرق ، ولا شيء على الغائب الّذي له مال فيها ، ولم يأذن بالإلقاء ، فلو أذن بالإلقاء ، بأن قال : إذا تحقّقت هذه الحال فألقوا ، اعتبر إذنه .



وقالوا : إذا خشى على الأنفس ، فاتّفقوا على إلقاء الأمتعة فالغرم بعدد الرّءوس إذا قصد حفظ الأنفس خاصّةً - كما يقول ابن عابدين - لأنّها لحفظ الأنفس ، وهذا اختيار الحصكفيّ وهو أحد أقوال ثلاثة ، ثانيها : أنّه على الأملاك مطلقاً ، ثالثها عكسه .



ولو خشى على الأمتعة فقط - بأن كانت في موضع لا تغرق فيه الأنفس - فهي على قدر الأموال ، وإذا خشى عليهما ، فهي على قدرهما ، فمن كان غائباً ، وأذن بالإلقاء ، اعتبر ماله ، لا نفسه .



ومن كان حاضرًا بماله اعتبر ماله ونفسه فقط .



ومن كان بنفسه فقط اعتبر نفسه .



وقال المالكيّة : إذا خيف على السّفينة الغرق ، جاز طرح ما فيها من المتاع ، أذن أربابه أو لم يأذنوا ، إذا رجا بذلك نجاته ، وكان المطروح بينهم على قدر أموالهم ، ولا غرم على من طرحه .



وقال الشّافعيّة : إذا أشرفت سفينة فيها متاع وركاب على غرق ، وخيف هلاك الرّكاب ، جاز إلقاء بعض المتاع في البحر ، لسلامة البعض الآخر : أي لرجائها ، وقال البلقينيّ : بشرط إذن المالك .



وقال النّوويّ : ويجب لرجاء نجاة الرّاكب .



وقالوا - أيضاً - ويجب إلقاؤه - وإن لم يأذن مالكه - إذا خيف الهلاك لسلامة حيوان محترم ، بخلاف غير المحترم ، كحربيّ ومرتدّ .



ويجب إلقاء حيوان ، ولو محترماً ، لسلامة آدميّ محترم ، إن لم يمكن دفع الغرق بغير إلقائه .



وقال الأذرعيّ : ينبغي أن يراعي في الإلقاء تقديم الأخسّ فالأخسّ قيمةً من المتاع إن أمكن، حفظاً للمال ما أمكن ، قالوا : وهذا إذا كان الملقي غير المالك .



وقالوا : يجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي روح ، وإلقاء الدّوابّ لإبقاء الآدميّين .



وإذا اندفع الغرق بطرح بعض المتاع اقتصر عليه .



قال النّوويّ في منهاجه : فإن طرح مال غيره بلا إذن ضمنه ، وإلاّ فلا ، كأكل المضطرّ طعام غيره بغير إذنه .



قالوا : ولو قال : ألق متاعك عليّ ضمانه ، أو على أنّي ضامن ضمن ، ولو اقتصر على : ألق ، فلا ، على المذهب - لعدم الالتزام - .



والحنابلة قالوا بهذه الفروع :



أ - إذا ألقى بعض الرّكبان متاعه ، لتخفّ السّفينة وتسلم من الغرق ، لم يضمّنه أحد ، لأنّه أتلف متاع نفسه باختياره ، لصلاحه وصلاح غيره .



ب - وإن ألقى متاع غيره بغير أمره ، ضمنه وحده .



ج - وإن قال لغيره : ألق متاعك فقبل منه ، لم يضمنه له ، لأنّه لم يلتزم ضمانه .



د - وإن قال : ألق وأنا ضامن له ، أو : وعليّ قيمته ، لزمه ضمانه ، لأنّه أتلف ماله بعوض لمصلحته ، فوجب له العوض على ما التزمه .



هـ – وإن قال : ألقه وعليّ وعلى ركبان السّفينة ضمانه ، فألقاه ، ففيه وجهان :



أحدهما : يلزمه ضمانه وحده ، لأنّه التزم ضمانه جميعه ، فلزمه ما التزمه ، وقال القاضي: إن كان ضمان اشتراك ، مثل أن يقول : نحن نضمن لك أو على كلّ واحد منّا ضمان قسطه لم يلزمه إلاّ ما يخصّه من الضّمان لأنّه لم يضمن إلاّ حصّته ، وإنّما أخبر عن الباقين بالضّمان ، فسكتوا وسكوتهم ليس بضمان .



وإن التزم ضمان الجميع ، وأخبر عن كلّ واحد منهم بمثل ذلك ، لزمه ضمان الكلّ .



منع المالك عن ملكه حتّى يهلك :



مذهب الحنفيّة والشّافعيّة ، في مسألة منع المالك عن ملكه حتّى يهلك ، وإزالة يده عنه ، هو عدم الضّمان .



قال الحنفيّة : لو منع المالك عن أمواله حتّى هلكت ، يأثم ، ولا يضمن .



نقل هذا ابن عابدين عن ابن نجيم في البحر ، وعلّله بأنّ الهلاك لم يحصل بنفس فعله ، كما لو فتح القفص فطار العصفور ، فإنّه لا يضمن ، لأنّ الطّيران بفعل العصفور ، لا بنفس فتح الباب .



والمنصوص في مسألة فتح القفص ، أنّه قول أبي حنيفة ، وفي قول محمّد يضمن ، وبه كان يفتي أبو القاسم الصّفّار .



واستدلّ بهذه المسألة صاحب البحر ، على أنّه لا يلزم من الإثم الضّمان .



وقال الشّافعيّة : إن حبس المالك عن الماشية لا ضمان فيه ، وكذا لو منع مالك زرع أو دابّة من السّقي ، فهلك لا ضمان في ذلك .



ويبدو أنّ مذهب المالكيّة في مسألة منع المالك ، هو الضّمان ، للتّسبّب في الإتلاف .



وهو أيضاً مذهب الحنابلة ، إذ علّلوا الضّمان بأنّه لتسبّبه بتعدّيه .



ومن فروعهم في ذلك : أنّه لو أزال يد إنسان عن حيوان فهرب يضمنه ، لتسبّبه في فواته، أو أزال يده الحافظة لمتاعه حتّى نهبه النّاس ، أو أفسدته النّار ، أو الماء ، يضمنه .



وقالوا : لربّ المال تضمين فاتح الباب لتسبّبه في الإضاعة ، والقرار على الآخذ لمباشرته . فإن ضمّن ربّ المال الآخذ لم يرجع على أحد ، وإن ضمّن الفاتح رجع على الآخذ .



تضمين المجتهد والمفتي :



قال المالكيّة : لا شيء على مجتهد أتلف شيئاً بفتواه .



أمّا غير المجتهد ، فيضمن إن نصّبه السّلطان أو نائبه للفتوى ، لأنّها كوظيفة عمل قصّر فيها .



وإن لم يكن منتصباً للفتوى ، وهو مقلّد ، ففي ضمانه قولان ، مبنيّان على الخلاف في الغرور القوليّ : هل يوجب الضّمان ، أو لا ؟ والمشهور عدم الضّمان .



والظّاهر – كما نقل الدّسوقيّ – أنّه إن قصّر في مراجعة النّقول ، ضمن ، وإلاّ فلا ، ولو صادف خطؤه ، لأنّه فعل مقدوره ، ولأنّ المشهور عدم الضّمان بالغرور القوليّ .



ونصّ السّيوطيّ على أنّه : لو أفتى المفتي إنساناً بإتلاف ، ثمّ تبيّن خطؤه كان الضّمان على المفتي .



تفويت منافع الإنسان وتعطيلها :



تعطيل المنفعة : إمساكها بدون استعمال ، أمّا استيفاؤها فيكون باستعمالها ، والتّفويت تعطيل ، ويفرّق جمهور الفقهاء بين استيفاء منافع الإنسان ، وبين تفويتها ، بوجه عامّ في تفصيل :



فنصّ المالكيّة على أنّ تعطيل منافع الإنسان وتفويتها ، لا ضمان فيه ، كما لو حبس امرأةً حتّى منعها من التّزوّج ، أو الحمل من زوجها ، أو حبس الحرّ حتّى فاته عمل من تجارة ونحوها ، لا شيء عليه .



أمّا لو استوفى المنفعة ، كما لو وطئ البضع أو استخدم الحرّ فإنّه يضمن ذلك ، فعليه في وطء الحرّة صداق مثلها ، ولو كانت ثيّباً ، وعليه في وطء الأمة ما نقصها ، ونصّ الشّافعيّة على أنّ منفعة البضع لا تضمن إلاّ بالتّفويت بالوطء ، وتضمن بمهر المثل ، ولا تضمن بفوات ، لأنّ اليد لا تثبت عليها ، إذ اليد في بضع المرأة لها ، وكذا منفعة بدن الحرّ لا تضمن إلاّ بتفويت في الأصحّ ، كأن قهره على عمل .



وفي قول ثان لهم : تضمن بالفوات أيضاً ، لأنّها لتقوّيها في عقد الإجارة الفاسدة تشبه منفعة المال .



ودليل القول الأوّل : أنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد ، فمنفعته تفوت تحت يده .



ونصّ الحنابلة على أنّ الحرّ لا يضمن بالغصب ، ويضمن بالإتلاف ، فلو أخذ حرّاً فحبسه ، فمات عنده لم يضمنه ، لأنّه ليس بمال .



وإن استعمله مكرهاً ، لزمه أجر مثله ، لأنّه استوفى منافعه ، وهي متقوّمة ، فلزمه ضمانها، ولو حبسه مدّةً لمثلها أجر ، ففيه وجهان :



أحدهما : أنّه يلزمه أجر تلك المدّة ، لأنّه فوّت منفعته ، وهي مال فيجوز أخذ العوض عنها. والثّاني : لا يلزمه لأنّها تابعة لما لا يصحّ غصبه .



ولو منعه العمل من غير حبس ، لم يضمن منافعه وجهاً واحداً .



أمّا الحنفيّة فلا يقولون بالضّمان بتفويت منافع الإنسان ، لأنّه لا يدخل تحت اليد ، فليس بمال ، فلا تضمن منافع بدنه .



ضَمَان الدَّرَك

الدّرك : بفتحتين ، وسكون الرّاء لغةً ، اسم من أدركت الرّجل أي لحقته ، وقد جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : » أنّه كان يتعوّذ من جهد البلاء ودرك الشّقاء « أي من لحاق الشّقاء .



قال الجوهريّ : الدّرك التّبعة ، قال أبو سعيد المتولّي : سمّي ضمان الدّرك لالتزامه الغرامة عند إدراك المستحقّ عين ماله ويستعمل الفقهاء كذلك هذا اللّفظ بمعنى التّبعة أي المطالبة والمؤاخذة .



فقد عرّف الحنفيّة ضمان الدّرك : بأنّه التزام تسليم الثّمن عند استحقاق المبيع .



وعرّفه الشّافعيّة بأنّه : هو أن يضمن شخص لأحد العاقدين ما بذله للآخر إن خرج مقابله مستحقّاً أو معيباً أو ناقصاً لنقص الصّنجة ، سواء أكان الثّمن معيّناً أم في الذّمّة .



ولا يخرج تعريف الفقهاء الآخرين لضمان الدّرك عمّا قاله الحنفيّة والشّافعيّة في تعريفه . ويعبّر عنه الحنابلة بضمان العهدة ، كما يعبّر عنه الحنفيّة في الغالب بالكفالة بالدّرك .



الحكم الإجماليّ :



ضمان الدّرك جائز عند جمهور الفقهاء ، ومنع بعض الشّافعيّة ضمان الدّرك لكونه ضمان ما لم يجب .



ألفاظ ضمان الدّرك :



من ألفاظ هذا الضّمان عند جمهور الفقهاء أن يقول الضّامن : ضمنت عهدته أو ثمنه أو دركه ، أو يقول للمشتري : ضمنت خلاصك منه .



قال ابن قدامة : إنّ العهدة صارت في العرف عبارةً عن الدّرك وضمان الثّمن ، والكلام المطلق يحمل على الأسماء العرفيّة دون اللّغويّة .



ويرى الحنفيّة أنّ ضمان العهدة باطل لاشتباه المراد بها ، لإطلاقها على الصّكّ وعلى العقد ، وعلى حقوقه وعلى الدّرك ، فبطل للجهالة ، بخلاف ضمان الدّرك ، قال ابن نجيم : ولا يقال ينبغي أن يصرف إلى ما يجوز الضّمان به وهو الدّرك تصحيحاً لتصرّف الضّامن لأنّا نقول : فراغ الذّمّة أصل فلا يثبت الشّغل بالشّكّ والاحتمال .



كما أنّ ضمان الخلاص باطل عند أبي حنيفة ، لأنّه يفسّره بتخليص المبيع لا محالة ولا قدرة للضّامن عليه ، لأنّ المستحقّ لا يمكّنه منه ، ولو ضمن تخليص المبيع أو ردّ الثّمن جاز ، لإمكان الوفاء به وهو تسليمه إن أجاز المستحقّ ، أو ردّه إن لم يجز ، فالخلاف راجع إلى التّفسير .



ويرى الجمهور ومنهم أبو يوسف ومحمّد أنّ ضمان الخلاص بمنزلة ضمان الدّرك ، وفسّروا ضمان الخلاص بتخليص المبيع إن قدر عليه وردّ الثّمن إن لم يقدر عليه وهو ضمان الدّرك في المعنى ، فالخلاف لفظيّ فقط .



أمّا ضمان خلاص المبيع بمعنى أن يشترط المشتري أنّ المبيع إن استحقّ من يده يخلّصه ويسلّمه بأيّ طريق يقدر عليه فهذا باطل ، لأنّه شرط لا يقدر على الوفاء به إذ المستحقّ ربّما لا يساعده عليه .



متعلّق ضمان الدّرك :



يقول الشّافعيّة : إنّ متعلّق ضمان الدّرك هو عين الثّمن أو المبيع إن بقي وسهل ردّه ، وبدله أي قيمته إن عسر ردّه ، ومثل المثليّ وقيمة المتقوّم إن تلف ، وتعلّقه بالبدل أظهر . ويرى الحنابلة أنّ متعلّق ضمان الدّرك - ضمان العهدة - هو الثّمن أو جزء منه ، سواء كان الضّمان عن البائع للمشتري أو عن المشتري للبائع ، حيث يقولون : ويصحّ ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع ، فضمانه عن المشتري : هو أن يضمن الثّمن الواجب بالبيع قبل تسليمه ، وإن ظهر فيه عيب أو استحقّ رجع بذلك على الضّامن ، وضمانه عن البائع للمشتري : هو أن يضمن عن البائع الثّمن متى خرج المبيع مستحقّاً أو ردّ بعيب أو أرش العيب ، فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثّمن أو جزء منه .



ويؤخذ من عبارات فقهاء الحنفيّة والمالكيّة أنّ متعلّق ضمان الدّرك عندهم هو الثّمن أيضاً ، إلاّ أنّه يختلف مذهب الحنابلة عن مذهب الحنفيّة والمالكيّة في أنّ الحنابلة يعتبرون ضمان الثّمن الواجب تسليمه عن المشتري للبائع من قبيل ضمان الدّرك - ضمان العهدة - في حين يختصّ ضمان الدّرك عند الحنفيّة والمالكيّة بالكفالة بأداء ثمن المبيع إلى المشتري وتسليمه إليه إن استحقّ المبيع وضبط من يده ، أمّا ضمان الثّمن الواجب تسليمه عن المشتري للبائع فهو يتحقّق ضمن الكفالة بالمال بشروطها .



شروط صحّة ضمان الدّرك :



من شروط صحّة ضمان الدّرك أن يكون المضمون ديناً صحيحاً ، والدّين الصّحيح : هو ما لا يسقط إلاّ بالأداء أو الإبراء ، فلا يصحّ بغيره كبدل الكتابة فإنّه يسقط بالتّعجيز . ويشترط الشّافعيّة لصحّة ضمان الدّرك قبض الثّمن ، فلا يصحّ ضمان الدّرك عندهم قبل قبض الثّمن ، لأنّ الضّامن إنّما يضمن ما دخل في يد البائع ، ولا يدخل الثّمن في ضمانه إلاّ بقبضه .



حكم ضمان الدّرك في حالتي الإطلاق والتّقييد :



إذا أطلق ضمان الدّرك أو العهدة اختصّ بما إذا خرج الثّمن المعيّن مستحقّاً إذ هو المتبادر ، لا ما خرج فاسداً بغير الاستحقاق ، فلو انفسخ البيع بما سوى الاستحقاق مثل الرّدّ بالعيب أو بخيار الشّرط أو بخيار الرّؤية لا يؤاخذ به الضّامن ، لأنّ ذلك ليس من الدّرك.



أمّا إذا قيّده بغير استحقاق المبيع كخوف المشتري فساد البيع بدعوى البائع صغراً أو إكراهاً، أو خاف أحدهما كون العوض معيباً ، أو شكّ المشتري في كمال الصّنجة الّتي تسلّم بها المبيع ، أو شكّ البائع في جودة جنس الثّمن فضمن الضّامن ذلك صريحاً صحّ ضمانه كضمان العهدة .



وتجدر الإشارة إلى أنّ الكفيل بالدّرك يضمن المكفول به فقط ، ولا يضمن مع المكفول به ضرر التّغرير لأنّه ليس للكفيل كفالة بذلك .



ما يترتّب على ضمان الدّرك :



أ - حقّ المشتري في الرّجوع بالثّمن :



يترتّب على ضمان الدّرك حقّ المشتري في الرّجوع بالثّمن عند استحقاق المبيع ، ويحقّ له مطالبة الضّامن والأصيل به .



إلاّ أنّ الفقهاء اختلفوا في وقت مطالبة الضّامن بالثّمن :



ذهب الجمهور ومنهم أبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ مجرّد القضاء بالاستحقاق يكفي لمؤاخذة ضامن الدّرك والرّجوع بالثّمن عليه .



وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يؤاخذ ضامن الدّرك إن استحقّ المبيع ما لم يقض بالثّمن على البائع ، لأنّ البيع لا ينتقض بمجرّد الاستحقاق ، ولهذا لو أجاز المستحقّ البيع قبل الفسخ جاز ولو بعد قبضه وهو الصّحيح ، فما لم يقض بالثّمن على البائع لا يجب ردّ الثّمن على الأصيل فلا يجب على الكفيل .



وذهب المالكيّة إلى أنّ الضّامن يغرم الثّمن حين الدّرك في غيبة البائع وعدمه .



ب - منع دعوى التّملّك والشّفعة :



ضمان الدّرك للمشتري عند البيع تسليم من الضّامن بأنّ المبيع ملك البائع فيكون مانعاً لدعوى التّملّك والشّفعة بعد ذلك ، لأنّ هذا الضّمان لو كان مشروطاً في البيع فتمامه بقبول الضّامن فكأنّه هو الموجب له ثمّ بالدّعوى يسعى في نقض ما تمّ من جهته ، وإن لم يكن مشروطاً فالمراد به إحكام البيع وترغيب المشتري في الابتياع ، إذ لا يرغب فيه دون الضّمان فنزل التّرغيب منزلة الإقرار بملك البائع ، فلا تصحّ دعوى الضّامن الملكيّة لنفسه بعد ذلك للتّناقض .



وذهب الحنابلة والشّافعيّة إلى أنّه إن ضمن الشّفيع العهدة للمشتري لم تسقط شفعته ، لأنّ هذا سبب سبق وجوب الشّفعة فلم تسقط به الشّفعة كالإذن في البيع والعفو عن الشّفعة قبل تمام البيع .





















مكتب / محمد جابر عيسى المحلمى




القبض في الشريعة الإسلامية - الجزء الأول








القَبْض في الشريعة الإسلامية



( الجزء الأول )



التّعريف :



من معاني القبض لغةً : تناول الشّيء بجميع الكفّ ، ومنه قبض السّيف وغيره ، ويقال : قبض المال ، أي أخذه ، وقبض اليد على الشّيء ، أي جمعها بعد تناوله .



ومن معانيه : الإمساك عن الشّيء ، يقال : قبض يده عن الشّيء أي جمعها قبل تناوله ، وذلك إمساك عنه ، ومنه قيل لإمساك اليد عن البذل والعطاء : قبض .



ويستعار القبض لتحصيل الشّيء وإن لم يكن فيه مراعاة الكفّ ، نحو : قبضت الدّار والأرض من فلان : أي حزتها ، ويقال : هذا الشّيء في قبضة فلان ، أي في ملكه وتصرّفه ، وقد يكنّى بالقبض عن الموت ، فيقال : قبض فلان ، أي مات ، فهو مقبوض . قال العزّ بن عبد السّلام : وأمّا قوله تعالى : { وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } وقوله : { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } فإنّه تجوز بالقبض عن الإعدام ، لأنّ المقبوض من مكان يخلو منه محلّه كما يخلو المحلّ عن الشّيء إذا عدم .



وفي الاصطلاح : هو حيازة الشّيء والتّمكّن منه ، سواء أكان ممّا يمكن تناوله باليد أم لم يمكن ، قال الكاسانيّ : معنى القبض هو التّمكين والتّخلّي وارتفاع الموانع عرفاً وعادةً حقيقةً ، وقال العزّ بن عبد السّلام : قولهم قبضت الدّار والأرض والعبد والبعير يريدون بذلك الاستيلاء والتّمكّن من التّصرّف .



الألفاظ ذات الصّلة :



أ - النّقد :



يطلق الفقهاء كلمة " النّقد " بمعنى الإقباض والتّسليم إذا كان الشّيء المعطى نقوداً ، ففي المصباح المنير : نقدت الرّجل الدّراهم ، بمعنى أعطيته ... فانتقدها ، أي قبضها . وقال القاضي عياض : النّقد خلاف الدّين والقرض .



وإنّما سمّي إقباض الدّراهم نقداً لتضمّنه - في الأصل - تمييزها وكشف حالها في الجودة وإخراج الزّيف منها من قبل المعطي والآخذ .



أمّا " بيع النّقد " فهو - كما قال ابن جزيّ - أن يعجّل الثّمن والمثمون .



فكلّ نقد قبض ولا عكس .



ب - الحيازة :



يقول أهل اللّغة : كلّ من ضمّ إلى نفسه شيئاً فقد حازه حوزاً وحيازةً .



أمّا في الاصطلاح ، فأكثر ما تستعمل هذه الكلمة في مذهب المالكيّة ، وإنّهم ليستعملونها في كتبهم بمعنيين أحدهما أعمّ من الآخر :



أ - أمّا بالمعنى الأعمّ فهي إثبات اليد على الشّيء والتّمكّن منه ، وهو نفس معنى القبض عند سائر الفقهاء



قال القيروانيّ : لا تتمّ هبة ولا صدقة ولا حبس إلاّ بالحيازة ، أي إلاّ بالقبض ، وقال التّسوّليّ : الحوز وضع اليد على الشّيء المحوز ، وقال الحسن بن رحّال : الحوز والقبض شيء واحد .



ب - أمّا الحيازة بالمعنى الأخصّ عند المالكيّة فعرّفها أبو الحسن المالكيّ بقوله : الحيازة هي وضع اليد والتّصرّف في الشّيء المحوز كتصرّف المالك في ملكه بالبناء والغرس والهدم وغيره من وجوه التّصرّف ، وقال الحطّاب : الحيازة تكون بثلاثة أشياء ، أضعفها : السّكنى والازدراع ، ويليها : الهدم والبنيان والغرس والاستغلال ، ويليها : التّفويت بالبيع والهبة والصّدقة والنّحلة والعتق والكتابة والتّدبير والوطء وما أشبه ذلك ممّا لا يفعله الرّجل إلاّ في ماله .



والقبض مرادف للحيازة بالمعنى الأعمّ .



ج - اليد :



يستعمل الفقهاء كلمة " اليد " بمعنى حوز الشّيء والمكنة من استعماله والانتفاع به ، فيقولون : بيّنة ذي اليد في النّتاج مقدّمة على بيّنة الخارج ، ويريدون بذي اليد الحائز المنتفع ، جاء في المدوّنة : قلت : أرأيت لو أنّ سلعةً في يدي ادّعى رجل أنّها له ، وأقام البيّنة ، وادّعيت أنّها لي ، وهي في يدي ، وأقمت البيّنة ؟ قال لي مالك : هي للّذي في يده إذا تكافأت البيّنتان .



والصّلة أنّ اليد تدلّ على القبض .



الأحكام المتعلّقة بالقبض :



كيفيّة القبض :



تختلف كيفيّة قبض الأشياء بحسب اختلافها في نفسها ، وهي في الجملة نوعان : عقار ومنقول .



أ - كيفيّة قبض العقار :



اتّفق الفقهاء على أنّ قبض العقار يكون بالتّخلية والتّمكين من اليد والتّصرّف .



فإن لم يتمكّن منه بأن منعه شخص آخر من وضع يده عليه ، فلا تعتبر التّخلية قبضاً .



وقيّد الشّافعيّة : ذلك بما إذا كان العقار غير معتبر فيه تقدير ، أمّا إذا كان معتبراً فيه - كما إذا اشترى أرضاً مذارعةً - فلا تكفي التّخلية والتّمكين ، بل لا بدّ مع ذلك من الذّرع .



كما اشترط الحنفيّة أن يكون العقار قريباً ، فإن كان بعيداً فلا تعتبر التّخلية قبضاً ، وهو رأي الصّاحبين وظاهر الرّواية والمعتمد في المذهب ، خلافاً لأبي حنيفة ، فإنّه لم يعتبر القرب والبعد ، واستظهر ابن عابدين أنّ المراد بالقرب في الدّار بأن تكون في البلد ، ثمّ إنّهم نصّوا على أنّ العقار إذا كان له قفل ، فيكفي في قبضه تسليم المفتاح مع تخليته ، بحيث يتهيّأ له فتحه من غير تكلّف .



وقد ألحق الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة الثّمر على الشّجر بالعقار في اعتبار التّخلية مع ارتفاع الموانع قبضاً له ، لحاجة النّاس إلى ذلك وتعارفهم عليه .



ب - كيفيّة قبض المنقول :



اختلف الفقهاء في كيفيّة قبض المنقول :



فذهب جمهور الفقهاء إلى التّفريق بين المنقولات فيما يعتبر قبضاً لها ، حيث إنّ بعضها يتناول باليد عادةً وبعضها الآخر لا يتناول ، وما لا يتناول باليد نوعان ، أحدهما : لا يعتبر فيه تقدير في العقد ، والثّاني : يعتبر فيه ، فتحصل لديهم في المنقول ثلاث حالات :



الحالة الأولى :



أن يكون ممّا يتناول باليد عادةً ، كالنّقود والثّياب والجواهر والحليّ وما إليها ، وقبضه يكون بتناوله باليد عند جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة .



الحالة الثّانية :



أن يكون ممّا لا يعتبر فيه تقدير من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ ، إمّا لعدم إمكانه وإمّا مع إمكانه ، لكنّه لم يراع فيه ، كالأمتعة والعروض والدّوابّ والصّبرة جزافاً ، وفي هذه الحالة اختلف المالكيّة مع الشّافعيّة والحنابلة في كيفيّة قبضه على قولين :



أحدهما للمالكيّة : وهو أنّه يرجع في قبضه إلى العرف .



والثّاني للشّافعيّة والحنابلة : وهو أنّ قبضه يكون بنقله وتحويله ، واستدلّوا على ذلك بالمنقول والعرف ، فأمّا المنقول فما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال : « كنّا نتلقّى الرّكبان فنشتري منهم الطّعام جزافاً ، فنهانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتّى ننقله من مكانه » ، وقيس على الطّعام غيره وأمّا العرف ، فلأنّ أهله لا يعدّون احتواء اليد عليه قبضاً من غير تحويل ، إذ البراجم لا تصلح قراراً له .



الحالة الثّالثة :



أن يكون ممّا يعتبر فيه تقدير من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ ، كمن اشترى صبرة حنطة مكايلةً أو متاعاً موازنةً أو ثوباً مذارعةً أو معدوداً بالعدد ، وفي هذه الحالة اتّفق الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة على أنّ قبضه يكون باستيفائه بما يقدّر فيه من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ .



واشترط الشّافعيّة بالإضافة إلى ذلك نقله وتحويله .



ودليل جمهور الفقهاء على أنّ قبض المقدّرات من المنقولات إنّما يكون بتوفيتها بالوحدة القياسيّة العرفيّة المراعاة فيها من الكيل أو الوزن أو الذّرع أو العدّ فهو ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه : « نهى عن بيع الطّعام حتّى يجري فيه الصّاعان ، صاع البائع وصاع المشتري » وقوله صلى الله عليه وسلم : « من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتّى يكتاله » ، فدلّ ذلك على أنّه لا يحصل فيه القبض إلاّ بالكيل ، فتعيّن فيما يقدّر بالكيل الكيل ، وقيس عليه الباقي .



وقال الحنفيّة : قبض المنقول يكون بالتّناول باليد أو بالتّخلية على وجه التّمكين . جاء في مجلّة الأحكام العدليّة : تسليم العروض يكون بإعطائها ليد المشتري أو بوضعها عنده أو بإعطاء الإذن له بالقبض مع إراءتها له .



وجاء في الفتاوى الهنديّة : رجل باع مكيلاً في بيت مكايلةً أو موزوناً موازنةً ، وقال : خلّيت بينك وبينه ، ودفع إليه المفتاح ، ولم يكله ولم يزنه ، صار المشتري قابضاً .



وتسليم المبيع هو أن يخلّي بين المبيع وبين المشتري على وجه يتمكّن المشتري من قبضه بغير حائل ، وكذا التّسليم في جانب الثّمن .



واستدلّ الحنفيّة على اعتبار التّخلية مع التّمكين في المنقولات قبضاً بأنّ تسليم الشّيء في اللّغة معناه جعله سالماً خالصاً لا يشاركه فيه غيره ، وهذا يحصل بالتّخلية ، وبأنّ من وجب عليه التّسليم لا بدّ وأن يكون له سبيل للخروج من عهدة ما وجب عليه ، والّذي في وسعه هو التّخلية ورفع الموانع ، أمّا الإقباض فليس في وسعه ، لأنّ القبض بالبراجم فعل اختياريّ للقابض ، فلو تعلّق وجوب التّسليم به لتعذّر عليه الوفاء بالواجب ، وهذا لا يجوز . وقد وافق أحمد في رواية عنه الحنفيّة على اعتبار التّخلية في المنقول قبضاً ، وذلك لحصول الاستيلاء بالتّخلية ، إذ هو المقصود بالقبض ، وقد حصل بها .



تقسيم القبض من حيث المشروعيّة :



قسّم العزّ بن عبد السّلام والقرافيّ القبض كتصرّف من تصرّفات المكلّفين من حيث مشروعيّته والإذن فيه إلى ثلاثة أضرب :



الضّرب الأوّل : قبض بمجرّد إذن الشّرع دون إذن المستحقّ ، وهو أنواع :



منها : قبض ولاة الأمور والحكّام الأعيان المغصوبة من الغاصب ، وقبضهم أموال المصالح والزّكاة وحقوق بيت المال ، وقبضهم أموال الغائبين والمحبوسين الّذين لا يتمكّنون من حفظ أموالهم ، وقبضهم أموال المجانين والمحجور عليهم بسفه ونحوهم .



ومنها : قبض من طيّرت الرّيح ثوباً ، ثمّ ألقته في حجره أو داره .



ومنها : قبض المضطرّ من طعام الأجانب بغير إذنهم لما يدفع به ضرورته .



ومنها : قبض الإنسان حقّه إذا ظفر به بجنسه .



والضّرب الثّاني : قبض ما يتوقّف جواز قبضه على إذن مستحقّه ، كقبض المبيع بإذن البائع ، وقبض المستام ، والقبض بالبيع الفاسد ، وقبض الرّهون والهبات والصّدقات والعواريّ والودائع ، وقبض جميع الأمانات .



والضّرب الثّالث : قبض بغير إذن من الشّرع ولا من المستحقّ ، وهذا قد يكون مع العلم بتحريمه ، كقبض المغصوب ، فيأثم الغاصب ، ويضمن ما قبضه بغير حقّ ولا إذن ، وقد يكون بغير علم ، كمن قبض مالاً يعتقد أنّه ماله ، فإذا هو لغيره ، قال القرافيّ : فلا يقال إنّ الشّرع أذن له في قبضه ، بل عفا عنه بإسقاط الإثم ، وعلى ذلك فلا إثم عليه ، ولا إباحة فيه ، وهو في ضمانه .



القبض الحكميّ :



القبض الحكميّ عند الفقهاء يقام مقام القبض الحقيقيّ ، وإن لم يكن متحقّقاً حسّاً في الواقع ، وذلك لضرورات ومسوّغات تقتضي اعتباره تقديراً وحكماً ، وترتيب أحكام القبض الحقيقيّ عليه ، وذلك في حالات ثلاث :



الحالة الأولى : عند إقباض المنقولات بالتّخلية مع التّمكين في مذهب الحنفيّة ، ولو لم يقبضها الطّرف الآخر حقيقةً ، حيث إنّهم يعدّون تناولها باليد قبضاً حقيقيّاً ، والقبض بالتّخلية قبضاً حكميّاً ، بمعنى أنّ الأحكام المترتّبة عليه كأحكام القبض الحقيقيّ .



الحالة الثّانية : إذا وجب الإقباض واتّحدت يد القابض والمقبض وقع القبض بالنّيّة ، قال القرافيّ : ومن الإقباض أن يكون للمديون حقّ في يد ربّ الدّين ، فيأمره بقبضه من يده لنفسه ، فهو إقباض بمجرّد الإذن ، ويصير قبضه له بالنّيّة ، كقبض الأب من نفسه لنفسه مال ولده إذا اشتراه منه .



الحالة الثّالثة : اعتبار الدّائن قابضاً حكماً وتقديراً للدّين إذا كانت ذمّته مشغولةً بمثله للمدين ، وذلك لأنّ المال الثّابت في الذّمّة إذا استحقّ المدين قبض مثله من دائنه بعقد جديد أو بأحد موجبات الدّين ، فإنّه يعتبر مقبوضاً حكماً من قبل ذلك المدين .



وشواهد ذلك من نصوص الفقهاء عديدة ، منها :



أ - اقتضاء أحد النّقدين من الآخر :



قال ابن قدامة : ويجوز اقتضاء أحد النّقدين من الآخر ، ويكون صرفاً بعين وذمّة في قول أكثر أهل العلم ، وقال الأبيّ المالكيّ : لأنّ المطلوب في الصّرف المناجزة ، وصرف ما في الذّمّة أسرع مناجزةً من صرف المعيّنات ، لأنّ صرف ما في الذّمّة ينقضي بنفس الإيجاب والقبول والقبض من جهة واحدة ، وصرف المعيّنات لا ينقضي إلاّ بقبضهما معاً ، فهو معرّض للعدول ، فصرف ما في الذّمّة أولى بالجواز .



واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : « كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير ، آخذ هذه من هذه ، وأعطي هذه من هذه ، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فقال : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء » .



قال الشّوكانيّ : فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثّمن الّذي في الذّمّة بغيره ، وظاهره أنّهما غير حاضرين جميعاً ، بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم ، فدلّ على أنّ ما في الذّمّة كالحاضر .



ب - المقاصّة :



إذا انشغلت ذمّة الدّائن بمثل ما له على المدين في الجنس والصّفة ووقت الأداء ، برئت ذمّة المدين مقابلةً بالمثل من غير حاجة إلى تقابض بينهما ، ويسقط الدّينان إذا كانا متساويين في المقدار ، لأنّ ما في الذّمّة يعتبر مقبوضاً حكماً ، فإن تفاوتا في القدر ، سقط من الأكثر بقدر الأقلّ ، وبقيت الزّيادة ، فتقع المقاصّة في القدر المشترك ، ويبقى أحدهما مديناً للآخر بما زاد .



ج - تطارح الدّينين صرفاً :



ذهب الحنفيّة والمالكيّة والسّبكيّ من الشّافعيّة وابن تيميّة من الحنابلة إلى أنّه لو كان لرجل في ذمّة آخر دنانير ، وللآخر عليه دراهم ، فاصطرفا بما في ذمّتيهما ، فإنّه يصحّ ذلك الصّرف ، ويسقط الدّينان من غير حاجة إلى التّقابض الحقيقيّ - مع أنّ التّقابض في الصّرف شرط لصحّته بإجماع الفقهاء - وذلك لوجود التّقابض الحكميّ الّذي يقوم مقام التّقابض الحسّيّ ، قالوا : لأنّ الذّمّة الحاضرة كالعين الحاضرة ، غير أنّ المالكيّة اشترطوا أن يكون الدّينان قد حلاّ معاً ، فأقاموا حلول الأجلين في ذلك مقام النّاجز بالنّاجز ، أي اليد باليد .



قال ابن تيميّة : فإنّ كلاً منهما اشترى ما في ذمّته ، وهو مقبوض له بما في ذمّة الآخر ، فهو كما لو كان لكلّ منهما عند الآخر وديعة فاشتراها بوديعته عند الآخر .



وخالف في ذلك الشّافعيّة والحنابلة ، ونصّوا على عدم جواز صرف ما في الذّمّة إذا لم يحضر أحدهما أو كلاهما النّقد الوارد عليه عقد الصّرف ، لأنّه يكون من بيع الدّين بالدّين .



د - جعل الدّين الّذي على المسلم إليه رأس مال السّلم :



ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز جعل الدّين الّذي على المسلم إليه رأس مال السّلم ، لأنّ ذلك افتراق عن دين بدين وهو منهيّ عنه .



وذهب ابن تيميّة وابن القيّم إلى أنّه إذا كان لرجل في ذمّة آخر ديناراً ، فجعله سلماً في طعام إلى أجل ، فإنّه يصحّ السّلم من غير حاجة إلى قبض حقيقيّ لرأس مال السّلم - مع اتّفاق الفقهاء على وجوب تسليم رأس المال معجّلاً لصحّة السّلم - وذلك لوجود القبض الحكميّ لرأس مال السّلم ، وهو ما في ذمّة المدين المسلم إليه ، فكأنّ الدّائن بعد عقد السّلم قبضه منه ثمّ ردّه إليه ، فصار معجّلاً حكماً فارتفع المانع الشّرعيّ



قال ابن القيّم : لو أسلم إليه في كرّ حنطة بعشرة دراهم في ذمّته ، فقد وجب له عليه دين ، وسقط له عنه دين غيره ، وقد حكي الإجماع على امتناع هذا ، ولا إجماع فيه ، قاله شيخنا ، واختار جوازه ، وهو الصّواب .



شروط صحّة القبض :



الشّرط الأوّل : أن يكون الشّخص أهلاً للقبض :



اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط لصحّة القبض صدوره من أهل له ، غير أنّهم اختلفوا فيمن يكون أهلاً له على ثلاثة أقوال :



فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط في صحّة القبض صدوره من جائز التّصرّف ، وهو البالغ العاقل غير المحجور عليه .



وذهب الحنفيّة إلى أنّ أهليّة الشّخص للقبض هي نفسها أهليّة التّصرّفات القوليّة والعقود ، فيشترط لصحّة القبض أن يكون القابض عاقلاً ، فلا يصحّ قبض المجنون والصّبيّ الّذي لا يعقل ، أمّا البلوغ ، فيشترط لصحّة القبض في بعض التّصرّفات دون بعض ، وتصرّفات الصّبيّ المميّز غير البالغ ثلاثة أنواع :



النّوع الأوّل : التّصرّفات النّافعة نفعاً محضاً ، كما إذا وهب الصّبيّ ، أو تصدّق أحد عليه ، أو أوصى له ، وفي هذه الحالة لا يشترط لصحّة قبضه بلوغه إذا كان يعقل استحساناً . النّوع الثّاني : التّصرّفات الضّارّة ضرراً محضاً كتبرّعاته وكفالته بالنّفس أو بالمال ، وفي هذه الحالة لا تصحّ تصرّفاته ، وما ينشأ عنها من قبوض لاشتراط البلوغ في صحّتها . النّوع الثّالث : التّصرّفات الدّائرة بين النّفع والضّرر ، كبيعه وشرائه وإجارته واستئجاره ونكاحه وما شاكل ذلك ، وهذه التّصرّفات وما ينشأ عنها من قبوض يتوقّف نفاذها على إجازة وليّ الصّغير ، فإن أجازها نفذت ، وإن ردّها بطلت .



وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يشترط لصحّة القبض صدوره ممّن يتمتّع بأهليّة المعاملة ، بل تكفي الصّفة الإنسانيّة مناطاً لاعتباره أهلاً للقبض ، فيصحّ قبض الصّغير والمحجور ، ويكون قبضاً تامّاً .



الشّرط الثّاني : صدور القبض ممّن له ولايته :



القبض نوعان : قبض بطريق الأصالة ، وقبض بطريق النّيابة .



أ - أمّا القبض بطريق الأصالة : فهو أن يقبض الشّخص بنفسه لنفسه ، ولا خلاف بين الفقهاء في أنّ ولاية هذا القبض تكون لمن ثبتت له أهليّة القبض .



ب - وأمّا القبض بطريق النّيابة : فولايته تثبت إمّا بتولية المالك ، وإمّا بتولية الشّارع .



الحالة الأولى : ولاية النّائب في القبض بتولية المالك :



اتّفق الفقهاء على ثبوت ولاية الوكيل بالقبض ، لأنّ من ملك التّصرّف في شيء أصالةً ملك التّوكيل فيه ، والقبض ممّا يحتمل النّيابة ، فكان قبض الوكيل بمنزلة قبض الموكّل ولا فرق ، ولا بدّ أن يكون كلّ من الوكيل والموكّل أهلاً للقبض .



وقال الحنفيّة : للوكيل بالقبض أن يوكّل غيره إن كان موكّله قد وكّله بوكالة عامّة ، بأن قال له وقت التّوكيل بالقبض : اصنع ما شئت ، أو ما صنعت من شيء فهو جائز عليّ ، أو نحو ذلك ، أمّا إذا كانت الوكالة خاصّةً ، بأن لم يقل ذلك عند التّوكيل بالقبض ، فليس للوكيل أن يوكّل غيره بالقبض ، وإن فعل فلا تكون لمن وكّله هذه الولاية ، لأنّ الوكيل إنّما يتصرّف بحدود تفويض الموكّل ، فيملك قدر ما فوّض إليه لا أكثر .



وقال الشّافعيّة : يصحّ الشّراء والقبض للموكّل ، ولا يصحّ قبضه لنفسه ، لأنّه لا يجوز أن يكون وكيلاً لغيره في قبض حقّ نفسه .



ونصّ الحنابلة على أنّ المدين بطعام إذا دفع للدّائن دراهم وقال له : اشتر لي بهذه الدّراهم مثل الطّعام الّذي لك عليّ ، واقبضه لي ، ثمّ اقبضه لنفسك ، ففعل ، صحّ القبض لكلّ منهما ، لأنّه وكّله في الشّراء والقبض ، ثمّ الاستيفاء من نفسه لنفسه ، فصار كما لو كان له وديعة من جنس الدّين عند الدّائن وأذن له في قبضها عن دينه



وفي هذا المقام تعرّض الفقهاء لأحكام ثلاث مسائل :



المسألة الأولى : ولاية الوكيل بالبيع في قبض الثّمن وإقباض المبيع :



اختلف الفقهاء في ولاية الوكيل بالبيع في أن يقبض الثّمن من المشتري ويسلّم المبيع إليه ، على أربعة أقوال :



أحدها : للحنفيّة : وهو أنّ للوكيل بالبيع أن يقبض الثّمن ويسلّم المبيع للمشتري ، لأنّ في الوكالة بالبيع إذناً بالقبض والإقباض دلالةً .



والثّاني : للمالكيّة : وهو أنّ للوكيل بالبيع أن يقبض الثّمن ويسلّم المبيع ما لم يكن هناك عرف بأنّ الوكيل بالبيع لا يفعل ذلك .



والثّالث : للشّافعيّة في الأصحّ عندهم : وهو أنّه إذا كان القبض شرطاً لصحّة العقد كالصّرف والسّلم ، فللوكيل عندئذ ولاية القبض والإقباض ، أمّا إذا لم يكن شرطاً كما في البيع المطلق ، فيملك الوكيل بالبيع قبض الثّمن الحالّ وتسليم المبيع بعده إن لم يمنعه الموكّل من ذلك ، لأنّ ذلك من حقوق العقد ومقتضياته ، فكان الإذن في البيع إذناً فيه دلالةً .



فإن نهاه الموكّل عن قبض الثّمن أو تسليم المبيع ، أو كان الثّمن مؤجّلاً ، فليس للوكيل شيء من ذلك .



والرّابع : للحنابلة : وهو أنّ للوكيل بالبيع تسليم المبيع ، لأنّ إطلاق الوكالة بالبيع يقتضي التّسليم ، لكونه من تمامه ، بخلاف قبض الثّمن ، فليس للوكيل أن يقبضه ، لأنّ البائع قد يوكّل بالبيع من لا يأتمنه على الثّمن .



واستثنى ابن القيّم من الحكم بسلب ولاية قبض الثّمن من الوكيل بالبيع ما إذا كانت العادة الجارية قبض الوكيل بالبيع أثمان المبيعات ، فقال : ولو وكّل غائباً أو حاضراً في بيع شيء ، والعرف قبض ثمنه ، ملك ذلك .



المسألة الثّانية : ولاية الوكيل بالخصومة في قبض الحقّ :



اختلف الفقهاء في ولاية الوكيل بالخصومة وإثبات الحقّ في قبضه على قولين :



أحدهما : لجمهور الفقهاء من الشّافعيّة والحنابلة وزفر وهو القول المفتى به عند الحنفيّة وبه أخذت مجلّة الأحكام العدليّة : وهو أنّ الوكيل بالخصومة لا يكون وكيلاً بالقبض ، ولا تثبت له ولايته ، لأنّ المطلوب من الوكيل بالخصومة تثبيت الحقّ ، وليس كلّ من يرتضى لتثبيت حقّ يؤتمن عليه ، فقد يوثق على الخصومة من لا يوثق على المال .



وأيضاً فلأنّ الإذن في تثبيت الحقّ ليس إذناً في قبضه من جهة النّطق ولا من جهة العرف ، إذ الإثبات لا يتضمّن القبض ، وليس القبض من لوازمه أو متعلّقاته ، بخلاف مسألة الوكيل بالبيع ، فإنّ تسليم المبيع وقبض الثّمن من حقوق العقد ومقتضياته ، وقد أقامه الموكّل مقام نفسه فيها .



والثّاني : لأبي حنيفة وصاحبيه : وهو أنّ للوكيل بالخصومة أن يقبض الحقّ بعد إثباته ، لأنّه لمّا وكّله بالخصومة في مال ، فقد ائتمنه على قبضه ، لأنّ الخصومة فيه لا تنتهي إلاّ بالقبض ، فكان التّوكيل بها توكيلاً بالقبض .



المسألة الثّالثة : ولاية العدل في قبض المرهون :



إذا اتّفق الرّاهن والمرتهن على أن يجعل المرهون في يد عدل ، فهل يكون للعدل ولاية قبضه ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :



أحدهما : لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة وهو أنّ للعدل أن يقبض المرهون ، ويكون قبضه بمنزلة قبض المرتهن ، ولا فرق ، لأنّ كلاً من الرّاهن والمرتهن قد لا يثق بصاحبه ، فاحتيج إلى العدل ، وكما يتولّى العدل الحفظ فإنّه يتولّى القبض ، وبهذا قال الحسن والشّعبيّ وعمرو بن دينار والثّوريّ وإسحاق وأبو ثور وعبد اللّه بن المبارك .



ولأنّ العدل نائب عن صاحب الحقّ ، فكان قبضه بمنزلة قبض الوكيل في سائر العقود .



ثمّ إنّ ممّا يدلّ على أنّ يد العدل كيد المرتهن ، وأنّه وكيله بالقبض : أنّ للمرتهن متى شاء أن يفسخ الرّهن ويبطل يد العدل ويردّه إلى الرّاهن ، وليس للرّاهن إبطال يد العدل ، فدلّ ذلك على أنّ العدل وكيل للمرتهن .



والثّاني : لابن شبرمة والأوزاعيّ وابن أبي ليلى وقتادة والحكم والحارث العكليّ : وهو أنّه ليس للعدل أن يقبضه ، وإن قبضه فلا يكون القبض معتبراً ، قال القرطبيّ : ورأوا ذلك تعبّداً .



الحالة الثّانية : ولاية النّائب في القبض بتولية الشّارع :



ولاية النّائب في القبض بتولية الشّارع هي ولاية من يلي مال المحجور في قبض ما يستحقّه المحجور ، وهذه الولاية ليست بتولية المستحقّ ، لانتفاء أهليّته ، وإنّما هي بتولية الشّارع باتّفاق الفقهاء .



وقد روى الشّافعيّ والبيهقيّ عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه أنّه يرى أنّ الوالد يحوز لولده إذا كانوا صغاراً .



وقال الحنفيّة : ومن ذلك ولاية من يعول الصّغير ويكفله في قبض ما يوهب إليه ، سواء أكان الواهب هو أو غيره ، وسواء أكان قريباً أم غير قريب .



وقال ابن جزيّ : ويحوز للمحجور وصيّه ، ويحوز الوالد لولده الحرّ الصّغير ما وهبه له هو ما عدا الدّنانير والدّراهم ، وما وهبه له غيره مطلقاً .



ويلحق بهذه الحالة في الحكم ولاية الشّخص في قبض اللّقطة ، ومال اللّقيط ، والثّوب الّذي ألقته الرّيح في داره ، وحقّه إذا ظفر به ، وولاية الحاكم في قبض أموال الغائبين والمحبوسين الّذين لا يقدرون على حفظها لتحفظ لهم ، وولايته في قبض المال المودع إذا مات المودع والمودَع وورثة المودع غائبون ، وولايته في قبض أموال المصالح العامّة والزّكوات ، وكذا ولاية المضطرّ أن يقبض من طعام الأجانب بغير إذنهم ما يدفع به ضرورته .



وممّا يتعلّق بولاية القبض للغير ما يأتي :









مكتب / محمد جابر عيسى المحلمى



القبض في الشريعة الإسلامية - الجزء الثاني








القَبْض في الشريعة الإسلامية



( الجزء الثاني )







ولاية قبض المهر :



فقهاء المذاهب الأربعة على أنّ الزّوجة إذا كانت صغيرةً فولاية قبض مهرها لمن ينظر في مالها من الأولياء ، سواء أكانت بكراً أم ثيّباً ، ومتى قبضه برئت ذمّة الزّوج منه ، فليس للزّوجة مطالبته به ثانيةً ولو بعد البلوغ ، بل تأخذه ممّن قبضه من زوجها ، لأنّ الزّوج قد دفعه لمن له الولاية شرعاً في قبضه ، فيكون هذا الدّفع صحيحاً معتبراً تبرأ به ذمّته ، ومتى برئت ذمّة شخص من دين ، فلا يعود مديناً به ، إذ السّاقط لا يعود .



أمّا إذا كانت الزّوجة بالغةً رشيدةً : فإمّا أن تكون ثيّباً وإمّا أن تكون بكراً ، فإن كانت ثيّباً ، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ لها أن تقبض مهرها بنفسها بدون معارضة لها من أحد ، لأنّ الولاية على أموالها ثابتة لها في هذه الحالة ، فإن شاءت تولّت هي قبض المهر بنفسها ، وإن شاءت وكّلت من تختاره في قبض مهرها ، وليس لأحد قبضه إلاّ بتوكيل صريح منها . أمّا إذا كانت بكراً ، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :



أحدهما : للشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة : وهو أنّه ليس لأحد أن يقبض مهرها ، بل تقبضه هي بنفسها ، أو توكّل من يقبضه لها ، لأنّها رشيدة تلي مالها ، فليس لغيرها أن يقبض صداقها أو أيّ عوض تملكه بغير إذنها ، كثمن مبيعها وأجرة دارها ونحو ذلك .



والثّاني : للحنفيّة : وهو أنّ لوليّها أن يقبض مهرها إذا لم يحصل منها نهي صريح عن قبضه . فإن نهته فلا يملك القبض ، ولا يبرأ الزّوج إن سلّمه له ، والفرق بين البكر والثّيّب أنّ البكر تستحيي من قبض صداقها بخلاف الثّيّب ، فيقوم وليّها مقامها ، ولأنّ العادة جارية على ذلك ، فكان مأذوناً بالقبض من جهتها بدلالة العرف - بخلاف الثّيّب - والإذن العرفيّ كالإذن اللّفظيّ .



ولاية عيال المعير في قبض العاريّة عند ردّها :



لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المستعير ينقضي التزامه بردّ العاريّة ، ويبرأ من ضمانها إذا سلّمها لصاحبها أو وكيله بقبضها .



غير أنّ المستعير لو قام بردّها إلى أحد من عيال المعير كزوجته وولده ونحوهم فقد اختلف الفقهاء في براءة ذمّته على قولين :



أحدهما : للشّافعيّة : وهو أنّه لا تبرأ ذمّة المستعير بردّ العاريّة وتسليمها إلى زوجة المعير أو ولده .. ولو ضاعت العاريّة بعد قبضهما فالمعير بالخيار : إن شاء ضمّن المستعير ، وإن شاء غرّم الزّوجة أو الولد ، فإن غرّم المستعير ، رجع عليهما ، وإن غرّمهما ، لم يرجعا على المستعير .



والثّاني : للحنابلة : وهو أنّ المستعير إذا ردّ العاريّة إلى عيال المعير الّذين لا عادة لهم بقبض ماله لم يبرأ من الضّمان ، لأنّه لم يردّها إلى مالكها ولا نائبه في قبضها ، فكأنّه سلّمها لأجنبيّ ، فلا يبرأ ، أمّا إذا ردّها إلى من جرت عادته بالرّدّ إليه كزوجة متصرّفة في ماله وخازن إذا ردّ إليهما ما جرت عادتهما بقبضه ، فيصحّ الرّدّ وينقضي التزام المستعير وتبرأ ذمّته من الضّمان ، لأنّه مأذون في ذلك عرفاً ، أشبه ما لو أذن له فيه نطقاً .



الشّرط الثّالث : الإذن :



اختلف الفقهاء في اشتراط الإذن لصحّة القبض على ثلاثة مذاهب :



فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى التّفريق بين ما إذا كان للمقبوض منه الحقّ في حبسه كالمرهون في يد الرّاهن ، والموهوب في يد الواهب ، والمبيع في يد البائع بثمن حالّ قبل نقد الثّمن ، وبين ما إذا لم يكن له الحقّ في حبسه كالمبيع في يد البائع بعد نقد المشتري ثمنه ، أو قبله إن كان الثّمن مؤجّلاً ، فذهبوا في الحالة الأولى إلى أنّه يشترط في صحّة القبض أن يكون بإذن من له الحقّ في حبسه ، وذهبوا في الحالة الثّانية إلى أنّه لا يشترط ، وصحّحوا القبض بدون إذنه .



وعلّلوا اشتراط الإذن في الأولى بأنّ من كان له الحقّ في حبس الشّيء ، فلا يجوز إسقاط حقّه بغير إذنه ، بخلاف من لم يكن له الحقّ في حبسه ، وتعلّق حقّ الغير به ، واستحقّ قبضه ، فله أن يقبضه سواء أذن المقبوض منه أم لم يأذن .



وذهب المالكيّة إلى أنّه يشترط الإذن لصحّة القبض في الرّهن ، ولا يشترط في سائر العطايا كالهبة والصّدقة والوقف ، لبقاء ملك الرّاهن في الرّهن دونها .



وذهب الحنابلة إلى أنّه يشترط الإذن لصحّة القبض في الرّهن وفي العطايا كالهبة والصّدقة . فإن تعدّى المرتهن أو الموهوب أو المتصدّق عليه فقبضه بغير إذن الرّاهن أو الواهب أو المتصدّق ، فسد القبض ، ولم تترتّب عليه أحكامه .



نوعا الإذن :



الإذن عند الفقهاء نوعان : صريح ، ودلالة ، أمّا الصّريح ، فنحو أن يقول : اقبض ، أو أذنت لك بالقبض ، أو رضيت به ، وما يجري هذا المجرى ، وأمّا الدّلالة ، فنحو أن يقبض الموهوب الهبة بحضرة الواهب فيسكت ولا ينهاه ، وكسكوت البائع حين يرى المشتري يقبض المبيع ، وكسكوت الرّاهن عند قبض المرتهن العين المرهونة أمامه .



الرّجوع في الإذن :



حيثما اشترط الإذن لصحّة القبض فقد نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ لمن أذن بالقبض الرّجوع في الإذن قبل القبض ، فإن رجع قبله بطل الإذن ، وإن رجع عن الإذن بعد القبض لم يؤثّر رجوعه .



أمّا بطلان الإذن برجوعه قبل القبض ، فلقوّة حقّه في العين ببقاء يده عليها ، ولأنّه لمّا كان له أن لا يأذن بقبضها ، كان له أن يرجع عن إذنه قبل حصول القبض ، وأمّا عدم تأثير رجوعه على صحّة الإذن بعد القبض ، فلأنّ من سعى في نقض ما تمّ من قبله فسعيه مردود عليه .



اشتراط بقاء أهليّة الآذن حتّى يحصل القبض :



نصّ الشّافعيّة على بطلان الإذن بالقبض إذا جنّ الآذن أو أغمي عليه أو حجر عليه قبل القبض .



ووافقهم الحنابلة على أنّه لو مات الآذن أو المأذون له قبل القبض ، بطل الإذن بالقبض .



الشّرط الرّابع : أن يكون المقبوض غير مشغول بحقّ غيره :



اختلف الفقهاء في اشتراط كون المقبوض غير مشغول بحقّ غيره على ثلاثة أقوال : أحدها : للحنفيّة والشّافعيّة وهو أنّه يشترط لصحّة القبض أن يكون المقبوض غير مشغول بحقّ غيره ، فلو كان المبيع داراً مشغولةً بمتاع للبائع ، فلا يصحّ القبض حتّى يسلّمها فارغةً .



والثّاني : للمالكيّة وهو أنّه لا يشترط في صحّة القبض أن يكون المقبوض غير مشغول بحقّ غيره إلاّ في دار السّكنى ، فيشترط لصحّة قبضها إخلاؤها .



والثّالث : للحنابلة وهو أنّه لا يشترط ذلك ، ويصحّ قبض الشّيء المشغول بحقّ غيره ، فلو خلّى البائع بين المشتري وبين الدّار المباعة ، وفيها متاع للبائع صحّ القبض ، لأنّ اتّصالها بملك البائع لا يمنع صحّة القبض .



الشّرط الخامس : أن يكون المقبوض منفصلاً متميّزاً :



هذا الشّرط قال به الحنفيّة ، وهو أن يكون المقبوض منفصلاً متميّزاً عن حقّ الغير ، فإن كان متّصلاً به اتّصال الأجزاء ، فلا يصحّ القبض .



وعلى هذا : فلو رهن أو وهب الأرض بدون البناء أو بدون الزّرع والشّجر ، أو الزّرع والشّجر بدون الأرض ، أو الشّجر بدون الثّمر ، أو الثّمر بدون الشّجر ، فلا يصحّ القبض ولو سلّم الكلّ ، لأنّ المرهون أو الموهوب المراد قبضه متّصل بغيره اتّصال الأجزاء ، وهذا يمنع من صحّة القبض .



وسبب اشتراطهم هذا الشّرط أنّ اتّصال الشّيء بحقّ الغير يمنع من التّمكّن منه ويحول دونه ، ومن أجل ذلك لا يصحّ قبضه وهو بهذه الحال .



الشّرط السّادس : أن لا يكون المقبوض حصّةً شائعةً :



اختلف الفقهاء في اشتراط عدم الشّيوع لصحّة القبض على قولين :



أحدهما للمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : وهو أنّه يصحّ قبض الحصّة الشّائعة ، لأنّ الشّيوع لا ينافي صحّة القبض ، إذ لو كان القبض غير متحقّق في الحصّة الشّائعة لعدم تمكّن كلّ واحد من الشّريكين من التّصرّف في حصّته ، لكان كلّ شريكين في ملك شائع غير قابضين له ، ولو كانا غير قابضين له لكان مهملاً لا يد لأحد عليه ، وهذا أمر ينكره الشّرع والعيان ، أمّا الشّرع ، فلأنّه جعل تصرّفهما فيه تصرّف ذي الملك في ملكه ، وأمّا العيان ، فلكونه عند كلّ واحد منهما مدّةً يتّفقان عليها ، أو عندهما معاً ينتفعان به ويستغلانه .



غير أنّ جمهور الفقهاء مع اتّفاقهم على صحّة قبض الحصّة الشّائعة ، وعدم منافاة الشّيوع لصحّة القبض اختلفوا في كيفيّة قبض الحصّة الشّائعة :



أ - فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ قبض الحصّة الشّائعة يكون بقبض الكلّ .



فإذا قبضه كان ما عدا حصّته أمانةً في يده لشريكه ، لأنّ قبض الشّيء يعني وضع اليد عليه والتّمكّن منه ، وفي قبضه للكلّ وضع ليده على حصّته وتمكّن منها .



قالوا : ولا يشترط لذلك إذن الشّريك إذا كان الشّيء ممّا يقبض بالتّخلية .



أمّا إذا كان ممّا يقبض بالنّقل والتّحويل ، فيشترط إذن الشّريك ، لأنّ قبضه بنقله ، ونقله لا يتأتّى إلاّ بنقل حصّة شريكه مع حصّته ، والتّصرّف في مال الغير بدون إذنه لا يجوز .



فإن أبى الشّريك الإذن ، فلمستحقّ قبضه أن يوكّل شريكه في قبض حصّته ، فيصحّ القبض ، فإن لم يوكّله قبض له الحاكم ، أو نصب من يقبض لهما ، فينقله ليحصل القبض ، لأنّه لا ضرر على الشّريك في ذلك ، ويتمّ به عقد شريكه .



ب - وقال المالكيّة : قبض الحصّة الشّائعة يكون بوضع يده عليها كما كان صاحبها يضع يده عليها مع شريكه ، إلاّ في المرهون الّذي يكون الشّريك فيه الرّاهن ، فيشترط قبض الكلّ كي لا تجتمع يد الرّاهن ويد المرتهن معاً ، سواء أذن الشّريك الرّاهن أو لم يأذن ، فلو وهب رجل نصف داره ، وهو ساكن فيها ، فدخل الموهوب له فساكنه فيها ، وصار حائزاً بالسّكنى والارتفاق بمنافع الدّار ، والواهب معه في ذلك على حسب ما يفعله الشّريكان في السّكنى ، فذلك قبض تامّ ، وكذلك كلّ من وهب جزءاً من مال أو دار ، وتولّى احتياز ذلك مع واهبه ، وشاركه في الاغتلال والارتفاق ، فهو قبض .



لكن لو رهن شخص نصف داره شائعاً لم يتمّ القبض إلاّ بقبض المرتهن جميعها لئلاّ تجول يد الرّاهن فيها ، أمّا لو كان النّصف غير المرهون لغير الرّاهن فيحصل القبض بحلوله في حصّة الرّاهن مع الشّريك في السّكنى والارتفاق .



والثّاني للحنفيّة ، وهو أنّه يشترط في صحّة القبض ألا يكون المقبوض حصّةً شائعةً ، وذلك لأنّ معنى القبض إثبات اليد والتّمكّن من التّصرّف في الشّيء المقبوض ، وتحقّق ذلك في الجزء الشّائع وحده لا يتصوّر ، فإنّ سكنى بعض الدّار شائعاً ولبس بعض الثّوب شائعاً محال ، وإن قابضه لا يتمكّن من التّصرّف فيه ولو حاز الكلّ ، نظراً لتعلّق حقّ الشّريك به .



ما يحلّ محلّ القبض :



الشّيء المستحقّ قبضه بالعقد ، إمّا أن يكون بيد الشّخص قبل أن يستحقّه بالعقد ، وإمّا أن يكون بيد صاحبه .



الحالة الأولى :



إن كان المقبوض بيد الشّخص قبل أن يستحقّ قبضه بالعقد ، كما لو باع شيئاً أو وهبه أو رهنه عند غاصب أو مستعير أو مودع أو مستأجر أو غيره ، فهل ينوب القبض السّابق على العقد عن القبض الّذي يقتضيه ذلك العقد ويقوم مقامه أم لا ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال :



القول الأوّل : للمالكيّة والحنابلة : وهو أنّه ينوب القبض السّابق مناب القبض المستحقّ بالعقد مطلقاً سواء أكانت يده عليه يد ضمان أم يد أمانة ، وسواء أكان القبض المستحقّ قبض أمانة أم قبض ضمان ، ولا يشترط الإذن ولا مضيّ زمان يتأتّى فيه القبض .



أمّا نيابته مناب القبض المستحقّ بالعقد ، فلأنّ استدامة القبض قبض حقيقةً ، لوجود الحيازة مع التّمكّن من التّصرّف ، فقد وجد القبض المستحقّ ، ولا دليل على أنّه ينبغي وقوعه ابتداءً بعد العقد .



وأمّا عدم اشتراط كون القبضين متماثلين أو كون القبض السّابق أقوى ، بما ينشأ عنه من ضمان اليد ، حتّى ينوب عن القبض المستحقّ بالعقد ، فلأنّ المراد بالقبض في العقد : إثبات اليد والتّمكّن من التّصرّف في المقبوض ، فإذا وجد هذا الأمر ، وجد القبض ، أمّا ما ينشأ عنه من كون المقبوض مضموناً أو أمانةً في يد القابض ، فليس لذلك أيّة علاقة أو تأثير في حقيقة القبض .



وأمّا عدم الحاجة للإذن ، فلأنّ إقراره له في يده بمنزلة إذنه في القبض ، كما أنّ إجراءه العقد مع كون المال في يده يكشف عن رضاه بالقبض ، فاستغني عن الإذن المشترط في الابتداء ، إذ يغتفر في الدّوام ما لا يغتفر في الابتداء .



وأمّا عدم الحاجة إلى مضيّ زمان يتأتّى فيه القبض ، فلأنّ مضيّ هذا الزّمان ليس من توابع القبض ، وليس له مدخل في حقيقته ، نعم لو كان القبض متأخّراً عن العقد لاعتبر مضيّ الزّمان الّذي يمكن فيه القبض ، لضرورة امتناع حصول القبض بدونه ، أمّا مع كونه سابقاً للعقد فلا .



القول الثّاني : للحنفيّة : وهو أنّ الأصل في ذلك أنّ القبض الموجود وقت العقد ، إذا كان مثل المستحقّ بالعقد ، فإنّه ينوب منابه ، يعني أن يكون كلاهما قبض أمانة أو قبض ضمان ، لأنّه إذا كان مثله أمكن تحقيق التّناوب ، لأنّ المتماثلين غير أن ينوب كلّ واحد منهما مناب صاحبه ويسدّ مسدّه ، وقد وجد القبض المحتاج إليه .



أمّا إذا اختلف القبضان ، بأن كان أحدهما قبض أمانة ، والآخر قبض ضمان ، فينظر : إن كان القبض السّابق أقوى من المستحقّ ، بأن كان السّابق قبض ضمان والمستحقّ قبض أمانة ، فينوب عنه ، لأنّ به يوجد القبض المستحقّ وزيادة ، وإن كان دونه ، فلا ينوب عنه ، وذلك لانعدام القبض المحتاج إليه ، إذ لم يوجد فيه إلاّ بعض المستحقّ ، فلا ينوب عن كلّه .



وبيان ذلك : أنّ الشّيء إذا كان في يد المشتري بغصب أو مقبوضاً بعقد فاسد ، فاشتراه من المالك بعقد صحيح ، فينوب القبض الأوّل عن الثّاني ، حتّى لو هلك الشّيء قبل أن يذهب المشتري إلى بيته ، ويصل إليه ، أو يتمكّن من أخذه ، كان الهلاك عليه ، لتماثل القبضين من حيث كون كلّ منهما يوجب كون المقبوض مضموناً بنفسه .



وكذا لو كان الشّيء في يده وديعةً أو عاريّةً فوهبه منه مالكه ، فلا يحتاج إلى قبض آخر ، وينوب القبض الأوّل عن الثّاني ، لتماثلهما من حيث كونهما أمانةً .



ولو كان الشّيء في يده بغصب أو بعقد فاسد ، فوهبه المالك منه ، فكذلك ينوب ذلك عن قبض الهبة ، لوجود المستحقّ بالعقد ، وهو أصل القبض ، وزيادة ضمان .



أمّا إذا كان المبيع في يد المشتري بعاريّة أو وديعة أو رهن ، فلا ينوب القبض الأوّل عن الثّاني ، ولا يصير المشتري قابضاً بمجرّد العقد ، لأنّ القبض السّابق قبض أمانة ، فلا يقوم مقام قبض الضّمان في البيع ، لعدم وجود القبض المحتاج إليه .



القول الثّالث : للشّافعيّة : وهو أنّه ينوب القبض السّابق مناب القبض المستحقّ بالعقد ، سواء أكانت يد القابض السّابقة بجهة ضمان أم بجهة أمانة ، وسواء أكان القبض المستحقّ قبض أمانة أم قبض ضمان ، غير أنّه يشترط لصحّة ذلك أمران :



أحدهما : الإذن من صاحبه في الأظهر إن كان له في الأصل الحقّ في حبسه ، كالمرهون ، والمبيع إذا كان الثّمن حالاً ، ولم يوفه ، أمّا إذا لم يكن له هذا الحقّ كالمبيع بثمن مؤجّل ، أو حالّ بعد نقد ثمنه ، فلا يشترط عند ذلك الإذن .



وسبب اشتراط الإذن من مستحقّ حبسه في الأصل ، هو عدم جواز إسقاط حقّه بغير إذنه ، كما لو كانت العين في يده .



والثّاني : مضيّ زمان يتأتّى فيه القبض ، إذا كان الشّيء غائباً عن مجلس العقد ، لأنّه لو لم يكن في يده ، لاحتاج إلى مضيّ هذا الزّمان ليحوزه ويتمكّن منه ، ولأنّا جعلنا دوام اليد كابتداء القبض ، فلا أقلّ من مضيّ زمان يتصوّر فيه ابتداء القبض ، ولكن لا يشترط ذهابه ومصيره إليه فعلاً .



ويعتبر ابتداء زمان إمكان القبض ، من وقت الإذن فيه ، لا من وقت العقد .



الحالة الثّانية :



إذا كان الشّيء بيد صاحبه ، كالمبيع في يد بائعه ، أو الموهوب في يد واهبه ، فقد فرّق الفقهاء - في قضيّة ما ينوب مناب القبض - بين حالة المبيع في يد البائع ، وبين حالة الموهوب في يد الواهب ، وبيان ذلك :



أ - أنّ المبيع إذا كان بيد البائع ، فللفقهاء في ذلك ثلاثة أقوال :



أحدها : للحنفيّة : وهو أن ينوب مناب قبض المبيع من يد بائعه ، أن يتصرّف فيه المشتري بإتلاف أو تعييب أو تغيير صورة أو استعمال ، لأنّ القبض يكون بإثبات اليد والتّمكين من التّصرّف ، والإتلاف والتّعييب وتغيير الصّورة والاستعمال تصرّف فيه حقيقةً ، فكان قبضاً من باب أولى ، لأنّ التّمكين من التّصرّف دون حقيقة التّصرّف ، كما أنّ صدور هذه التّصرّفات من المشتري ينطوي على إثبات اليد فعلاً ، إذ لا يتصوّر صدورها منه مع تخلّف هذا المعنى ، فكانت تلك التّصرّفات بمنزلة القبض ضرورةً .



ومثل ذلك في الحكم ما لو فعل البائع شيئاً من ذلك بأمر المشتري ، لأنّ فعله بأمر المشتري بمنزلة فعل المشتري بنفسه .



ولو أعار المشتري المبيع أو أودعه أجنبيّاً ، صار بذلك قابضاً لأنّه بالإعارة والإيداع أثبت يد النّيابة لغيره فيه ، فصار قابضاً ، وكذا لو وهبه أجنبيّاً ، فقبضه الموهوب .



أمّا إذا أعاره المشتري للبائع ، أو أودعه إيّاه ، أو آجره إيّاه لم يكن شيء من ذلك قبضاً ، لأنّ هذه التّصرّفات لا تصحّ من المشتري ، لأنّ يد الحبس بطريق الأصالة ثابتة للبائع ، فلا يتصوّر إثبات يد النّيابة له بهذه التّصرّفات ، فلم تصحّ ، والتحقت بالعدم .



والثّاني : للشّافعيّة : وهو أنّ المشتري إذا أتلف المبيع حسّاً أو شرعاً قبل قبضه ، كان إتلافه قبضاً إن علم أنّه يتلف المبيع ، أمّا إذا لم يعلم فوجهان ، والأصحّ اعتباره قبضاً . وإذا أتلفت الزّوجة الصّداق ، وهو بيد الزّوج ، صارت بذلك قابضةً ، وبرئ الزّوج .



والثّالث : للحنابلة : وهو أنّ المشتري إذا أتلف المبيع ، وهو في يد البائع ، فيعتبر ذلك قبضاً له ، ويستقرّ عليه الثّمن ، لأنّه ماله وقد أتلفه ، سواء أكان الإتلاف عن عمد أم خطأ ، ويكون على المشتري أن ينقد الثّمن للبائع إن لم يكن دفعه ، وإن كان دفعه ، فلا رجوع له به .



ب - أمّا إذا كانت العين الموهوبة بيد الواهب ، فقال الشّافعيّة : لا يعتبر إتلاف الموهوب للعين الموهوبة قبضاً ، لعدم استحقاقه القبض بدون إذن الواهب .



وقال الحنابلة : إذا أتلف المتّهب الموهوب ، وهو في يد الواهب ، فإن كان ذلك بإذن الواهب ، اعتبر قبضاً وإلاّ فلا .










مكتب / محمد جابر عيسى المحلمى



القبض في الشريعة الإسلامية - الجزء الثالث








القَبْض في الفقه الإسلامي



( الجزء الثالث )







اشتراط القبض في العقود وآثاره :



دلّت النّصوص والقواعد العامّة في الشّريعة على اشتراط القبض في كثير من العقود ، وإن كان ذلك الاشتراط مختلفاً في مداه بين عقد وآخر ، وبين رأي فقيه أو مذهب وبين رأي غيره من الفقهاء والمجتهدين .



فتارةً يكون القبض شرطاً في صحّة العقد ، بحيث يبطل العقد إذا تفرّق العاقدان قبله ، وتارةً يكون شرطاً في انتقال ملكيّة محلّ العقد واستقرارها ، كما أنّه أحياناً يكون شرطاً في لزوم العقد ، بحيث يكون جائزاً قبله .



وبيان ذلك فيما يأتي :



أ - العقود الّتي يشترط القبض فيها لنقل الملكيّة :



العقود الّتي يشترط - في الجملة - القبض لنقل ملكيّة محلّ العقد فيها خمسة :



أوّلاً : الهبة :



اختلف الفقهاء في اشتراط القبض لنقل ملكيّة العين الموهوبة إلى الموهوب على قولين :



أحدهما : للحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة : وهو أنّه يشترط القبض لانتقال الملكيّة إلى الموهوب ، وأنّ الهبة لا يملكها الموهوب إلاّ بقبضها .



واشترط الشّافعيّة إذن الواهب في القبض .



الثّاني : للمالكيّة وابن أبي ليلى : وهو أنّه لا يشترط القبض لانتقال الملكيّة إلى الموهوب بل تثبت له بالعقد وعلى الواهب إقباضه وفاءً بالعقد ، لقوله تعالى : { أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ } حتّى إنّ المالكيّة نصّوا على إجبار الواهب على تسليم الموهوب إن امتنع .



واستدلّوا على عدم اشتراط القبض في الهبة بالقياس على البيع ، حيث إنّ المشتري يملك ما اشتراه بالعقد ، ولو لم يقبضه .



كما استدلّوا بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أنّه أهدى إلى النّجاشيّ أواقاً من مسك ، ثمّ قال لأمّ سلمة : إنّي لا أراه إلاّ قد مات ، ولا أرى الهديّة الّتي أهديت إليه إلاّ ستردّ ، فإذا ردّت إليّ ، فهو لك أم لكم ، فكان كما قال » فدلّ ذلك على أنّ الهديّة لا تملك إلاّ بالقبض .



وبما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : إنّ أبا بكر الصّدّيق نحلها جادّ عشرين وسقاً من ماله بالغابة ، فلمّا حضرته الوفاة ، قال : واللّه يا بنيّة ما من النّاس أحد أحبّ إليّ غنىً بعدي منك ، ولا أعزّ عليّ فقراً بعدي منك ، وإنّي كنت نحلتك جادّ عشرين وسقاً ، فلو كنت جَدَدْتيه واحتَزْتِيه كان لك ذلك ، وإنّما هو اليوم مال وارث ، وإنّما هما أخواك وأختاك ، فاقتسموه على كتاب اللّه تعالى ، قالت عائشة : يا أبت ، واللّه لو كان كذا وكذا لتركته ، وإنّما هي أسماء ، فمن الأخرى ؟ فقال أبو بكر : ذو بطن بنت خارجة ، أراها جاريةً ، قالوا : فلولا توقّف الملك في الموهوب على القبض لما قال إنّه مال وارث .



وبما روي عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قضى في الأنحال : أنّ ما قبض منها فهو جائز ، وما لم يقبض فهو ميراث ، وروي مثل ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عبّاس وأنس وعائشة رضي الله عنهم ، ولا يعرف لهم في الصّحابة مخالف فكان إجماعاً ، ولأنّ انتفاء العوض في الهبة يضعّف من سببيّة العقد لإضافة الملك للموهوب ، فمن أجل ذلك يتأخّر الملك إلى أن يتقوّى العقد بالقبض .



ثانياً : الوقف :



اختلف الفقهاء في اشتراط القبض لتمام الوقف :



فذهب الشّافعيّة في المذهب عندهم ، والحنابلة في الصّحيح من المذهب ، أبو يوسف ، إلى أنّ الوقف إذا صحّ زال به ملك الواقف عنه ، ولا يشترط فيه القبض ويرى المالكيّة ، وأحمد ابن حنبل في رواية عنه ، ومحمّد بن الحسن ، وابن أبي ليلى ، اشتراط القبض في الجملة لتمام الوقف وزوال ملكيّة الوقف عن الواقف .



وأمّا عند أبي حنيفة ، فإنّ العين الموقوفة باقية على ملك الواقف حقيقةً ، ولا يزول ملكه عنه إلاّ بحكم الحاكم أو يعلّقه بموته .



وقال الحنفيّة : إن بنى شخص سقايةً للمسلمين ، أو خاناً ليسكنه أبناء السّبيل ، أو رباطاً للمجاهدين ، أو خلّى أرضاً مقبرةً للمسلمين ، أو بنى مسجداً للمصلّين ، زال ملكه بقوله عند أبي يوسف ، وقال محمّد : إذا استقى النّاس من السّقاية وسكنوا الخان والرّباط ودفنوا في المقبرة وصلّى في المسجد مسلم زال ملكه عن الموقوف ، ولا يزال ملكه عند أبي حنيفة حتّى يحكم به الحاكم .



ثالثاً : القرض :



اختلف الفقهاء في مدى اشتراط القبض في القرض لنقل الملكيّة إلى المستقرض على ثلاثة أقوال :



أحدها : ذهب أبو حنيفة ومحمّد والشّافعيّة في القول الأصحّ والحنابلة وغيرهم ، إلى أنّ المقترض إنّما يملك المال المقرض بالقبض .



واستدلّوا بأنّ المستقرض بنفس القبض صار بسبيل من التّصرّف في القرض من غير إذن المقرض بيعاً وهبةً وصدقةً وسائر التّصرّفات ، وإذا تصرّف فيه نفذ تصرّفه ، ولا يتوقّف على إجازة المقرض ، وتلك أمارات الملك ، إذ لو لم يملكه لما جاز له التّصرّف فيه ، وبأنّ القرض عقد اجتمع فيه جانب المعاوضة وجانب التّبرّع ، أمّا المعاوضة : فلأنّ المستقرض يجب عليه ردّ بدل مماثل عوضاً عمّا استقرضه ، وأمّا التّبرّع : فلأنّه ينطوي على تبرّع من المقرض للمستقرض بالانتفاع بالمال المستقرض بسائر التّصرّفات ، غير أنّ جانب التّبرّع في هذا العقد أرجح ، لأنّ غايته وثمرته إنّما هي بذل منافع المال المقرض للمستقرض مجّاناً ، ألا ترى أنّه لا يقابله عوض في الحال ، ولا يملكه من لا يملك التّبرّع ، ولهذا كان كباقي التّبرّعات من هبات وصدقات ، فتنتقل الملكيّة فيه بالقبض ، لا بمجرّد العقد ، ولا بالتّصرّف .



والثّاني : للمالكيّة : وهو أنّ المقترض يملك المال المقرض ملكاً تامّاً بالعقد وإن لم يقبضه ، ويصير مالاً من أمواله ، ويقضى له به .



والثّالث : لأبي يوسف من الحنفيّة ، وللشّافعيّة في قول عندهم : وهو أنّ المقترض إنّما يملك المال المقرض بالتّصرّف ، فإذا تصرّف فيه تبيّن ثبوت ملكه قبله ، والمراد بالتّصرّف : كلّ عمل يزيل الملك ، كالبيع والهبة والإعتاق والإتلاف ، ولا يكفي الرّهن والتّزويج والإجارة وطحن الحنطة وخبز الدّقيق وذبح الشّاة ونحو ذلك .



وتظهر ثمرة الخلاف بين ما ذهب إليه المالكيّة ، وما ذهب إليه جمهور الفقهاء فيما إذا هلكت العين المقرضة بعد العقد وقبل القبض ، ففي هذه الحالة يكون ضمانها عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على المقرِض ، ويكون هلاكها في عهدته ، لأنّها لم تزل في ملكه ، ولم يملكها المقترض بعد ، فلا تنشغل ذمّته بعوضها أصلاً ، بينما يكون ضمانها عند المالكيّة على المقترض ، وهو الّذي يتحمّل تبعة هلاكها ، وعليه ردّ بدلها لأنّها هلكت في ملكه .



كما تظهر ثمرة الخلاف بين ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وما ذهب إليه أبو يوسف والشّافعيّة في قول ، فيما إذا استقرض شخص من رجل كرّاً من حنطة وقبضه ، ثمّ اشترى ذلك الكرّ بعينه من المقرض ، فإنّه لا يجوز ذلك على قول الجمهور ، لأنّ المقترض ملكه بنفس القبض ، فيصير بعقد الشّراء التّالي مشترياً ملك نفسه ، أمّا على القول الآخر فالكرّ باق على ملك المقرض ، ويصير المستقرض مشترياً ملك غيره ، فيصحّ



رابعاً : العاريّة :



ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ منافع العين المعارة لا تنتقل إلى ملك المستعير ، لا بالقبض ولا بغيره .



لأنّ العاريّة عندهم تفيد إباحة المنافع للمستعير لا تمليكها .



وذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط القبض لانتقال منافع العين المعارة إلى ملك المستعير ، لأنّ الإعارة تبرّع بتمليك منافع الشّيء المعار ، فلا تملك إلاّ بالقبض ، كالهبة .



خامساً : المعاوضات الفاسدة :



اختلف الفقهاء في كون القبض ناقلاً للملكيّة في عقود المعاوضات الماليّة الفاسدة أو غير ناقل :



فذهب جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ العقد الفاسد كالباطل ، لا ينعقد أصلاً ، ولا يفيد الملك بتاتاً ، سواء قبض العاقد البدل المعقود عليه أو لم يقبضه . وذهب الحنفيّة إلى أنّ ملكيّة المعقود عليه تنتقل في عقد المعاوضة الفاسد بقبضه برضا صاحبه ، ويكون مضموناً على القابض بقيمته يوم قبضه .



العقود الّتي يشترط القبض في صحّتها :



أوّلاً : الصّرف :



اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في صحّة عقد الصّرف التّقابض في البدلين قبل التّفرّق ، قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أنّ الصّرف فاسد .



واستدلّوا على ذلك بما روى عبادة بن الصّامت رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ ، والشّعير بالشّعير ، والتّمر بالتّمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد » .



وبما روى ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما أنّه قال : « لا تبيعوا الذّهب بالذّهب إلاّ مثلاً بمثل ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلاّ مثلاً بمثل ، ولا تبيعوا الذّهب بالورق أحدهما غائب والآخر ناجز ، وإن استنظرك حتّى يلج بيته فلا تنظره ، إنّي أخاف عليكم الرّماء » أي الرّبا .



لهذا إذا تعذّر على المتصارفين التّقابض في المجلس وأرادا الافتراق ، لزمهما ديانةً أن يتفاسخا العقد بينهما قبل التّفرّق كي لا يأثما بتأخير العوضين أو أحدهما ، لأنّ الشّارع نهى عن هذا العقد إلاّ يداً بيد ، وحكم عليه أنّه رباً إلاّ هاء وهاء ، فمتى لم يحصل هذا الشّرط حصل المنهيّ عنه ، وهو ربا النّساء ، وهو حرام ، وفي التّفاسخ قبل التّفرّق رفع للعقد ، فلا تلزمهما شروطه .



لكنّ فريقاً من المالكيّة استثنى من هذا الأصل المتّفق عليه - هو اشتراط التّقابض قبل التّفرّق لصحّة الصّرف - ما لو تفرّقا قبل التّقابض غلبةً ، أي بما يغلبان عليه أو أحدهما ، كنسيان أو غلط أو سرقة من الصّرّاف ونحو ذلك ، وقال الشّيخ عليش : وقد تكون الغلبة بحيلولة سيل أو نار أو عدوّ قبل التّقابض وقالوا بعدم بطلان الصّرف في هذه الحالة .



ثانياً : بيع الأموال الرّبويّة ببعضها :



اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في صحّة بيع الأموال الرّبويّة بجنسها الحلول وانتفاء النّسيئة ، وكذا إذا بيعت بغير جنسها ، وكان المالان الرّبويّان تجمعهما علّة واحدة ، إلاّ أن يكون أحد العوضين ثمناً والآخر مثمّناً ، كبيع الموزونات بالدّراهم والدّنانير .



واستدلّوا على ذلك بما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « الذّهب بالذّهب ، والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ ، والشّعير بالشّعير ، والتّمر بالتّمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد » .



غير أنّ الفقهاء مع اتّفاقهم هذا على اشتراط الحلول وانتفاء النّسيئة ، اختلفوا في اشتراط التّقابض قبل التّفرّق من مجلس العقد في بيع جميع الأموال الرّبويّة ببعضها على قولين : أحدهما : للشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة ، وهو أنّه يشترط التّقابض قبل التّفرّق من المجلس في الصّرف وغيره ، فلو تفرّقا قبل التّقابض بطل العقد ، وذلك لأنّ النّهي عن النّسيئة ثبت في الصّرف وغيره من بيع الرّبويّات ببعضها ، وتحريم النّساء ووجوب التّقابض متلازمان ، إذ من المحال أن يشترط الشّارع انتفاء الأجل في بيع جميع الأموال الرّبويّة ، ويكون تأجيل التّقابض في بعضها جائزاً ، ولا يخفى أنّ قوله صلى الله عليه وسلم : « يداً بيد وهاء وهاء » في شأن بيع الأموال الرّبويّة السّتّة بالكيفيّة المبيّنة في الحديث إنّما يفهم منه اشتراط التّقابض فيها جميعاً .



الثّاني : للحنفيّة ، وهو أنّه لا يشترط التّقابض قبل التّفرّق إلاّ في الصّرف ، أمّا في غيره - كبيع حنطة بشعير أو تمر أو حنطة - فيشترط لصحّته التّعيين دون التّقابض ، لأنّ البدل في غير الصّرف يتعيّن بمجرّد التّعيين قبل القبض ، ويتمكّن مشتريه بمجرّد التّعيّن من التّصرّف فيه ، ولذلك لا يشترط قبضه لصحّة العقد ، بخلاف البدل في الصّرف فإنّه لا يتعيّن بدون القبض ، إذ القبض شرط في تعيينه ، حيث إنّ الأثمان لا تتعيّن مملوكةً إلاّ به ، ولذلك كان لكلّ من العاقدين تبديلها بمثلها قبل تسليمها .



ثالثاً : السّلم :



ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط في صحّة عقد السّلم قبض المسلم إليه رأس المال قبل الافتراق ، فإن تفرّقا قبل قبضه فسد العقد .



وذهب المالكيّة إلى أنّه يشترط في صحّة السّلم قبض رأس المال قبل تفرّقهما أو بعده بمدّة يسيرة كاليومين والثّلاثة ، سواء أكان هذا التّأخير بشرط أم بغير شرط ، عملاً بالقاعدة الفقهيّة الكلّيّة " ما قارب الشّيء يعطى حكمه " ، فإن تأخّر قبضه أكثر من ذلك بطل العقد .



رابعاً : إجارة الذّمّة :



قسّم جمهور الفقهاء الإجارة باعتبار محلّ تعلّق الحقّ في المنفعة المعقود عليها إلى قسمين : إجارة واردة على العين ، وإجارة واردة على الذّمّة .



أ - فالإجارة الواردة على العين : يكون الحقّ في المنفعة المعقود عليها متعلّقاً بنفس العين ، كما إذا استأجر شخص داراً أو أرضاً أو سيّارةً معيّنةً ، أو استأجر شخصاً بعينه لخياطة ثوب أو بناء حائط ، ونحو ذلك .



وهذا النّوع من الإجارة لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يشترط فيه قبض الأجرة في المجلس لصحّة العقد أو لزومه أو انتقال ملكيّة المنافع فيه ، وذلك لأنّ إجارة العين كبيعها - إذ الإجارة بيع للمنفعة في مقابلة عوض معلوم - وبيع العين يصحّ بثمن حالّ ومؤجّل ، فكذلك الإجارة .



ب - أمّا الإجارة الواردة على الذّمّة : فيكون الحقّ في المنفعة المعقود عليها متعلّقاً بذمّة المؤجّر ، كما إذا استأجر دابّةً موصوفةً للرّكوب أو الحمل بأن قال : استأجرت منك دابّةً صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا ، أو قال : ألزمت ذمّتك خياطة هذا الثّوب أو بناء جدار صفته كذا ، فقبل المؤجّر .



وقد اختلف الفقهاء في وجوب تسليم الأجرة فيها في مجلس العقد على أربعة أقوال :



الأوّل : للحنفيّة ، فالأصل عندهم أنّ الأجر لا يلزم بالعقد ولا يملك ، فلا يجب تسليمه به ، بل بتعجيله أو شرطه في الإجارة المنجّزة أو الاستيفاء للمنفعة أو تمكّنه منه ، وعلى ذلك لا يشترط قبض الأجر عندهم في صحّة الإجارة ، قال ابن عابدين : لا يملك الأجر بالعقد ، لأنّه وقع على المنفعة ، وهي تحدث شيئاً فشيئاً ، وشأن البدل أن يكون مقابلاً للمبدل ، وحيث لا يمكن استيفاؤها حالاً لا يلزم بدلها حالاً ، إلاّ إذا شرطه ولو حكماً ، بأن عجّله لأنّه صار ملتزماً له بنفسه وأبطل المساواة الّتي اقتضاها العقد .



والثّاني : للمالكيّة ، وهو أنّه يجب لصحّة إجارة الذّمّة تعجيل الأجرة ، لاستلزام التّأخير تعمير الذّمّتين وبيع الكالئ بالكالئ ، وهو منهيّ عنه إلاّ إذا شرع المستأجر باستيفاء المنفعة ، كما لو ركب المستأجر الدّابّة الموصوفة في طريقه إلى المكان المشترط أن تحمله إليه ، فيجوز عندئذ تأخير الأجرة ، لانتفاء بيع المؤخّر بالمؤخّر ، حيث إنّ قبض أوائل المنفعة كقبض أواخرها ، فارتفع المانع من التّأخير .



وقد اعتبر المالكيّة أنّ في حكم تعجيل الأجرة تأخيرها يومين أو ثلاثةً ، لأنّ ما قارب الشّيء يعطى حكمه ، كما في السّلم ، ولا فرق بين عقدها بلفظ الإجارة أو السّلم .



والثّالث : للشّافعيّة ، وهو أنّه يشترط في صحّة إجارة الذّمّة قبض المؤجّر الأجرة في مجلس العقد ، كما اشترط قبض المسلم إليه رأس مال السّلم في المجلس ، فإن تفرّقا قبل القبض بطلت الإجارة ، لأنّ إجارة الذّمّة سلم في المنافع ، فكانت كالسّلم في الأعيان ، سواء عقدت بلفظ الإجارة أو السّلم .



والرّابع : للحنابلة ، وهو أنّ إجارة الموصوف في الذّمّة إذا جرت بلفظ " سلم " أو " سلف " - كأسلمتك هذا الدّينار في منفعة دابّة صفتها كذا وكذا لتحملني إلى مكان كذا ، أو في منفعة آدميّ صفته كذا وكذا لبناء حائط صفته كذا مثلاً - وقبل المؤجّر ، فإنّه يشترط لصحّة إجارة الذّمّة عندئذ تسليم الأجرة في مجلس العقد ، لأنّها بذلك تكون سلماً في المنافع ، ولو لم تقبض قبل تفرّق العاقدين لآل الأمر إلى بيع الدّين بالدّين ، وهو منهيّ عنه ، أمّا إذا لم تجر إجارة الذّمّة بلفظ " سلم " ولا " سلف " ، فلا يشترط تعجيل الأجرة في هذه الحالة ، لأنّها لا تكون سلماً ، فلا يلزم فيها شرطه .



خامساً : المضاربة :



ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة إلى أنّه يشترط في صحّة عقد المضاربة تسليم رأس المال إلى العامل ، لأنّ المضاربة انعقدت على أن يكون رأس المال من أحد الطّرفين والعمل من الطّرف الآخر ، ولا يتحقّق العمل إلاّ بعد خروج رأس المال من يد ربّ المال إلى العامل ، وليس المراد بذلك اشتراط تسليم رأس المال إليه حال العقد أو في مجلسه ، وإنّما المراد أن يستقلّ العامل باليد عليه والتّصرّف فيه بالتّخلية بينه وبين رأس المال ، وعلى ذلك : لو شرط المالك أن يكون المال بيده ليوفّي منه ثمن ما اشتراه العامل فسدت المضاربة .



وذهب الحنابلة على الرّاجح عندهم إلى أنّه لا يشترط لصحّة عقد المضاربة قبض العامل لرأس المال ، قال البهوتيّ : فتصحّ وإن كان بيد ربّه ، لأنّ مورد العقد العمل .



سادساً : المزارعة :



ذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط في صحّة المزارعة تسليم الأرض إلى العامل مخلاةً ، أي أن توجد التّخلية من صاحب الأرض بين أرضه وبين العامل ، حتّى لو شرط في العقد العمل على ربّ الأرض أو شرط عملهما معاً ، فلا تصحّ المزارعة لانعدام التّخلية .



سابعاً : المساقاة :



نصّ الحنفيّة والشّافعيّة على أنّه يشترط في صحّة المساقاة تسليم الأشجار إلى العامل ، فلو شرط كونها في يد المالك أو مشاركته في اليد لم يصحّ العقد لعدم حصول التّخلية بين الشّجر وبين العامل .



العقود الّتي يشترط القبض في لزومها :



وهي أربعة ، بيانها فيما يلي :



أوّلاً : الهبة :



اختلف الفقهاء في مدى اشتراط القبض للزوم الهبة :



فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط القبض في لزوم الهبة ، ويكون للواهب قبل القبض الرّجوع فيها ، فإذا قبضها الموهوب له لزمت ، لكنّ الشّافعيّة قالوا : للأب الرّجوع في هبة ولده ، وكذلك لسائر الأصول على المشهور عندهم .



غير أنّهم اختلفوا في حكم العقد إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل قبضها .



فقال الشّافعيّة : إن مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض لم ينفسخ العقد ، لأنّه يئول إلى اللّزوم ، ويقوم الوارث مقام مورّثه .



وقال الحنابلة : إذا مات الموهوب له قبل القبض بطل العقد ، أمّا إذا مات الواهب فلا تبطل الهبة ، ويقوم وارثه مقامه في الإقباض أو الرّجوع في الهبة .



واستدلّ جمهور الفقهاء على اشتراط القبض في لزوم الهبة بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال لأمّ سلمة : « إنّي أهديت إلى النّجاشيّ أواقاً من مسك ، وإنّي لا أراه إلاّ قد مات ، ولا أرى الهديّة الّتي أهديت إليه إلاّ ستردّ فإذا ردّت إليّ فهو لك أم لكم » وبما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « يقول ابن آدم مالي مالي .. وهل لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » فقد شرط رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الصّدقة الإمضاء ، والإمضاء هو الإقباض .



وقال الحنفيّة : لا تلزم الهبة بالقبض إلاّ إذا كانت لأصول الواهب أو فروعه أو لأخيه أو لأخته أو أولادهما أو لعمّه وعمّته أو كانت بين الزّوجين حال قيام الزّوجيّة ، وللواهب أن يرجع عن هبته في غير الحالات المذكورة برضا الموهوب له أو برجوع الواهب للحاكم فيفسخ الهبة .



وذهب المالكيّة : إلى أنّ الهبة تنعقد بالإيجاب والقبول ، لكنّها لا تتمّ ولا تلزم إلاّ بالقبض ، ويجبر الواهب على إقباضها ما دام العاقدان على قيد الحياة ، فإذا مات الواهب قبل القبض بطلت الهبة ، وكانت ميراثاً ، أمّا إذا مات الموهوب له قبل القبض فلا تبطل ، ويكون لورثته مطالبة الواهب بها ، لأنّها صارت حقّاً لمورّثهم قبل موته .



ثانياً : الوقف :



اختلف الفقهاء في مدى اشتراط القبض في الوقف على ثلاثة أقوال :



أحدها : ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة - وقوله هو المفتى به في المذهب - إلى أنّ الوقف لا يفتقر إلى القبض ، بل يلزم ويتمّ بدونه .



واستدلّوا بما ورد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « أمر عمر بن الخطّاب أن يسبّل ثمرة أرضه ويحبس أصلها » ولم يأمره أن يخرجها من يده إلى يد أحد يحوزها دونه ، فدلّ ذلك على أنّ الوقف يتمّ بحبس الأصل وتسبيل الثّمرة دون اشتراط أن يقبضه أحد ، ولو كان القبض شرطاً لأمره به ، وبقول الشّافعيّ : أخبرني غير واحد من آل عمر وآل عليّ رضي الله عنهم أنّ عمر رضي الله عنه ولي صدقته حتّى مات ، وجعلها بعده إلى حفصة رضي الله عنها ، وولي عليّ رضي الله عنه صدقته حتّى مات ، ووليها بعده الحسن بن عليّ رضي الله عنهما ، وأنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتّى ماتت ، وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنّه ولي صدقته حتّى مات ، وبقياس الوقف على العتق ، ذلك أنّ الرّجل إذا وقف أرضه أو داره ، فإنّما يملك الموقوف عليه منافعها ، ولا يملك من رقبتها شيئاً ، لأنّ الواقف أخرجها من ملكه إلى اللّه عزّ وجلّ ، فكان ذلك شبيهاً بما أخرجه عن ملكه بالعتق للّه عزّ وجلّ ، فكما أنّ العتق يلزم بالقول ولا يحتاج فيه إلى القبض مع القول ، فكذلك الوقف لا يحتاج فيه إلى القبض مع القول ، ولأنّنا لو أوجبنا القبض فيه ، فإنّ القابض يقبض ما لم يملكه بالوقف ، فيكون قبضه وعدمه سواءً .



والثّاني : لابن أبي ليلى ومحمّد بن الحسن الشّيبانيّ وأحمد في رواية عنه : وهو أنّ الوقف لا يلزم إلاّ بقبضه وإخراج الواقف له عن يده ، ويكون القبض بأن يجعل له قيّماً ويسلّمه إليه ، وفي المسجد بأن يخلّيه ويصلّي النّاس فيه ، وفي المقبرة بدفن شخص واحد فيها فما فوق ، واستدلّوا على ذلك بأنّ الوقف تصدّق بالمنافع ، والهبات والصّدقات لا تلزم إلاّ بالقبض ، فينبغي أن يشترط القبض للزومه .



والثّالث : للمالكيّة : وهو أنّه يشترط القبض لتمام الوقف ، فإن مات الواقف أو مرض أو أفلس قبل قبض الموقوف بطل الوقف ، ويكون القبض في نحو المسجد والطّاحون بالتّخلية بين الموقوف وبين النّاس .



ثالثاً : القرض :



اختلف الفقهاء في اشتراط القبض في ملك القرض أو لزومه على أقوال :



الأوّل للمالكيّة : وهو أنّه لا يشترط في لزوم عقد القرض أن يقبضه المقترض ، بل يلزم بالقول .



والثّاني للشّافعيّة ، قالوا : يملك بالقبض .



والثّالث للحنابلة ، قالوا : يلزم بالقبض .



رابعاً : الرّهن :



اختلف الفقهاء في اشتراط القبض في لزوم الرّهن :



فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على الرّاجح عندهم إلى أنّه يشترط القبض في لزوم الرّهن ، وعلى ذلك يكون للرّاهن قبل القبض أن يرجع عنه أو يسلّمه .



واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } حيث إنّ المصدر المقرون بحرف الفاء في جواب الشّرط يراد به الأمر ، والأمر بالشّيء الموصوف يقتضي أن يكون ذلك الوصف شرطاً فيه ، إذ المشروع بصفة لا يوجد بدون تلك الصّفة ، ولأنّ الرّهن عقد تبرّع إذ لا يستوجب الرّاهن بمقابلته على المرتهن شيئاً ، ولهذا لا يجبر عليه ، فلا بدّ من الإمضاء بعدم الرّجوع ، والإمضاء يكون بالقبض .



وقالوا : إنّ اللّه عزّ وجلّ وصف الرّهان بكونها مقبوضةً ، فيقتضي ذلك أن يكون القبض فيها شرطاً ، ولو لزمت بدون القبض لما كان للتّقييد به فائدة .



وذهب المالكيّة إلى أنّ الرّهن يلزم بالعقد ، لكنّه لا يتمّ إلاّ بالقبض ، وللمرتهن حقّ المطالبة بالإقباض ، ويجبر الرّاهن عليه .



قالوا : أمّا لزومه بالعقد ، فلأنّ قوله تعالى : { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } أثبتها رهاناً قبل القبض ، وأمّا إلزام الرّاهن بالإقباض ، فلأنّ قوله تعالى : { أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ } دليل على إلزام الرّاهن بتسليم المرهون للمرتهن وفاءً بالعقد .



قال الدّسوقيّ : لا خلاف في المذهب أنّ القبض ليس من حقيقة الرّهن ولا شرطاً في صحّته ولا لزومه بل ينعقد ويصحّ ويلزم بمجرّد القول .



وذهب بعض الحنابلة إلى أنّ المرهون إذا كان مكيلاً أو موزوناً فلا يلزم رهنه إلاّ بالقبض ، وفيما عدا ذلك روايتان عن أحمد ، إحداهما : لا يلزم إلاّ بالقبض ، والأخرى : يلزم بمجرّد العقد كالبيع .



استدامة القبض في الرّهن :



اختلف الفقهاء في حكم استدامة القبض في الرّهن على ثلاثة أقوال :



أحدها : للحنفيّة والشّافعيّة : وهو أنّه لا يشترط استدامة القبض في الرّهن ، فلو استرجعه الرّاهن بعاريّة أو وديعة صحّ ، لأنّه عقد يعتبر القبض في ابتدائه ، فلم يشترط استدامته كالهبة ، وللمرتهن الحقّ في استرداده متى شاء ، والقاعدة الفقهيّة تقول : " يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء " .



والثّاني : للمالكيّة : وهو أنّه يشترط في صحّة الرّهن استدامة القبض ، فإذا قبض المرتهن المرهون ، ثمّ ردّه إلى الرّاهن بعاريّة أو وديعة أو كراء بطل الرّهن ، لأنّ المعنى الّذي لأجله اشترط قبض المرهون في الابتداء هو أن تحصل وثيقة للمرتهن بقبضه ، فكانت استدامة القبض شرطاً فيه .



والثّالث : للحنابلة : وهو أنّه يشترط في لزوم الرّهن استدامة قبض المرهون ، فإذا أخرجه المرتهن عن يده باختياره إلى الرّاهن أو غيره زال لزوم الرّهن ، وبقي العقد كأن لم يوجد فيه قبض ، سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك ، فإذا عاد فردّه إليه عاد اللّزوم بحكم العقد السّابق ، ولا يحتاج إلى تجديد عقد ، لأنّ العقد الأوّل لم يطرأ عليه ما يبطله ، أشبه ما لو تراخى القبض عن العقد أوّل مرّة ، وإن أزيلت يد المرتهن عنه بغير حقّ كالغصب والسّرقة وإباق العبد وضياع المتاع ونحوه ، فلزوم العقد باق ، لأنّ يده ثابتة عليه حكماً ، فكأنّها لم تزل .



واستدلّوا على ذلك بأنّ الرّهن يراد للوثيقة ، ليتمكّن من بيعه واستيفاء دينه ، فإذا لم يدم في يده زال ذلك المعنى ، فكان بقاء اللّزوم منوطاً بدوام القبض .










مكتب / محمد جابر عيسى المحلمى

القبض في الشريعة الإسلامية - الجزء الرابع








القَبْض في الفقه الإسلامي



( الجزء الرابع )







آثار القبض في العقود :



أهمّ آثار القبض في العقود هو انتقال ضمان المقبوض إلى القابض ، وتسلّطه على التّصرّف فيه ، ووجوب بذل عوضه للمقبوض منه ، وذلك على التّفصيل التّالي :



الأثر الأوّل : انتقال الضّمان إلى القابض :



المراد بالضّمان الّذي ينتقل إلى القابض : هو تحمّله لتبعة الهلاك أو النّقصان أو التّعييب الّذي يطرأ على المقبوض في أحد عقود الضّمان ، وهي هنا : البيع والإجارة والعاريّة والرّهن والنّكاح فيما يخصّ الصّداق



أوّلاً : ضمان المبيع في العقد الصّحيح اللازم :



اختلف الفقهاء فيمن يكون عليه ضمان المبيع قبل القبض وبعده ، وهل يكون في ضمان البائع قبل أن يقبضه المشتري ، بحيث لا ينتقل ضمانه إلى المشتري إلاّ بالقبض ، أم أنّه يدخل في ضمانه بالعقد ، سواء قبضه أم لم يقبضه ؟



فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ المبيع يكون في ضمان البائع قبل أن يقبضه المشتري ، فإذا قبضه انتقل الضّمان إليه بالقبض ، لأنّ موجب العقد انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري ، وذلك يقتضي إلزام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري وفاءً بالعقد ، لأنّ الملك لا يثبت لعينه ، وإنّما يثبت وسيلةً إلى الانتفاع بالمملوك ، ولا يتهيّأ الانتفاع به إلاّ بالتّسليم ، فكان إيجاب الملك في المبيع للمشتري إيجاباً لتسليمه له ضرورةً .



وفرّق المالكيّة بين ما يكون فيه حقّ توفية من المبيعات من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ ، وبين ما لا يكون فيه ، بحيث وافقوا الحنفيّة والشّافعيّة في اعتبار المبيع في ضمان البائع قبل القبض ، ودخوله في ضمان المشتري بالقبض إذا كان فيه حقّ توفية .



واختلفوا في التّفصيلات والتّفريعات في حالة هلاك المبيع ، ذلك أنّ المبيع إمّا أن يكون أصلاً ، وإمّا أن يكون تبعاً ، وهو الزّوائد المتولّدة عن المبيع ، فإن كان أصلاً ، فلا يخلو : إمّا أن يهلك كلّه وإمّا أن يهلك بعضه ، وكلّ ذلك لا يخلو : إمّا أن يهلك قبل القبض ، وإمّا أن يهلك بعده ، والهلاك في هذه الحالات إمّا أن يكون بآفة سماويّة ، أو بفعل البائع ، أو بفعل المشتري ، أو بفعل المبيع ، أو بفعل أجنبيّ .



ثانياً : ضمان المؤجّر :



أ - الضّمان في إجارة الأعيان :



لا خلاف بين الفقهاء في أنّ العين المؤجّرة وكذا منافعها المعقود عليها تكون قبل القبض في ضمان المؤجّر ، كما أنّه لا خلاف بينهم في أنّ ضمان العين لا ينتقل إلى المستأجر بعد القبض ، وأنّها تكون أمانةً في يده ، فإن تلفت من غير تعدّيه أو تفريطه ، فلا ضمان عليه ، وذلك لأنّه قبض مأذون فيه ، فلا يكون موجباً للضّمان ، كالوديعة ، ولأنّ المستأجر قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقّها منها ، فلا يضمنها ، كما إذا قبض النّخلة الّتي اشترى ثمرتها ، نصّ على ذلك الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة ، قال ابن قدامة : ولا نعلم في هذا خلافاً .



ب - الضّمان في إجارة الأعمال :



ذكر الفقهاء أنّ الأجير في الإجارة الواردة على العمل قسمان :



خاصّ ومشترك ضمان الأجير الخاصّ :



اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة على أنّ الأجير الخاصّ لا يضمن ما بيده من مال المؤجّر ، بل يكون ما في يده أمانةً لا يضمنه إن تلف إلاّ بالتّعدّي أو التّفريط ، لأنّه نائب عن المالك في صرف منافعه إلى ما يأمره به ، فلم يضمن من غير تعدّ أو تقصير ، كالوكيل والمضارب .



ضمان الأجير المشترك :



اختلف الفقهاء في كون الأجير المشترك ضامناً لما يكون تحت يده من أعيان المستأجر على أربعة أقوال :



الأوّل : وهو التّفريق بين ما تلف بفعل الأجير المشترك وبين ما تلف بغير فعله ، بحيث إذا كان التّلف بفعله فإنّه يكون ضامناً له ، سواء أكان متعدّياً أم غير متعدّ ، قاصداً أم مخطئاً . أمّا ما تلف بغير فعله ، فلا يضمنه إن لم يكن منه تعدّ أو تفريط ، وهذا هو رأي الحنابلة على الصّحيح في المذهب ، وقول أبي حنيفة .



وقد خالفه في ذلك الصّاحبان أبو يوسف ومحمّد ، وذهبا إلى تضمين الأجير المشترك بالقبض مطلقاً ، إلاّ إذا وقع التّلف بسبب لا يمكنه الاحتراز عنه .



والثّاني : للمالكيّة ، وهو أنّ الأصل في يد الأجير المشترك أنّها يد أمانة ، ولكنّ لمّا فسد النّاس وظهرت خيانة الأجراء ضمن الصّنّاع وكلّ من تقتضي المصلحة العامّة تضمينه من الأجراء المشتركين حيث تقوم به التّهمة .



والثّالث : للشّافعيّة في الأظهر ، وهو أنّ يد الأجير المشترك يد أمانة .



والرّابع : قول لبعض الشّافعيّة ، وهو أنّ العين تدخل في ضمان الأجير المشترك بالقبض ، فإن هلكت عنده وهو منفرد باليد ، ضمن هلاكها ولو لم يتعدّ أو يفرّط ، وذلك لفساد النّاس وخيانة الأجراء ، أمّا إذا لم يكن الأجير منفرداً باليد فلا ضمان عليه عندئذ ، لأنّ المال غير مسلّم إليه حقيقةً .



ثالثاً : ضمان العاريّة :



لا خلاف بين الفقهاء في أنّ العاريّة مضمونة على مالكها ما دامت في يده ، فإن هلكت كان هلاكها من ماله ، أمّا إذا قبضها المستعير ، ففي انتقال ضمانها إليه بالقبض خلاف .



رابعاً : ضمان المرهون :



لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المرهون يكون في ضمان الرّاهن قبل أن يقبضه المرتهن منه ، لأنّه ملكه وتحت يده ، أمّا إذا قبضه المرتهن ، ففي انتقال ضمانه إليه خلاف .



خامساً : ضمان المهر المعيّن :



اختلف الفقهاء في اعتبار قبض الزّوجة لمهرها بعد تعيينه ناقلاً لضمانه من الزّوج إليها على قولين :



أحدهما : للمالكيّة والحنابلة ، وهو أنّ ضمان المهر المعيّن كالعبد والدّار والماشية وما شابه ذلك إذا كان محدّداً بذاته في عقد النّكاح الصّحيح يكون على الزّوجة قبل أن تقبضه من الزّوج وبعده ، فلو هلك بغير تعدّيه أو تفريطه ، كان هلاكه عليها بمجرّد العقد ، وليس للقبض أي أثر في ذلك ، لأنّ الضّمان من توابع الملك ، وقد ملكته بالعقد .



والثّاني : للحنفيّة والشّافعيّة ، وهو أنّ ضمان المهر المعيّن يكون على الزّوج قبل أن يسلّمه لزوجته ، فإذا قبضته انتقل الضّمان إليها .



الأثر الثّاني : التّسلّط على التّصرّف :



اتّفق الفقهاء على جواز التّصرّف في الأعيان المملوكة بعد قبضها ، لكنّهم اختلفوا في مشروعيّة التّصرّف فيها قبل قبضها ، سواء ملكت ببيع أو بغيره من الأسباب الموجبة للملك ، وقد فرّقوا في ذلك بين التّصرّف فيها بالبيع وبين التّصرّف فيها بغيره من ضروب التّصرّفات ، وحاصل كلامهم في هذه القضيّة ينحصر في ثلاث مسائل :



المسألة الأولى : بيع الأعيان المشتراة قبل قبضها :



اختلف الفقهاء في حكم بيع الأعيان المشتراة قبل قبضها على ستّة أقوال :



أحدها : لا يجوز بيع المشترى قبل قبضه مطلقاً ، مطعوماً كان أو غير مطعوم ، عقاراً كان أو منقولاً ، سواء بيع مقدّراً أو جزافاً ، وبهذا قال جمهور الفقهاء من الشّافعيّة وبعض الحنابلة والثّوريّ ومحمّد بن الحسن الشّيبانيّ وغيرهم .



والقول الثّاني : لا يجوز بيع المشترى قبل قبضه ، مطعوماً كان أو غير مطعوم ، وسواء بيع مقدّراً أم جزافاً ، إلاّ العقار الّذي لا يخشى هلاكه ، فيجوز بيعه قبل قبضه ، فإن تصوّر هلاكه ، بأن كان علوّاً أو على شطّ نهر ونحو ذلك ، لم يصحّ بيعه كسائر المنقولات ، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف ، وهو المفتى به عند الحنفيّة .



القول الثّالث : يجوز بيع المشترى قبل قبضه إن لم يكن مطعوماً ، فإن كان مطعوماً فلا يجوز بيعه قبل قبضه إذا كان فيه حقّ توفية - من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ - سواء أكان الطّعام ربويّاً أم غير ربويّ ، أمّا ما اشتراه جزافاً - أي من غير معرفة قدره على التّحديد - فيجوز بيعه قبل قبضه ، ولكن بشرط تعجيل الثّمن ، كي لا يؤدّي إلى بيع الدّين بالدّين ، وهذا هو القول المشهور في مذهب المالكيّة .



القول الرّابع : يجوز بيع غير المطعوم قبل قبضه ، أمّا المطعوم فلا يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً ، سواء اشتري جزافاً أو مقدّراً بكيل أو وزن أو ذرع أو عدّ ، وهو رواية عن مالك ، وبه أخذ بعض المالكيّة .



القول الخامس : لا يجوز بيع ما اشتراه مقدّراً بكيل أو وزن أو ذرع أو عدّ قبل قبضه ، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم ، فإن اشتري بغير تقدير جاز بيعه قبل قبضه ، وهذا هو القول المشهور عن أحمد والمعتمد في مذهب الحنابلة .



القول السّادس : جواز البيع قبل القبض مطلقاً سواء أكان المبيع عقاراً أم منقولاً ، وسواء أكان مطعوماً أو غير مطعوم ، وسواء أكان فيه حقّ توفية أم لم يكن ، وبهذا قال عثمان البتّيّ .



قال ابن عبد البرّ : هذا قول مردود بالسّنّة والحجّة المجمعة على الطّعام ، وأظنّه لم يبلغه هذا الحديث ، ومثل هذا لا يلتفت إليه .



المسألة الثّانية : بيع الأعيان المملوكة بغير الشّراء قبل قبضها :



اختلف الفقهاء في حكم بيع ما ملك بغير الشّراء قبل قبضه على أقوال :



الأوّل : للحنفيّة ، وهو أنّ كلّ عوض ملك بعقد ينفسخ العقد بهلاكه قبل القبض لا يجوز بيعه قبل قبضه ، كالأجرة وبدل الصّلح إذا كان منقولاً معيّناً ، وكلّ عوض ملك بعقد لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل القبض يجوز بيعه قبل قبضه ، كالمهر وبدل الخلع وبدل العتق وبدل الصّلح عن دم العمد .



والثّاني : للمالكيّة ، وهو أنّ العقود على ضربين : معاوضة ، وغير معاوضة .



فما ملك بعقد ليس فيه معاوضة كالقرض يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً ، وما ملك بعقد معاوضة ، فإن ملك بما يختصّ بالمغابنة والمكايسة ، كالبيع ونحوه لا يجوز بيعه قبل قبضه إن كان طعاماً فيه حقّ توفية ، كي لا يفضي إلى بيع العينة ، وإن ملك بعقد يتردّد بين قصد الرّفق والمغابنة ، فإن وقع على وجه الرّفق ، يجوز بيعه قبل قبضه ، وإن وقع على وجه المغابنة ، كان حكمه حكم ما يختصّ بقصد المغابنة .



والثّالث : للشّافعيّة ، وهو أنّ الأعيان المستحقّة للإنسان عند غيره ضربان : أمانة ومضمونة ، فالأمانة يجوز للمالك بيعها قبل قبضها ، لأنّ ملكه فيها تامّ .



والمضمون نوعان :



الأوّل : المضمون بالقيمة ، ويسمّى ضمان اليد ، فيصحّ بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه .



والثّاني : المضمون بعوض في عقد معاوضة ، ويسمّى ضمان العقد ، فلا يصحّ بيعه قبل قبضه .



والرّابع : للحنابلة ، وهو أنّ كلّ عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض - كأجرة معيّنة في إجارة ، وعوض معيّن في صلح ونحو ذلك - لا يجوز بيعه قبل قبضه إذا كان فيه حقّ توفية من كيل أو وزن أو ذرع أو عدّ ، وكذا ما لا ينفسخ العقد بهلاكه - كعوض خلع وعتق وكمهر ومصالح به عن دم عمد وأرش جناية وقيمة متلَف - فإنّه لا يجوز بيعه قبل قبضه إذا احتاج لتوفية ، وأمّا ما ليس فيه حقّ توفية فيجوز بيعه قبل القبض ، وكذا كلّ ما ملك بإرث أو وصيّة أو غنيمة وتعيّن ملكه فيه ، فإنّه يجوز بيعه قبل قبضه ، لأنّه غير مضمون بعقد معاوضة ، فملكه غير تامّ ، ولا يتوهّم غرر الفسخ فيه ، وأمّا ما كان قبضه شرطاً لصحّة عقده ، كرأس مال السّلم والبدلين في الصّرف فلا يصحّ بيعه ممّن صار إليه قبل قبضه ، لأنّه لم يتمّ الملك فيه ، فأشبه التّصرّف في ملك غيره .



المسألة الثّالثة : التّصرّف بغير البيع في الأعيان المشتراة قبل قبضها :



اختلف الفقهاء في حكم التّصرّف بغير البيع في الأعيان المشتراة قبل قبضها على أربعة أقوال :



الأوّل : للحنفيّة وهو أنّه يجوز التّصرّف في المبيع قبل قبضه بالهبة والصّدقة والإقراض والرّهن والإعارة والوصيّة والعتق والتّدبير والاستيلاد والتّزويج ، أمّا إجارته فلا تجوز مطلقاً .



والثّاني : للمالكيّة ، وهو أنّه يجوز التّصرّف في المبيع قبل قبضه بسائر التّصرّفات إن لم يكن مطعوماً ، أو كان مطعوماً ولكن ليس فيه حقّ توفية من كيل أو وزن أو عدّ ، أمّا الطّعام الّذي يكون فيه حقّ توفية ، فلا يجوز التّصرّف فيه بأيّ عقد من عقود المعاوضة قبل قبضه ، أمّا بغير المعاوضة ، كهبة وصدقة وقرض وشركة وتولية ، فيجوز التّصرّف فيه قبل أن يقبض .



والثّالث : للشّافعيّة ، وهو أنّه لا يجوز التّصرّف في المبيع قبل قبضه بأيّ نوع من أنواع التّصرّفات ، كالإجارة والكتابة والهبة والرّهن والإقراض ، أو جعله صداقاً أو أجرةً أو عوضاً في صلح أو رأس مال سلم ونحوها ، وذلك لضعف الملك ، إلاّ العتق والتّدبير والاستيلاد والتّزويج والقسمة والوقف ، فيجوز ذلك قبل القبض .



والرّابع : للحنابلة ، وهو أنّ ما اشتري من المقدّرات بكيل أو وزن أو ذرع أو عدّ لا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه بإجارة ولا هبة ولا رهن ولا حوالة ، قياساً على بيعه ، لأنّه من ضمان بائعه ، فلا يجوز فيه شيء من ذلك ، ولكن يصحّ عتقه وجعله مهراً وبدل خلع وكذا الوصيّة به قبل أن يقبض ، وذلك لاغتفار الغرر في هذه التّصرّفات .



أمّا ما اشتري جزافاً من غير تقدير ، فيجوز التّصرّف فيه قبل قبضه مطلقاً بأيّ ضرب من ضروب التّصرّفات ، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : « كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم ، وبالعكس ، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ، ما لم تفترقا وبينكما شيء » ، إلاّ ما بيع بصفة أو رؤية متقدّمة ، فلا يجوز التّصرّف فيه قبل قبضه ، قال البهوتيّ : لأنّه تعلّق به حقّ توفية ، فأشبه المبيع بكيل ونحوه .



الأثر الثّالث : وجوب بذل العوض :



من الآثار الهامّة لقبض أحد البدلين في عقود المعاوضات وجوب بذل العوض المقابل معجّلاً من قبل القابض ، حتّى تترتّب على العقد ثمراته ، وتتحقّق مقاصده وغاياته ، ما لم يكن هناك اتّفاق بين العاقدين على تأخيره ، فعندئذ لا يلزمه تعجيله ، لرضا مستحقّه بالتّأجيل ، وبيان ذلك فيما يأتي :



أوّلاً : في البيع :



لا خلاف بين الفقهاء في أنّ كلّ واحد من العاقدين في البيع إذا قبض البدل الّذي استحقّه بالعقد ، يجب عليه بذل عوضه للطّرف الثّاني دون تأخير ، تنفيذاً للعقد ووفاءً بالالتزام ، وحتّى يتمكّن كلّ واحد من المتبايعين من الانتفاع بما ملكه بالعقد ، إذ الملك لم يثبت لذاته ، وإنّما ثبت وسيلةً إلى الانتفاع بالمملوك ، ولا يتهيّأ الانتفاع به إلاّ بقبضه ، تحقيقاً للمعادلة والمساواة الّتي يقتضيها العقد وينبني عليها ، وذلك ما لم يكن هناك اتّفاق بين العاقدين على تأجيل البدل الآخر ، فعندئذ لا يجب على قابض البدل المعجّل تسليم عوضه حتّى يحلّ أجله ، لرضا الطّرف الآخر بالتّأجيل وتنزّله عن حقّه بالتّعجيل .



ويستثنى من ذلك عقد الصّرف وبيع الأموال الرّبويّة الّتي تجمعها علّة ربويّة واحدة ببعضها ، فإنّه لا يجوز للقابض تأخير تسليم عوض ما قبضه ، ولو رضي مستحقّه بتأخيره ، لوجوب التّقابض بين البدلين في مجلس العقد لحقّ الشّرع ، إذ يترتّب على تأخير أحدهما ولو بالتّراضي ربا النَّساء .



ثانياً : في الإجارة :



ذهب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم إلى وجوب بذل العوض في عقد الإجارة إذا قبض العاقد بدله ، ما لم يكن هناك اتّفاق بين العاقدين على تأجيل العوض ، فيتّبع الشّرط ويراعى الاتّفاق عنده ، وإن كانت كيفيّة التّسليم مختلفةً بحسب نوع المنفعة المعقود عليها - إجارة أعيان أو إجارة أعمال - ، وبما يتناسب مع طبيعة المنافع من كونها أعراضاً تحدث شيئاً فشيئاً ، وآناً فآناً على حدوث الأزمان .



ثالثاً : في الصّداق :



اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجل إذا سلّم زوجته مهرها المعجّل ، فإنّه يجب عليها أن تمكّنه من نفسها إذا طلب ذلك منها .



أمّا إذا لم يدفع إليها مهرها المعجّل ، فهل يكون للزّوجة الحقّ في الامتناع عن تمكين الزّوج من نفسها حتّى تقبضه ؟ لقد فرّق الفقهاء في هذه الصّورة بين حقّها في ذلك قبل الدّخول بها ، وبين حقّها فيه بعده







صيغة عقد توزيع منتجات حصري ( وكالة توزيع )








عقد توزيع منتجات حصري



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :



إنه في يوم 000000/ / ، الموافق / / م في مدينة ------ تم الإتفاق بين كل من:



1- شركة ------------- ويمثلها في التوقيع على هذا العقد السيد / …………….. الجنسية ………. بموجب …….رقم ……..وتاريخ ………. صادرة من …….. ، ويشار إليه فيما بعد بالطرف الأول .



شركة ------------------ ويمثلها في التوقيع على هذا العقد السيد / ............ الجنسية ........ بموجب ......... رقم ...... وتاريخ ......... صادرة من ........ويشار إليه فيما بعد بالطرف الثاني .



تمهيد

بما أن الطرف الأول هو الوكيل الحصري والممثل الوحيد لمنتجات شركة الأمريكية في مصر ومنطقة الشرق الأوسط ، وبما أنَّ الطرف الثاني يرغب في أنْ يكون موزعاً للطرف الأول لمنتجات شركة ------- الأمريكية ومنتجات أخرى مكملة في ينتجها الطرف الأول ( في منطقة -------- أو في دولة ------------ ) ، وبما أنَّ الطرفان يرغبان في تحديد حقوق وإلتزامات كل طرف تجاه الآخر لخدمة مصالحهما المشتركة وفقاً لأصول التعامل الجيد ليكون هذه العلاقة متفقة مع مقتضيات النظم ذات الصلة بحركة التجارة الداخلية أو الدولية المعمول بها ..



لذلك فقد إتفق الطرفان وهما بكامل أهليتهما المعتبرة شرعاً للتعاقد على ما يلي:



أولاً : أحكام عامة

1- يعتبر التمهيد السابق جزء لا يتجزأ من هذا العقد .



2- تعريفات : تعرف الكلمات التالية والموضحة في هذه المادة أينما وردت في هذا العقد كالآتي :



أ-المنتجات الأساسية : تعني المنتجات التي تصنعها شركة ----------- الأمريكية على سبيل الحصر والمبينة تفصيلاً في الملحق رقم (1) المعتمد من الطرف الأول والمرفق بهذا العقد .



ب-المنتجات المكملة : تعني المنتجات التي يحددها الطرف الأول على سبيت الحصر والمبينة تفصيلاً في الملحق رقم (2) المعتمد من الطرف الأول والمرفق بهذا العقد .



ج-العلامات التجارية : وهي العلامات التجارية المسجلة الخاصة بالطرف الأول والعلامات التجارية المسجلة الخاصة بمنتجات ----------- الأمريكية والعلامات التجارية المسجلة الخاصة بالمنتجات المكملة والمبينة تفصيلاً في الملحق رقم (3) المعتمد من الطرف الأول والمرفق بهذا العقد .



د-أدوات العرض : وهي الدواليب والأرفف والحوامل الخاصة بمنتجات شركة ----------- الأمريكية والمبينة تفصيلاً في الملحق رقم (4) والموقع عليها بالإستلام من الطرف الثاني والمرفقة بهذا العقد .



هـ- سقف المسحوبات : هي إجمالي قيمة مسحوبات الطرف الثاني من المنتجات الأساسية والمنتجات المكملة والتي يجب عليه سحبها من الطرف الأول سنوياً .



و- الضمان المالي : وهو الضمان البنكي الصادر من أحد البنوك أو المصارف لصالح الطرف الأول غير معلق على شرط يستحق الوفاء عند تلقي مصدره لأول مطالبة له من الطرف الأول ، أو هي الكفالة المالية الصادرة لصالح الطرف الأول التي يقدمها الطرف الثاني من شخص مليء يرتضيه الطرف الأول .



ز- منطقة التوزيع : هي منطقة --------- أو دولة ----------------- .



ش- منفذ التوزيع : وهو المحل التجاري الذي يقوم بإفتتاحه الطرف الثاني في منطقة التوزيع بعد أخذ موافقة الطرف الأول على موقعه أو الموزعين الفرعيين الذي يقوم بتعيينهم بعد أخذ موافقة الطرف الأول .



ل- بطاقات الخصم : هي البطاقة أو البطاقات التي يحملها شخص طبيعي للحصول على خصم معين عند شراءه لأي من المنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة على ألا يزيد ذلك الخصم عن --- % والصادرة عن جهة مرتبطة مع الطرف الأول على ذلك الخصم .



3- تسري على هذا العقد الأحكام والقوانين المعمول بها في جمهورية مصر العربية وعلى وجه الخصوص الأحكام المتعلقة بالوكالات التجارية ، والعلامات التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري المصري ..



ثانياً : نطاق العقد

1- يمنح الطرف الأول الطرف الثاني بموجب هذا العقد الحق في شراء المنتجات الأساسية والمنتجات المكملة بالجملة لإعادة بيعها من قبل الطرف الثاني في منطقة التوزيع المحددة في هذا العقد .



2-يلتزم الطرف الثاني بفتح عدد (---) منفذ توزيع على الأقل في منطقة التوزيع المحددة له بموجب هذا العقد بشرط حصوله على موافقة خطية من الطرف الأول على ذلك الموقع وبشرط تنفيذه للرسومات المتفق من قبل الطرفين والواردة بالملحق رقم (5) المرفق بهذا العقد .



3-لا يجوز للطرف الثاني بيع المنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة عن طريق الإنترنت وكذلك شركات الطيران وغيرها من منافذ التوزيع ذات النطاق الإقليمي المتعدد .



4-لا يجوز للطرف الثاني إستخدام أي من العلامات التجارية الخاصة بالطرف الأول أو أي من العلامات التجارية الخاصة بالمنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة بعد إنتهاء أو إنهاء هذا العقد .



5-لا يحق للطرف الثاني أن يعمل بإسم الطرف الأول حيث أنَّ الطرف الأول لم يمنح الطرف الثاني بموجب هذا العقد أي حق في التعامل مع الغير بإسمه أو نيابة عنه , فأي إلتزام على الطرف الثاني تجاه الغير لا يتحمل الطرف الثاني أي مسئولية عنه .



ثالثاً : مدة سريان هذا العقد



مدة سريان هذا العقد سنتين ميلاديتين تبدأ من ........ وتنتهي في .......... قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر كتابة بعدم رغبته في التجديد قبل إنقضاء المدة بأربعة أشهر على الأقل .



رابعاً : إلتزامات الطرف الأول



1- يقوم الطرف الأول بتزويد الطرف الثاني بما يحتاجه من المنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة طبقاً لطلبات الشراء الصادرة من الطرف الثاني والمقبولة من الطرف الأول وطبقاً لما هو متوفر من تلك المنتجات لديه .



2- يحدد الطرف الأول أسعار بيع المنتجات الأساسية والمكملة التي يقوم ببيعها للطرف الثاني عن طريق قوائم أسعار , ويحتفظ الطرف الأول لنفسه بالحق في تعديل قوائم أسعار المنتجات من وقت لآخر شريطة إبلاغ الطرف الثاني بذلك التعديل .



3- يمنح الطرف الأول الطرف الثاني تسهيلات تمكنه من شراء المنتجات الأساسية والمنتجات المكملة على الحساب في حدود سقف المسحوبات المتفق عليه إذا قدم الطرف الثاني للطرف الأول الضمان المالي اللازم .



4- يلتزم الطرف الثاني بالإشارة إلى منفذ التوزيع الخاص بالطرف الثاني في النشرات الدعائية التي يقوم بها .



5- يلتزم الطرف الأول بإستبدال المنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة المسلمة من قبله للطرف الثاني إذا كان بها عيباً في الصناعة شريطة أن يشعره الطرف الثاني بذلك العيب خلال سبعة أيام من تاريخ تسلمه لتلك المنتجات ، أما إذا كانت تلك المنتجات قد أصيبت بعيب بسبب راجع للطرف الثاني فإن الطرف الأول لايكون ملزم بإستبدالها .



6- يلتزم الطرف الأول بتسليم الطرف الثاني بعض أدوات العرض اللازمة للمنتجات الأساسية وتكون بمثابة عهدة لدى الطرف الثاني مملوكة للطرف الأول يستردها عند إنتهاء هذا العقد بالحالة التي كانت عليها عند تسلم الطرف الثاني لها .



خامساً : إلتزامات الطرف الثاني



1- يلتزم الطرف الثاني بشراء المنتجات الأساسية والمنتجات المكملة من الطرف الأول بسقف مسحوبات ( سنوي – شهري) لا يقل عن ........ .



2- يلتزم الطرف الثاني بشراء المنتجات المكملة من الطرف الأول بنسبة لا تقل عن ........ من نسبة شراؤه للمنتجات الأساسية .



3- يلتزم الطرف الثاني بعرض وبتخزين المنتجات الأساسية والمنتجات المكملة المباعة عليه من الطرف الأول بشكل جيد ، وعرضها في منافذ التوزيع بالطريقة الموصى بها من الطرف الأول فلا يحق للطرف الثاني التصرف في شكل العرض أو الواجهة الخارجية لمنافذ التوزيع إلا بعد أخذ موافقة خطية من الطرف الأول .



4- لا يجوز للطرف الثاني أن يعرض في منفذ التوزيع أي منتجات مماثلة أو غير مماثلة للمنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة المباعة إليه من الطرف الأول ما لم ما لم يأخذ موافقة خطية مسبقة من الطرف الأول على بيع تلك المنتجات داخل منفذ التوزيع .



5- يلتزم الطرف الثاني بتسديد المبالغ المالية المستحقة عليه للطرف الأول ( نقداً – أو بتحويل بنكي – أو من خلال إعتماد بنكي ) في مدة أقصاها ستين يوماً من تاريخ إستلامه للمنتجات الأساسية والمنتجات المكملة لكل طلب شراء على حده في حالة منحه تسهيلات في الشراء على الحساب وتكون جميع مشترياته من المنتجات قطعية وغير قابلة للرد وليست تحت التصريف وتتم المحاسبة على سداد قيمتها بموجب مخالصات موقع عليها من الطرفين .



6- يلتزم الطرف الثاني بعمل تقرير كتابي يقدم للطرف الأول كل مدة ........ متضمناً الكميات التي تم توزيعها وحاوياً لكافة المعلومات السوقية الخاصة بالمنتجات حتى يتسنى للطرف الأول مراقبة حال منتجاته في الأسواق ومدى قدرة وكفاءة الطرف الثاني في عمليات التوزيع .



7- يلتزم الطرف الثاني بمنح حاملي بطاقات الخصم الخصومات المتفق عليها من قبل الطرف الأول مع مصدري تلك البطاقات .



8- لا يحق للطرف الثاني بيع حقه الوارد له من خلال هذا العقد أو التنازل عنه للغير بمقابل أو بدون مقابل وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وفي حالة مخالفة الطرف الثاني لذلك كان للطرف الأول حق فسخ هذا العقد فوراً بمجرد علمه بهذا التنازل دون الحاجة إلى أي تنبيه أو إعذار .



9- لا يجوز للطرف الثاني القيام بأي من أعمال الدعاية والإعلان للمنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة إلا بعد حصوله على موافقة خطية من الطرف الأول .



10- لا يجوز للطرف الثاني بأي حال من الأحوال مخاطبة أي من الشركات التي يمثلها الطرف الأول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بإعتبار أن العلاقة التي إستمدها الطرف الثاني من هذا العقد محصورة فيما بينه وبين الطرف الأول ، وفي حالة مخالفة الطرف الثاني لإلتزامه هذا كان للطرف الأول الحق في فسخ هذا العقد فوراً بمجرد علمه دون الحاجة إلى أي تنبيه أو إعذار يوجهه للطرف الثاني .



سادساً : إلتزامات مشتركة



1- يلتزم الطرف الأول بتدريب عمال الطرف الثاني لمدة لا تزيد عن شهر في الزمان والمكان المحدد من قبله ، ويلتزم الطرف الثاني بتقديم عماله لهذا التدريب قبل سريان هذا العقد، كما يلتزم الطرف الثاني بتحمل رواتب عماله خلال مدة ذلك التدريب .



2 -بما أنَّ الطرف الثاني ملزم قانوناً أمام المستهلك بضمان جودة الصنع للمنتجات الأساسية والمنتجات المكملة ومطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة في منطقة التوزيع ، فإنَّ الطرف الأول ملزم هو الآخر أمام الطرف الثاني بذات الإلتزام .



3- يمنح الطرف الأول الطرف الثاني الحق في استخدام العلامات التجارية الخاصة به أو العلامات التجارية الخاصة بالمنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة داخل نطاق منطقة التوزيع فيما يتعلق بتسويق وتوزيع تلك المنتجات بحسب ما قد يوجه به الطرف الأول ويلتزم الطرف الثاني بعدم استخدامها في غير ما هو مخصص لها .



4- قبل شروع الطرف الثاني في أي استخدام مقترح لأي علامة تجارية يجب عليه إشعار الطرف الأول بالكيفية التي ينوي بها استخدام تلك العلامة ، ويكون للطرف الأول الحق في رفض الطريقة التي ينوي بها الطرف الثاني استخدام العلامة التجارية إذا كان ذلك الاستخدام يشوه أو يبهت صورة المنتجات في السوق أو سمعته أو حقوقه على العلامات التجارية .



5- يلتزم الطرف الثاني بمساعدة الطرف الأول في الدفاع عن أي من العلامات التجارية المستعملة الخاصة بالطرف الأول أو بأي من العلامات التجارية الخاصة بالمنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة من خلال مراقبة أي خرق لحقوق الطرف الأول على هذه العلامات قد يحدث في منطقة التوزيع الخاصة بالطرف الثاني ويلتزم فوراً بإعلام الطرف الأول بأي خرق لتلك العلامات .



6- بما أن العقود لا تقوم إلا على مبدأ حسن النية في التعامل فإن الطرفان يلتزمان بتنفيذ هذا العقد وفقاً لأحكامه ووفقاً



للعرف التجاري السائد بما يتفق مع حسن النية في التعامل ، ويقران بأن علاقة التوزيع تستدعي تبادل المعلومات السرية فيما بينهما لذلك فقد إلتزما من خلال هذا العقد بالمحافظة على سرية تلك العلاقة وعلى وجه الخصوص يلتزم الطرف الثاني بالتالي :-



أ- التفاصيل الخاصة بالترتيبات التعاقدية بين الطرفين.



ب- البيانات المتعلقة بالعمل والبيانات والمعلومات التجارية مثل قوائم الأسعار ونسبة الخصم وقوائم العملاء وخطط التوزيع والخدمات التوجيهية والمعلومات المالية والتكاليف وكمية التوزيع .



ج- المعلومات الفنية المتعلقة بالمنتجات وبقية الجوانب الأخرى المتعلقة بالمعرفة والصنعة .



د- يلتزم الطرف الثاني بالحفاظ على هذه المعلومات السرية وعدم إفشائها للآخرين خلال مدة هذا العقد .



سابعاً : ًإنهاء العقد وإلغاؤه والتعويض



1- ينتهي هذا العقد بإنتهاء مدته المنصوص عليها في البند الثالث من هذا العقد أو إستحالة تنفيذه بالنسبة للطرفين ، أو بوفاة أحدهما ، أو فقدانه الأهلية ، أو إشهار إفلاسه ، كما ينتهي بفسخه لمخالفة أياً من الطرفين للواجبات والإلتزامات المنصوص عليها في هذا العقد وعلى وجه الخصوص الإلتزامات الموجبة للفسخ .



2- يكون للطرف الأول الحق في المطالبة بالتعويض عما لحقه من أضرار في حالة تنحي الطرف الثاني عن عملية التوزيع في وقت غير مناسب أو إخلاله بأحكام هذا العقد .



3- إذا تم إنهاء العقد أو فسخه في وقت غير مناسب وبدون سبب مشروع يبرر ذلك وكان من شأن ذلك تعرض أي من الطرفين للخسارة فإن الطرف المتسبب فيها يكون ملتزماً بتعويض الطرف المضار عما لحقه من خسارة .



4- للطرف الأول الحق في إنهاء هذا العقد إذا حاول الطرف الثاني التنازل عن هذا العقد بطريقة منافية لما هو منصوص عليه في هذا العقد ، أو أتحد مع أشخاص آخرين طبيعيين كانوا أو اعتباريين بغير موافقته ، أو صدر من الطرف الثاني أعمال خيانة وعدم أمانة أو أي سلوك غير أخلاقي يتم ارتكابه عن قصد ، أو مخالفته لنصوص وأحكام هذا العقد، أو العجز في إنجاح عملية التوزيع خلال فترة زمنية معقولة أو العجز المتكرر في سداد مستحقات الطرف الأول .



5- يترتب على إنهاء هذا العقد انقضاء العلاقة فيما بين الطرفين ، وبالتالي توقف الطرف الثاني فوراً عن الإشارة لنفسه بأنه موزع للمنتجات الأساسية والمنتجات المكملة والامتناع عن استخدام العلامات التجارية والأوراق المرسومة وبطاقات العمل والكروت المشار فيها للطرف الأول أو المنتجات الأساسية والمنتجات المكملة .



ثامناً : الضمان



1- يقوم الطرف الثاني بشراء المنتجات من الطرف الأول بالجملة ويعيد بيعها طبقاً لقوائم الأسعار المحددة من الطرف الأول بإسمه الخاص ولحسابه الخاص وعلى مسئوليته مستخدماً عماله ومنفذ توزيعه ، ولا يكون الطرف الأول مسئولاً عن أي إستحقاقات مالية قد تنشأ على منفذ التوزيع للغير أو للعمالة التي تعمل لدى الطرف الثاني .



2- يضمن الطرف الثاني يسار عملائه فليس له التمسك أمام الطرف الأول بعدم وفاء عملائه بثمن المنتجات التي يبيعها عليهم .



3- لا يلتزم الطرف الأول بتعويض الطرف الثاني عن أي نفقات أو تكاليف يتحملها في سبيل قيامه بعملية التوزيع لأي من المنتجات الأساسية أو المنتجات المكملة .



4- يكون للطرف الأول الحق في استرداد المنتجات التي لم يسدد ثمنها الطرف الثاني من تفليسته كما يكون للطرف الأول حق الامتياز على المنتجات الموجودة لدى الطرف الثاني ويضمن الامتياز جميع المبالغ التي تكون للطرف الأول لدى الطرف الثاني كثمن المنتجات والتعويضات التي تستحق له تجاه الطرف الثاني .



تاسعاً : المنازعات



أي نزاع ينشأ عن هذا العقد يتم حله ودياً ، فإذا تعذر ذلك يتم حله عن طريق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم المصري



عاشراً : نسخ العقد



حرر هذا العقد من نسختين بيد كل طرف نسخة للعمل بموجبها .



والله الموفق ،،،،



طرف أول طرف ثاني



الإسم : الإسم :



التوقيع : التوقيع :