بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

23 سبتمبر 2011

واجب المحاكم في قضايا الخبرة

مجلة المحاماة – العدد الخامس
السنة العشرون سنة 1940

واجب المحاكم في قضايا الخبرة
بحث حول المادة (243) مكررة من قانون المرافعات

من زمن بعيد والشكوى عامة مستفيضة من قضايا الخبرة والصعوبات التي تقوم في وجهها وتلاقيها، وهي شكوى ذات حدين: حدها الأول جمهور المتقاضين، وحدها الثاني الخبراء.
فهي من ناحية الجمهوري: تتردد بين ما يحسه أطراف الدعوى من تراخٍ في العمل وتهاون في أدائه وعدم توخي جانب الحق في التحري عنه والسير به بعيدًا عن الرقابة القضائية الفعالة.
وهي من ناحية الخبراء: تقوم على عدم التيسير لهم في أجورهم وأرزاقهم والصعوبة التي يجدونها في تحصيل المصاريف التي ينفقونها مقدمًا وبنوع خاص في تحصيل ما يقدر لهم من الأتعاب وليس في قانون المرافعات من الوسائل المجدية ما يكفي لتلافيا.
لهذا رأى الشارع مشكورًا أن يتدخل ويصلح ذات البين.
ففي 10 يوليه سنة 1933 صدر القانون رقم (75) لسنة 1933 والقانون رقم (76) لسنة 1913 بتعديل قانون الخبراء وتعديل بعض مواده في قانون المرافعات تعديلاً وإن لم يصل في مجموعه إلى حد الكمال إلا أنه في يقيني وتقديري أشبه بعلاج مسكن لحالة استفاضت الشكوى منها وضاقت صدور الناس بها.
من بين هذه التعديلات مادة جديدة، هي المادة (243 مكررة)، أضافها الشارع إلى الفرع الرابع من الفصل الثاني من الباب السابع من الكتاب الأول من قانون المرافعات ونصها كالآتي:
يحضر الخبير في اليوم المحدد للمناقشة في التقرير ليبين للمحكمة رأيه والأوجه التي تبرره وللمحكمة أن توجه إليه من الأسئلة ما تراه مفيدًا لاستنارتها في الدعوى سواء من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب الخصوم وتحصل المناقشة في هذه الجلسة ولو لم تكن القضية صالحة للمرافعة في موضوعها إلا إذا وجدت أسباب استثنائية وجب إثباتها في المحضر وللمحكمة في حالة اتفاق الخصوم أن تعفي الخبير من الحضور لمناقشة تقريره.
وقد عنى الشارع الإفصاح عما أراده ودار بذهنه عند إضافة هذا النص الجديد بما جاء في مذكرته الإيضاحية المؤرخة 9 نوفمبر سنة 1932 ونصها كالآتي:
(وينص المشروع كذلك على أنه يجب على القاضي أن يحدد تاريخ الجلسة التي تؤجل لها القضية للمناقشة في التقرير وللفصل في الموضوع إن كانت القضية صالحة للفصل فيها، ومن أهم التعديلات التي أدخلها المشروع ذلك التعديل الذي يحتم حضور الخبير أمام المحكمة للإدلاء برأيه والأوجه التي تبرر هذا الرأي ومناقشته فيه، ولا شك أن في ذلك ضمانًا تتحقق به الرقابة الفعالة من المحكمة ويعطي فرصة للخصوم لمناقشة الخبير استجلاء للحقيقة وتحريًا للدقة، وقد أجيز للمحكمة أن توجه إليه من الأسئلة ما تراه مفيدًا لتنويرها وتكوين عقيدتها في موضوع الدعوى سواء من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب الخصوم كما أجيز لها في حالة اتفاق الخصوم أن تعفي الخبير من الحضور أمامها).
عبارة هذا النص المحكم لا إشارته تقطع في الدلالة على الآتي:
1 - حضور الخبراء أمام المحاكم لشرح تقاريرهم ومناقشة أعمالهم مناقشة علنية وبحضور أطراف الدعوى أصبح إجراءً واجبًا وحتميًا من إجراءات المرافعة في قضايا الخبرة.
وهذا الوجوب ظاهر من قول المادة: (يحضر الخبير في اليوم المحدد للمناقشة في التقرير ليبين رأيه والأوجه التي تبرره)، وقولها: (وللمحكمة في حالة اتفاق الخصوم أن تعفي الخبير من الحضور لمناقشة تقريره (بما يستفاد منه قطعًا ويقينًا أن حضور الخبير أمام المحكمة إجراء واجب لا بد منه.
وهو ظاهر أيضًا من عبارة المذكرة الإيضاحية وقولها: (أنه يجب على القاضي أن يحدد تاريخ الجلسة التي تؤجل لها القضية للمناقشة في التقرير) وقولها: (ومن أهم التعديلات التي أدخلها المشروع ذلك التعديل الذي يحتم حضور الخبير أمام المحكمة للإدلاء برأيه والأوجه التي تبرره ومناقشته فيه) وقولها: (كما أجيز لها – أي للمحكمة - في حالة اتفاق الخصوم أن تعفي الخبير من الحضور أمامها) إذ في القول بأنه يجب على القاضي أن يحدد جلسة للمناقشة في التقرير وأنه يتحتم حضور الخبير للإدلاء برأيه ما يقطع ولا شك في أن حضور الخبير أمام المحكمة إجراء واجب لا يغني عنه ولا يعفي منه سوى اتفاق الخصوم على عدم لزومه.
2 - وهو إجراء له حكمته وأهميته ليدلي الخبير أمام المحكمة برأيه والأوجه التي تبرر هذا الرأي ومناقشته فيه و (لتوجه إليه المحكمة من الأسئلة ما تراه مفيدًا لتنورها وتكوين عقيدتها في موضوع الدعوى سواء من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب الخصوم) وعلى حد تعبير المذكرة: (لا شك أن في ذلك ضمانًا تتحقق به الرقابة الفعالة من المحكمة ويعطي فرصة للخصوم لمناقشة التقرير استجلاء للحقيقة وتحريًا للدقة).
3 - وهو إجراء واجب لازم ليس للمحكمة أن تعفي الخبير منه وتتسلب من مقتضاه إلا باتفاق الخصوم.
ولكي تدرك جوهر هذا التعديل وأهميته أرجع إلى ما جرى عليه العمل قبله ثم قارن بين الوصفين وأحكم منصفًا.
( أ ) فقد جرى العمل قبل التعديل على أن يباشر الخبير مأموريته ويقدم تقريره عنها بعيدًا عن رقابة المحكمة الفعالة تاركًا لها مهمة مراجعته وفحصه وتفهمه وبعيدًا عن رقابة الخصوم ملقيًا عليهم عبء الدفاع عنه أو الطعن عليه، ويومئذ تكون الغلبة لمن هو ألحن بحجته….
ومع أنه قل أن تخلو أعمال الخبراء من عيوب وطعون، فقد قل كذلك أن تأمر المحكمة بحضورهم لمناقشتهم فيما اختلف عليه لديها مكتفية بترجيح إحدى وجهتي النظر وتغليبها على الأخرى هكذا في غيبة الخبير صاحب الرأي ومن واقع ما عساه يكون مقدمًا لديها من أوراق ومذكرات..!!..
وإن هي تجوزت وأمرت بحضوره ففي نطاق ضيق محدود ولمناقشته (فيما هو لازم) أو على قدر معلوم وللكشف عن بعض مسائل غمضت واستعصى حلها عليها ليشرح لها رأيه ومبررات هذا الرأي عن آخرها.
(ب) أما الآن فقد أصبح مجرد قيام الخبير بمباشرة مأموريته وتقديم تقريره عنها إجراء غير كافٍ ولا شافٍ، بل لا بد له من إجراء آخر يتبعه ويكمله، هو تحديد جلسة لمناقشة التقرير وحضور الخبير أمام المحكمة ليشرح رأيه ويبين أسانيده ومناقشته فيه.
وعندئذ تتهيأ للمحكمة الفرصة لسماع رأي الخبير ومبرراته ولتوجه إليه من الأسئلة ما تراه مفيدًا لتنورها وتكوين عقيدتها في موضوع النزاع وفي عمل الخبير نفسه.
وعندئذ تتهيأ للخصوم الفرصة لإبداء ما لديهم من اعتراضات وطعون على عمل الخبير في موجهته وبحضوره لا في غيبته وبعيدًا عنه.
وعندئذ أيضًا تتهيأ للخبير الفرصة للدفاع عن تقريره والرد بنفسه على الطعون الموجهة إليه أولى من إلقاء هذا العبء على عاتق من جاء التقرير في مصلحته.
وبهذا تتهيأ الفرص جميعًا للكشف عن حقيقة النزاع ورأي الخبير ووجه الحق فيه علنًا وبحضور أصحاب الشأن في الدعوى.
وما بهذا الإجراء الجديد من شذوذ ولا عجب:
إذ الواقع أن حضور الخبير أمام المحكمة للإدلاء برأيه وبيان الأوجه التي تبرره ومناقشته فيه مناقشة علنية وبحضور أصحاب الشأن هو وضع للخبير تحت رقابة المحكمة الفعالة ورقابة الخصوم المباشرة، وفي ذلك ضمان بعيد لحسن سير العمل والاقتراب به ولو نسبيًا إلى حدود الكمال.
وما من شك في أن الخبير الذي يباشر مأموريته وهو يعلم بأنه (موضوع تحت المراقبة) وملزم بالدفاع عن تقريره أمام المحكمة قل أن يخاطر بنفسه ويخاطر بجهوده خشية إحراجه والتضييق عليه.
لا بل لك أن تقول بأن حضور الخبير أمام المحكمة ليبين رأيه ومبرراته علنًا وفي مواجهة أصحاب الشأن يهيئ لها مجالاً أوسع للكشف عن حقيقة النزاع والحكم على عمل الخبير وتقدير الطعون المسندة إليه وبالتالي يسهل لها سبيل استنارتها وتكوين رأيها والفصل في الدعوى عن عقيدة وباطمئنان.
وأخيرًا… فلا أقل من أن نفترض بأن مناقشة أعمال الخبير بغير حضوره وفي غيبته قد تسهل للخصوم طريق استرابته وتجريحه واستباحته وتترك لهم حبل الطعن ممتدًا على الغارب، فيعاتبونه حينًا، ويلومونه حينًا، ويعنفونه أحيانًا، ومن شأن التعديل أن يهيئ له فرصة الدفاع عن نفسه وعن عمله أمام المحكمة وبحضور أصحاب الشأن وشهود الجلسة وفي ذلك ما فيه من مصلحة محققة له أقلها درء الحدود وسد الذرائع وقطع الألسنة التي قد يحلو لها أن تتحرك للطعن عليه عفوًا وبالباطل.
قد يعترض: وكيف تناقش المحكمة تقرير الخبير قبل أن تطلع عليه.
ليس هذا بعذر… وفي وسع المحكمة استجلاءً للحقيقة وبغير حاجة إلى نص في القانون أن تؤجل القضية لاطلاعها هي كما تؤجلها لاطلاع الخصوم ولو اطلاعًا أوليًا وبالقدر الذي يمكنها من تتبع الرأي والمناقشة فيه، ومع ذلك فها هو الشارع قد عالج هذا النقص وأوجب تحديد جلسة للمناقشة في التقرير حتى وإن لم تكن القضية صالحة للمرافعة في موضوعها.
على أن الفكرة في التعديل لا تقف عند حد (المناقشة) ولكنها تمتد إلى غرض أبعد وأسمى، ذلك هو حضور الخبير أمام المحكمة ليشرح لها تقريره ويدلي برأيه وأسانيده، وقد يغني هذا الشرح عن المناقشة، وقد يفتتح لها ألف باب وباب، ومن يدرينا فقد تكشف مع الحذر والتفرس عن خفايا وخبايا قد لا تصل إليها أو تتعفف عنها ألسنة الدفاع وقد لا تفيد معها محاولة الإقناع.
ولعل الشارع أراد بتعديله أن يضع لقضايا الخبرة دستورًا جديدًا بعدم سماع المرافعة فيها قبل أن تطلع المحكمة على تقرير الخبير وقبل أن يحضر ليشرحه لها بنفسه وقبل أن يتمكن الخصوم من مواجهته بطعونهم ومناقشته فيها مناقشة علنية.
كذلك قد يعترض: وكيف تناقش المحكمة تقرير الخبير وهي لا مصلحة لها فيها في تلك المناقشة وكيف تسير بها قبل أن يترافع الخصوم وتتبين طعونهم فتقدرها بقدرها وتسمح بعد ذلك أولاً تسمح بالمناقشة.
وهو اعتراض مردود، إن لم يكن بذاته مصدر الشكوى وموضع الداء، رأى الشارع علاجه أو تسكينه بتحتيم حضور الخبير أمام المحكمة ليشرح تقريره وتمكين طرفي الخصوم من مناقشته والطعن عليه في مواجهة الخبير وبحضوره، حيث قدر بأن مثل هذه المناقشة الحضورية العلنية لا بد وأن تكشف عن حقيقة النزاع وتجلي أوجه الحق فيه وأوجه الخطأ أو الصواب في أعمال الخبير وادعاءات الخصوم بشأنها.
ولم لا يكون الشارع قد أراد أن يجعل مناقشة أعمال الخبراء حقًا موسعًا للخصوم بعد أن كان حقًا ضعيفًا متزلزلاً ومقيدًا برأي المحكمة فتأمر بها أو لا تأمر على حسب الأحوال.
والآن… ما قولك في أن هذا النص الكامل الفاضل مهمل التطبيق في مجال العمل، ألا تأسف معي على أن الشارع في وادٍ، ولا يزال العمل في وادٍ.

أحمد زكي
المحامي
بوزارة الأوقاف

إشهار الدعاوى

مجلة المحاماة - مصر سنة 1928

للأستاذ صليب سامي بك

نصت المادة 612/ 738 من القانون المدني على (وجوب تسجيل الأحكام المتضمنة لبيان الحقوق التي من هذا القبيل أو المؤسسة لها( (أي المؤيدة أو المنشئة للحقوق العينية العقارية).
ونص قانون التسجيل على وجوب تسجيل (الأحكام النهائية التي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله) - مادة (1) – كما نص على وجوب تسجيل الأحكام النهائية المقررة - أي المؤيدة لهذه الحقوق - مادة (2).
ولما كان الأثر المترتب على الأحكام يرجع أصلاً إلى تاريخ رفع الدعوى وقد يرجع إلى تاريخ العقد كما سترى، كان واجبًا إعلان الغير بهذه الدعاوى، حتى تكون حجة عليهم، فيما إذا تعاقدوا مع أحد العاقدين بشأن الحق العقاري المتنازع عليه قبل صدور الحكم فيها، لأنه من البديهي أنه إذا كان الحكم لا يصبح حجة لصاحبه على الغير إلا بالتسجيل، فلا تكون الدعوى حجة كذلك إلا من تاريخ إعلانها للغير بالتسجيل أيضًا، فلا يرجع أثر الحكم إلى الماضي بالنسبة للغير بإشهار الدعوى وإلى تاريخ تسجيلها فقط، كما سترى.
وقد جرى العمل بذلك قبل قانون التسجيل، لذلك رأى الشارع المصري تنظيم طريقة تسجيل الدعاوى، متبعًا في ذلك أحدث القوانين الأجنبية، وخطا بذلك خطوة واسعة نحو نظام السجلات العقارية.
والمواد التي عنيت بهذا الموضوع هي المواد (7) و(8) و (9) و (10) و (11) و (12) من القانون.
المادة (7): (يجب التأشير على هامش سجل المحررات واجبة التسجيل بما يقدم ضدها من دعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع فيها، فإذا كان المحرر الأصلي لم يسجل فتسجل تلك الدعاوى، وكذلك دعاوى استحقاق أي حق من الحقوق العينية العقارية يجب تسجيلها أو التأشير بها كما ذكر).
ويتبين من هذا النص أن الدعاوى إما أن تكون دعوى بطلان عقد، أو فسخه، أو إلغائه أو الرجوع فيه، وهذه الدعاوى ترفع من أحد العاقدين، أو من ورثته، أو ممن تلقى الحق عنه بسبب خاص، أو من دائنيه - وإما أن تكون دعوى استحقاق حق عيني عقاري فترفع من الغير.
وأن العقد المطلوب بطلانه أو فسخه أو إلغائه أو الرجوع فيه، أما أن يكون مسجلاً فيقتضي التأشير بما يقدم ضده من الدعاوى بهامش سجل المحررات - وإما أن يكون العقد غير مسجل، فيقتضي تسجيل عريضة الدعوى.
ولا محل طبعًا لتسجيل الدعوى إذا لم يكن العقد مسجلاً إلا احتياطًا من تسجيل العقد بعد رفعها.
المادة (10): (يؤشر بمنطوق الحكم الصادر في الدعاوى المبينة بالمادة السابعة في ذيل التأشير بالدعوى أو في هامش تسجيلها).
وهذه المادة لا تحتاج إلى تعليق
المادة (11): ( لأجل أن تكون الدعوى حجة على الغير من ذوي الجنسية الأجنبية يجب أن يطلب صاحب الشأن قيد التسجيلات والتأشيرات المذكورة في المواد (7) و(8) و (10) بقلم الرهون المختلط الكائن في دائرته العقار.
وكذلك تبلغ الأوامر الصادرة بشطب التسجيلات والتأشيرات المذكورة إلى قلم الرهون المختلط ليقوم بتنفيذها بناءً على طلب صاحب الشأن).
وهذا امتياز قد احتفظ به الأجانب في مصر من عهد إنشاء المحاكم المختلطة وتنظيم أقلام الرهون بها، ولقد ساعدهم على الاحتفاظ به، اضطراب عملية التسجيل بالمحاكم الشرعية وعدم إنشاء أقلام الرهون بالمحاكم الأهلية طبقًا للمادة (622) وما بعدها من القانون المدني الأهلي.
وإذا كانت المادة الأولى من القانون الجديد قد نصت على أن التسجيل يحصل في قلم كتاب المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقار (مع لغو هذا النص) أو في المحكمة الشرعية، كان لا بد من النص على التحفظ الوارد بالمادة (11) من القانون المشار إليه.
وستبقى المضار الكثيرة، الناشئة عن تعدد جهات التسجيل، والتي يعانيها أصحاب الشأن من معاملاتهم العقارية، إلى أن توحد أقلام التسجيل، بإنشاء السجلات العقارية التي كان قانون التسجيل المجاز لها.
ونصت المادة (8) على أن التأشير والتسجيل المشار إليهما في المادة (7) يكون بناءً على طلب صاحب الشأن، كما نصت على طريقة حصول التأشير والتسجيل المذكورين.
ونصت المادة (12) على ما يترتب على تسجيل الدعاوى والتأشير بها، وقد تكلمنا عن ذلك قبل شرح مواد القانون.
ولقد خشي الشارع سوء استعمال الحق المنصوص عليه في المادة (7)، فترفع دعاوى كيدية تسجل عرايضها لا لغرض سوى تعطيل صاحب الحق في التصرف فيه، لذلك نص في المادة (9) على أن (لكل طرف ذي شأن أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة شطب التأشير أو التسجيل المشار إليه في المادة السابقة، فيأمر به القاضي إذا تبين له أن ذلك التأشير أو التسجيل لم يطلب إلا لغرض كيدي محض).
وهذا احتياط كان لا بد منه.
وهنا يجب البحث إجمالاً في أثر الحكم ببطلان العقد أو فسخه أو إلغائه أو الرجوع فيه سواء في عهد القانون المدني أو في عهد قانون التسجيل.

1 - أثر الحكم ببطلان العقد

1/ في القانون المدني:
( أ ) فيما بين العاقدين: إذا كان العقد باطلاً بطلانًا أصليًا لعيب جوهري فيه، سواء كان هذا العيب متعلقًا بشكل العقد، كالهبة أو الرهن العقاري بعقد عرفي، أو كان العيب متعلقًا بموضوع العقد، كما إذا كان التعهد خاليًا من السبب - مادة 94/ 148 أو لمخالفته للآداب أو للنظام العام - المادة المذكورة - أو متعلقًا بمركز العاقد - مادة 257/ 324 - أو كان العقد صوريًا - ففي هذه الحالة يعتبر العقد معدوم الأثر من عهد إنشائه.
وكذلك إذا كان العقد قابلاً للبطلان، أي كان البطلان فيه نسبيًا تصححه الإجازة، كما إذا كان ناشئًا عن عدم ملكية العاقد، أو عن عدم أهليته، أو عن عيب في رضائه، كالخطأ أو الغش أو الإكراه، أو عن مانع مرتبط بشخصه مادة 258/ 325 – فكما يصحح العقد بالإجازة، يزول بطلب البطلان، ويرجع الأثر في الحالتين إلى تاريخ العقد.
وكذلك الحال إذا كان الحكم صادرًا بالفسخ لقعود أحد العاقدين عن وفاء ما تعهد به.
ويترتب على ذلك أنه إذا أبطل العقد عاد الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبله، فيجوز للمشتري الرجوع على بائعه بالثمن، ويجوز للأخير محاسبة المشتري على ثمرة العين، ولا يستثنى من ذلك سوى العاقد مفقود الأهلية، فلا يجوز الرجوع عليه بالثمن، إذا كان بائعًا، ولا بالثمرة، إذا كان مشتريًا، إلا بقدر ما انتفع.
وما يقال عن العاقدين، يقال عن خلفائهم، بسبب خاص، أو بسبب عام، وعن دائنيهم في الدعوى غير المباشرة، وسواء، في جميع هذه الأحوال، أكان العقد مسجلاً أم غير مسجل.
(ب) فيما بين دائن البائع والعاقدين: وقد يكون طالب الإبطال هو الدائن بما له من حق خاص، أي برفع الدعوى المباشرة، ويراد تحديد مركز هذا الدائن بالنسبة لمن تلقى حقًا عينيًا على عقار المدين، ثم مركز من تلقى هذا الحق بالنسبة للمدين نفسه.
أما الدائن فقد يرفع دعوى إبطال تصرفات مدينه، وفي هذه الحالة، إذا ما حكم بإبطال التصرف، رجع أثر الحكم إلى تاريخ صدور العقد، فترجع العين إلى ملكية المدين، خالية من كل حق للمشتري عليها، ويحاسب المشتري على ثمرة العين، ولا تحصل المقاصة عنها بفوائد الثمن، وذلك لسوء نية المشتري فرضًا في هذه الحالة - وهذا بالنسبة للدائن الذين تولى رفع الدعوى، أو للدائنين الذين اشتركوا معه فيها أو دخلوها أثناء قيامها، وكانت ديونهم سابقة على التصرف أي ذات تاريخ سابق على ثبوت تاريخ التصرف، ولا يستفيد من البطلان الدائنون الذين لم يشتركوا في الدعوى، ولا الدائنون اللاحقة ديونهم على التصرف، فلا أثر للحكم الصادر بالبطلان بالنسبة لديونهم.
وكذلك لا أثر لحكم البطلان فيما بين البائع والمشتري، فإذا تنازل الدائن عن دعواه، أو اصطلح على حقه، أو قبض دينه من المشتري أو وفاه من مال المدين، نفذ العقد على البائع وسقط حكم البطلان.
وكذلك إذا رفع الدائن دعوى الصورية، رجع أثر الحكم فيها إلى تاريخ العقد أيضًا، لانعدام أثر العقد من تاريخ صدوره، سواء كان الدين سابقًا على التصرف أو لاحقًا به، ويستفيد من الحكم جميع الدائنين، ذلك لأن العقد الصوري لا أثر له في الوجود، فيبقى العقار في ملكية المدين محلاً لوفاء الديون التي عليه.
(جـ) فيما بين دائن البائع والغير: وهو من تلقى بحسن نية حقًا عينيًا عقاريًا على العين عن المشتري، وحفظه بالتسجيل - فماذا يكون أثر الحكم الصادر بالبطلان، في دعوى إبطال التصرف، ثم في دعوى الصورية؟
لا شك أن لا أثر لحكم إبطال التصرف بالنسبة للغير حسن النية، لأن شرط دعوى إبطال التصرف سوء نية المشتري، فالبيع فيها صحيح نافذ لولا سوء نيته، فلا يمكن أن يؤاخذ المشتري الثاني بجريمة الأول، ولا يعترض هنا بضياع حق الدائن، ولا بتناقض النتيجة بالنسبة للمشتري الأول والثاني، لعدم توفر الركن الأساسي للدعوى بالنسبة للمشتري الثاني كما قدمنا، ولأن بين الدائن العادي والمشتري حسن النية، يجب ترجيح الأخير على كل حالة.
وأما في دعوى الصورية، فليس الأمر مقطوعًا به كما في الدعوى السابقة.
فمن العلماء من يقول بأن العقد الصوري لا أثر له بين العاقدين فهو لا يملك المشتري العين المبيعة، وإذن لا يملك هذا المشتري العين لمن باع له، لأن لا فرق بين الصورية والعقد الباطل لعيب في الرضاء، وهذا يؤثر في صحة العقد حتى بالنسبة للمشتري الثاني، ولو كان رضاء المشتري الأول صحيحًا في التصرف الثاني.
راجع تعليقات دللوز على المادة (111) جزء (2) ص (936) فقرة (188) وما بعدها - لارومبيير جزء (1) مادة (111) فقرة 31 – دملوب جزء (24) فقرة (130).
ويبني هؤلاء العلماء رأيهم على حكم المادة (2125) مدني التي نصت على أن الحق المعلق على شرط موقف أو فاسخ لا ينتقل إلى الغير إلا بشرطه.
ومن العلماء من يقول بأن لا أثر لحكم البطلان في دعوى الصورية فيمن تلقى بحسن نية حقًا عقاريًا عن المشتري، لأن الصورية تستلزم وجود عقدين، أحدهما ظاهر وهو العقد الصوري، والثاني خفي وهو العقد الحقيقي (ورقة الضد)، ولأن القاعدة الأساسية في مادة التسجيل تقضي بعدم جواز الاحتجاج بالعقد على الغير ما لم يكن مسجلاً، فإذا كانت ورقة الضد مسجلة، كان هذا إعلانًا للغير بصورية العقد، وإن لم تكن مسجلة وجب صيانة حق الغير حسن النية، ولأن المادة (1321) نصت على أن أوراق الضد ليست حجة على الغير، وأخيرًا لأن القضاء أجمع على ذلك ولو كانت ورقة الضد ثابتة التاريخ رسميًا (راجع بودرى، الالتزامات، جزء (1) ص(765) فقرة (740)) - وأخيرًا لعدم جواز قياس هذه الحالة على دعوى البطلان أو الفسخ التي يرفعها العاقد نفسه، لأن دعوى الصورية هنا مرفوعة من الدائن بما له من هذا الحق شخصيًا (المؤلف المذكور ص (767) فقرة (742)).
ولقد اختلف القضاء في فرنسا اختلاف الفقهاء فيها، فقد أخذ بعض الأحكام بالرأي الأول القائل بالأثر الرجعي (سيريه 1900، 1، 72 – دللوز 1905، 2، 127) - وقد أخذ البعض الآخر بعدم الأثر الرجعي للحكم بالصورية (دللوز 1893، 1، 369).
وقد أخذت بالرأي الأول محكمة الاستئناف الأهلية (28 مايو سنة 1913 – المجموعة الرسمية س 15 ص(140)) ومحكمة الاستئناف المختلطة في (6 مارس 1913 - مجلة التشريع والقضاء سنة 25 ص (214)) – ثم عادت المحكمة الأخيرة فأخذت بالرأي الثاني (20 يونيه سنة 1918 - س 30 ص (482)).
- راجع الأستاذ عبد السلام بك ذهني - التسجيل - ص (79) وما بعدها.
(د) أثر العقد الباطل بالنسبة للغير على وجه عام:
إذا كان العقد باطلاً بطلانًا مطلقًا، فلا أثر له من الوجهة القانونية، وعلى ذلك فلا يترتب عليه حق للغير مطلقًا.
والعلة في ذلك ظاهرة فيما إذا كان سبب البطلان يرجع إلى عدم توفر أركان العقد، أو إلى عدم استيفاء إجراءات تعلق بشكل العقد، لأنه في هذه الحالة لا يمكن أن يقال بحسن نية من تلقى الحق عن المشتري، لأن جهل القانون ليس عذرًا مشروعًا.
وكذلك إذا كان سبب البطلان مركز أحد العاقدين من العين المبيعة كالحالة المنصوص عليها في المادة 257/ 234.
وأما إذا كان سبب البطلان غير ظاهر، كأن كان سبب التعهد غير مشروع، وليس في العقد ما يشير إلى عدم مشروعيته، بل قد ينص العقد على سبب صوري مشروع لإخفاء السبب الحقيقي للتعهد، فإنه يتعذر على المنصف أن يقول بأثر البطلان في حق المشتري الأخير، ذلك لأنك لن تستطيع أن تنسب له شيئًا من التقصير، ولأن مركزه أجدر بالرعاية من مركز البائع الذي قبل أن يتعهد تعهدًا مبنيًا على سبب غير مشروع، ولأنه في الواقع ضحية اتفاق البائع والمشتري الأول، وأخيرًا لأن تأمين المعاملات العقارية يقتضي احترام عقد المشتري الأخير، لذلك يقول الأستاذ ذهني بك بعدم الأثر في حق المشتري الأخير إذا كان حسن النية (ص (60) فقرة (64)).
ولكن القضاء سار على الرأي المخالف أخذًا بقاعدة أن العقد الباطل بطلانًا مطلقًا لا وجود له، وأن ما بني على الباطل فهو باطل.
أما إذا كان البطلان نسبيًا، تصححه الإجازة، كما إذا كان سببه عدم الصفة في بيع عقار الغير دون إجازته، أو كان سببه قصر الصفة كبيع الوصي عقار القاصر لنفسه - مادة 258/ 325 - أو كان سببه عدم الأهلية كبيع القاصر والمحجور عليه، أو كان لعيب في الرضاء كالإكراه والغش والخطأ، فهذه التصرفات قابلة للبطلان، بمعنى أنها باطلة إذا لم يجزها صاحب الشأن فيها، كالمالك، والمجلس الحسبي، وعديم الأهلية عند أهليته، والعاقد، فإذا أجازها صاحب الشأن صحت هذه التصرفات، وإن أبطلها أبطلت، وفي الحالتين يرجع الأثر إلى تاريخ العقد.
وهنا يبحث العلماء في أمرين: هل حق الإبطال حق عيني أو شخصي؟ وهل حق المشتري معلق على شرط فاسخ وهو طلب الإلغاء.
فإن قلنا بأن حق الإبطال عيني، جاز للمالك تتبع العقار مهما تعددت البيوع، ولو كان أصحابها حسني النية، وإن قلنا بأنه حق شخصي، اقتصر هذا الحق على علاقة البائع بالمشتري الأول.
وإن قلنا بأن حق المشتري معلق على شرط فاسخ، وهو الإلغاء، وجب رجوع أثر الشرط عند تحققه إلى تاريخ العقد.
على أن الأثر الفعال في تقرير قاعدة أثر الإبطال في حق الغير هو المنطق وحده، لا ماهية الحق ولا أثر الشرط، فإن العلماء متفقون على أن حكم البطلان المطلق والنسبي واحد، وهو عدم انتقال ملكية العين للمشتري، وإذن لا يجوز للأخير أن يملكها لغيره، وهم في الوقت نفسه مختلفون في ماهية حق الإبطال، ويحاولون تقرير القاعدة السابقة بتقريب بعض نصوص القانون ببعضها.
على أننا نفهم أن المشتري من مشترٍ من غير مالك أو من عديم الأهلية لا يستحق عطف الفقهاء لإهماله بحث أسباب ملكية البائع له أو أهليته، أو المشتري من مشترٍ حصل على رضاء بائعه بالإكراه أو الغش أو الخطأ فأي تقصير أو خطأ ينسب إليه، إذا قيل بأن البائع قد جرد من ملكه بالرغم منه، فإن هذا التجريد راجع إلى بعض التقصير من جانبه، ولا يرجع على كل حال إلى فعل المشتري الأخير حسن النية.
ولم ينص القانون المدني على وجوب تسجيل الأحكام الملغية للعقود لتكون حجة على الغير، لأن المادة 612/ 737 نصت على الأحكام المؤيدة للحقوق، أو المنشئة لها، ولأن المادة 640/ 773 لم تجعل التسجيل شرطًا للاحتجاج بالأحكام الملغية على الغير.
وعلى ذلك فهذه الأحكام حجة على الكافة دون حاجة إلى تسجيلها.
2/ في قانون التسجيل:
( أ ) بالنسبة للعاقدين: إذا كان عقد البيع مسجلاً، انتقلت الملكية بين العاقدين، في عهد قانون التسجيل، وعلى ذلك يكون للعقد الباطل بين العاقدين أثره في عهد القانون المدني.
وكذلك إذا لم يسجل العقد، ولم تنتقل الملكية، لأن للعقد قيمته بالرغم من عدم انتقال الملكية فهو قائم وله أثره الذي تحدثنا عنه طويلاً.
وعلى ذلك للبائع أن يرفع دعوى البطلان، بالرغم من عدم تسجيل العقد، ويكون لحكم البطلان بين العاقدين نفس الأثر في عهد القانون المدني.
وما يقال عن العاقدين يقال عن خلفائهم، بسبب خاص أو بسبب عام، وعن دائنيهم في الدعوى غير المباشرة، وما يقال عن البيع يقال عن انتقال الحقوق العينية العقارية على وجه عام.
(ب) بالنسبة للغير:
نصت المادة الأولى من قانون التسجيل على وجوب تسجيل الأحكام النهائية القاضية بزوال الحقوق العينية العقارية لتكون حجة على الغير.
ونصت المادة السابعة على وجوب التأِشير بدعوى بطلان العقود أو فسخها أو إلغائها أو الرجوع فيها، على هامش السجل إذا كانت العقود مسجلة، أو تسجيل تلك الدعاوى إذا كانت العقود مسجلة.
ولكن المادة الأخيرة لم تنص على أثر عدم التسجيل، فلم تقل ( وإلا كانت تلك الدعاوى غير حجة على الغير).
ولكن هذا الأثر مفهوم من نص المادة الأولى التي قضت بتسجيل الحكم ليكون حجة على الغير، ومن نص المادة الحادية عشرة التي جعلت التأشير والتسجيل واجبين في سجلات المحكمة المختلطة لتكون الدعوى حجة على الغير من ذوي الجنسية الأجنبية.
لا شك أن الشارع أراد بهذه النصوص حماية الغير من نتائج دعوى البطلان والإلغاء، ليس فقط لأن الغير قد يكون حسن النية ومستحقًا لعطف الشارع، ولكن لاستقرار الملكية وتأمين المعاملات العقارية، أي للمصلحة العامة التي هي فوق مصلحة الأفراد في جزئيات القضايا.
فما هو مدى هذه الحماية متى قررها القانون الجديد؟
نرى إطلاق هذه الحماية على الغير حسن النية، فشرط الاحتماء بهذه النصوص في رأينا واحد وهو حسن نية الغير.
فإذا كان العقد المطعون فيه مسجلاً، وجب البحث في ماهية البطلان، فإن كان البطلان مطلقًا لعيب به ظاهر في موضوع العقد أو لعيب جوهري في شكله، أو كان البطلان نسبيًا، ولكن مما يمكن تحققه من بحث أسباب الملكية أو صفة العاقد، وجب سريان أثر البطلان على المشتري الأخير لعلمه بالعيب المبطل للعقد فرضًا، ولو لم تسجل الدعوى.
وأما إذا كان البطلان مما لا يستطيع المشتري الأخير تحققه ولا يظهر من العقد نفسه، وجب حماية هذا المشتري، فلا تسري عليه دعوى البطلان إذا تسجل عقده قبل تسجيل عريضة الدعوى طبقًا لأحكام قانون التسجيل، ولو كان العقد المطعون فيه مسجلاً.
وعلى ذلك فدعوى البطلان لعدم مشروعية سبب التعهد، أو لصورية العقد، أو لعيب في الرضاء لا تسري على المشتري الأخير إلا بالتسجيل.
أما إذا كان العقد المطعون فيه غير مسجل، فلا يمكن أن يقال بسوء نية المشتري الأخير الجهلة العقد، وتبعًا العيوب التي اشتمل عليها، وعلى ذلك فدعوى البطلان لا تكون حجة عليه لا بالتسجيل.
وقد يعترض على ذلك بأن قانون التسجيل قد ألغى المادة (619)، فلا تنتقل الملكية إلى المشتري الثاني إلا بتسجيل عقد المشتري الأول.
هذا صحيح ولكن هذا التسجيل يمكن حصوله بعد شراء المشتري الثاني وتسجيل عقده، يرجع أثره إلى تاريخ البيع الأول، فتنقل الملكية للمشتري الأول من تاريخ العقد الأول، وللمشتري الثاني من تاريخ العقد الثاني، فيصحح مركز المشتري الثاني دون أن يتهم مع ذلك لعلمه بعيوب البيع الأول وقت شرائه.
ويؤيد وجهة نظرنا نص المادة 620/ 747 من القانون المدني، التي سيأتي الكلام عليها، ومقارنته قانون التسجيل المشار إليه.
وكما يكون إبطال العقد بدعوى وبحكم يصدر فيها، فقد يكون ذلك بالاتفاق بين البائع والمشتري، وفي هذه الحالة يأخذ العقد محل الحكم، فلا يكون حجة على المشتري الثاني إلا من تاريخ تسجيله في الأحوال التي لا تسري فيها الدعوى عليه إلا بالتسجيل.
ولا يؤثر هذا الاتفاق في حق المشتري الثاني إذا حصل بطريق التواطؤ إضرارًا بحقوقه.

2 - أثر الحكم بفسخ العقد

1/ في القانون المدني:
بالنسبة للعاقدين - يترتب على فسخ العقد اعتباره كأن لم يكن، ويترتب على ذلك سقوط الحقوق التي رتبها المشتري على العين المبيعة، (دللوز مادة (1654) فقرة (214) – بوردي - كتاب البيع ص (493) فقرة (561)) وتثبت الحقوق التي رتبها البائع بعد البيع وقبل الفسخ (فقرة (223) وبوردى ص (493)).
بالنسبة للغير - نصت المادة 620/ 747 على أنه (لا يحتج بحق البائع في فسخ البيع على من سجل بموافقة الأصول حقوقه العينية التي حازها من المشتري أو ممن انتقلت إليه حقوق المشتري قبل تسجيل عقد البيع).
فإذا باع المالك الغير لمشترٍ، ولم يسجل هذا العقد، ثم باع المشتري العين لمشترٍ ثانٍ، فسجل عقده، وكان باقيًا جزء من الثمن فلا يستطيع هذا البائع رفع دعوى الفسخ على المشتري الثاني لأنه لم يحفظ امتيازه بالتسجيل.
وبهذا المعنى يجب أن نفسر المادة (417) مختلط التي نصت على أنه (لا يترتب على فسخ البيع في العقار بالنسبة لغير المتعاقدين ضرر بحقوق أصحاب الرهون العقارية المسجلة(أي بشرط أن تسجل هذه الرهون قبل تسجيل عقد البيع.
- راجع الأستاذ نجيب بك الهلالي - أحكام البيع ص (492) فقرة (714).
ولقد اختلف شراح القانون المدني في تفسير المادة 620/ (747) فيما إذا كان حكم هذه المادة قاصر على الفسخ بسبب قعود المشتري عن دفع الثمن، أخذًا بنص المادة (7) من القانون الفرنسي الصادر في 23 مارس سنة 1855 - أو أنه يشمل الفسخ مطلقًا لأي سبب آخر.
- راجع الهلالي بك ص (492) فقرة (713) – الحاشية (1).
وكما يكون الفسخ بالتقاضي، قد يكون بالتراضي وإنما يشترط في الحالة الأخيرة أن لا يكون الغرض من التراضي على الفسخ الإضرار بحقوق الغير التي ترتبت بفعل المشتري، ولا أن يكون الغرض منه بيعًا جديدًا من المشتري للبائع، كما إذا لم يكن سبب ظاهر للفسخ، ففي هاتين الحالتين، لا يضار أصحاب الحقوق المكتسبة على العين باتفاق العاقدين.
2/ في قانون التسجيل:
إذا كان هناك شك فيما قررناه عن عدم سريان دعوى البطلان على المشتري الثاني، إلا إذا سجلت قبل تسجيل عقد المشتري المذكور، فلا شك في عدم سريان دعوى الفسخ عليه إلا بالتسجيل، وطبعًا لا محل في دعوى الفسخ للتفصيل الذي تكلمنا عنه في دعوى البطلان.

3 - أثر الرجوع في العقد

أما الرجوع في العقد الصحيح باتفاق الطرفين، فهو عقد جديد، حكمه حكم العقد الناقل للملكية.
أما إذا تحرر العقد في صورة صلح في نزاع، يصبح العقد مؤيدًا للحق وحكمه حكم الفسخ، فيرجع أثره إلى الماضي، وإنما يشترط فيه سلامة نية العاقدين، بأن يكون هناك نزاع وصلح حقيقيان وإلا كان العقد منشئًا للحق فيأخذ حكم العقود المنشئة للحقوق بالنسبة للغير.
وفي القانون المدني، يجب تسجيل العقد المنشئ للحق وأثره لا يتعدى حق الغير المسجل حقه قبل تسجيل العقد، بينما لا يشترط تسجيل العقد المؤيد للحق، وأثره يتعدى الغير إذا كان العقد الأول مسجلاً، ولا يتعداه إذا سجل الغير عقده قبل تسجيل البيع - مادة 620/ 747.
وأما قانون التسجيل، فقد نص في المادة الثانية على وجوب تسجيل العقود المؤيدة للحقوق، بحيث لا يكون لها من الأثر الرجعي، بالنسبة للغير الذي سجل عقده قبل تسجيلها.

تسجيل حقوق الامتياز العقارية

نصت المادة الأولى من قانون التسجيل في نهاية الفقرة الأولى منها على ما يأتي (وذلك مع مراعاة النصوص المعمول بها الآن في مواد الامتياز والرهن العقاري والاختصاصات العقارية).
ونرى قبل شرح هذه المادة، وقبل الكلام على ترتيب درجات حقوق الامتياز، أن نقول كلمتين عن الفارق بين حقوق الامتياز والرهن العقاري، وعن أنواع تلك الحقوق، وذلك لقصر نصوص القانون في هذا الموضوع
1 - الفارق بين حق الامتياز والرهن العقاري:
يختلف حق الامتياز عن الرهن العقاري في إنشاء كل منهما، فالامتياز حق لبعض الدائنين مرتبط بصفاتهم، يتلقاه صاحبه عن القانون، بينما الرهن حق تعاقدي بطبيعته، يتلقاه أحد العاقدين عن الآخر، أو عن القضاء في الرهن القضائي أو الاختصاص، وعبارة privilége نفسها تتكون من كلمتين تعريبهما: الأرجحية والقانون، أو الأرجحية القانونية.
ويترتب على ذلك، أن ترتيب درجات حقوق الامتياز منوط بحكم القانون، فيما عدا امتياز المرتهن رهن حيازة، بينما ترتيب درجات الرهن العقاري منوط بالأسبقية في التسجيل، وأن حقوق الامتياز التي من نوع واحد تشترك في التوزيع كالديون العادية، بينما حقوق الرهن تتفاضل بالأسبقية.
وبينما كان حق الرهن العقاري مفضلاً في القانون الروماني على حقوق الامتياز، ففي القانون المصري والقوانين الحديثة قد رجحت هذه الحقوق على حق الرهن (وهنا كلامنا قاصر طبعًا على حقوق الامتياز العقارية)
وبينما حقوق الامتياز واردة في القانون على سبيل الحصر، فلا يجوز خلق حق امتياز لم ينص عليه القانون، ولا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها، نجد الرهن العقاري مطلقًا، جائزًا على جميع الحقوق العينية العقارية، أي على حق الملكية وأجزائها، مما يجوز بيعه بطريق البيع الجبري، وهو مآل حق الدائن عند عدم الوفاء.
2 - أنواع حقوق الامتياز:
حقوق الامتياز عامة وخاصة، أي تقع على جميع أموال المدين منقولة أو عقارية، أو على بعضها دون البعض الآخر.
( أ ) حقوق الامتياز العامة:
تنحصر هذه الحقوق في مصر فيما يأتي:
1 - (المصاريف القضائية المنصرفة لحفظ أملاك المدين وبيعها، وتدفع من ثمن هذه الأملاك قبل ديون الدائنين الذين صرفت تلك المصاريف لمنفعتهم).
- مادة (601) فقرة (1) (727 فقرة (1)).
وهذا الامتياز منصوص عليه في جميع الشرائع العصرية، وهو يشمل نوعين من المصاريف مصاريف الحفظ Conservation ومصاريف البيع realisatin وما يترفع عنهما.
ومن النوع الأول - مصاريف إجراءات التنفيذ، والجرد والدعوى البوليصية، وإدارة أملاك المفلس… ومن النوع الثاني مصاريف إجراءات البيع في التنفيذ على المنقولات والتنفيذ العقاري أي التنفيذ بنوعيه، ولو لم تنص عليه المادة صراحة.
وعلة حق الامتياز في هذه الحالة أن هذه المصاريف إنما صرفت في مصلحة جميع الدائنين لذلك كان واجبًا أن تؤدي قبل وفاء ديونهم.
ويترتب على هذه القاعدة أن الإجراءات التي لا تفيد الدائن تصبح مصاريفها غير ممتازة على دينه، فإذا قام نزاع من مستأجرين تعين من أجله حارس على الأرض المؤجرة، فمصاريف دعوى الحراسة لا تفضل امتياز المالك المؤجر على ثمن المحصولات.
وكذلك إذا كانت المصاريف القضائية لم تفد غير دائن واحد، فلا امتياز لها في الواقع، لأنها لا تفضل باقي الديون، وإنما يكون الامتياز في هذه الحالة نظريًا لا غير، وهذا وذاك بالرغم من نص المادة 517/ 518 مرافعات.
2 - (المبالغ المستحقة للميري عن أموال أو رسوم أيًا كان نوعها) - المادة (601) فقرة (2) - أهلي، والأمر العالي الصادر في 26 مارس سنة 1900 – مختلط.
وقد نصت المادة (601) فقرة (2) على أن (هذه المبالغ ممتازة بحسب الشرائط المقررة في الأوامر واللوائح المختصة بها (وتأتي في القانون المختلط المشار إليه بعد المصاريف القضائية مباشرة.
3 - (المبالغ المستحقة للمستخدمين في مقابلة أجر السنة السابقة على البيع أو الحجز أو الإفلاس، والمبالغ المستحقة للكتبة والعملة في مقابلة أجرتهم مدة ستة شهور، وتدفع هذه المبالغ بنوعيها عند الاقتضاء بعد المصاريف القضائية).
- مادة (601) فقرة (3) (727 فقرة 2).
ويستفاد من هذا النص أن أجرة المستخدمين تأتي في المرتبة الثانية بعد المصاريف القضائية مباشرة، وهذا خطأ ناشئ عن نقل الفقرة الثانية من المادة (727) مختلط إلى القانون الأهلي، وقد رأينا أن هذه المادة لم تنص على امتياز الأموال الأميرية، فاحتاج الأمر إلى النص عليها بقانون خاص.
ويرى مسيو دوهلتس أن الأموال الأميرية والرسوم، وإن كانت من الديون الممتازة العادية في القانون المدني والأهلي، إلا أنها من الديون الممتازة الخاصة في القانون المختلط، لأنها لا تقع إلا العقارات المستحقة عليها الأموال والرسوم (دوهلتس جزء (3) ص(494) فقرة (5)).
- راجع أحكام محكمة الاستئناف المختلطة في 20 مارس سنة 1890 مجلة التشريع والقضاء س 2 ص (147) – 14 فبراير سنة 1895 س 7 ص (125) - 11 فبراير سنة 1897 س 9 ص (154).
وكذلك المصاريف القضائية يمكن حصرها ضمن الديون ذات الامتياز الخاص باعتبارها ممتازة فقط على الأموال وعلى ثمن العقارات التي صرفت في حفظها وبيعها (دوهلتس الصحيفة والفقرة المذكورتين).
ومن الديون ذات الامتياز العام التي نصت عليها القوانين الخاصة الديون المستحقة لجهة الحكومة على محصلي أموالها في البلاد (الصيارف) وضمانهم طبقًا لنص المادتين الأولى والخامسة من الأمر العالي الصادر في 21 إبريل سنة 1885، والديون المستحقة على حفظة أموال الحكومة (الصيارف) في المديريات ومصالح الحكومة وضمانهم طبقًا للأمر العالي الصادر في 28 نوفمبر سنة 1886.
حفظ حقوق الامتياز العامة:
إذا وقعت هذه الحقوق على العقار، كان مفروضًا، وهي حقوق عينية، أن لا تكون حجة على الغير إلا بإعلانها بالتسجيل.
ولكن القانون المدني لم ينص على حفظ هذه الحقوق بالتسجيل، فجعلها حجة على الكافة وإذن فهي تخول أصحابها حق تتبع العقار أين يكون بالرغم من عدم التسجيل (فيما عدا الديون المستحقة على صيارف البلاد والمديريات وضمانهم، على ما نظن).
وحجة الشارع في ذلك ظاهرة فطبيعة هذه الديون، وطريقة استحقاقها، وسهولة تقديرها وتفاهة مقدارها، تحول دون تسجيلها وتقلل من مضار عدم إشهارها.
ولهذه الأسباب نفسها رأى الشارع، عند وضع قانون التسجيل، أن يبقى نصوص القانون المدني على حالها فيما يتعلق بحقوق الامتياز.
وعلى ذلك، ففي عهد قانون التسجيل تظل حقوق الامتياز غير خاضعة للتسجيل.
ويرى مسيو دوهلتس (ص (495) فقرة (6) وصفحة (504) فقرة (27)) والعلامة بلانبول (جزء (2) فقرة (3166)) أن من الظلم أن يخول صاحب حق الامتياز العام حق تتبع العقار ضد الغير، طالما أن القانون لم يقضِ بوجوب تسجيل حق الامتياز العام، ولا يفوتنا هنا أن مسيو دوهلتس قد جعل المصاريف القضائية والأموال المستحقة لجهة الحكومة، فيما يتعلق بالأجانب، ضمن حقوق الامتياز الخاصة.
(ب) حقوق الامتياز الخاصة:
قد تقع هذه الحقوق على المنقولات كما تقع على العقارات والأولى هي الآتية:
1 - (المبالغ المنصرفة في حصاد محصول السنة، والمبالغ المستحقة في مقابلة المبذورات التي نتج منها المحصول - 601 فقرة (4) ((727) فقرة (3)).
2 - (المبالغ المستحقة في مقابلة آلات الزراعة التي لم تزل في ملكية المدين وتدفع من أثمانها) - فقرة 5/ 4.
3 - (أجرة العقار وأجرة الأطيان وكل ما هو مستحق للمؤجر) – فقرة 6/ 5.
4 - (ثمن المبيع (إذا كان منقولاً) المستحق للبائع أو المبلغ المدفوع من غير المشتري بعقد ذي تاريخ ثابت بوجه رسمي المخصص لأداء الثمن المذكور تخصيصًا صريحًا) - فقرة 7/ 6.
5 - (المبالغ المستحقة لأصحاب الخانات من السائحين النازلين فيها) فقرة 8/ 7.
6 - (المبالغ المستحقة في مقابلة ما صرف لصيانة المنقول) 6030/ 729.
وهذه الديون وإن كانت ممتازة، إلا أن لا محل طبعًا لحفظها بالتسجيل لأنها واقعة على منقولات
وأما حقوق الامتياز الخاصة العقارية فهي:
1 - حق امتياز الدائن المرتهن رهن حيازة 550 و 553 (674 و 676) وفيه بيان سنأتي عليه بعد.
2 - حق امتياز بائع العقار وفاءً للثمن – 601 فقرة 7/ ((727) فقرة (6)) وهذا الحق يثبت في البيع البات، والبيع الوفائي، والشفعة، والبدل بفرق ثمن، والهبة بمقابل، وتقديم عقار نصيبًا في الشركة، وفي إعطاء عقار مقابل وفاء الدين، ويثبت في البيع الاختياري والبيع الجبري سواء بسواء.
3 - حق امتياز الشريك، في القسمة العقارية – 602/ 728.
4 - حق امتياز صائن العقار 603/ 729.
وقد ذكرنا أن الأستاذ حامد بك فهمي ينكر وجود هذا الحق في القانون المصري ويقصره على صائن المنقول، ويمكن أن يؤيد هذا الرأي بكون القانون نص على (الشيء) ولم ينص على العقار، وبعدم النص على التسجيل فيما إذا كان هذا ( الشيء) عقارًا كما فعل في المادة (601) فقرة 7/ ((727) فقرة (6)) ثم بعدم جواز التوسع في حقوق الامتياز.
ويؤيد الرأي المخالف، كون النص عامًا لأن لفظ ( الشيء) يشمل العقار والمنقول، والقياس على المادة 552/ 676 التي أعطت للدائن الحائز للعقار المرتهن حق امتياز على العقار ضمانًا لمصاريف الحفظ والصيانة.
وقد أخذ الفقه والقضاء بمصر بالرأي الأخير.
حفظ حقوق الامتياز الخاصة العقارية:
والديون المضمونة بحق امتياز عقاري خاص كلها خاضعة للتسجيل في عهد القانون المدني.
فحق امتياز البائع لا يحفظ إلا بالتسجيل وشرط حق امتياز غير البائع، إذا دفع الثمن عنه، ثبوت تاريخ سنده، علاوة على تسجيل عقد البيع - مادة (601) فقرة 7/ ((727) فقرة (6)).
وكذلك حق امتياز الشريك في القسمة العقارية لا يكون حجة على الغير إلا بالتسجيل - مادة 602/ 728.
وأما حق امتياز الدائن المرتهن الحائز للعقار فإن القانون المصري لم ينص عليه في الباب العاشر من الكتاب الثالث (في العقود المعينة) لأن عبارة (بالامتياز على من عداه) الواردة بالمادة 540/ 662 معناه بطريق الأفضلية de preference ولأن المادة 601/ 727 وما بعدها لم تنص كذلك على حق الامتياز بينما قد نُص صراحة في 603/ 729 على حق امتيازه ضمانًا لمصاريف حفظ العقار وصيانته.
على أنه بمراجعة نصوص الباب العاشر يتبين منها صراحة أن القانون يخول الدائن المرتهن رهن حيازة حقًا عينيًا عقاريًا، بما يترتب على ذلك من حقي التتبع والأفضلية، وقد نص صراحة في المادة، 550/ 674 على وجوب تسجيل عقد الرهن ليكون حجة على الغير، وأخيرًا لأن من خصائص هذا العقد أن يخول الدائن حق حبس العين المرتهنة حتى وفاء الدين، وهذا أثر من آثار حقوق الامتياز.
وإذا كان التسجيل واجبًا لحفظ حق امتياز الدائن المرتهن رهن حيازة وفاءً لدينه، فلا محل لتسجيل جديد لضمان مصاريف حفظ العين وصيانتها، فالقانون لم ينص على هذا التسجيل في المادة 603/ 729 اكتفاءً بتسجيل عقد الرهن، سواء لأنه يمكن اعتبار هذه المصاريف من ملحقات الدين، أو لأن حيازة الدائن للعقار تشعر بوجود دين الحفظ والصيانة، أو لأن مصاريف الحفظ والصيانة يستفيد منها جميع الدائنين.
على أننا نرى وجوب التسجيل فيما يتعلق بمصاريف الحفظ والصيانة عملاً بالمادة 614/ 741 وكذلك حق امتياز صائن العقار مطلقًا، لأن عدم نص القانون المدني في المادة 603/ 729 على وجوب تسجيله، ربما كان سببه عدم النص صراحة على هذا الحق فيما يتعلق بالعقار، إلا ولأن نص المادة 614/ 741 المذكورة صريح بوجوب هذا التسجيل.
وتسجيل عقد البيع كافٍ لحفظ حق امتياز البائع، باتفاق القضاء، ولكن هل تسجيل عقد القسمة العقارية وحده كافٍ لحفظ امتياز الشريك، أو لا بد من تسجيل قائمة ببيان فوارق الثمن التي ترتبت على القسمة.
يقول المرحوم الأستاذ تستوفى محاضراته على طلبة الحقوق بوجوب هذا التسجيل، لأن الاكتفاء بتسجيل عقد البيع استثناءً من القاعدة فلا يصح القياس عليه في القسمة، ولأن عقد القسمة قد لا ينص على الديون التي ترتبت عليها.
ويقول مسيو دوهلتس (ص (529) فقرة (99)) بوجوب هذا التسجيل أيضًا، لأن تسجيل عقد القسمة من شأنه الإقرار بملكية الشركاء، بينما تسجيل قائمة القسمة من شأنه حفظ حقوق الامتياز.
وظاهر أنه إذا تضمن عقد القسمة بيان فوارق الثمن، ونص على جميع الحقوق التي ترتبت على القسمة، فلا محل لتسجيل جديد، لاستيفاء الغاية من التسجيل.
هذا هو حكم القانون المدني في مادة تسجيل حقوق الامتياز، وقد نصت المادة الأولى من قانون التسجيل كما رأينا على مراعاة النصوص المعمول بها في القانون المدني في مواد الامتياز والرهن العقاري والاختصاصات العقارية.
وإذن يبقى كل ما قلناه صحيحًا نافذًا في عهد قانون التسجيل.

ترتيب حقوق الامتياز عند التزاحم

هذا الموضوع من أدق المسائل التي عرضنا لها في هذه الرسالة، لأن القانون لم يرتب حقوق الامتياز عند تزاحمها، واكتفى بترجيح البعض منها على البعض الآخر، واكتفى بالنص صراحة على أن الامتياز المترتب على المصاريف القضائية يفضل كافة حقوق الامتياز الأخرى.
وإذا كان حق الامتياز هذا ليس في الواقع مترتبًا على دين في ذمة المدين لدائنيه، وإنما على دين في ذمة الدائنين أنفسهم لجهة الحكومة، أمكن القول بأن القانون لم ينص صراحة حتى في هذه الحالة على ترتيب حقوق امتياز الدائنين على أموال مدينهم.
رأينا أن حقوق الامتياز عامة وخاصة، وأنها تقع على المنقول كما تقع على العقار، وإذن فالصور التي يقع فيها التزاحم هي الآتية:
1 - تزاحم حقوق الامتياز العامة فيما بينها.
2 - تزاحم حقوق الامتياز العامة مع حقوق الامتياز الخاصة على المنقول.
3 - تزاحم حقوق الامتياز العامة مع حقوق الامتياز الخاصة على العقار.
4 - تزاحم حقوق الامتياز الخاصة فيما بينها على المنقول.
5 - تزاحم حقوق الامتياز الخاصة فيما بينها على العقار.
6 - تزاحم هذه الحقوق مع حق الرهن العقاري.
1 - تزاحم حقوق الامتياز العامة فيما بينه:
تأتي هذه الحقوق على الترتيب الآتي:
1/ المصاريف القضائية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 601/ 727.
2/ الأموال والرسوم المستحقة للحكومة - مادة (601) فقرة ثانية - أهلي - الأمر العالي الصادر في 26 مارس سنة 1900 مختلط (ونلاحظ أن حق الامتياز هنا عام فيما يتعلق بالمصريين، خاص فيما يتعلق بالأجانب، أي قاصر على الأعيان المستحقة عليها الأموال والمصاريف - وكذلك المبالغ المستحقة على صيارف البلاد والمديريات وسائر المصالح الأميرية وضمانهم - طبقًا للأمرين العاليين الصادرين في 21 إبريل سنة 1885 و 28 نوفمبر سنة 1886.
3/ المبالغ المستحقة للمستخدمين والكتبة والعملة – 601 فقرة (3)/ (727 فقرة (2)) – راجع محاضرات الأستاذ جرانمولان (سنة 1904 ودوهلتس ص (556) فقرة (175)).
وحقوق الامتياز العامة المذكورة حجة على الغير وإن ترتب على المدين ودون حاجة إلى التسجيل، سواء في عهد القانون المدني، أو في عهد قانون التسجيل (مادة (1)).
2 - تزاحم حقوق الامتياز العامة مع حقوق الامتياز الخاصة على المنقول:
لقد اختلف العلماء في ترتيب حقوق الامتياز العامة والخاصة عند تزاحمها، ولهم في ذلك ثلاثة آراء
( أ ) يقول الرأي الأول بأرجحية حقوق الامتياز العامة الخاصة (فيما عدا حق امتياز حافظ المنقول وصائنه) وذلك بناءً على الأسباب الآتية:
أولاً: الأعمال التحضيرية للقانون الفرنسي.
ثانيًا: الترتيب الوارد في القانون.
ثالثًا: ارتباط حقوق الامتياز العامة بالنظام العام.
رابعًا: القياس على حالة تزاحم هذه الحقوق مع حقوق الامتياز الخاصة العقارية.
(ب) ويقول الرأي الثاني بأرجحية حقوق الامتياز الخاصة على العامة، مستندًا إلى
أولاً: ما جرى عليه العمل قبل وضع القانون الفرنسي.
ثانيًا: كون حقوق الامتياز الخاصة قاصرة على بعض المنقولات دون غيرها، فليس من العدل تضحيتها في سبيل حقوق الامتياز العامة، التي يضمنها سائر أموال المدين.
ثالثًا: كون أساس حقوق الامتياز الخاصة قائمًا على نظرية الرهن الحيازي، والحيازة في المنقول عنوان الملكية.
(جـ) ويتوسط الرأي الثالث الرأيين السالفين، آخذًا بأقوى حجج الرأيين، فيقول بأرجحية حقوق الامتياز التي أساسها الرهن الحيازي، ثم حقوق الامتياز العامة، ثم حقوق الامتياز الخاصة التي أساسها الاستفادة على حساب الغير enrichissement، وليس أساسها الرهن الحيازي، وبالترتيب الوارد في القانون.
وعلى هذا الرأي يكون ترتيب حقوق الامتياز هكذا:
1 - المصاريف القضائية - وهي من الديون الممتازة العامة، ولكنها من المصاريف التي استعملت في حفظ المنقول، محل وفاء حقوق الدائنين، وفي التنفيذ عليه لوفاء هذه الحقوق.
وهي أشبه شيء بالمصاريف الأخيرة التي تصرف في حفظ الشيء وصيانته، المنصوص عليها في المادة 603/ 729، والآتي الكلام عليها.
2 - المبالغ التي صرفت في حفظ المنقول وصيانته، والتي يترتب عليها حق الامتياز الخاص المنصوص عليه في المادة المذكورة.
فقد نصت هذه المادة على أن هذه المبالغ (تكون مقدمة على جميع ما عداها من الديون) والعلة ظاهرة، لأنه لولا ما صرف في حفظ الشيء وصيانته لهلك هذا الشيء على جميع الدائنين.
وعلى أساس هذه القاعدة المنطقية، نصت المادة المذكورة على أن الترتيب بين تلك المصاريف بعكس ترتيب تواريخ الصرف عليها لأن الدائن الذي اشترك أخيرًا في صيانة الشيء قد أفاد الدائنين قبله.
ولهذا السبب نفسه، رجحت المصاريف القضائية على مصاريف الحفظ والصيانة:
3 - حق امتياز الدائن المرتهن للمنقول، وهو الرهن الحيازي الصريح - مادة 540/ 662.
4 - حق امتياز صاحب الخان، وهو الرهن الحيازي الضمني - 651 فقرة 8 (727 فقرة 7).
والعلة في الحالتين أن المنقول وضع في حيازة الدائن وفاءً لدينه، فيصبح الأخير مفضلاً بحيازة المنقول على جميع الدائنين.
5 - حقوق الامتياز العامة الأخرى على الترتيب الوارد في القانون أي المبالغ المستحقة للميري والمبالغ المستحقة للمستخدمين والكتبة والعملة.
6 - حقوق الامتياز الخاصة الأخرى، على الترتيب الوارد في القانون أيضًا، وهي الحقوق المترتبة على الديون التي زادت في ثروة المدين وهي:
( أ ) الثمن المستحق لبائع المنقول، ويدفع من ثمنه عند البيع - فقرة 7/ 6 – وثمن الآلات الزراعية ويدفع من ثمنها عند البيع - فقرة 5/ 4 وشرط ذلك بقاء المنقول في حيازة المدين.
(ب) المبالغ المنصرفة في حصاد المحصول، وتدفع من ثمن المحصول – فقرة 4/ 3.
(ج) ثمن المبذورات، ويدفع من ثمن المحصول أيضًا بعد مصاريف الحصاد - فقرة 4/ 3.
(د) أجرة العقار أو الأطيان، وتدفع، بعد ما ذكر، من ثمن المفروشات ونحوها – فقرة 6/ 5.
3 - تزاحم حقوق الامتياز العامة مع حقوق الامتياز الخاصة العقارية:
لم ينص القانون صراحة على تفضيل حقوق الامتياز العامة على حقوق الامتياز الخاصة العقارية، كما لم ينص على تفضيل تلك الحقوق على حق الرهن العقاري، ولكن القانون، كلما تكلم عن الديون الممتازة العامة، قال أنها (تدفع من ثمن أملاك المدين قبل ديون الدائنين) أو أن امتيازها (يجري مقتضاه على كافة أموال المدين).
على أنه من المتفق عليه، أن حقوق الامتياز العامة تفضل حق الرهن العقاري، وبطريق القياس، تفضل حقوق الامتياز العقارية الخاصة أيضًا، خصوصًا وأن الديون المضمونة بحقوق الامتياز العامة قليلة القيمة في العادة بالنسبة للديون المضمونة بحقوق الامتياز الخاصة وبحق الرهن العقاري.
4- تزاحم حقوق الامتياز الخاصة فيما بينها على المنقول:
بينَّا فيما سبق ترتيب هذه الحقوق، فحقوق الامتياز التي سببها حفظ المنقول، وصيانته تأتي في المرتبة الأولى، وتأتي بعدها حقوق الامتياز التي أساسها حق الرهن الحيازي، ثم حقوق الامتياز المترتبة على استفادة المدين من مال الدائن.
5 - تزاحم حقوق الامتياز الخاصة فيما بينها على العقار:
بينا أن حقوق الامتياز الخاصة العقارية قد رتبها القانون لضمان حقوق:
1/ الدائن المرتهن العقار رهن حيازة.
2/ والبائع عن ثمن العقار.
3/ وللشريك في القسمة العقارية.
4/ ولحفاظ العقار وصائنه.
ونريد الآن معرفة ترتيب هذه الحقوق عند التزاحم.
ورأينا أن القانون نص على وجوب حفظ هذه الحقوق بالتسجيل، مما ذكرناه من المواد الخاصة لكل منها – 550/ 674 و 601 فقرة 7 (727 فقرة 6) و 602/ 728 – فيما عدا الحق الرابع - ثم ينص المادة 614/ 741 الشامل لجميع هذه الحقوق.
وقد نص القانون في المادة 615/ 742 على أن (عدم التسجيل عند وجوبه بجعل تلك الحقوق كأنها لم تكن بالنسبة للأشخاص الذين لهم حقوق عينية على العقار وحفظوها بموافقتهم للقانون) وإذن يكون ترتيب هذه الحقوق فيما بينها بأسبقية التسجيل.
ونلاحظ أن التسجيل وحده، في حق امتياز الدائن المرتهن رهن حيازة، لا يكفي لجعل حق الامتياز حجة على الغير، وإنما يجب أن يكون التسجيل مقرونًا بالحيازة – 541/ 663.
كما أن تسجيل عقد البيع يغني عن تسجيل قيد حق امتياز البائع وفاءً للثمن، وتسجيل عقد القسمة العقارية يغني كذلك عن قيد حق امتياز الشريك إذا شمل عقد القسمة بيان فروق الثمن.
6 - تزاحم حقوق الامتياز الخاصة العقارية مع الرهن العقاري:
لقد قيل أن حقوق الامتياز تفضل الرهن العقاري ولو لم تكن سابقة في التسجيل عليه، قياسًا على حقوق الامتياز العامة على العقارات والمنقولات، وبدعوى أن حق الامتياز، باسمه privileges (أو الأرجحية القانونية) وبطبيعته من حيث تلقيه عن القانون، يستلزم هذه الأفضلية، وبحجة أن المادة 602/ 728 في قولها (ويجري مقتضى الامتياز على حسب الدرجة التي ترتبت له بالتسجيل) إنما تعني في ترتيب حقوق الامتياز فيما بينها، ولا علاقة لها بحق الرهن بدليل ورودها تحت عنوان (في الامتياز).
- راجع محاضرات المرحوم مسيو تستو.
ولكنه قد عدل عن هذا القول، وذهب جمهور العلماء إلى أن الأرجحية للعقد السابق في التسجيل (دوهلتس ص (549) فقرة (161)).
( أ ) تزاحم حق امتياز البائع مع الرهن العقاري:
تعرض صورتان لهذا التزاحم:
الأولى: أن يبيع شخص عقارًا، فيرهنه المشتري، وتقيد قائمة الرهن قبل تسجيل عقد البيع.
ففي القانون المدني، يقتضي، في هذه الحالة، تفضيل حق الدائن المرتهن على حق امتياز البائع، ما لم يكن المرتهن سيء النية عالمًا بعدم وفاء جميع الثمن للبائع.
وأما في قانون التسجيل، فالملكية لا تنتقل للمشتري إلا بالتسجيل، وحقه في الرهن معلق على حصول هذا التسجيل، فإذا لم يسجل عقد البيع بطل الرهن لعدم انتقال الملكية إلى المشتري ولإلغاء المادة 619/ 747 كما رأينا.
وإذا ما تسجل عقد البيع رجع أثره إلى تاريخ البيع، وصح عقد الرهن من تاريخ صدوره فيما بين العاقدين، ومن تاريخ قيده بالنسبة للبائع، وإذن يصبح حق الامتياز مفضلاً على حق الرهن.
الثانية: أن يبيع شخص عقارًا ثم يرهنه قبل تسجيل عقد المشتري، ولا دخل للمشتري في هذه الحالة في التزاحم، لأن التزاحم هنا بين حق الدائن المرتهن وحق امتياز البائع، ففي هذه الحالة يفضل حق الرهن حق الامتياز ولو لم يكن الأول مسجلاً، لأن البائع لا يستطيع أن يحتج بحقه على دائنيه.
وكذلك تكون الحالة في عهد قانون التسجيل ومن باب أولى، لأن العين لم تنتقل من ملكية البائع لعدم التسجيل.
(ب) تزاحم حق امتياز الشريك في القسمة العقارية مع الرهن العقاري:
إذا كان الرهن حاصلاً من أحد الشركاء بعد القسمة، وسجل بعد تسجيلها، يسري حق الامتياز على الدائن المرتهن، وأما إذا سجل قبل تسجيلها، فضل الرهن على حق الامتياز.
وإذا كان الرهن حاصلاً قبل القسمة وعلى حصة شائعة، ثم حصلت القسمة، رجح الامتياز على الرهن، ولو كان عقد الرهن مسجلاً قبل تسجيل عقد القسمة، ذلك لأن الدائن المرتهن قد ارتهن حصة شائعة وهو يعلم بما يترتب على الشيوع من الحقوق للشركاء على بعضهم، ولأنه يستفيد من القسمة بما يزيد في حصة مدينه بقدر ما يترتب عليها من الحقوق لباقي الشركاء، ولأن أثر القسمة يرجع إلى الماضي، أي إلى ما قبل الرهن، فكأنه إنما ارتهن حصة مقسومة مفروزة محملة بحق باقي الشركاء عليها.
ويتفق في هذه الحالات حكم القانون المدني وقانون التسجيل.
(ج) تزاحم حق امتياز المرتهن رهن حيازة مع الرهن العقاري:
إذا كان الرهن العقاري مسجلاً قبل تسجيل الرهن الحيازي، فهو مفضل عليه، وأما إذا كان العكس، فالأفضلية للرهن الحيازي، سواء ذلك في عهد القانون المدني أو في عهد قانون التسجيل.
- راجع الأحكام الواردة بالفهرست العشري الثاني لأحكام المحاكم المختلطة من رقم (1754) إلى (1758) ومن (1760) إلى (1762).
وقد بالغت المحاكم في الاحتفاظ بحق الدائن الحائز للعقار إلى حدان جعلت إجراءات التنفيذ غير حجة عليه ما لم يوفِ دينه.
- راجع الحكمين رقم (1760) و (1761) والأحكام الواردة بالفهرست الثاني رقم (1700) – و (1701) و (1702).
(د) تزاحم حق امتياز صائن العقار مع الرهن العقاري:
رأينا أن من العلماء من ينكر هذا الحق، ورأينا أن المادة 603/ 729 لم تنص على وجوب تسجيل هذا الحق ليكون حجة على الغير (ولعل ذلك لكونها إنما قصدت قصره على المنقول دون العقار) ورأينا كذلك أن المادة 614/ 741 قضت بوجوب تسجيل حقوق الامتياز العقارية، ورأينا فوق ذلك أن المادة 603/ 729 جعلت مصاريف الصيانة (مقدمة على جميع ما عداها من الديون، ويكون الترتيب بين هذه المصاريف من المنقولات بعكس ترتيب تواريخ الصرف عليها).
فبماذا نهتدي بين هذه المتناقضات؟
إن النص، والمنطق، والعدالة، تقضي بوجوب حق امتياز صائن العقار.
فالتعبير (بالشيء) يشمل المنقول والعقار، والنص على ترتيب المصاريف في (المنقولات) على وجه خاص، يفيد أن القانون أراد أن يكون للمصاريف حكم في المنقولات يخالف حكمها في العقارات.
والعلة في امتياز حق صائن المنقول هي نفس العلة في صيانة العقار، لرجوع الفائدة فيها على الدائنين بحفظ الشيء محل وفاء ديونهم، سواء كان منقولاً أو عقارًا.
وليس من العدل أن من صان منقولاً حفظ حقه عليه، ومن صان عقارًا ضاع حقه عليه، بالرغم من أن مصاريف صيانة العقار تزيد دائمًا على مصاريف صيانة المنقول.
وكذلك النص، والمنطق، والعدالة، تقضي برجوح حق الامتياز على حق الرهن ولو لم يكن الأول مسجلاً.
لأن المادة 603/ 729 الخاصة بهذا الحق لم تنص على التسجيل، بالرغم من نص المادة 614/ 741 العام الشامل لجميع حقوق الامتياز ولأن مصاريف الصيانة اللاحقة للرهن يستفيد منها الدائن المرتهن قبل غيره من الدائنين، ولأن الفقرة الثانية والثالثة من المادة 605/ 731 أعطت لمن أوجد تحسينًا في العين، وللذي صانها، حق حبسها وفاءً لدينه، وطبيعة الحقين، حق الامتياز وحق الحبس، واحدة من حيث ترجيح الدين على سائر الديون.
ولا يحتج بأن المادة 564/ 688 أدخلت الإصلاحات في ضمان حقوق الدائن المرتهن، لأن محل ذلك إذا قام بها المدين ولم يتعلق بها حق الغير.
وليس من العدل أن يضار صائن العقار من أجل مرتهنه، وقد عادت على الأخير فائدة بفعل الأول.
ومن المتفق عليه أن حق حبس العين في هذه الحالة يسري في حق الدائن المرتهن المسجل عقده قبل استحقاق دين الصيانة بل ودون حاجة إلى تسجيله - راجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة في 14 يونيه سنة 1877 – المجموعة الرسمية س 2 ص (396) – وفي 9 يناير سنة 1913 - مجلة التشريع والقضاء س 25 ص (123) – وفي 25 إبريل سنة 1918 – س 30 ص (389).

تحويل الديون المضمونة برهن عقاري
أو بامتياز عقاري

1 - في القانون المدني:
نصت المادة 557/ 681 على وجوب حصول الرهن العقاري بعقد رسمي ونصت المادة 565/ 689 على وجوب تسجيل قائمة الرهن العقاري ليكون حجة على الغير.
ونصت المادة 571/ 695 على عدم جواز محو تسجيل الرهون إلا بناءً على حكم صادر انتهائيًا، أو برضاء الدائن المرتهن بعقد رسمي، (بتقرير من قلم كتاب المحكمة).
تلك هي النصوص الواردة تحت عنوان (الرهن العقاري).
وما يسري على الرهن العقاري يسري على حق الاختصاص، وهو الرهن القضائي 599/ 725.
ونصت الفقرة السابعة من المادة 601 (فقرة 6 مادة 727) على وجوب حفظ حق امتياز البائع بالتسجيل.
ونصت المادة 602/ 728 على وجوب حفظ حق امتياز الشركاء في القسمة العقارية بالتسجيل أيضًا.
ونصت المادة 550/ 674 على وجوب تسجيل عقد الرهن الحيازي.
ونصت المادة 552/ 676 على حق امتياز المرتهن رهن حيازة لاستيفاء مصاريف الصيانة ولم تنص المادة المذكورة ولا المادة 603/ 729 على حفظ حق امتياز صائن العقار.
وقد نصت المادة 611/ 737 على أن انتقال الحقوق العينية العقارية لا تثبت في حق الغير إلا بالتسجيل.
ولما كان حق الرهن والامتياز العقاري من الحقوق العينية العقارية، كان لا بد من تسجيل (تحويل الديون المضمونة رهن عقاري، أو بامتياز عقاري) في عهد القانون المدني ليكون حجة على الغير، ولو لم ينص على ذلك في الفصل السابع (في الحوالة بالديون وبيع مجرد الحقوق بالنسبة لغير المتعاقدين).
والفارق بين القانون الأهلي والمختلط في حوالة الديون، أن الأول يوجب قبول المدين بالحوالة بينما الثاني يكتفي بإعلانه بها.
2 - في قانون التسجيل:
نصت المادة (13) على أنه (لا يصح التمسك في وجه الغير بتحويل دين مضمون برهن عقاري أو بامتياز عقاري ولا التمسك بالحق الناشئ عن حلول شخص محل الدائن في هذه الحقوق بحكم القانون أو بالاتفاق ولا التمسك كذلك بتنازل عن ترتيب الرهن العقاري إلا إذا حصل التأشير بذلك بهامش التسجيل الأصلي).
وظاهر من هذا النص، بالرغم من التباس عبارة المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون في هذا الموضوع، أن مركز الغير لم يتغير في حالة التشريع الجديد عنه في التشريع القديم، طالما أن الحقوق المنصوص عليها في المادة (13) كلها حقوق عينية عقارية لا تنتقل بالنسبة للغير في عهد القانون المدني إلا بالتسجيل كما رأينا.
وإنما يمكن القول بأن التشريع الجديد إنما نظم طريقة التأشير بهامش السجلات، بالنص على وجوب اشتمال التأشير على (تاريخ السند وصفته، وعلى أسماء الطرفين وألقابهم وصناعتهم ومحل إقامتهم، وعلى بيان التسجيل الأصلي مع نمرته المسلسلة وتاريخه ورقم صفحة التسجيل) - راجع الجزء الأخير من المادة (13).


[(1)] وإذا أردت زيادة في البيان راجع مقال الأستاذ دارست (في تسجيل البيع في القانون اليوناني) المنشور (بالمجلة الحديثة لتاريخ القانون الفرنسي والقوانين الأجنبية) مجلد (8) سنة 1884 ص (379).

Dareste - (La tranion des ventes en droit hellenique) - nouv. Rev. hist. De dr. fr. Et etr. Tome 8, 1884 p. 379.

[(2)] إذا أردت زيادة في البيان راجع مقال الأستاذ تفنان Thévenin في المجلة المشار إليها - المجلد (3) سنة 1879 ص (323) وما بعدها والمجلد (4) سنة 1880 ص (69) وما بعدها.
[(3)] راجع كورنيل (بحث في علانية الملكية في القانون الروماني) ص (27).

Cornil, (Etude sur la publicité de la propriété dans le droit romain. P. 27.

[(4)] راجع الأستاذ جاستون ماى (مبادئ القانون الروماني) ص (167) فقرة (84) – طبعة سنة 1900.
[(5)] ولو أنه قد عدل بعد ذلك عن الانتقال لموقع العقار في عهد جايوس Gaius.
[(6)] وقد عدل بعد ذلك عن التشدد في هذا الشرط، فاكتفى بإحضار جزء من المبيع إن كان منقولاً وتعذر نقله، أو بقطعة من العقار.
[(7)] راجع مؤلف الأستاذ جاستون ماى ص (173) فقرة
[(8)] راجع كاربانتييه، الهبة بين الأحياء، فقرة (1776) وما بعده
[(9)] راجع مجموعة مرلين تحت لفظة (تسليم) Merlin, rep. V. (nantissement).
[(10)] راجع كاربانتبيه المجلد (25) ص (1043) فقرة (12).
[(11)] راجع يعقوب باشا أرتين - (الأحكام المرعية في شأن الأطيان المصرية) - ص (37) و (38).
[(12)] أما القانون المدني الأهلي فلم ينص على الأطيان الخراجية لصدوره في سنة 1883، أي بعد قانون التصفية.
[(13)] وهي الأراضي التي أنعم بها ملكًا مطلقًا لأصحابها، والأطيان العشرية في مصر غير الأطيان العشرية المنصوص عنها في كتب الشرع، فالأولى هي الأراضي التي كانت بورًا لم تمسح في سنة 1813 (والقليل منها كان منزرعًا ولم تمسح) وقد أنعم ببعضها ملكًا خالصًا لأصحابها، وبالبعض الآخر لانتفاع أصحابها بها طول حياتهم، وكانت هذه الأراضي معفاة من الضريبة حتى سنة 1854، وفي هذه السنة ربط عليها المال بواقع عشر غلتها عينًا أو نقدًا، ومن ذلك سميت الأراضي العشرية أو العشورية.
[(14)] راجع مجلة الاستئناف المختلطة في 18 إبريل سنة 1878 - المجموعة الرسمية 3 ص (206) - بورللى مادة (21) مدني فقرة (2)، راجع كذلك حكم المحكمة المذكورة في 21 نوفمبر سنة 1878 - المجموعة الرسمية 4 ص 12 – بورللى مادة (341) فقرة (1).
[(15)] راجع حكم المحكمة المذكورة في 6 مايو سنة 1885 - المجموعة الرسمية 10 ص (75) – بورللي مادة (21) مدني - فقرة (6).
[(16)] وبعض هذه المعاهدات عقدت مع سلاطين مصر مباشرة، كمعاهدة فلورنسا مع السلطان قائد بك في 1488، ومعاهدة فرنسا في 1507 وكاتلانيا في 1517 مع سلطان مصر في عهد المماليك.
[(17)] النص العربي للمادة (270) أهلي يشمل هذه العبارة (وكانوا لا يعلمون ما يضربها) وهو خطأ في الترجمة لأن الأصل الفرنسي لهذه المادة (de bonne foi) وهكذا نص المادة (341) مختلط وسنتكلم عن ذلك تفصيلاً بعد.
[(18)] راجع جرانمولان - تأمينات ن (761) - دوهلتس جزء (3) ن (546) - ذهني بك ص (253) من مذكراته في التأمينات.
[(19)] راجع مقال الأستاذ حامد بك فهمي - المحاماة 7 ص (453).

نظرية السبب في التعهدات والعقود

مجلة المحاماة

نظرية السبب
في التعهدات والعقود [(1)]

موضوع البحث:
ماهية التعهدات المخالفة للآداب:
1 - اختلاف التقدير باختلاف الأمم.
2 - التعهدات الخاصة بإدارة المحلات المخالفة للآداب - والقمار وحكم الخلاف في إدارة هذه المحلات.
3 - الهبات للمحظيات وللأبناء غير الشرعيين - وحكمها.
4 - الهبات بشرط قبول الطلاق عند المسيحيين - أو بشرط عدم الزواج في المستقبل.
5 - الهبة في صورة عقد آخر - جواز إثبات السبب الحقيقي للتعاقد متى كان السبب الحقيقي مخالفًا للقانون أو للآداب - ما الحكم إن كان السبب الحقيقي يستر وصية لوارث أو لغير وارث وجواز الإثبات.
ماهية التعهدات المخالفة للقوانين العامة أو للنظام العام:
1 - مخالفة القوانين الدستورية، والقوانين السياسية، والقوانين العامة.
2 - مخالفة القوانين الحسبية أو المتعلقة بالحالة Statut.
وهل يجوز للولي التنازل عن ولايته وعن مسؤولياتها ؟
فصل الولاية المدنية عن الولاية الحسبية.
3 - الاتفاق على تغيير نظام الإرث.
الاتفاق على الامتناع عن المزايدة، متى يجوز، ومتى يبطل ؟
إن المصادر الأولى في بحث نظرية السبب من القانون الفرنسي والمصري تجدها في المواد (6) و(1108) و(1130) إلى (1133) فرنسي - وفي المواد (94) و(95) مدني أهلي - و(28) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
ولقد سمعتم من المحاضرة السابقة التي ألقاها حضرة الأستاذ عبد الحميد بك رشدي القاضي بمحكمة المنيا - أن لهذه النظرية أنصارًا وخصومًا - فالمسيو Baudry, Laurent, Planiol من أقسى القائمين عليها ويسمونهم Anti - causualists في حين أن Capitant, Aubry يقدرون هذه النظرية تقديرًا تامًا إلى حد أنه لا يمكن فهم نظرية التعهدات العامة بدونها وأنها الركن الهام من أركان التعاقد.
إنما يهم حضراتكم من الوجهة العملية أن تعلموا أن القانون المصري والفرنسي ورجال القضاء يعلقون أهمية كبرى على النصوص الواردة في القانون المتعلقة بالسبب.
في حين أن القانون الألماني والسويسري والياباني - وهي قوانين حديثة قد أسقطتها إسقاطًا. وسترون فيما يلي أن أحكام المحاكم الإمبراطورية الألمانية لا زالت تقضي قضاءها عمليًا على احترام هذه المبادئ.
وقد وضع المسيو Capitant في سنة 1928 ردًا خاصًا على ما جاء في مناقشات واضعي القانون الألماني وعلى منتقدي النظرية، ويعتبر هذا الرد آية من آيات الفقه.
فإذا تركنا المناقشات النظرية جانبًا - نرى أن هذه المواد (110) وما يليها – و(94) و(95) هي المرجع الوحيد لحل مشكلات عديدة في الحياة العملية وعلى الأخص في المسائل المتعلقة بالآداب والنظام.
لهذا ننتقل في الحال إلى بيان السبب الغير شرعي (Cause illicite).
وأول ما نبحث فيه (التعهدات التي تعتبر مخالفة للآداب).
ما هي التعهدات المخالفة للآداب، وهل يمكن حصرها أو تعيينها:
وهل تختلف بين أمة وأخرى طبقًا لتقديرها العام أو لمدى تقديرها.
وهنا يجمع الشراح الفرنسيين على ما يأتي:

Il faut considerer comme contraire aux bonnes moeurs ce qui est contraire à la morale coutumière, ce que l’opinion publique repute illicite pour tous ou même pour telle classe de personne.

فإذا كنا أحيانًا نجد أشخاصًا من بيئة واحدة يختلفون في التقدير في حد bonnes moeurs فإن لفطنة القاضي وبعد نظره وفي ظروف المسألة دخلاً كبيرًا في التقدير.
إنما نذكر هنا بقدر ما يستطاع - ما يعتبر متفقًا عليه.
أولاً:
1 – التعهدات الخاصة بإدارة محلات الدعارة والمنازل السرية.
2 - التعهدات الخاصة بإدارة محلات القمار، وتأجير المنازل. أو المنقولات.
3 - الاقتراض لذمة اللعب prêt fait en vue de jue.
أما عن محلات الدعارة - فإنك تجد القوانين المدنية قاسية في أحكامها على التعهدات المتعلقة بها، لأن القوانين تعتبرها إعلانًا ظاهرًا لفساد الأخلاق.
فإن المحاكم تقضي في شأنها بالمبادئ الآتية:
1 - عقد الإيجار للمومس عن المنزل الذي تسكنه وتتولى عملها فيه باطل حتى ولو لم يذكر في العقد أن المنزل مستعمل لهذا الغرض - متى كانت الأحوال تنطق بذلك.
وقد تخال هذا الرأي غريبًا - ولكن غرابته تزول من مراجعة الأحكام الآتية:
راجع دالوز ربرتوار تحت

Contrats et Conventions
Cause Contraire aux bonnes moeurs. 398, Le fait d’ouvrir une maison de débauche est en lui - même contraire aux bonnes moeurs. L’autorisation emanée de l’administration n’en change pas le caractère immoral et intervient moins pour légitimer l’existence des maisons de tolérance que pour assurer la surveillance.
Il suit de là que la convention qui a pour cause l’etablissement d’une maison de débauche est illicite. Qu’une maison de tolérance ne peut pas faire l’objet d’une vente valable don’t l’exécution soit susceptible d’etre poursuivi en justice.
400. Dc même que la vente le bail relatif à une maison de tolérance constitue une convention contraire aux bonnes moeurs et ne peut pas donner lieu à une action en justice. Jugé en consequence que le propriétaire d’un immeuble donné à bail peut en reprendre possession sans attendre l’expiration du bail, si l’immeuble a été donné dans le but d’y etablir une maison de tolérance.

انظر أيضًا هذا البحث، فيما يتعلق ببطلان إيجار المنازل المعدة للدعارة

Revue Juin 1912, p. 980

2 - إقراض المومس مالاً لمساعدتها على القيام بعملها. باطل.
3 - إقراض غيرها ممن يسمونهم Pom باطل أيضًا.
4 - الخادم الذي يخدم في منزل المومس لا يمكن أن يطالب بأجره من طريق القضاء.
5 - التاجر الذي يبيع مفروشاته لتأثيث منزل للدعارة يساعد على انتشارها وبقائها ولا يليق أن يسخر القضاء في المطالبة بالثمن ما دام هو يعلم بالغرض الذي تؤخذ له هذه المفروشات.
وقد كان هذا المبدأ محل نظر كبير فإن إحدى محاكم باريس قضت بما يخالف هذا المبدأ لسببين:
1 - لا يمكن القطع بأن المومس تستعمل المنقولات للدعارة فقط - أو للدعارة دوامًا.
2 - لا يجب أن تذهب بعيدًا في نظرية السبب، فإن سبب البيع هو دفع الثمن، ولكن محكمة النقض قضت بعد هذا ردًا على ذلك، فقالت إن الوجه الأول صحيح متى كان البائع لا يعلم أن المفروشات مخصصة لمنزل للدعارة، ولكن متى ثبت أن البائع نقل المفروشات بنفسه للمكان، وأنه يعلم شخصية السيدة، فلا يقبل منه هذا الدفع، أما القول بأن سبب البيع هو الثمن فحق يراد به باطل، وإلا لقيل إن سبب تأجير المنزل للمومس هو دفع الإيجار، ولكن السبب الحقيقي للتعهد الانتفاع بالمسكن للدعارة، وهذا الحكم محل نظر كبير.
6 - بيع أدوات التوالت للمومس - مشروع.
7 - التأمين على منقولات المومس ضد الحريق، كان محل نظر كبير.
وأخيرًا أقرته محكمة النقض في 8 فبراير سنة 1922.
8 - تأجير محل، على أن يستعمل Maison de rendez - vous باطل أيضًا - محكمة باريس في 22 مارس سنة 1923.
وقد ورد في شرح القانون الألماني باللغة الفرنسية أن محكمة الإمبراطورية قضت في 26 يناير 1913 أن قرض النقود للمومس. وكذلك بيع الأثاث لتخصيصه لمنزل للدعارة غير مشروع السبب وهذه أسباب الحكم الألماني

Les juges ont le droit de refuser toute valeur juridique et toutes forces obligatoires aux actes qui - en tenant compte - de leur but et de leur motif - sont contraire aux bonnes moeurs et dont la validite serait inconciliable avec la morale.

عن التعهدات المرتبطة بالقمار:
1 - عقد إيجار المحل المؤجر للقمار، باطل، بشرطين:
1/ متى كان لعب القمار هو سبب الإيجار الوحيد للعقد

La seule eause d’un bail

2/ وإن قيمة الإيجار تقدرت على أساس هذا الاعتبار.
وترى كثير من محاكم فرنسا التساهل في هذا الشأن، لأن مقاطعات برمتها رزقها من بقاء محلات القمار.
وقد صدر هذا الحكم من محكمة النقض في سنة 1910 وعليه الرأي في فرنسا الآن.
2 - القرض الذي يسلم إلى اللاعب أثناء اللعب باطل لأن سببه غير مشروع - وشروطه:
1/ أن يعلم المقرض مصير النقود، أنها للعب.
2/ أن يكون المقرض أما حاضرًا للعب، أو مشتركًا في اللعبة نفسها، أو كانت له مصلحة في اللعب مهما كانت المصلحة ضئيلة.
ولكن صدر حكم أخيرًا من محكمة استئناف باريس في 8 فبراير سنة 1917

Le seul fait que le prêt est destinée a servir à alimenter le jeu suffit à faire denier au préteur toute action en justice.

وبهذا فقد الركن الثاني الذي يعتمد عليه رجال الفقه أهميته.
الهبات: Liberalités
سمعتم حضراتكم في المحاضرة الماضية أن الهبة التي تحمل سببًا مخالفًا للآداب أو للنظام العام باطلة. ولكن ما حكم الهبة أو التعهد، أو ترتيب إيراد شهري أو سنوي للخليلات أو المحظيات.
وهل لهؤلاء المحظيات الحق في أن يرفعن دعوى بالمطالبة بتعويض ما أصابهن من ضرر من هذه المعاشرة غير الشرعية.
يجب أن نبين قبل أن نتصل بهذا البيان مباشرةً، أن المادة (900) من القانون الفرنسي تنص على أن كل هبة أو وصية تشمل شرطًا مخالفًا للآداب يبطل منها الشرط وتصح الهبة وحكمة الشارع الفرنسي أن الواهب قد يجهل مخالفة النص للآداب.
- فاشتراط الزوج على زوجته عدم الزواج بعد الوفاة شرط باطل إذا نص عليه في عقد هبة صح العقد وبطل الشرط، انظر بهذا المعنى حكم محكمة الاستئناف الصادر في 26 أكتوبر سنة 1929 المنشور في المحاماة السنة العاشرة.
ولكن الشراح أجمعوا على بطلان الهبة متى كان الشرط يحمل كل غرض الواهب من هبته ولولا تنفيذ هذا الشرط لما وهب.
فالهبة للصرف على نادٍ للمقامرة باطلة أصلاً.
والهبة التي يهبها الزوج إلى زوجته المسيحية حتى تقره على الطلاق أمام القضاء باطلة.
لأن سبب الهبة animus donandi هو العمل الغير مشروع، وكثيرًا ما نرى في المجالس الملية رجلاً يستحضر زوجته راضية بطلاقه - ومعهما عقد إقرار بتنازل من الزوج إلى الزوجة عن عقار أو مال مقابل قبولها للطلاق وهو باطل لتعلقه بالنظام العام، وهو ضرورة استقرار الزواج عند المسيحيين، ولكن الهبة من الزوج لزوجته بعد الوفاة بشرط عدم الزواج قد لا يكون كل الباعث عليه رغبته في عدم زواجها، وسنرى أن الهبة التي يقدمها شخص لآخر بشرط أن يبقى مستقرًا في حزب من الأحزاب تصح فيها الهبة ويبطل الشرط.
نرجع إلى الهبات إلى المحظيات:
في القانون الفرنسي القديم الهبة للمحظية باطلة.
وقد وضع هذا النص في مسودة القانون الفرنسي، ولكن النص قد رُفع عند القراءة الأخيرة فهل لا يزال القضاء الفرنسي يتبع حكم هذا النص للآن.
وهل العقار الموهوب من الرجل إلى محظيته أثناء قيامهما معًا، عقد له سبب شرعي - وهل إذا رتب لها إيرادًا سنويًا مدى الحياة عمل مشروع.
الخلاف على شرعية هذه العقود يتناول البيان الآتي:
بعض الشراح يقولون إن إسقاط النص القديم معناه الإباحة وبعضهم يقول إن الغرض من إسقاط النص وضع هذه العقود تحت حكم القانون العام.
ولمناسبة هذا البحث يجب أن نذكر معه أيضًا.
ما حكم عقود الهبة الحاصلة للأبناء الغير الشرعيين:
يخال لنا لأول وهلة أن هذه العقود صحيحة، ولكن القانون الفرنسي يتداخل هنا ويقرر بطلانها، والحكمة في هذا عدم تشجيع هذه الجريمة لكثرتها في فرنسا، ولتشجيع الزواج الشرعي، ولأن هذه الهبة تؤثر على حقوق الابن الشرعي، فأصبحت هذه المسألة لا خلاف فيها عندهم.
وقد أثار حكم البطلان في كافة العقود للأبناء الغير شرعيين متى جاء في العقد ما يشير إلى ذلك طائفة من الحيل يستعملها الآباء للهرب من أحكام هذا القانون الذي يعتبرونه جائزًا - وسنبين رد المحاكم على هذه الحالات.
نرجع إلى عقود المحظيات:
فإن محكمة إسكندرية المختلطة قضت في 22 يناير سنة 1919 - وقضت أيضًا محكمة النقض في فرنسا في 20 أكتوبر سنة 1921 بحكم منشور في مجلة Sirey بتقرير المبدأ الآتي: وهو أن التعهد بدفع مرتب سنوي أو شهري إلى سيدة تعيش مع المتعهد معيشة الخليلات تعهد باطل.
ولكن رجال الفقه يقرون القواعد الآتية:
1 - الاتفاق باطل فقط عند ما تكون العلاقة الغير شرعية باقية، لأن التعهد يكون أساسه حالة مستقرة يحاربها القانون ويعتبرها مخالفة للآداب، ويكون التعهد مشجعًا لبقائها واستمرارها.
2 - أما إذا كان التعهد على ترتيب نفقة لها لأنه قطع اتصاله بها وانفصل عنها، وقرر لها هذه النفقة مقابل ما خسرته من هذه الحياة معه، فإن الاتفاق جائز - ويبنون هذا على ما يأتي:

Cette engagement a pour cause non plus l’entretien ou la remunération de relation illicite - mais la réparation d’un préjudice causé - et l’accomplissement d’un devoir

يعتبر القانون هذا، وفاءً لتعهد طبيعي.
ومع هذا تجد القضاء في فرنسا يخشى التيار الجارف، من عقود الهبات للمحظيات فيتداخل ثانيًا، ليقرر أن للقضاء حق الإشراف على حقيقة التعويض ومقداره، أو النفقة وتقديرها، فله أن يحفظها وليس له بالطبيعة أن يزيدها، وكل هذا محافظة على حقوق الورثة الطبيعيين.
ويتداخل بناءً على طلب الورثة - مثلاً - أو بناءً على طلب المتعهد نفسه متى كان الأمر في إيراد مترتب مدى الحياة وقصر فيه - أو بناءً على طلب مدايني الشخص - إذ يرفعون الدعوى إلى القضاء أما على أساس نظرية الـ Captation التأثير على الإرادة نظرية صورية السبب في التعاقد فيطلبون إرجاع العقد إلى حقيقته وهو تعويض لدين طبيعي حصل التغالي في تقديره.
وتشرف المحاكم على التقدير على الأساس الآتي:
1 - سلوك وأخلاق المحظية قبل علاقتها بالرجل - وهل كانت قبلاً من المومسات مثلاً - أو كانت فقيرة - أو لقيطة - ومعرفة مقدار تعليمها.
2 - الوقت الذي قضته مع الرجل.
3 - حالتهما من السن عند فض هذه العلاقة.
تجد هذه الأبحاث مستفيضة في كتاب Dissertation de M Planiol
أحكام المحاكم المصرية:
قضت محكمة الاستئناف في سنة 1909 بالحكم الآتي:
عاشر المدعى عليه المدعية ثلاث سنين بصفتها محظية له ورزق منها بمولود – وعند انفصالها تعهد لها بمبلغ… ظهر للمحكمة أنه كان على سبيل التعويض لما أصابها من الضرر بسبب هذه المعاشرة الغير شرعية.
والمحكمة قضت:
أولاً: إن الضرر الناتج عن هذه المعاشرة يصح التعهد بتعويضه لأن سببه صحيح وجائز قانونًا بخلاف المعاشرة نفسها فلا يجوز أن تكون سببًا صحيحًا لتعهد.
وثانيًا: إن للمحكمة الحق في تقدير الضرر وإنقاص قيمة التعويض عن المبلغ المتفق عليه - لأنه وإن حرم القانون التعهدات التي يلتزم فيها المتعهد بدفع مبلغ إلى محظيته مقابل تمتعه بها لكون سبب التعهد غير مشروع إلا أنه من الجائز قانونًا أن يتعهد بدفع مبلغ لائق لمن عاشرها - ويكون هذا التعهد تحت رقابة المحاكم.
وقد قضت محكمة الاستئناف العليا المختلطة بحكم حافل بالأسباب في سنة 1930 في دعوى الست…. ضد كوستيه انجلتو برفض دعواها التي رفعتها بتعويض على أساس التقدير السابق بيانه.
وجعله تحت رقابة المحاكم - التي أصبح متفقًا عليها - كما رأيتم - يستلفت النظر في الحال - إلى نظرية الرد - هل إن كان القبض قد تم فعلاً بمعرفة المحظية - وهو كما ترون تعويضًا عن التزام طبيعي - فهل يمكن للمحاكم أن تقضي بالرد إذا طلب الدائنون أو الورثة مثلاً ذلك.
وهو محل خلاف - فإذا نظرنا إليه على أساس أنه وفاءً لدين طبيعي - فلا يجوز الرد فيه - وإذا نظرنا إليه أنه ليس دينًا - بل تعويض عن عمل غير مشروع - فالخلاف هل يصحح الوفاء العقد (وهل نظرية عدم رد الدين الذي يدفع مع أن سببه مخالف للآداب أو النظام - نظرية سليمة باقية على احترامها القديم).
النظرية القانونية القديمة هي أنه إذا ظهر أن العقد الأصلي باطل لعدم مشروعية السبب فلا تساعد أيًا من الطرفين - بل تترك الحالة كما هي بمعنى أنها لا تأمر بتنفيذ ما لم ينفذ - ولا بإعادة ما ينفذ من التعهد بمقتضى العقد.
ولكن هذه النظرية - قد اتضح أنها خطيرة النتائج - إذ قد يغتني أحد المتعاقدين بسبب العمل الغير مشروع.
فهل من العدالة إذا استلم شخص من آخر قدرًا من المال وافرًا - ليفتح به منزلاً للقمار - أو للدعارة - ثم نكل في تعهده وأخذ المبلغ - فهل يضيع المبلغ أصلاً ولا يجوز طلب رده. ومحاكم فرنسا تقضي الآن بما يأتي:
(تطبيقًا للمواد (1131) - (1135) من القانون المدني يكون ما دفعه الشخص تنفيذًا لتعاقد باطل يعتبر مدفوعًا بغير حق وكذلك ما يكون قد دفعه الشخص بدون أن يكون مستحقًا عليه يجوز استرداده - وكون التعهد مبنيًا على سبب غير مشروع لا يمنع من طلب استرداد المبالغ التي تكون قد دفعت من قبل بالفعل).
(انظر مجلة الثلاثة شهور الثانية في سنة 1924 حكم محكمة السين في 25 مارس سنة 1924) وملخص الحكم أن شخصًا احتال على بنك ونصب عليه وسلب منه مبلغ 22 مليون فرنك فجاء أهل المتهم واتفقوا مع البنك أن يتنازل عن الشكوى مقابل أن يدفعوا له مبلغ ستة ملايين فرنك - لأن المتهم معسر على أن يتنازل عن الشكوى - والتعهد بعدم التبليغ عن الجرائم - أو التنازل عن الشكوى تعهد باطل.
ولكن النائب العمومي رفع الدعوى - وقضى فيها بحبس المتهم.
عند ذلك طالب أهل المتهم برد ما دفعوه - وقد قضى بأن هذا الاتفاق مخالف للنظام العام - وما دفعه الشخص تنفيذًا لتعاقد باطل يعتبر أنه مدفوع بغير حق ولا يمنع الرد كون المبلغ قد دفع وفاءً لتعهد غير مشروع السبب.
وقضت لأهل المتهم برد ما دفعوه.
ومن هذا يتبين أن المحاكم الفرنسية تميل إلى المذهب القائل بأن لها الحق المطلق في بحث سبب الوفاء - والنظر في أمر الرد متى كان السبب في الدفع غير مشروع - وتقدير كل حالة من أحوال الرد بحسب ظروفها - ولكنها مع هذا مجمعة على أن رد دين القمار لا يمكن استرجاعه لأنه تعهد بدفع دين طبيعي قبض فعلاً من الشخص نفسه ولو أن السبب غير مشروع.
وأراني هنا مضطرًا أن أتكلم عن مسألة قد لا يكون هنا موضعها تمامًا، وهي أننا كثيرًا ما نرى الزوج، أو الوالد، عند ما يريد أن يحرر عقد هبة لخليلته، أو لابنه غير الشرعي يُخفي السبب الذي يدفعه إلى عمله هذا، بل قد يكتب سببًا مشروعًا يدعيه في العقد من مقابل أو عوض - وترون هذا كثيرًا في عقود الخليلات - وكذلك يحدث هذا كثيرًا في مصر في عقود الوالدين الذين يريدون الهرب من أحكام الوصية للوارث - فيفضلون وارثًا على آخر - أو لأجنبي - ويكون الغرض من هذا التصرف الاحتيال للهرب من أحكام القانون المقرر للمواريث، وقد جرت العادة في كثير من العقود المحرمة، أو العقود المخالفة للقانون، أن يستتر المتعهد وراء ألفاظ غير صحيحة يضعها في عقده لتستر غرضه، ولتعطي لعقده مظاهر العقد الصحيح.
فهل يسمح القانون بإثبات السبب الحقيقي، وإثبات أن هذا السبب الحقيقي إنما هو تهرب من أحكام القانون.
وهنا نورد إجماع الشراح فيما يلي نقلاً عن Capitant طبعة سنة 1928 في كتابه عن السبب.

L’ordre publique exige impérieusement que toute tentative faite pour violer la loi serait reprimée.

وليس من العدالة ولا من الأخلاق الحسنة أن نعاون هذه المساعي التي تجهد نفسها في مخالفة القوانين بتضييق أدلة الإثبات.

Et il serait vraiment immoral que l’on favorise ces tentatives en limitant les moyens d’administrer la prevue.

ومتى كان الغرض من الهبة أو الوصية ستر عمل غير مشروع فيجب أن تجيز لكل من يهمه الطعن أن يثبت بكل الطرق القانونية بما فيها البينة، السبب الحقيقي لهذا العقد، وأنه إنما يخفي عملاً غير مشروع.

Quand done il y a lieu à croire que dans une libéralité l’animus donandi a été inspiré par le désir de faire ce que la loi interdit, il faut permettre aux interessés de mettre à nu par tous les moyens écrits de toute sorte temoins, presomptions, l’intention frauduleuse qui a decidé le disposant à donner.

إن المبدأ السالف يفسر لنا الأساس القانوني الصحيح للنظرية التي يبني عليها الوارث طعنه على الوصية التي تصدر من المورث ليفضل بها أحد الورثة ويحررها في صورة عقد بيع في حين أنها لا تحمل إلا وصية لوارث.
لقد رأى رجال الفقه سيل هذه العقود التي تعمل هربًا من أحكام القانون إما لأمر لا يتفق مع الآداب، أو للهرب من أحكام القانون، وترون أن هذه العقود كثيرًا ما تعمل إضرارًا بوارث لا ذنب له إلا نزوة طيش بدت منه أو عاطفة كاذبة من مورثه لتفضيل وارث على آخر، وللخروج على أحكام المواريث التي استقرت في المملكة وأصبحت جزءًا من كيانها.
ولقد رأوا أنهم إن طبقوا على هذه العقود نظرية أن العقد صوري، فلا يجوز إثبات الصورية إلا بالكتابة.
ثم قام النزاع المعروف في هل الوارث خلف لمورثه حتى في مثل هذا الطعن - وهل يمكنه أن يطعن على عمل المورث لأنه يحل محله في شخصيته أم لا ؟
واستقر الشراح أخيرًا على تطبيق نظرية صورية السبب في التعاقد - ومتى كان السبب الحقيقي للتعاقد مخالفًا للسبب الظاهر والسبب الحقيقي مخالف للقانون جاز الإثبات بالبينة وقالوا إن نظرية الخلف لا تصح في هذه المسألة، لأن هذا العمل مقصود به حرمان الوارث نفسه والتأثير على حقه في الإرث.
ولهذا تجد بعض المحاكم الأهلية تقضي بجواز الإثبات من طريق أن الوارث لا يمثل مورثه في حق الإرث، فله إثبات الصورية بالبينة.
ولكن المحاكم في فرنسا تقضي بجواز الإثبات بالبينة من طريق أن السبب الظاهر في العقد يستر سببًا مخالفًا للقانون - مثل وصية لوارث - أو هبة لمحظية - أو لابن غير شرعي - ويجوز الإثبات بكافة الطرق القانونية بما فيها البينة أن السبب الحقيقي للتعاقد عمل غير مشروع أو مخالف للقانون خصوصًا متى كانت قرائن الدعوى تحتمله.
ومن المسائل التي يبحثونها تحت نظرية السبب التعهد بدفع الفوائد الربوية - وهذه ظاهر بطلانها ولكن إذا دفعه المدين هل يستطيع رده ؟
الإجماع على جواز ذلك.
ومن الحوادث اليومية التي نقرأها:
1 - أن يستكتب الدائن مدينه عقدًا بتوريد غلال أو أقطان، ويكون المبلغ المضاف عند عدم الوفاء بالتعهد فوائد ربوية تحت ستار أنه تعويض عدم التوريد.
هذا كثير الوقوع، ولكن، ما العمل لو استبدل الدائن دينه عند حلول أجل الوفاء، بدين جديد تحرر به سندًا آخر، أو عقد بيع مقابل الدين وفوائده.
الجواب على هذا أنه يجوز الطعن فيه بالإجماع.

Lorsque l’obligation a une cause illicite la nullité qui en resulte ne peut pas être couverte par ratification.

2 - إذا اتفق الدائن مع مدين على المثول أمام القضاء، للحكم في الدين مع ما عليه من الفوائد الربوية، قبل تسليمه المبلغ المتفق عليه، فهل يجوز الطعن في الحكم بعد ذلك وقد أجمعت المحاكم المختلطة على هذا، لأنه مبني على إقرار بدين يحرمه القانون.
ومن الأسباب التي تبحثها المحاكم بكثرة في السبب الغير مشروع لمخالفته للآداب سماسرة الزواج Courtiers Matrimoniaux وهي مسألة كثيرة الشيوع الآن، وقد اختلفت فيها أحكام المحاكم فقد قيل إن السمسار لكي يقوم بمهمته، وينجح في مسعاه لا بد أن يؤثر على الزوجين بطريق مباشر أو غير مباشر، حتى يصل إلى سمسرته من أسهل طريق، وبهذا يوجد هذا الرباط المقدس في خطر.
ولهذا تقرر أولاً بطلان هذه السمسرة إطلاقًا.

Pour assurer le succès qui est la condition de la prime stipulée, cette agent pourrait même sans fraude péser directement ou indirectement sur les consentements des époux ou de leurs parents.

هكذا قضت محكمة النقض في فرنسا سنة 1855.
ولكن هذا المبدأ تغير بتغير الأحوال، وأصبح كثير من عقود الزواج لا يتم من غير عمل لهؤلاء السماسرة.
ولهذا تجد Aubry et Rau يقرر - أنه إذا كان الاتفاق على أن ينال السمسار أجره إذا نجح ولا يأخذا أجرًا ما إذا لم يتم الزواج - كان الاتفاق غير مشروع - لأن السمسار الذي يقبل هذا لا بد أن يستعمل كل الوسائل ليتم الزواج بأي سبيل من كذب وتضليل - وعقد الزواج يجب أن يربأ من هذا.
انظر Aubry الكتاب الرابع صـ 553.
ولكن الاتفاق على أتعاب معينة على جهده ومصاريفه سواء نجح أو لم ينجح مشروع وهو رأي المسيو بلانيول أيضًا في كتابه Dissertation.
والرأي الثالث والأخير هو أنه لا يمكن أن يوجد عمل مشروع أصلح للمجتمع من الزواج - وأوفق من تسهيل الوصول إليه - فالوسيط إنما يسهل عملاً يرغبه المجتمع فإن كان عمله سيئًا أو كان مغاليًا في تقديره فللمحاكم حق النظر فيه.
أحكام المحاكم المصرية:
أما المحاكم المختلطة فقد اتبعت الرأي الفرنسي الأخير في حكم مطول صادر في 24 فبراير سنة 1931 في أمر خاطبة رومية طلبت تقدير أتعابها على أساس اتفاق خاص بينها وبين الخطيب.
أما المحاكم الأهلية فمبدأها باطراد - كالرأي الصادر في فرنسا سنة 1855.
فقد حكمت محكمة عابدين في 17 مارس سنة 1915 ومحكمة الاستئناف في 8 ديسمبر سنة 1919 ومضمونهما - أن الأجر الذي تطالب به خاطبة على سبيل الأجر لما قامت به من الخدمة طلب منافٍ للآداب - إذ الزواج بطبيعته عقد غايته تأسيس أسرة ولذلك ينبغي أن يكون مبنيًا على اعتبارات أدبية محضة ولا يليق أن يكون وسيلة لكسب مادي.
والرأي محل نظر، خصوصًا إذا لاحظنا أن هذا هو رأي القضاء الإنكليزي إجماعًا: Marriage brokerage agreements are void والقانون الألماني استحسن أن يضع النص الآتي في المادة (656) مدني (لا يمكن المطالبة بدين سببه الاتفاق على السعي للحصول على زواج معين، أما إذا دفع الدين فلا يمكن رده).
وهذا رأي القانون السويسري.
التعويضات المقررة في عقود الخطبة أو عقود الزواج:
قد يحصل أن يكتب في عقد الخطبة تعويض معين عند طلب الفسخ، ولكن هذا باطل إجماعًا لمصادرته لحرية الزواج ولأن لأحد الطرفين في الخطبة حق الرجوع فيها - ولكن للمحاكم حق الإشراف على تقدير التعويض إذا أُسيء استعمال هذا الحق.
وقد أصبح الرأي السائد الآن أنه يجوز الحكم بالتعويضات المدنية على فسخ الخطبة - وحتى على فسخ الزواج إذا أُسيء استعمال هذا الحق - وهذا التعويض غير مؤخر الصداق المقرر في العقد، وهذا الرأي الذي يسود الآن في دوائر القضاء محل نظر كبير من الوجهة الشرعية في المحاكم المصرية - ولكن على أي حال أقرر بعدالته ما دام أساسه إساءة استعمال الحق.
البحث الثاني:

Cause Contraire aux lois de l’ordre publique.

يجب أن نفرق هنا بين العقود الجائزة أو التي يلمس فيها الإجحاف والظلم والتي تؤثر على مصالح الأفراد فقط - وبين العقود التي تعتبر مخالفة للنظام العام والمصلحة العامة - أو مناقضة لنص وارد في القانون.
وكلمة النظام العام أو المصلحة العامة - أو الحرية الشخصية - كلمات يكثر فيها الشرح ويصعب ضبط مداها.
والتعهدات الغير مشروعة السبب لمخالفتها للنظام العام يمكن وضعها في قسمين:
1 - القسم الأول: ما حرمه القانون تحريمًا قاطعًا.
2 - القسم الثاني: ما لا تجد له نصًا في القانون يحرمه ولكنه مع هذا يتناقض مع مبدأ الحرية العامة.
وتحت القسم الأول نجد المادة (28) والمادة (6) كل تعهد مخالف للقوانين المتعلقة بالنظام العام تعهد باطل Lois Constitutionelles et politique.
ولكن ما هي هذه القوانين المتعلقة بالنظام العام ؟
أولاً: القوانين الدستورية والسياسية.
ثانيًا: قوانين البوليس والأمن العام.
ثالثًا: القوانين المتعلقة بأساس فرض الضرائب والقوانين المالية.
رابعًا: القوانين الحسبية المتعلقة بالـ Statuts.
خامسًا: بعض نصوص قانون المرافعات.
سادسًا: المواد الواردة في قانون التجارة، ومتعلقة بالمعاملات التجارية، أو مبدأ حرية التجارة.
سابعًا: القوانين الجنائية مع استثناءات أوردها القانون في مصلحة الآداب، أو في مصلحة الرباط العائلي.
ثامنًا: نصوص قليلة في القانون المدني كحرية التصرف في المال.
تاسعًا: الاتفاقات المخالفة لحرية العقيدة.
أما الاتفاق على ما يخالف القوانين الدستورية أو السياسية أو الانتخابية أو المتعلقة بالبوليس والأمن العام، وكذا القوانين المتعلقة بفرض الضرائب فهو محرم إجماعًا - لأن هذه القوانين وضعت أساسًا للنظام العام.
إنما يقوم الخلاف عند ما نبعد عن هذه ونقترب من القوانين الخاصة.
فإذا ورد في عقد تبرع أو تنازل أن الهبة أو الاستحقاق في وقف أو الإيراد مدى الحياة يسلم لزيد من الناس ما دام زيد هذا ينتمي إلى حزب معين، أو بشرط أن لا يتجند في العسكرية فهذا مثار لخلاف كبير - والذي استقر عليه الرأي أن الهبة تصح ويبطل الشرط لمخالفته للحرية الشخصية، ما لم يثبت أن الدافع الوحيد لهذا الشخص الذي وهب، أو رتب الإيراد إنما كان نصرة الحزب الذي يرتضيه لا حب الخير Animus إلى الموهوب إليه.
فإذا اقتربنا أكثر إلى القوانين الخاصة نجد أمامنا قوانين الأحوال الشخصية - أو بعبارة أدق القوانين الحسبية.
والمبدأ العام فيها هو:

L’état des personnes n’est pas dans le commerce.

فلا يمكن للإنسان أن يتنازل عن جنسيته، أو عن أبوته، أو بنوته، أو ولايته.
والمادة (532) مدني من القانون المصري تنص صراحةً، لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالنسب ولكن هذه المادة تقول، ولكن يجوز الصلح في الحقوق المالية التي تنشأ عن مسائل النسب فإلى أي مدى يمكن أن يمتد هذا المعنى.
ولننظر أولاً إلى حق الأبوة ومقدار سلطة الوالد في النفس وفي المال.
للوالد بصفته وليًا حق الرعاية الطبيعية وهو ما يسمونه حق الولاية على النفس وله أيضًا حق الولاية على المال.
ولا يجوز للوالد أن يتنازل عن حق الأبوة كما بينا، ولا عن حق الرعاية الطبيعية التي له على أولاده، لأن القانون يعتبره أكثر الناس علمًا بها، ولا يمكنه أن يتنازل عن حق مسؤوليته قبل الغير في الجرائم التي يرتكبها أولاده لأن ذلك مترتب على حق الرعاية الطبيعية أو على حق ولاية النفس.
ولكن هنا يعترضنا في واجبات الولاية على النفس ما يأتي.
ما العمل إذا تزوج مسلم مثلاً بأجنبية، واشترط في عقد الزواج أن يكون دين الابن الإسلام - ودين البنت المسيحية.
إنك تجد هذه الشروط بكثرة فيما بين أهل الجزائر، وتونس، في زواجهم بالفرنسيات - بل أعرف صديقًا تزوج في فرنسا وحمل عقده هذا النص، فهل هذا الشرط متفق مع النظام العام أو مع حق الولاية الطبيعية للوالد على بنته.
المتفق عليه في فرنسا جواز ذلك، وقيل إن التنازل عن حق الولاية في هذا الشرط صحيح

Planiol I. No. 1646.

ولكن هذا الشرط غير جائز شرعًا هنا.
بينّا أن حق الولاية على النفس ملتصق بالوالد أو بالولي التصاقًا يقره النظام العام، فهل حق الولاية على المال ملتصق بالنظام العام أيضًا - وبعبارة أوضح هل يجوز التنازل عنه أو إبعاد الولاية عن الولد.
الوارد في القانون المدني أنه يجوز ذلك إذا ما ارتكب الولي جريمة - ولكن هل هذا النص de rigeur.
هنا يقول aubry et Rau في كتابه الجزء الأول صـ 778 - أنه ما دامت الرعاية التامة واجبة لحسن إدارة أملاك القاصر فإن من العدالة أن يكون للمحاكم (ولدينا المجالس الحسبية) حق نزع هذه الإدارة من والد لا يليق أن يدير هذه الأموال إدارة يرغب القانون فيها - حتى ولو لم يحجر على الوالد.
وقد جاء في تعليقات دالوز على المادة (900) من القانون المدني.

Une opinion qui prévaut aujourd’hui en doctrine et en jurisprudence considérè que les deux droits de puissance paternelle et d’administration de biens ne procèdent pas du même principe, et que la condition qui retire au père l’administration des biens de son enfant mineur pour la confier à un tiers ne porte pas atteinte à la puissance paterneIie et doit être considerée valable.

أرجو أن نضع هنا حالة والدة توفيت وتركت ابنًا قاصرًا ورث مالها تحت رعاية والده - ثم تزوج الوالد ورزق أولادًا من زوجته الثانية - ألا نرى في مثل هذه الظروف كثيرًا ما يجور الوالد على مال ابنه لصالح أولاده من زوجته الثانية - وقد يبدد أموال ذلك القاصر.
وما العمل إذا أعطي للقاصر هبة أو تحررت له وصية واشترط فيها أن لا يدير الوالد هذا المال الموهوب أو الموصي به. بل تخصصت الإدارة في شخص معين أو في شخص اشترط الواهب أو الموصي أن المجلس الحسبي يعينه على أن يكون الوالد لسبب ما.
وهل يمكن للمجلس الحسبي أن يسلب الوالد ولايته في مثل هذه الحالة.
إن مبدأ فصل الولاية المدنية في الأحوال الهامة مسلم به في فرنسا، وفي ألمانيا، وفي سويسرا ومحرم في إنجلترا.
أما في مصر - فإن للمجلس الحسبي في القانون الأخير الصادر في سنة 1925 حق سلب ما للأولياء الشرعيين على أموال الأشخاص المشمولين بولايتهم أو الحد من حريتهم فيها بشروط خاصة:
1 - أن يكون سوء تصرف الولي بلغ حد الحق الضرر برأس المال، أو طبقًا للنص، أن يكون سوء تصرفهم في أموال المذكورين ملحقًا الضرر برأس المال نفسه.
2 - أن تطلب النيابة العامة ذلك.
هذا فيما يتعلق بسلب الولاية على المال.
ولكن هل للمجلس أن يحظر على الولي تصرفًا خاصًا لمصلحة القاصر، أو أن يجعل تصرفه تحت إشرافه، إذا كانت عدم الثقة لا تبرر سلب جميع سلطته.
الجواب على هذا، تكفلت بالرد عليه المادة (28) من قانون المجلس الحسبي الجديد.
فقد أجازت للمجلس، إذا رأى هو، أن تصرفات الولي، لا تستحق سلب ولايته أن يجعله في حكم الوصي.
فلا يجوز له أن يتصرف بغير إذن المجلس في البيع، ولا أن يعترف بدين على قاصره - ولا أن يؤجر العقار لأكثر من ثلاث سنين إلا بإذن المجلس ورقابته، ثم تجب رقابتهم وتقديم الحساب للمجلس الحسبي في المواعيد المقررة.
نخرج من هذا البحث إلى قواعد الميراث.
هل يجوز الاتفاق على تعديلها.
الجواب كلا، وكل محاولة لتعديلها يصادرها القانون، حتى في فرنسا يقررون أن

Les lois sur les successions sont d’ordre public.

ولهذا فكل سعي من جانب المورث في أن يغير نظام الإرث في الرقبة الغير موقوفة باطل. ولهذا السبب نفسه يطعن على العقود التي تعمل سعيًا وراء الوصول إلى هذا الطريق.
لا نستطيع حصر العقود المخالفة للنظام العام.
ولكني أقتصر هنا عن حالة طال فيها البحث.
وهي مسألة الاتفاق على عدم المزايدة في مزاد علني مطروح.
القاعدة الأصلية:
التعهد الذي يحرره شخص لآخر في مقابل امتناعه عن الدخول في المزايدة تعهد باطل، ولا يقره القانون، لأنه يعطل حرية المزادات وهي حرية مشروعة أحاطها القانون بكل الضمانات صيانة لأموال الغير من عبث اللاعبين بها.
بهذا قضت محكمة استئناف مصر في 24 مايو سنة 1923.
وكذلك قضت بأن التعهد بالامتناع عن طلب إعادة مزاد تأجير أطيان باطل، ولا يترتب عن مخالفته أي تعويض لابتنائه على سبب غير شرعي.
ولكن في فرنسا فيه تفصيل.
1 - الاتفاق الذي يحصل ما بين متزايدين اثنين على عقار واحد بأن يتنازل أحدهما عن مزايدته لأن العقار أولى للآخر، اتفاق شرعي.

La Convention faite entre deux enchérisseurs de ne pas enchérir le lot qui est à la convenance de l’un d’eux est licite.

وهو حكم في رأيي محل نظر.
القوانين الجنائية، كلها من النظام العام.
إلا أن القانون، وضع دعوى الزنا مثلاً في موضع خاص فسلخها من تعلقها بالنظام العام وجعلها من الحق الخاص بحيث يمكن عدم رفع الدعوى العمومية إذا شاء صاحبها.
وهنا، هل للقاصر حق رفع دعوى الزنا، وحق التنازل عنها، والذي قررته محكمة النقض أنه متى زاد سن القاصر عن ثلاث عشرة سنة فله أن يقيم دعوى الزنا على زوجته - ولكن هل التنازل عن رفع الدعوى العمومية يبقي الحق في رفع دعوى تعويض ؟ الإجماع على ذلك.

نصيف زكي
المحامي


[(1)] محاضرة ألقاها الأستاذ نصيف زكي المحامي بغرفة المحامين بمحكمة المنيا الأهل

عقد إجارة الأشخاص - الطرد في وقت غير لائق

مجلة المحاماة - العددان السادس والسابع
السنة العاشرة سنة 1930

مسائل شتى (1) محمد علي رشدي

عقد إجارة الأشخاص - الطرد في وقت غير لائق

طرد الموظف في وقت لائق أو غير لائق، مسألة اختلف فيها التقدير، وكثيرًا ما فهم منها أن معناها إعطاء مهلة إلى الموظف فحسب وهذا خطأ، رأينا أن نصححه في كلمة موجزة فيما يلي:
الأصل قانونًا أن حق أحد المتعاقدين في فسخ العقد الثنائي النافذ الغير لازم مقيد بعدم إساءته استعمال هذا الحق لأن للطرف الآخر حق تعلق به ولأن العقد قد أوجد علاقة وحالة خاصة الاستقلال بفسخها دون مسوغ ما هو عبث بها وخطأ يصح أن يكون أساسًا للتعويض إذا توفرت معه شروط المسؤولية عمومًا، وتستند هذه القاعدة في أساسها إلى قواعد العدالة والقانون الطبيعي - كما ترى - وعلى هذا الأساس تطبقها المحاكم في كثير من الأحوال دون أن يقرها القانون الوضعي أو يعتبر بها في فرنسا أو مصر، وكانت تطبيقات المحاكم هذه مظهرًا لنظرية تطور فكرة التعاقد وأخذًا بها.


إلا أن القانون - في فرنسا ومصر - أقر هذه القاعدة - بل وأضاف إليها شرطًا آخر أحاط الفسخ بضمان أقوى وأتم – في حالة واحدة فحسب: وهي عقد إجارة الأشخاص غير معين المدة، فصدر في فرنسا قانون سنة 1890 معدلاً للمادة (1870) من القانون المدني ونص على أن فسخ العقد يصح أن يكون أساسًا للمطالبة بتعويض، ونص في عبارة صريحة على العناصر التي يتكون منها التعويض.


ونصت المادة (404) مدني أهلي على وجوب أن يكون الفسخ في وقت لائق.
ونص المادة المصرية بهذا الشكل هو في الواقع نقل وتعبير عما اتفق عليه إجماع المحاكم والشراح في فرنسا بأن فسخ عقد الاستخدام يجب أن يكون بسبب قانوني Motif légitime فلم يكتفِ المشرع إذن بأن يكون لأحد الطرفين مصلحة في فسخ عقد الاستخدام حتى يجيزه وينص حق الآخر في التعويض بل اشترط أن يكون هناك سبب قانوني لذلك.
ووجود السبب القانون شرط كافٍ ولكنه ضروري لفسخ العقد دون التعرض لمسؤولية التعويض بمعنى أن إعطاء صاحب العمل مهلة للموظف قبل فسخ العقد لا يغني عن توفر هذا الشرط.
راجع بودرى لاكنترى وقال – عقد الإيجار الطبعة الثالثة بند (2930) إذ ورد به:

L’absence de motifs légitimes donne d’ailleurs droit à des dommages - intérêts, même si les délais de provenance ont été observés.

(راجع تعليقات داللوز على المادة (1780) بند (370) و (380) و (388) و (397) و (406)).
وهذا بديهي فإن إعطاء مهلة أو عدم إعطائها أمر بعيد عن أساس المسؤولية كما قدمنا، لا يتداخل معه أو يختلط به، فلا يؤخر أحدهما الآثار التي تترتب على الآخر أو يعطلها.
والسبب القانوني للفسخ هو أن يكون لدى صاحب العمل مصلحة مشروعة للفسخ أساسها نسبة عمل اختياري أو إهمال إلى الموظف يدعو إلى طرده، فهو يفترض إساءة صاحب العمل استعمال حقه وأن يقع الفسخ مخالفًا للعدالة.
راجع بودرى المرجع المتقدم بند (2930) الفقرة الثانية إذ ورد به ما يأتي:

D’après les travaux preparatoires, le motif légitime suppose un (abus), une resiliation (contraire à l’équité)

ويتفرع عن هذا أن تنعدم مشروعية سبب الفسخ إطلاقًا، إذا ثبت أن الموظف كان قائمًا بعمله خير قيام وعدم وجود مسوغ جدي ينسب إليه.
راجع بودري المرجع المتقدم بند 2956 إذ ورد به ما يأتي:

La partie a laquelle la rupture du contrat a ete signifiee peut d’ailleurs faire indirectement en prouvant qu’elle a accompli tous ses engagements et que sa conduite n’a rien presente de leprehensible, la preuve que lui incombe, et il appartient alors a l’autre partie d’apporter la preuve contraire.

كما أن هذه المشروعية تنعدم إذا تضاءل سبب الفسخ بجانب الضرر الذي وقع للطرف الآخر من جرائه.


(راجع بودرى المرجع المتقدم صفحة (600) البند الثاني في الهامش) - وراجع الباندكت الفرنسية تحت كلمة louaged’industrie بند (784).


الخلاصة: إذن أن ضابط المسؤولية عن التضمينات هو قواعد العدالة في حدود نسبة الإهمال إلى الموظف وعدم تكافئ سبب الفسخ مع الضرر الذي ترتب عنه للطرف الآخر.
وعلى ذلك يكون للقاضي سلطة تقدير مطلقة في تحقيق هذين الأمرين بحسب وقائع الدعوى وظروف الحال المحيطة بالطرفين فيها، كمدة خدمة الموظف مثلاً وحالته عند الفصل وغير ذلك.
راجع تعليقات دالوز على المادة (1780) بند (383) إذ ورد به ما يأتي:

La question de savoir si une faute commise par un ouvrier doit être considérée comme suffisante pour motiver son renvoi sans indemnité rentre dans le pouvoir souverain d’apprécian des juges du fait.

وبند (387) وورد به:

Jugé, d’ailleurs, que, si, pour la fixation de l’indemnité à allouer à l’ouvrier, il peut être tenu compte de la durée de ses services.

وراجع أيضًا بودرى المرجع المتقدم بند (2957) والباندكت الفرنسية تحت كلمة louage d’industrie بند (772)


وهكذا يكون إثبات المسؤولية عن التعويض بأحد أمرين: إما مباشرة بإثبات عدم جدية ومشروعية السبب الذي يدعيه صاحب العمل لطرد الموظف وإما غير مباشرة بإثبات قيام الموظف بعمله خير قيام وهما أمر واحد في الواقع لأن كلاً منهما يستلزم وجود الآخر كما قدمنا.
قد ينشأ من عقد الاستخدام حالة خاصة لها حكم خاص أيضًا: فقد يتفق الموظف وصاحب العمل أو السيد وخادمه على أن يستحق الموظف أو الخادم عاجلاً أو آجلاً استحقاقًا أو مرتبًا معينًا لمدة ما خلاف ماهيته فإن إجراء هذا الاستحقاق ليس كالماهية في مقابل تأدية العمل بحيث يمكن القول بأن الموظف الذي لا يؤدي عملاً لا يستحق أجرًا - وأن يحيط القانون - لهذا السبب - فسخ عقد الاستخدام - الغير معين المدة بضمانة واحدة هي أن يكون هناك سبب مشروع جدي للفسخ كما قدمنا Motif légitime لا لشيء إلا لأن له حقًا متعلقًا بالاستحقاق أو المعاش دون مقابل ما.
ولذلك قضت محاكم فرنسا باضطراد بأنه لا يجوز فسخ عقد الاستخدام الذي ترتب فيه مرتبات إضافية للموظف rémunérations accessoires إلا إذا وجد سبب قوي للفسخ Gravemotif.
راجع تعليقات دالوز المرجع المتقدم بند (215) و (216) وقد ورد به ما يأتي:

Ainsi jugé…. que la convention par laquelle une domestique au service de deux epoux doit, si, au décès du survivant d’eux, elle a toujours fidèlement rempli son engagement et se trouve encore dudit survivant, recevoir à titre de rémunération en sus de ses gages, une certaine somme â la charge des deux successiou, ne peut être resiliée à la volonté du maitre et est obligatoire pour celui - ci, tant qu’il n’a pas de graves motifs de renvoyer sa domestique.

وهكذا ترى كيف أن العقد يصبح لازمًا للسيد لا يجوز فسخه لأي سبب يرى فيه السيد مصلحة أو مسوغًا لذلك بل يجب أن يكون السبب قويًا.
ويترتب على عدم توفر هذا السبب المسؤولية عن التعويض.
راجع البند (217) من المرجع المتقدم إذ ورد به ما يلي:

…Et que, par suite, en cas de congé, sans motifs suffisants la domestique, si elle ne refuse pas la continuation de ses services ne perd pas l’avantage aléatoire qui lui a été promis……..

وهكذا ترى أيضًا الحكم المذكور يقر حق المستخدم في الاستحقاق الإضافي ولو أنه لا يزال غير حال فما بالك إذا كان الاستحقاق حالاً يقبضه المدعي فعلاً منذ مدة مضت - كما لو كان مستحقًا في وقف مثلاً.

(2)
الهبة الباطلة شكلاً - إجازتها ضمنيً
الالتزام الطبيعي - استبداله بالتزام مدني

قد يلتزم الإنسان في علاقته مع آخر - سواء كان أساس هذه العلاقة عقد أو فعل أو خطأ - بالتزام لا يرتب القانون جزاءً للإخلال به - فلا يصل من هذه الوجهة إلى حد الالتزامات المدنية اللازمة - إلا أنه مع ذلك التزام يستند في أساسه إلى أكثر من واجب أدبي فحسب وهو ما يسميه القانون الفرنسي L’obligation naturelle (مادة (1235)) فالالتزام بدفع قيمة سند مضت عليه المدة المسقطة للحقوق، والالتزام بتنفيذ عقد لم يوضع في الصيغة التي يتطلبها القانون صحته هو التزام طبيعي.


وهو التزام: لا من حيث لزومه ونفاذه بمقتضى القانون - فقد قدمنا أن القانون لا يرتب جزاءً على الإخلال به - ولكن من حيث الآثار التي تترتب عليه وهي ما تتفق فيه مع الالتزام المدني فإن تنفيذه إذا تم يعتبر ملزمًا لا يجوز رده أو الرجوع فيه باعتباره هبة أو دفع ما لا يجب أداؤه Paiement de l’indu.
وقد اعترف كل من القانونين الفرنسي (مادة (1235)) والمصري (مادة (147)) بهذا الأثر للالتزام الطبيعي.


وهذا في الواقع هو الأثر الوحيد الذي رتبه نص القانونين عليه، وهذا الأثر هو ما يسمو به عن مجرد الواجب الأدبي إلى درجة الالتزام راجع (Aubry et Rau 5th Edition 4 P.3 Baudry 2 Nos 546 seq).


ويستتبع ذلك حتمًا أن يكون الالتزام الوارد في عقد باطل لعدم توفر شكل خاص يتطلبه القانون لصحته وليس ممنوعًا لمخالفته للآداب - التزامًا طبيعيًا - وهذا ما أقره إجماع المحاكم والشراح في فرنسا، كالهبة مثلاً: فإن لزوم تحريرها في شكل خاص لا يستند إلى اعتبارات ترجع إلى الآداب العامة بل إلى تقرير قاعدة للإثبات، فإذا لم تعمل في عقد رسمي فهي باطلة لعدم الرسمية فحسب، إلا أنها لا تزال تشتمل التزامًا طبيعيًا على الواهب بتنفيذ الهبة - فإذا نفذها فعلاً فليس له حق الرجوع فيها كما قدمنا، وإذا توفى التزم الورثة التزامًا طبيعيًا باحترام إرادة مورثهم باحترام الهبة وتنفيذها، بحيث إذا أجازوها فعلاً فلا يعتبر هذا منهم قيام بعمل غير واجب الأداء يجوز لهم الرجوع فيه - وبمعنى آخر فإنهم يكونون قد أدوا دينًا أو نفذوا التزامًا ملزمًا، وقد أقر القانون الفرنسي هذه النتيجة صراحة في المادة (1340) إذ ورد بها ما يلي:

La Confirmation ou ratification, ou executiou volontaire d’une donnation par les héritiers ou ayants cause du donateur, après son décès, emporte leur rénonciation à opposer soit les vices de forme, soit toute autre exception.

والنص ليس وارد على سبيل الحصر كما رأيت فهو تفرع على القاعدة العامة التي قدمناها وهي أن المورث ملتزم شخصيًا بتنفيذ العقد الباطل شكلاً، فإذا توفى فإن التزام ورثته الطبيعي هو احترام إرادة مورثهم الأخيرة بتنفيذ العقد الذي دخل طرفًا فيه، وسواء كان العقد هبة أو وصية أو اعتراف بدين (في القانون الفرنسي الذي يتطلب فيه شكلاً خاصًا) فإن القاعدة واحدة لأنها تستند فيها جميعها إلى فكرة وحكمة واحدة
راجع Demelombe, tome 27 no 42 ; Aubry et Rau 4e Edition; Tome 4) & 267; l’laniol; 2e Edition No 345
وراجع أيضًا تعليقات دالوز على المادة (1235) إذ ورد به ما يلي؛ نَبذة 63:

(On Considère Comme donnant ouverture à une obligation naturelle le devoir qu’a l’hèritier de respecter et d’executer les dernières volonés de son auteur, bien qu’elles se trouvent consignées dans un aete nul en la forme comme testament ou même qu’elles n’aient été exprimés que verbalement.

ونَبذة (64):

(Ainsi constitue une obligation naturelle l’obligation naturelle l’obligation de remettre la chose à qui elle était destinee, lorsqu’elle a était imposée par un testament irregulier, ou par un fideis commis tacite non revêtu de forme légale.

ونَبذة (66):

(Jugé, en consequence, que les aetes juridiques destinés à l’execution de ces dernières volontés etant, du chef de l’héritier, des actes à tite onereux échappent, en ce qui concerne, aux rêgles de forme et de fond des donations.

ونبذة (67):

(A plus forte raisou, constitue une obligation naturelle la donation entre vifs nulle pour vice de forme, puisque la loi permet aux héritiers du donateur de la confirmer même tacitement par une exécution volontaire.

وهكذا ترى أن المحاكم الفرنسية فرعت المادة (1340) عن قاعدة عامة تنطبق على جميع العقود الباطلة لعدم توفر الشكلية فيها، وتستند إلى التزام المورث التزامًا طبيعيًا بتنفيذ العقد أو التصرف الذي عمله - هبة أو وصية أو اعتراف بدين - والتزام ورثاه من بعده باحترام إرادة مورثهم بتنفيذ هذا العقد.


(راجع حكم محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 19 ديسمبر سنة 1860 في مجموعة Sirez سنة 61 جزء (1) ص (370)


وحكم محكمة Besancon بتاريخ 6 ديسمبر سنة 1906 داللوز سنة 1908 جزء (2) ص (330) وحكم محكمة النقض بتاريخ 10 يناير سنة 1905 مجموعة Sirez سنة 1905 جزء (1) ص (128)).
فخلو نص القانون المصري من مقابل للمادة (1340فرنسي ليس معناه خلوه من القاعدة العامة التي تفرع عنها هذا النص فهي قاعدة من عمل الشراح والأحكام الفرنسية بالإجماع استندوا في تقريرها إلى اعتراف القانون بالالتزامات الطبيعية وإقراره الأثر الذي يترتب عليها من حيث عدم جواز الرد بعد تنفيذها في المادة 1235، وهو اعتراف اشترك في تقريره القانون المصري أيضًا في المادة (147) كما قدمنا، فإذا لم يكن في القانون الفرنسي غير المادة (1235) ما ترتب أحكمًا وقواعد أخرى للالتزامات الطبيعية غير واردة في القانون المصري وإذا لم يكن في القانون المصري خلاف المادة (147) ما يغاير القاعدة العامة التي أقرتها المحاكم الفرنسية، فهذه القاعدة واجبة التطبيق في القانون المصري لا نزاع في ذلك لا لشيء إلا لأنه مفهوم أن القانون المصري مأخوذ عن القانون الفرنسي، ولأنه ليس ثمة ما يدل على أن المشرع المصري أراد أن يختلف عن القانون الفرنسي في شيء ما، في هذا الموضوع.


(راجع كتاب The Egyptian law of obligations لمستر والتون جزء أول صفحة (26)) والنتيجة إذن - أن التنفيذ الفعلي من الورثة للهبة الباطلة شكلاً الصادرة من مورثهم والتي سبقهم هذا في تنفيذها، أو مجرد إجازتهم الحكمية لها مانعة لهم قطعًا من التمسك بعد ذلك بالعيب في شكلها أو بأي دفع آخر.


أما أن التنفيذ الفعلي مانع من الرجوع في الهبة فهو تطبيق صريح للمادة (1235) فرنسي و (147) مصري، وأما أن مجرد الإجازة أو الموافقة - في عقد أو ما شاكله - مانعة أيضًا فذلك لأن الالتزام الطبيعي يستحيل بالاعتراف به أو المصادقة عليه إلى التزام مدني obligation civile له كل حجيته من حيث نفاذه ولزومه، والطريق القانوني لهذه الاستحالة هو (الاستبدال novation ).
ومقرر بإجماع المحاكم والشراح الفرنسيين أن التزام الطبيعي يجوز أن يستبدل بالتزام مدني محض بمجرد الاعتراف به وإجازته (راجع Baudry. E 2. N. 1678 , Anbny et Ran 15th rd 4. P 11)
وراجع حكم محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 17 يناير سنة 1918 مجموع التشريع والأحكام المختلطة عدد (30) ص (62).


وراجع أيضًا كتاب المستر والتون في المرجع المتقدم وصفحة (37)).
وبذلك يتبين لك أن المادة (1340) فرنسي لم تأتِ بأكثر من تقرير القاعدة العامة الواردة في المادة (1235) وقواعد الاستبدال عمومًا، وهذا ما يؤكد لك أن عدم إيراد المادة المذكورة في القانون المصري ليس سببه إلا أنها تكرار للقواعد العامة فحسب.

مستقبل نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق

مجلة المحاماة – العدد الثامن
السنة الرابعة والثلاثون سنة 1954

بحث
مستقبل نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق للسيد الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة أمن الدولة

1 - تمهيد:
تحدثت في مقال سابق عن نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق، والحقيقة أن استقرار هذه النظرية في الحياة القانونية منذ أمد بعيد مظهر من مظاهر ما أوجده علم الأخلاق من أثر في القواعد القانونية، فالأخلاق تنتهي عن كل عسف وظلم عند استعمال الحق استعمالاً يلحق الضرر بالغير، فبعد أن كان هذا النهي بوحي من الأخلاق الكريمة لأجزاء على مخالفته، أصبح قاعدة قانونية يرتب المشرع عليها آثارًا في محيطه القانوني، ومن ثم فقد تبلورت القاعدة الأخلاقية في صورة قاعدة قانونية ملزمة.
ولا شك أن هذه النظرية قد ارتكزت أول ما ارتكزت عليه بفضل قاعدة رومانية شهرية تؤكد أن التمسك بحرفية الحق والذهاب في استعماله إلى نهاية حدوده يؤدي إلى ظلم فاحش وينطوي على خطأ بين summum jus summa injuria.
2 - فصل القضاء الفرنسي في استقرار النظرية:
وأنه رغم خلو القانون المدني الفرنسي من نص فإنه كان للقضاء الفرنسي الفضل الأول في إنشاء هذه النظرية فلاقت رواجًا في الأدب القانوني litterature juridique نادي القضاء الفرنسي بوجوب تطبيق هذه النظرية احترامًا لقواعد الأخلاق التي ورثها عن القانون الكنسي وتأسيسًا على فكرة الوظيفة الاجتماعية للحق fonction sociale .
مر القضاء الفرنسي في هذا الصدد بثلاثة مراحل تميل في التوسع إلى تطبيق هذه النظرية، ففي المرحلة الأولى اعتبر مجرد استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير intention de nuire كافيًا لانعقاد مسؤولية صاحب الحق مسؤولية مدنية مبنية على فكرة الخطأ الوارد في المادة (1382) من القانون المدني الفرنسي، ولكنه كان من نتيجة صعوبة إثبات هذا القصد أن افترضه عند استعمال الحق بدون فائدة sans utilité تعود على صاحبه وانتهى في هذه المرحلة الثانية إلى أن مجرد استعمال الحق بغير فائدة كافٍ لتوافر هذا الخطأ حتى ولو لم يوجد قصد الإضرار بالغير، وأخيرًا استقر هذا القضاء وركن إلى معيار موضوعي بحت فاعتبر أن استعمال الحق استعمالاً غير عادي anormal موجب لمسؤولية صاحبة عن تعويض الضرر الناشئ عن هذا الاستعمال كما قد يتعرض لجزاء عيني بإيقاف هذا الاستعمال أو محو آثاره إذا استدعت ذلك مصلحة الغير.
3 - الجزاء في القانون الروماني:
لقد توسع الحاكم القضائي le préteur في جريمة الاعتداء على الغير injuria فجعلها تشمل حالات الخطأ تحت ستار الحقوق ومن ثم فقد أصبح الجزاء الناشئ عن هذه النظرية جزاءً جنائيًا فمن يخطئ عند استعمال حقه أي يتعسف في استعماله على حد تعبير بعض الشراح فقد ارتكب جريمة الاعتداء على الغير وهي جريمة جنائية خاصة تحميها دعوى تقديرية أي يقدر القاضي العقوبة فيها وهي جريمة خاصة يحصل المجني عليه فيها على مبلغ الغرامة التي يحكم بها القاضي وهي جريمة تلحق الوصمة والعار بصاحب الحق

delit, pénal, privé. Protegé par une action estimatoire infamante.

4 - مخاطر النظرية:
ولا شك فإن تطبيق هذه النظرية يؤدي إلى رقابة تحكيمية يمليها القاضي على الأفراد عند تقديره لكيفية استعمالهم للحقوق المخولة لهم قانونًا، يتحكم القاضي في الدوافع الشرعية عند استعمال الحق، يبحث القاضي في تلطيف نصوص القانون فينشئ حدودًا للحقوق غير التي رسمها المشرع الأمر الذي قد يؤدي بالمواطنين إلي عدم الثقة فيما يمنحهم القانون من حقوق وفيما يوجده المشرع من مزايا لاستعمال هذه الحقوق، فيتجرد القانون من كل قيمة فعلية طالما أنه في وسع القاضي أن يقرر بوجود خطأ عند إتيانهم لأعمال استعمالاً لحقوقهم مستندين فيها إلى كلام أورده المشرع بين ثنايا مواده، ومن ثم فقد انعدم الاستقرار الاجتماعي لدى الأفراد فشلت يدهم في التمتع بحقوق كفلها القانون.
5 - مستقبل النظرية:
ولكنه رغم كل هذه المخاطر التي يستهدف لها صاحب الحق فقد استقرت هذه النظرية في محيطنا القانوني ولم تصبح لهذه المخاطر اعتبار في هذا الشأن منذ أن أصبح الحق وظيفة اجتماعية وبسبب الضرورات الاجتماعية لحقوق الآخرين.
فلم تعد الحقوق مزايا مطلقة بقدر ما أصبحت وظائف يعترف بها القانون للفرد في حدود مصالح المجموع.
إن القاضي هو أقدر الناس في معرفة الحقيقة والوصول إليها بل أنه أقدر من المشرع في هذا السبيل إن القاضي هو الذي يلائم بين الحقوق ومدى استعمالها بوحي من القواعد الأخلاقية لأفراد هذه الجماعة، إذا كان له ذلك فقد اندرجت القاعدة الأخلاقية في نطاق القواعد القانونية فتمتعت بوافر الحجية وفائق الإجلال.
6 - خاتمة:
وعلى كل حال وبعد تلاوة نص المادة الخامسة من القانون المدني المصري والذي يشمل معيارًا واسع المدى فالأمل في نجاح هذه النظرية معقود على تطبيقها بمعرفة قضائنا المصري.
والله ولي التوفيق.
المراجع
القانون المصري
1 - المسؤولية المدنية: للأستاذ مصطفى مرعي.
2 - الملكية والحقوق العينية: للدكتور كامل مرسي.
3 - مدى استعمال الحقوق الزوجية: للدكتور السعيد مصطفى السعيد.
4 - الموجز في الالتزامات: للدكتور السنهوري.
5 - نظرية سوء استعمال الحقوق: للأستاذ حسين عامر.
6 - شرح نظرية الالتزامات: للدكتور حشمت أبو ستيت.
7 - المدخل لدراسة القانون: للدكتور محمد علي عرفة.
8 - مقدمة القانون: للدكتور السنهوري والدكتور حشمت.
9 - التدليس في القانون: للدكتور عبد السلام ذهني.
10 - القانون الروماني: للدكتور محمد عبد المنعم بدر.
11 - القانون الروماني: للدكتور علي بدوي.
12 - أحكام المعاملات الشرعية: للشيخ علي الخفيف.
13 - مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان: للأستاذ محمد قدري.
14 - مجلات المحاماة والتشريع والقضاء ومجلات كلية الحقوق والقانون والاقتصاد.
15 - مجموعة القواعد القانونية.
16 - المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الجديد.
القانون الفرنسي
1 - بلانيول وريبير.
2 - كولان وكابيتان.
3 – والتون.
4 – جوسران.
5 - هنري وليون مازو.
6 - دي هنت.
7 – ديمولومب.
8 – اسمان.
9 – سالي.
10 - القاعدة الأخلاقية في الالتزامات المدنية لريبير.
11 - نظرية سوء استعمال الحقوق لماركوفتش.
12 - مقال لأنطوان مازاس مدير مدرسة الحقوق الفرنسية ببيروت سنة 1945.
13 - مشروع قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي والتقرير الخاص.