مجلة المحاماة - العددان التاسع والعاشر
السنة السابعة - يونيه ويوليه سنة 1927
متى يجوز استئناف الحكم الصادر في دعوى التزوير الفرعية
نقد لحكمي محكمة مصر الصادرين في 18 أكتوبر سنة 1926 و14 فبراير سنة 1927
نشرت مجلة المحاماة بالعدد الرابع من سنتها السابعة تحت نمرة (243) حكمًا لمحكمة مصر الابتدائية الأهلية أصدرته في 18 أكتوبر سنة 1926 قررت فيه أن الحكم الصادر من المحكمة الجزئية برد وبطلان سند حصل الادعاء فيه بالتزوير يجوز استئنافه وإن كانت قيمة الدعوى الأصلية لا تبلغ نصاب الاستئناف.
نشرته ونشرت تحته تعليقًا للأستاذ عبد الفتاح بك السيد.
ونشرت مجلة كلية الحقوق تعليقًا آخر للأستاذ العشماوي بك بالعدد الثاني من سنتها الأولى بالصحيفة نمرة 81 وما بعدها - ثم نشرت مجلة المحاماة بالعدد الخامس من سنتها السابعة تحت نمرة 349 حكمًا آخر أصدرته محكمة مصر في 14 فبراير سنة 1927 فندت فيه بعض ما اعترض به على حكمها الأول.
ولأهمية المسألة ولهذا التنازع عليها رأيت أن أكتب هذه الكلمة رجاءً أن تكون الحاسمة فيها.
القانون صريح في وجوب الرجوع إلى قيمة المدعى به لمعرفة جواز استئناف الحكم وعدم جوازه المادة (345) من قانون المرافعات.
وصريح في حالة ما إذا أقيمت دعوى من المدعى عليه على المدعي في أثناء الخصومة أو دعوى بطلب المقاصة في الرجوع في التقدير إلى أكبر مبلغ حصلت المطالبة به أمام المحكمة المادة (348) مرافعات.
وصريح فيما استثناه من ذلك بالنص كالأحكام الصادرة في الاختصاص وفي رد القضاة.
والفقهاء متفقون على أن ولاية القاضي على أصل الدعوى تمتد إلى وسائل الدفاع وأوجه الدفع والدفوع التي تقدم فيها وتكون ولايته عليها ولاية على أصلها فيحكم فيها بحكم قابل للاستئناف إذا كان حكمه في الأصل قابلاً له كذلك.
ولا خلاف في أن الخصومة قد تتسع بين الخصمين إلى أبعد مما يتنازعان عليه في الظاهر فتفصل فيها المحكمة في حدودها هذه لا في حدودها الواضحة بتقدير المدعى به ويكون الاعتبار في جواز الاستئناف وعدمه لقيمة هذه الخصومة التي امتدت إليها الدعوى.
لا خلاف في ذلك كله فيما نعلم في الفقه والقضاء - ولكنك إذا سألت متى تعتبر الخصومة ممتدة إلى أبعد من حدود المدعى به رأيت اختلافهم في التفصيل والتطبيق.
على أنهم مع ذلك متفقون على تبعية الأحكام الصادرة في الدفع بسبق الفصل في الدعوى أو بسقوط الحق فيها بالتقادم للأحكام التي تصدر في موضوع الدعوى فيكون الحكم فيها غير قابل للاستئناف متى كانت قيمة الدعوى الأصلية أقل من نصاب الاستئناف.
وهم متفقون على امتداد الخصومة إلى ما وراء حدود المدعى به إذا تعلقت طرق الدفاع أو الدفوع الموضوعية بأصل الحق المترتب عليه المدعى به ونزل المدعى به منه في الواقع منزلة الفرع من أصله.
فإذا طالب المدعي بما تأخر له من إيراد مؤقت ودفع المدعى عليه بأنه لم يرتب إيرادًا ما كان الحكم الصادر في الدفع قابلاً للاستئناف متى كانت قيمة الإيراد المدعي بترتيبه تبلغ نصاب الاستئناف وإن كانت قيمة المدعي بتأخره منه أقل من هذا النصاب لأن الخصومة امتدت بهذا الدفع إلى خصومة في ترتيب هذا الإيراد فكانت قيمتها تزيد عن قيمة المدعى به ونزل منها منزلة الفرع من أصله.
وهم متفقون على تعدية حكم الأصل في الدعوى إلى جميع أوجه الدفع إلا ما اُستثنى بالنص كالحكم الصادر في الاختصاص وفي رد القضاة، وكذلك ما تمتد به الخصومة فتزيد قيمتها عما يفصل فيه القاضي فصلاً نهائيًا فيكون الحكم الصادر فيها قابلاً للاستئناف ولو كانت قيمة أصل الدعوى أقل من نصاب الاستئناف.
ومن هذا الطعن بالتزوير ومخاصمة وكلاء الدعاوى (Desavoeu) وإنكار صفة أحد الخصوم من وارث أو شريك أو وصي.
ولعل الفقه في مسائل هذا الباب من القانون هو النظر إلى الارتباط الوثيق بين نظرية قوة الشيء المقضي فيه وبين نظرية تأثير أوجه الدفاع والدفوع على قابلية الأحكام التي تصدر فيها وفي الموضوع للاستئناف وعدمه.
وإنك لتلاحظ فيما تطالعه من الأحكام الصادرة في هذه المسائل وما شابهها أنهم ينظرون في آثار الدفع على غير المحكوم فيه من موضوع الدعوى فإن رأوا أنها تتعداه إلى غيره اعتبروا الدفع قد امتد بالخصومة إلى ما وراء حدودها الأصلية وقدروا الدعوى باعتبار قيمة الدفع إن كان مما يقبل التقدير وإلا اعتبروها مجهولة القيمة.
اعتبر ذلك في أحكامهم الصادرة في الدفوع المتعلقة ببطلان السند المثبت لأصل الحق تراهم فرقوا بين ما إذا تقدم الدفع كوسيلة لدفع الخصومة الحالية فلم يعتبروه مادًا للخصومة فيما وراءها وبين ما إذا طلب الحكم فيه على أنه دعوى فرعية فيعتبرون الدفع قد سحب الخصومة إلى حدود هذا السند برمته، وكأنهم يلاحظون في هذا وذاك أن المحكمة في الصورة الأولى لا تكون قد حكمت إلا في موضوع الدعوى الأصلية بعد أن نظرت في البطلان والصحة كوسيلة من وسائل الدفاع في الدعوى وأنها في الصورة الثانية تكون قد حكمت في بطلان السند وصحته حكمًا يتعدى هذه الدعوى إلى غيرها مما يتعلق به (راجع فقرة 735 من كريبون في كتابه الاستئناف).
واعتبر كذلك أحكامهم في الدعاوى التي يمتد النزاع فيها إلى صفة أحد الأخصام ككونه وارثًا أو شريكًا أو وصيًا تراهم اعتبروه (على ما ثبت عليه القضاء أخيرًا) من المسائل الفرعية المتعلقة بموضوع الدعوى والتي تفصل فيها المحاكم كما تفصل فيه بحكم قابل للاستئناف وغير قابل له إلا أن يصبح النزاع في الصفة هو المقصود الأصلي من الخصومة بطلب الحكم فيه وتحكم فيه المحكمة ويحوز حكمها فيه قوة الشيء المحكوم به (راجع كريبون فقرة 740 و741 وملحق دالوز نمرة 90 تحت كلمة درجات التقاضي وقد جاء فيه أن هذا هو الذي ثبت عليه القضاء أخيرًا).
كما تعتبره في أحكامهم الصادرة في دعوى التزوير ودعوى الإنكار فقد اعتبرتا من المسائل الفرعية التي يكون للحكم الصادر فيها صفة الحكم الصادر في موضوع الدعوى من حيث جواز الاستئناف وعدمه باعتبار قيمة المدعى به وأنهما لا يمدان الخصومة إلا إذا كان موضوع السند يتناول غير المدعى به وتزيد قيمته عن نصاب الحكم النهائي، فإذا كان السند المدعى بتزويره لا يتضمن إلا نفي المدعى به كما إذا طالبت بسند قيمته 1000 قرش مثلاً وادعى المدعى عليه التخالص وكان سند التخالص لا يشمل غير ذلك اتصل الدفع بالموضوع وأخذ حكمه في عدم جواز الاستئناف أما إذا تضمن السند المدعى بتزويره حقوقًا تزيد قيمتها عما لا يجوز استئنافه وكان من شأن الحكم بتزويره أو صحته أن يؤثر على تلك الحقوق بأن يكون قضاء فيها كانت الدعوى الفرعية مما يصح استئنافه.
ونحن إذا اهتدينا بما قدمناه من فقه الباب كله تبين لنا عدم صحة ما ذهبت إليه محكمة مصر في دعوى التزوير أخذًا برأي جارسونيه فيها.
مناقشة جارسونيه: لم يأتِ جارسونيه في إيراد أصول المسألة إلا بما أورده فيها غيره فقد قال إن قاضي الأصل هو قاضي الفرع وإن قاضي أول درجة لا يكون حكمه نهائيًا إذا تصدى لمصالح خارجة عن نصابه وأنه ينبغي التضحية بالقاعدة الأولى في مصلحته الثانية لأن المقصود من الأولى اختصار الإجراءات واجتناب الإطالة والمقصود من الثانية تحقيق العدالة بترتيب درجتين من درجات التقاضي فيما يجب أن ينظر القضاء فيه أمام درجتين متواليتين، وهو في ذلك لم يأتِ بجديد ولا يخالفه أحد فيه - ثم قال بالبناء على هذه المقدمات إن الدعوى تكون قابلة للاستئناف إذا تناول الدفع مصلحة تزيد قيمتها عن النصاب الذي يفصل فيه القاضي فصلاً ابتدائيًا أو كانت المصلحة مما لا يقدر له قيمة، وهو في هذا لم يأتِ بجديد أيضًا.
ثم قال تطبيقًا لما سبق إن الحكم الصادر برد وبطلان ورقة نسب التزوير فيها لأحد طرفي الخصومة هو حكم قابل للاستئناف لأنه يقوم على أساسه اتهام جنائي يتناول مصالح خطيرة وغير مقدرة القيمة وهي شرف وحرية الخصم الذي صدر عليه.
ولما تساءل الأستاذين العشماوي بك وعبد الفتاح بك عما عساه يكون رأي محكمة مصر وقد أخذت بمذهب جارسونيه فيما إذا كان الحكم الصادر في دعوى التزوير صادرًا برفضها أو صدر بالرد والبطلان وكان التزوير منسوبًا لأجنبي وما رأيها في دعوى المطالبة بأشياء مسروقة أو بتعويضات ناشئة عن ارتكاب أية جريمة من الجرائم مهما قلت قيمتها - ولما تساءلا عن ذلك أجابتهما محكمة مصر في حكمها الثاني بجواز الاستئناف في هذه الصور جميعها جريًا على ما اعتمدته من رأي جارسونيه وإن كان الظاهر من رأيه أنه لا يرى الاستئناف إلا في الصورة التي أوردها وهي صورة الحكم بالرد والبطلان في تزوير منسوب لأحد طرفي الخصومة.
وإذن فقد علمت أن الخلاف بين جارسونيه ومحكمة مصر من جانب وبين الأستاذين العشماوي بك وعبد الفتاح بك والفقه والقضاء الفرنسي والأهلي والمختلط من الجانب الآخر لم يكن خلافًا في تأصيل أصول المسألة وإنما في تطبيقها على دعوى التزوير يرى جارسونيه أن دعوى التزوير المنسوب لأحد طرفي الخصومة في صورة الحكم فيها بالرد والبطلان تمد الخصومة فتتناول شرف المحكوم عليه وهو غير مقدر القيمة وترى محكمة مصر أنها تكون دائمًا غير مقدرة القيمة في هذه الصورة وفي غيرها بالإلحاق بها. ويرى الكل أن دعوى التزوير لا تمد الخصومة إلا إذا كان السند المدعى بتزويره يشمل حقوقًا أخرى تتأثر بها ويحوز فيها الحكم الصادر في دعوى التزوير قوة الشيء المحكوم به.
وإذن فالخلاف قد انحصر فيما يأتي، هل يُعتد بما يمكن أن يشعر به الحكم الصادر في دعوى التزوير من المساس بالشرف فتكون دعوى التزوير من أجله غير مقدرة القيمة أم لا ؟
وقد علمت مما أوردناه في صدر هذا المقال أنهم لا يعتدون في امتداد الدعوى إلا بما تتعلق به الخصومة بالفعل وتفصل فيه المحكمة صراحةً أو ضمنًا. وما القول بأن وراء المدعى بالتزوير المساس بالشرف وهو أغلى من أن تقدر له قيمة إلا كالقول بأن وراء الادعاء بشيء ما في قضية ما مساسًا بالحرية وما أغلاها وإذن فلا تكاد تفتح الباب لمثل هذا حتى تتسرب منه كل قضية تتعلق بأغلى الحقوق من الحرية والمساواة وحرمة المساكن.
وبعد فهل يصح أن يقال إن الحكم الصادر بالرد والبطلان يتعدى أثره الدعوى الأصلية في صورة ما إذا كانت قيمة السند المنسوب تزويره إلى أحد الخصمين فيه أقل من نصاب الاستئناف وهل يصح الاعتداد بما قيل من أنه يكون عندئذٍ ماسًا بالشرف لتأسيس اتهام جنائي عليه ؟
نقول لا، لأنه لا يكون لمثل هذا الحكم في مثل هذه الصورة غير الأثر الذي ستنتهي به الدعوى الأصلية بالحكم في موضوعها على موجبه ولا شبهة في أن لا يكون له قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية، وإذا قيل إن جارسونيه يقصد ما يتعرض له المحكوم عليه من الامتهان باطلاع الغير على حكم صادر بتزويره قلنا إن هذا مما لا يعتد به ومما لا يقام له وزن إذ المصلحة التي يمكن أن تمتد إليها الخصومة هي ما طُرح على القضاء وفصل فيه بحكم يكون له قوة الشيء المحكوم به، ولم يكن شيء من ذلك مطروحًا في الدعوى حتى يقال إنها فصلت فيه.
ولقد حاول جارسونيه نقد مذهب خصومه بعد أن عزاه إلى روديير وهو أحد أنصاره الكثيرين فقال في هامش كتابه بالصحيفة نمرة 120 الجزء السادس بالطبعة الثالثة إنه إذا صح وتعين الأخذ به يكون الحكم الصادر في حالة إنكار الخطوط قابلاً للاستئناف إذا كانت قيمة السند المنكور مما تبلغ نصاب الاستئناف وهو ما لا يراه.
وإذا كان مذهبنا ومذهب روديير ينتهي بالتسوية بين دعوى الإنكار ودعوى التزوير في وجوب الاعتبار بقيمة السند المنكور أو المدعى بتزويره لتقدير المصلحة التي امتدت إليها الخصومة في الدعويين فلا محل للاعتراض، إذ الغريب في النظر هو عدم التسوية بينهما حتى في مذهب جارسونيه لأنه إذا كان الحكم بالرد والبطلان في صورة الادعاء بالتزوير يمس بشرف المحكوم عليه فكذلك يكون الحكم الصادر بالرد والبطلان في صورة الإنكار، وقد يصح أن يقال إن هذا الحكم في صورة الإنكار يصلح أن يكون أساسًا لاتهام جنائي كما صح أن يقال فيه كذلك في صورة الادعاء بالتزوير.
ومن لي بجارسونيه فيعلم كيف أخذت محكمة مصر برأيه وكيف عممته في جميع الصور وكيف خرجت به إلى غير دعوى التزوير من دعاوى التعويض الناشئة عن ارتكاب أية جريمة من الجرائم، فيعدل عن رأيه ويعود إلى ما أجمع عليه الفقهاء.
مناقشة حكم محكمة مصر الصادر في فبراير سنة 1927. يوهم حكم 14 فبراير سنة 1927 بما قيل فيه من أن جارسونيه استند في رأيه إلى أحكام كثيرة أن مذهبه في دعوى التزوير مؤيد بكثير من الأحكام، والحق أنه أورد كثيرًا في تأييد ما أجمع عليه الفقهاء من اعتبار الأحكام الصادرة في أوجه الدفع فيما لا يزيد موضوع الدعوى الأصلية فيه عن نصاب الاستئناف نهائية إلا إذا تعلقت بمصالح تزيد عن هذا النصاب، ولم يورد لتأييد مذهبه في دعوى التزوير إلا ثلاثة أحكام، حكمان صادران قبل قانون 11 إبريل سنة 1838 وقد اعترفت محكمة مصر بأنهما قد لا يصلحان سندًا له على ما حققه الأستاذ العشماوي بك في تعليقه. والحكم الثالث صدر من محكمة جرينوبل في 8 مارس سنة 1837 ونشر في موسوعات دالوز نمرة 127 وهو خاص بدعوى دفع فيها المدعى عليه بأنه وقع سندها على بياض فحكمت المحكمة المذكورة بجواز استئناف الحكم الصادر فيها لاعتبارها الدفع غير مقدر القيمة وقد عنيت موسوعات دالوز في نمرة 245 بالنص على خطأ هذا الحكم ومخالفته لما جرى عليه القضاء على أثبت ما يكون في ذلك.
ومن الحق أن نذكر أن رأي جارسونيه لم يناصره فيه أحد من الفقهاء فيما نعلم ولم يؤيده القضاء إلى الآن ولا نزال نرى المجلات القضائية المختلفة مفعمة بالأحكام الكثيرة المؤيدة لمخالفيه (راجع دالوز الدورية 92 – 1 – 476) و(94 - 2 - 467) و(95 - 1 - 120).
وقد عرضت محكمة مصر في حكمها الصادر في 14 فبراير سنة 1927 لما قرره كريبون من جواز استئناف الأحكام الصادرة في مخاصمة وكلاء الدعاوى (Desaveu) وإن حصلت المخاصمة أثناء نظر دعوى قيمتها أقل من نصاب الاستئناف فقالت إنه في ذلك قد تناقض تناقضًا هدم به نظريته رأسًا على عقب حيث بنى حكمه على ما في مخاصمة وكيل الدعوى من المساس بشرفه واعتباره وكان الأولى به أن يعتد بما في الحكم بالرد والبطلان في دعوى التزوير من المساس بشرف أحد طرفي الخصومة وشرفه أولى بالاعتبار من شرف وكيل الدعوى إذ هو أجنبي فيها.
وظاهر أن احتمال الخطأ فيما ذهب إليه كريبون في مخاصمة وكيل الدعوى أو في تعليل ما ذهب إليه فيها لا يفيد مذهب جارسونيه في دعوى التزوير فائدة تذكر كما لا يضعف مذهب كريبون فيها لأن كليهما قد استثنى من حكم الأصل المتفق عليه صورة لعارض قوي عنده فجارسونيه استثنى دعوى التزوير وكريبون استثنى دعوى مخاصمة وكيل الدعوى.
على أن كريبون ومن شايعه قد رأوا أن مخاصمة وكيل الدعوى وإن أوقفت سير الدعوى الأصلية إلا أنها خصومة لا تقوم بين الخصمين وإنما تقوم بين الخصم ووكيله ولاحظوا أن المادة (360) مرافعات أباحت للمحكمة التي تنظر فيها بصفة فرعية أن تحكم على الوكيل بالتضمينات لموكله أو للخصم الآخر وبإيقافه عن العمل وبإحالته على المحاكمة التأديبية، فرأوا أن الخصومة قد امتدت في الواقع إلى ما إذا كان الوكيل قد أخل بواجب حرفته فيما نُسب إليه كما قال جلاسون (جزء أول فقرة 920 طبعة ثانية) فقرروا جواز استئناف الأحكام الصادرة فيها بغير مراعاة قيمة الدعوى الأصلية.
ويؤيد كريبون في رأيه كاريه وشيفوا (الطبعة الخامسة الجزء الثالث المسألة 1317).
وأخيرًا قالت محكمة مصر في حكمها الثاني السابق الذكر (إن رأي الشارع المصري وأغراضه قد ظهرت جليًا عند سَن قانون الإخطاط فإنه أخذ صراحةً برأي جارسونيه وسيزاربرو فأجاز الاستئناف في الأحكام الصادرة برد الأوراق المقدمة (المادة 54 من لائحة إجراءات محاكم الإخطاط).
وقال الأستاذ عبد الفتاح بك السيد لعل الذي لاحظه الشارع عند تقرير جواز الاستئناف في الأحكام الصادرة من محاكم الإخطاط باستبعاد الأوراق هو ما ينقص قضاة هذه المحاكم من الدربة القضائية والمران القانوني.
ويكاد المطلع على أصل لائحة الإجراءات التي قدمتها نظارة الحقانية إلى مجلس شورى القوانين ومذكرتها الإيضاحية وتقرير لجنة هذا المجلس ومحاضر جلساته في ملحق الوقائع الرسمية بعدد 24 مارس سنة 1913 و2 إبريل سنة 1913 يقطع بأن شيئًا من رأي جارسونيه لم يخطر ببال أحد بل إن الذي جرى على لسان ناظر الحقانية ووكيله هو رأي جمهور الفقهاء.
كانت الفقرة الأولى من أصل المادة (46) تنص على أنه إذا أنكر أحد الخصمين إمضاءً أو ختمًا منسوبًا إليه في عقد عرفي أو ادعى تزويرهما فعلى الخصم المتمسك بهذا العقد إثبات صحة الختم أو الإمضاء وإلا حكم باستبعاد العقد من الدعوى وليس لمحكمة الخط أن تحكم بتزويره والفقرة الثانية تتضمن أنه إذا كان العقد رسميًا وأنكر الختم والإمضاء أو ادعى بتزويرهما فعلى من أنكر أو ادعى التزوير أن يثبت ذلك فإن ثبت حكم بتزوير العقد وليس للمحكمة تحقيق شيء من ذلك بواسطة الخبراء.
وجاء في المذكرة الإيضاحية أن اللائحة تجاوزت عن ذلك التمييز الذي جرت عليه قوانين المحاكم الأهلية بين إنكار الختم أو الإمضاء ودعوى التزوير لأنه علمي لا يتفق مع روح التشريع في محاكم الإخطاط وأنها ميزت بين الأوراق الرسمية والعرفية فجوزت لمحكمة الخط الحكم باستبعاد الورقة العرفية دون الحكم بتزويرها وجوزت الحكم بتزوير الورقة الرسمية وحرمت عليها الإثبات بواسطة الخبراء لأن هذه المسائل فيها من وجوب الدقة والتمحيص ما لا يناسب طرحه أمام محاكم إنما أنشئت للفصل في المنازعات البسيطة للقرويين. على أن القانون احتاط فجعل الأحكام التي تصدر بتزوير عقد قابلة للاستئناف مهما كانت قيمتها (راجع صـ 4 من ملحق 24 مارس سنة 1913).
ولما عرضت هذه اللائحة على لجنة المجلس صرحت في تقريرها الذي قدمته له بأنها توافق على الفقرة الأولى من المادة (46) ولا توافق على الثانية لأنه ليس من الصواب أن يعطي لمحاكم الإخطاط حق الحكم بتزوير عقد رسمي مع أن ليس لها أن تعين خبراء يفحصون الإمضاء أو الختم المطعون فيهما وأنها ترى أن يقف اختصاص محاكم الإخطاط باستبعاد العقد الرسمي دون الحكم بتزويره أسوةً بالعقود العرفية وأن ينص على أن القاضي الجزئي ليس له أن ينظر ابتدائيًا في القضايا التي يطلب فيها الحكم باستبعاد عقد رسمي حتى يجوز استئناف جميع الأحكام الصادرة في هذا الموضوع.
ولما حصلت المناقشة في هذه المادة أمام المجلس طلب المرحوم الصوفاني بك إحالة القضايا التي ينكر فيها ختم أو إمضاء في أوراق رسمية أو عرفية على القاضي الجزئي لوقوف معلومات قضاة الإخطاط عند حد محدود ولأن مجالس الإخطاط مجالس عرفية تحكم بين الناس بما تتبينه منهم طبقًا للعادات والأخلاق (صـ 15 من ملحق 24 مارس سنة 1913).
فأجاب ناظر الحقانية بأن تعديل اللجنة لا يعطي لمحاكم الإخطاط الحق بأن تحكم بالتزوير مطلقًا وإنما لها أن تقضي باستبعاد العقد فقط إذ اعتقدت أنه غير صحيح فإذا كان العقد المستبعد رسميًا كان الحكم فيه قابلاً للاستئناف ولفت الصوفاني بك إلى أن العقود التي تحكم محاكم الإخطاط باستبعادها هي التي لا تزيد قيمتها عن نصاب محاكم الإخطاط أما إذا قدم لها عقد قيمته مائة جنيه مثلاً وحصل التمسك به في دعوى قيمتها 500 قرش فإذا طعن بتزوير هذا العقد فلا تحكم محكمة الخط باستبعاده بل يجب أن تحكم بعدم الاختصاص، ولما أعيدت المناقشة في جلسة 10 فبراير سنة 1913 ابتدأ وكيل الحقانية بإبداء ملاحظات تتعلق باستئناف الأحكام فقال إذا حُكم على شخص باستبعاد ورقة فإن صدر هذا الحكم في قضية من القضايا التي تستأنف فكل حكم فرعي فيها يكون تابعًا للحكم المستأنف في الموضوع….. وإن كانت من القضايا التي لا تستأنف من أصلها فالأحكام الفرعية فيها لا تستأنف، فالحكم باستبعاد ورقة غير رسمية حكم تابع لا أصلي لأن الحكم في أصل الدعوى غير قابل للاستئناف والفرع يتبع الأصل وإنما أجيز الاستئناف في الحكم الصادر باستبعاد أوراق رسمية ولو قلت قيمة الدعوى محافظة على الثقة الخاصة التي منحها الشارع لهذه الأوراق ثم قال إن الحكم باستبعاد الأوراق بينه وبين الحكم بتزويرها فرق كبير لأن الاستبعاد يفيد أن المحكمة لم ترتَح لهذه الورقة كما لم ترتَح لشهادة شاهد مثلاً، أما الحكم بالتزوير فهو وصمة رسمية يصدر بها قرار من القاضي فيلصق بالشخص عار لا يمحى ثم قال في العقود الرسمية ليست العلة للتي توجب الاستئناف هي جسامة القيمة بل إن هناك سلطة رسمية وشهادة عامة بأن هذه الورقة يجب اعتبارها فاحترامًا لهذا أجيز الاستئناف (ملحق 2 إبريل سنة 1913 صـ 3). ثم حصلت الموافقة على تعديل اللجنة.
وعند المناقشة في المادة (54) الخاصة بالاستئناف التي عدلتها اللجنة باستبدال كلمة تزوير بكلمة استبعاد قال وكيل الحقانية إن كان غرض اللجنة أن حكم هذه المادة ينسحب على الأوراق العرفية فنحن مفترقون لأننا لا نقبل الاستئناف إلا في الأحكام التي تصدر في الأوراق الرسمية التي يحصل الطعن فيها لأن العلة التي قبلنا بسببها إجازة استئناف الأحكام الصادرة في الأوراق الرسمية هي تلك القوة الشرعية الثابتة للأوراق المحررة على يد مأمور رسمي خلافًا للأوراق البسيطة التي لا تجد نظارة الحقانية أن الاستئناف يشملها.
ثم لما اقترح أن يكون الحكم بالاستبعاد قابلاً للاستئناف مهما كانت قيمة الورقة أنكر وكيل الحقانية عليهم جواز الاستئناف إذا كانت قيمة كل الدعوى والورقة أقل من 500 قرش.
وأخيرًا حصلت الموافقة على التعديل على هذا الشكل (وفي الدعاوى التي حكم فيها باستبعاد الأوراق وبعدم استبعادها) (صـ 7 من ملحق 2 إبريل 1913).
وأنت ترى في هذا كله أن ليس في أصل المشروع ولا في مذكرته الإيضاحية ولا في تقرير لجنة مجلس الشورى ولا في مداولات المجلس أن أحدًا أشار إلى رأي جارسونيه أو إلى العلة التي علل بها جارسونيه رأيه فلم يقل أحد إن دعوى التزوير تصبح غير مقدرة القيمة إذا حكم بالرد والبطلان لما فيه من المساس بشرف المحكوم عليه كما قال جارسونيه ولا أنها تكون دائمًا كذلك كما ذهبت إليه محكمة مصر بل رأيت أن نظارة الحقانية صرحت بتبعية دعوى التزوير لأصل الدعوى وجعلت الحكم الصادر فيها تابعًا للحكم الصادر فيه ولم تجز استئنافها إذا كانت الدعوى الأصلية لا تتجاوز نصاب الاستئناف إلا إذا كانت الورقة المنكورة أو المدعى بتزويرها رسمية وبينت (أن ليست علة هذا الاستئناف عندها جسامة القيمة بل إن هناك سلطة رسمية وشهادة بأن هذه الورقة يجب اعتبارها) وأصرت على وجوب التفرقة بين الأوراق الرسمية والأوراق العرفية مبينة أن الحكم باستبعاد الورقة العرفية لا يفيد إلا أن المحكمة لم ترتَح لهذه الورقة كما لا ترتاح لشهادة شاهد. ولكن المجلس بعد سماعه ما أبداه الصوفاني بك خاصًا بنظام محاكم الإخطاط وكفاءة قضاتها المحدودة وبعد أن لاحظ أن المشروع والتعديل قد حرما محاكم الإخطاط من الاستعانة بالخبراء قرر التسوية بين الأوراق الرسمية والعرفية وأجاز الاستئناف عند الحكم لا لأنه راعى أن دعوى التزوير تكون غير مقدرة القيمة لمساسها بشرف المحكوم عليه بل لأنه لم يرَ أن يحمل محاكم الإخطاط أمانة الحكم في هذه المسائل، ولهذا منع القاضي الجزئي من الجلوس مع غيره في القضايا التي يطلب فيها استبعاد الأوراق ليتولى تحقيقها عند استئنافها أمامه بالتطبيق لقواعد قانون المرافعات وأجاز له الانفراد في محكمة الخط الذي به محل المركز للحكم في هذه القضايا حكمًا نهائيًا (المادة 46 من لائحة الإجراءات).
وإنا نرجو في ختام هذا المقال لمحكمة مصر توفيقًا تعدل به عن قضائها هذا وتعود إلى ما ثبت عليه قضاء المحاكم وفقه الفقهاء.
حامد فهمي
المحامي
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية
23 سبتمبر 2011
الفروق العلمية بين المحاكم المختلطة والأهلية
مجلة المحاماة - العدد السابع
السنة السادسة - إبريل 1926
الفروق العلمية بين المحاكم المختلطة والأهلية
قد تجد فروقًا عملية بين محاكم الجهة القضائية الواحدة, فتجد مثلاً أن طريقة تقبلها محكمة مصر المختلطة ترفضها محكمة المنصورة المختلطة، فلا عجب إذن إن وجدت فروق متعددة بين المحاكم الأهلية والمحاكم المختلطة.
المقارنة مفيدة جدًا إذا أعارتها وزارة الحقانية ونقابة المحامين وحضرات رؤساء المحاكم ما تستحقه من العناية.
لا يفهم من هذا أن كل مقارنة مقصود بها إثبات أن ما عندهم أحسن ما عندنا, بل بالعكس ستجد من بعض مقارنات أن طرقًا وعادات متبعة في المحاكم الأهلية تفضل كثيرًا نظيراتها في المحاكم المختلطة.
إذا تقرر هذا نبدأ في بيان بعض هذه المقارنات حسب ما ترد إلى الفكر بدون ترتيب خاص.
1 - إعادة الإعلان
عادةً لها نتائج خطيرة ومشاغل لا أصل لها لا ترتكز على أي نص من نصوص القانون.
قد يُحصل كثيرًا في المحاكم المختلطة أن لا تنعقد جلسة لسبب من الأسباب فيعلق قلم الكتاب إعلانًا على باب الجلسة بأنه بأمر حضرة رئيسها قد تأجلت القضايا ليوم آخر, وفي الغالب يكون لجلسة خاصة تعقدها المحكمة في اليوم التالي بدل الجلسة المعطلة.
أما عندنا في المحاكم الأهلية فإن التأجيل الإداري هو أكبر فرج ينتظره المدعى عليه, فإن الدعوى تؤجل أولاً شهرًا أو أكثر, ثم تؤجل مرة أخرى لإعادة الإعلان و50 % من الأحوال لا يصح الإعلان, أو يتوفى بعض الخصوم أو تزول الصفة فتؤجل مرات أخرى ويأتي فصل الإجازات وهكذا يكون اكتسب المدين بسبب هذه الصدفة مماطلة سنة والحياة لا تتسع كثيرًا لمثل هذه الآجال.
هذه العادة لم يوجدها في الواقع إلا نظام الرسوم النسبية بالمحاكم الأهلية.
فإنه من المعلوم أن في المحاكم المختلطة تستحق الرسوم النسبية في أحوال كثيرة ولكن بعد الحكم في الدعوى وقبل ذلك كل الرسوم مقررة.
وبما أنه لا يوجد في القانون ولا نص واحد يلزم المدعي بإعادة إعلان المدعى عليه في حالة التأجيل الإداري فإن القاضي المختلط لم يسمح لنفسه بأن يلزم المدعي بصرف مصاريف جديدة.
أما في المحاكم الأهلية فأغلب الرسوم نسبية, وكل الإعلانات تتم تبعًا للرسم النسبي، فهذه السهولة أوجدت إعادة الإعلان مع ما في هذه الطريقة من المضار والمشاغل التي لا مبرر لها ولم يحتمها القانون.
إن المدعى عليه ملزم بتتبع قضيته ولا يعقل - إن لم يرتكن على إعادة الإعلان - أن يترك نفسه يحاكم بلا دفاع.
إعادة الإعلان مشغولية هائلة لمكاتب المحامين ومشغولية أكثر لأقلام المحضرين وينتج عنها التعطيل الذي نوهنا عنه في صدر هذه المذكرة.
فهل آن الأوان لأن تبطلها وزارة الحقانية بمنشور يرسل إلى جميع المحاكم.
2 - الاطلاع
هذه مسألة قد تقول إننا تقدمنا عليهم فيها وقد تقول العكس, وكلا القولين صحيح, ويتفرع منها في الواقع مسائل متنوعة، حبذا لو أعارتها نقابة المحامين الاهتمام الواجب, فتوفر على المحامين تعبًا عظيمًا، ومصاريف أعظم، وتخلق جوًا أخويًا بين المحامين, غير موجود بالمحاكم الأهلية كما هو موجود بالمحاكم المختلطة.
يوجد بالمحاكم الأهلية الكلية قلم اطلاع لا يوجد نظيره بالمحاكم الجزئية, وكثيرًا ما يتعطل كتبة المحامين وتتأخر الأعمال بسبب أن أيام الاطلاع في المحاكم الجزئية مخصوصة وقد يتفق أن أيام الاطلاع تكون واحدة في محكمتين فيتعذر العمل.
الاطلاع يشمل مسائل ثلاث لا رابع لها وهي المذكرات والمستندات ومحاضر الجلسات، أما الإعلانات فإن صورها تكون في الغالب بالمكاتب.
المذكرات:
المذكرات لا تودع بالمحاكم المختلطة سواء قبل المرافعة أو بعدها إلا إذا كانت ممضاة من الخصم, ويرفضها قلم الكتاب إن لم تكن كذلك, ويمكن الاستغناء عن إمضاء الخصم إن قرر المحامي بأن صورة مذكرته أرسلت بالبوستة لخصمه أو تركت بمكتبه, هذا إذا لم تكن هناك مواعيد محددة, أما إذا كانت هناك مواعيد أو كانت بعد المرافعة فإن إمضاء الخصم يحتمها في الغالب قلم الكتاب.
وإن امتنع الخصم فهناك من يمضي نيابةً ورغمًا عنه وهو النقيب أو مندوب النقابة, فإن المحامي يتوجه إليه ويعرض عليه امتناع خصمه، ومندوب النقابة يسأله تلفونيًا فإن لم يكن عنده عذر مقبول يمضي عنه ويرسل إليه الصورة بالبوستة وقلم الكتاب يقبل هذا الإمضاء وتسمى visa d’office.
وهنا أستدرك فأقول إن نظام الرسوم النسبية أوجد بالمحاكم الأهلية عادة إعلان المذكرات بين المحامين وبعض, وهذا لا أثر لها بالمحاكم المختلطة، وطبعًا فيها متاعب على المحامين والمحضرين فضلاً عن عدم لياقتها وعدم وجوبها.
هذه العادة معدومة أصلاً من المحاكم المختلطة لدرجة أنه لو كان خصمك يترافع بدون محامٍ فيكتفي قلم الكتاب بإيصال سيكورتاه البوستة بما يفيد أن المحامي أرسل إلى خصمه صورة من المذكرة إذا اتبعت هذه الطريقة توفر على المحامين الاطلاع على المذكرات بأقلام الكتاب, بل توفر هذا التعب كليةً, لأن عمل الصورة لا يكلف المحامي شيئًا إذ أنها في الغالب تكتب على الآلة الكاتبة أو بالتابيروجراف، واستخراج صورة زيادة لا يكلف أي مجهود.
المستندات:
هناك أيضًا عادةً تبادل المستندات قبل إيداعها فيتوفر على المحامين الاطلاع عليها بأقلام الكتاب بواسطة وكلائهم, ولا يقبل قلم الكتاب إيداع مستندات بدون إمضاء الخصم أو على الأقل بدون إخطاره بخطاب موصى عليه وتقديم إيصال السيكورتاه - على أن من يتبع هذا الطريق من المحامين نادرًا جدًا ومنظور إليه من إخوانه بعين غير راضية ويعامل من جميع إخوانه بالمثل.
ولم يحدث في مدة الخمسين سنة الماضية ما يدل على أن هذه الطريقة لها معائب، فإن اتبعت بالمحاكم الأهلية توفر أيضًا عناء الاطلاع بأقلام الكتاب وهو عظيم.
محاضر الجلسات:
في الواقع محاضر الجلسات في المحاكم المختلطة لا يطلع عليها أحد لأنها مختصرة جدًا, وسنبين أن التطويل المتبع في المحاكم الأهلية لا فائدة منه, هذا فضلاً عن أنه بسبب أن سراي المحكمة المختلطة موجودة في بناء واحد فيسهل على المحامي الحضور بنفسه في كل قضاياه ويكون متتبعًا لجلساتها فلا يحتاج إلى اطلاع على محاضر الجلسات.
3 - محاضر الجلسات
تحرير محاضر الجلسات عمل سهل جدًا في المحاكم المختلطة وشاق جدًا في المحاكم الأهلية, سبب ذلك النظام في حد ذاته وعادة تحرير المذكرات بالمحاكم المختلطة.
إذا قورن عمل كاتب الجلسة بالمحاكم المختلطة بعمل زميله بالمحاكم الأهلية ظهر أن الأول في نعمة والثاني في عناء مستديم.
بينما الأول يشتغل جلسة واحدة في الأسبوع لا تقل جلسات الثاني عن خمسة، فهل مع هذه المقارنة يمكن للكاتب الأهلي أن يتقن عمله كزميله المختلط ؟
بينما الأول يقتصر عمله على إثبات أسماء المحامين والخصوم الذين يحضرون وطلباتهم فقط كالتصميم على ما هو وارد في عريضة الدعوى، أو طلب رفضها أو عدم قبولها… إلخ… نجد الثاني مكلفًا بتلخيص كل المرافعات في عدد عظيم من القضايا, وهو عمل مهلك مضنٍ يمنع يقينًا كاتب الجلسة الأهلي من ملاحظات هامة يقوم بها زميله المختلط، خصوصًا، وأن عمله هذا - أي تلخيص كل المرافعات - هو في الواقع غير ضروري ولم يوجبه إلا عدم اعتياد حضرات المحامين الأهليين تحرير مذكرات في كل القضايا.
يُضاف إلى ذلك عادةً الحكم آخر الجلسة فإنها معدومة في المحاكم المختلطة.
فإذا اتبع المحامون الأهليون - كما في المختلط - عادةً تحرير مذكرة في كل قضية حتى في الأحكام الغيابية، فإنه في هذه الحالة يقدم المحامي المختلط نوتة يشرح بها طلباته التي تكون غامضة في عريضة الدعوى.
وإذا ترك حضرات القضاة عادةً الحكم آخر الجلسة خصوصًا وأنها لا تتفق مع التفكير العميق والمراجعة الدقيقة الواجبة لكل قضية.
إذا اتبع ذلك ينعدم موجب تحرير محاضر الجلسات بصفة مطولة، ويرتاح حضرات كتاب الجلسات من هذا العناء خصوصًا وأنه مهما كان كاتب الجلسة ذكيًا وحريصًا فإنه لا يستطيع أبدًا تلخيص مرافعات المحامين في هذا العدد العظيم من القضايا بطريقة تكفل منع الغلط أو السهو، وهذا فيه تأثير كبير على العدالة.
في المحاكم المختلطة لا يثبت الكاتب خلاف ما تقدم إلا ما ينبهه حضرات المحامين لضرورة إثباته بطريقة ظاهرة، وعند هذا الطلب يتحرك الكاتب ويلتفت ويكتب باحتياط وقد يراجع المحامي بالجلسة، وفي الغالب يعرض عليه المحضر قبل ختمه منعًا للغلط أو الخطأ.
كل هذه خطرات تجول بالفكر أظن أنه يتعسر تحقيقها عمليًا بالمحاكم الأهلية, لأنه كيف نطلب من القاضي أن لا يحكم آخر الجلسة إذا كان عنده خمسة جلسات في الأسبوع.
يمتاز الكاتب المختلط على زميله بأنه يعلم دقائق أغلب القضايا وله دور هام في استكمال الدوسيه, وسيكون لهذا مقالة خاصة نقارن فيها بين مرتباتهم وشهادتهم العلمية.
وعلى ذكر كثرة عمل القاضي الأهلي سنفرد مقالاً للمقارنة بين عمل القاضيين.
4 - مقارنة أنواع القضايا
إذا نظرنا إلى القضايا الجنائية يصح أن نقول إنها تكون معدومة بالمحاكم المختلطة وكثيرة كثرة هائلة بالمحاكم الأهلية.
ولكن إذا قورنت هذه القضايا الجنائية بمثيلاتها بالمحاكم الأوروبية كالفرنساوية مثلاً، نجد الفرق هائلاً, فهناك أغلب الجرائم له أهمية، إما من حيث شخص المجرم، أو بالنسبة لفظاعة جرمه, وفي الغالب تكون أهمية هذه القضايا في الدافع إليها، فإنك غالبًا تجد المجرم هناك يكتسب عطف المحلفين، خصوصًا إذا كان الباعث له على الإجرام - كما هو الواقع في كثير من الأحوال - شريفًا.
أما هنا فإن أغلب القضايا تتراوح بين السرقات والمضاربات, والمجرمون فيها ليست لهم شخصية هامة إلا بعض قضايا نادرة، وهذه يكفيها بعض المحامين الذين اشتهروا بحق بإتقان الدفاع الجنائي.
أما باقي القضايا فإن العمل فيها لا يلذ القاضي ولا المحامي إما لصغر الدعوى أو لصغر نفس المتهم أو لدناءة الجريمة في حد ذاتها.
نعتذر عن الخروج عن الموضوع الذي رسمناه لأنفسنا وهو المقارنة بين المحاكم الأهلية المختلطة فقط, وبما أننا قد انتهينا من مقارنة الأعمال الجنائية نقول إن هناك فروقًا عظيمة بين نوعي العمل المدني والتجاري في القضاءين.
فالعمل التجاري يكاد يكون معدومًا في المحاكم الأهلية بينما تجد له دوائر وأقلام كتاب خاصة بالمحاكم المختلطة, وربما كان هذا موضوع مقال خاص.
كذلك تجد أقلامًا لا أثر لها بالمحاكم الأهلية مثل أقلام التفاليس والمزادات والتوزيعات والأمور المستعجلة وغيرها مما سيكون أيضًا موضوع مقالات خاصة.
وعلى ذكر القضايا التجارية نقول إن المحامي المصري المشتغل بالمحاكم المختلطة نصيبه منها قليل، لأنه ويا للأسف لا يحتك مصري بأجنبي إلا ويكون دائمًا الأول مدينًا والثاني دائنًا, وبصرف النظر عن الكفاءة يميل المتقاضون إلى المحامين الذين من جنسياتهم, فالموكل المصري دائمًا مدين ومركز الدفاع عنه صعب لدرجة أنك تجد دائرة مخصوصة لقضايا الكمبيالات بالمحاكم المختلطة تصدر كل أسبوع نحو أربعين حكمًا (هذا بخلاف القضايا الجزئية) وأكثر من ثلاث أرباع هذه الأحكام على مصريين لأجانب.
بقيت القضايا المدنية فإذا قارنتها ببعضها تجد النتيجة الآتية:
وهي أن القضايا الأهلية أكبر عددًا بالنسبة لعموم القطر ولكن القضايا المختلطة أكثر قيمة.
مرجع ذلك الوحيد هو أن الأجانب هم وسط الثروة والمعاملات الكبرى وقلما تجد عملاً هامًا ليس لأجنبي يد فيه.
تجد هناك مثلاً قضايا توزيع كثيرة تتراوح قيمتها بين 10.000 جنيه و30.000 جنيهًا فما فوق تجد قضايا ناشئة عن إجراءات نزع ملكية كميات عظيمة من الأطيان كلها مرهونة لبنوك أجنبية.
تجد قضايا المحلات التجارية العظمى التي تطالب في الغالب أعيان المصريين بمبالغ باهظة.
تجد قضايا الأجانب ضد الحكومة بالنسبة لمنازعة هامة.
- قضايا الإيجار المطلوب لشركات عقارية اختصاصها استثمار الأطيان وبيعها بالتقسيط.
- قضايا المسؤولية على الشركات الأجنبية مثل شركة الترامواي وغيرها.
- القضايا الخاصة الشهيرة مثل: قضية الضرائب ضد شركة هليوبوليس - قضية صندوق الدين ضد الحكومة بخصوص مصاريف حملة السودان - قضية توت عنخ آمون - قضية أسهم قنال السويس - أسهم شركة هليوبوليس - الويركو - قضية مدام فولك بخصوص استقلال مصر.
- قضية معمل الغزل لما ضربت عليه الحكومة ضريبة أيام اللورد كرومر.
- قضية مسؤولية حادث السباق التي رفعت على الحكومة المصرية والنادي - قضية البحث عن المسؤول في حريق هائل حصل بمخازن القطن بإسكندرية… وغير ذلك مما يطول عدده.
بالأسف في أغلب هذه القضايا العنصر المصري مدين والمحامي المصري يضعف مركزه بضعف مركز موكله المصري.
خذ مثلاً جلسة المزادات بالمحاكم المختلطة تجد محامي البنك العقاري كل مأموريته في هذه الجلسة أن يحضر ويطلب البيع أو تأجيله أو إيقافه, أما خصمه فهو في الغالب محامٍ يطلب عن مصري إما إعطاء مهلة، أو بطلان الإجراءات، أو إيقاف البيع لرفع دعوى استحقاق, ومأموريته هذه شاقة بينما رد محامي البنك العقاري لا يكلفه أقل عناء، لأن المحاكم تعلم أن هذا البنك له أقلام منتظمة تبحث العقود بحثًا دقيقًا قبل تتميمها (فضلاً عن أنه في الغالب لا يكون في طلب خصم البنك أي وجاهة)، على هذا القياس يمكنك أن تقارن بين عمل المحامي المصري وزميله الأجنبي بالمحاكم المختلطة.
أما في المحاكم الأهلية فإنك وإن وجدت قضايا عديدة إلا أنك لا تجد قضايا ذات قيمة تشجع على دقة البحث وعناية الخدمة، مثلما تجد بالمحاكم المختلطة يرجع ذلك إلى فقر الأهالي وإلى أن رقى مختلف الطبقات وطوائف الأمة سلسلة مرتبطة ببعضها ومعقدة يصعب إصلاحها إن لم تدركها العناية الإلهية.
يُضاف إلى ذلك توسع المحاكم المختلطة في نظرية الصالح الأجنبي (وقبولها بلا استثناء نظرية المسخر الذي يحول له دين قابل للتحويل بقصد تحصيله).
وتُضاف الطرق التي يتبعها المحامون بالمحاكم المختلطة لخلق صالح أجنبي مثل إدخال صاحب رهن عقاري أو غير ذلك من الأسباب التي تسلب من المحاكم الأهلية عددًا عظيمًا من القضايا.
أضف إلى ذلك وجود أقلام العقود الرسمية بالمحاكم المختلطة والتي لم أفهم لغاية الآن ما هي العلة في عدم وجودها بالمحاكم الأهلية، وربما كان ذلك موضوع مقالة خاصة.
هذه بعض مقارنات مختصرة عن أنواع العمل بالمحكمتين وأرى أنه لن يتغير الحال إلا إذا تغيرت أحوالنا جميعها وأصبحنا أصحاب (ثروات وهيهات أن يكون هذا إلا بعد زمن بعيد).
عبد الكريم رؤوف
المحامي
السنة السادسة - إبريل 1926
الفروق العلمية بين المحاكم المختلطة والأهلية
قد تجد فروقًا عملية بين محاكم الجهة القضائية الواحدة, فتجد مثلاً أن طريقة تقبلها محكمة مصر المختلطة ترفضها محكمة المنصورة المختلطة، فلا عجب إذن إن وجدت فروق متعددة بين المحاكم الأهلية والمحاكم المختلطة.
المقارنة مفيدة جدًا إذا أعارتها وزارة الحقانية ونقابة المحامين وحضرات رؤساء المحاكم ما تستحقه من العناية.
لا يفهم من هذا أن كل مقارنة مقصود بها إثبات أن ما عندهم أحسن ما عندنا, بل بالعكس ستجد من بعض مقارنات أن طرقًا وعادات متبعة في المحاكم الأهلية تفضل كثيرًا نظيراتها في المحاكم المختلطة.
إذا تقرر هذا نبدأ في بيان بعض هذه المقارنات حسب ما ترد إلى الفكر بدون ترتيب خاص.
1 - إعادة الإعلان
عادةً لها نتائج خطيرة ومشاغل لا أصل لها لا ترتكز على أي نص من نصوص القانون.
قد يُحصل كثيرًا في المحاكم المختلطة أن لا تنعقد جلسة لسبب من الأسباب فيعلق قلم الكتاب إعلانًا على باب الجلسة بأنه بأمر حضرة رئيسها قد تأجلت القضايا ليوم آخر, وفي الغالب يكون لجلسة خاصة تعقدها المحكمة في اليوم التالي بدل الجلسة المعطلة.
أما عندنا في المحاكم الأهلية فإن التأجيل الإداري هو أكبر فرج ينتظره المدعى عليه, فإن الدعوى تؤجل أولاً شهرًا أو أكثر, ثم تؤجل مرة أخرى لإعادة الإعلان و50 % من الأحوال لا يصح الإعلان, أو يتوفى بعض الخصوم أو تزول الصفة فتؤجل مرات أخرى ويأتي فصل الإجازات وهكذا يكون اكتسب المدين بسبب هذه الصدفة مماطلة سنة والحياة لا تتسع كثيرًا لمثل هذه الآجال.
هذه العادة لم يوجدها في الواقع إلا نظام الرسوم النسبية بالمحاكم الأهلية.
فإنه من المعلوم أن في المحاكم المختلطة تستحق الرسوم النسبية في أحوال كثيرة ولكن بعد الحكم في الدعوى وقبل ذلك كل الرسوم مقررة.
وبما أنه لا يوجد في القانون ولا نص واحد يلزم المدعي بإعادة إعلان المدعى عليه في حالة التأجيل الإداري فإن القاضي المختلط لم يسمح لنفسه بأن يلزم المدعي بصرف مصاريف جديدة.
أما في المحاكم الأهلية فأغلب الرسوم نسبية, وكل الإعلانات تتم تبعًا للرسم النسبي، فهذه السهولة أوجدت إعادة الإعلان مع ما في هذه الطريقة من المضار والمشاغل التي لا مبرر لها ولم يحتمها القانون.
إن المدعى عليه ملزم بتتبع قضيته ولا يعقل - إن لم يرتكن على إعادة الإعلان - أن يترك نفسه يحاكم بلا دفاع.
إعادة الإعلان مشغولية هائلة لمكاتب المحامين ومشغولية أكثر لأقلام المحضرين وينتج عنها التعطيل الذي نوهنا عنه في صدر هذه المذكرة.
فهل آن الأوان لأن تبطلها وزارة الحقانية بمنشور يرسل إلى جميع المحاكم.
2 - الاطلاع
هذه مسألة قد تقول إننا تقدمنا عليهم فيها وقد تقول العكس, وكلا القولين صحيح, ويتفرع منها في الواقع مسائل متنوعة، حبذا لو أعارتها نقابة المحامين الاهتمام الواجب, فتوفر على المحامين تعبًا عظيمًا، ومصاريف أعظم، وتخلق جوًا أخويًا بين المحامين, غير موجود بالمحاكم الأهلية كما هو موجود بالمحاكم المختلطة.
يوجد بالمحاكم الأهلية الكلية قلم اطلاع لا يوجد نظيره بالمحاكم الجزئية, وكثيرًا ما يتعطل كتبة المحامين وتتأخر الأعمال بسبب أن أيام الاطلاع في المحاكم الجزئية مخصوصة وقد يتفق أن أيام الاطلاع تكون واحدة في محكمتين فيتعذر العمل.
الاطلاع يشمل مسائل ثلاث لا رابع لها وهي المذكرات والمستندات ومحاضر الجلسات، أما الإعلانات فإن صورها تكون في الغالب بالمكاتب.
المذكرات:
المذكرات لا تودع بالمحاكم المختلطة سواء قبل المرافعة أو بعدها إلا إذا كانت ممضاة من الخصم, ويرفضها قلم الكتاب إن لم تكن كذلك, ويمكن الاستغناء عن إمضاء الخصم إن قرر المحامي بأن صورة مذكرته أرسلت بالبوستة لخصمه أو تركت بمكتبه, هذا إذا لم تكن هناك مواعيد محددة, أما إذا كانت هناك مواعيد أو كانت بعد المرافعة فإن إمضاء الخصم يحتمها في الغالب قلم الكتاب.
وإن امتنع الخصم فهناك من يمضي نيابةً ورغمًا عنه وهو النقيب أو مندوب النقابة, فإن المحامي يتوجه إليه ويعرض عليه امتناع خصمه، ومندوب النقابة يسأله تلفونيًا فإن لم يكن عنده عذر مقبول يمضي عنه ويرسل إليه الصورة بالبوستة وقلم الكتاب يقبل هذا الإمضاء وتسمى visa d’office.
وهنا أستدرك فأقول إن نظام الرسوم النسبية أوجد بالمحاكم الأهلية عادة إعلان المذكرات بين المحامين وبعض, وهذا لا أثر لها بالمحاكم المختلطة، وطبعًا فيها متاعب على المحامين والمحضرين فضلاً عن عدم لياقتها وعدم وجوبها.
هذه العادة معدومة أصلاً من المحاكم المختلطة لدرجة أنه لو كان خصمك يترافع بدون محامٍ فيكتفي قلم الكتاب بإيصال سيكورتاه البوستة بما يفيد أن المحامي أرسل إلى خصمه صورة من المذكرة إذا اتبعت هذه الطريقة توفر على المحامين الاطلاع على المذكرات بأقلام الكتاب, بل توفر هذا التعب كليةً, لأن عمل الصورة لا يكلف المحامي شيئًا إذ أنها في الغالب تكتب على الآلة الكاتبة أو بالتابيروجراف، واستخراج صورة زيادة لا يكلف أي مجهود.
المستندات:
هناك أيضًا عادةً تبادل المستندات قبل إيداعها فيتوفر على المحامين الاطلاع عليها بأقلام الكتاب بواسطة وكلائهم, ولا يقبل قلم الكتاب إيداع مستندات بدون إمضاء الخصم أو على الأقل بدون إخطاره بخطاب موصى عليه وتقديم إيصال السيكورتاه - على أن من يتبع هذا الطريق من المحامين نادرًا جدًا ومنظور إليه من إخوانه بعين غير راضية ويعامل من جميع إخوانه بالمثل.
ولم يحدث في مدة الخمسين سنة الماضية ما يدل على أن هذه الطريقة لها معائب، فإن اتبعت بالمحاكم الأهلية توفر أيضًا عناء الاطلاع بأقلام الكتاب وهو عظيم.
محاضر الجلسات:
في الواقع محاضر الجلسات في المحاكم المختلطة لا يطلع عليها أحد لأنها مختصرة جدًا, وسنبين أن التطويل المتبع في المحاكم الأهلية لا فائدة منه, هذا فضلاً عن أنه بسبب أن سراي المحكمة المختلطة موجودة في بناء واحد فيسهل على المحامي الحضور بنفسه في كل قضاياه ويكون متتبعًا لجلساتها فلا يحتاج إلى اطلاع على محاضر الجلسات.
3 - محاضر الجلسات
تحرير محاضر الجلسات عمل سهل جدًا في المحاكم المختلطة وشاق جدًا في المحاكم الأهلية, سبب ذلك النظام في حد ذاته وعادة تحرير المذكرات بالمحاكم المختلطة.
إذا قورن عمل كاتب الجلسة بالمحاكم المختلطة بعمل زميله بالمحاكم الأهلية ظهر أن الأول في نعمة والثاني في عناء مستديم.
بينما الأول يشتغل جلسة واحدة في الأسبوع لا تقل جلسات الثاني عن خمسة، فهل مع هذه المقارنة يمكن للكاتب الأهلي أن يتقن عمله كزميله المختلط ؟
بينما الأول يقتصر عمله على إثبات أسماء المحامين والخصوم الذين يحضرون وطلباتهم فقط كالتصميم على ما هو وارد في عريضة الدعوى، أو طلب رفضها أو عدم قبولها… إلخ… نجد الثاني مكلفًا بتلخيص كل المرافعات في عدد عظيم من القضايا, وهو عمل مهلك مضنٍ يمنع يقينًا كاتب الجلسة الأهلي من ملاحظات هامة يقوم بها زميله المختلط، خصوصًا، وأن عمله هذا - أي تلخيص كل المرافعات - هو في الواقع غير ضروري ولم يوجبه إلا عدم اعتياد حضرات المحامين الأهليين تحرير مذكرات في كل القضايا.
يُضاف إلى ذلك عادةً الحكم آخر الجلسة فإنها معدومة في المحاكم المختلطة.
فإذا اتبع المحامون الأهليون - كما في المختلط - عادةً تحرير مذكرة في كل قضية حتى في الأحكام الغيابية، فإنه في هذه الحالة يقدم المحامي المختلط نوتة يشرح بها طلباته التي تكون غامضة في عريضة الدعوى.
وإذا ترك حضرات القضاة عادةً الحكم آخر الجلسة خصوصًا وأنها لا تتفق مع التفكير العميق والمراجعة الدقيقة الواجبة لكل قضية.
إذا اتبع ذلك ينعدم موجب تحرير محاضر الجلسات بصفة مطولة، ويرتاح حضرات كتاب الجلسات من هذا العناء خصوصًا وأنه مهما كان كاتب الجلسة ذكيًا وحريصًا فإنه لا يستطيع أبدًا تلخيص مرافعات المحامين في هذا العدد العظيم من القضايا بطريقة تكفل منع الغلط أو السهو، وهذا فيه تأثير كبير على العدالة.
في المحاكم المختلطة لا يثبت الكاتب خلاف ما تقدم إلا ما ينبهه حضرات المحامين لضرورة إثباته بطريقة ظاهرة، وعند هذا الطلب يتحرك الكاتب ويلتفت ويكتب باحتياط وقد يراجع المحامي بالجلسة، وفي الغالب يعرض عليه المحضر قبل ختمه منعًا للغلط أو الخطأ.
كل هذه خطرات تجول بالفكر أظن أنه يتعسر تحقيقها عمليًا بالمحاكم الأهلية, لأنه كيف نطلب من القاضي أن لا يحكم آخر الجلسة إذا كان عنده خمسة جلسات في الأسبوع.
يمتاز الكاتب المختلط على زميله بأنه يعلم دقائق أغلب القضايا وله دور هام في استكمال الدوسيه, وسيكون لهذا مقالة خاصة نقارن فيها بين مرتباتهم وشهادتهم العلمية.
وعلى ذكر كثرة عمل القاضي الأهلي سنفرد مقالاً للمقارنة بين عمل القاضيين.
4 - مقارنة أنواع القضايا
إذا نظرنا إلى القضايا الجنائية يصح أن نقول إنها تكون معدومة بالمحاكم المختلطة وكثيرة كثرة هائلة بالمحاكم الأهلية.
ولكن إذا قورنت هذه القضايا الجنائية بمثيلاتها بالمحاكم الأوروبية كالفرنساوية مثلاً، نجد الفرق هائلاً, فهناك أغلب الجرائم له أهمية، إما من حيث شخص المجرم، أو بالنسبة لفظاعة جرمه, وفي الغالب تكون أهمية هذه القضايا في الدافع إليها، فإنك غالبًا تجد المجرم هناك يكتسب عطف المحلفين، خصوصًا إذا كان الباعث له على الإجرام - كما هو الواقع في كثير من الأحوال - شريفًا.
أما هنا فإن أغلب القضايا تتراوح بين السرقات والمضاربات, والمجرمون فيها ليست لهم شخصية هامة إلا بعض قضايا نادرة، وهذه يكفيها بعض المحامين الذين اشتهروا بحق بإتقان الدفاع الجنائي.
أما باقي القضايا فإن العمل فيها لا يلذ القاضي ولا المحامي إما لصغر الدعوى أو لصغر نفس المتهم أو لدناءة الجريمة في حد ذاتها.
نعتذر عن الخروج عن الموضوع الذي رسمناه لأنفسنا وهو المقارنة بين المحاكم الأهلية المختلطة فقط, وبما أننا قد انتهينا من مقارنة الأعمال الجنائية نقول إن هناك فروقًا عظيمة بين نوعي العمل المدني والتجاري في القضاءين.
فالعمل التجاري يكاد يكون معدومًا في المحاكم الأهلية بينما تجد له دوائر وأقلام كتاب خاصة بالمحاكم المختلطة, وربما كان هذا موضوع مقال خاص.
كذلك تجد أقلامًا لا أثر لها بالمحاكم الأهلية مثل أقلام التفاليس والمزادات والتوزيعات والأمور المستعجلة وغيرها مما سيكون أيضًا موضوع مقالات خاصة.
وعلى ذكر القضايا التجارية نقول إن المحامي المصري المشتغل بالمحاكم المختلطة نصيبه منها قليل، لأنه ويا للأسف لا يحتك مصري بأجنبي إلا ويكون دائمًا الأول مدينًا والثاني دائنًا, وبصرف النظر عن الكفاءة يميل المتقاضون إلى المحامين الذين من جنسياتهم, فالموكل المصري دائمًا مدين ومركز الدفاع عنه صعب لدرجة أنك تجد دائرة مخصوصة لقضايا الكمبيالات بالمحاكم المختلطة تصدر كل أسبوع نحو أربعين حكمًا (هذا بخلاف القضايا الجزئية) وأكثر من ثلاث أرباع هذه الأحكام على مصريين لأجانب.
بقيت القضايا المدنية فإذا قارنتها ببعضها تجد النتيجة الآتية:
وهي أن القضايا الأهلية أكبر عددًا بالنسبة لعموم القطر ولكن القضايا المختلطة أكثر قيمة.
مرجع ذلك الوحيد هو أن الأجانب هم وسط الثروة والمعاملات الكبرى وقلما تجد عملاً هامًا ليس لأجنبي يد فيه.
تجد هناك مثلاً قضايا توزيع كثيرة تتراوح قيمتها بين 10.000 جنيه و30.000 جنيهًا فما فوق تجد قضايا ناشئة عن إجراءات نزع ملكية كميات عظيمة من الأطيان كلها مرهونة لبنوك أجنبية.
تجد قضايا المحلات التجارية العظمى التي تطالب في الغالب أعيان المصريين بمبالغ باهظة.
تجد قضايا الأجانب ضد الحكومة بالنسبة لمنازعة هامة.
- قضايا الإيجار المطلوب لشركات عقارية اختصاصها استثمار الأطيان وبيعها بالتقسيط.
- قضايا المسؤولية على الشركات الأجنبية مثل شركة الترامواي وغيرها.
- القضايا الخاصة الشهيرة مثل: قضية الضرائب ضد شركة هليوبوليس - قضية صندوق الدين ضد الحكومة بخصوص مصاريف حملة السودان - قضية توت عنخ آمون - قضية أسهم قنال السويس - أسهم شركة هليوبوليس - الويركو - قضية مدام فولك بخصوص استقلال مصر.
- قضية معمل الغزل لما ضربت عليه الحكومة ضريبة أيام اللورد كرومر.
- قضية مسؤولية حادث السباق التي رفعت على الحكومة المصرية والنادي - قضية البحث عن المسؤول في حريق هائل حصل بمخازن القطن بإسكندرية… وغير ذلك مما يطول عدده.
بالأسف في أغلب هذه القضايا العنصر المصري مدين والمحامي المصري يضعف مركزه بضعف مركز موكله المصري.
خذ مثلاً جلسة المزادات بالمحاكم المختلطة تجد محامي البنك العقاري كل مأموريته في هذه الجلسة أن يحضر ويطلب البيع أو تأجيله أو إيقافه, أما خصمه فهو في الغالب محامٍ يطلب عن مصري إما إعطاء مهلة، أو بطلان الإجراءات، أو إيقاف البيع لرفع دعوى استحقاق, ومأموريته هذه شاقة بينما رد محامي البنك العقاري لا يكلفه أقل عناء، لأن المحاكم تعلم أن هذا البنك له أقلام منتظمة تبحث العقود بحثًا دقيقًا قبل تتميمها (فضلاً عن أنه في الغالب لا يكون في طلب خصم البنك أي وجاهة)، على هذا القياس يمكنك أن تقارن بين عمل المحامي المصري وزميله الأجنبي بالمحاكم المختلطة.
أما في المحاكم الأهلية فإنك وإن وجدت قضايا عديدة إلا أنك لا تجد قضايا ذات قيمة تشجع على دقة البحث وعناية الخدمة، مثلما تجد بالمحاكم المختلطة يرجع ذلك إلى فقر الأهالي وإلى أن رقى مختلف الطبقات وطوائف الأمة سلسلة مرتبطة ببعضها ومعقدة يصعب إصلاحها إن لم تدركها العناية الإلهية.
يُضاف إلى ذلك توسع المحاكم المختلطة في نظرية الصالح الأجنبي (وقبولها بلا استثناء نظرية المسخر الذي يحول له دين قابل للتحويل بقصد تحصيله).
وتُضاف الطرق التي يتبعها المحامون بالمحاكم المختلطة لخلق صالح أجنبي مثل إدخال صاحب رهن عقاري أو غير ذلك من الأسباب التي تسلب من المحاكم الأهلية عددًا عظيمًا من القضايا.
أضف إلى ذلك وجود أقلام العقود الرسمية بالمحاكم المختلطة والتي لم أفهم لغاية الآن ما هي العلة في عدم وجودها بالمحاكم الأهلية، وربما كان ذلك موضوع مقالة خاصة.
هذه بعض مقارنات مختصرة عن أنواع العمل بالمحكمتين وأرى أنه لن يتغير الحال إلا إذا تغيرت أحوالنا جميعها وأصبحنا أصحاب (ثروات وهيهات أن يكون هذا إلا بعد زمن بعيد).
عبد الكريم رؤوف
المحامي
مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الثالثة - يوليه سنة 1923
تسجيل تنبيه نزع الملكية وآثاره في القانون الأهلي
1 - هل يترتب على تسجيل التنبيه في القانون الأهلي غل يد المدين عن التصرف في العقار المراد التنفيذ عليه ؟
اختلفت الآراء في هذا الموضوع اختلافًا كبيرًا, فقال البعض بأن تسجيل التنبيه يمنع المدين من التصرف في العقار المذكور في ورقة التنبيه, ورأى آخرون أنه لا يترتب عليه هذا الأثر نظرًا لعدم النص عليه.
وقد كتبنا في هذا الموضوع طويلاً في كتابنا (طرق التنفيذ والتحفظ) وأخذنا بالرأي الثاني للأسباب التي ذكرناها فيه.
ثم ظهر في عالم الوجود مؤلف الأستاذ الدكتور عبد السلام ذهني في (المداينات) أي (الالتزامات) فأخذ في الجزء الثاني منه بالرأي الأول القائل بمنع التصرف، وظهر من بعده مقال لحضرة الأستاذ الدكتور عبد الفتاح بك السيد نشر في مجلة المحاماة في عددها السادس من السنة الثالثة ذكر فيه أنه ما زال متشبثًا برأيه الذي أبداه في حكم أصدره مذ كان قاضيًا في محكمة شبين الكوم الجزئية وأنه يعود إليه ولو مؤخرًا ليعززه بما يدفع عنه تأثير الردود التي جئنا بها في كتاب (طرق التنفيذ والتحفظ) وإننا نثني على همة الأستاذين ثناءً عظيمًا لما ألقيا على الموضوع من نور, ومع ذلك لا نرى محلاً للأخذ برأيهما فيه, ونؤمل أننا سنستطيع أن نأتي هنا بإيضاحات جديدة يتمكن بها غيرنا من مشاركتنا في البحث علنا نصل جميعًا إلى إدراك الرأي الصحيح بلا كبير عناء.
2 - يعلم الجميع أن مبدأ منع التصرف قد جاءنا من نص المادة (686)، وما بعدها من قانون المرافعات الفرنسي الذي عدل في سنة 1841, وجعل فيه منع التصرف أثرًا من آثار تسجيل محضر الحجز، وجاءت من بعد ذلك المادة (34) من قانون الحجز العقاري لصالح البنوك العقارية الصادر في 28 فبراير سنة 1852, فجعلت منع التصرف يترتب على تسجيل التنبيه الذي يجريه البنك العقاري، وأن هذا المبدأ قد أدخل في القانون المختلط في مادة (608) في سنة 1886, وأن الشارع الأهلي لم ينص مطلقًا على أن منع التصرف يترتب على أي إجراء من إجراءات نزع الملكية العقارية.
3 - ونحن نريد هنا أن نبين أولاً ما هي المسائل المتفق عليها في هذا الموضوع في أحكام فرنسا وعن شراحها وما يختلفون فيه حتى يتسنى لنا أن ندرك مقدار الخطأ والصواب في الرأي الذي يصح أن يتخذ في القانون الأهلي الذي لا ينص على منع التصرف، ونعتقد أنه إذا تبين مقدار الخلف الموجود في تفسير هذا الموضوع في القانون الفرنسي فإن حالة الرأي الذي يتخذ عندنا لا تلبث أن تظهر ويتضح الخطأ من الصواب.
4 - القانون الفرنسي ينص على منع التصرف.
ومن المسلم به فيه أنه إذا حصل التصرف بعد تسجيل محضر الحجز فهو باطل غير أن هذا البطلان ليس بطلانًا تامًا ولا جوهريًا ولا هو غير قابل للزوال, وأنه على العكس بإجماع الآراء بطلان نسبي لا ينتفع به غير الأشخاص المذكورين على سبيل الحصر في المادة المقابلة للمادة (608) مختلط وهم: الدائن الطالب والدائنون الآخرون الذين أعلنوا المدين بالتنبيه والدائنون المسجلون [(1)]، ولا يجوز التمسك بهذا البطلان لا للمدين ولا للمشتري من المدين.
كذلك من المسلم به فيه أنه لغاية تسجيل محضر الحجز يكون المدين حرًا في التصرف وإعطاء الرهون بلا قيد ولا شرط, ولذلك ليس للدائنين أن يعتبروا التصرفات الحاصلة منه حتى بعد الحجز باطلة ما دامت قد وقعت قبل تسجيل الحجز, ولا يستثنى من ذلك غير حالات التواطؤ والإفلاس والصورية
وفي غير هذه الأحوال تكون التصرفات صحيحة ويبطل الحجز [(2)].
ولكن الخلاف كبير جدًا في معرفة نقطتين أساسيتين فيما يتعلق بالتصرف في القانون الفرنسي:
النقطة الأولى: ما معنى التصرف ؟
النقطة الثانية: هل المنع واقع على التصرف نفسه أم المنع يكون من مقتضاه عدم الاعتداد بالتصرفات الحاصلة قبل تسجيل الحجز إذا لم تسجل مطلقًا أو إذا لم تسجل إلا بعد تسجيل الحجز حتى ولو كانت ثابتة التاريخ من قبل التسجيل المذكور؟
أو بمعنى آخر ما هي طبيعة حق الدائن بصفته حاجزًا وهل يعتبر من الغير في مادة التسجيل ؟ وسنتناول البحث في هاتين النقطتين ثم نبين النتائج العملية للخلاف قبل أن ننتقل إلى الموضوع في القانون الأهلي.
النقطة الأولى: معنى التصرف:
5 - التصرف هنا يشمل نقل الملكية بعوض وبغير عوض وإعطاء حق عيني ينتزع من الملكية على العقار كحق الانتفاع وحق السكنى (ويشمل البيع الاختياري في المحكمة والرهن الحيازي في مصر) [(3)].
ولكن الخلاف كبير في معرفة مصير الرهن التأميني Hypothéque, هل يجوز من بعد تسجيل الحجز أو التنبيه أو لا يجوز ؟
رأى البعض أنه لا يجوز ومنهم جلاسون [(4)] وبلانيول [(5)] ومحكمة الاستئناف المختلطة في بعض أحكامها [(6)]، ورأت أغلبية العلماء والأحكام أن الرهن التأميني يجوز من بعد تسجيل الحجز [(7)].
إذا كان الأمر كذلك فإن هذه نقطة تدعو إلى أن يفكر فيها مليًا كل من يتصدى للقول بأن تسجيل التنبيه عندنا يترتب عليه منع التصرف بلا نص ذلك لأنهم ظنوا أن الغرض من نظام منع التصرف هو مجرد حماية الدائن الطالب خصوصًا الدائن العادي وتأمينه على دفع دينه حتى لا يستطيع أحد أن يفتات عليه [(8)]، ولكن الغرض ليس كذلك كما سيتضح من مناقشة الموضوع.
6 - ويستند أصحاب الرأي الأول إلى أن الرهن لا يصح أن يصدر إلا عن شخص له حق التصرف في العقار، وبما أن المدين ممنوع عن التصرف فهو ممنوع أيضًا عن الرهن.
وإن هذا الرهن مضر بحقوق الدائنين العاديين، فيجب أن يكون باطلاً لأن القانون قد وضع الدائن العادي الذي أوقع حجزًا عقاريًا في مركز خاص يمتاز به فيجب أن لا يحرمه المدين من استبقاء الضمان الذي وضع تحت أمر القضاء بتوقيع الحجز عليه, وبما أن التصرف فيه لا يضر الدائن المذكور لعدم نفاذه عليه فيجب ألا يضره الرهن أيضًا، لأن الضمان ينقص إذا صح الرهن.
وبناءً على هذا الرأي إذا توقع الرهن قبل تسجيل الحجز فلا يصح تسجيله بعد ذلك لأن الدائن العادي الذي أوقع حجزًا عقاريًا يصبح من الغير في مادة التسجيل فيكون له أن يحتج بأسبقية تسجيل الحجز [(9)].
7 - يستند أصحاب الرأي الثاني - وهو في نظرنا الرأي الصحيح - إلى أسباب ثلاثة:
الأول: تاريخي.
والثاني: منطقي.
والثالث: قانوني.
8 - فأما السبب التاريخي: فهو أن عند مناقشة مشروع القانون الذي أدخل منع التصرف قد تقرر رسميًا أن الرهن لا يدخل ضمن المنع وقد أريد إدخال تعديل من مقتضاه جعل الرهن ضمن التصرفات الممنوعة فرفض التعديل وتقدم الطلب في هذا الموضوع مرة أخرى بشكل آخر فلم يقابل في المرتين بغير الرفض, وأصبح مقررًا في الأعمال التحضيرية لقانون منع التصرف أن التصرف لا يشمل الرهن التأميني وهذه نقطة يجمع الكل على صحتها [(10)].
9 - وأما السبب المنطقي فهو أن نصوص القانون في موضوع منع التصرف لا تسمح مطلقًا بأن يكون التصرف رهنًا.
المادة (608) مختلط التي شملت ما في المواد الفرنسية (686) و(689) تقول بالحرف الواحد:
(لا يجوز للمدين من يوم تسجيل التنبيه أن يتصرف في العقارات المذكورة في التنبيه وإلا كان التصرف باطلاً من تلقاء نفسه، وبلا حاجة لحكم بذلك, غير أن هذا التصرف ينفذ إذا قام خليفة المتصرف l’acquéreur قبل اليوم المعين للبيع بإيداع مبلغ يكفي لوفاء جميع ديون وأرباح ومصاريف الدائن مريد الحجز والدائنين الآخرين الذين أعلنوا المدين بالتنبيه العقاري وسائر الدائنين المسجلة رهونهم على العقار وبشرط أن يعلنهم جميعًا بذلك الإيداع, وإذا كانت النقود المودعة مقترضة من الغير فلا يكون لهؤلاء حق الرهن إلا بعد الدائنين المسجلين وقت التصرف وإذا لم يحصل الإيداع قبل رسو المزاد فلا يعطى ميعاد للإيداع لأي سبب من الأسباب) [(11)].
فهل يسمح هذا النص بأن يكون الشخص الذي حصل إليه التصرف الممنوع دائنًا مرتهنًا ؟ كلا.
أرجو القارئ أن يستبدل كلمة التصرف بكلمة الرهن وكلمة خليفة المتصرف acquéreur بكلمة الدائن المرتهن ويقرأ المادة على هذا المنوال, فهل يستقيم التركيب ؟ وهل يكون معقولاً أن نكلف الدائن المرتهن إذا أراد استبقاء رهنه أن يدفع ديون جميع من ذكروا في المادة حتى يستبقي مرتبته العقارية, أي حتى يستبقي امتيازه على الثمن عند بيع يحصل بعد إجراءات أخرى ؟
وماذا عساها أن تكون مصلحته في دفع ديون جميع من ذكروا ؟ هذا لا يتصور مطلقًا.
إن النصوص في هذا الموضوع إنما تسمح بأن يكون المتصرف إليه شخصيًا قد انتقلت إليه (ملكية) العقار أو جزء منه أو حق عيني آخر منتزع من الملكية كالانتفاع والسكنى فيدفع ديون الدائنين المذكورين ويستبقي هذه (الملكية) جزئية كانت أو كلية, أما الدائن المرتهن فلا يطلب منه دفع الديون لاستبقاء الملكية لأنه لم يحصل على ملكية مطلقًا، وإنما حصل على تأمين لا يضر لا بالمشتري بالمزاد (لأن البيع الجبري سيخلص له العقار من كل الرهون)، ولا يضر بالدائنين المرتهنين، لأن رهونهم مفضلة على رهنه بحكم أسبقية تسجيلها، وإنما يضر حق الدائن المرتهن الجديد بحقوق الدائنين العاديين فقط.
10 - السبب القانوني هو أن الدائن العادي الذي يسعى في بيع عقار مدينه جبرًا عليه ليس له أن يطالب بمنع المدين عن إعطاء رهون جديدة بعد تسجيل الحجز, لأن الحجز الذي أوقعه لا يمكن أن يكون سببًا لتفضيله على غيره من الدائنين وليس له أن يلوم إلا نفسه لكونه قد أخطأ في الاعتماد على ذمة مدينه ولم يتطلب رهنًا يضمن له مرتبة عقارية يمتاز بها دينه على ديون غيره، وهب جدلاً أن له حقًا بمقتضى الحجز الذي أوقعه في منع مدينه من أن يرهن العقار، فهل يمكن القول بأن له باعتباره حاجزًا أي حق من الحقوق يمتاز به على أي دائن آخر يحجز على ثمن العقار تحت يد المشتري بالمزاد أو تحت يد كاتب المحكمة الذي أودع عنده الثمن, كلا فإنه من المقرر في هذا الموضوع بدون أدنى شك ولا جدال أن لكل دائن أن يوقع حجزًا أو يقدم طلبًا لينال حصته في توزيع الثمن, ولا يمتاز الدائن الحاجز على العقار على أي دائن آخر لمجرد كونه هو الذي سعى في بيع العقار, فبأي حق يكون له أن يمنع المدين من أن يعطى رهونًا يميز بها دائنًا آخر عليه ؟
الرد على هذا السؤال يتناول البحث في طبيعة حق الحاجز بصفته حاجزًا وما هو التكييف القانوني لهذا الحق وهذا ما يتبين من البحث التالي.
النقطة الثانية: طبيعة حق الحاجز
11 - الحاجز على العقار إما أن يكون دائنًا مرتهنًا وإما أن يكون دائنًا عاديًا, فإذا كان دائنًا مرتهنًا فإنه يمكن أن يعتمد مبدئيًا في القانونين الفرنسي والمختلط على سببين مختلفين لحماية حقه ضد تصرفات المدين, الأول حق الرهن والثاني حق الحجز, فالرهن ينشئ له حقًا عينيًا على العقار يسمح له بتتبعه وحجزه تحت يد أي شخص يكون ليحصل على دينه من ثمنه ولا يمتد هذا الحق إلى أكثر من ذلك, فلا يكون الرهن مانعًا المدين من التصرف في العقار بل يجوز للمدين أن يتصرف حتى بعد الحجز الحاصل من الدائن المرتهن ما دام التصرف حائزًا لتاريخ ثابت قبل تسجيل محضر الحجز بند (4)، وإذا كان للدائن المرتهن حق عيني على العقار فإن حجزه لا يحصل بمقتضى هذا الحق العيني وإنما يحصل بمقتضى كونه دائنًا، ولا يغير حصول الحجز من طبيعة حقه هذا، ذلك هو النظر الصحيح [(12)]، وبمقتضاه يكون المدين ممنوعًا من التصرف من يوم تسجيل الحجز ولكن لا يؤثر الحجز على التصرفات الحاصلة من قبله فلا يلغيها لأن الغرض هو منع التصرفات الجديدة لا التأثير على التصرفات السابقة متى كانت أسبقيتها ثابتة, ولا عبرة بكونها لم تسجل وهناك رأي آخر يقول بأن الدائن الحاجز يحصل على حق عيني بمجرد تسجيل الحجز حتى ولو كان دائنًا عاديًا وما دام أن الحق العيني ناشئ عن تسجيل الحجز فهو من حق الدائن المرتهن من حق الدائن العادي على السواء [(13)]، وهناك رأي ثالث يفرق بين الحاجزين بحسب كونهم مرتهنين أو عاديين فإذا كانوا مرتهنين جعل لهم حقًا عينيًا جديدًا ناشئًا عن تسجيل محضر الحجز بعكس ما إذا كانوا عاديين فلا يكون لهم أدنى حق عيني على العقار رغم كونهم قد حجزوا وسجلوا حجزهم [(14)]، ويقولون إن هذا الرأي هو الذي تحكم به المحاكم غالبًا في فرنسا [(15)] وهذا صحيح نظرًا للملاحظة التي أبديناها على الرأي الثاني ويعتمد هذا الرأي على المادة (3) من قانون (1855) التي تقول إن التصرفات غير المسجلة لا يعتد بها ضد الغير الذين اكتسبوا حقوقًا على العقار وأن هذه الألفاظ اختيرت خاصةً بحسب أقوال مقرر القانون المذكور، لمنع الدائنين العاديين من أن يتمسكوا بعدم التسجيل ولا شك حينئذٍ في أن تصرفات المدين غير المسجلة تكون حجة على دائنيه العاديين [(16)] أما إذا كان الحاجز دائنًا عاديًا فلا يعتمد إلا على حق الحجز، ولكن ما طبيعة هذا الحجز ؟ اختلفت الآراء فيه، فقال البعض إنه حق عيني اكتسب على العقار المراد التنفيذ عليه وحفظ بالتسجيل [(17)]، وقال آخرون إنه حق يصبح بمقتضاه الدائن العادي الذي أوقع حجزًا من طبقة (الغير) في مادة التسجيل فله أن لا يعبأ بكل تصرف لم يكن مسجلاً من قبل تسجيل الحجز أو التنبيه [(18)] وبديهي أن كلاً من الرأيين لا يعتمد إلا على النص الصريح الوارد في مادة (686)، والذي يقضي بمنع التصرف، وهذه النقطة في منتهى الأهمية، بل هي أساس كل القواعد الثابتة وهي مثار الخلاف لأن الخلاف واقع على تفسير ما يدخل تحت المنع المقرر بالنص لا ما لا يدخل تحته.
ورأى آخرون ورأيهم في نظرنا هو الرأي الصحيح أن القانون إنما أراد بالنص المذكور أن يسهل على الدائن حصول الإجراءات بحيث لا يستطيع المدين عرقلتها بالتواطؤ مع الغير فأمر بأن يعلن ذلك الغير بتسجيل محضر الحجز أو التنبيه ومتى تم هذا الإعلان فيكون ثمة قرينة قانونية قاطعة بأن التواطؤ موجود, وعلى قوة هذه القرينة يرتكن الشارع في إبطال كل ما يحصل من التصرفات بعد تسجيل الإجراءات باعتبار أنها حصلت لمصلحة شخص سيئ النية وبذلك يعفى الدائن الحاجز من إثبات سوء النية أو التواطؤ أو الضرر أو غير ذلك من شروط دعوى إبطال التصرف L’action paulienne فكأن كل ما أريد بالنص على منع التصرف هو إيجاد قرينة قانونية لصالح الحاجز تعفيه من إثبات شروط تلك الدعوى لنقض التصرفات الحاصلة بعد الإجراءات.
ينبني على ذلك أن التصرف الحاصل قبل تسجيل الحجز أو التنبيه لا تلحقه تلك القرينة لأن شرط التمسك بها هو علم المشتري أو نحوه، ذلك العلم الذي يعتبر حاصلاً بمجرد تسجيل الحجز, ويكفي ثبوت حصول التصرف قبل التسجيل حتى يعتبر التصرف صحيحًا، فإذا كان التصرف ثابت التاريخ قبل التسجيل المذكور فإنه يكون صحيحًا [(19)].
ورأى بعض المؤلفين [(20)] أن تسجيل الحجز يجعل المدين غير أهل للتصرف incapable ولكن هذا الرأي غير صحيح بدليل أنه من المسلم به كما قلنا في بند (4) هنا إن التصرف يكون صحيحًا بين المدين والمشتري أو نحوه وأن البطلان كما يذكره جلاسون نفسه نسبي محض [(21)]، ورأى البعض الآخر وهو رأي غير صائب أيضًا أن منع التصرف مبني على طبيعة الحجز وأن كل حجز يستتبع عدم جواز التصرف indisponibilité من جانب المدين [(22)]، والدليل الظاهر في القانون الفرنسي على بطلان هذا الرأي هو أن الحجز نفسه لا يمنع التصرف ولا يبطله وإنما الذي يمنعه أو يبطله هو النص الصريح الموجود في القانون والذي لا يترتب المنع إلا على تسجيل الحجز لا على الحجز نفسه [(23)] ومن المقرر أيضًا أن هذا النص استثنائي:
يقول بذلك جلاسون نفسه ويبني على كونه استثناءً أنه يجب أن يقتصر على منع البيع فإذا حصل عقد آخر بعد تسجيل الحجز كعقد الإجارة مثلاً فلا يمكن اعتباره لاغيًا من نفسه بل لا بد من رفع دعوى ببطلانه من جانب الدائنين [(24)].
12 - ولم يكن ليوجد أدنى شك في الحل المتقدم من يوم صدور قانون سنة 1841, الفرنسي الذي نص على منع التصرف إلى أن صدر قانون (23) مارس سنة 1855 الذي أوجب تسجيل حق الملكية والحقوق العينية العقارية الأخرى وكان يجب ألا يحصل أي خلاف فيما بعد نظرًا لأن الملكية كانت تنتقل قبل قانون (1855), بلا حاجة للتسجيل وكان التمييز بين المالكين لأي عقار يحصل بحسب أسبقية تاريخ التمليك, إذ كان الرهن التأميني يسجل في ذلك الوقت فكانت الملكية تعتبر ثابتة بين مدعي الملكية والدائن المرتهن بحسب تاريخ انتقال الملكية فإذا انتقلت قبل تسجيل محضر الحجز فقد أصبح واجبًا على الدائن العادي أن يرفع دعوى بطلان التصرف وواجبًا على الدائن المرتهن أن يعتبر المتصرف إليه حائزًا tiers - détentenr ويوجه إليه ما يلزم من الإجراءات مع العلم بأن الدائن المرتهن كان يحفظ حقه بالتسجيل في ذلك الوقت وكان محضر الحجز يسجل في ذلك الوقت وكان انتقال الملكية لا يسجل, فكان يجب أن تبقى الحال كما هي بينهم جميعًا بعد صدور قانون التسجيل في سنة 1855, إلا فيما يتعلق بالرهن وانتقال الملكية فإن العلاقة بين الراهن والمالك هي وحدها التي يلتفت فيها إلى أسبقية التسجيل لأن القانون المذكور وجد لتنظيم هذه العلاقة.
13 - ولكن بعض الكتاب نسى هذه الظروف وأغفل الحكمة التي من أجلها وضع نظام منع التصرف ورأى أن المقام مقام تسجيل وتنازع بين أشخاص متعددين يحفظون حقوقهم بالتسجيل مع اختلاف طبيعة تلك الحقوق فأصبحوا لا يميزون بين حق وحق إلا بأسبقية التسجيل وأغفلوا النظر إلى طبيعة الحقوق وإلى ما تستتبعه تلك الطبيعة من القواعد فنشأ عن ذلك خلط كبير واختلاف حاد.
14 - ورأي العلماء الذين يعتمد على رأيهم أن الحجز لا ينشئ حقًا عينيًا على العقار لمصلحة الحاجز [(25)] وأنه إذا كان الشارع قد أراد أن يقول بعكس ذلك فإنه كان يضع له من القواعد ما يتناسب مع القواعد المقررة قبل سنة 1855, فيقول مثلاً: لا يصح للمدين من بعد الحجز أن يتصرف في العقار (أضرارًا بالحاجز)، ولكن المادة (686) مرافعات فرنسي تقرر عكس هذه القاعدة تقول لا يصح للمدين أن يتصرف من بعد (تسجيل الحجز) لا من بعد (الحجز) فهي تجيز التصرفات الحاصلة من بعد الحجز وتجعلها نافذة على الحاجز بشرط أن تكون ذا تاريخ ثابت سابق على الحجز, ولذلك فإن النص المتقدم يقرر عدم وجود أي حق عيني لمصلحة الحاجز، وإذ كان الأمر كذلك فقد قررت محكمة النقض والإبرام الفرنسية أن الحاجز ليس له أن يتمسك بعدم تسجيل التصرف الحاصل قبل تسجيل محضر الحجز متى كان ثابت التاريخ من قبله لأن الحاجز لا يكون من (الغير) في مادة التسجيل [(26)] والاعتراض الوحيد على ذلك أن الإجارة الطويلة يجب أن تسجل وهي ليست حقًا عينيًا ولذلك فلا يكون صحيحًا أن يقال إن التمسك بالتسجيل إنما يكون لصاحب الحق العيني، ولكن هذا الاعتراض مدفوع بأمرين الأول أن القانون نص عليها بالذات والثاني أن الإجارة الطويلة تؤثر بطبيعتها في الانتفاع بالعقار فتحرم منه أصحاب الحقوق حرمانًا يكاد يشبه الحرمان الناشئ من الحقوق العينية المنتزعة من الملكية, فإذا ما سجلت أمكن كل شخص يريد اكتساب حق على العقار أن يتأكد من وجودها ويتخذ عدته بعد العلم بها, وفوق ذلك فإن جل تطبيق المادة 613/ 740 مدني المتعلقة بالإجارات ووصولات الأجرة المعجلة الواجب تسجيلها هو بالنسبة لحقوق الدائنين المرتهنين الذين يريدون التنفيذ على العقار فأراد القانون أن يشهر المستأجر عقد إجارته ووصولات ما دفع من الأجرة مقدمًا حتى يعلم بها الدائنون المرتهنون وقت حصول الرهن فإذا لم تكن الإجارة مسجلة مثل الرهن فلا عبرة بتسجيلها قبل تسجيل التنبيه أو محضر الحجز ولا تسري من بعدهما إلا لمدة تسع سنين عندنا إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه بعكس ما إذا كانت مسجلة قبل الرهن فإنها تسري بكامل مدتها [(27)].
15 - كذلك رأى العلماء الذين يعتد برأيهم أن حالة القوانين الحاضرة لا تسمح مطلقًا باعتبار الحاجز من الغير (في مادة التسجيل)، وهنا يجب التمييز الدقيق بين حالة من يسمون (الغير) بلا وصف آخر، وبين من (يسمون الغير في مادة التسجيل).
16 - فالحاجز هو من الغير ولو كان دائنًا عاديًا، بمعنى أن حجزه يكسبه صفة جديدة تسمح له بالتمسك بنص المادة (1328) مدني فرنسي المقابلة للمادة المصرية 228/ 293 أي أن له أن لا يعتد بالإيصالات التي لم يكن تاريخها ثابتًا قانونًا قبل تسجيل محضر الحجز ولا بالتصرفات الحاصلة على العقار نفسه إذا لم تكن ثابتة التاريخ كذلك, وذلك لأنه بعد تسجيل الحجز يكون له حق مستقل عن حق المدين يسمح له بعدم التمسك بالعقود العرفية التي يحررها مدينه ما لم يثبت تاريخها قبل تسجيل الحجز.
17 - ولكن الحاجز ليس من الغير (في مادة التسجيل) أي ليس من الغير بالنسبة لتطبيق المادة الثالثة من قانون 1855 (611 و737 مصري) لأن هذه المادة تذكر أشخاصًا ذوي أوصاف خاصة لا يدخل من ضمنهم الدائن العادي ولو كان قد سجل الحجز على أحد عقارات مدينه [(28)].
18 - وإذا كان بعض القوانين الأجنبية قد جاء بنصوص يمكن أن يفهم منها صراحةً أو ضمنًا أنه يجعل الدائنين العاديين من الغير في مادة التسجيل [(29)] فإنه من المؤكد أن هذه ليست القاعدة في القانون الفرنسي ولا في القانون المصري رغم كونه محكمة الاستئناف الأهلية أرادت أن تلقي شيئًا من الشك على هذه النقطة بحكمها الآتي ذكره في بند (41) من هذا المقال.
19 - ينبني على ذلك كله أن الدائن العادي الذي أوقع حجزًا على عقار مدينه ليس له أن يحتج على مشتري العقار الذي اشترى قبل تسجيل محضر الحجز حتى ولو لم يكن قد سجل قبل تسجيل محضر الحجز وليس له أن يطلب إبطال هذا الشراء لأن هذا الشراء قد حصل قبل تسجيله محضر الحجز فهو ليس ممنوعًا على الرأي الصحيح نظرًا لكون الحاجز لا يحصل على حق عيني بمقتضى حجزه ونظرًا لكونه لا يعتبر (من الغير) الذين لهم حق الاعتراض على عدم التسجيل.
خلاصة الأبحاث الفرنسية
20 - يتبين من الأبحاث المتقدمة أنه بالرغم من وجود نصوص خاصة تمنع التصرف في فرنسا من بعد تسجيل محضر الحجز أو التنبيه فإن الخلاف قائم هناك على ما إذا كان يجوز للمدين أن يمنح لدائنيه رهونًا تأمينية بعد التسجيل المذكور والرأي الصحيح الذي تؤيده آراء العلماء والمحاكم هو أن الرهن جائز بعد تسجيل الحجز.
إن الخلاف قائم أيضًا على حق الدائن في اعتبار التصرف الحاصل قبل التسجيل المذكور باطلاً إذا لم يكن مسجلاً قبل التسجيل المذكور وأن الرأي الذي عليه أكثر العلماء وكل الأحكام الصادرة من أعلى المحاكم أن التصرف يكون صحيحًا ولو لم يكن مسجلاً قبل تسجيل الحجز.
القانون المختلط قبل دكريتو 1886
21 - كان يشتمل القانون المذكور على نوعين من الإجراءات: النوع الأول يسلكه الدائن الذي ليس له رهن على العقار حتى ولو كان العقار مرهونًا لغيره, وهذا النوع طويل جدًا ويشتمل على تنبيه وتسجيل التنبيه وحجز وتسجيل الحجز وتحرير قائمة شروط وإعلان إيداعها لأرباب الديون المسجلة ومعارضات في قائمة شروط البيع ثم إجراءات البيع (مادة 605 إلى 666 مختلط قديم).
النوع الثاني سريع جدًا يسلكه الدائن الذي له رهن على العقار إذا كان البيع مقصورًا على العقار المرهون له وإجراءاته تنحصر في تنبيه يسجل ولا حجز فيه ولا تسجيل ويمكن أن يحصل البيع بعد مضي ستة أسابيع فقط من مضي خمسة عشر يومًا على التنبيه إذا لم يدفع المدين الدين وتحرر قائمة شروط يعلن إيداعها لأرباب الديون المسجلة وتحصل المعارضات قبل يوم البيع بثمانية أيام بالأقل وينظر فيها في ظرف الثمانية الأيام المذكورة بلا استئناف للحكم (مادة 667 إلى 675 مختلط قديم).
22 - ومعلوم أن الرهن القضائي كان موجودًا قبل سنة 1886, وكان كل دائن عادي يسارع إلى أخذ حكم ولو بصحة الإمضاء ويحصل على رهن ويسارع إلى اتخاذ الإجراءات السريعة, وما كان الشارع المختلط بمضطر مطلقًا لأن يوجد نصًا يقابل المادة (608) الحالية التي تنص على منع التصرف وذلك نظرًا لسرعة الإجراءات التي تستند إلى حق الرهن وهو بطبيعته يحفظ حق الدائن من أن يضره أي تصرف يحصل بعد الرهن، فإذا لم يكن ثمة تصرفات حاصلة قبل بدء الإجراءات فلا يعبأ بها بعده, وإذا حصل تصرف أنذر حائز العقار وسار في الإجراءات ضد المدين ثم الحائز وشأنه في اختيار الطريق التي يفضلها على غيرها مما ورد ذكره في القانون المدني.
23 - وقد روى لنا الأستاذ عبد الفتاح بك السيد في مقالته المنشورة في المحاماة (صـ 195) أن المحاكم المختلطة في ذلك العهد كانت تحكم بمنع المدين من التصرف على أثر تسجيل التنبيه وبعضها يحكم به على أثر تسجيل الحجز والحقيقة أن الحكمين قد جاءا في معرض البحث عن حقوق الدائنين المرتهنين وأن الدائنين الذين حكمت لمصلحتهم المحاكم المختلطة في هذين الحكمين كانا من الدائنين المرتهنين فليس في الحكمين شيء يفيد الدائن العادي الذي يريد الأستاذ حمايته.
24 - على أن الحكم الأول [(30)] في نظرنا سديد ولكن لغير الأسباب التي بنته عليها المحكمة وتتلخص وقائع الدعوى فيه أن دائنًا مرتهنًا اتخذ الإجراءات السريعة المقررة له كما جاء في بند (21) هنا ثم أوقف البيع برفع دعوى استحقاق وكان هناك دائنون مرتهنون آخرون فاشترى الدائن الأول والعقار وأراد أن يحتسب نفسه حائزًا Tiers détenteur وطلب من دائن آخر أن يقبل منه الثمن الذي يعرضه عليه طبقًا للقانون المدني, فالمحكمة قالت بعدم صحة البيع لأنه حاصل بعد تسجيل التنبيه بناءً على أن (الحجز العقاري من طبيعته أن يضع العقار المحجوز تحت يد القضاء ولا يجوز للمدين أن يتصرف فيه بدون موافقة الدائنين الآخرين فهو بالنسبة إليهم باطل بطلانًا جوهريًا مطلقًا ولا يمكن التمسك به ضده) هكذا قالت وهذا غير صحيح طبقًا لما أوردناه من أقوال علماء القانون الفرنسي ومحاكمه (بند (4) و(11) و(14) هنا)، ولكن السبب في عدم جواز شراء الدائن للعقار الذي أراد التنفيذ عليه إضرارًا بالدائنين الآخرين هو نص المادة (627) مختلط قديم الصريح الذي يجعل الدائنين المرتهنين جميعًا مشتركين في إجراءات التنفيذ بعد التأشير على هامش محضر الحجز بحصول إعلان هؤلاء الدائنين بإيداع قائمة شروط البيع إذ قبل حصول هذا التأشير يكون له الحق وحده في التنازل عن الإجراءات وشطب ما حصل تسجيله من الأوراق المتعلقة بالحجز بدون أن يتفق مع أحد من الدائنين المرتهنين الآخرين أما بعد التأشير فلا يكون ذلك صحيحًا إلا برضاء كلي منهم أو بعد أخذ حكم نهائي ضدهم جميعًا (626/ 627) هذه هي الحقيقة التي يبنى عليها الحكم الأول لا الحجز نفسه ولا تسجيل التنبيه ولا غير ذلك مما لم يرتب له أي أثر في موضوع التصرفات.
25 - الحكم الثاني [(31)] أيضًا يخص دائنًا مرتهنًا سار في الإجراءات السريعة وسجل التنبيه طبقًا للمادة (668) القديمة وكان العقار قد بيع ولم يسجل البيع إلا بعد تسجيل التنبيه بخمسة أيام والمشتري وضع يده على العقار وادعى ملكيته بخمس سنين فقالت المحكمة إن التنبيه في حكم الحجز (لأن الإجراءات السريعة لم يكن فيها حجز كما مر في بند (21) هنا)، والحجز من شأنه أن يضع العقار المرهون تحت يد القضاء ولذلك ما كان للمدين أن يتصرف وإلا كان ذلك باطلاً فلا يمكن للمشتري أن يتمسك بخمس سنين لأنه ليس لديه سبب صحيح لأن البيع ممنوع قانونًا وهذا الحكم كله خلط، لأن التمسك بالسبب الصحيح ووضع اليد لا يكون إلا لمن اشترى من غير المالك، ومقرر أن البيع حصل من المدين المالك, أما قوله إن الحجز يمنع من التصرف فهذا القول قد ظهر الخطأ فيه من إجماع علماء فرنسا وأحكامها، على أنه لا يمنع بند (4) و(14).
26 - فلا محل بعد ذلك للرجوع إلى أحكام كلها خطأ في خطأ للاستنارة بالمبادئ الخاطئة التي تقررها لنا ولدينا الينابيع الفياضة من علم الفرنسيين، مؤلفيهم ومحاكمهم.
القانون المختلط بعد دركريتو 1886
27 - لما علت الشكوى من سوء تصرف الدائنين مع المصريين وأساء الأولون استعمال النصوص القديمة أصبح التنفيذ العقاري لا يحصل إلا بالطريق السريعة ولصالح الدائن المرتهن دائمًا لأن كل دائن كان في مقدوره أن يصبح ذا رهن قضائي إذا لم يكن عنده رهن تأميني من أول الأمر (بند 22) اضطرت الحكومة إلى تعديل القانون فوحدت الإجراءات وجعلتها واحدة للدائنين العاديين والمرتهنين على السواء وفي مقابل البطء الذي أدخل عليها والتنظيم الذي أحاط بها للمحافظة على حقوق كل من يهمهم شأن العقار على العموم أخذ الشارع نصوص القانون الفرنسي المتعلقة بمنع التصرف وأدخلها بدكريتو 1886, ووضعها كلها في مادة (608) الجديدة وجعل منع التصرف أثرًا من آثار تسجيل التنبيه على نسق قانون البنوك العقارية الفرنسية الصادر في سنة 1852.
28 - أما الأحكام المختلطة الصادرة بعد دكريتو 1886, فهي متمشية تمامًا مع المبادئ الفرنسية الصحيحة في موضوع منع التصرف (بند 20 هنا) إلا فيما يتعلق بالرهن فقد صدرت بعض أحكام لا تجيز الرهن من بعد تسجيل التنبيه [(32)]، وهذان الحكمان لم يبحثا مطلقًا في موضوع جواز الرهن وعدم جوازه بعد تسجيل التنبيه (محضر الحجز في فرنسا) بل أخذًا به كقضية مسلمة وجعلاً لحق الاختصاص حكم الرهن مع أن المسألة مقطوع فيها بعكس هذا الرأي في فرنسا (بند 7 - 10 هنا)، ولذلك فلا يكون لهما قيمة علمية في هذا البحث, على أن المحكمة قررت فيهما أن منع التصرف لا ينتج بطلانًا بالمعنى الحقيقي بل مجرد وجه لعدم التمسك بالرهن Simple inopposabilité وأن هذا الوجه خاص بالدائنين الحاجزين والمرتهنين والذين أعلنوا المدين بالتنبيه فمن لم يكن منهم يسري عليه الرهن أو الاختصاص وأنه إذا سقطت الإجراءات المتخذة للتنفيذ على العقار فكل الرهون والاختصاصات تبقى صحيحة وتنتج نتائجها التامة.
29 - قلنا إنه فيما عدا الحكمين المذكورين المتعلقين بالرهن والاختصاص فليس في الأحكام المختلطة ما ينافي المبادئ الفرنسية الصحيحة.
فقد قررت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 30 نوفمبر سنة 1916 الآتي ذكره في البند الثاني أن مجرد تسجيل تنبيه الحجز العقاري لا يترتب عليه حق عيني للحاجز على العقار يكون له بمقتضاه أن يتمسك بالمادة (337) مدني مختلط ويعتمد على عدم تسجيل عقد البيع الواقع على العقار المراد التنفيذ عليه متى كان البيع حائزًا لتاريخ ثابت سابق على تسجيل التنبيه وهذا المبدأ صحيح كما قدمنا في بند (20).
30 - أما من حيث إن الأحكام المختلطة كافة تتطلب أن يكون الحائز للعقار ذا عقد مسجل (كتاب التنفيذ بند 643)، فهذا شرط ضروري وصحيح بحسب الآراء الفرنسية المعتد بها ولا علاقة له مطلقًا بموضوعنا وذلك لأن الحائز Tiers détenteur هو من انتقل إليه العقار المرهون بعوض أو بغير عوض فإذا أراد الدائن المرتهن أن ينفذ على العقار فله ذلك بشرط إنذار الحائز ولا تظهر ملكية الحائز ولا تثبت قبل الدائن المرتهن إلا إذا سجل الحائز عقد تملكه فما لم يسجله فإن الدائن المرتهن باعتباره من الغير بالنسبة لكل من تلقى أو يتلقى حقًا عينيًا على العقار، له أن يعتبر حق الحائز غير ذي أثر بالنسبة إليه حتى ولو كان يعلم أنه قد انتقل إلى يد حائز لأن العبرة بين أصحاب الحقوق العينية الذين تلقوا حقوقهم من شخص واحد هي بالتسجيل، فهذا الموضوع لا علاقة له بالكلية بموضوع منع التصرف.
31 - ولا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور عبد السلام ذهني في (المداينات) الجزء الثاني صـ (397) و(398) غير صحيح فإنه روي أن هناك دورين للقضاء المختلط: الدور الأول، أنه قرر في سنة 1916 أن مجرد تسجيل تنبيه الحجز العقاري لا يترتب عليه حق عيني للحاجز على العقار طبقًا لحكم الاستئناف المختلط الصادر في 30 نوفمبر سنة 1916 السالف ذكره (مج ت م 29 صـ 84 وجازيت 7 صـ 36 نمرة 104).
والدور الثاني أن القضاء المختلط قرر الأخذ برأي (لابيه) و(جلاسون) وقال بأن الدائن العادي نازع الملكية يكتسب حقًا عينيًا على العقار الذي ينزع ملكيته، وقال إن هذا المبدأ تقرر في حكم الاستئناف المختلط الصادر في 18 مارس سنة 1920, (مج ت م 32 صـ 209)، وذكر أن ما قرره بالنص هو (من اشترى عقارًا بعقد عرفي غير مسجل لا يجوز له الاحتجاج به ضد الدائن نازع ملكية العقار الذي اكتسب حقًا عينيًا عليه ويعتبر هذا المشتري من طبقة الغير الواردين بالمادة (737)، وأنه لم يرد بأسباب الحكم ما يشير بأن هناك خلافًا في هذا الرأي بل ورد المبدأ كأنه بديهية من البديهيات القانونية، وقال أيضًا عن إنه ذكر ذلك من غير جدل ولا تمحيص، وكان ذلك مر عليه مرور البداهة التي توحي بها روح القانون والعدل.
32 - والحقيقة أن الدور الثاني الذي يتكلم عنه الأستاذ لم يوجد بالكلية لأن الحكم يتكلم عن حالة خاصة غير الحالة التي ظنها الأستاذ ولم يقرر ما ذكره حضرته إلا مضافًا إليه (ظرف آخر) يخرج به الحكم حكمًا صحيحًا مقررًا لمبدأ آخر متفق على صحته من الجميع.
إن الحكم لم يأخذ برأي لابيه ولا جلاسون وهذا الأخير لم يذكر كما قال الأستاذ في صـ 398 إن الحاجز يكتسب حقًا عينيًا, وقد شرح الأستاذ هذه النقطة شرحًا جليًا في كتابه نفسه في صـ 389 حيث كتب ستة عشر سطرًا عن رأي جلاسون وكونه لم يقل بأن الحق عيني بل اعتمد على نظرية الغيرية.
إن الحكم لم يقل (من اشترى عقارًا بعقد عرفي غير مسجل لا يجوز له الاحتجاج به ضد الدائن نازع ملكية العقار الذي اكتسب حقًا عينيًا عليه)، ويعتبر هذا المشتري من طبقة الغير الواردين بالمادة (737) ولكن قال:
(أن الست زينب لا يمكنها أن تتمسك بعقدها ضد الدائن نازع الملكية ومشتري العقار الذي اكتسب حقًا عينيًا عليه ويجب اعتباره من الغير طبقًا للمادة (737) Créancier poursuivant adjudicataire فالأستاذ لم يلتفت للفظ Adjudicatire وظن أن القاعدة تحمي الدائن الطالب فحسب مع كونه تكلم عن المشتري بعد ذلك ومع أن المحكمة تقرر القاعدة بالنسبة للمشتري بالمزاد الذي سجل عقده بالضرورة ولم تكن السيدة زينب قد سجلت عقدها مطلقًا, فهو مفضل عليها بلا شك ولا جدال لأن كلاً منهما تلقي الحق عن المدين وأحدهما سجل والآخر لم يسجل.
33 - بذلك لا يكون في القضاء المختلط ما ينفي المبادئ الصحيحة ولا ما يؤيد فكرة الحق العيني الناشئ عن تسجيل التنبيه أو نحوه.
القضاء الأهلي
34 - في القضاء الأهلي حكمان غريبان أحدهما [(33)] لم يتناول البحث العلمي من كل الوجوه الضرورية بل أخذ بما يوحيه الاستنتاج المنطقي من الظاهر بدون التفات إلى الحكمة القانونية التي بنيت عليها النصوص وبدون التفات إلى تاريخ النصوص ومآخذها بل ولا إلى معناها, وثانيهما [(34)] ذهب مذهبًا بعيدًا جدًا عن متناول النصوص المصرية وأراد أن يدخل في القانون المصري ما ليس فيه لمجرد النزعة إلى الأخذ بمذاهب أجنبية ليس لها أصل ولا فرع في القانون المصري [(35)].
35 - أما الحكم الأول فصادر من محكمة جزئية أصدره زميلنا الأستاذ عبد الفتاح بك السيد وكان حكمه أساسًا للرأي الذي عارضناه في كتاب التنفيذ بند (704)، وما بعده مما لا محل لإعادته هنا وغاية الأمر تصح الإشارة هنا إلى أن الحكم قد بني على خطأ تاريخي إذا اعتمد على أن القانون الأهلي مأخوذ عن القانون المختلط فيجب الرجوع إليه لتفسير ما غمض منه والحقيقة أن القانون الأهلي لم يؤخذ عن القانون المختلط في هذا الموضوع بل أخذ عن القانون الإيطالي [(36)] وفوق ذلك فإن النص المانع للتصرف لم يدخل في القانون المختلط إلا سنة 1886, أي بعد ظهور القانون الأهلي بنحو ثلاث سنين فلم يكن ثمة محل للاعتماد على القانون المختلط وحتى ولو كانت الظروف كما قال الحكم.
فإن قواعد التفسير الصحيحة تأبى الاستنتاج الذي ذهب إليه حكم شبين الكوم من حيث منع التصرف.
36 - الغلطة الثانية التي يرتكز عليها حكم شبين الكوم والتي وقع فيها الأستاذ عبد السلام ذهني في المداينات بعد أن شرحناها وما حولها شرحًا طويلاً في كتاب التنفيذ والتي يظهر أن الأستاذ عبد الفتاح بك السيد قد اقتنع بحقيقة ما ذكرنا عنها ردًا عليها فيها بدليل أنه لم يناقش حجتنا ضدها، هي أنه لا يمكن أن يكون الشارع قد أراد حرمان المدين من التأجير ومن الثمار بدون أن يكون قد أراد حرمانه من التصرف في العين نفسها وقد تفنن الأستاذ ذهني في إيراد هذا الاستنتاج على أشكال مختلفة فرواه مثلاً في صحيفة (376) مرتين حيث قال عن الشارع (فإنه لم يفته طبعًا أن الحجز في الثمرة لا بد وأن يكون من باب أولى في العين)، (وإذا كان قد اهتم بحماية الدائن بشأن الغلة فكيف يفوته هذا الاهتمام بما هو أهم وأعظم وهو العين نفسها ولذلك يصح الأخذ بمنهج القياس من باب أولى)، وقال في صفحة (377) (وما دام أن الخطر أصاب الثمرة فالأمر من باب أولى في الرقبة) قال كذلك في صـ 379 (وقد بينا أن الشارع الأهلي وضع نصوصًا أخرى في حماية الدائن بالنسبة للغلة ويستحيل أن يعنى بأمر الغلة دون الملكية وهي لها تتبع كل الإجراءات والتعقيدات وهي المقصودة بالذات)، (ولذا لما اعتقد الشارع الأهلي أنه وضع جميع القواعد الحامية للدائن بالنسبة للملكية جاء وصرف همه في حمايته بالنسبة للغلة فألحق الثمرة بالعين إلخ).
37 - إن الاستنتاج المتقدم مبني على خطأ جسيم هو عدم الالتفات إلى معنى (إلحاق الثمرات بالعقار) ولمصلحة من يحصل ذلك الالتحاق هو استنتاج لا يجوز أن يصدر في معرض الأبحاث العلمية لأنها مبنية على تدقيق يفترض معه كل قارئ أنه قد حصل والواقع أنه لم يحصل مع أننا قد ألفتنا النظر إليه في كتاب التنفيذ في بند (708) فكان يجب أن يجعله كل من الأستاذين محلاً لالتفاته قبل أن يعيد الاستنتاج نفسه ويتفنن في وضعه بصيغ مختلفة.
طبعًا أنه إذا كان المراد هو حجز الثمرات تبعًا لحجز العقار لمصلحة الدائن الحاجز أيًا كان فإن استنتاجهم يكون صحيحًا ونكون نحن الخاطئين, أما وإلحاق الثمرات بالعقار لم يشرع إلا لمصلحة الدائنين المرتهنين وحدهم دون الدائنين الحاجزين ودون الدائنين العاديين الآخرين وكان مفروضًا فيه وجود حق عيني على العقار سبب الرهن وهو ثابت لكل دائن يلحق الثمر بالنسبة إليه ولا يكون ثمة أي معنى لإلحاق الثمرات بالعقار إذا لم يوجد دائنون مرتهنون فإن الحجة تهوى ولا يكون لها أدنى قيمة.
ولقد وجدنا لحسن الحظ سندًا متينًا لفكرتنا هذه في مؤلف بودرى لاكانتنرى ودي لوان جزء 27 (الثالث في الرهون) صـ 290 بند (2024) حيث قال في معرض الكلام على حقوق الدائنين المرتهنين على غلة العقار المبيعة قبل تسجيل محضر الحجز العقاري والتي لم تفصل عن الأرض إلا بعده قال إن فصل الثمرات عن العقار قبل التسجيل هو وحده المانع من الالتحاق فإذا لم تفصل الثمرات فإنها تلحق بالعقار وينتج تسجيل الحجز كل نتائجه ثم قال شارحًا (ربما يظن أن هذا الحل غريب ومجحف فإذا تذكر الإنسان أنه يجوز للمدين أن يتصرف في العقار إلى أن يسجل محضر الحجز فإنه يكون غريبًا أن يكون له حق التصرف في العقار ولا يكون له حق التصرف في الثمرات ولكن إذا تأملنا مليًا وجدنا أن المشرع كان بصيرًا لأن التصرف في العقار لا يضر الدائنين المرتهنين ضررًا جديًا إذ لهم حق تتبع العقار بين يدي أي شخص ينتقل إليه بعكس الحالة في بيع المحصول القائم على ساقه فإنه إذا كان صحيحًا يترتب عليه ضرر بليغ بالنسبة إليهم حيث يضيع عليهم حق التتبع ولا يكون لهم على المحصول أي امتياز, لذلك نص القانون على حماية حقهم بشكل مطلق لأنه يريد حمايتهم).
38 - إن النص على تقييد حق المدين في التأجير لا يقصد منه غير تنفيذ مبدأ إلحاق الثمرات بالعقار وهذا المبدأ يتلخص في أنه حكم قانوني به تعتبر الأجرة والثمرات مثل ثمن العقار المرهون فلا محل لهذا الحكم إذا كان العقار غير مرهون وتكون الأجرة خالصة للمدين إلى أن يحجز عليها الدائنون حجزًا خاصًا وفي هذه الحالة لا يفضل في توزيعها دائن حاجز على دائن حاجز آخر بل يستوي جميع الحاجزين في حقهم عليها فتقسم بينهم كلها بنسبة ديونهم, ما خص منها المدة التي أعقبت تسجيل التنبيه أو محضر الحجز وما خص المدة السابقة على ذلك التسجيل.
أما إذا كان العقار مرهونًا فإن تسجيل التنبيه أو محضر الحجز يجعل الثمرات والإيرادات في حكم العقار فيخرجها عن الضمان العام الذي للدائنين العاديين ولا يستولي عليها من الدائنين المرتهنين غير من يكون لهم حق الاستيلاء على الثمن وذلك بحسب درجة امتيازهم - وهذا الالتحاق يحصل بنص القانون بمجرد تسجيل التنبيه أو محضر الحجز - وأمر هذا الالتحاق إنما يهم الدائنين فيما بينهم ولا شأن للمدين فيه بمعنى أن الثمر إذا التحق بالعقار يكون من حق المرتهنين وحدهم فإذا لم يلتحق فإنه يكون من حق جميع الدائنين الحاجزين عليه وإذا كان من الجائز لكل دائن أن يقوم بأعمال التحفظ اللازمة فقد خول القانون لكل دائن مهما كانت صفة دينه أن ينذر المستأجر للعقار بعدم الدفع فتصبح الأجرة محجوزة تحت يده وملحقة بالعقار لفائدة المرتهنين وحدهم وبحسب ترتيبهم.
39 - ذلك معنى التحاق الثمرات بالعقار من بعد تسجيل التنبيه أو محضر الحجز وليس معناه كما ظن الأستاذان أن القانون يحرم المدين من التصرف في الثمر فيكون حرمانه من التصرف في العقار من باب أولى.
أو لم يردا أن المؤلفين الفرنسيين والمحاكم الفرنسية يجمعون بلا شذوذ على أن للمدين أن يتصرف في العقار تصرفًا صحيحًا لغاية يوم تسجيل الحجز مع كونه قد حرم في القانون الفرنسي من حرية التأجير ابتداءً من إعلانه بالتنبيه [(37)] الحقيقة إن التحاق الثمرات بالعقار وتقييد حق المدين في التأجير أمران لا دخل لهما بالكلية في مسألة منع التصرف فلا محل لاستنتاج الأخير من النصوص المتعلقة بالأمرين الأولين كما قدمنا.
40 - الغلطة الثالثة التي بني عليها الحكم الأول [(38)] والتي وقع فيها الأستاذ ذهني في (المداينات) (صـ 381 - 415) هي أنهم جاروا المؤلفين الفرنسيين في البحث في الحق الذي ينشأ عن منع التصرف على أثر تسجيل محضر الحجز في فرنسا فافترضوا منع التصرف مقطوعًا به من استنتاجاتهم لا من النص وقرروا على الرأي الضعيف الذي يقول بعكسه جميع كبار المؤلفين وبينهم جلاسون ذاته (بند 14)، والذي من مقتضاه أنه ما دام التصرف ممنوعًا فهذا المنع ينشئ حقًا عينيًا ولذلك فتسجيل التنبيه عندنا ينشئ حقًا عينيًا يعتبر به الدائن العادي الطالب في مقام أصحاب الحقوق العينية على العقار فيكون من الغير في مادة التسجيل.
أو لم يروا أن الخلاف حاصل في فرنسا مع وجود النص على منع التصرف وبسبب وجود ذلك النص ؟
أم يقولون إنه ناشئ عن الحجز وعن تسجيل التنبيه بصرف النظر عن النص على منع التصرف وكيف يقولون ذلك وقد قرأوا ويقرأون هنا أن التصرف جائز في فرنسا بعد الحجز وإذا تسجل قبل تسجيل الحجز فلا يختلف في فرنسا اثنان على صحته.
أنى لهما القول بأن الحجز يمنع التصرف لذاته وبلا نص ؟ يرتكنون على حكمين مختلطين [(39)] قد عرفت قيمتهما من الوجهة العلمية من بحثنا هذا (بند 23 - 25) ولكن الخطأ لا يصح الارتكان إليه, أنترك ينابيع العلم الفياضة ونرتكن إلى حكمين لا بحث فيهما ولا تمحيص وما جاء فيهما منقوض بكل أقوال المؤلفين والمحاكم وبإجماع مطلق ؟
41 - الحكم الثاني الصادر من محكمة الاستئناف الأهلية [(40)] والذي استند إليه الأستاذ ذهني ليثبت لنا أن الدائن العادي يصبح (من الغير) في مادة التسجيل حكم غريب كما ذكرنا في بند (34) هنا لأنه نزع نزعةً أجنبية محضة لا أصل ولا مسوغ لها في القانون المصري ولم يكن ثمة ضرورة لتلك النزعة الأجنبية ومن القواعد المصرية المسلم بها ما يؤدي إلى نفس النتيجة التي قصدها الحكم, الوقائع بسيطة شخص ادعى أنه اشترى عقارًا من الورثة وكان مورثهم مدينًا بمبلغ وأراد الدائن أن ينزع ملكية العقار فرفع المشتري دعوى باستحقاقه العقار ولم يكن لعقد تملكه تاريخ ثابت سابق على إجراءات نزع الملكية، أصابت المحكمة في الحكم برفض دعوى الاستحقاق لأن البيع غير ثابت التاريخ قبل إجراءات نزع الملكية ومن المسلم به أن الدائن الذي يباشر التنفيذ يصبح من الغير فله أن يتطلب أن التصرف يكون ثابت التاريخ (بند 16) فبدلاً من أن ترتكن المحكمة على هذه الحجة البسيطة الظاهرة ذهبت أولاً إلى البحث في هل يعتبر الدائن العادي من الغير في مادة التسجيل فقررت ذلك ثم ذكرت فضلاً عما ذكر أن البيع غير ذي تاريخ ثابت وحكمت بالرفض, الحكم في محله ولكن الأسباب الأولى في غير محلها والبحث لم يكن له ضرورة.
41 - قررت المحكمة (أن دائني الشخص معتبرون من الغير بالمعنى المراد في المادة (270) مدني وبناءً على ذلك فإن البيع الحاصل من مدينهم لا يتمسك به ضدهم إلا بعد تسجيله متى كانوا سليمي النية وكانت حقوقهم مبنية على سبب صحيح) هذه الجملة الأخيرة لا معنى لها بالكلية ويحتمل أن تكون من خطأ المترجم لأن الحكم يظهر أنه وضع بالفرنسية وترجم إلى العربية, إذ ما معنى افتراض حسن النية في الدائن الذي يتمسك بحقه وما معنى كون حقوقهم مبنية على سبب صحيح, هذا خلط لا يمكن تصوره في حق الدائن العادي [(41)] ثم انتقلت المحكمة إلى تأييد رأيها بتسفيه الرأي المخالف له فقالت (وحيث إنه إذا تقرر عكس ذلك تكون النتيجة أن التسجيل يفقد جزءًا مهمًا من فوائده إذ أن من بين ذوي المصالح الأصليين الذين يهمهم عدم إخفاء البيع الحاصل من مدينهم ليوجد الدائنون العرفيون وحيث إن القاعدة التي يتمسك بها المستأنف وهي المذكورة في القانون الفرنسي الصادر في سنة 1855, والتي انتقد عليها بلانيول انتقادًا شديدًا تفسر في الواقع بنفس نصوص القانون الوارد بها عند الكلام على الغير ما يأتي: (الغير الذين لهم حقوق على العقارات)، وحيث إن قانون الرهن البلجيكي الصادر في سنة 1851, والقانون الإسباني، والقانون الهولاندي (راجع بلانيول جزء أول فقرة 2623) أغفلوا ذكر القاعدة المنصوص عليها بالقانون الفرنسي وبناءً على ذلك لا يمكن مع وجود قاعدتين في التشريع الحالي الإغضاء عن نص المشرع المصري عند وضعه المادة (270) مدني فإنه لم ينص مطلقًا على الحقوق العينية أو الحقوق المترتبة على العقارات بل نص على الحقوق على وجه العموم وعليه فإن هذه العبارة تشمل بلا نزاع كل الحقوق الشخصية).
ثم انتقل الحكم إلى مسألة التاريخ الثابت وكان فيها سديدًا.
42 - روى الأستاذ ذهني هذا الحكم وناقشه مناقشةً طويلة ولكنه لم يكلف نفسه عناء الرجوع إلى المادة (270) وما يقابلها من القانون المختلط وما تحيل عليه هذه المادة ولو فعل لأغنانا عن هذا البحث الآن.
إن المادة (270) مدني أهلي قد أخذت من المادة (341) مختلط مع حذف الجزء الأخير من المادة المختلطة الذي ينصب علية حتمًا كل ما قبلة وفي نظرنا أن هذا الجزء الأخير من المادة المختلطة هو الذي جعل المشرع يختصر في وصف لفظ (الغير) الذي بدأ به المادة حتى يكون لفظ الغير متمشيًا على الحالتين حالة (ملكية العقار) التي جاءت في صدر المادة وحالة (الديون) التي تقع عليها الحوالة فلم يكن ليستطيع المشرع المختلط الذي أراد النص على الحالتين، وعلى الغير في الحالتين، أن يصف الغير بكونهم كما يقول الحكم (الذين لهم حقوق عينية أو مترتبة على العقار) فكان مضطرًا بحكم جمعه قاعدتين مختلفتين في مادة واحدة أن يجعل لفظ (الغير) مطلقًا تقيده القيود القانونية المعروفة بالنسبة لكل حالة, وجاء المشرع الأهلي فأخذ نصف المادة كما هو وترك النصف الآخر ولكن لا عيب في ذلك كله على المشرع الأهلي ولا على المشرع المختلط لأن كلاً منهما قد ذكر صراحة (الإحالة) على ما سيأتي بعد ذلك من القواعد في كل من المسألتين فقال المشرع الأهلي في مادة (270) (كما سنذكر بعد ainsi que cela sera expliqué plus loin
وذكر المشرع المختلط هذه الإحالة نفسها ثم ذكر (إحالة أخرى بخصوص الديون)، فهلا رجعت محكمة الاستئناف إلى هذه الإحالة لترى منها ما هي القواعد التي فصلت فيما بعد تفصيلاً في فصل (إثبات الحقوق العينية) مادة (606) وما بعدها مدني أهلي).
وما كان المشرع المصري يستطيع أن ينعت لفظ (الغير) في مادة 270/ 341 وهو الذي ألحق الإجارات الطويلة ونحوها بالحقوق العينية من حيث وجوب تسجيلها.
43 - لو كانت المادة 270/ 341 مدني منقطعة لا تحيل على نصوص أخرى ومستقلة بذاتها لكان هناك محل للنظر فيما ذهبت إليه محكمة الاستئناف ولكنها تقر قاعدة عامة لا يأتي تطبيقها إلا بنصوص محكمة جاءت في 606/ 732 وما بعدها فهل هذا الحكم جدير بأن يؤخذ عنه قاعدة قانونية ثابتة يستند إليها العلماء ؟ كلا.
حجج المؤلفين والكتاب
44 - يرى الأستاذ ذهني في المداينات (2) صـ 369 وما بعدها عدا ما ذكرناه له في مواضيع مختلفة من هذا المقال أن (المدين الأهلي) يعتبر (محجوزًا عليه) من تاريخ تسجيل تنبيه نزع الملكية, ونحن نقول إنه إذا جاز القول جدلاً بمنع التصرف فإن ذلك لا يكون لحجر قد لحق المدين، أو عدم أهلية نزلت به كما تقدم تفنيده في بند (11).
وقد كتب الأستاذ عن الموضوع وما ارتبط به 46 صفحة تناول فيها الكلام عن إيضاح القواعد البسيطة والأحكام المدونة التي صدرت من المحاكم الأهلية وناقش بعض الاعتراضات على رأي منع التصرف فلم يأتِ بجديد سوى استبعاده أن تكون نية المشرع هي جواز التصرف مع نصه على تقييد حق المدين في التأجير والثمرات (بند 36 هنا)، وأن الذي يتعامل مع المدين يعلم حتمًا من تسجيل التنبيه أن هناك تنفيذًا على العقار فيمتنع عن الشراء, ثم انتقل الأستاذ إلى بحث طبيعة حق الحاجز هل هو عيني أم لا ونقل لنا شيئًا مما قيل في فرنسا ولم يلتفت إلى أن البحث هناك مفروض فيه وجود النص على منع التصرف, ثم بين أن علماء العصر الحاضر ينتصرون للرأي الذي يعارضه هو، ولم يشأ أن يكون في صفهم، وانتقل بعد ذلك لفحص الأحكام المختلطة فتوفق في الحكم الذي قضى بعدم وجود حق عيني لمن سجل التنبيه ولم يوفق في الحكم الثاني كما بيناه في بند (31) هنا ثم طاف بالقضاء الأهلي فأخذ فيه بحكمين تجد نقدهما هنا في بند (34) وما بعده.
ثم عرج على الفقه المصري فأثبت في صـ 405 بعض ما كتبناه في الموضوع في كتاب التنفيذ ملاحظًا علينا شدة لهجتنا ووضع خطًا تحت بعض الألفاظ التي صورت له معنى قويًا, وأخيرًا ادعى بأننا قصرنا بحثنا على نظرية الحق العيني دون أن نتعداها إلى الغيرية بالنسبة للدائنين العاديين الذين ترتبت لهم حقوق على العقار [(42)] ثم عقد مبحثًا (للتراجح بين الرأيين) ابتدأ في إبداء رأيه فيه بعد مقدمة استغرقت ست صفحات فقال (أن تنبيه نزع الملكية وتسجيله يعطي للدائن حقًا عينيًا صـ 412 يصبح العقار به موقوفًا على وفاء دينه لا يستطيع أحد أن يفتات عليه إلى آخره (راجع الحاشية الأخيرة على بند 5 هنا) وقال إن الذي جعل حق الدائن يتقرر على العين ليس هو التسجيل بل هو التنبيه وإجراءات نزع الملكية اللاحقة عليه وجاء التسجيل مؤيدًا له حتى يكون حجة على الغير !!
ثم قرر أنه بعد الحكم الأهلي الوارد نقده في بند (41) هنا (لا يرى محلاً للتفرقة بين حق عيني وحق غير عيني ما دام أنه قرر اعتبار الدائن العادي صاحب المصلحة على العقار من طبقة الغير الذين يستفيدون من عدم التسجيل).
ثم قال في صـ 414 (يبقى علينا رأي الفقهاء الحاضرين الذين أخذوا جميعًا تقريبًا بالمذهب القاضي باعتبار حق الدائن حقًا مترتبًا على العقار ولكنه ليس بحق عيني)، وقال ردًا على ذلك (أن الحق الشخصي في كل حالة يتحول دائمًا وأبدًا إلى حق متسلط على العقار لأنه ينتهي دائمًا بالتنفيذ على المال إلى آخر ما جاء على هذا النحو من النظرات الاجتماعية والفلسفية من أن (كل التزام يتحول في النهاية إلى حق متسلط كل التسلط على العقار وفي الدور النهائي من سلسلة الإجراءات هذه، يستوي الحق العيني مع الحق المترتب على العقار لأن النتيجة واحدة بلا مراء).
45 - إننا لا نريد أن نتعرض لنقد أبحاث الأستاذ واستنتاجاته فهي أمام القارئ يكفي عرضها لبيان قوتها أو ضعفها وصحتها أو خطئها, ولكننا نأسف أنه لم يأتِ لنا في الموضوع بحجة جديدة أو يهدم حجة قديمة حتى كنا نهتدي بآرائه الخاصة وأدلته الشخصية.
46 - أما حضرة الأستاذ عبد الفتاح بك السيد فأنه جاء في مقالته (صـ 193 - 201 من المحاماة) بأمرين جديدين, الأول استناده على الأحكام المختلطة الصادرة في الفترة التي لم يكن فيها نص في المختلط على منع التصرف وهذا ما سبق الكلام عنه هنا في بند (23 - 25)، والثاني أنه أخذ عن أحد الحكمين المذكورين قوله (إن التنبيه يوازي الحجز)، وأيدها بأن المشرع الأهلي ذكر صراحةً أن الدائن حاجز في مادة (546) وأن المدين محجوز عليه كما في مادة (547)، وأن قاعدة لا يرد الحجز على الحجز مطبقةً فيه على وجه الكمال بمعنى أن التسجيل الأول هو الذي يسجل تسجيلاً تامًا أما ما يليه فيكتفي بالتأشير به.
لنسلم جدلاً بأن التنبيه يوازي الحجز وأن الدائن حاجز وأن المدين محجوز عليه فماذا تكون النتيجة كذلك ؟ لا شيء مطلقًا فإنه من المسلم به أن الحجز الواقع على العقار في فرنسا لا يمنع المدين من التصرف بند (4) و(14) فليس ثمة معنى, إذًا للقول بأن التنبيه كالحجز, وفوق ذلك فإن المادة (546) لم تقل بأن الدائن حاجز وإنما الذي قال بذلك هو مترجم المادة لأن الأصل الفرنسي يذكر (الدائن المباشر للإجراءات) le poursuivant بعكس الترجمة العربية فإنها تذكر الحاجز من باب الخطأ في الترجمة وهنا كان واضع القانون الأهلي حريصًا في التحرير فلم يستعمل لفظ الحاجز كما استعملتها المادة (624) المختلطة المأخوذة عنها مادة (546) الأهلية, أما في المادة (547) الأهلية فإن المشرع لم يكن منتبهًا لاستبدال لفظ المحجوز عليه بالمدين فوقع في الخطأ المادي الذي تفاداه في مادة (546)، وهذه المقارنة كفيلة بإظهار أن الخطأ مادي محض, على أنه لا نتيجة مطلقًا لتشبيه التنبيه بالحجز كما قدمنا.
النتيجة
47 - إذا كان من المسلم به أن الحجز في فرنسا لا يمنع التصرف ولا ينشئ حقًا عينيًا وأن الرأي الصحيح الذي يؤيده أكبر العلماء وأكثر الأحكام أن تسجيل الحجز في فرنسا لا يترتب عليه حق عيني مع النص الصريح على كونه يمنع التصرف، وإذا كان التصرف ثابت التاريخ قبل تسجيل الحجز في فرنسا يكون صحيحًا ويتمسك بصحته ضد الدائن الذي أجرى تسجيل محضر الحجز بحسب رأي أعظم الشراح وأكبر المحاكم رغم النص على عدم جواز التصرف بعد التسجيل المذكور.
وإذا كان المدين يستطيع أن يرهن عقاره رهنًا تأمينيًا ويتقدم الدائن الذي حصل على هذا الرهن على سائر الدائنين العاديين حتى ولو كانوا هم الذين قد شرعوا في التنفيذ على العقار، وسجلوا محضر الحجز وامتنع به التصرف بالنص الصريح.
وإذا كانت القواعد الصحيحة في الحجوز تملى بأنه لا يترتب عليها من القيود بالنسبة للمدين إلا ما مُنع عنه بالنص الصريح [(43)]، وإذا كانت القيود المقررة قانونًا على حرية التأجير وفيما يتعلق بالإيرادات والثمرات لم تشرع إلا لمصلحة الدائنين المرتهنين دون غيرهم.
فلا يكون ثمة محل للقول بأن تسجيل التنبيه في القانون الأهلي يترتب عليه منع التصرف أو يترتب عليه حق عيني أو يجعل الدائن العادي من (الغير) في مادة التسجيل.
عبد الحميد أبو هيف
[(1)] راجع حكم النقض الفرنسي في 23 إبريل سنة 1903 سيري 1906 و(1) و(137) حيث يقرر أن البطلان نسبي لا يتمسك به إلا أشخاص معينون ولكن لا بطلان بين الحاجز والمشتري ولا يصح التمسك به من الدائنين العاديين، وتعليق الأستاذ تسييه عليه بهذا المعنى.
[(2)] راجع تعليقات دللوز الجديدة على قانون المرافعات مادة (686) جزء (4) بند (1 - 14)، والمراجع التي بها خصوصًا تعليق الأستاذ دي لوان على حكم النقض المنشور في دللوز 1905، 1 صـ 121.
[(3)] المراجع في كتاب التنفيذ بند (693).
[(4)] جلاسون (2) بند (1253).
[(5)] روي رأيه عرضًا في بند (2621) من الجزء الأول حيث ذكر التصرف ثم الرهن ولكنه لم يبدِ شيئًا ولا رد اعتراضًا.
[(6)] حكم 19 نوفمبر سنة 1918, جازيت (9) صـ 42 نمرة (53) وغيره حكم (2) يونيه 1919, جازيت (9) صـ 179 نمرة (303)، ولكن المحاكم لم تأخذ بعد ذلك برأي محكمة الاستئناف فإن محكمة المنصورة قد فندت هذا الرأي تفنيدًا تامًا, حكم 25 مارس سنة 1920, جازيت (10) صـ 135 نمرة (171).
[(7)] الباندكت الفرنسية جزء (46) لفظ Prive et hyp نمرة 7137، 7138 والتعليقات الجديدة على قانون المرافعات الفرنسي جزء (4) مادة (1686) بند (18) وبند (39) ومن جميع المراجع التي أهمها تعليق المسيو دي لوان على حكم النقض المنشور في دللوز 1905 و(1) و(122) نوته (1) وكتابه مع بودري جزء (3) نمرة (1340) في الامتيازات والرهون وتعليق الأستاذ تسييه على المنشور في حكم النقض, دللوز 1906 و1 و137 وتعليق الأستاذ ليفيلان على حكم النقض المنشور في دللوز 1895 و1 و273.
[(8)] روى الأستاذ عبد السلام ذهني في صـ 413 من المداينات جزء (2) ما يأتي بهذا الخصوص:
إن الدائن العادي بعد تسجيل التنبيه قد أصبح العقار موقوفًا على وفاء دينه فأعطى بذلك حقًا على العقار محفوظًا لا يستطيع أحد أن يفتات عليه, وقال بعدها عن حق الدائن العادي أيضًا (فقد اعتبر حقه متسلطًا على العقار نفسه وموقوفًا على وفاء دين الدائن)، وهذا كله غير صحيح لأن التنفيذ بالحجز والبيع شيء والاستيلاء على الثمن شيء آخر وهذا بديهي لا يحتاج إلى إيضاح وأما كلامه عن طبيعة حق الدائن فهذا سيأتي نقده فيما بعد.
[(9)] جلاسون (2) بند (1253) مع (1256) ولكن راجع الرد على ذلك في بند (11) هنا وما بعده.
[(10)] وقد رواها جلاسون نفسه في بند (1353) ولكن تخلص منها بقوله إن التوضيحات التي تقدم أثناء مناقشة مشروع قانون لا يمكن اعتبارها قانونًا متى كانت ترمي إلى نقض مبدأ مقرر ولكن هذا غير صحيح لأن أول عنصر في التفسير هو الأعمال التحضيرية, ويعتبر أصحاب الرأي الثاني هذا السبب التاريخي مسوغًا للقول بأن الرهن جائز في هذه الحالة بالرغم من نص المادة (2124) مدني فرنسي التي تجيز الرهن لمن كان له حق التصرف, ولقد قال أصحاب البندكت الفرنسية إنه يمكن اعتبار هذه النقطة مقطوعًا فيها من الجهة التشريعية الآن من حيث وجوب التمييز بين الرهن وبين التصرف، وفوق ذلك فإن هناك أسبابًا وجهة أخرى توجب التمييز المذكور - الباندكت جزء (46) لفظ امتيازات ورهون نمرة (7137) وفيه المراجع المهمة وراجع لفظ saisie imm نمرة 800 وفيه الجزم بجواز الرهن بعد تسجيل الحجز.
[(11)] النص العربي هذا من ترجمتنا.
[(12)] موسوعات دللوز لفظ Transcrip. hyp نمرة (472)، والملحق نمرة (162) وتعليقات دللوز على القانون المدني جزء (4) صـ 1742، نمرة (60) إلى (64) والمراجع والأحكام التي بها والبندكت لفظ Adjudicationsimm جزء (2) بند (1841) و(1842) والمراجع والأحكام التي بهما وكذلك تحت لفظ saisie Imm بند (771) وما بعده, وراجع أيضًا حكم النقض الفرنسي الذي ألغى حكمًا استئنافيًا في 31 أغسطس 1881, دللوز (1882) ر(1) ر(17)، وتعليق قلم التحرير عليه بمذكرة بديعة ذكرت فيها المعاني المتقدمة بكل إيضاح وإتقان.
[(13)] تعليقات دللوز المتقدمة نمرة (65) ولكن يلاحظ هنا أن تطبيق هذا المبدأ في الأحكام التي رواها دللوز لا ينصرف إلا إلى الدائنين المرتهنين ولم يأتِ بتطبيق له على الدائنين العاديين وبذلك يكون هذا الرأي هو بعينه الرأي الثالث.
[(14)] التعليقات المتقدمة نمرة (69) إلى (78).
[(15)] محكمة نانس 8 ديسمبر 1856 دللوز (58) و(3) و(61) والنقض في 31 أغسطس 1881, دللوز (82) و(1) و(17) وكلاهما قضى بعدم أحقية الدائن العادي في التمسك بعدم تسجيل البيع ثابت التاريخ قبل تسجيل الحجز وحكمت محكمة بورج Bourges في 12 ديسمبر 1887, دللوز (88)، (2)، (298) بأن الدائن المرتهن يصبح من الغير ابتداءً من تسجيل الحجز فلا يتمسك ضده ببيع لم يكن مسجلاً قبل تسجيل الحجز حتى ولو كان ذا تاريخ ثابت قبله ونحوه باريس 9 فبراير 1877, دللوز (77)، (2) صـ 74، والمراجع العديدة الأخرى المذكورة في الباندكت لفظ imm .Adj جزء (2) بند (1483)، (1384)، (1486).
[(16)] الباندكت المحل المذكور بند (1483).
[(17)] هذا رأي قديم هجره جميع الشراح الحديثين ولم يقل به في الماضي إلا نفر قليل تصدى لهم من فند مزاعمهم وفي الأحكام لم يرد ذكر الحق العيني إلا بمناسبة الدائن المرتهن, مثلاً الحكم الذي رواه الدكتور ذهني في (المداينات), (2) صـ 382 كان متعلقًا بحق دائن مرتهن فأراد الدكتور أن يجعل قاعدته عامة رغمًا من أن الحكم يقرر بصريح العبارة أن ما فيه لا يتعلق إلا بالدائن المرتهن (صـ 386) أما جلاسون فإنه قال بوجود (حقوق مهمة ولم يجسر على ركوب متن الشطط كما فعل من أخذوا بالرأي نفسه (جلاسون (2) بند 1356)، وقد رجع بعض العلماء الأقدمين عن فكرة الحق العيني بعد أن كانوا من أشد أنصارها ولم يقل بها عالم حديث مطلقًا رغم وجود النص عندهم على منع التصرف.
[(18)] جلاسون (2) بند (1356).
[(19)] بودري ودي لوان جزء (3) بند (2014) وقارن جلاسون (2) بند (1349).
[(20)] جلاسون (2) بند (1349)
[(21)] تسييه في تعليقه على حكم النقض في 23 إبريل 1903 دللوز 1906، (1)، (137).
[(22)] تسييه المحل المتقدم.
[(23)] راجع بند (4) هنا وهذه من النقط التي لا جدال فيها ولا خلاف نظرًا للنص الذي يقول:
من يوم تسجيل محضر الحجز لا يجوز للمدين إلى آخره (بند 9 هنا) وجلاسون (2) بند (1349).
[(24)] جلاسون (2) بند (1349) وهذا غريب جدًا من المؤلف العظيم فإنه في بند واحد يجمع بين جميع الحقائق والمتناقضات.. راجع أيضًا بودري ودي لوان (4) بند (2012) .
[(25)] جارسونيه (4) بند (372) وبلانيول (1) بند (2621) وكولان وكابيتان (1) ص (964) وبودري لاكانتيري ودي لوان (4) ص (794) بند (2014) وتعليق دللوز على حكم النقض الذي ألغى حكمًا من محاكم الاستئناف وفي 31 أغسطس سنة 1881, دللوز 1882 و (1) و (17) حيث نفى كل حق عيني وكل امتياز ينشأ عن الحجز أو تسجيله لصالح أي دائن ومهما كانت طبيعة دينه, وغيرهم كثير
[(26)] النقض الفرنسي في 30 أغسطس سنة 1881, والأحكام والمراجع المذكورة في بودري ودي لوان 4 صـ 278 حاشية (2) بند (2015).
[(27)] راجع في ذلك كتابنا في طرق التنفيذ والتحفظ بند (677) وما بعده.
[(28)] جارسون (4) بند (372) وما بعده.
[(29)] بلانيول (1) بند (2622) وما بعده.
[(30)] استئناف مختلط (31) يناير 1884, المجموعة الرسمية (9) صـ 53.
[(31)] استئناف مختلط 15 يونيه 1893, مجموعة التشريع والقضاة (5) صـ 318.
[(32)] هذان الحكمان قد ذكرناهما تحت بنده هنا.
[(33)] صادر من محكمة شبين الكوم في 4 نوفمبر 1915 مج (17) صـ200.
[(34)] صادر من الاستئناف الأهلي في 8 مايو 1912 مج (13) صـ 266.
[(35)] ويوجد حكم ثالث جزئي أيضًا صادر من محكمة ميت غمر أشرنا إليه في كتاب التنفيذ بند (704) وليس فيه ما يخرج عن الحكم الأول.
[(36)] الخطأ نفسه موجود في كتاب المداينات (2) صـ 375 الذي قال (والمفهوم طبعًا أن القانون المختلط مأخوذ عن القانون الفرنسي والقانون الأهلي مأخوذ عن القانون المختلط)، وهذا تعميم لا يفيد شيئًا لأن الواقع يخالفه في هذا الموضوع.
[(37)] جارسون (4) بند (365) وجلاسون (2) بند (1341).
[(38)] راجع مكانه في الحاشية على بند (34) هنا.
[(39)] راجع بند (23) إلى (25) هنا.
[(40)] المجموعة الرسمية (13) صـ (266) نمرة (128).
[(41)] ومع ذلك يظهر أن المحكمة أخذت في هذا التعبير من مادة (280) فتكون قد ارتكبت خطًا جسيمًا لأن سلامة النية والسند الصحيح لهما معانٍ محدودة في القانون ولا ينصرفان مطلقًا إلى الدائن العادي.
[(42)] هذا غير صحيح, ولحسن الحظ أن ما رواه عنا بالحرف الواحد في صـ 405 من المداينات قد تضمن الكلام على هذه النقطة ولكن يظهر أن عدم ذكرنا باللفظ لنظرية (الغيرية) قد جعل الأستاذ يعتقد أننا لم نتكلم عنها مع أنه روى لنا فيها خمسة أسطر.
[(43)] كتاب التنفيذ بند (333 - 335) وجارسونيه (4) بند (121) و(122).
السنة الثالثة - يوليه سنة 1923
تسجيل تنبيه نزع الملكية وآثاره في القانون الأهلي
1 - هل يترتب على تسجيل التنبيه في القانون الأهلي غل يد المدين عن التصرف في العقار المراد التنفيذ عليه ؟
اختلفت الآراء في هذا الموضوع اختلافًا كبيرًا, فقال البعض بأن تسجيل التنبيه يمنع المدين من التصرف في العقار المذكور في ورقة التنبيه, ورأى آخرون أنه لا يترتب عليه هذا الأثر نظرًا لعدم النص عليه.
وقد كتبنا في هذا الموضوع طويلاً في كتابنا (طرق التنفيذ والتحفظ) وأخذنا بالرأي الثاني للأسباب التي ذكرناها فيه.
ثم ظهر في عالم الوجود مؤلف الأستاذ الدكتور عبد السلام ذهني في (المداينات) أي (الالتزامات) فأخذ في الجزء الثاني منه بالرأي الأول القائل بمنع التصرف، وظهر من بعده مقال لحضرة الأستاذ الدكتور عبد الفتاح بك السيد نشر في مجلة المحاماة في عددها السادس من السنة الثالثة ذكر فيه أنه ما زال متشبثًا برأيه الذي أبداه في حكم أصدره مذ كان قاضيًا في محكمة شبين الكوم الجزئية وأنه يعود إليه ولو مؤخرًا ليعززه بما يدفع عنه تأثير الردود التي جئنا بها في كتاب (طرق التنفيذ والتحفظ) وإننا نثني على همة الأستاذين ثناءً عظيمًا لما ألقيا على الموضوع من نور, ومع ذلك لا نرى محلاً للأخذ برأيهما فيه, ونؤمل أننا سنستطيع أن نأتي هنا بإيضاحات جديدة يتمكن بها غيرنا من مشاركتنا في البحث علنا نصل جميعًا إلى إدراك الرأي الصحيح بلا كبير عناء.
2 - يعلم الجميع أن مبدأ منع التصرف قد جاءنا من نص المادة (686)، وما بعدها من قانون المرافعات الفرنسي الذي عدل في سنة 1841, وجعل فيه منع التصرف أثرًا من آثار تسجيل محضر الحجز، وجاءت من بعد ذلك المادة (34) من قانون الحجز العقاري لصالح البنوك العقارية الصادر في 28 فبراير سنة 1852, فجعلت منع التصرف يترتب على تسجيل التنبيه الذي يجريه البنك العقاري، وأن هذا المبدأ قد أدخل في القانون المختلط في مادة (608) في سنة 1886, وأن الشارع الأهلي لم ينص مطلقًا على أن منع التصرف يترتب على أي إجراء من إجراءات نزع الملكية العقارية.
3 - ونحن نريد هنا أن نبين أولاً ما هي المسائل المتفق عليها في هذا الموضوع في أحكام فرنسا وعن شراحها وما يختلفون فيه حتى يتسنى لنا أن ندرك مقدار الخطأ والصواب في الرأي الذي يصح أن يتخذ في القانون الأهلي الذي لا ينص على منع التصرف، ونعتقد أنه إذا تبين مقدار الخلف الموجود في تفسير هذا الموضوع في القانون الفرنسي فإن حالة الرأي الذي يتخذ عندنا لا تلبث أن تظهر ويتضح الخطأ من الصواب.
4 - القانون الفرنسي ينص على منع التصرف.
ومن المسلم به فيه أنه إذا حصل التصرف بعد تسجيل محضر الحجز فهو باطل غير أن هذا البطلان ليس بطلانًا تامًا ولا جوهريًا ولا هو غير قابل للزوال, وأنه على العكس بإجماع الآراء بطلان نسبي لا ينتفع به غير الأشخاص المذكورين على سبيل الحصر في المادة المقابلة للمادة (608) مختلط وهم: الدائن الطالب والدائنون الآخرون الذين أعلنوا المدين بالتنبيه والدائنون المسجلون [(1)]، ولا يجوز التمسك بهذا البطلان لا للمدين ولا للمشتري من المدين.
كذلك من المسلم به فيه أنه لغاية تسجيل محضر الحجز يكون المدين حرًا في التصرف وإعطاء الرهون بلا قيد ولا شرط, ولذلك ليس للدائنين أن يعتبروا التصرفات الحاصلة منه حتى بعد الحجز باطلة ما دامت قد وقعت قبل تسجيل الحجز, ولا يستثنى من ذلك غير حالات التواطؤ والإفلاس والصورية
وفي غير هذه الأحوال تكون التصرفات صحيحة ويبطل الحجز [(2)].
ولكن الخلاف كبير جدًا في معرفة نقطتين أساسيتين فيما يتعلق بالتصرف في القانون الفرنسي:
النقطة الأولى: ما معنى التصرف ؟
النقطة الثانية: هل المنع واقع على التصرف نفسه أم المنع يكون من مقتضاه عدم الاعتداد بالتصرفات الحاصلة قبل تسجيل الحجز إذا لم تسجل مطلقًا أو إذا لم تسجل إلا بعد تسجيل الحجز حتى ولو كانت ثابتة التاريخ من قبل التسجيل المذكور؟
أو بمعنى آخر ما هي طبيعة حق الدائن بصفته حاجزًا وهل يعتبر من الغير في مادة التسجيل ؟ وسنتناول البحث في هاتين النقطتين ثم نبين النتائج العملية للخلاف قبل أن ننتقل إلى الموضوع في القانون الأهلي.
النقطة الأولى: معنى التصرف:
5 - التصرف هنا يشمل نقل الملكية بعوض وبغير عوض وإعطاء حق عيني ينتزع من الملكية على العقار كحق الانتفاع وحق السكنى (ويشمل البيع الاختياري في المحكمة والرهن الحيازي في مصر) [(3)].
ولكن الخلاف كبير في معرفة مصير الرهن التأميني Hypothéque, هل يجوز من بعد تسجيل الحجز أو التنبيه أو لا يجوز ؟
رأى البعض أنه لا يجوز ومنهم جلاسون [(4)] وبلانيول [(5)] ومحكمة الاستئناف المختلطة في بعض أحكامها [(6)]، ورأت أغلبية العلماء والأحكام أن الرهن التأميني يجوز من بعد تسجيل الحجز [(7)].
إذا كان الأمر كذلك فإن هذه نقطة تدعو إلى أن يفكر فيها مليًا كل من يتصدى للقول بأن تسجيل التنبيه عندنا يترتب عليه منع التصرف بلا نص ذلك لأنهم ظنوا أن الغرض من نظام منع التصرف هو مجرد حماية الدائن الطالب خصوصًا الدائن العادي وتأمينه على دفع دينه حتى لا يستطيع أحد أن يفتات عليه [(8)]، ولكن الغرض ليس كذلك كما سيتضح من مناقشة الموضوع.
6 - ويستند أصحاب الرأي الأول إلى أن الرهن لا يصح أن يصدر إلا عن شخص له حق التصرف في العقار، وبما أن المدين ممنوع عن التصرف فهو ممنوع أيضًا عن الرهن.
وإن هذا الرهن مضر بحقوق الدائنين العاديين، فيجب أن يكون باطلاً لأن القانون قد وضع الدائن العادي الذي أوقع حجزًا عقاريًا في مركز خاص يمتاز به فيجب أن لا يحرمه المدين من استبقاء الضمان الذي وضع تحت أمر القضاء بتوقيع الحجز عليه, وبما أن التصرف فيه لا يضر الدائن المذكور لعدم نفاذه عليه فيجب ألا يضره الرهن أيضًا، لأن الضمان ينقص إذا صح الرهن.
وبناءً على هذا الرأي إذا توقع الرهن قبل تسجيل الحجز فلا يصح تسجيله بعد ذلك لأن الدائن العادي الذي أوقع حجزًا عقاريًا يصبح من الغير في مادة التسجيل فيكون له أن يحتج بأسبقية تسجيل الحجز [(9)].
7 - يستند أصحاب الرأي الثاني - وهو في نظرنا الرأي الصحيح - إلى أسباب ثلاثة:
الأول: تاريخي.
والثاني: منطقي.
والثالث: قانوني.
8 - فأما السبب التاريخي: فهو أن عند مناقشة مشروع القانون الذي أدخل منع التصرف قد تقرر رسميًا أن الرهن لا يدخل ضمن المنع وقد أريد إدخال تعديل من مقتضاه جعل الرهن ضمن التصرفات الممنوعة فرفض التعديل وتقدم الطلب في هذا الموضوع مرة أخرى بشكل آخر فلم يقابل في المرتين بغير الرفض, وأصبح مقررًا في الأعمال التحضيرية لقانون منع التصرف أن التصرف لا يشمل الرهن التأميني وهذه نقطة يجمع الكل على صحتها [(10)].
9 - وأما السبب المنطقي فهو أن نصوص القانون في موضوع منع التصرف لا تسمح مطلقًا بأن يكون التصرف رهنًا.
المادة (608) مختلط التي شملت ما في المواد الفرنسية (686) و(689) تقول بالحرف الواحد:
(لا يجوز للمدين من يوم تسجيل التنبيه أن يتصرف في العقارات المذكورة في التنبيه وإلا كان التصرف باطلاً من تلقاء نفسه، وبلا حاجة لحكم بذلك, غير أن هذا التصرف ينفذ إذا قام خليفة المتصرف l’acquéreur قبل اليوم المعين للبيع بإيداع مبلغ يكفي لوفاء جميع ديون وأرباح ومصاريف الدائن مريد الحجز والدائنين الآخرين الذين أعلنوا المدين بالتنبيه العقاري وسائر الدائنين المسجلة رهونهم على العقار وبشرط أن يعلنهم جميعًا بذلك الإيداع, وإذا كانت النقود المودعة مقترضة من الغير فلا يكون لهؤلاء حق الرهن إلا بعد الدائنين المسجلين وقت التصرف وإذا لم يحصل الإيداع قبل رسو المزاد فلا يعطى ميعاد للإيداع لأي سبب من الأسباب) [(11)].
فهل يسمح هذا النص بأن يكون الشخص الذي حصل إليه التصرف الممنوع دائنًا مرتهنًا ؟ كلا.
أرجو القارئ أن يستبدل كلمة التصرف بكلمة الرهن وكلمة خليفة المتصرف acquéreur بكلمة الدائن المرتهن ويقرأ المادة على هذا المنوال, فهل يستقيم التركيب ؟ وهل يكون معقولاً أن نكلف الدائن المرتهن إذا أراد استبقاء رهنه أن يدفع ديون جميع من ذكروا في المادة حتى يستبقي مرتبته العقارية, أي حتى يستبقي امتيازه على الثمن عند بيع يحصل بعد إجراءات أخرى ؟
وماذا عساها أن تكون مصلحته في دفع ديون جميع من ذكروا ؟ هذا لا يتصور مطلقًا.
إن النصوص في هذا الموضوع إنما تسمح بأن يكون المتصرف إليه شخصيًا قد انتقلت إليه (ملكية) العقار أو جزء منه أو حق عيني آخر منتزع من الملكية كالانتفاع والسكنى فيدفع ديون الدائنين المذكورين ويستبقي هذه (الملكية) جزئية كانت أو كلية, أما الدائن المرتهن فلا يطلب منه دفع الديون لاستبقاء الملكية لأنه لم يحصل على ملكية مطلقًا، وإنما حصل على تأمين لا يضر لا بالمشتري بالمزاد (لأن البيع الجبري سيخلص له العقار من كل الرهون)، ولا يضر بالدائنين المرتهنين، لأن رهونهم مفضلة على رهنه بحكم أسبقية تسجيلها، وإنما يضر حق الدائن المرتهن الجديد بحقوق الدائنين العاديين فقط.
10 - السبب القانوني هو أن الدائن العادي الذي يسعى في بيع عقار مدينه جبرًا عليه ليس له أن يطالب بمنع المدين عن إعطاء رهون جديدة بعد تسجيل الحجز, لأن الحجز الذي أوقعه لا يمكن أن يكون سببًا لتفضيله على غيره من الدائنين وليس له أن يلوم إلا نفسه لكونه قد أخطأ في الاعتماد على ذمة مدينه ولم يتطلب رهنًا يضمن له مرتبة عقارية يمتاز بها دينه على ديون غيره، وهب جدلاً أن له حقًا بمقتضى الحجز الذي أوقعه في منع مدينه من أن يرهن العقار، فهل يمكن القول بأن له باعتباره حاجزًا أي حق من الحقوق يمتاز به على أي دائن آخر يحجز على ثمن العقار تحت يد المشتري بالمزاد أو تحت يد كاتب المحكمة الذي أودع عنده الثمن, كلا فإنه من المقرر في هذا الموضوع بدون أدنى شك ولا جدال أن لكل دائن أن يوقع حجزًا أو يقدم طلبًا لينال حصته في توزيع الثمن, ولا يمتاز الدائن الحاجز على العقار على أي دائن آخر لمجرد كونه هو الذي سعى في بيع العقار, فبأي حق يكون له أن يمنع المدين من أن يعطى رهونًا يميز بها دائنًا آخر عليه ؟
الرد على هذا السؤال يتناول البحث في طبيعة حق الحاجز بصفته حاجزًا وما هو التكييف القانوني لهذا الحق وهذا ما يتبين من البحث التالي.
النقطة الثانية: طبيعة حق الحاجز
11 - الحاجز على العقار إما أن يكون دائنًا مرتهنًا وإما أن يكون دائنًا عاديًا, فإذا كان دائنًا مرتهنًا فإنه يمكن أن يعتمد مبدئيًا في القانونين الفرنسي والمختلط على سببين مختلفين لحماية حقه ضد تصرفات المدين, الأول حق الرهن والثاني حق الحجز, فالرهن ينشئ له حقًا عينيًا على العقار يسمح له بتتبعه وحجزه تحت يد أي شخص يكون ليحصل على دينه من ثمنه ولا يمتد هذا الحق إلى أكثر من ذلك, فلا يكون الرهن مانعًا المدين من التصرف في العقار بل يجوز للمدين أن يتصرف حتى بعد الحجز الحاصل من الدائن المرتهن ما دام التصرف حائزًا لتاريخ ثابت قبل تسجيل محضر الحجز بند (4)، وإذا كان للدائن المرتهن حق عيني على العقار فإن حجزه لا يحصل بمقتضى هذا الحق العيني وإنما يحصل بمقتضى كونه دائنًا، ولا يغير حصول الحجز من طبيعة حقه هذا، ذلك هو النظر الصحيح [(12)]، وبمقتضاه يكون المدين ممنوعًا من التصرف من يوم تسجيل الحجز ولكن لا يؤثر الحجز على التصرفات الحاصلة من قبله فلا يلغيها لأن الغرض هو منع التصرفات الجديدة لا التأثير على التصرفات السابقة متى كانت أسبقيتها ثابتة, ولا عبرة بكونها لم تسجل وهناك رأي آخر يقول بأن الدائن الحاجز يحصل على حق عيني بمجرد تسجيل الحجز حتى ولو كان دائنًا عاديًا وما دام أن الحق العيني ناشئ عن تسجيل الحجز فهو من حق الدائن المرتهن من حق الدائن العادي على السواء [(13)]، وهناك رأي ثالث يفرق بين الحاجزين بحسب كونهم مرتهنين أو عاديين فإذا كانوا مرتهنين جعل لهم حقًا عينيًا جديدًا ناشئًا عن تسجيل محضر الحجز بعكس ما إذا كانوا عاديين فلا يكون لهم أدنى حق عيني على العقار رغم كونهم قد حجزوا وسجلوا حجزهم [(14)]، ويقولون إن هذا الرأي هو الذي تحكم به المحاكم غالبًا في فرنسا [(15)] وهذا صحيح نظرًا للملاحظة التي أبديناها على الرأي الثاني ويعتمد هذا الرأي على المادة (3) من قانون (1855) التي تقول إن التصرفات غير المسجلة لا يعتد بها ضد الغير الذين اكتسبوا حقوقًا على العقار وأن هذه الألفاظ اختيرت خاصةً بحسب أقوال مقرر القانون المذكور، لمنع الدائنين العاديين من أن يتمسكوا بعدم التسجيل ولا شك حينئذٍ في أن تصرفات المدين غير المسجلة تكون حجة على دائنيه العاديين [(16)] أما إذا كان الحاجز دائنًا عاديًا فلا يعتمد إلا على حق الحجز، ولكن ما طبيعة هذا الحجز ؟ اختلفت الآراء فيه، فقال البعض إنه حق عيني اكتسب على العقار المراد التنفيذ عليه وحفظ بالتسجيل [(17)]، وقال آخرون إنه حق يصبح بمقتضاه الدائن العادي الذي أوقع حجزًا من طبقة (الغير) في مادة التسجيل فله أن لا يعبأ بكل تصرف لم يكن مسجلاً من قبل تسجيل الحجز أو التنبيه [(18)] وبديهي أن كلاً من الرأيين لا يعتمد إلا على النص الصريح الوارد في مادة (686)، والذي يقضي بمنع التصرف، وهذه النقطة في منتهى الأهمية، بل هي أساس كل القواعد الثابتة وهي مثار الخلاف لأن الخلاف واقع على تفسير ما يدخل تحت المنع المقرر بالنص لا ما لا يدخل تحته.
ورأى آخرون ورأيهم في نظرنا هو الرأي الصحيح أن القانون إنما أراد بالنص المذكور أن يسهل على الدائن حصول الإجراءات بحيث لا يستطيع المدين عرقلتها بالتواطؤ مع الغير فأمر بأن يعلن ذلك الغير بتسجيل محضر الحجز أو التنبيه ومتى تم هذا الإعلان فيكون ثمة قرينة قانونية قاطعة بأن التواطؤ موجود, وعلى قوة هذه القرينة يرتكن الشارع في إبطال كل ما يحصل من التصرفات بعد تسجيل الإجراءات باعتبار أنها حصلت لمصلحة شخص سيئ النية وبذلك يعفى الدائن الحاجز من إثبات سوء النية أو التواطؤ أو الضرر أو غير ذلك من شروط دعوى إبطال التصرف L’action paulienne فكأن كل ما أريد بالنص على منع التصرف هو إيجاد قرينة قانونية لصالح الحاجز تعفيه من إثبات شروط تلك الدعوى لنقض التصرفات الحاصلة بعد الإجراءات.
ينبني على ذلك أن التصرف الحاصل قبل تسجيل الحجز أو التنبيه لا تلحقه تلك القرينة لأن شرط التمسك بها هو علم المشتري أو نحوه، ذلك العلم الذي يعتبر حاصلاً بمجرد تسجيل الحجز, ويكفي ثبوت حصول التصرف قبل التسجيل حتى يعتبر التصرف صحيحًا، فإذا كان التصرف ثابت التاريخ قبل التسجيل المذكور فإنه يكون صحيحًا [(19)].
ورأى بعض المؤلفين [(20)] أن تسجيل الحجز يجعل المدين غير أهل للتصرف incapable ولكن هذا الرأي غير صحيح بدليل أنه من المسلم به كما قلنا في بند (4) هنا إن التصرف يكون صحيحًا بين المدين والمشتري أو نحوه وأن البطلان كما يذكره جلاسون نفسه نسبي محض [(21)]، ورأى البعض الآخر وهو رأي غير صائب أيضًا أن منع التصرف مبني على طبيعة الحجز وأن كل حجز يستتبع عدم جواز التصرف indisponibilité من جانب المدين [(22)]، والدليل الظاهر في القانون الفرنسي على بطلان هذا الرأي هو أن الحجز نفسه لا يمنع التصرف ولا يبطله وإنما الذي يمنعه أو يبطله هو النص الصريح الموجود في القانون والذي لا يترتب المنع إلا على تسجيل الحجز لا على الحجز نفسه [(23)] ومن المقرر أيضًا أن هذا النص استثنائي:
يقول بذلك جلاسون نفسه ويبني على كونه استثناءً أنه يجب أن يقتصر على منع البيع فإذا حصل عقد آخر بعد تسجيل الحجز كعقد الإجارة مثلاً فلا يمكن اعتباره لاغيًا من نفسه بل لا بد من رفع دعوى ببطلانه من جانب الدائنين [(24)].
12 - ولم يكن ليوجد أدنى شك في الحل المتقدم من يوم صدور قانون سنة 1841, الفرنسي الذي نص على منع التصرف إلى أن صدر قانون (23) مارس سنة 1855 الذي أوجب تسجيل حق الملكية والحقوق العينية العقارية الأخرى وكان يجب ألا يحصل أي خلاف فيما بعد نظرًا لأن الملكية كانت تنتقل قبل قانون (1855), بلا حاجة للتسجيل وكان التمييز بين المالكين لأي عقار يحصل بحسب أسبقية تاريخ التمليك, إذ كان الرهن التأميني يسجل في ذلك الوقت فكانت الملكية تعتبر ثابتة بين مدعي الملكية والدائن المرتهن بحسب تاريخ انتقال الملكية فإذا انتقلت قبل تسجيل محضر الحجز فقد أصبح واجبًا على الدائن العادي أن يرفع دعوى بطلان التصرف وواجبًا على الدائن المرتهن أن يعتبر المتصرف إليه حائزًا tiers - détentenr ويوجه إليه ما يلزم من الإجراءات مع العلم بأن الدائن المرتهن كان يحفظ حقه بالتسجيل في ذلك الوقت وكان محضر الحجز يسجل في ذلك الوقت وكان انتقال الملكية لا يسجل, فكان يجب أن تبقى الحال كما هي بينهم جميعًا بعد صدور قانون التسجيل في سنة 1855, إلا فيما يتعلق بالرهن وانتقال الملكية فإن العلاقة بين الراهن والمالك هي وحدها التي يلتفت فيها إلى أسبقية التسجيل لأن القانون المذكور وجد لتنظيم هذه العلاقة.
13 - ولكن بعض الكتاب نسى هذه الظروف وأغفل الحكمة التي من أجلها وضع نظام منع التصرف ورأى أن المقام مقام تسجيل وتنازع بين أشخاص متعددين يحفظون حقوقهم بالتسجيل مع اختلاف طبيعة تلك الحقوق فأصبحوا لا يميزون بين حق وحق إلا بأسبقية التسجيل وأغفلوا النظر إلى طبيعة الحقوق وإلى ما تستتبعه تلك الطبيعة من القواعد فنشأ عن ذلك خلط كبير واختلاف حاد.
14 - ورأي العلماء الذين يعتمد على رأيهم أن الحجز لا ينشئ حقًا عينيًا على العقار لمصلحة الحاجز [(25)] وأنه إذا كان الشارع قد أراد أن يقول بعكس ذلك فإنه كان يضع له من القواعد ما يتناسب مع القواعد المقررة قبل سنة 1855, فيقول مثلاً: لا يصح للمدين من بعد الحجز أن يتصرف في العقار (أضرارًا بالحاجز)، ولكن المادة (686) مرافعات فرنسي تقرر عكس هذه القاعدة تقول لا يصح للمدين أن يتصرف من بعد (تسجيل الحجز) لا من بعد (الحجز) فهي تجيز التصرفات الحاصلة من بعد الحجز وتجعلها نافذة على الحاجز بشرط أن تكون ذا تاريخ ثابت سابق على الحجز, ولذلك فإن النص المتقدم يقرر عدم وجود أي حق عيني لمصلحة الحاجز، وإذ كان الأمر كذلك فقد قررت محكمة النقض والإبرام الفرنسية أن الحاجز ليس له أن يتمسك بعدم تسجيل التصرف الحاصل قبل تسجيل محضر الحجز متى كان ثابت التاريخ من قبله لأن الحاجز لا يكون من (الغير) في مادة التسجيل [(26)] والاعتراض الوحيد على ذلك أن الإجارة الطويلة يجب أن تسجل وهي ليست حقًا عينيًا ولذلك فلا يكون صحيحًا أن يقال إن التمسك بالتسجيل إنما يكون لصاحب الحق العيني، ولكن هذا الاعتراض مدفوع بأمرين الأول أن القانون نص عليها بالذات والثاني أن الإجارة الطويلة تؤثر بطبيعتها في الانتفاع بالعقار فتحرم منه أصحاب الحقوق حرمانًا يكاد يشبه الحرمان الناشئ من الحقوق العينية المنتزعة من الملكية, فإذا ما سجلت أمكن كل شخص يريد اكتساب حق على العقار أن يتأكد من وجودها ويتخذ عدته بعد العلم بها, وفوق ذلك فإن جل تطبيق المادة 613/ 740 مدني المتعلقة بالإجارات ووصولات الأجرة المعجلة الواجب تسجيلها هو بالنسبة لحقوق الدائنين المرتهنين الذين يريدون التنفيذ على العقار فأراد القانون أن يشهر المستأجر عقد إجارته ووصولات ما دفع من الأجرة مقدمًا حتى يعلم بها الدائنون المرتهنون وقت حصول الرهن فإذا لم تكن الإجارة مسجلة مثل الرهن فلا عبرة بتسجيلها قبل تسجيل التنبيه أو محضر الحجز ولا تسري من بعدهما إلا لمدة تسع سنين عندنا إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه بعكس ما إذا كانت مسجلة قبل الرهن فإنها تسري بكامل مدتها [(27)].
15 - كذلك رأى العلماء الذين يعتد برأيهم أن حالة القوانين الحاضرة لا تسمح مطلقًا باعتبار الحاجز من الغير (في مادة التسجيل)، وهنا يجب التمييز الدقيق بين حالة من يسمون (الغير) بلا وصف آخر، وبين من (يسمون الغير في مادة التسجيل).
16 - فالحاجز هو من الغير ولو كان دائنًا عاديًا، بمعنى أن حجزه يكسبه صفة جديدة تسمح له بالتمسك بنص المادة (1328) مدني فرنسي المقابلة للمادة المصرية 228/ 293 أي أن له أن لا يعتد بالإيصالات التي لم يكن تاريخها ثابتًا قانونًا قبل تسجيل محضر الحجز ولا بالتصرفات الحاصلة على العقار نفسه إذا لم تكن ثابتة التاريخ كذلك, وذلك لأنه بعد تسجيل الحجز يكون له حق مستقل عن حق المدين يسمح له بعدم التمسك بالعقود العرفية التي يحررها مدينه ما لم يثبت تاريخها قبل تسجيل الحجز.
17 - ولكن الحاجز ليس من الغير (في مادة التسجيل) أي ليس من الغير بالنسبة لتطبيق المادة الثالثة من قانون 1855 (611 و737 مصري) لأن هذه المادة تذكر أشخاصًا ذوي أوصاف خاصة لا يدخل من ضمنهم الدائن العادي ولو كان قد سجل الحجز على أحد عقارات مدينه [(28)].
18 - وإذا كان بعض القوانين الأجنبية قد جاء بنصوص يمكن أن يفهم منها صراحةً أو ضمنًا أنه يجعل الدائنين العاديين من الغير في مادة التسجيل [(29)] فإنه من المؤكد أن هذه ليست القاعدة في القانون الفرنسي ولا في القانون المصري رغم كونه محكمة الاستئناف الأهلية أرادت أن تلقي شيئًا من الشك على هذه النقطة بحكمها الآتي ذكره في بند (41) من هذا المقال.
19 - ينبني على ذلك كله أن الدائن العادي الذي أوقع حجزًا على عقار مدينه ليس له أن يحتج على مشتري العقار الذي اشترى قبل تسجيل محضر الحجز حتى ولو لم يكن قد سجل قبل تسجيل محضر الحجز وليس له أن يطلب إبطال هذا الشراء لأن هذا الشراء قد حصل قبل تسجيله محضر الحجز فهو ليس ممنوعًا على الرأي الصحيح نظرًا لكون الحاجز لا يحصل على حق عيني بمقتضى حجزه ونظرًا لكونه لا يعتبر (من الغير) الذين لهم حق الاعتراض على عدم التسجيل.
خلاصة الأبحاث الفرنسية
20 - يتبين من الأبحاث المتقدمة أنه بالرغم من وجود نصوص خاصة تمنع التصرف في فرنسا من بعد تسجيل محضر الحجز أو التنبيه فإن الخلاف قائم هناك على ما إذا كان يجوز للمدين أن يمنح لدائنيه رهونًا تأمينية بعد التسجيل المذكور والرأي الصحيح الذي تؤيده آراء العلماء والمحاكم هو أن الرهن جائز بعد تسجيل الحجز.
إن الخلاف قائم أيضًا على حق الدائن في اعتبار التصرف الحاصل قبل التسجيل المذكور باطلاً إذا لم يكن مسجلاً قبل التسجيل المذكور وأن الرأي الذي عليه أكثر العلماء وكل الأحكام الصادرة من أعلى المحاكم أن التصرف يكون صحيحًا ولو لم يكن مسجلاً قبل تسجيل الحجز.
القانون المختلط قبل دكريتو 1886
21 - كان يشتمل القانون المذكور على نوعين من الإجراءات: النوع الأول يسلكه الدائن الذي ليس له رهن على العقار حتى ولو كان العقار مرهونًا لغيره, وهذا النوع طويل جدًا ويشتمل على تنبيه وتسجيل التنبيه وحجز وتسجيل الحجز وتحرير قائمة شروط وإعلان إيداعها لأرباب الديون المسجلة ومعارضات في قائمة شروط البيع ثم إجراءات البيع (مادة 605 إلى 666 مختلط قديم).
النوع الثاني سريع جدًا يسلكه الدائن الذي له رهن على العقار إذا كان البيع مقصورًا على العقار المرهون له وإجراءاته تنحصر في تنبيه يسجل ولا حجز فيه ولا تسجيل ويمكن أن يحصل البيع بعد مضي ستة أسابيع فقط من مضي خمسة عشر يومًا على التنبيه إذا لم يدفع المدين الدين وتحرر قائمة شروط يعلن إيداعها لأرباب الديون المسجلة وتحصل المعارضات قبل يوم البيع بثمانية أيام بالأقل وينظر فيها في ظرف الثمانية الأيام المذكورة بلا استئناف للحكم (مادة 667 إلى 675 مختلط قديم).
22 - ومعلوم أن الرهن القضائي كان موجودًا قبل سنة 1886, وكان كل دائن عادي يسارع إلى أخذ حكم ولو بصحة الإمضاء ويحصل على رهن ويسارع إلى اتخاذ الإجراءات السريعة, وما كان الشارع المختلط بمضطر مطلقًا لأن يوجد نصًا يقابل المادة (608) الحالية التي تنص على منع التصرف وذلك نظرًا لسرعة الإجراءات التي تستند إلى حق الرهن وهو بطبيعته يحفظ حق الدائن من أن يضره أي تصرف يحصل بعد الرهن، فإذا لم يكن ثمة تصرفات حاصلة قبل بدء الإجراءات فلا يعبأ بها بعده, وإذا حصل تصرف أنذر حائز العقار وسار في الإجراءات ضد المدين ثم الحائز وشأنه في اختيار الطريق التي يفضلها على غيرها مما ورد ذكره في القانون المدني.
23 - وقد روى لنا الأستاذ عبد الفتاح بك السيد في مقالته المنشورة في المحاماة (صـ 195) أن المحاكم المختلطة في ذلك العهد كانت تحكم بمنع المدين من التصرف على أثر تسجيل التنبيه وبعضها يحكم به على أثر تسجيل الحجز والحقيقة أن الحكمين قد جاءا في معرض البحث عن حقوق الدائنين المرتهنين وأن الدائنين الذين حكمت لمصلحتهم المحاكم المختلطة في هذين الحكمين كانا من الدائنين المرتهنين فليس في الحكمين شيء يفيد الدائن العادي الذي يريد الأستاذ حمايته.
24 - على أن الحكم الأول [(30)] في نظرنا سديد ولكن لغير الأسباب التي بنته عليها المحكمة وتتلخص وقائع الدعوى فيه أن دائنًا مرتهنًا اتخذ الإجراءات السريعة المقررة له كما جاء في بند (21) هنا ثم أوقف البيع برفع دعوى استحقاق وكان هناك دائنون مرتهنون آخرون فاشترى الدائن الأول والعقار وأراد أن يحتسب نفسه حائزًا Tiers détenteur وطلب من دائن آخر أن يقبل منه الثمن الذي يعرضه عليه طبقًا للقانون المدني, فالمحكمة قالت بعدم صحة البيع لأنه حاصل بعد تسجيل التنبيه بناءً على أن (الحجز العقاري من طبيعته أن يضع العقار المحجوز تحت يد القضاء ولا يجوز للمدين أن يتصرف فيه بدون موافقة الدائنين الآخرين فهو بالنسبة إليهم باطل بطلانًا جوهريًا مطلقًا ولا يمكن التمسك به ضده) هكذا قالت وهذا غير صحيح طبقًا لما أوردناه من أقوال علماء القانون الفرنسي ومحاكمه (بند (4) و(11) و(14) هنا)، ولكن السبب في عدم جواز شراء الدائن للعقار الذي أراد التنفيذ عليه إضرارًا بالدائنين الآخرين هو نص المادة (627) مختلط قديم الصريح الذي يجعل الدائنين المرتهنين جميعًا مشتركين في إجراءات التنفيذ بعد التأشير على هامش محضر الحجز بحصول إعلان هؤلاء الدائنين بإيداع قائمة شروط البيع إذ قبل حصول هذا التأشير يكون له الحق وحده في التنازل عن الإجراءات وشطب ما حصل تسجيله من الأوراق المتعلقة بالحجز بدون أن يتفق مع أحد من الدائنين المرتهنين الآخرين أما بعد التأشير فلا يكون ذلك صحيحًا إلا برضاء كلي منهم أو بعد أخذ حكم نهائي ضدهم جميعًا (626/ 627) هذه هي الحقيقة التي يبنى عليها الحكم الأول لا الحجز نفسه ولا تسجيل التنبيه ولا غير ذلك مما لم يرتب له أي أثر في موضوع التصرفات.
25 - الحكم الثاني [(31)] أيضًا يخص دائنًا مرتهنًا سار في الإجراءات السريعة وسجل التنبيه طبقًا للمادة (668) القديمة وكان العقار قد بيع ولم يسجل البيع إلا بعد تسجيل التنبيه بخمسة أيام والمشتري وضع يده على العقار وادعى ملكيته بخمس سنين فقالت المحكمة إن التنبيه في حكم الحجز (لأن الإجراءات السريعة لم يكن فيها حجز كما مر في بند (21) هنا)، والحجز من شأنه أن يضع العقار المرهون تحت يد القضاء ولذلك ما كان للمدين أن يتصرف وإلا كان ذلك باطلاً فلا يمكن للمشتري أن يتمسك بخمس سنين لأنه ليس لديه سبب صحيح لأن البيع ممنوع قانونًا وهذا الحكم كله خلط، لأن التمسك بالسبب الصحيح ووضع اليد لا يكون إلا لمن اشترى من غير المالك، ومقرر أن البيع حصل من المدين المالك, أما قوله إن الحجز يمنع من التصرف فهذا القول قد ظهر الخطأ فيه من إجماع علماء فرنسا وأحكامها، على أنه لا يمنع بند (4) و(14).
26 - فلا محل بعد ذلك للرجوع إلى أحكام كلها خطأ في خطأ للاستنارة بالمبادئ الخاطئة التي تقررها لنا ولدينا الينابيع الفياضة من علم الفرنسيين، مؤلفيهم ومحاكمهم.
القانون المختلط بعد دركريتو 1886
27 - لما علت الشكوى من سوء تصرف الدائنين مع المصريين وأساء الأولون استعمال النصوص القديمة أصبح التنفيذ العقاري لا يحصل إلا بالطريق السريعة ولصالح الدائن المرتهن دائمًا لأن كل دائن كان في مقدوره أن يصبح ذا رهن قضائي إذا لم يكن عنده رهن تأميني من أول الأمر (بند 22) اضطرت الحكومة إلى تعديل القانون فوحدت الإجراءات وجعلتها واحدة للدائنين العاديين والمرتهنين على السواء وفي مقابل البطء الذي أدخل عليها والتنظيم الذي أحاط بها للمحافظة على حقوق كل من يهمهم شأن العقار على العموم أخذ الشارع نصوص القانون الفرنسي المتعلقة بمنع التصرف وأدخلها بدكريتو 1886, ووضعها كلها في مادة (608) الجديدة وجعل منع التصرف أثرًا من آثار تسجيل التنبيه على نسق قانون البنوك العقارية الفرنسية الصادر في سنة 1852.
28 - أما الأحكام المختلطة الصادرة بعد دكريتو 1886, فهي متمشية تمامًا مع المبادئ الفرنسية الصحيحة في موضوع منع التصرف (بند 20 هنا) إلا فيما يتعلق بالرهن فقد صدرت بعض أحكام لا تجيز الرهن من بعد تسجيل التنبيه [(32)]، وهذان الحكمان لم يبحثا مطلقًا في موضوع جواز الرهن وعدم جوازه بعد تسجيل التنبيه (محضر الحجز في فرنسا) بل أخذًا به كقضية مسلمة وجعلاً لحق الاختصاص حكم الرهن مع أن المسألة مقطوع فيها بعكس هذا الرأي في فرنسا (بند 7 - 10 هنا)، ولذلك فلا يكون لهما قيمة علمية في هذا البحث, على أن المحكمة قررت فيهما أن منع التصرف لا ينتج بطلانًا بالمعنى الحقيقي بل مجرد وجه لعدم التمسك بالرهن Simple inopposabilité وأن هذا الوجه خاص بالدائنين الحاجزين والمرتهنين والذين أعلنوا المدين بالتنبيه فمن لم يكن منهم يسري عليه الرهن أو الاختصاص وأنه إذا سقطت الإجراءات المتخذة للتنفيذ على العقار فكل الرهون والاختصاصات تبقى صحيحة وتنتج نتائجها التامة.
29 - قلنا إنه فيما عدا الحكمين المذكورين المتعلقين بالرهن والاختصاص فليس في الأحكام المختلطة ما ينافي المبادئ الفرنسية الصحيحة.
فقد قررت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 30 نوفمبر سنة 1916 الآتي ذكره في البند الثاني أن مجرد تسجيل تنبيه الحجز العقاري لا يترتب عليه حق عيني للحاجز على العقار يكون له بمقتضاه أن يتمسك بالمادة (337) مدني مختلط ويعتمد على عدم تسجيل عقد البيع الواقع على العقار المراد التنفيذ عليه متى كان البيع حائزًا لتاريخ ثابت سابق على تسجيل التنبيه وهذا المبدأ صحيح كما قدمنا في بند (20).
30 - أما من حيث إن الأحكام المختلطة كافة تتطلب أن يكون الحائز للعقار ذا عقد مسجل (كتاب التنفيذ بند 643)، فهذا شرط ضروري وصحيح بحسب الآراء الفرنسية المعتد بها ولا علاقة له مطلقًا بموضوعنا وذلك لأن الحائز Tiers détenteur هو من انتقل إليه العقار المرهون بعوض أو بغير عوض فإذا أراد الدائن المرتهن أن ينفذ على العقار فله ذلك بشرط إنذار الحائز ولا تظهر ملكية الحائز ولا تثبت قبل الدائن المرتهن إلا إذا سجل الحائز عقد تملكه فما لم يسجله فإن الدائن المرتهن باعتباره من الغير بالنسبة لكل من تلقى أو يتلقى حقًا عينيًا على العقار، له أن يعتبر حق الحائز غير ذي أثر بالنسبة إليه حتى ولو كان يعلم أنه قد انتقل إلى يد حائز لأن العبرة بين أصحاب الحقوق العينية الذين تلقوا حقوقهم من شخص واحد هي بالتسجيل، فهذا الموضوع لا علاقة له بالكلية بموضوع منع التصرف.
31 - ولا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور عبد السلام ذهني في (المداينات) الجزء الثاني صـ (397) و(398) غير صحيح فإنه روي أن هناك دورين للقضاء المختلط: الدور الأول، أنه قرر في سنة 1916 أن مجرد تسجيل تنبيه الحجز العقاري لا يترتب عليه حق عيني للحاجز على العقار طبقًا لحكم الاستئناف المختلط الصادر في 30 نوفمبر سنة 1916 السالف ذكره (مج ت م 29 صـ 84 وجازيت 7 صـ 36 نمرة 104).
والدور الثاني أن القضاء المختلط قرر الأخذ برأي (لابيه) و(جلاسون) وقال بأن الدائن العادي نازع الملكية يكتسب حقًا عينيًا على العقار الذي ينزع ملكيته، وقال إن هذا المبدأ تقرر في حكم الاستئناف المختلط الصادر في 18 مارس سنة 1920, (مج ت م 32 صـ 209)، وذكر أن ما قرره بالنص هو (من اشترى عقارًا بعقد عرفي غير مسجل لا يجوز له الاحتجاج به ضد الدائن نازع ملكية العقار الذي اكتسب حقًا عينيًا عليه ويعتبر هذا المشتري من طبقة الغير الواردين بالمادة (737)، وأنه لم يرد بأسباب الحكم ما يشير بأن هناك خلافًا في هذا الرأي بل ورد المبدأ كأنه بديهية من البديهيات القانونية، وقال أيضًا عن إنه ذكر ذلك من غير جدل ولا تمحيص، وكان ذلك مر عليه مرور البداهة التي توحي بها روح القانون والعدل.
32 - والحقيقة أن الدور الثاني الذي يتكلم عنه الأستاذ لم يوجد بالكلية لأن الحكم يتكلم عن حالة خاصة غير الحالة التي ظنها الأستاذ ولم يقرر ما ذكره حضرته إلا مضافًا إليه (ظرف آخر) يخرج به الحكم حكمًا صحيحًا مقررًا لمبدأ آخر متفق على صحته من الجميع.
إن الحكم لم يأخذ برأي لابيه ولا جلاسون وهذا الأخير لم يذكر كما قال الأستاذ في صـ 398 إن الحاجز يكتسب حقًا عينيًا, وقد شرح الأستاذ هذه النقطة شرحًا جليًا في كتابه نفسه في صـ 389 حيث كتب ستة عشر سطرًا عن رأي جلاسون وكونه لم يقل بأن الحق عيني بل اعتمد على نظرية الغيرية.
إن الحكم لم يقل (من اشترى عقارًا بعقد عرفي غير مسجل لا يجوز له الاحتجاج به ضد الدائن نازع ملكية العقار الذي اكتسب حقًا عينيًا عليه)، ويعتبر هذا المشتري من طبقة الغير الواردين بالمادة (737) ولكن قال:
(أن الست زينب لا يمكنها أن تتمسك بعقدها ضد الدائن نازع الملكية ومشتري العقار الذي اكتسب حقًا عينيًا عليه ويجب اعتباره من الغير طبقًا للمادة (737) Créancier poursuivant adjudicataire فالأستاذ لم يلتفت للفظ Adjudicatire وظن أن القاعدة تحمي الدائن الطالب فحسب مع كونه تكلم عن المشتري بعد ذلك ومع أن المحكمة تقرر القاعدة بالنسبة للمشتري بالمزاد الذي سجل عقده بالضرورة ولم تكن السيدة زينب قد سجلت عقدها مطلقًا, فهو مفضل عليها بلا شك ولا جدال لأن كلاً منهما تلقي الحق عن المدين وأحدهما سجل والآخر لم يسجل.
33 - بذلك لا يكون في القضاء المختلط ما ينفي المبادئ الصحيحة ولا ما يؤيد فكرة الحق العيني الناشئ عن تسجيل التنبيه أو نحوه.
القضاء الأهلي
34 - في القضاء الأهلي حكمان غريبان أحدهما [(33)] لم يتناول البحث العلمي من كل الوجوه الضرورية بل أخذ بما يوحيه الاستنتاج المنطقي من الظاهر بدون التفات إلى الحكمة القانونية التي بنيت عليها النصوص وبدون التفات إلى تاريخ النصوص ومآخذها بل ولا إلى معناها, وثانيهما [(34)] ذهب مذهبًا بعيدًا جدًا عن متناول النصوص المصرية وأراد أن يدخل في القانون المصري ما ليس فيه لمجرد النزعة إلى الأخذ بمذاهب أجنبية ليس لها أصل ولا فرع في القانون المصري [(35)].
35 - أما الحكم الأول فصادر من محكمة جزئية أصدره زميلنا الأستاذ عبد الفتاح بك السيد وكان حكمه أساسًا للرأي الذي عارضناه في كتاب التنفيذ بند (704)، وما بعده مما لا محل لإعادته هنا وغاية الأمر تصح الإشارة هنا إلى أن الحكم قد بني على خطأ تاريخي إذا اعتمد على أن القانون الأهلي مأخوذ عن القانون المختلط فيجب الرجوع إليه لتفسير ما غمض منه والحقيقة أن القانون الأهلي لم يؤخذ عن القانون المختلط في هذا الموضوع بل أخذ عن القانون الإيطالي [(36)] وفوق ذلك فإن النص المانع للتصرف لم يدخل في القانون المختلط إلا سنة 1886, أي بعد ظهور القانون الأهلي بنحو ثلاث سنين فلم يكن ثمة محل للاعتماد على القانون المختلط وحتى ولو كانت الظروف كما قال الحكم.
فإن قواعد التفسير الصحيحة تأبى الاستنتاج الذي ذهب إليه حكم شبين الكوم من حيث منع التصرف.
36 - الغلطة الثانية التي يرتكز عليها حكم شبين الكوم والتي وقع فيها الأستاذ عبد السلام ذهني في المداينات بعد أن شرحناها وما حولها شرحًا طويلاً في كتاب التنفيذ والتي يظهر أن الأستاذ عبد الفتاح بك السيد قد اقتنع بحقيقة ما ذكرنا عنها ردًا عليها فيها بدليل أنه لم يناقش حجتنا ضدها، هي أنه لا يمكن أن يكون الشارع قد أراد حرمان المدين من التأجير ومن الثمار بدون أن يكون قد أراد حرمانه من التصرف في العين نفسها وقد تفنن الأستاذ ذهني في إيراد هذا الاستنتاج على أشكال مختلفة فرواه مثلاً في صحيفة (376) مرتين حيث قال عن الشارع (فإنه لم يفته طبعًا أن الحجز في الثمرة لا بد وأن يكون من باب أولى في العين)، (وإذا كان قد اهتم بحماية الدائن بشأن الغلة فكيف يفوته هذا الاهتمام بما هو أهم وأعظم وهو العين نفسها ولذلك يصح الأخذ بمنهج القياس من باب أولى)، وقال في صفحة (377) (وما دام أن الخطر أصاب الثمرة فالأمر من باب أولى في الرقبة) قال كذلك في صـ 379 (وقد بينا أن الشارع الأهلي وضع نصوصًا أخرى في حماية الدائن بالنسبة للغلة ويستحيل أن يعنى بأمر الغلة دون الملكية وهي لها تتبع كل الإجراءات والتعقيدات وهي المقصودة بالذات)، (ولذا لما اعتقد الشارع الأهلي أنه وضع جميع القواعد الحامية للدائن بالنسبة للملكية جاء وصرف همه في حمايته بالنسبة للغلة فألحق الثمرة بالعين إلخ).
37 - إن الاستنتاج المتقدم مبني على خطأ جسيم هو عدم الالتفات إلى معنى (إلحاق الثمرات بالعقار) ولمصلحة من يحصل ذلك الالتحاق هو استنتاج لا يجوز أن يصدر في معرض الأبحاث العلمية لأنها مبنية على تدقيق يفترض معه كل قارئ أنه قد حصل والواقع أنه لم يحصل مع أننا قد ألفتنا النظر إليه في كتاب التنفيذ في بند (708) فكان يجب أن يجعله كل من الأستاذين محلاً لالتفاته قبل أن يعيد الاستنتاج نفسه ويتفنن في وضعه بصيغ مختلفة.
طبعًا أنه إذا كان المراد هو حجز الثمرات تبعًا لحجز العقار لمصلحة الدائن الحاجز أيًا كان فإن استنتاجهم يكون صحيحًا ونكون نحن الخاطئين, أما وإلحاق الثمرات بالعقار لم يشرع إلا لمصلحة الدائنين المرتهنين وحدهم دون الدائنين الحاجزين ودون الدائنين العاديين الآخرين وكان مفروضًا فيه وجود حق عيني على العقار سبب الرهن وهو ثابت لكل دائن يلحق الثمر بالنسبة إليه ولا يكون ثمة أي معنى لإلحاق الثمرات بالعقار إذا لم يوجد دائنون مرتهنون فإن الحجة تهوى ولا يكون لها أدنى قيمة.
ولقد وجدنا لحسن الحظ سندًا متينًا لفكرتنا هذه في مؤلف بودرى لاكانتنرى ودي لوان جزء 27 (الثالث في الرهون) صـ 290 بند (2024) حيث قال في معرض الكلام على حقوق الدائنين المرتهنين على غلة العقار المبيعة قبل تسجيل محضر الحجز العقاري والتي لم تفصل عن الأرض إلا بعده قال إن فصل الثمرات عن العقار قبل التسجيل هو وحده المانع من الالتحاق فإذا لم تفصل الثمرات فإنها تلحق بالعقار وينتج تسجيل الحجز كل نتائجه ثم قال شارحًا (ربما يظن أن هذا الحل غريب ومجحف فإذا تذكر الإنسان أنه يجوز للمدين أن يتصرف في العقار إلى أن يسجل محضر الحجز فإنه يكون غريبًا أن يكون له حق التصرف في العقار ولا يكون له حق التصرف في الثمرات ولكن إذا تأملنا مليًا وجدنا أن المشرع كان بصيرًا لأن التصرف في العقار لا يضر الدائنين المرتهنين ضررًا جديًا إذ لهم حق تتبع العقار بين يدي أي شخص ينتقل إليه بعكس الحالة في بيع المحصول القائم على ساقه فإنه إذا كان صحيحًا يترتب عليه ضرر بليغ بالنسبة إليهم حيث يضيع عليهم حق التتبع ولا يكون لهم على المحصول أي امتياز, لذلك نص القانون على حماية حقهم بشكل مطلق لأنه يريد حمايتهم).
38 - إن النص على تقييد حق المدين في التأجير لا يقصد منه غير تنفيذ مبدأ إلحاق الثمرات بالعقار وهذا المبدأ يتلخص في أنه حكم قانوني به تعتبر الأجرة والثمرات مثل ثمن العقار المرهون فلا محل لهذا الحكم إذا كان العقار غير مرهون وتكون الأجرة خالصة للمدين إلى أن يحجز عليها الدائنون حجزًا خاصًا وفي هذه الحالة لا يفضل في توزيعها دائن حاجز على دائن حاجز آخر بل يستوي جميع الحاجزين في حقهم عليها فتقسم بينهم كلها بنسبة ديونهم, ما خص منها المدة التي أعقبت تسجيل التنبيه أو محضر الحجز وما خص المدة السابقة على ذلك التسجيل.
أما إذا كان العقار مرهونًا فإن تسجيل التنبيه أو محضر الحجز يجعل الثمرات والإيرادات في حكم العقار فيخرجها عن الضمان العام الذي للدائنين العاديين ولا يستولي عليها من الدائنين المرتهنين غير من يكون لهم حق الاستيلاء على الثمن وذلك بحسب درجة امتيازهم - وهذا الالتحاق يحصل بنص القانون بمجرد تسجيل التنبيه أو محضر الحجز - وأمر هذا الالتحاق إنما يهم الدائنين فيما بينهم ولا شأن للمدين فيه بمعنى أن الثمر إذا التحق بالعقار يكون من حق المرتهنين وحدهم فإذا لم يلتحق فإنه يكون من حق جميع الدائنين الحاجزين عليه وإذا كان من الجائز لكل دائن أن يقوم بأعمال التحفظ اللازمة فقد خول القانون لكل دائن مهما كانت صفة دينه أن ينذر المستأجر للعقار بعدم الدفع فتصبح الأجرة محجوزة تحت يده وملحقة بالعقار لفائدة المرتهنين وحدهم وبحسب ترتيبهم.
39 - ذلك معنى التحاق الثمرات بالعقار من بعد تسجيل التنبيه أو محضر الحجز وليس معناه كما ظن الأستاذان أن القانون يحرم المدين من التصرف في الثمر فيكون حرمانه من التصرف في العقار من باب أولى.
أو لم يردا أن المؤلفين الفرنسيين والمحاكم الفرنسية يجمعون بلا شذوذ على أن للمدين أن يتصرف في العقار تصرفًا صحيحًا لغاية يوم تسجيل الحجز مع كونه قد حرم في القانون الفرنسي من حرية التأجير ابتداءً من إعلانه بالتنبيه [(37)] الحقيقة إن التحاق الثمرات بالعقار وتقييد حق المدين في التأجير أمران لا دخل لهما بالكلية في مسألة منع التصرف فلا محل لاستنتاج الأخير من النصوص المتعلقة بالأمرين الأولين كما قدمنا.
40 - الغلطة الثالثة التي بني عليها الحكم الأول [(38)] والتي وقع فيها الأستاذ ذهني في (المداينات) (صـ 381 - 415) هي أنهم جاروا المؤلفين الفرنسيين في البحث في الحق الذي ينشأ عن منع التصرف على أثر تسجيل محضر الحجز في فرنسا فافترضوا منع التصرف مقطوعًا به من استنتاجاتهم لا من النص وقرروا على الرأي الضعيف الذي يقول بعكسه جميع كبار المؤلفين وبينهم جلاسون ذاته (بند 14)، والذي من مقتضاه أنه ما دام التصرف ممنوعًا فهذا المنع ينشئ حقًا عينيًا ولذلك فتسجيل التنبيه عندنا ينشئ حقًا عينيًا يعتبر به الدائن العادي الطالب في مقام أصحاب الحقوق العينية على العقار فيكون من الغير في مادة التسجيل.
أو لم يروا أن الخلاف حاصل في فرنسا مع وجود النص على منع التصرف وبسبب وجود ذلك النص ؟
أم يقولون إنه ناشئ عن الحجز وعن تسجيل التنبيه بصرف النظر عن النص على منع التصرف وكيف يقولون ذلك وقد قرأوا ويقرأون هنا أن التصرف جائز في فرنسا بعد الحجز وإذا تسجل قبل تسجيل الحجز فلا يختلف في فرنسا اثنان على صحته.
أنى لهما القول بأن الحجز يمنع التصرف لذاته وبلا نص ؟ يرتكنون على حكمين مختلطين [(39)] قد عرفت قيمتهما من الوجهة العلمية من بحثنا هذا (بند 23 - 25) ولكن الخطأ لا يصح الارتكان إليه, أنترك ينابيع العلم الفياضة ونرتكن إلى حكمين لا بحث فيهما ولا تمحيص وما جاء فيهما منقوض بكل أقوال المؤلفين والمحاكم وبإجماع مطلق ؟
41 - الحكم الثاني الصادر من محكمة الاستئناف الأهلية [(40)] والذي استند إليه الأستاذ ذهني ليثبت لنا أن الدائن العادي يصبح (من الغير) في مادة التسجيل حكم غريب كما ذكرنا في بند (34) هنا لأنه نزع نزعةً أجنبية محضة لا أصل ولا مسوغ لها في القانون المصري ولم يكن ثمة ضرورة لتلك النزعة الأجنبية ومن القواعد المصرية المسلم بها ما يؤدي إلى نفس النتيجة التي قصدها الحكم, الوقائع بسيطة شخص ادعى أنه اشترى عقارًا من الورثة وكان مورثهم مدينًا بمبلغ وأراد الدائن أن ينزع ملكية العقار فرفع المشتري دعوى باستحقاقه العقار ولم يكن لعقد تملكه تاريخ ثابت سابق على إجراءات نزع الملكية، أصابت المحكمة في الحكم برفض دعوى الاستحقاق لأن البيع غير ثابت التاريخ قبل إجراءات نزع الملكية ومن المسلم به أن الدائن الذي يباشر التنفيذ يصبح من الغير فله أن يتطلب أن التصرف يكون ثابت التاريخ (بند 16) فبدلاً من أن ترتكن المحكمة على هذه الحجة البسيطة الظاهرة ذهبت أولاً إلى البحث في هل يعتبر الدائن العادي من الغير في مادة التسجيل فقررت ذلك ثم ذكرت فضلاً عما ذكر أن البيع غير ذي تاريخ ثابت وحكمت بالرفض, الحكم في محله ولكن الأسباب الأولى في غير محلها والبحث لم يكن له ضرورة.
41 - قررت المحكمة (أن دائني الشخص معتبرون من الغير بالمعنى المراد في المادة (270) مدني وبناءً على ذلك فإن البيع الحاصل من مدينهم لا يتمسك به ضدهم إلا بعد تسجيله متى كانوا سليمي النية وكانت حقوقهم مبنية على سبب صحيح) هذه الجملة الأخيرة لا معنى لها بالكلية ويحتمل أن تكون من خطأ المترجم لأن الحكم يظهر أنه وضع بالفرنسية وترجم إلى العربية, إذ ما معنى افتراض حسن النية في الدائن الذي يتمسك بحقه وما معنى كون حقوقهم مبنية على سبب صحيح, هذا خلط لا يمكن تصوره في حق الدائن العادي [(41)] ثم انتقلت المحكمة إلى تأييد رأيها بتسفيه الرأي المخالف له فقالت (وحيث إنه إذا تقرر عكس ذلك تكون النتيجة أن التسجيل يفقد جزءًا مهمًا من فوائده إذ أن من بين ذوي المصالح الأصليين الذين يهمهم عدم إخفاء البيع الحاصل من مدينهم ليوجد الدائنون العرفيون وحيث إن القاعدة التي يتمسك بها المستأنف وهي المذكورة في القانون الفرنسي الصادر في سنة 1855, والتي انتقد عليها بلانيول انتقادًا شديدًا تفسر في الواقع بنفس نصوص القانون الوارد بها عند الكلام على الغير ما يأتي: (الغير الذين لهم حقوق على العقارات)، وحيث إن قانون الرهن البلجيكي الصادر في سنة 1851, والقانون الإسباني، والقانون الهولاندي (راجع بلانيول جزء أول فقرة 2623) أغفلوا ذكر القاعدة المنصوص عليها بالقانون الفرنسي وبناءً على ذلك لا يمكن مع وجود قاعدتين في التشريع الحالي الإغضاء عن نص المشرع المصري عند وضعه المادة (270) مدني فإنه لم ينص مطلقًا على الحقوق العينية أو الحقوق المترتبة على العقارات بل نص على الحقوق على وجه العموم وعليه فإن هذه العبارة تشمل بلا نزاع كل الحقوق الشخصية).
ثم انتقل الحكم إلى مسألة التاريخ الثابت وكان فيها سديدًا.
42 - روى الأستاذ ذهني هذا الحكم وناقشه مناقشةً طويلة ولكنه لم يكلف نفسه عناء الرجوع إلى المادة (270) وما يقابلها من القانون المختلط وما تحيل عليه هذه المادة ولو فعل لأغنانا عن هذا البحث الآن.
إن المادة (270) مدني أهلي قد أخذت من المادة (341) مختلط مع حذف الجزء الأخير من المادة المختلطة الذي ينصب علية حتمًا كل ما قبلة وفي نظرنا أن هذا الجزء الأخير من المادة المختلطة هو الذي جعل المشرع يختصر في وصف لفظ (الغير) الذي بدأ به المادة حتى يكون لفظ الغير متمشيًا على الحالتين حالة (ملكية العقار) التي جاءت في صدر المادة وحالة (الديون) التي تقع عليها الحوالة فلم يكن ليستطيع المشرع المختلط الذي أراد النص على الحالتين، وعلى الغير في الحالتين، أن يصف الغير بكونهم كما يقول الحكم (الذين لهم حقوق عينية أو مترتبة على العقار) فكان مضطرًا بحكم جمعه قاعدتين مختلفتين في مادة واحدة أن يجعل لفظ (الغير) مطلقًا تقيده القيود القانونية المعروفة بالنسبة لكل حالة, وجاء المشرع الأهلي فأخذ نصف المادة كما هو وترك النصف الآخر ولكن لا عيب في ذلك كله على المشرع الأهلي ولا على المشرع المختلط لأن كلاً منهما قد ذكر صراحة (الإحالة) على ما سيأتي بعد ذلك من القواعد في كل من المسألتين فقال المشرع الأهلي في مادة (270) (كما سنذكر بعد ainsi que cela sera expliqué plus loin
وذكر المشرع المختلط هذه الإحالة نفسها ثم ذكر (إحالة أخرى بخصوص الديون)، فهلا رجعت محكمة الاستئناف إلى هذه الإحالة لترى منها ما هي القواعد التي فصلت فيما بعد تفصيلاً في فصل (إثبات الحقوق العينية) مادة (606) وما بعدها مدني أهلي).
وما كان المشرع المصري يستطيع أن ينعت لفظ (الغير) في مادة 270/ 341 وهو الذي ألحق الإجارات الطويلة ونحوها بالحقوق العينية من حيث وجوب تسجيلها.
43 - لو كانت المادة 270/ 341 مدني منقطعة لا تحيل على نصوص أخرى ومستقلة بذاتها لكان هناك محل للنظر فيما ذهبت إليه محكمة الاستئناف ولكنها تقر قاعدة عامة لا يأتي تطبيقها إلا بنصوص محكمة جاءت في 606/ 732 وما بعدها فهل هذا الحكم جدير بأن يؤخذ عنه قاعدة قانونية ثابتة يستند إليها العلماء ؟ كلا.
حجج المؤلفين والكتاب
44 - يرى الأستاذ ذهني في المداينات (2) صـ 369 وما بعدها عدا ما ذكرناه له في مواضيع مختلفة من هذا المقال أن (المدين الأهلي) يعتبر (محجوزًا عليه) من تاريخ تسجيل تنبيه نزع الملكية, ونحن نقول إنه إذا جاز القول جدلاً بمنع التصرف فإن ذلك لا يكون لحجر قد لحق المدين، أو عدم أهلية نزلت به كما تقدم تفنيده في بند (11).
وقد كتب الأستاذ عن الموضوع وما ارتبط به 46 صفحة تناول فيها الكلام عن إيضاح القواعد البسيطة والأحكام المدونة التي صدرت من المحاكم الأهلية وناقش بعض الاعتراضات على رأي منع التصرف فلم يأتِ بجديد سوى استبعاده أن تكون نية المشرع هي جواز التصرف مع نصه على تقييد حق المدين في التأجير والثمرات (بند 36 هنا)، وأن الذي يتعامل مع المدين يعلم حتمًا من تسجيل التنبيه أن هناك تنفيذًا على العقار فيمتنع عن الشراء, ثم انتقل الأستاذ إلى بحث طبيعة حق الحاجز هل هو عيني أم لا ونقل لنا شيئًا مما قيل في فرنسا ولم يلتفت إلى أن البحث هناك مفروض فيه وجود النص على منع التصرف, ثم بين أن علماء العصر الحاضر ينتصرون للرأي الذي يعارضه هو، ولم يشأ أن يكون في صفهم، وانتقل بعد ذلك لفحص الأحكام المختلطة فتوفق في الحكم الذي قضى بعدم وجود حق عيني لمن سجل التنبيه ولم يوفق في الحكم الثاني كما بيناه في بند (31) هنا ثم طاف بالقضاء الأهلي فأخذ فيه بحكمين تجد نقدهما هنا في بند (34) وما بعده.
ثم عرج على الفقه المصري فأثبت في صـ 405 بعض ما كتبناه في الموضوع في كتاب التنفيذ ملاحظًا علينا شدة لهجتنا ووضع خطًا تحت بعض الألفاظ التي صورت له معنى قويًا, وأخيرًا ادعى بأننا قصرنا بحثنا على نظرية الحق العيني دون أن نتعداها إلى الغيرية بالنسبة للدائنين العاديين الذين ترتبت لهم حقوق على العقار [(42)] ثم عقد مبحثًا (للتراجح بين الرأيين) ابتدأ في إبداء رأيه فيه بعد مقدمة استغرقت ست صفحات فقال (أن تنبيه نزع الملكية وتسجيله يعطي للدائن حقًا عينيًا صـ 412 يصبح العقار به موقوفًا على وفاء دينه لا يستطيع أحد أن يفتات عليه إلى آخره (راجع الحاشية الأخيرة على بند 5 هنا) وقال إن الذي جعل حق الدائن يتقرر على العين ليس هو التسجيل بل هو التنبيه وإجراءات نزع الملكية اللاحقة عليه وجاء التسجيل مؤيدًا له حتى يكون حجة على الغير !!
ثم قرر أنه بعد الحكم الأهلي الوارد نقده في بند (41) هنا (لا يرى محلاً للتفرقة بين حق عيني وحق غير عيني ما دام أنه قرر اعتبار الدائن العادي صاحب المصلحة على العقار من طبقة الغير الذين يستفيدون من عدم التسجيل).
ثم قال في صـ 414 (يبقى علينا رأي الفقهاء الحاضرين الذين أخذوا جميعًا تقريبًا بالمذهب القاضي باعتبار حق الدائن حقًا مترتبًا على العقار ولكنه ليس بحق عيني)، وقال ردًا على ذلك (أن الحق الشخصي في كل حالة يتحول دائمًا وأبدًا إلى حق متسلط على العقار لأنه ينتهي دائمًا بالتنفيذ على المال إلى آخر ما جاء على هذا النحو من النظرات الاجتماعية والفلسفية من أن (كل التزام يتحول في النهاية إلى حق متسلط كل التسلط على العقار وفي الدور النهائي من سلسلة الإجراءات هذه، يستوي الحق العيني مع الحق المترتب على العقار لأن النتيجة واحدة بلا مراء).
45 - إننا لا نريد أن نتعرض لنقد أبحاث الأستاذ واستنتاجاته فهي أمام القارئ يكفي عرضها لبيان قوتها أو ضعفها وصحتها أو خطئها, ولكننا نأسف أنه لم يأتِ لنا في الموضوع بحجة جديدة أو يهدم حجة قديمة حتى كنا نهتدي بآرائه الخاصة وأدلته الشخصية.
46 - أما حضرة الأستاذ عبد الفتاح بك السيد فأنه جاء في مقالته (صـ 193 - 201 من المحاماة) بأمرين جديدين, الأول استناده على الأحكام المختلطة الصادرة في الفترة التي لم يكن فيها نص في المختلط على منع التصرف وهذا ما سبق الكلام عنه هنا في بند (23 - 25)، والثاني أنه أخذ عن أحد الحكمين المذكورين قوله (إن التنبيه يوازي الحجز)، وأيدها بأن المشرع الأهلي ذكر صراحةً أن الدائن حاجز في مادة (546) وأن المدين محجوز عليه كما في مادة (547)، وأن قاعدة لا يرد الحجز على الحجز مطبقةً فيه على وجه الكمال بمعنى أن التسجيل الأول هو الذي يسجل تسجيلاً تامًا أما ما يليه فيكتفي بالتأشير به.
لنسلم جدلاً بأن التنبيه يوازي الحجز وأن الدائن حاجز وأن المدين محجوز عليه فماذا تكون النتيجة كذلك ؟ لا شيء مطلقًا فإنه من المسلم به أن الحجز الواقع على العقار في فرنسا لا يمنع المدين من التصرف بند (4) و(14) فليس ثمة معنى, إذًا للقول بأن التنبيه كالحجز, وفوق ذلك فإن المادة (546) لم تقل بأن الدائن حاجز وإنما الذي قال بذلك هو مترجم المادة لأن الأصل الفرنسي يذكر (الدائن المباشر للإجراءات) le poursuivant بعكس الترجمة العربية فإنها تذكر الحاجز من باب الخطأ في الترجمة وهنا كان واضع القانون الأهلي حريصًا في التحرير فلم يستعمل لفظ الحاجز كما استعملتها المادة (624) المختلطة المأخوذة عنها مادة (546) الأهلية, أما في المادة (547) الأهلية فإن المشرع لم يكن منتبهًا لاستبدال لفظ المحجوز عليه بالمدين فوقع في الخطأ المادي الذي تفاداه في مادة (546)، وهذه المقارنة كفيلة بإظهار أن الخطأ مادي محض, على أنه لا نتيجة مطلقًا لتشبيه التنبيه بالحجز كما قدمنا.
النتيجة
47 - إذا كان من المسلم به أن الحجز في فرنسا لا يمنع التصرف ولا ينشئ حقًا عينيًا وأن الرأي الصحيح الذي يؤيده أكبر العلماء وأكثر الأحكام أن تسجيل الحجز في فرنسا لا يترتب عليه حق عيني مع النص الصريح على كونه يمنع التصرف، وإذا كان التصرف ثابت التاريخ قبل تسجيل الحجز في فرنسا يكون صحيحًا ويتمسك بصحته ضد الدائن الذي أجرى تسجيل محضر الحجز بحسب رأي أعظم الشراح وأكبر المحاكم رغم النص على عدم جواز التصرف بعد التسجيل المذكور.
وإذا كان المدين يستطيع أن يرهن عقاره رهنًا تأمينيًا ويتقدم الدائن الذي حصل على هذا الرهن على سائر الدائنين العاديين حتى ولو كانوا هم الذين قد شرعوا في التنفيذ على العقار، وسجلوا محضر الحجز وامتنع به التصرف بالنص الصريح.
وإذا كانت القواعد الصحيحة في الحجوز تملى بأنه لا يترتب عليها من القيود بالنسبة للمدين إلا ما مُنع عنه بالنص الصريح [(43)]، وإذا كانت القيود المقررة قانونًا على حرية التأجير وفيما يتعلق بالإيرادات والثمرات لم تشرع إلا لمصلحة الدائنين المرتهنين دون غيرهم.
فلا يكون ثمة محل للقول بأن تسجيل التنبيه في القانون الأهلي يترتب عليه منع التصرف أو يترتب عليه حق عيني أو يجعل الدائن العادي من (الغير) في مادة التسجيل.
عبد الحميد أبو هيف
[(1)] راجع حكم النقض الفرنسي في 23 إبريل سنة 1903 سيري 1906 و(1) و(137) حيث يقرر أن البطلان نسبي لا يتمسك به إلا أشخاص معينون ولكن لا بطلان بين الحاجز والمشتري ولا يصح التمسك به من الدائنين العاديين، وتعليق الأستاذ تسييه عليه بهذا المعنى.
[(2)] راجع تعليقات دللوز الجديدة على قانون المرافعات مادة (686) جزء (4) بند (1 - 14)، والمراجع التي بها خصوصًا تعليق الأستاذ دي لوان على حكم النقض المنشور في دللوز 1905، 1 صـ 121.
[(3)] المراجع في كتاب التنفيذ بند (693).
[(4)] جلاسون (2) بند (1253).
[(5)] روي رأيه عرضًا في بند (2621) من الجزء الأول حيث ذكر التصرف ثم الرهن ولكنه لم يبدِ شيئًا ولا رد اعتراضًا.
[(6)] حكم 19 نوفمبر سنة 1918, جازيت (9) صـ 42 نمرة (53) وغيره حكم (2) يونيه 1919, جازيت (9) صـ 179 نمرة (303)، ولكن المحاكم لم تأخذ بعد ذلك برأي محكمة الاستئناف فإن محكمة المنصورة قد فندت هذا الرأي تفنيدًا تامًا, حكم 25 مارس سنة 1920, جازيت (10) صـ 135 نمرة (171).
[(7)] الباندكت الفرنسية جزء (46) لفظ Prive et hyp نمرة 7137، 7138 والتعليقات الجديدة على قانون المرافعات الفرنسي جزء (4) مادة (1686) بند (18) وبند (39) ومن جميع المراجع التي أهمها تعليق المسيو دي لوان على حكم النقض المنشور في دللوز 1905 و(1) و(122) نوته (1) وكتابه مع بودري جزء (3) نمرة (1340) في الامتيازات والرهون وتعليق الأستاذ تسييه على المنشور في حكم النقض, دللوز 1906 و1 و137 وتعليق الأستاذ ليفيلان على حكم النقض المنشور في دللوز 1895 و1 و273.
[(8)] روى الأستاذ عبد السلام ذهني في صـ 413 من المداينات جزء (2) ما يأتي بهذا الخصوص:
إن الدائن العادي بعد تسجيل التنبيه قد أصبح العقار موقوفًا على وفاء دينه فأعطى بذلك حقًا على العقار محفوظًا لا يستطيع أحد أن يفتات عليه, وقال بعدها عن حق الدائن العادي أيضًا (فقد اعتبر حقه متسلطًا على العقار نفسه وموقوفًا على وفاء دين الدائن)، وهذا كله غير صحيح لأن التنفيذ بالحجز والبيع شيء والاستيلاء على الثمن شيء آخر وهذا بديهي لا يحتاج إلى إيضاح وأما كلامه عن طبيعة حق الدائن فهذا سيأتي نقده فيما بعد.
[(9)] جلاسون (2) بند (1253) مع (1256) ولكن راجع الرد على ذلك في بند (11) هنا وما بعده.
[(10)] وقد رواها جلاسون نفسه في بند (1353) ولكن تخلص منها بقوله إن التوضيحات التي تقدم أثناء مناقشة مشروع قانون لا يمكن اعتبارها قانونًا متى كانت ترمي إلى نقض مبدأ مقرر ولكن هذا غير صحيح لأن أول عنصر في التفسير هو الأعمال التحضيرية, ويعتبر أصحاب الرأي الثاني هذا السبب التاريخي مسوغًا للقول بأن الرهن جائز في هذه الحالة بالرغم من نص المادة (2124) مدني فرنسي التي تجيز الرهن لمن كان له حق التصرف, ولقد قال أصحاب البندكت الفرنسية إنه يمكن اعتبار هذه النقطة مقطوعًا فيها من الجهة التشريعية الآن من حيث وجوب التمييز بين الرهن وبين التصرف، وفوق ذلك فإن هناك أسبابًا وجهة أخرى توجب التمييز المذكور - الباندكت جزء (46) لفظ امتيازات ورهون نمرة (7137) وفيه المراجع المهمة وراجع لفظ saisie imm نمرة 800 وفيه الجزم بجواز الرهن بعد تسجيل الحجز.
[(11)] النص العربي هذا من ترجمتنا.
[(12)] موسوعات دللوز لفظ Transcrip. hyp نمرة (472)، والملحق نمرة (162) وتعليقات دللوز على القانون المدني جزء (4) صـ 1742، نمرة (60) إلى (64) والمراجع والأحكام التي بها والبندكت لفظ Adjudicationsimm جزء (2) بند (1841) و(1842) والمراجع والأحكام التي بهما وكذلك تحت لفظ saisie Imm بند (771) وما بعده, وراجع أيضًا حكم النقض الفرنسي الذي ألغى حكمًا استئنافيًا في 31 أغسطس 1881, دللوز (1882) ر(1) ر(17)، وتعليق قلم التحرير عليه بمذكرة بديعة ذكرت فيها المعاني المتقدمة بكل إيضاح وإتقان.
[(13)] تعليقات دللوز المتقدمة نمرة (65) ولكن يلاحظ هنا أن تطبيق هذا المبدأ في الأحكام التي رواها دللوز لا ينصرف إلا إلى الدائنين المرتهنين ولم يأتِ بتطبيق له على الدائنين العاديين وبذلك يكون هذا الرأي هو بعينه الرأي الثالث.
[(14)] التعليقات المتقدمة نمرة (69) إلى (78).
[(15)] محكمة نانس 8 ديسمبر 1856 دللوز (58) و(3) و(61) والنقض في 31 أغسطس 1881, دللوز (82) و(1) و(17) وكلاهما قضى بعدم أحقية الدائن العادي في التمسك بعدم تسجيل البيع ثابت التاريخ قبل تسجيل الحجز وحكمت محكمة بورج Bourges في 12 ديسمبر 1887, دللوز (88)، (2)، (298) بأن الدائن المرتهن يصبح من الغير ابتداءً من تسجيل الحجز فلا يتمسك ضده ببيع لم يكن مسجلاً قبل تسجيل الحجز حتى ولو كان ذا تاريخ ثابت قبله ونحوه باريس 9 فبراير 1877, دللوز (77)، (2) صـ 74، والمراجع العديدة الأخرى المذكورة في الباندكت لفظ imm .Adj جزء (2) بند (1483)، (1384)، (1486).
[(16)] الباندكت المحل المذكور بند (1483).
[(17)] هذا رأي قديم هجره جميع الشراح الحديثين ولم يقل به في الماضي إلا نفر قليل تصدى لهم من فند مزاعمهم وفي الأحكام لم يرد ذكر الحق العيني إلا بمناسبة الدائن المرتهن, مثلاً الحكم الذي رواه الدكتور ذهني في (المداينات), (2) صـ 382 كان متعلقًا بحق دائن مرتهن فأراد الدكتور أن يجعل قاعدته عامة رغمًا من أن الحكم يقرر بصريح العبارة أن ما فيه لا يتعلق إلا بالدائن المرتهن (صـ 386) أما جلاسون فإنه قال بوجود (حقوق مهمة ولم يجسر على ركوب متن الشطط كما فعل من أخذوا بالرأي نفسه (جلاسون (2) بند 1356)، وقد رجع بعض العلماء الأقدمين عن فكرة الحق العيني بعد أن كانوا من أشد أنصارها ولم يقل بها عالم حديث مطلقًا رغم وجود النص عندهم على منع التصرف.
[(18)] جلاسون (2) بند (1356).
[(19)] بودري ودي لوان جزء (3) بند (2014) وقارن جلاسون (2) بند (1349).
[(20)] جلاسون (2) بند (1349)
[(21)] تسييه في تعليقه على حكم النقض في 23 إبريل 1903 دللوز 1906، (1)، (137).
[(22)] تسييه المحل المتقدم.
[(23)] راجع بند (4) هنا وهذه من النقط التي لا جدال فيها ولا خلاف نظرًا للنص الذي يقول:
من يوم تسجيل محضر الحجز لا يجوز للمدين إلى آخره (بند 9 هنا) وجلاسون (2) بند (1349).
[(24)] جلاسون (2) بند (1349) وهذا غريب جدًا من المؤلف العظيم فإنه في بند واحد يجمع بين جميع الحقائق والمتناقضات.. راجع أيضًا بودري ودي لوان (4) بند (2012) .
[(25)] جارسونيه (4) بند (372) وبلانيول (1) بند (2621) وكولان وكابيتان (1) ص (964) وبودري لاكانتيري ودي لوان (4) ص (794) بند (2014) وتعليق دللوز على حكم النقض الذي ألغى حكمًا من محاكم الاستئناف وفي 31 أغسطس سنة 1881, دللوز 1882 و (1) و (17) حيث نفى كل حق عيني وكل امتياز ينشأ عن الحجز أو تسجيله لصالح أي دائن ومهما كانت طبيعة دينه, وغيرهم كثير
[(26)] النقض الفرنسي في 30 أغسطس سنة 1881, والأحكام والمراجع المذكورة في بودري ودي لوان 4 صـ 278 حاشية (2) بند (2015).
[(27)] راجع في ذلك كتابنا في طرق التنفيذ والتحفظ بند (677) وما بعده.
[(28)] جارسون (4) بند (372) وما بعده.
[(29)] بلانيول (1) بند (2622) وما بعده.
[(30)] استئناف مختلط (31) يناير 1884, المجموعة الرسمية (9) صـ 53.
[(31)] استئناف مختلط 15 يونيه 1893, مجموعة التشريع والقضاة (5) صـ 318.
[(32)] هذان الحكمان قد ذكرناهما تحت بنده هنا.
[(33)] صادر من محكمة شبين الكوم في 4 نوفمبر 1915 مج (17) صـ200.
[(34)] صادر من الاستئناف الأهلي في 8 مايو 1912 مج (13) صـ 266.
[(35)] ويوجد حكم ثالث جزئي أيضًا صادر من محكمة ميت غمر أشرنا إليه في كتاب التنفيذ بند (704) وليس فيه ما يخرج عن الحكم الأول.
[(36)] الخطأ نفسه موجود في كتاب المداينات (2) صـ 375 الذي قال (والمفهوم طبعًا أن القانون المختلط مأخوذ عن القانون الفرنسي والقانون الأهلي مأخوذ عن القانون المختلط)، وهذا تعميم لا يفيد شيئًا لأن الواقع يخالفه في هذا الموضوع.
[(37)] جارسون (4) بند (365) وجلاسون (2) بند (1341).
[(38)] راجع مكانه في الحاشية على بند (34) هنا.
[(39)] راجع بند (23) إلى (25) هنا.
[(40)] المجموعة الرسمية (13) صـ (266) نمرة (128).
[(41)] ومع ذلك يظهر أن المحكمة أخذت في هذا التعبير من مادة (280) فتكون قد ارتكبت خطًا جسيمًا لأن سلامة النية والسند الصحيح لهما معانٍ محدودة في القانون ولا ينصرفان مطلقًا إلى الدائن العادي.
[(42)] هذا غير صحيح, ولحسن الحظ أن ما رواه عنا بالحرف الواحد في صـ 405 من المداينات قد تضمن الكلام على هذه النقطة ولكن يظهر أن عدم ذكرنا باللفظ لنظرية (الغيرية) قد جعل الأستاذ يعتقد أننا لم نتكلم عنها مع أنه روى لنا فيها خمسة أسطر.
[(43)] كتاب التنفيذ بند (333 - 335) وجارسونيه (4) بند (121) و(122).
آثار زيادة العشر في البيوع الجبرية
مجلة المحاماة – العدد الثالث
السنة الثامنة عشرة 1938
بحث
آثار زيادة العشر في البيوع الجبرية
(في آثار زيادة العشر في البيوع الجبرية - وهل تعيد الملكية إلى المدين؟ أهمية ذلك بالنسبة لتطبيق القانون الخاص بإيقاف البيوع الجبرية عن بعض الأطيان الزراعية - صمت قانون المرافعات - اختلاف الآراء في فرنسا ومصر - رأي محكمة النقض المصرية - رأى معالي مكرم باشا عبيد - منشورات من وزارة الحقانية لأقلام الكتاب - نقدهما واقتراح الأخذ في التشريع المنتظر برأي محكمة النقض الفرنسية).
(1)
عرض على مجلس النواب في يوم 25 مارس 1937 تقرير لجنة الحقانية عن مشروع القانون الخاص بوقف البيوع الجبرية عن بعض الأطيان الزراعية وهو الذي قالت الحكومة في مذكرتها الإيضاحية عنه أنه مقدمة لما ستتخذه نحو تسوية مشكلة الديون العقارية الناشئة عن الأزمة الحالية تسوية نهائية - وقد نصت المادة الأولى من مشروع اللجنة - وقد اعتمدها المجلس - على ما يأتي:
(ابتداءً من تاريخ العمل بهذا القانون لغاية 31 ديسمبر 1937 تقف البيوع الجبرية لجميع الأراضي الزراعية أو المعدة للبناء وكذلك للعقارات المبنية المملوكة لمدين – إذا كانت أرضه الزراعية كلها أو بعضها قد ترتب عليها رهن أو حق اختصاص في تاريخ سابق على 31 ديسمبر 1932).
وقد استوضح حضرة النائب المحترم الأستاذ محمد توفيق دياب معالي وزير المالية عما إذا كان هذا القانون يسري على البيوع التي بدئ فيها فعلاً ولم تتم - كأن تكون المحكمة قضت بالبيع ورسا المزاد على الدائن ثم جاء من قرر بزيادة العشر وحددت جلسة لإعادة البيع فهل يقف البيع في هذه الحالة طبقًا لهذا القانون: فأجاب معالي وزير المالية (مكرم عبيد باشا) بما يأتي (أن المسألة التي أثارها حضرة النائب المحترم هي في الواقع مسألة فقهية بحتة قد يختلف فيها الرأي - ورأيي الشخصي هو أن كل بيع يقع بعد تاريخ العمل بهذا القانون يقف متى توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في المشروع الحالي، على أنه لا يمكنّي أن أجزم بما سيكون عليه رأي المحكمة في مسألة قانونية كهذه - فمثلاً إذا بيعت أرض لشخص ثم تقرر فيها زيادة العشر وحدد يوم لإعادة البيع فرأيي كمحامٍ أن يقف البيع طبقًا لهذا القانون - وفوق ذلك فإن زيادة العشر ترجع القضية إلى حالتها الأولى كأن لم يكن قد بيع شيء لمن رسا عليه المزاد - هذا رأيي أبديه ارتجالاً ولكني لا أستطيع أن أجزم بما سيكون عليه رأي القضاء في حالة كهذه).
وقد عارض حضرة النائب المحترم الأستاذ كامل بك صدقي هذا الرأي قائلاً (إذا رسا مزاد على شخص ثم زاد آخر العشر - أعيدت إجراءات البيع ولا يمكن وقفها في هذه الحالة - مهما تم من اتفاق بين الدائن والمدين، لأن المسألة تصبح من حق من رسا عليه المزاد ومن زاد العشر، لذلك أرى أنه في مثل هذه الحالة يجب أن تسير الإجراءات ولا يمكن أن يطبق عليها نص المادة الأولى.
وقد انضم إلى الرأي الأخير حضرة النائب المحترم السيد محمد عبد الهادي الجندي بك ورأى وجوب تعديل النص كما رأى حضرة النائب المحترم الأستاذ السيد سليم تعديله ليسري القانون على الحالة التي تقرر فيها الزيادة بالعشر حماية للمدينين، وأخيرًا قال المقرر أن هذه مسألة تتعلق بتطبيق القانون وهي متروكة للسلطة القضائية ووافقه معالي وزير المالية.
(انظر مضبطة الجلسة التاسعة عشرة لمجلس النواب يوم الخميس 25 مارس 1937 الملحقة بالوقائع المصرية عدد (40) يوم 13 مايو 1937).
(2)
وقد رأينا أن نعالج هذا الموضوع الخطير ونتلكم عن طبيعة وآثار زيادة العشر وخاصة عما إذا كان من شأنها أن تعيد ملكية العقار المبيع إلى المدين فيجوز له أن يتفق مع دائنيه كأن يدفع الدين إلى نازع الملكية (والحاجز في القانون المختلط) ويتنازل الأخير عن إجراءات البيع.
وقد اختلفت آراء الشراح والمحاكم في فرنسا ومصر في هذا الأمر أيما اختلاف وتعددت النظريات وما ذلك إلا لصمت قانون المرافعات فهو لم يبين صراحة ما الذي تنتجه زيادة العشر.
1 - أهي تنقل ملكية العقار المبيع فورًا إلى الراسي عليه المزاد الأول؟ أم أن هذه الملكية لا تنتقل إليه إلا إذا مضت مواعيد زيادة العشر دون أن يحصل تقرير بها؟
2 - وإذا انتقلت الملكية فورًا فهل زيادة العشر تفسخ البيع وتعيد الملكية للمدين أم أن الذي يفسخه هو حكم مرسى المزاد الثاني؟ - وبالتالي هل يستطيع المدين - إن حصلت زيادة العشر أن يبيع العقار أو يرهنه؟ - وهل له أن يتصالح مع دائنه نازع الملكية ويدفع له دينه وينهي بذلك إجراءات البيع باعتبار أنه لا زال مالكًا؟ أم لا يجوز له ذلك حتى ولو رضي الراسي عليه المزاد ومقرر الزيادة بالعشر؟
3 - وهل إذا هلك العقار المبيع بحادث قهري كغرق أو حريق عقب زيادة العشر وقبل حكم مرسى المزاد الثاني فعلى من يهلك؟ - أعلى المدين؟ أم على الراسي عليه المزاد الثاني؟ - ثم ما الحكم إذا هلك العقار عقب البيع الأول وقبل زيادة العشر أيهلك على الراسي عليه المزاد الأول باعتباره مالكًا أم على المدين؟
4 - ولمن تكون ثمرات العقار المبيع عند زيادة العشر في الفترة ما بين حكم مرسى المزاد الأول وحكم مرسى المزاد الثاني؟ - أتكون للراسي عليه المزاد الأول باعتباره مالكًا؟ أم يحرم منها وتعطي للمدين باعتبار أنه ما زال مالكًا؟ - وهل في الحالة الأخيرة تعطي الراسي عليه المزاد الأول الذي دفع الثمن ثم فسخ بيعه فوائد عن هذا الثمن؟، ومن يلزم بها؟
5 - وهل يلزم تجديد تسجيلات الرهون لتحفظ مرتبتها بعد تسجيل حكم مرسى المزاد الأول؟ أم لا يلزم ذلك؟
6 - وهل ترد رسوم نقل الملكية إلى الراسي عليه المزاد الأول عند حصول زيادة العشر؟ أم لا ترد بحال بل وتحصل رسوم غيرها عند الحكم بمرسى المزاد الثاني؟
(3)
ولقد رأى البعض أن ملكية العقار المبيع لا تنتقل إلى الراسي عليه المزاد فورًا بل تبقى معلقة على شرط توقيفي هو أن لا تحصل زيادة العشر في الأجل المحدد لها، فإن حصلت فالملكية تستمر للمدين، على أن هذا الرأي يتعارض مع نصوص القانون التي تقضي بأن ملكية المبيع تنتقل إلى المشتري الراسي عليه المزاد فورًا - فالمادة (587) مرافعات أهلي تنص على أن حكم البيع يكون حجة للمشتري بملكية المبيع، والمادة (591) مرافعات أهلي تنص على أن البيع يقع للراسي عليه المزاد، ولهذا لم تأخذ المحاكم المصرية أهلية أو مختلطة بهذا الرأي، أما الرأي المعمول عليه فهو أن الملكية تنتقل إلى الراسي عليه المزاد تحت شرط فاسخ (La condition est resolutoire) فيعتبر الراسي عليه المزاد مالكًا من يوم الشراء إلى أن يتحقق الشرط الفاسخ فيزول الملك عنه وينفسخ البيع ويمتد أثر هذا الفسخ إلى الماضي بحيث يعتبر الراسي عليه المزاد كأنه لم يكن مالكًا أصلاً ولكنهم اختلفوا في تحديد الحادثة التي يتحقق بها هذا الشرط وينفسخ البيع - أهي زيادة العشر أم حكم مرسى المزاد الثاني - وهناك رأيان:
الرأي الأول: هو ما سارت عليه محكمة النقض الفرنسية من أن مجرد التقرير بزيادة العشر يفسخ البيع الأول بدون انتظار نتيجة مرسى المزاد الثاني – مستندة في ذلك إلى المادة (709) من قانون المرافعات الفرنسي التي تقول إن زيادة العشر لا يجوز الرجوع فيها، وإلى المادة (710) منه التي تقضي بأن مقرر الزيادة هو الذي يرسو عليه المزاد إذا لم يتقدم مزايد آخر في يوم إعادة البيع، فهذان النصان يجعلان المزايدة في رأيها عملاً نهائيًا يستدعي حتمًا إعادة بيع العقار – وإذًا فحصول المزايدة يكفي وحده في إنهاء حق الراسي عليه المزاد الأول الذي زيد عليه، وينتج من هذا أن العقار إذا هلك بحادث قهري كحريق أو غرق لا يلزم الراسي عليه المزاد الأول بدفع ثمنه إذ قد اعتبر كأنه لم يكن مالكًا أبدًا (انظر كتاب المرافعات:
Glasson, Tissier & Morel, Traité de Procedure Civile
(الطبعة الثالثة سنة 1932 الجزء الرابع بند (1382) ص (734) وأحكام محكمة النقض الفرنسية الصادرة في 7 ديسمبر سنة 1868 و 6 ديسمبر سنة 1873 و 15 يناير سنة 1873 و 26 إبريل سنة 1881 (الأسباب) و 22 يونيه سنة 1892 وهي الأحكام المشار إليها في هامش الصفحة).
وهذا هو الرأي الذي أخذ به معالي مكرم عبيد باشا.
وتطبيقًا لهذا الرأي إذا هلك العقار قبل التقرير بزيادة العشر فإن الراسي عليه المزاد يكون في ذلك الوقت مالكًا ويجب عليه دفع الثمن.
الرأي الثاني:
يرى أغلبية الشراح الفرنسيين - وأهمهم جارسونيه وجلاسون وسيزاربرو - غير رأي محكمة النقض الفرنسية، ويذهبون إلى أن تقرير الزيادة وحده لا يكفي للفسخ بل يجب لذلك أن يرسو المزاد فعلاً ويصدر به حكم جديد لصالح شخص آخر غير الراسي عليه المزاد الأول - ويقول إن زيادة العشر وإن كانت تعتبر عرضًا مقيدًا لمقررها إلا أنها لا تعتبر بيعها نهائيًا (غير قابل للفسخ) ملزمًا للمدين ولمقرر الزيادة ومبطلاً للبيع الأول للأسباب الآتية:
أولاً: من المحتمل عند إعادة البيع أن يرسو المزاد أيضًا على الراسي عليه المزاد الأول إذا كان هو أعلا مزايد وقالوا إنه في هذه الحالة تبقى الملكية للراسي عليه المزاد الأول - ولكن ردنا على ذلك أن الملكية تؤول إذ ذاك إليه بسبب جديد هو حكم مرسى المزاد الثاني وليس حكم مرسى المزاد الأول.
ثانيًا: قالوا أن الملكية قد تبقي للراسي عليه المزاد الأول رغم حصول الزيادة إذا كانت باطلة - ولكن ردنا على ذلك أن المفروض في زيادة العشر التي تفسخ البيع الأول هي الزيادة الصحيحة قانونًا.
ثالثًا: قالوا بأن الملكية قد تبقى للراسي عليه المزاد الأول رغم حصول الزيادة إذا كان مقرر الزيادة قد تنازل عن حقه فيها برضاء طالب البيع والدائنين - وردنا على ذلك أن الحال يختلف في القانون الأهلي عنه في القانون الفرنسي والمختلط ففي القانون الأهلي إذا لم يقم مقرر الزيادة بإجراءات البيع الثاني قام بها قلم الكتاب من تلقاء نفسه كما سيأتي.
هذه هي حجج الشراح الفرنسيين وقد خلصوا منها إلى القول بأن زيادة العشر ليست إلا تهديدًا بالفسخ une simple menace de resolution (انظر ملحق موسوعة داللوز جزء (17) تحت كلمة surenchere فقرة (283)) فإذا هلك المبيع بعد زيادة العشر وقبل مرسى المزاد الثاني فالذي يتحمل الخسارة في رأيهم هو الراسي عليه المزاد الأول باعتباره مالكًا لم يفسخ عقده – أما إذا صدر حكم مرسى مزاد ثانٍ بعد الزيادة بالعشر فقد تساءل الشراح عمن يكون مالكًا للعقار في الفترة بين الحكمين - وبالتالي من له الحق في الثمرات ومن يلزم بالخسارة - أيكون المدين مالكًا؟ استبعدوا هذا وزعموا أن من رسا عليه المزاد أخيرًا يعتبر كأنه كان مالكًا من وقت مرسى المزاد الأول وهم بهذا يتغاضون عن نظرية الشرط الفاسخ التي تقضي باعتبار المدين مالكًا إلى وقت رسو المزاد الثاني - ولكن جارسون يأبى هذه النتيجة ويصر على اعتبار الراسي عليه المزاد الثاني مالكًا من يوم مرسى المزاد الأول قائلاً أنه لا يقبل من نتائج نظرية الفسخ ما لا يتفق مع حكمة مشروعية زيادة العشر، وهو يرجع اعتبار المشتري الثاني مالكًا من يوم الحكم الأول إلى اعتبارات يقول إنها مستمدة من طبيعة زيادة العشر ومن إرادة الشارع ومن غرابة أو سقم المركز الذي يكون المدين فيه مالكًا للعين في الفترة بين حكمي مرسى المزاد (كذا) وإذن فهلاك العقار بقوة قاهرة يكون على الراسي عليه المزاد الأول إلى وقت صدور حكم مرسى المزاد الثاني وعليه رسم انتقال الملكية رغم التقرير بالزيادة.
(جارسونيه الطبعة الثالثة (5) بند (480 – 485).
أما سيزار برو - وهو منقح الطبعة الثالثة من كتاب جارسونيه سالف الذكر فإنه يقول إما الشرط الفاسخ بكل نتائجه - وإما عدول عنه إلى نظرية أخرى - ويريد أن يصل إلى نفس النتائج التي رآها جارسونيه بتعليل جديد فتارة يقول إن الراسي عليه المزاد الأول يعتبر كأنه كان وكيلاً ضمنًا عن الراسي عليه المزاد الثاني وطورًا يدعى أنه في الواقع لم يحصل بيعان بل حصل استمرار لبيع واحد ابتدأ من وقت مرسى المزاد الأول وانتهى في يوم مرسى المزاد الثاني.
(Les encheres ont lieu à deux reprises, dans deux audiences, elles sont séparées par un intervalle de temps, d’aillears assez court mais toutes les enchères sont relatives à une offre de vente unique)
ورأى سيزار برو هذا مع ما فيه من حذق ومهارة لا يخلو من عيب كما يقول جلاسون ومن معه (في كتابهم سالف الذكر صفحة (736)) فهم يرون أن هناك بيعين مستقلين لا بيعًا واحدًا وأن الأفضل تطبيق النتائج العادية للفسخ أي أنه بمجرد حصول المزايدة ينفسخ البيع الأول الحاصل للراسي عليه المزاد الأول وتعود الملكية للمدين ولا تنزع منه إلا بصدور حكم مرسى المزاد الثاني ويقولون – أن هذا الحل هو الذي سار عليه القضاء – وهذا نص ما ذكروه:
(Quelque ingenieux que soit ce systeme, on peut lui reprocher de faire trop bon marché de la premiere adjudication Celle - ci a bien transféré a l’adjudicataire la propriéte de l’immeuble saisi, encore que cette propriété fùt subordonnée à la condition résolutoire de la survenace d’une surenchère, elle n’en était pas moins pour le premiere adjudicatairc un titre d’acquisition. Il s’agit bien de deux adjudications independentes. Je est donc préferable d’appliquer ici les conséquences ordinaires de la resolution. On décidera dès lors que l’anéantissement retsoactif de la propriete de l’adjudicataire a poar conséquence de rétablir le saisi dans sa propriété sur l’immeuble, le saisi ne scra dépossédé que par l’adjudiction sur surenchère, et vis - à - vis des tiers, par la tranion de cette adjudication. C’est seulencnt à cette date que le second adjudicataire deviendra proprietaire. Telle est la solutim à laquelle se tient la Jurisprudence.
إلا أنهم بعد ذلك يضعون القاعدتين الآتيتين:
القاعدة الأولى: حق الراسي عليه المزاد الأول بفسخ بمرسى المزاد الثاني بناءً على زيادة العشر، فكأنهم يصرون رغم ما ذكروه آنفًا على أن زيادة العشر لا تكفي وحدها للفسخ.
القاعدة الثانية: بسبب هذا الفسخ يعتبر المدين المحجوز عليه مالكًا للعقار حتى حكم مرسى المزاد الثاني، ثم يرتبون على ذلك ما يأتي:
1 - لا يلزم الراسي عليه المزاد الأول بالثمن وله استرداده إن كان دفعه ولا يلزم برسم نقل الملكية ولكنه في الوقت نفسه يلزم برد ما يكون استولى عليه من الثمرات إذ يكون أخذه لها بلا سبب sans cause وتلغي عقود الإيجار التي يكون أبرمها مع الغير.
ويبرر جلاسون هذا بأنه ما كان يصح للغير أن يتعاقد معه فإن فعل فإنه يتحمل نتيجة طيشه
2 - تنتقل الملكية من المدين إلى الراسي عليه المزاد الثاني مباشرة فالمدين هو صاحب الحق في الاستيلاء على ثمرات العقار في الفترة بين حكمي المزاد مع ملاحظة حقوق الدائنين المسجلين (انظر المرجع السابق بند (1383) ص (737 – 739).
على أن المؤلفين مع هذا لا يودون التقيد بنظرية الشرط الفاسخ ويريدون أن يستبعدوا ما يكون لها من نتائج ضارة بحجة أن زيادة العشر إنما شرعت لفائدة المدين ودائنيه حتى يصل ثمن العقار إلى أقصى حد ممكن فيجب أن لا يترتب عليها ما فيه ضرر بالدائنين وانتقاص من ضمانهم ويشيرون إلى رأي - جوسران Gosserand (طرق التنفيذ بند (266)) كما يشيرون إلى أمرين أولهما: أن العمل جرى في فرنسا على أن لا يسجل حكم مرسى المزاد الأول (أما في القانون المصري فواجب تسجيله)
وثانيهما: أنه ما دام أن الرهن لا يحدث أثره القانوني إلا من يوم تسجيل حكم مرسى المزاد فإن التسجيلات العقارية يجب أن تجدد حتى تسجيل حكم مرسى المزاد الثاني الذي وحده يحدد حقوق الدائنين على الثمن.
(جلاسون ومن معه المرجع السابق ص (740)) – وسنرى أن الحال يختلف في القانون الأهلي
(4)
رأي المحاكم المختلطة
اتبعت هذه المحاكم أول الأمر رأي محكمة النقض الفرنسية وبينها محكمة الاستئناف ولكن الأخيرة عدلت عنه واتبعت رأي الشراح الفرنسيين منذ سنة 1913 على الأقل.
(انظر أحكامها الصادرة في 27 مايو 1912 و 14 إبريل 1914 و 26 إبريل 1916 و 11 ديسمبر سنة 1928 وهذا الحكم الأخير منشور في المحاماة السنة التاسعة رقم (541) وكذا رقم (499)) إلا أنه رغم عدول محكمة الاستئناف المختلطة عن الرأي الأول فقد ظلت محكمة مصر الابتدائية المختلطة متمسكة به فأصدرت بتاريخ 30 مارس 1915 حكمًا مملوءًا بالأبحاث المستفيضة في الموضوع قضت فيه بأن ملكية العقار تعود إلى المدين بمجرد الزيادة وبأن رسوم البيع لا تستحق على المشتري الراسي عليه المزاد الأول وله الحق في استردادها مع عشر الثمن الذي دفعه (الجازيت (5) ص (127) نمرة (33)) وقد دافع الأفوكاتو ينجالون عن الرأي الأول - رأي لمحكمة النقض الفرنسية في مقال له نشر في الجازيت (5) ص (119) - كما دافع المسيو إيمان النائب العمومي لدى المحاكم المختلطة سابقًا عن الرأي الثاني في مقال له (نشر في مصر العصرية نمرة (24) – 25 سنة 1916) وسنرى أن هناك اختلافًا جوهريًا بين قانوني المرافعات الأهلي والمختلط في بعض النصوص يدعو إلى الأخذ برأي محكمة النقض الفرنسية في القضاء الأهلي.
(5)
رأي المحاكم الأهلية
قبل أن نتكلم عن المحاكم الأهلية وآراء الشراح الوطنيين نريد أن نشير إلى فارقين عظيمين بين النصوص الفرنسية والمختلطة والأهلية:
الفارق الأول:
واجب كل من قانوني المرافعات الأهلي والمختلط على مقرر الزيادة بالعشر أن يعلن تقريره مع بيان اليوم الذي يحدد للبيع إلى كل من (1) الدائن الذي طلب البيع (2) والدائنين المسجلين (3) وللراسي عليه المزاد - أوجب عليه ذلك في ميعاد قدره ثمانية أيام في القانون الأهلي وثلاثة أيام في القانون المختلط - فإن مضى هذا الميعاد ولم يقم مقرر الزيادة بالإعلان فيه فإن القانون الأهلي يوجب على كاتب المحكمة أن يقوم هو بالإعلان في خلال الثمانية أيام التالية (580 و 583 مرافعات أهلي) أما القانون المختلط فإن الإعلان يحصل في خلال الثلاثة أيام التالية بناءً على طلب أي شخص من الأشخاص الثلاثة المتقدمة ذكرهم (وهم الدائن وطالب البيع والدائنون المسجلون والراسي عليه المزاد) فإن لم يتقدم أحد من هؤلاء بالإعلان فإن زيادة العشر تكون ملغاة وتعتبر باطلة لا أثر لها بدون لزوم للحكم بذلك ((662) مرافعات مختلط) فزيادة العشر في القانون في القانون المختلط إذن لا تقيد صاحبها في كل الأحوال ويمكنه أحيانًا التخلص منها - ونلاحظ - أولاً - أن كلا النصين الأهلي والمختلط لم يوجب على مقرر الزيادة أن يعلن المدين بها وباليوم الذي يحدد للبيع مع من أوجب عليه إعلانهم قانونًا في حين أن الأمر يهم المدين قبل غيره.
ونلاحظ ثانيًا أن النص المختلط وهو لم يوجب إعلان المدين بالزيادة وبيوم البيع الجديد - لم يخوله حق إعلان ذوي الشأن بهما عند قعود المزايد عنه مع أن القانون الفرنسي قد أعطاه هذا الحق (المادة (709) مرافعات فرنسي) ثم إن القانون المختلط في الوقت نفسه لم يلزم كاتب المحكمة بأن يباشر هو الإعلان إذا لم يقم به المزايد في حين أن القانون الأهلي ألزم الكاتب - وفي هذا وذاك كل الضرر بالمدين إذ قد يغفل دائنوه عن إعلانه أو قد يتواطأ الراسي عليه المزاد الأول مع المزايد بالعشر لمنع المزايدة - هذا الخلاف الجوهري بين القانونيين الأهلي والمختلط أشار إليه حضرة النائب المحترم السيد محمد عبد الهادي الجندي بك عند مناقشة مجلس النواب لقانون إيقاف البيوع السابق الإشارة إليه وحدا به إلى أن يطلب تعديله بحيث تقف البيوع التي تقرر فيها بزيادة العشر - كما أن هذا الخلاف الجوهري اعتمد عليه حضرتا قمحة بك وعبد الفتاح السيد بك في كتابهما وقالا بحق أنه طبقًا للقانون الأهلي يخلي طرف الراسي عليه المزاد الأول بمجرد التقرير بزيادة العشر - لأن مقرر الزيادة يصبح مرتبطًا بتقريره لا يملك العدول عنه - فحصول المزايدة تعيد للمدين الحرية التامة في البيع والرهن والوفاء إذ الملكية زالت من يد الراسي عليه المزاد الأول وهي لم تكتسب بعد لمجرد الزيادة - فوجب أن تعود إلى صاحبها الأصلي المدين لأنه غير معقول إن تبقى العين بلا مالك في المدة بين المزايدتين - أما بالنسبة للتشريع المختلط فإن المؤلفين يريان أن الراسي عليه المزاد الأول يفقد ملكيته بحكم مرسى المزاد الثاني نفسه وليس بتقرير الزيادة من مجددها لأن هذا التقرير لا يلزمه (كتاب التنفيذ علمًا وعملاً بند (714)).
الفارق الثاني:
في فرنسا وطبقًا لرأي جارسونيه ((5) بند (482)) لا ضرورة لتجديد تسجيل الرهون بعد تسجيل حكم المزاد الأول - لأنه ما دامت الملكية لا تعود إلي المدين وما دام محظورًا على المدين أن يتصرف في العقار لخروجه نهائيًا عن ملكه - فلا يمكن أن يتغير مركز أصحاب الرهون بعد تسجيل حكم مرسى المزاد الأول – إذ تسجيله يجعل الرهون تنتج نتيجتها النهائية
أما في مصر فإن المادة (570) مدني أهلي ((694) مدني مختلط) لا تعفى من تجديد تسجيل الرهون إلا بعد فوات مواعيد زيادة العشر - فلا بد من تجديد التسجيل إلى أن تنتهي العشرة الأيام المقررة للزيادة من غير حصولها فإن حصلت فلا بد من التجديد حتى مرسى المزاد والثاني ونرى من هذا أن القانون المصري بإيجابه تجديد التسجيلات مدة إجراءات زيادة العشر فلأنه يعتبر أن الملكية تعود إلى المدين بمجرد زيادة العشر.
رأى المرحوم أبي هيف بك - انتقد الشراح الفرنسيين أي انتقاد ورأى عدم التقيد بالنظريات وأن تكون آثار زيادة العشر وحكم رسو المزاد الثاني مستمدة من تطبيق قواعد القانون وروحه ولكنه عندما أورد حلولاً اعتبرها آثارًا صحيحة لزيادة العشر ذكر من بينها أن التقرير بالزيادة لا يعيد الملكية إلى المدين فلا يستطيع بدفع ديونه أن يمنع المزايدة الثانية من الحصول (طرق التنفيذ والتحفظ بند (951) و (954)) قال ذلك مع أنه سبق أن ذكر (في بند (926)) أن نظام زيادة العشر شرع لفائدة المدين والدائنين والثروة العقارية - مع أنه ليس أصلح لفائدة المدين ودائنيه والثروة العقارية من أن يسدد المدين دينه فيحصل دائنه رافع الدعوى على مطلوبه وتعود الملكية إلى المدين ويظل العقار كما كان ضامنًا لدائنيه الآخرين الذين لم يتخذوا إجراءات ضده.
أحكام المحاكم الأهلية:
استنادًا إلى الفارقين سالفي الذكر بين النصوص الفرنسية والمختلطة والأهلية أخذنا برأي محكمة النقض الفرنسية في حكم أصدرناه بتاريخ 21 مارس سنة 1933 من محكمة أبي حمص الأهلية (ونشر بمجلة المحاماة السنة السادسة عشرة العدد (4) رقم (188) ص (453)).
وقلنا فيه أن الملكية إنما تعود إلى المدين بمجرد التقرير بزيادة العشر - وقد سبق أن اتبع هذا الرأي بعض المحاكم الأهلية من ذلك حكم محكمة استئناف مصر الأهلية الصادر في 22 نوفمبر 1927 (ونشر بالمحاماة 8 رقم (239) ص (321)) وحكم محكمة الاستئناف الأهلية الصادر في 10 نوفمبر 1926 (ونشر بالمحاماة سنة 7 رقم (237) ص (344)) – أما البعض الآخر من المحاكم الأهلية فقد جارى الاتجاه الحديث لمحكمة الاستئناف المختلطة (انظر استئناف 30 إبريل 1930 محاماة سنة 10 رقم (433) ص (862)).
حكم محكمة النقض المصرية:
أصدرت هذه المحكمة حكمًا بتاريخ 2 يونيه سنة 1932 (ونشر بمجلة المحاماة السنة 13 عدد (2) رقم (60) ص (152)) قالت فيه:
1 - إن الاستناد إلى المادتين (580) و (583) من قانون المرافعات الأهلي (وقد استند إليهما قمحه بك وعبد الفتاح السيد بك كما سبق القول) غير مجد لأن المراد منهما استيفاء الإجراءات المتعلقة بزيادة العشر ليس إلا (وقد رأينا أن الاستناد إليهما مجد لما سبق ذكره وبالأخص لأن القانون الأهلي تعمد أن يخالف القانونين الفرنسي والمختلط بتحتيمه على كاتب المحكمة أن يتمم هو إجراءات زيادة العشر وما ذلك إلا لأنه يرى أن الملكية قد عادت إلى المدين بزيادة العشر).
2 - ثم قالت محكمة النقض أنه سواء كانت هذه الزيادة ملزمة لمن قررها أو غير ملزمة فإنها ترى رأي الشراح الفرنسيين لما ذكروه من أن التقرير بالزيادة لا يعتبر بيعًا نهائيًا ملزمًا للمدين ولمقرر الزيادة ومبطلاً للبيع الأول – ولا يؤدي حتمًا إلى إعادة البيع – وقد سبق لنا الرد على كل حجة من حجج الشراح الفرنسيين.
3 - ثم أضافت محكمة النقض اعتبارًا آخر وهو أن المادة (587) مرافعات تقضي بأن حكم البيع يكون حجة للمشتري بملكية المبيع وإذن يجب القول بألا تأثير لتقرير الزيادة في البيع الذي تم بصدور حكم مرسى المزاد الأول والذي يبقى قائمًا إلى أن يسقط بصدور حكم جديد - ولكن يلاحظ أن البيع إنما يقع معلقًا على شرط فاسخ ولم تبين المادة (587) مرافعات أو غيرها هذا الشرط الفاسخ فلم لا يكون التقرير بزيادة العشر؟
4 - على أن محكمة النقض ذكرت أخيرًا وبحق أنه مع عدم وجود نص صريح في القانون يقضي بأن مجرد تقرير الزيادة بالعشر يفسخ حكم مرسى المزاد الأول فلا محل للقول بأن محكمة الموضوع (وقد كانت أخذت برأي الشراح الفرنسيين) بترجيحها رأيًا على رأي في الموضوع قد أخطأت في تطبيق القانون.
ونحن نسجل على محكمة النقض هذا القول فلو أخذت محكمة الموضوع بالرأي الآخر وهو رأي محكمة النقض الفرنسية فلا سبيل إلى نقض حكمها مما مالت محكمة النقض نفسها إلى الرأي الأول إذ لا محل للقول بأن محكمة الموضوع أخطأت في تطبيق القانون - وهو قد صمت - في ترجيحها رأيًا على رأي - ونحن نرى منعًا لما قد ينشأ عن هذا من الفوضى أن ينص صراحة على آثار زيادة العشر في التشريع المنتظر وأن يؤخذ فيه برأي محكمة النقض الفرنسية صيانة للثروة العقارية ورحمة بالمدين.
(6)
منشوران لوزارة الحقانية بخصوص زيادة العشر ونقدهما
عرضت أخيرًا على محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية قضية ظروفها كما يأتي: حكم بنزع ملكية مدين من عقار يملكه وبيع بالمزاد العلني - وأثناء البيع توفي المدين ثم توفي أحد ورثته - ثم رسا المزاد أخيرًا على الدائن طالب البيع وقد أودع في قلم كتاب المحكمة نحو عشرين جنيهًا باقي الثمن والمصاريف بعد خصم دينه - وبعد ذلك تقدم آخر وقرر بزيادة العشر في الميعاد القانوني وأودع بقلم كتاب المحكمة نحو اثنين وعشرين جنيهًا قيمة خمس الثمن والمصاريف وتحددت جلسة أخرى للبيع وفيها تنازل الدائن طالب البيع والذي رسا عليه المزاد الأول عن السير في إجراءات البيع وعن حكم مرسى المزاد الأول كما تنازل المزايد بالعشر عن زيادته وأثبت قاضي البيوع هذا التنازل بحضور ورثة المدين الذين أعلنهم طالب البيع ولكن لما أراد الراسي عليه المزاد الأول والمزايد بالعشر أن يستردا من قلم الكتاب ما أودعه كل منهما امتنع قلم الكتاب عن ذلك بحجة أن تنازلهما أمام المحكمة كانا ناقصًا لأنهما لم يقدما إعلامات شرعية بأسماء ورقة المدين وبأسماء ورثة من توفي منهم ولم يقدما شهادات عقارية بأسماء كل من هؤلاء الورثة ليمكن إعلانهم جميعًا وإعلان دائنيهم أرباب الحقوق المسجلة إن وجدوا إذ لا بد من تمثيل هؤلاء والحصول على رضاهم بالتنازل عن الإجراءات وبصرف المبلغين المودعين - وقلم الكتاب إذ يتشدد على هذا النحو فإنما ينفذ منشورًا أصدرته وزارة الحقانية إلى أقلام الكتاب بتاريخ 6 فبراير 1935 بناءً على فتوى من قلم القضايا - وقد فسرته بمنشور آخر أصدرته بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1935 - وهذان المنشوران أساسهما الرأي القائل بأن الملكية لا تعود إلى المدين بتقرير الزيادة بل تبقى للراسي عليه المزاد الأول حتى حكم مرسى المزاد الثاني، على أن هذين المنشورين حتى مع التسليم بالرأي الذي استندا إليه فإنهما قد أسرفا في التشدد والاحتياط إسرافًا مجحفًا بالمدين إذ ملخصهما ما يأتي:
1 - إذا حضر للجلسة المحددة للمبيع بعد التقرير بزيادة العشر كافة أصحاب الشأن وقرروا جميعًا باتفاق فيما بينهم إعادة الأمور إلى حالتها الأولى - وذلك بتنازلهم عن دعوى البيع وعن حكم رسو المزاد وعن التقرير بالزيادة - وأثبت لهم قاضي البيوع ذلك - فإنه يترتب على هذا ضمنًا تنازل الراسي عليه المزاد عن ملكية العقار المنزوع إلى المدين - ويجب في هذه الحالة أن يؤشر قلم الكتاب بمضمون المحضر المذكور على هامش تسجيل حكم مرسى المزاد - وبعد ذلك يرد إلى كل من الراسي عليه المزاد الأول وإلى مقرر الزيادة أمانته المودعة بعد أن يخصم منها الرسوم المستحقة له وكذا رسم نقل الملكية من الراسي عليه المزاد الأول إلى المدين وهو ما يعادل رسم التسجيل المنصوص عنه في المادة الأولى من قانون التسجيل.
2 - وإذا لم يكن هناك إجماع من ذوي الشأن على الاتفاق ففي هذه الحالة يجب على المحكمة أن ترفض إثبات الاتفاق ولها أن تأمر بشطب الدعوى ولا يجوز لقلم الكتاب في هذه الحالة أن يرد المبالغ المودعة - ولكن يجوز بعد الشطب لكل ذي شأن أن يعيد القضية للمحكمة سواء للاستمرار في إجراءات البيع أو لإثبات اتفاق جميع ذوي الشأن.
3 - وقرر المنشوران أن أرباب الديون المسجلة للمدين المنزوع ملكيته هم من أولى الشأن.
4 - وأنه إذا أثبت المحكمة خطأ الاتفاق المقدم بدون إجماع أولي الشأن فلا يرد قلم الكتاب الودائع المذكورة إلا إذا أقر بذلك من لم يدخل منهم في الاتفاق أو استصدر من له مصلحة حكمًا في مواجهتهم ومواجهة قلم الكتاب.
ونلاحظ على المنشورين ما يأتي:
أولاً: غير مفهوم سبب التشدد في اعتبار أرباب الديون المسجلة للمدين من ذوي الشأن الذين يجب تمثيلهم ورضاهم بالاتفاق - فإن هذا التشدد يستدعي استصدار إعلامات شرعية لورثة المدين المتوفى وأخرى بورثة من توفي من ورثته ثم استخراج شهادات عقارية عن كل وارث من هؤلاء الورثة وكل هذا يستغرق وقتًا كبيرًا ويتطلب نفقات كثيرة سيلزم بها المدين المسكين آخر الأمر مع أن زيادة العشر إنما شرعت لمصلحته ومع أن الاتفاق الذي به ترجع الملكية إلى المدين هو في صالحه وصالح ورثته من بعده بل وفي صالح دائنيه المحفوظة ديونهما بالتسجيل على العقار والذين لم يطلبوا البيع وإنما طلبه دائن آخر أقر الاتفاق - ونرى أنه حتى مع الأخذ برأي الشراح الفرنسيين فإنه يكفي أن يقر الاتفاق بعض الورثة لأنه يعتبر ممثلاً لباقي الورثة ولجميع الدائنين في هذا الاتفاق المفيد للجميع ونلاحظ:
ثانيًا: أن الأخذ بالمنشورين قد ينفر الناس من التقدم للشراء في البيوع الجبرية فيضيع الغرض الذي قصده الشارع وسعى إليه بشتى الطرق وهو الوصول بالثمن إلى أقصى حد مستطاع، إذ نفرض أن الاتفاق الذي عرض على قاضي البيوع كان ناقصًا لأنه لم يمثل فيه أرباب الديون المسجلة مثلاً ونفرض أن المزايد بالعشر قام باستخراج أعلامات شرعية بأسماء الورثة ثم باستخراج شهادات عقارية لكل منهم حتى إذا ما عرف منها دائنيهم واتصل بهم فإنهم قد يرفضون الاتفاق، ولنفرض أنه رفع عليهم دعوى لإثبات الاتفاق فحضروا أمام المحكمة وطلبوا رفض إثباته فأجابتهم إلى ما طلبوا – نفرض هذا فلا يبقى أمام المزايد بالعشر إلا أن يعيد إجراءات البيع حتى يحصل على مبلغه المودع كما جاء في المنشورين ولكنه لا يستطيع السير في هذه الإجراءات لأنه ليس صاحب الحق القانوني فيه كما قضت بذلك محكمة النقض - فإن سار القاضي في إجراءات البيع وقع حكمه باطلاً لعدم استيفائه شرطًا أساسيًا إجرائيًا تفرضه المادتان (584) و (569) مرافعات وهو أن يكون البيع بناءً على طلب الدائن الذي طلب البيع أو غيره من أرباب الديون المسجلة عند الاقتضاء (حكم محكمة النقض المدنية الرقيم (6) يونيه سنة 1935 والمنشور بمجلة المحاماة سنة 16 عدد (2) رقم (104)).
وإنا نلاحظ على المنشورين أيضًا أنهما يتطلبان تحصيل رسوم جديدة عن نقل الملكية من الراسي عليه المزاد الأول إلى المدين – وهذه غير الرسوم السابق تحصيلها عن نقل الملكية من المدين إلى الراسي عليه المزاد الأول عن حكم مرسى المزاد الأول – والغريب أن المنشورين يطلبان من أقلام الكتاب أن تتقاضى الرسوم الجديدة من الأمانة المودعة من كل من الراسي عليه المزاد الأول والمزايد بالعشر معًا ومن غير توزيعها بينهما مع أن الملزم بها هو المدين.
وقد أخذت محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية في القضية التي ذكرنا ظروفها (وهي نمرة (371) استئناف سنة 1937 دائرة حضرة رئيس المحكمة محمد صدقي خليل بك) برأي محكمة النقض الفرنسية وقالت أن ما حدا بها إلى الأخذ بهذا الرأي (هو الحالة المالية وتسهيل الطريق للمدين لسداد ما عليه من الديون محافظة على الثروة العقارية وكذا تسهيل للدائن والمدين لحصوله على دينه خلافًا للنظرية الأولى التي توجد عراقيل لا مبرر لها أمام الدائن والمدين - هذا فضلاً عن أن الحقوق العينية محفوظة برجوع العين إلى صاحبها - أما ما يطلبه المستأنفان من اتفاق جميع ذوي الشأن على فسخ حكم مرسى المزاد الأول - في حالة صدور حكم ثانٍ – فهذه إجراءات تستلزم مصاريف تربو على المبالغ المطلوب صرفها).
وأخيرًا فإنا نقترح بأن ينص صراحة في قانون المرافعات الجديد المنتظر على أن زيادة العشر تعيد الملكية إلى المدين ولكن في الوقت نفسه يحرم عليه أن يتصرف في العقار المنزوع ملكيته بالبيع أو الرهن أو غيره من الحقوق العينية حتى حكم على مرسى المزاد الثاني، وبأن ينص فيه على أن اتفاق المدين والدائن نازع الملكية والراسي عليه المزاد الأول والمزايد بالعشر يكفي وحده لمنع السير في إجراءات البيع الثاني وألا تحصل إذ ذاك رسوم نقل ملكية جديدة بل يكتفي بالتأشير على هامش حكم مرسى المزاد الأول بالتقرير بزيادة وبهذا الاتفاق يصبح المدين مالكًا للعقار حر التصرف فيه.
أحمد الجارم
القاضي بمحكمة إسكندرية الأهلية
السنة الثامنة عشرة 1938
بحث
آثار زيادة العشر في البيوع الجبرية
(في آثار زيادة العشر في البيوع الجبرية - وهل تعيد الملكية إلى المدين؟ أهمية ذلك بالنسبة لتطبيق القانون الخاص بإيقاف البيوع الجبرية عن بعض الأطيان الزراعية - صمت قانون المرافعات - اختلاف الآراء في فرنسا ومصر - رأي محكمة النقض المصرية - رأى معالي مكرم باشا عبيد - منشورات من وزارة الحقانية لأقلام الكتاب - نقدهما واقتراح الأخذ في التشريع المنتظر برأي محكمة النقض الفرنسية).
(1)
عرض على مجلس النواب في يوم 25 مارس 1937 تقرير لجنة الحقانية عن مشروع القانون الخاص بوقف البيوع الجبرية عن بعض الأطيان الزراعية وهو الذي قالت الحكومة في مذكرتها الإيضاحية عنه أنه مقدمة لما ستتخذه نحو تسوية مشكلة الديون العقارية الناشئة عن الأزمة الحالية تسوية نهائية - وقد نصت المادة الأولى من مشروع اللجنة - وقد اعتمدها المجلس - على ما يأتي:
(ابتداءً من تاريخ العمل بهذا القانون لغاية 31 ديسمبر 1937 تقف البيوع الجبرية لجميع الأراضي الزراعية أو المعدة للبناء وكذلك للعقارات المبنية المملوكة لمدين – إذا كانت أرضه الزراعية كلها أو بعضها قد ترتب عليها رهن أو حق اختصاص في تاريخ سابق على 31 ديسمبر 1932).
وقد استوضح حضرة النائب المحترم الأستاذ محمد توفيق دياب معالي وزير المالية عما إذا كان هذا القانون يسري على البيوع التي بدئ فيها فعلاً ولم تتم - كأن تكون المحكمة قضت بالبيع ورسا المزاد على الدائن ثم جاء من قرر بزيادة العشر وحددت جلسة لإعادة البيع فهل يقف البيع في هذه الحالة طبقًا لهذا القانون: فأجاب معالي وزير المالية (مكرم عبيد باشا) بما يأتي (أن المسألة التي أثارها حضرة النائب المحترم هي في الواقع مسألة فقهية بحتة قد يختلف فيها الرأي - ورأيي الشخصي هو أن كل بيع يقع بعد تاريخ العمل بهذا القانون يقف متى توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في المشروع الحالي، على أنه لا يمكنّي أن أجزم بما سيكون عليه رأي المحكمة في مسألة قانونية كهذه - فمثلاً إذا بيعت أرض لشخص ثم تقرر فيها زيادة العشر وحدد يوم لإعادة البيع فرأيي كمحامٍ أن يقف البيع طبقًا لهذا القانون - وفوق ذلك فإن زيادة العشر ترجع القضية إلى حالتها الأولى كأن لم يكن قد بيع شيء لمن رسا عليه المزاد - هذا رأيي أبديه ارتجالاً ولكني لا أستطيع أن أجزم بما سيكون عليه رأي القضاء في حالة كهذه).
وقد عارض حضرة النائب المحترم الأستاذ كامل بك صدقي هذا الرأي قائلاً (إذا رسا مزاد على شخص ثم زاد آخر العشر - أعيدت إجراءات البيع ولا يمكن وقفها في هذه الحالة - مهما تم من اتفاق بين الدائن والمدين، لأن المسألة تصبح من حق من رسا عليه المزاد ومن زاد العشر، لذلك أرى أنه في مثل هذه الحالة يجب أن تسير الإجراءات ولا يمكن أن يطبق عليها نص المادة الأولى.
وقد انضم إلى الرأي الأخير حضرة النائب المحترم السيد محمد عبد الهادي الجندي بك ورأى وجوب تعديل النص كما رأى حضرة النائب المحترم الأستاذ السيد سليم تعديله ليسري القانون على الحالة التي تقرر فيها الزيادة بالعشر حماية للمدينين، وأخيرًا قال المقرر أن هذه مسألة تتعلق بتطبيق القانون وهي متروكة للسلطة القضائية ووافقه معالي وزير المالية.
(انظر مضبطة الجلسة التاسعة عشرة لمجلس النواب يوم الخميس 25 مارس 1937 الملحقة بالوقائع المصرية عدد (40) يوم 13 مايو 1937).
(2)
وقد رأينا أن نعالج هذا الموضوع الخطير ونتلكم عن طبيعة وآثار زيادة العشر وخاصة عما إذا كان من شأنها أن تعيد ملكية العقار المبيع إلى المدين فيجوز له أن يتفق مع دائنيه كأن يدفع الدين إلى نازع الملكية (والحاجز في القانون المختلط) ويتنازل الأخير عن إجراءات البيع.
وقد اختلفت آراء الشراح والمحاكم في فرنسا ومصر في هذا الأمر أيما اختلاف وتعددت النظريات وما ذلك إلا لصمت قانون المرافعات فهو لم يبين صراحة ما الذي تنتجه زيادة العشر.
1 - أهي تنقل ملكية العقار المبيع فورًا إلى الراسي عليه المزاد الأول؟ أم أن هذه الملكية لا تنتقل إليه إلا إذا مضت مواعيد زيادة العشر دون أن يحصل تقرير بها؟
2 - وإذا انتقلت الملكية فورًا فهل زيادة العشر تفسخ البيع وتعيد الملكية للمدين أم أن الذي يفسخه هو حكم مرسى المزاد الثاني؟ - وبالتالي هل يستطيع المدين - إن حصلت زيادة العشر أن يبيع العقار أو يرهنه؟ - وهل له أن يتصالح مع دائنه نازع الملكية ويدفع له دينه وينهي بذلك إجراءات البيع باعتبار أنه لا زال مالكًا؟ أم لا يجوز له ذلك حتى ولو رضي الراسي عليه المزاد ومقرر الزيادة بالعشر؟
3 - وهل إذا هلك العقار المبيع بحادث قهري كغرق أو حريق عقب زيادة العشر وقبل حكم مرسى المزاد الثاني فعلى من يهلك؟ - أعلى المدين؟ أم على الراسي عليه المزاد الثاني؟ - ثم ما الحكم إذا هلك العقار عقب البيع الأول وقبل زيادة العشر أيهلك على الراسي عليه المزاد الأول باعتباره مالكًا أم على المدين؟
4 - ولمن تكون ثمرات العقار المبيع عند زيادة العشر في الفترة ما بين حكم مرسى المزاد الأول وحكم مرسى المزاد الثاني؟ - أتكون للراسي عليه المزاد الأول باعتباره مالكًا؟ أم يحرم منها وتعطي للمدين باعتبار أنه ما زال مالكًا؟ - وهل في الحالة الأخيرة تعطي الراسي عليه المزاد الأول الذي دفع الثمن ثم فسخ بيعه فوائد عن هذا الثمن؟، ومن يلزم بها؟
5 - وهل يلزم تجديد تسجيلات الرهون لتحفظ مرتبتها بعد تسجيل حكم مرسى المزاد الأول؟ أم لا يلزم ذلك؟
6 - وهل ترد رسوم نقل الملكية إلى الراسي عليه المزاد الأول عند حصول زيادة العشر؟ أم لا ترد بحال بل وتحصل رسوم غيرها عند الحكم بمرسى المزاد الثاني؟
(3)
ولقد رأى البعض أن ملكية العقار المبيع لا تنتقل إلى الراسي عليه المزاد فورًا بل تبقى معلقة على شرط توقيفي هو أن لا تحصل زيادة العشر في الأجل المحدد لها، فإن حصلت فالملكية تستمر للمدين، على أن هذا الرأي يتعارض مع نصوص القانون التي تقضي بأن ملكية المبيع تنتقل إلى المشتري الراسي عليه المزاد فورًا - فالمادة (587) مرافعات أهلي تنص على أن حكم البيع يكون حجة للمشتري بملكية المبيع، والمادة (591) مرافعات أهلي تنص على أن البيع يقع للراسي عليه المزاد، ولهذا لم تأخذ المحاكم المصرية أهلية أو مختلطة بهذا الرأي، أما الرأي المعمول عليه فهو أن الملكية تنتقل إلى الراسي عليه المزاد تحت شرط فاسخ (La condition est resolutoire) فيعتبر الراسي عليه المزاد مالكًا من يوم الشراء إلى أن يتحقق الشرط الفاسخ فيزول الملك عنه وينفسخ البيع ويمتد أثر هذا الفسخ إلى الماضي بحيث يعتبر الراسي عليه المزاد كأنه لم يكن مالكًا أصلاً ولكنهم اختلفوا في تحديد الحادثة التي يتحقق بها هذا الشرط وينفسخ البيع - أهي زيادة العشر أم حكم مرسى المزاد الثاني - وهناك رأيان:
الرأي الأول: هو ما سارت عليه محكمة النقض الفرنسية من أن مجرد التقرير بزيادة العشر يفسخ البيع الأول بدون انتظار نتيجة مرسى المزاد الثاني – مستندة في ذلك إلى المادة (709) من قانون المرافعات الفرنسي التي تقول إن زيادة العشر لا يجوز الرجوع فيها، وإلى المادة (710) منه التي تقضي بأن مقرر الزيادة هو الذي يرسو عليه المزاد إذا لم يتقدم مزايد آخر في يوم إعادة البيع، فهذان النصان يجعلان المزايدة في رأيها عملاً نهائيًا يستدعي حتمًا إعادة بيع العقار – وإذًا فحصول المزايدة يكفي وحده في إنهاء حق الراسي عليه المزاد الأول الذي زيد عليه، وينتج من هذا أن العقار إذا هلك بحادث قهري كحريق أو غرق لا يلزم الراسي عليه المزاد الأول بدفع ثمنه إذ قد اعتبر كأنه لم يكن مالكًا أبدًا (انظر كتاب المرافعات:
Glasson, Tissier & Morel, Traité de Procedure Civile
(الطبعة الثالثة سنة 1932 الجزء الرابع بند (1382) ص (734) وأحكام محكمة النقض الفرنسية الصادرة في 7 ديسمبر سنة 1868 و 6 ديسمبر سنة 1873 و 15 يناير سنة 1873 و 26 إبريل سنة 1881 (الأسباب) و 22 يونيه سنة 1892 وهي الأحكام المشار إليها في هامش الصفحة).
وهذا هو الرأي الذي أخذ به معالي مكرم عبيد باشا.
وتطبيقًا لهذا الرأي إذا هلك العقار قبل التقرير بزيادة العشر فإن الراسي عليه المزاد يكون في ذلك الوقت مالكًا ويجب عليه دفع الثمن.
الرأي الثاني:
يرى أغلبية الشراح الفرنسيين - وأهمهم جارسونيه وجلاسون وسيزاربرو - غير رأي محكمة النقض الفرنسية، ويذهبون إلى أن تقرير الزيادة وحده لا يكفي للفسخ بل يجب لذلك أن يرسو المزاد فعلاً ويصدر به حكم جديد لصالح شخص آخر غير الراسي عليه المزاد الأول - ويقول إن زيادة العشر وإن كانت تعتبر عرضًا مقيدًا لمقررها إلا أنها لا تعتبر بيعها نهائيًا (غير قابل للفسخ) ملزمًا للمدين ولمقرر الزيادة ومبطلاً للبيع الأول للأسباب الآتية:
أولاً: من المحتمل عند إعادة البيع أن يرسو المزاد أيضًا على الراسي عليه المزاد الأول إذا كان هو أعلا مزايد وقالوا إنه في هذه الحالة تبقى الملكية للراسي عليه المزاد الأول - ولكن ردنا على ذلك أن الملكية تؤول إذ ذاك إليه بسبب جديد هو حكم مرسى المزاد الثاني وليس حكم مرسى المزاد الأول.
ثانيًا: قالوا أن الملكية قد تبقي للراسي عليه المزاد الأول رغم حصول الزيادة إذا كانت باطلة - ولكن ردنا على ذلك أن المفروض في زيادة العشر التي تفسخ البيع الأول هي الزيادة الصحيحة قانونًا.
ثالثًا: قالوا بأن الملكية قد تبقى للراسي عليه المزاد الأول رغم حصول الزيادة إذا كان مقرر الزيادة قد تنازل عن حقه فيها برضاء طالب البيع والدائنين - وردنا على ذلك أن الحال يختلف في القانون الأهلي عنه في القانون الفرنسي والمختلط ففي القانون الأهلي إذا لم يقم مقرر الزيادة بإجراءات البيع الثاني قام بها قلم الكتاب من تلقاء نفسه كما سيأتي.
هذه هي حجج الشراح الفرنسيين وقد خلصوا منها إلى القول بأن زيادة العشر ليست إلا تهديدًا بالفسخ une simple menace de resolution (انظر ملحق موسوعة داللوز جزء (17) تحت كلمة surenchere فقرة (283)) فإذا هلك المبيع بعد زيادة العشر وقبل مرسى المزاد الثاني فالذي يتحمل الخسارة في رأيهم هو الراسي عليه المزاد الأول باعتباره مالكًا لم يفسخ عقده – أما إذا صدر حكم مرسى مزاد ثانٍ بعد الزيادة بالعشر فقد تساءل الشراح عمن يكون مالكًا للعقار في الفترة بين الحكمين - وبالتالي من له الحق في الثمرات ومن يلزم بالخسارة - أيكون المدين مالكًا؟ استبعدوا هذا وزعموا أن من رسا عليه المزاد أخيرًا يعتبر كأنه كان مالكًا من وقت مرسى المزاد الأول وهم بهذا يتغاضون عن نظرية الشرط الفاسخ التي تقضي باعتبار المدين مالكًا إلى وقت رسو المزاد الثاني - ولكن جارسون يأبى هذه النتيجة ويصر على اعتبار الراسي عليه المزاد الثاني مالكًا من يوم مرسى المزاد الأول قائلاً أنه لا يقبل من نتائج نظرية الفسخ ما لا يتفق مع حكمة مشروعية زيادة العشر، وهو يرجع اعتبار المشتري الثاني مالكًا من يوم الحكم الأول إلى اعتبارات يقول إنها مستمدة من طبيعة زيادة العشر ومن إرادة الشارع ومن غرابة أو سقم المركز الذي يكون المدين فيه مالكًا للعين في الفترة بين حكمي مرسى المزاد (كذا) وإذن فهلاك العقار بقوة قاهرة يكون على الراسي عليه المزاد الأول إلى وقت صدور حكم مرسى المزاد الثاني وعليه رسم انتقال الملكية رغم التقرير بالزيادة.
(جارسونيه الطبعة الثالثة (5) بند (480 – 485).
أما سيزار برو - وهو منقح الطبعة الثالثة من كتاب جارسونيه سالف الذكر فإنه يقول إما الشرط الفاسخ بكل نتائجه - وإما عدول عنه إلى نظرية أخرى - ويريد أن يصل إلى نفس النتائج التي رآها جارسونيه بتعليل جديد فتارة يقول إن الراسي عليه المزاد الأول يعتبر كأنه كان وكيلاً ضمنًا عن الراسي عليه المزاد الثاني وطورًا يدعى أنه في الواقع لم يحصل بيعان بل حصل استمرار لبيع واحد ابتدأ من وقت مرسى المزاد الأول وانتهى في يوم مرسى المزاد الثاني.
(Les encheres ont lieu à deux reprises, dans deux audiences, elles sont séparées par un intervalle de temps, d’aillears assez court mais toutes les enchères sont relatives à une offre de vente unique)
ورأى سيزار برو هذا مع ما فيه من حذق ومهارة لا يخلو من عيب كما يقول جلاسون ومن معه (في كتابهم سالف الذكر صفحة (736)) فهم يرون أن هناك بيعين مستقلين لا بيعًا واحدًا وأن الأفضل تطبيق النتائج العادية للفسخ أي أنه بمجرد حصول المزايدة ينفسخ البيع الأول الحاصل للراسي عليه المزاد الأول وتعود الملكية للمدين ولا تنزع منه إلا بصدور حكم مرسى المزاد الثاني ويقولون – أن هذا الحل هو الذي سار عليه القضاء – وهذا نص ما ذكروه:
(Quelque ingenieux que soit ce systeme, on peut lui reprocher de faire trop bon marché de la premiere adjudication Celle - ci a bien transféré a l’adjudicataire la propriéte de l’immeuble saisi, encore que cette propriété fùt subordonnée à la condition résolutoire de la survenace d’une surenchère, elle n’en était pas moins pour le premiere adjudicatairc un titre d’acquisition. Il s’agit bien de deux adjudications independentes. Je est donc préferable d’appliquer ici les conséquences ordinaires de la resolution. On décidera dès lors que l’anéantissement retsoactif de la propriete de l’adjudicataire a poar conséquence de rétablir le saisi dans sa propriété sur l’immeuble, le saisi ne scra dépossédé que par l’adjudiction sur surenchère, et vis - à - vis des tiers, par la tranion de cette adjudication. C’est seulencnt à cette date que le second adjudicataire deviendra proprietaire. Telle est la solutim à laquelle se tient la Jurisprudence.
إلا أنهم بعد ذلك يضعون القاعدتين الآتيتين:
القاعدة الأولى: حق الراسي عليه المزاد الأول بفسخ بمرسى المزاد الثاني بناءً على زيادة العشر، فكأنهم يصرون رغم ما ذكروه آنفًا على أن زيادة العشر لا تكفي وحدها للفسخ.
القاعدة الثانية: بسبب هذا الفسخ يعتبر المدين المحجوز عليه مالكًا للعقار حتى حكم مرسى المزاد الثاني، ثم يرتبون على ذلك ما يأتي:
1 - لا يلزم الراسي عليه المزاد الأول بالثمن وله استرداده إن كان دفعه ولا يلزم برسم نقل الملكية ولكنه في الوقت نفسه يلزم برد ما يكون استولى عليه من الثمرات إذ يكون أخذه لها بلا سبب sans cause وتلغي عقود الإيجار التي يكون أبرمها مع الغير.
ويبرر جلاسون هذا بأنه ما كان يصح للغير أن يتعاقد معه فإن فعل فإنه يتحمل نتيجة طيشه
2 - تنتقل الملكية من المدين إلى الراسي عليه المزاد الثاني مباشرة فالمدين هو صاحب الحق في الاستيلاء على ثمرات العقار في الفترة بين حكمي المزاد مع ملاحظة حقوق الدائنين المسجلين (انظر المرجع السابق بند (1383) ص (737 – 739).
على أن المؤلفين مع هذا لا يودون التقيد بنظرية الشرط الفاسخ ويريدون أن يستبعدوا ما يكون لها من نتائج ضارة بحجة أن زيادة العشر إنما شرعت لفائدة المدين ودائنيه حتى يصل ثمن العقار إلى أقصى حد ممكن فيجب أن لا يترتب عليها ما فيه ضرر بالدائنين وانتقاص من ضمانهم ويشيرون إلى رأي - جوسران Gosserand (طرق التنفيذ بند (266)) كما يشيرون إلى أمرين أولهما: أن العمل جرى في فرنسا على أن لا يسجل حكم مرسى المزاد الأول (أما في القانون المصري فواجب تسجيله)
وثانيهما: أنه ما دام أن الرهن لا يحدث أثره القانوني إلا من يوم تسجيل حكم مرسى المزاد فإن التسجيلات العقارية يجب أن تجدد حتى تسجيل حكم مرسى المزاد الثاني الذي وحده يحدد حقوق الدائنين على الثمن.
(جلاسون ومن معه المرجع السابق ص (740)) – وسنرى أن الحال يختلف في القانون الأهلي
(4)
رأي المحاكم المختلطة
اتبعت هذه المحاكم أول الأمر رأي محكمة النقض الفرنسية وبينها محكمة الاستئناف ولكن الأخيرة عدلت عنه واتبعت رأي الشراح الفرنسيين منذ سنة 1913 على الأقل.
(انظر أحكامها الصادرة في 27 مايو 1912 و 14 إبريل 1914 و 26 إبريل 1916 و 11 ديسمبر سنة 1928 وهذا الحكم الأخير منشور في المحاماة السنة التاسعة رقم (541) وكذا رقم (499)) إلا أنه رغم عدول محكمة الاستئناف المختلطة عن الرأي الأول فقد ظلت محكمة مصر الابتدائية المختلطة متمسكة به فأصدرت بتاريخ 30 مارس 1915 حكمًا مملوءًا بالأبحاث المستفيضة في الموضوع قضت فيه بأن ملكية العقار تعود إلى المدين بمجرد الزيادة وبأن رسوم البيع لا تستحق على المشتري الراسي عليه المزاد الأول وله الحق في استردادها مع عشر الثمن الذي دفعه (الجازيت (5) ص (127) نمرة (33)) وقد دافع الأفوكاتو ينجالون عن الرأي الأول - رأي لمحكمة النقض الفرنسية في مقال له نشر في الجازيت (5) ص (119) - كما دافع المسيو إيمان النائب العمومي لدى المحاكم المختلطة سابقًا عن الرأي الثاني في مقال له (نشر في مصر العصرية نمرة (24) – 25 سنة 1916) وسنرى أن هناك اختلافًا جوهريًا بين قانوني المرافعات الأهلي والمختلط في بعض النصوص يدعو إلى الأخذ برأي محكمة النقض الفرنسية في القضاء الأهلي.
(5)
رأي المحاكم الأهلية
قبل أن نتكلم عن المحاكم الأهلية وآراء الشراح الوطنيين نريد أن نشير إلى فارقين عظيمين بين النصوص الفرنسية والمختلطة والأهلية:
الفارق الأول:
واجب كل من قانوني المرافعات الأهلي والمختلط على مقرر الزيادة بالعشر أن يعلن تقريره مع بيان اليوم الذي يحدد للبيع إلى كل من (1) الدائن الذي طلب البيع (2) والدائنين المسجلين (3) وللراسي عليه المزاد - أوجب عليه ذلك في ميعاد قدره ثمانية أيام في القانون الأهلي وثلاثة أيام في القانون المختلط - فإن مضى هذا الميعاد ولم يقم مقرر الزيادة بالإعلان فيه فإن القانون الأهلي يوجب على كاتب المحكمة أن يقوم هو بالإعلان في خلال الثمانية أيام التالية (580 و 583 مرافعات أهلي) أما القانون المختلط فإن الإعلان يحصل في خلال الثلاثة أيام التالية بناءً على طلب أي شخص من الأشخاص الثلاثة المتقدمة ذكرهم (وهم الدائن وطالب البيع والدائنون المسجلون والراسي عليه المزاد) فإن لم يتقدم أحد من هؤلاء بالإعلان فإن زيادة العشر تكون ملغاة وتعتبر باطلة لا أثر لها بدون لزوم للحكم بذلك ((662) مرافعات مختلط) فزيادة العشر في القانون في القانون المختلط إذن لا تقيد صاحبها في كل الأحوال ويمكنه أحيانًا التخلص منها - ونلاحظ - أولاً - أن كلا النصين الأهلي والمختلط لم يوجب على مقرر الزيادة أن يعلن المدين بها وباليوم الذي يحدد للبيع مع من أوجب عليه إعلانهم قانونًا في حين أن الأمر يهم المدين قبل غيره.
ونلاحظ ثانيًا أن النص المختلط وهو لم يوجب إعلان المدين بالزيادة وبيوم البيع الجديد - لم يخوله حق إعلان ذوي الشأن بهما عند قعود المزايد عنه مع أن القانون الفرنسي قد أعطاه هذا الحق (المادة (709) مرافعات فرنسي) ثم إن القانون المختلط في الوقت نفسه لم يلزم كاتب المحكمة بأن يباشر هو الإعلان إذا لم يقم به المزايد في حين أن القانون الأهلي ألزم الكاتب - وفي هذا وذاك كل الضرر بالمدين إذ قد يغفل دائنوه عن إعلانه أو قد يتواطأ الراسي عليه المزاد الأول مع المزايد بالعشر لمنع المزايدة - هذا الخلاف الجوهري بين القانونيين الأهلي والمختلط أشار إليه حضرة النائب المحترم السيد محمد عبد الهادي الجندي بك عند مناقشة مجلس النواب لقانون إيقاف البيوع السابق الإشارة إليه وحدا به إلى أن يطلب تعديله بحيث تقف البيوع التي تقرر فيها بزيادة العشر - كما أن هذا الخلاف الجوهري اعتمد عليه حضرتا قمحة بك وعبد الفتاح السيد بك في كتابهما وقالا بحق أنه طبقًا للقانون الأهلي يخلي طرف الراسي عليه المزاد الأول بمجرد التقرير بزيادة العشر - لأن مقرر الزيادة يصبح مرتبطًا بتقريره لا يملك العدول عنه - فحصول المزايدة تعيد للمدين الحرية التامة في البيع والرهن والوفاء إذ الملكية زالت من يد الراسي عليه المزاد الأول وهي لم تكتسب بعد لمجرد الزيادة - فوجب أن تعود إلى صاحبها الأصلي المدين لأنه غير معقول إن تبقى العين بلا مالك في المدة بين المزايدتين - أما بالنسبة للتشريع المختلط فإن المؤلفين يريان أن الراسي عليه المزاد الأول يفقد ملكيته بحكم مرسى المزاد الثاني نفسه وليس بتقرير الزيادة من مجددها لأن هذا التقرير لا يلزمه (كتاب التنفيذ علمًا وعملاً بند (714)).
الفارق الثاني:
في فرنسا وطبقًا لرأي جارسونيه ((5) بند (482)) لا ضرورة لتجديد تسجيل الرهون بعد تسجيل حكم المزاد الأول - لأنه ما دامت الملكية لا تعود إلي المدين وما دام محظورًا على المدين أن يتصرف في العقار لخروجه نهائيًا عن ملكه - فلا يمكن أن يتغير مركز أصحاب الرهون بعد تسجيل حكم مرسى المزاد الأول – إذ تسجيله يجعل الرهون تنتج نتيجتها النهائية
أما في مصر فإن المادة (570) مدني أهلي ((694) مدني مختلط) لا تعفى من تجديد تسجيل الرهون إلا بعد فوات مواعيد زيادة العشر - فلا بد من تجديد التسجيل إلى أن تنتهي العشرة الأيام المقررة للزيادة من غير حصولها فإن حصلت فلا بد من التجديد حتى مرسى المزاد والثاني ونرى من هذا أن القانون المصري بإيجابه تجديد التسجيلات مدة إجراءات زيادة العشر فلأنه يعتبر أن الملكية تعود إلى المدين بمجرد زيادة العشر.
رأى المرحوم أبي هيف بك - انتقد الشراح الفرنسيين أي انتقاد ورأى عدم التقيد بالنظريات وأن تكون آثار زيادة العشر وحكم رسو المزاد الثاني مستمدة من تطبيق قواعد القانون وروحه ولكنه عندما أورد حلولاً اعتبرها آثارًا صحيحة لزيادة العشر ذكر من بينها أن التقرير بالزيادة لا يعيد الملكية إلى المدين فلا يستطيع بدفع ديونه أن يمنع المزايدة الثانية من الحصول (طرق التنفيذ والتحفظ بند (951) و (954)) قال ذلك مع أنه سبق أن ذكر (في بند (926)) أن نظام زيادة العشر شرع لفائدة المدين والدائنين والثروة العقارية - مع أنه ليس أصلح لفائدة المدين ودائنيه والثروة العقارية من أن يسدد المدين دينه فيحصل دائنه رافع الدعوى على مطلوبه وتعود الملكية إلى المدين ويظل العقار كما كان ضامنًا لدائنيه الآخرين الذين لم يتخذوا إجراءات ضده.
أحكام المحاكم الأهلية:
استنادًا إلى الفارقين سالفي الذكر بين النصوص الفرنسية والمختلطة والأهلية أخذنا برأي محكمة النقض الفرنسية في حكم أصدرناه بتاريخ 21 مارس سنة 1933 من محكمة أبي حمص الأهلية (ونشر بمجلة المحاماة السنة السادسة عشرة العدد (4) رقم (188) ص (453)).
وقلنا فيه أن الملكية إنما تعود إلى المدين بمجرد التقرير بزيادة العشر - وقد سبق أن اتبع هذا الرأي بعض المحاكم الأهلية من ذلك حكم محكمة استئناف مصر الأهلية الصادر في 22 نوفمبر 1927 (ونشر بالمحاماة 8 رقم (239) ص (321)) وحكم محكمة الاستئناف الأهلية الصادر في 10 نوفمبر 1926 (ونشر بالمحاماة سنة 7 رقم (237) ص (344)) – أما البعض الآخر من المحاكم الأهلية فقد جارى الاتجاه الحديث لمحكمة الاستئناف المختلطة (انظر استئناف 30 إبريل 1930 محاماة سنة 10 رقم (433) ص (862)).
حكم محكمة النقض المصرية:
أصدرت هذه المحكمة حكمًا بتاريخ 2 يونيه سنة 1932 (ونشر بمجلة المحاماة السنة 13 عدد (2) رقم (60) ص (152)) قالت فيه:
1 - إن الاستناد إلى المادتين (580) و (583) من قانون المرافعات الأهلي (وقد استند إليهما قمحه بك وعبد الفتاح السيد بك كما سبق القول) غير مجد لأن المراد منهما استيفاء الإجراءات المتعلقة بزيادة العشر ليس إلا (وقد رأينا أن الاستناد إليهما مجد لما سبق ذكره وبالأخص لأن القانون الأهلي تعمد أن يخالف القانونين الفرنسي والمختلط بتحتيمه على كاتب المحكمة أن يتمم هو إجراءات زيادة العشر وما ذلك إلا لأنه يرى أن الملكية قد عادت إلى المدين بزيادة العشر).
2 - ثم قالت محكمة النقض أنه سواء كانت هذه الزيادة ملزمة لمن قررها أو غير ملزمة فإنها ترى رأي الشراح الفرنسيين لما ذكروه من أن التقرير بالزيادة لا يعتبر بيعًا نهائيًا ملزمًا للمدين ولمقرر الزيادة ومبطلاً للبيع الأول – ولا يؤدي حتمًا إلى إعادة البيع – وقد سبق لنا الرد على كل حجة من حجج الشراح الفرنسيين.
3 - ثم أضافت محكمة النقض اعتبارًا آخر وهو أن المادة (587) مرافعات تقضي بأن حكم البيع يكون حجة للمشتري بملكية المبيع وإذن يجب القول بألا تأثير لتقرير الزيادة في البيع الذي تم بصدور حكم مرسى المزاد الأول والذي يبقى قائمًا إلى أن يسقط بصدور حكم جديد - ولكن يلاحظ أن البيع إنما يقع معلقًا على شرط فاسخ ولم تبين المادة (587) مرافعات أو غيرها هذا الشرط الفاسخ فلم لا يكون التقرير بزيادة العشر؟
4 - على أن محكمة النقض ذكرت أخيرًا وبحق أنه مع عدم وجود نص صريح في القانون يقضي بأن مجرد تقرير الزيادة بالعشر يفسخ حكم مرسى المزاد الأول فلا محل للقول بأن محكمة الموضوع (وقد كانت أخذت برأي الشراح الفرنسيين) بترجيحها رأيًا على رأي في الموضوع قد أخطأت في تطبيق القانون.
ونحن نسجل على محكمة النقض هذا القول فلو أخذت محكمة الموضوع بالرأي الآخر وهو رأي محكمة النقض الفرنسية فلا سبيل إلى نقض حكمها مما مالت محكمة النقض نفسها إلى الرأي الأول إذ لا محل للقول بأن محكمة الموضوع أخطأت في تطبيق القانون - وهو قد صمت - في ترجيحها رأيًا على رأي - ونحن نرى منعًا لما قد ينشأ عن هذا من الفوضى أن ينص صراحة على آثار زيادة العشر في التشريع المنتظر وأن يؤخذ فيه برأي محكمة النقض الفرنسية صيانة للثروة العقارية ورحمة بالمدين.
(6)
منشوران لوزارة الحقانية بخصوص زيادة العشر ونقدهما
عرضت أخيرًا على محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية قضية ظروفها كما يأتي: حكم بنزع ملكية مدين من عقار يملكه وبيع بالمزاد العلني - وأثناء البيع توفي المدين ثم توفي أحد ورثته - ثم رسا المزاد أخيرًا على الدائن طالب البيع وقد أودع في قلم كتاب المحكمة نحو عشرين جنيهًا باقي الثمن والمصاريف بعد خصم دينه - وبعد ذلك تقدم آخر وقرر بزيادة العشر في الميعاد القانوني وأودع بقلم كتاب المحكمة نحو اثنين وعشرين جنيهًا قيمة خمس الثمن والمصاريف وتحددت جلسة أخرى للبيع وفيها تنازل الدائن طالب البيع والذي رسا عليه المزاد الأول عن السير في إجراءات البيع وعن حكم مرسى المزاد الأول كما تنازل المزايد بالعشر عن زيادته وأثبت قاضي البيوع هذا التنازل بحضور ورثة المدين الذين أعلنهم طالب البيع ولكن لما أراد الراسي عليه المزاد الأول والمزايد بالعشر أن يستردا من قلم الكتاب ما أودعه كل منهما امتنع قلم الكتاب عن ذلك بحجة أن تنازلهما أمام المحكمة كانا ناقصًا لأنهما لم يقدما إعلامات شرعية بأسماء ورقة المدين وبأسماء ورثة من توفي منهم ولم يقدما شهادات عقارية بأسماء كل من هؤلاء الورثة ليمكن إعلانهم جميعًا وإعلان دائنيهم أرباب الحقوق المسجلة إن وجدوا إذ لا بد من تمثيل هؤلاء والحصول على رضاهم بالتنازل عن الإجراءات وبصرف المبلغين المودعين - وقلم الكتاب إذ يتشدد على هذا النحو فإنما ينفذ منشورًا أصدرته وزارة الحقانية إلى أقلام الكتاب بتاريخ 6 فبراير 1935 بناءً على فتوى من قلم القضايا - وقد فسرته بمنشور آخر أصدرته بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1935 - وهذان المنشوران أساسهما الرأي القائل بأن الملكية لا تعود إلى المدين بتقرير الزيادة بل تبقى للراسي عليه المزاد الأول حتى حكم مرسى المزاد الثاني، على أن هذين المنشورين حتى مع التسليم بالرأي الذي استندا إليه فإنهما قد أسرفا في التشدد والاحتياط إسرافًا مجحفًا بالمدين إذ ملخصهما ما يأتي:
1 - إذا حضر للجلسة المحددة للمبيع بعد التقرير بزيادة العشر كافة أصحاب الشأن وقرروا جميعًا باتفاق فيما بينهم إعادة الأمور إلى حالتها الأولى - وذلك بتنازلهم عن دعوى البيع وعن حكم رسو المزاد وعن التقرير بالزيادة - وأثبت لهم قاضي البيوع ذلك - فإنه يترتب على هذا ضمنًا تنازل الراسي عليه المزاد عن ملكية العقار المنزوع إلى المدين - ويجب في هذه الحالة أن يؤشر قلم الكتاب بمضمون المحضر المذكور على هامش تسجيل حكم مرسى المزاد - وبعد ذلك يرد إلى كل من الراسي عليه المزاد الأول وإلى مقرر الزيادة أمانته المودعة بعد أن يخصم منها الرسوم المستحقة له وكذا رسم نقل الملكية من الراسي عليه المزاد الأول إلى المدين وهو ما يعادل رسم التسجيل المنصوص عنه في المادة الأولى من قانون التسجيل.
2 - وإذا لم يكن هناك إجماع من ذوي الشأن على الاتفاق ففي هذه الحالة يجب على المحكمة أن ترفض إثبات الاتفاق ولها أن تأمر بشطب الدعوى ولا يجوز لقلم الكتاب في هذه الحالة أن يرد المبالغ المودعة - ولكن يجوز بعد الشطب لكل ذي شأن أن يعيد القضية للمحكمة سواء للاستمرار في إجراءات البيع أو لإثبات اتفاق جميع ذوي الشأن.
3 - وقرر المنشوران أن أرباب الديون المسجلة للمدين المنزوع ملكيته هم من أولى الشأن.
4 - وأنه إذا أثبت المحكمة خطأ الاتفاق المقدم بدون إجماع أولي الشأن فلا يرد قلم الكتاب الودائع المذكورة إلا إذا أقر بذلك من لم يدخل منهم في الاتفاق أو استصدر من له مصلحة حكمًا في مواجهتهم ومواجهة قلم الكتاب.
ونلاحظ على المنشورين ما يأتي:
أولاً: غير مفهوم سبب التشدد في اعتبار أرباب الديون المسجلة للمدين من ذوي الشأن الذين يجب تمثيلهم ورضاهم بالاتفاق - فإن هذا التشدد يستدعي استصدار إعلامات شرعية لورثة المدين المتوفى وأخرى بورثة من توفي من ورثته ثم استخراج شهادات عقارية عن كل وارث من هؤلاء الورثة وكل هذا يستغرق وقتًا كبيرًا ويتطلب نفقات كثيرة سيلزم بها المدين المسكين آخر الأمر مع أن زيادة العشر إنما شرعت لمصلحته ومع أن الاتفاق الذي به ترجع الملكية إلى المدين هو في صالحه وصالح ورثته من بعده بل وفي صالح دائنيه المحفوظة ديونهما بالتسجيل على العقار والذين لم يطلبوا البيع وإنما طلبه دائن آخر أقر الاتفاق - ونرى أنه حتى مع الأخذ برأي الشراح الفرنسيين فإنه يكفي أن يقر الاتفاق بعض الورثة لأنه يعتبر ممثلاً لباقي الورثة ولجميع الدائنين في هذا الاتفاق المفيد للجميع ونلاحظ:
ثانيًا: أن الأخذ بالمنشورين قد ينفر الناس من التقدم للشراء في البيوع الجبرية فيضيع الغرض الذي قصده الشارع وسعى إليه بشتى الطرق وهو الوصول بالثمن إلى أقصى حد مستطاع، إذ نفرض أن الاتفاق الذي عرض على قاضي البيوع كان ناقصًا لأنه لم يمثل فيه أرباب الديون المسجلة مثلاً ونفرض أن المزايد بالعشر قام باستخراج أعلامات شرعية بأسماء الورثة ثم باستخراج شهادات عقارية لكل منهم حتى إذا ما عرف منها دائنيهم واتصل بهم فإنهم قد يرفضون الاتفاق، ولنفرض أنه رفع عليهم دعوى لإثبات الاتفاق فحضروا أمام المحكمة وطلبوا رفض إثباته فأجابتهم إلى ما طلبوا – نفرض هذا فلا يبقى أمام المزايد بالعشر إلا أن يعيد إجراءات البيع حتى يحصل على مبلغه المودع كما جاء في المنشورين ولكنه لا يستطيع السير في هذه الإجراءات لأنه ليس صاحب الحق القانوني فيه كما قضت بذلك محكمة النقض - فإن سار القاضي في إجراءات البيع وقع حكمه باطلاً لعدم استيفائه شرطًا أساسيًا إجرائيًا تفرضه المادتان (584) و (569) مرافعات وهو أن يكون البيع بناءً على طلب الدائن الذي طلب البيع أو غيره من أرباب الديون المسجلة عند الاقتضاء (حكم محكمة النقض المدنية الرقيم (6) يونيه سنة 1935 والمنشور بمجلة المحاماة سنة 16 عدد (2) رقم (104)).
وإنا نلاحظ على المنشورين أيضًا أنهما يتطلبان تحصيل رسوم جديدة عن نقل الملكية من الراسي عليه المزاد الأول إلى المدين – وهذه غير الرسوم السابق تحصيلها عن نقل الملكية من المدين إلى الراسي عليه المزاد الأول عن حكم مرسى المزاد الأول – والغريب أن المنشورين يطلبان من أقلام الكتاب أن تتقاضى الرسوم الجديدة من الأمانة المودعة من كل من الراسي عليه المزاد الأول والمزايد بالعشر معًا ومن غير توزيعها بينهما مع أن الملزم بها هو المدين.
وقد أخذت محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية في القضية التي ذكرنا ظروفها (وهي نمرة (371) استئناف سنة 1937 دائرة حضرة رئيس المحكمة محمد صدقي خليل بك) برأي محكمة النقض الفرنسية وقالت أن ما حدا بها إلى الأخذ بهذا الرأي (هو الحالة المالية وتسهيل الطريق للمدين لسداد ما عليه من الديون محافظة على الثروة العقارية وكذا تسهيل للدائن والمدين لحصوله على دينه خلافًا للنظرية الأولى التي توجد عراقيل لا مبرر لها أمام الدائن والمدين - هذا فضلاً عن أن الحقوق العينية محفوظة برجوع العين إلى صاحبها - أما ما يطلبه المستأنفان من اتفاق جميع ذوي الشأن على فسخ حكم مرسى المزاد الأول - في حالة صدور حكم ثانٍ – فهذه إجراءات تستلزم مصاريف تربو على المبالغ المطلوب صرفها).
وأخيرًا فإنا نقترح بأن ينص صراحة في قانون المرافعات الجديد المنتظر على أن زيادة العشر تعيد الملكية إلى المدين ولكن في الوقت نفسه يحرم عليه أن يتصرف في العقار المنزوع ملكيته بالبيع أو الرهن أو غيره من الحقوق العينية حتى حكم على مرسى المزاد الثاني، وبأن ينص فيه على أن اتفاق المدين والدائن نازع الملكية والراسي عليه المزاد الأول والمزايد بالعشر يكفي وحده لمنع السير في إجراءات البيع الثاني وألا تحصل إذ ذاك رسوم نقل ملكية جديدة بل يكتفي بالتأشير على هامش حكم مرسى المزاد الأول بالتقرير بزيادة وبهذا الاتفاق يصبح المدين مالكًا للعقار حر التصرف فيه.
أحمد الجارم
القاضي بمحكمة إسكندرية الأهلية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)