بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

23 سبتمبر 2011

إعانة الجناة على الفرار

مجلة المحاماة - العدد الأول

السنة السادسة - عدد أكتوبر 1925 - 1926
إعانة الجناة على الفرار
بحث في تحديد نطاق المادة (126) مكررة من قانون العقوبات الأهلي
محور البحث:
هل يكفي لصحة تطبيق المادة (126) مكررة (ع) وجود متهم حصلت معونته على الفرار أم لا بد من أن يثبت أن هذا المتهم (جانٍ) حكم نهائيًا بإدانته ؟ وهل يقع تحت طائل هذه المادة من أعان على الفرار متهمًا حكم نهائيًا ببراءته ؟
نص المادة:
(كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء إما بإيواء الجاني المذكور وإما بإخفاء أدلة الجريمة وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك يعاقب طبقًا للأحكام الآتية):
(إذا كانت الجريمة التي وقعت يعاقب عليها بالإعدام تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين).
(وإذا كانت الجريمة التي وقعت يُعاقب عليها بالأشغال الشاقة أو السجن تكون العقوبة بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد عن خمسين جنيهًا).
(أما في الأحوال الأخرى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز الستة شهور أو غرامة لا تتجاوز عشرين جنيهًا وعلى كل حال لا يجوز أن تتعدى العقوبة الحد الأقصى المقرر للجريمة نفسها ولا تنطبق أحكام هذه المادة على الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع الجاني).
أركانها أربعة:
1 - جانٍ.
2 - العلم أو وجود ما يحمل على الاعتقاد بوجود جناية أو جنحة ارتكبها ذلك الجاني.
3 - إعانة على الفرار.
4 - حصول الإعانة إما:
( أ ) بإيوائه.
(ب) بإخفاء أدلة الجريمة.
(جـ) بتقديم معلومات غير صحيحة مع العلم بذلك.
الغرض منها ومأخذها:
الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات خاص بموضوع (هرب المحبوسين وإخفاء الجناة)، والمادة (126) الأصلية من هذا الباب خاصةً بإخفاء الجناة وإعانتهم على الفرار من وجه القضاء.
وبمراجعة نص المادة (126) الأصلية يتضح أنه قاصر على معاقبة من يعين شخصًا على الفرار بشرط أن يكون هذا الشخص أما مقبوضًا عليه أو موجهًا إليه اتهام بجناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه، أما إذا لم يكن واحدًا من هؤلاء الثلاثة فما كان نص تلك المادة ولا نص أي مادة في ذلك الباب ينطبق على من يساعده على الفرار من وجه القضاء.
وفي سنة 1912 طرأت ظروف سياسية اقتضت التشديد في وضع الوسائل المانعة لتسهيل إفلات المجرمين من يد القانون حتى وقبل أن تتجه إليهم عين السلطة بالقبض عليهم أو بتوجيه الاتهام إليهم أو بإصدار أوامر بضبطهم، فمست الحاجة إلى وضع تشريع جديد يكفل معاقبة من يساعد الجناة على الفرار من وجه القضاء ولو كانت جرائمهم لا تزال بعيدة عن عين السلطة ذات الاختصاص.
فلهذا لجأ المشرع المصري إلى قانون العقوبات السوداني فاستعار منه المادة (165) المأخوذة بدورها عن المادة (201) من قانون العقوبات الهندي وإفراغ تشريعه الجديد في قالب المادة (126) مكررة التي أضيفت إلى قانون العقوبات المصري الأهلي بدكريتو 8 يونيو سنة 1912 قانون رقم (12).
نطاق المادة المكررة:
يتضح من الغرض الذي من أجله وضعت المادة المكررة أن المشرع أراد التوسع ليسد الفراغ الذي تركته المادة الأصلية، ولكن هذا التوسع محدود بالغرض الذي دعا إليه، فإن كان المشرع قد أطلق الأحوال التي يكون فيها الشخص الذي تعتبر مساعدته جريمة دون تقييد بحالة من الأحوال الثلاثة المتقدمة الذكر فإنه أيضًا قد اشترط من جهة أخرى أن يثبت أن الشخص الذي حصلت معونته قد ارتكب فعلاً محرمًا سوعد على الإفلات من تبعته ولم يكتفِ المشرع لقيام اتهام لا أساس له من الحقيقة، وهذا هو محور بحثنا الآن.
فقه المحاكم:
انقسمت آراء المحاكم في هذا الموضوع إلى شعبتين، منها القائل بضرورة وجود (جانٍ) ارتكب فعلاً، ومنها القائل بكفاية وجود اتهام.
الرأي الأول:
(لا تنطبق المادة (126) مكررة (ع) إلا على الإعانة المقدمة للجاني ومن ثم لا تسري أحكام هذه المادة على من أعطى معلومات كاذبة للنيابة بقصد إعانة شخص كان متهمًا وقتئذٍ وحكم بعد ذلك ببراءته).
- أسيوط، استئناف، 15 إبريل سنة 1913 مج سنة 14 صـ 185.
الرأي الثاني:
1 - (تنطبق المادة (126) مكررة (ع) على الإعانة المقدمة إلى أي متهم ولا تقتصر على الجاني فقط لأن الغرض من المادة (126) مكررة هو التوسع في أحكام المادة (126) حتى تشمل كل إعانة معنوية تقدم للمتهم أثناء التحقيقات الابتدائية أما إذا قصرت على الإعانة المقدمة للجاني بحصر اللفظ فيمن حكم عليهم نهائيًا فقد يترتب على ذلك تسهيل طرق الفرار للجناة الحقيقيين ونجاة من يعينهم من طائلة العقاب).
- طنطا، استئناف، 3 أكتوبر سنة 13 مج سنة 15 صـ 18.
2 - (إن الجاني الذي تشير إليه المادة (126) مكررة هو الشخص الذي يظن أنه مجرم أو يحتمل أن يكون مرتكبًا للجريمة وليس الشخص الذي يحكم عليه نهائيًا لأن المادة (126) القديمة التي كانت تقضي بمعاقبة كل من يساعد شخصًا مقبوضًا عليه أو متهمًا بجناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه وذلك مع عدم الالتفات مطلقًا إلى ما يكون من نتيجة الدعوى المرفوعة عليه، فالإصلاح الذي قصده المشرع هو إذن معاقبة كل من يساعد شخصًا لم يكن مقبوضًا عليه أو متهمًا في جناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمرًا بالقبض عليه ولم يضع الشارع أي تعديل للشروط اللازمة لتطبيق القانون ولا جعل تلك المساعدة المعاقب عليها معلقة على نتيجة الدعوى الأصلية المرفوعة على الشخص المساعد، أما تفسير القانون بخلاف ذلك فلا ينتج عنه فقط تطبيق القانون الجديد ضمن دائرة تضيق جدًا عن القانون القديم بل تكون نتيجته أيضًا ضياع كل الفائدة الحقيقية التي يرمي إليها القانون الجديد).
- نقض 23 مايو سنة 1914 حقوق سنة 29 صـ 314.
الرأي الذي نؤيده:
نؤيد الرأي الأول، فنرى أنه يشترط لصحة تطبيق المادة المكررة ولإمكان معاقبة المساعد ثبوت وقوع جريمة ممن حصلت مساعدته وأنه يجب أن يكون هذا الشخص (جانيًا)، ولا يكفي أن يكون متهمًا تهمة لا أساس لها في الواقع خصوصًا إذا ثبتت براءته بحكم نهائي، ونؤيد هذا الرأي بما يأتي:
1 - تعبير المشرع في المادة المكررة صريح في ذلك المعنى، فقد عبر عمن تعتبر مساعدته على الفرار جريمة بلفظ (جانٍ) مخالفًا في ذلك ما اعتاده من التعبير على مثل هذا الشخص في المادة الأصلية بل وفي كافة مواد هذا الباب.
ومعلوم أن الشخص لا يسمى (جانيًا) إلا إذا حكم نهائيًا بإدانته وواجب مفسر القانون أن يقف عند صراحة نصه، وألا يهمل مدلول ألفاظه التي لا تحتمل تأويلاً.
2 - وإذا كان هذا النص الصريح بحاجة إلى تأويل فإن خير مفسر له هو المشرع الذي أصدره فهو أقدر من سواه على تفسير تشريعه.
ولقد جاء بتقرير لجنة مجلس شورى القوانين التي نيط بها فحص هذا القانون الجديد ما يأتي حرفيًا:
(وترى اللجنة أنه يجب أن يكون الجاني قد حكم بإدانته نهائيًا لارتكابه تلك الجناية أو الجنحة نفسها، لأنه قد يحصل أن الجاني لا يضبط إلا بعد أن يحكم على المتهم بمساعدته على الفرار حكمًا نهائيًا ثم يقدم الجاني الأصلي للمحكمة فتبرئه، فمنعًا لوقوع مثل هذا الخطأ الذي يؤسف له كثيرًا - وقد لا يمكن تلافيه - يجب ألا يحاكم المتهم بتسهيل الفرار لجانٍ إلا بعد الحكم نهائيًا بإدانة ذلك الجاني).
(وقد أرادت اللجنة أن تنص صريحًا على ذلك في المشروع فأجابها سعادة ناظر الحقانية بأن نص المادة الأصلي يفيد ذلك لأنه عبر عن مرتكب الجناية أو الجنحة الذي أعانته المتهم على الفرار من وجه القضاء (بالجاني) وليس بالمتهم ولا شك أن كل متهم لا يكون جانيًا إلا إذا حكم عليه نهائيًا).
3 - فهذا التفسير التشريعي صريح في تأييد ما نقول به، ومما يزيد ذلك المعنى وضوحًا أقوال العلماء وأحكام المحاكم التي أخذنا عن تشريعهم قانوننا الجديد، فلقد جاء بتعليقات ماين على قانون العقوبات الهندي صحيفة 185 تعليقًا على المادة (201) وهي الأصل المستقى منه نص مادتنا المكررة ما يأتي:
(It is essential to show that a criminal offence has been in fact committed). )R. V. Subramenye، 3 mad. H. C. 251 S. C. weir, 57 [80].)
أي أنه من المحتم إثبات وقوع جريمة بالفعل.
4 - ومما يؤكد نية المشرع هذه من أنه لا يكفي قيام المتهم بل يجب ثبوت جريمة (جناية أو جنحة) أن المادة التي نفسرها نصت على أن يكون عقاب المساعد متناسبًا مع العقوبة المقدرة للجريمة (التي وقعت) مما يدل على أنه يلزم إثبات أن جريمة وقعت فعلاً.
ويزداد هذا المعنى جلاء بملاحظة أن من أركان هذه المادة العلم بوقوع جريمة وبديهي أن العلم بالشيء يستلزم وجوده حقيقة وفي الواقع لأن العلم بالمعدوم لا يكون علمًا بشيء، ويعتبر عالمًا بوقوع الجريمة من أحاطت به ظرف تحمله على الاعتقاد بوقوعها.
ملاحظات على حكم النقض:
يحسن بنا لكي يخلص الرأي الذي ندافع عنه من كل شائبة أن نرد قبل ختام هذا البحث على ما ورد بحكم النقض السابق ذكره من اعتراضات.
وقبل مناقشة هذا الحكم نريد ألا نعرف له قوة أكثر مما في أسبابه من قوة، دون أن يحول احترامنا له باعتباره صادرًا من أكبر هيئة قضائية في البلاد من أن نعتبره لم يقفل باب المناقشة في تفسير تلك المادة من جديد.
ولنا في ذلك بمحكمة النقض ذاتها أسوة، فإنها لم ترَ أن تتقيد بتفسير المشرع لهذا القانون ولم ترَ أن تفسيره يحول دون اجتهادها.
( أ ) أخطأت المحكمة حين رفضت الأخذ بالتفسير التشريعي لكلمة جانٍ لأنها بررت رفضها بأن رأي مجلس الشورى كان استشاريًا وغير ملزم وفاتها أن ذلك التفسير إنما صدر من المجلس ممثلاً في لجنته ومن الحكومة ممثلة في وزيرها وكل من المجلس والحكومة معًا هما الهيئة التشريعية بالمعنى الدقيق ورأيها ملزم طبعًا وفي قوة القانون.
أما قول المحكمة أن ناظر الحقانية لم يبدِ هذا الرأي بصفة رسمية فلا يعتبر معبرًا عن رأي الحكومة فمردود بداهةً إذ كيف يتصور أن ناظر الحقانية عند قيامه بواجبه حين مناقشة قانون مقدم للهيئة النيابية لا يكون قائمًا بعمله بصفة رسمية.
(ب) وبنت المحكمة رأيها على أن القانون الجديد موسع للنص الأصلي فلا يعقل أن يضيق المشرع نطاق المادة المكررة عن نطاق المادة الأصلية التي لم تكن تشترط ثبوت وقوع جريمة ولا وجود (جانٍ).
ولكن المتأمل في نص المادة المكررة يجد أن التوسع المراد إدخاله على نصوص هذا الباب إنما هو في ناحية واحدة من نواحي المادة الأصلية فهو قاصر على إطلاق الأحوال التي يكون فيها الشخص الذي تعتبر مساعدته على الفرار جريمة فقد كانت المادة (126) تقيدها بأحد ثلاثة أحوال الأولى أن يكون مقبوضًا عليه والثانية أن يكون موجهًا إليه اتهام بجناية أو جنحة والثالثة أن يكون صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه، أما المادة المكررة فقد اعتبرت مساعدة الشخص ولو كان في غير هذه الأحوال جريمة.
إلا أن المشرع أحسن عند ما قيد هذا الإطلاق الواسع بضرورة ثبوت جريمة جدية وقعت فعلاً حتى يبرر تداخله بمعاقبة من يساعد مثل ذلك الشخص وذلك دفعًا لما يخشى من إساءة تطبيق هذه المادة، كذلك أحسن المشرع عند ما قيد هذا الإطلاق بتحديد أنواع المساعدة التي تعتبر جريمة بأن قصرها على ثلاثة أنواع الأول إيواء الجاني والثاني إخفاء أدلة الجريمة، والثالث تقديم معلومات كاذبة وهذا التحديد ينفي ما قالته محكمة النقض من أن المشرع أراد التوسع في جميع نواحي المادة الأصلية إذ أن هذه المادة كانت تعاقب على كل مساعدة أيًا كانت، فجاء النص المكرر محددًا لهذا الإطلاق.
وأي حكمة يقصدها المشرع بمعاقبة شخص ساعد بريئًا على الإفلات من اتهام غير صحيح ؟! لم يقصد المشرع بهذا النص المكرر أن يعاقب على مجرد الكذب أمام المحققين فإن لذلك نصوص أخرى كفيلة بتجريمه مثل جريمة التزوير وشهادة الزور، كما أنه ليس هناك أي خطر يمكن دفعه بمعاقبة من يعين شخصًا لم يرتكب إثمًا على الهرب من تهمة ألصقت به بغير حق.
(جـ) رأت المحكمة كذلك أن في تعليق عقاب المساعد على نتيجة الفصل في التهمة الأصلية تشجيع للطرق التدليسية لأنه يكفي للتخلص من أية عقوبة أن يقدم المساعد للجاني مأوى لحين وفاته أو سقوط الدعوى العمومية أو يتقن إثبات الكذب الذي أدلى به لكي يضمن النجاح في تهريب الجاني من وجه القضاء.
وتلك حجة واهية، لأن الحكم بإدانة الجاني غير متوقف على القبض عليه فمحاكمته جائزة غيابيًا، وأن الثقة التي في الأحكام باعتبارها عنوانًا للحقيقة تقلل إلى حد الندرة ما توهمته المحكمة من خطر يقل كثيرًا عما تتعرض له الهيئة الاجتماعية من ضرر بسبب عقاب من يعين بريئًا على إثبات براءته وتنجيته من اتهام غير صحيح.
(د) أما ما قالته المحكمة من أن اشتراط وجود جانٍ يفتح بابًا يفلت منه من يساعدون مجرمًا حالت أسباب الإباحة وموانع العقاب من إدانته فقول مردود لأن من ارتكب فعلاً وهو متمتع بسبب من أسباب الإباحة يكون أتى أمرًا مباحًا فلا محل لأن نخشى خطرًا ممن يساعدونه على الخلاص من مسؤولية لا وجود لها، وأما من ارتكب أمرًا وقام به سبب من أسباب موانع العقاب فإن مساعدته على الفرار معاقب عليها ولا يتعارض ذلك مع الرأي الذي ندافع عنه لأن هذه الأسباب شخصية بذات من اتصف بها ولا تتعداه إلى غيره كما هي قاعدة الاشتراك الجنائي.
ومهما كان الحال فإن المشرع لم يفكر مطلقًا في تشجيع الاتهام المبني على الوهم ولا يتصور أنه أراد أن يحوطه بأي ضمان.
عبد الرحيم غنيم
المحامي

سرية التحقيق وحق حضور المحامي في قانون الإجراءات الجنائية الجديد

مجلة المحاماة – العدد الثاني
السنة الحادية والثلاثون سنة 1950
سرية التحقيق وحق حضور المحامي
في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
لحضرة الأستاذ أحمد السادة المحامي
رأينا وقد أوشك العمل على تطبيق قانون الإجراءات الجنائية الجديد أن نشير إلى ما تضمنه القانون بشأن سرية التحقيق ومدى هذه السرية في حق حضور المحامي للتحقيق.
فبالرجوع إلى نص المادة (77) وما بعدها من القانون وأصلها في المشروع المقدم من الحكومة والمذكرة التفسيرية للقانون والتعليقات التي ثارت بشأنها في مضابط البرلمان نجد أنها قررت أن الأصل في التحقيق أنه غير سري على المتهم، إلا إذا قضت الضرورة بذلك, وقد كانت النيابة تتمشى دائمًا في تحقيقاتها على إمكان التفرقة بين المتهم ومحاميه, وأجازت لنفسها منع المحامي من الحضور مع المتهم وقت استجوابه، فأوجد القانون نصًا يحرم ذلك، وأصبح المتهم ومحاميه متلازمين بمقتضى النص الجديد، ولا يمكن الفصل بينهما، ومتى كان للمتهم في جناية محامٍ فإنه لا يجوز استجوابه إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد.
وقد ذكر مقرر المشروع في مجلس الشيوخ، تفسيرًا لنصوص القانون الجديد أيضًا إن للمحامي أن يطلع على المحضر قبل استجواب المتهم حتى يكون حضوره مجديًا وإلا أصبح حضوره أو عدم حضوره سواء, ويكون الحق الذي أعطى للمحامي خياليًا فاعترض على ذلك بوجوب استثناء حالة السرية، فإذا كان التحقيق سريًا فإنه يجب ألا يمكن المحامي من الاطلاع, وقد تمسكنا في اللجنة بوجوب اطلاع المحامي على التحقيق في هذه الحالة, ومع أن السرية في فرنسا أوسع منها في مصر, فإنه لا يجوز منع المحامي من الحضور في وقت استجواب المتهم والنص صريح في وجوب وضع دوسيه الدعوى تحت تصرف المحامي حتى يطلع عليه.
وقد سأل المرحوم محمود باشا حسن, وقد كان وزيرًا للدولة وقت عرض المشروع على مجلس الشيوخ حضرة المقرر فماذا يكون عمل المحامي عند حضور استجواب المتهم؟ أيعلمه كيف يجب عن الأسئلة؟ – فأجاب المقرر- للمحامي أن ينصح المتهم بعدم الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه في بعض الحالات أو أن يعترض على توجيه السؤال إليه - وإلا لما كانت هناك فائدة من النص على حضوره مع المتهم.
وقد سأل الشيخ المحترم محمود غالب باشا حضرة المقرر- هل السرية ممنوعة قطعًا على المحامي؟ فأجاب - هي ممنوعة في الاستجواب فقط، فلا يمكن استجواب المتهم منفردًا بحجة أن التحقيق سري… وهذا هو المقرر في فرنسا، ولا توجد حالة يقال فيها للمحامي أن التحقيق سري فلا تحضره، ومع ذلك فقد انتهينا إلى حل وسط، فجعلنا حق الاطلاع للمحامي على التحقيق مباحًا إلا إذا رأى المحقق غير ذلك، وفي هذه الحالة الخاصة يجب ألا يطلع المحامي على التحقيق.
وقد تم الاتفاق بين اللجنة وبين الحكومة على ذلك، ووضع النص المعروض على حضراتكم بهذا المعنى, فسأله غالب باشا - هل للمحامي حق الاطلاع حتى في حالة السرية؟
فأجاب المقرر- الأصل هو وجوب اطلاع المحامي على التحقيق، إلا إذا رأى القاضي منعه من ذلك بأمر صريح.
فمما تقدم يتضح مدى ما قرره القانون الجديد من ضمانات للمتهم وما خوله للمحامي من حضور استجواب موكله والاطلاع على الأوراق قبل الاستجواب وأن هذا الحق مطلق في التحقيق السري وأنه هو الأصل إلا إذا رأى قاضي التحقيق أن المصلحة في عدم تمكينه من الاطلاع على الأوراق قبل الاستجواب، فحتى في هذه الحالة - فقد فرض المشرع وجوب النص على هذا المنع بأمر كتابي صريح.
أضف الى مفضلتك

ا بحث في الوصية المستورة واشتباهها بعقود البيع والهبة

مجلة المحاماة – العدد الخامس

السنة العشرون سنة 1940
بحث
في الوصية المستورة واشتباهها بعقود البيع والهبة
الأصل أن الشارع وإن كان قد أطلق حرية المورث الذي يتوفى عن التصرف في أمواله حال حياته ولو أدى ذلك إلى تجريده من كل ثروته ما لم يكن غير أهل للتصرف فإنه بالرغم من هذا الأصل فإن المشرع قيد حريته في تصرفاته المضافة إلى ما بعد الموت وجعلها موقوفة على إجازة الورثة إن كانت لوارث وكذلك إذا كانت لغير وارث وتجاوزت الثلث وما دام الشارع قد حرم الوصية بغير القيود المذكورة فلا يملك شخص ما التحايل على أحكام الشريعة بإخفاء الوصية المستورة تحت ستار عقد آخر من العقود المنجزة غير الخاضعة لإجازة الورثة وإثبات هذه الصورية من الأصل جائز للورثة وللغير مهما كان شكل العقد الذي اتخذ ستارًا لإخفاء هذه الوصية سواء أكان العقد عقد بيع أو هبة والشريعة الإسلامية نفسها لا تستلزم لبطلان الوصية أن يكون التعاقد بلفظ الإيصاء صراحة بل أنها تقضي ببطلان الوصية المستورة إذا لم تكن إجازة الورثة لأنه قيل من الفقهاء أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
وإذا كان الأصل كما سبق بيانه فإنه يتفرع على هذا أن الطعن بالصورية (في عقد البيع المدعي بتنجيزه والمقصود منه الوصية) يكون غير قاصر على الورثة بل يجوز لأحد المتعاقدين وهو الموصي أن يطعن بهذه الصورية بطرق الإثبات الواجبة قانونًا إما بورقة الضد وإما بالإثبات بالبينة إذا كان هناك مانع يمنع من الكتابة لأن للموصي حق الرجوع عن وصيته.
والبيع الوصية قد يشتبه أحدهما بالهبة - ولكن فيصل التفريق بين الوصية والهبة أن الهبة تمليك وتنجيز في الحال والوصية تمليك إلى ما بعد الموت وإن كانا معًا بتبرع - والفارق بين البيع والهبة أن الأول بعوض والثانية بتبرع وإن كانا معًا ينقلان الملكية في الحال - ولا يمكن القول بأن البيع قد قصد منه التبرع والهبة في صورة عقد البيع إذا ظهر من الظروف والقرائن أن التنجيز في الحال لم يكن قرين الهبة - فالوالد الذي يحرر عقدًا لأولاده بالبيع المذكور به قبض الثمن - ولو أن الظروف تدل على خلاف ذلك إما بإقرار المشترين وإما من قرائن التحقيق - فمثل هذا العقد لا يمكن اعتباره هبة جائزة في صورة عقد بيع لو أن الوالد احتفظ بالعقد بعيدًا عن متناول يد المشترين، لأن التعاقد في هذه الحالة يعتبر إما هبة لم يظهر من نية الموهوب له قبولها لا صراحة ولا ضمنًا وإما وصية لحفظ العقد تحت يد الوالد ومن باب أولى تحت يد غيره الأمر الذي يدل على أن الممسك لم يرد التمليك في الحال وأن نية الإيصاء كانت للاستقبال (المحاماة السنة 11 رقم (262) ص (519)).
1 - وأن ما يجدر بحثه هو بيان قيمة اشتراط البائع لنفسه الاحتفاظ بحق الانتفاع مدة حياته أو مدة معينة واشتراط عدم تصرف المشتري مدة معينة أو مدة حياة البائع ولمعرفة ذلك يمكن القول بأن مثل هذين الشرطين بمفردهما وبلا قرائن أخرى لا يدلان على نية الإيصاء ولا يدلان على أكثر من أن المملك قد اشترط تأجيل وضع اليد فقط ولم يؤجل الملكية فلا تستنج منهما نية التمليك إلى ما بعد الموت ولا تعرف نية الإيصاء بهما لأن في معنى الوصية تأجيل الملك وتأجيل تنجيزه إلى ما بعد الوفاة والأصل أنه لا يوجد قانونًا ما يمنع وجود هذين الشرطين في عقود البيع المنجزة وفقط يجب التفريق بين شرط عدم التصرف المؤبد وفي هذه الحالة يكون باطلاً وشرط عدم التصرف المؤقت الذي يعتبر عندئذ صحيحًا إذا كان لمدة قصيرة فإذا كان شرط عدم التصرف clause de nonalienabilité محدودًا بمدة حياة ناقل الملكية أو حياة شخص أجنبي فإنه يكون شرطًا صحيحًا جائزًا في البيع المنجز ولكن إذا اشترط عدم التصرف لمدة أطول من حياة ناقل الملكية فإنه يكون في حكم شرط عدم التصرف المؤبد ويكون باطلاً (الملكية والحقوق العينية لكامل بك مرسي نَبذة (287)) وقد ذهب الراجح من أحكام المحاكم وبحق إلى أن الاشتراط في عقد البيع على بقاء حيازة البائع للانتفاع بالعين المبيعة واشتراط عدم تصرف المشتري المؤقت لا يدل في ذاته وبمفرده على نية الإيصاء بل قد يفهم من هذين الشرطين التمليك البات لأن مثل هذه الاشتراطات أمر جائز قانونًا وهذه الأحكام جميعها اعتبرت مثل هذين الشرطين صحيحين:
أولاً: لأنه لا يمكن اعتبار العقد بهما وصية لأن الوصية بلا مقابل واحتفاظ البائع بالانتفاع يكون كمقابل.
ثانيًا: مثل هذه الاشتراطات صحيحة إذا كان للمشتري أو للبائع مصلحة محققة في إدراجها كمصلحة البائع في أن يحافظ على كيان المشتري المالي خوفًا من أن يتصرف فيمنع تصرفه لمدة مؤقتة إلى المدة اللائقة أو كمصلحة المشتري في أن يكون بارًا بالبائع فيمنحه حق الانتفاع المؤقت.
ثالثًا: لأن حكم الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ولكن في مثل هذه الاشتراطات ليس الأمر كذلك لأن المشتري يملك الرقبة في الحال وإن كان قد حرم من المنفعة مؤقتًا.
رابعًا: مثل هذه الاشتراطات التي يحتفظ فيها البائع بحق الانتفاع من قبيل تقرير مرتب مقرر بمدة الحياة وتعهد المشتري بعدم التصرف في العين لحين وفاة المملك نتيجة طبيعية للاشتراط الأول.
خامسًا: لأن الوصية تأجيل للملكية ووضع اليد معًا إلى ما بعد الموت أما مثل هذه الاشتراطات فتأجيل فقط لوضع اليد وهذا لا ينفي تنجيز الملكية في الحال لو كان التنجيز صحيحًا من ظروف أخرى (يراجع حكم النقض المنشور سنة 1939 بمجلة المحاماة السنة 19 العدد الثالث رقم (154) ص (360) وذكر به أن اشتراط البائع الاحتفاظ بحق الانتفاع واشتراط منع المشتري من التصرف في العين المبيعة مدة حياته هو عقد منجز مع الأخذ فقط بظاهر مثل هذا الشرط بمفرده وبدون قرائن أخرى تدل على نية الإيصاء - وأنه ليس لمحكمة النقض أن تتعرض لما استنتجته محكمة الموضوع - اللهم إلا إذا كان هناك خطأ في تكييف العقد وتطبيقه على القانون - ولا تتعرض محكمة النقض ما دامت محكمة الموضوع قد بنت رأيها عن تنجيز العقد على أسباب منتزعة من ظروف الدعوى وملابساتها بقرائن مسوغة لهذا التنجيز وتراجع أيضًا الأحكام الأخرى الصادرة قبل ذلك عن شرط عدم التصرف من جانب المشتري وشرط احتفاظ البائع بالانتفاع بصحة هذين الشرطين مع عقد البيع المنجز (مجلة الحقوق (3) ص (172)، الشرائع (3) رقم (165)، المحاماة السنة 2 رقم (64) ص (210)، المحاماة السنة 2 رقم (63) ص (207)، المجموعة لسنة 23 رقم (99) ص (153)، المحاماة السنة 2 رقم (25) ص (65)، المحاماة السنة 3 رقم (109) ص (162)، المحاماة السنة 3 رقم (420) ص (516)، المحاماة السنة 5 رقم (383)، المحاماة السنة 5 رقم (562) ص (684)، المحاماة السنة 8 رقم (486) ص (796)، المحاماة السنة 9 رقم (32) ص (52)، المحاماة السنة 9 رقم (594) ص (1090).
وذهبت بعض الأحكام إلى أن عدم دفع الثمن وبقاء الحيازة تحت يد البائع لحين الوفاة يجعل العقد وصية ولا يغير من هذه الصفة ذكر الثمن في العقد وإقرار البائع باستلامه متى ظهر أن الثمن لم يدفع حقيقة (المجموعة السنة 11 رقم (45) ص (125)، المجموعة السنة 11 رقم (47) ص (132)، المحاماة السنة 4 رقم (45) ص (419)، المحاماة السنة 6 رقم (254) ص (331)) ولكن تصور هذه الأحكام جاء من اعتبارها أن احتفاظ البائع بحق الانتفاع وشرط عدم التصرف من جانب المشتري تأجيل للملكية كما في الوصية ولكن الصحيح والواقع أن الذي يؤجل هو وضع اليد فقط وليست الملكية كما سبق بيانه.
ونية الإيصاء هي مسألة تقديرية تستنتجها المحكمة من ظروف كل دعوى على حدة بعيدًا عن بحث مثل هذين الشرطين السابقين وإذا وجدت مثل هذه الاشتراطات بتقييد المشتري من الانتفاع مع ظروف أخرى تدل على نية تأجيل الملكية إلى ما بعد الوفاة ومع ظهور عدم دفع الثمن حقيقة - ولا عبرة بما يذكر في العقد - ومع نية التبرع اعتبر العقد حتمًا وصية - ويلاحظ أن عدم دفع الثمن بمفرده لا يكفي لاعتبار العقد وصية بل لا بد من ظهور نية التمليك بعد الوفاة مع قرينة عدم دفع الثمن معًا - إذ قد يكون العقد منجزًا في الحال مع نية التبرع فيكون هبة في صورة عقد بيع وهذا جائز.
2 - وإتمامًا للبحث يتعين بيان ما جرت عليه أحكام المحاكم من احتفاظ البائع بعقد البيع الذي يحرره ويبقيه تحت يده أو تحت يد غيره كأمين وبيانًا لذلك قد حكم بأن تصرف الوالد لأولاده في أطيانه بعقود بيع حجزها ولم يسلمها إليهم بل أودعها لدى أمين وأوصاه بأن لا يسلمها لأحد منهم إلا بعد الوفاة مثل هذا الشرط يدل على نية الإيصاء ما دامت قد ظهرت نية التبرع في العقد بوضوح (المحاماة السنة 10 رقم (143) ص (291) وحكم أيضًا أن البيع الصادر من والد إلى ولديه ولم يدفع عنه ثمن (وصلة القرابة بين والد وأولاده كافية لاستنتاج عدم دفع الثمن) مع احتفاظ العقد تحت يد الوالد فمثل هذا التصرف إما هبة في صورة عقد بيع لكن لم تقبل الهبة فهي باطلة – وإما وصية وتمليك في الاستقبال بدليل الاحتفاظ بالعقد ولا تتم الوصية إلا حين الوفاة - ومن باب أولى لا تتم الوصية إذا عدل الموصي عن وصيته حال حياته – (تراجع المجموعة الرسمية السنة 32 رقم (93) ص (209) ثم جاء حكم محكمة النقض فاصلاً في مسألة احتفاظ البائع بالعقد تحت يده وهو لا يسلمه لمن حصل لهم التصرف وقررت أن تعرف نية العاقدين الواقع في الدعوى مسألة موضوعية ومتى كان هذا التعرف مبنيًا على أسباب منتجة له فهو تعرف صحيح، فإذا ثبت لقاضي الموضوع أن العقد المتنازع على تكييفه صدر من جد لأحفاده وكان له ولد ظهر أنه لم يدفع للمبيع ثمن (إما بإقرار المشتري وإما من التحقيق) وإذا كان الجد قد احتفظ بالعقد تحت يده (ومثله من يحتفظ بالعقد تحت يد أمين ولا يسلم إلا بعد الوفاة) ودون تسجيل هذا العقد، فإذا ثبت لقاضي الموضوع ذلك كله واستخلص من القرائن أن الجد لم يرد بذلك العقد غير وصية فإن استخلاص الوقائع بهذه الكيفية هو تحصيل منتج للوقائع التي اعتمد عليها (حكم النقض الصادر في 22 فبراير سنة 1934 مجموعة الأستاذ محمود عمر رقم (167) ص (327) والمحاماة السنة 14 ص(360)، المجموعة الرسمية السنة 35 ص(219)).
3 - وأما حكم عقود البيع التي يظهر منها ذكر الثمن في التعاقد وهو لم يدفع حقيقة مع احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في الملك حال حياته فهذا أمر يدل على نية الإيصاء ولا يدل على نية التنجيز في الحال إذا ظهرت نية التبرع وذلك مفهوم يقينًا لأن احتفاظ البائع بحرية التصرف في ملكه معناه أنه يمكنه أن يعدل عن البيع الذي صدر بنقل الملكية لشخص آخر خلاف من اشترى منه، وهذا المظهر لا يكون إلا فيمن يعدل عن الوصية، ومعنى احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في الملك هو احتفاظه بوضع اليد لنفسه واحتفاظه بحق التصرف معًا وحق التصرف هذا يبيح له نقل الملكية للغير، وإذا احتفظ لنفسه بوضع اليد والانتفاع فقط أمكن اعتبار هذا الشرط الأخير مستطاعًا مع فكرة تنجيز العقد، وقد تستنتج فكرة احتفاظ البائع بحرية التصرف في الملك إما من العقد صراحة وإما من الظروف ضمنًا كأن يبيع البائع ماله للمشتري ويذكر في العقد أنه منجز ثم يتصرف بعد ذلك إلى مشترٍ آخر فيصادق المشتري الأول على التصرف الحادث بعد ذلك (المحاماة الـ 8 رقم (143) ص (191)) وقد ورد بهذا الحكم أنه لا يعقل أن يجرد البائع نفسه من كل ما يملك إلا إذا كان يقصد نية الإيصاء فإذا تصرف البائع بعد عقده الأول وصادقه المشتري الأول على هذا التصرف الأخير كان عقده الأول غير منجز وأنه يرمي به إلا اعتباره وصية بدليل إقرار من صدر العقد لمصلحته أولاً بعدم حصول التنجيز.
4 - وعكس ذلك إذا ما ذكر في عقد البيع أن المشتري أبيح له أن يتصرف تصرف الملاك فيما بيع له كمالك له حق التصرف بنقل التكليف والملكية إلى الغير، فإن معنى إباحة التصرف له في هذه الحالة هو المقصود منه التصريح له بنقل الملكية للغير وليس المقصود فقط إباحة التصريح له بالتنازل عن وضع اليد كالتأجير والمزارعة وإلا لو ذكر هذا الاشتراط الأخير بإباحة التصرف للمشتري فقط في وضع اليد فإنه يدل على نية البائع المتصرف بأنه لا يقصد البيع المنجز في الحال إذا كانت القرائن والظروف تساعد على استنتاج نية الإيصاء.
وينبني على القاعدتين السالف بيانهما:
أولاً: إذا ذكر في عقد البيع احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في ملكه لحين وفاته أو حال حياته دل هذا صراحة على نية الإيصاء لو اكتفى بهذا الشرط أو إذا ذكر معه شرط منع المشتري من التصرف.
ثانيًا: إذا ذكر في عقد البيع احتفاظ المشتري لنفسه والإباحة له بحق التصرف فيما اشتراه تصرف الملاك دل هذا صراحة على فكرة تنجيز العقد ولو اكتفى بهذا الشرط أو ذكر معه شرط منع البائع من التصرف فيما بيع ولو مع احتفاظ البائع بحق الانتفاع.
عبد العزيز سليمان
القاضي بمحكمة الإسكندرية الأهلية

سلطة الوزير في إيقاف الموظفين للإحالة على التحقيق الإداري

مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة التاسعة عشرة سنة 1939

بحث في سلطة الوزير في إيقاف الموظفين للإحالة على التحقيق الإداري

هل يملك الوزير حق إيقاف الموظف لإحالته على التحقيق ؟
جرى العمل لدينا أحيانًا على ذلك، وهو فيما نرى أمر مخالف للقانون، لقد فرق التشريع الإداري لدينا بين حالتي كبار الموظفين المعينين بمرسوم وغيرهم من الموظفين المعينين بقرار وزاري.
ففيما يتعلق بالموظفين المعينين بقرار وزاري قضى الأمر العالي الصادر في 10 إبريل سنة 1883 بلائحة المستخدمين الملكيين بأن لرئيس المصلحة أو الوزير في الأحوال المستعجلة حق إيقاف الموظف بشرط تقديمه حالاً إلى مجلس التأديب المادة (8) الفقرة الأخيرة [(1)].
يتبين من تلك المادة أن الوزير لا يملك سلطة الإيقاف إلا بشرط الإحالة على مجلس التأديب، فإذا نحن فسرنا ذلك النص على وجه يبيح له حق الإيقاف من أجل التحقيق الذي لا يمكن أن تعرف (حين صدور قرار الإيقاف) مدته بالدقة ولا عما إذا كان سينتهي أمر ذلك التحقيق بالحفظ أو بتوقيع جزاء من الجزاءات البسيطة الداخلة في حدود سلطة الوزير نفسه، أو سينتهي بالإحالة على مجلس التأديب فإنه لمن البين أن ذلك التفسير فيه مخالفة ظاهرة لنص المادة (8) المشار إليها أو هو على الأقل - فيه أخذ بالتوسع في تفسيرها من حيث يجب التضييق في التفسير - فالمادة الثامنة تشترط لصحة قرار الإيقاف شرطين:
الأول: الإحالة على مجلس التأديب.
الثاني: أن تتم الإحالة فورًا أي في مدة قصيرة معقولة.
فالمشرع حين يريد أن يمنح السلطة الإدارية حق الإيقاف لمجرد الإحالة على التحقيق فهو ينص على ذلك صراحةً كما فعل بشأن العمد [(2)].
ومما تقضي به المبادئ العامة أن النصوص المتعلقة بالسلطة التأديبية لا يجوز التوسع في تفسيرها كما أن من الواجب اتباع الإجراءات والأوضاع الشكلية اتباعًا دقيقًا [(3)]، لأن تلك الأوضاع الشكلية إنما قررها المشرع على أنها ضمانة من ضمانات الموظفين إزاء السلطة التأديبية [(4)]، وتقضي المحاكم لدينا باختصاصها طبقًا للمادة (15) من لائحة الترتيب في كافة الدعاوى التي ترفع على الحكومة بطلب تضمينات ناشئة عن إجراءات إدارية تقع مخالفة للقوانين أو الأوامر العالية إذا كانت المخالفة متعلقة بالشكل والأوضاع [(5)].
ذكرنا أن ذلك التفسير (الذي يذهب إليه الرأي القائل بحق الوزير في الإيقاف للتحقيق) مخالف للمادة (8) نصًا وفضلاً عن ذلك فهو مخالف مخالفة خطيرة لروح التشريع إذ يفتح الباب فتحًا مشينًا أمام تعسف الرؤساء (والوزراء) من حيث لم يوضع ذلك التشريع لسنة 1883 إلا لوضع حد لذلك العسف فلو أننا سلمنا للرؤساء بسلطة الإيقاف لمجرد التحقيق دون تحديد مدة الإيقاف تحديدًا دقيقًا وأمدًا قصيرًا بل تركنا أمر تحديد المدة موكولاً لتقديرهم أصبح الموظفون عرضة لإجراءات تعسفية استبدادية تجري باسم (الإيقاف للتحقيق) هذا هو عين ما يشاهد فعلاً حين يجري العمل طبقًا لذلك التفسير الخاطئ أي حين يقرر الوزير إيقاف الموظف لمجرد الإحالة على التحقيق.
ولم يوضع تشريع سنة 1883 كما ذكرنا إلا لوضع ضمانات لحماية الموظف من الإجراءات الاستبدادية التي كان يعانيها قديمًا [(6)].
وأن سلطة إيقاف الموظفين (قبل المحاكمة التأديبية) هي سلطة خطيرة لأنها فضلاً عما تصيب به الموظفين الموقوفين أدبيًا في سمعتهم فهي كذلك تصيبهم ماديًا في إيقاف مرتباتهم ولذلك كان من الطبيعي أن تشريع سنة 1883 لا يدع هذه السلطة للرؤساء دون أن يضع لها قيدًا يحول دون عسفهم فلذلك حتم المشروع على الرؤساء ألا يصدروا أمر الإيقاف إلا مع الإحالة على هيئة أخرى (مجلس التأديب)، وبذلك لا تكون المدة اللازمة للتحقيق خاضعة لأهواء الرؤساء.
ثم إن مجلس التأديب حين يرى أن إجراءات المحاكمة التأديبية من شأنها أن تطول كثيرًا في حين أن التهمة المسندة للموظف الموقوف (الذي أحيل إلى المجلس) لا تستوجب إلا توقيع جزاء من الجزاءات البسيطة (الإنذار أو قطع المرتب لغاية 15 يومًا) أو هي لا تستوجب أكثر من جزاء الإيقاف مع الحرمان من المرتب لمدة ثلاثة شهور في أنه مضت على إيقاف الموظف (وحرمانه من المرتب) أكثر من تلك المدة فإن مجلس التأديب له الحق في تلك الأحوال أن يقرر عدم إيقاف المرتب للمدة الباقية أثناء المحاكمة التأديبية وذلك بناءً على نص المادة الثامنة السابق الإشارة إليها بالفقرة الأخيرة إذ تنص على ما يأتي:
(يترتب على توقيف المستخدم عن العمل حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس الإدارة (مجلس التأديب) غير ذلك).
هذا فضلاً عن أن للمجلس بلا ريب الحق في أن يطلب من الوزير إلغاء قرار الإيقاف المؤقت حين يرى أن المحاكمة التأديبية لم تعد تستلزم ذلك.
لما تقدم نلاحظ أن المشرع - في الأنظمة التأديبية الخاصة بطوائف معينة من الموظفين [(7)] – حينما يخول للرؤساء حق إيقاف الموظف (قبل المحاكمة التأديبية) نجده يشترط دائمًا أن يكون قرار الإيقاف صادرًا للإحالة على مجلس التأديب (لا على التحقيق)، ونجد المشرع يأتي في ذلك بعبارات لا تدع مجالاً للشك في نية ذلك هو شأن التشريع الخاص بنظام تأديب رجال الجامعة ونظام تأديب رجال النيابة [(8)].
ففيما يتعلق بنظام تأديب رجال الجامعة فقد نصت المادة (21) من القانون الصادر في 30 إبريل سنة 1933 رقم (21) على ما يلي:
(… يجوز لمدير الجامعة أن يقف مؤقتًا عن مباشرة العمل أي عضو من أعضاء هيئة التدريس محال [(9)] إلى مجلس تأديب).
وفيما يتعلق بتأديب أعضاء النيابات بالمحاكم الأهلية نص دكريتو 11 يناير سنة 1897 بالمادة (4) على ما يلي:
(يجوز لناظر الحقانية وللنائب العمومي إيقاف عضو النيابة المحال [(9)] على مجلس تأديب إيقافًا مؤقتًا).
وقبل أن ننتقل إلى الكلام عن حالة الموظفين المعينين بمرسوم نرى لزامًا علينا أن نشير إلى ما ورد فيما يسمونه (قانون المصلحة المالية) [(10)] فقد نص في المادة (111) من ذلك القانون طبعة 1932 على ما يأتي:
(كل مستخدم يرتكب ذنبًا يستوجب الرفت يلزم إيقافه عن إشغال وظيفته في الحال وهذا الإيقاف يعلن له كتابةً).
وأننا نلاحظ على هذا النص ما يلي:
أولاً: أنه يعني المستخدم الذي (يرتكب ذنبًا) والموظف عند الإحالة على التحقيق لا يصح اعتباره ارتكب ذنبًا إذ لا يصح ذلك قبل صدور القرار التأديبي بالإدانة.
ثانيًا: إذا فرض إن كان المقصود بهذا النص إنما هو إيقاف الموظف بإحالته على التحقيق وبمجرد إسناد تهمة ما إليه فإن هذا النص يصبح في هذه الحالة نصًا باطلاً لا يجوز الأخذ به لأنه لم يكن نصًا تشريعيًا بالمعنى الصحيح مما هو في الواقع إلا مجرد منشور لوزارة المالية صدر في 22 أغسطس سنة 1895 (وقد ذكر ذلك صراحةً في قانون المصلحة المالية)، ووزير المالية لا اختصاص له في تنظيم طريقة إيقاف موظفي الحكومة وبيان الوقت الذي يجوز فيه ذلك، ولا يجوز فإذا صح لوزير المالية أن يتكلم عن إيقاف المرتب عن الموظف فلا اختصاص له في الكلام عن إيقاف الموظف عن العمل وفرق بين الاثنين ثم أن ذلك المنشور (إذا أخذ بذلك التفسير) يشمل إذا تعديلاً لنص المادة (8) من الأمر الصادر سنة 1883 بلائحة المستخدمين الملكيين (إذ لم تجز تلك المادة الإيقاف للإحالة على مجلس التأديب)، ومن البديهي أن الوزير لا يملك هذا التعديل.
ويجب ملاحظة أن ذلك النص المادة (111) غير خاص بالموظفين المعينين بمرسوم كما سنبين ذلك تفصيلاً فيما بعد.
الموظفون المعينون بمرسوم وحق الإيقاف:
بناءً على أحكام الدكريتو الصادر بإنشاء المحكمة العليا التأديبية (في 24 ديسمبر سنة 1888)، وهو خاص بتأديب كبار الموظفين المعينين بمرسوم للوزير المختص حق إحالة الموظف إلى المحكمة العليا التأديبية [(11)]، ويتبين من أحكام ذلك الدكريتو أن الوزير لا يملك إلا الإحالة على المحكمة العليا التأديبية، فليست له سلطة الإيقاف من أجل مجرد التحقيق أو حتى من أجل الإحالة على تلك الهيئة التأديبية، فلكي يكون للوزير تلك السلطة يجب لذلك نص صريح ولقد خلا التشريع الإداري لدينا من مثل هذا النص.
وتلك إحدى الامتيازات التي اختص بها المشرع كبار الموظفين المعينين بمرسوم دون غيرهم من المعينين بقرار وزاري وذلك في أمر تأديبهم، فكبار الموظفين المعينين بمرسوم (الذين يعينهم دكريتو سنة 1881) غير خاضعين لسلطة الرئيس (أو الوزير) التأديبية (التي تتضمن الإنذار بقطع المرتب لغاية 15 يوم) كما هو شأن الموظفين المعينين بقرار وزاري والهيئة التأديبية التي تحاكم كبار الموظفين (المحكمة العليا التأديبية) يتوفر في أعضائها من ضمانات الاستقلال وكفاية ما لا يتوفر في أعضاء المجالس التأديبية التي تحاكم الموظفين المعينين بقرار وزاري ثم إن القرار الذي تصدره المحكمة العليا التأديبية يجب أن يكون مسببًا (مادة (11) من دكريتو سنة 1889 المشار إليه) ولإمكان صدور الحكم بالعزل من تلك المحكمة العليا اشترطت أغلبية خاصة وهي ثلاثة أرباع أعضاء المحكمة وأن يصدق عليه الملك مادة (9) وجريًا وراء روح التشريع هذه نلاحظ أنه يسمح للموظف بمحامٍ أمام المحكمة العليا التأديبية (مع عدم وجود نص يبيح ذلك)، وهذا بخلاف الحال مع الموظفين المعينين بقرار وزاري [(12)].
مما تقدم يتبين لنا أن حرمان الوزير من حق الإيقاف للإحالة على التحقيق (أو حتى على المحكمة العليا التأديبية) ليس بالأمر الغريب بل هو أثر من الآثار الطبيعية لتلك الروح التي بيناها ولقد قرر المشرع مثل هذا الامتياز لرجال القضاء الأهلي فلم يمنح الوزير ولا أية هيئة أخرى سلطة إيقافهم [(13)].
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن ثمة حالة واحدة ورد فيها في التشريع الإداري ذكر لإيقاف كبار الموظفين المعينين بمرسوم كان ذلك في الأمر العالي الصادر في 19 فبراير سنة 1887 بإنشاء المحكمة العليا الإدارية لتأديب الوزراء وكبار الموظفين [(14)].
المحكمة العليا الإدارية: ولكن سلطة الإيقاف لم تُمنح هنا للوزير من أجل الإحالة على التحقيق، إنما يحدث الإيقاف عند إحالة مجلس الوزراء للموظف أمام تلك المحكمة المادة (3) الفقرة الثانية، والرأي عندي أنه بعد إنشاء المحكمة العليا التأديبية (سنة 1888 وإنشاء النظام الدستوري في البلاد سنة 1923) [(15)].
فقد أصبحت تلك (المحكمة الإدارية العليا) لا وجود لها قانونًا كما أنه لم يكن ثمة لها وجود عملاً [(16)].
ونعتقد أننا بغير حاجة إلى التنبيه بأن المادة (111) [(17)] مما يسمونه (قانون المصلحة المالية) التي تقدم الكلام عنها غير خاصة بكبار الموظفين المعينين بمرسوم إنما هي تعني غيرهم من الموظفين المعينين بقرار وزاري، ويتبين ذلك من أن تلك المادة إنما تتكلم عن (المستخدم) لا (الموظف) ثم إن المادة (115) من القانون المشار إليه نصت بعبارة صريحة على أن أحكام المادة (111)، وغيرها لا تسري على كبار الموظفين المعينين بمرسوم، وفضلاً عن ذلك فإن تلك المادة كما قدمنا يجب عدم تطبيقها لأنها في الواقع عبارة عن منشور لوزارة المالية (في 22 أغسطس سنة 1895) وهو منشور باطل قانونًا لمخالفته لأحكام الأمر العالي الصادر بلائحة المستخدمين سنة 1883.
وإذا كان لا يوجد أي نص قانوني يخول الوزير الحق في الإيقاف فليس ثمة أيضًا أي مبدأ قانوني يمكن أن يستند إليه في ذلك.
فإذا كان الوزير في وزارته هو صاحب السلطة الرئاسية [(18)] فإن السلطة التأديبية (Pouvoir disciplinaire) إنما صاحبها رئيس الدولة الأعلى وذلك لأنه صاحب الولاية العامة في عزل الموظفين (بناءً على ما يقضي به الدستور المصري بالمادة (44) وتقابلها المادة (3) (الفقرة الثالثة) من (القانون الدستوري الفرنسي الصادر في 25 فبراير سنة 1875) [(19)].
وفي ذلك يقول الأستاذ جورج رينار (أستاذ القانون العام بجامعة ننسى في مؤلفه طبعة سنة 1922 Cours de droit public صفحة 248 ما نصه:

Le pouvoir disciplinaire appartient, dans sa plus haute expression, au chef de l’Etat, comme une conséquence de droit de révocation.

وبناءً على ذلك فليس للوزير من حقوق السلطة التأديبية (كما هو شأنه فيما يتعلق بسلطة تعيين الموظفين أو عزلهم) إلا ما تنص عليه القوانين واللوائح (الصادرة من رئيس الدولة الأعلى)، فالسلطة التأديبية التي يخضع لها الموظفون إنما تبين أحكامها وإجراءاتها القوانين واللوائح وعلى الرئيس (الوزير أو رئيس المصلحة) اتباع الإجراءات المنصوص عليها بدقة تامة وإلا كان الأمر الإداري الصادر من الرئيس باطلاً، ذلك هو ما قرره الفقه والقضاء الإداري في فرنسا [(20)].
ثم أن قرار إيقاف الموظف عن عمله لا يتضمن حتمًا إيقاف المرتب عن الموظف فلكي يكون للإيقاف ذلك الأثر يجب لذلك نص قانوني صريح إذ يصح أن يكون إيقاف الموظف غير مصحوب بإيقاف المرتب (كما تقضي بذلك المادة (40) من الدكريتو الصادر في فرنسا في 22 مارس سنة 1926) [(21)] أو يكون مصحوبًا بإيقاف بعض المرتب للجمعيه كما هو الشأن في التشريع الإيطالي حيث يتضمن الإيقاف عن العمل الحرمان من المرتب من نصفه إلى ثلثيه [(22)].
وإذا كان إيقاف المعين بقرار وزاري في مصر يتضمن إيقاف المرتب فذلك راجع إلى وجود نص بذلك (كما قدمنا) ولكن لا يوجد ما يقابل هذا النص فيما يتعلق بكبار الموظفين المعينين بمرسوم فإذا سلمنا جدلاً بأن الوزير في مصر له حق إيقاف الموظفين المعينين بمرسوم للإحالة على التحقيق فما هي القيود التي أحاط بها تلك السلطة وأين النص القانوني الذي يخول له إيقاف المرتب ؟
وهل من المقبول عقلاً أن نقول بأن المشرع الذي قيد سلطة الرئيس هذه بالنسبة للموظفين المعينين بقرار وزاري قد تركها بغير قيود أو حدود بالنسبة لكبار الموظفين المعينين بمرسوم مع أن المشرع جرى دائمًا على عكس ذلك إذ كان دوامًا (كما قدمنا) يكفل لهؤلاء ضمانات وامتيازات أكثر مما قرر لأولئك ؟؟
وهل مما يتلاءم مع روح التشريع أن نقول بأن المشرع الذي حرم الوزير حتى سلطة توجيه (إنذار) إلى كبار الموظفين المعينين بمرسوم ؟؟
وحتى سلطة النقل (إذ يشترط صدور مرسوم) نقول هل من المخول أن نسلم بأن هذا المشرع يمنح الوزير سلطة الإيقاف ومع إيقاف المرتب أيضًا ؟!
ثم أن ثمة مبدأ نلاحظ أن المشرع لدينا قد جرى دائمًا عليه فيما يتعلق بتأديب الموظفين: ذلك أنه لم يمنح مطلقًا حق الإيقاف (قبل المحاكمة التأديبية) إلا للرؤساء [(23)] الذين سبق أن منحهم سلطة توقيع بعض جزاءات تأديبية على الموظفين.
ومن الثابت أن المشرع لم يمنح للرؤساء (سواء كان من رؤساء المصالح أو الوزراء) سلطة توقيع أي جزاء تأديبي على كبار الموظفين المعينين بمرسوم، فإذا سلمنا بالرأي القائل بمنح الوزير سلطة الإيقاف (قبل المحاكمة التأديبية) فكيف إذا يمكن تفسير سر خروج المشرع على ذلك المبدأ ؟
كلمة ختامية:
يتبين مما تقدم أن الوزير - طبقًا للتشريع المصري القائم وطبقًا للمبادئ العامة للقانون العام - لا يملك سلطة إيقاف كبار الموظفين المعينين بمرسوم [(24)] للإحالة على التحقيق أو حتى للإحالة إلى المحكمة العليا التأديبية، فمثل هذا القرار (قرار الإيقاف) هو قرار باطل فهو معيب بعلة (تجاوز الاختصاص) (Juridiction) إذ لا يستند مصدره إلى نص قانوني يعطيه اختصاص إصداره ونرى الآن لزامًا علينا أن نذكر كلمة عما نراه من نقص التشريع لدينا بهذا الصدد.
مما لا موضع للجدل فيه أن التحقيق الإداري (أو المحاكمة التأديبية) قد يستلزم أحيانًا إبعاد الموظف مؤقتًا عن دائرة عمله، ولا ريب أن التشريع القائم الآن يعوزه بهذا الصدد بعض الإصلاح.
ولكن هذا الإصلاح لا يمكن أن يكون بإعطاء الوزير سلطة الإيقاف (كما يجري عليه العمل لدينا) أثناء التحقيق بل وبعد تمامه ولمدة غير محدودة.
إنه لا يجوز بحال أن يعامل الموظف الذي تنسب إليه تهمة ما معاملة المذنب قبل صدور قرار السلطة التأديبية بالإدانة، أن إيقاف الموظف عن العمل (مع إيقاف المرتب عنه) قبل صدور قرار الإدانة هو إجراء لا تبرره العدالة ولا صالح العمل ذاته لأنه مما يتطلبه حسن سير الأعمال الحكومية إنما هو بث روح الطمأنينة والشعور بالاستقرار في نفوس الموظفين [(25)] - ومما يحقق نشر تلك الروح أن نعمد إلى إيقاف الموظف لمجرد الإحالة على التحقيق - فقرار الإيقاف رغم أنه (إيقاف مؤقت) له صيغة تأديبية خطيرة فالموظف الموقوف (نظرًا لإيقاف راتبه لمدة غير محدودة) هو أسوأ - لا شك - حالاً ممن يوقع عليه جزاء الإنذار بل وجزاء الحرمان من المرتب لمدة 15 يومًا بل هو من بعض الوجوه أسوأ حالاً من الموظف المحال على الاستيداع أو على المعاش لأنه في هاتين الحالتين الأخيرتين يتقاضى جزءًا من راتبه (خلافًا للموظف أثناء مدة الإيقاف)، ولأنه (أي الموظف الموقوف) بحكم أنه لا يزال يعتبر موظفًا فهو لا يستطيع أن يزاول مهنة أو عملاً آخر للقيام بنفقة معيشته (وذلك خلافًا للموظف المحال على الاستيداع أو المعاش).
مما تقدم يتبين أن مثل هذا الإيقاف هو إجراء استبدادي ظالم لا يتفق مع ما تمليه أبسط مبادئ العدالة أو الإنسانية ولا مع ما يقضي به حسن سير الأعمال في المصالح الحكومية.
فإذا كان التحقيق (أو المحاكم التأديبية) - كما ذكرنا – يتطلب إبعاد الموظف مؤقتًا عن دائرة عمله فيمكن أن يحقق ذلك الغرض بنقل الموظف مؤقتًا (إذا أمكن ذلك دون ضرر بالموظف وبالعمل الحكومي ذاته)، وإلا فليُمنح إجازة وإذا كان نظام الإجازات لا يسمح للموظف إلا بمدة محدودة لا تفي بما تتطلبه إجراءات التحقيق أو المحاكمة التأديبية فإننا نقترح تعديل النظام الخاص بالإجازات، سيعترض علينا ولكن كيف يتقاضى الموظف مرتبًا وهو لا يقوم بعمل من أعمال وظيفته التي يستحق من أجلها مرتبه ؟ وردًا على ذلك ندلي بما يأتي:
1 - أن نظام الإجازات نفسه ينقض هذا الاعتراض لأنه يسمح للموظف بإجازة لمدة غير قصيرة يمكن أن تمتد إلى أكثر من أربعة شهور (إذا كانت إجازة خارج القطر وصحبتها إجازة مرضية) فالموظف هنا لا يقوم بعمل ما مع أنه يتقاضى مرتبه كاملاً، ثم أنه طبقًا للنظام المتبع الآن يستولي الموظف الموقوف على جميع مرتبه أثناء مدة الإيقاف بعد صدور القرار التأديبي بالبراءة مع أنه لم يقم بعمل ما.
2 - في فرنسا كان دكريتو 22 مارس سنة 1926 المادة (40) يجيز الإيقاف لمدة ثلاثة شهور أخرى إذا كان التحقيق لم ينته [(26)].
3 - في بعض البلاد التي قررت فيها الخدمة العسكرية الإجبارية يتقاضى الموظف راتبه كاملاً أثناء تأدية الخدمة العسكرية مع أنه لا يقوم بأداء أعمال وظيفته [(27)].
4 - أن الموظف ليس (أجيرًا باليومية) لا يراعي في أمر تقدير أجره إلا اعتبار واحد وهو أداء العمل اليومي ومن الناحية القانونية فليست العلاقة التي تربط الموظف بالحكومة بعلاقة (مركز تعاقدي) تطبق عليها أحكام القانون الخاص (كما لو كان عقد إجارة أشخاص أو عقد وكالة)، فلا تعتبر العلاقة قد نشأت إلا لصالح الطرفين المتعاقدين، إنما العلاقة التي تربط الموظف بالحكومة (كما هو مقرر لدى فقهاء القانون العام ولدى القضاء الفرنسي والمصري) هي علاقة (مركز قانوني أو نظامي) خاضعة لأحكام القانون العام ويترتب على ذلك اعتبار أن هذه العلاقة لم تنشأ لصالح طرفين متعاقدين إنما هي لم تنشأ إلا لخدمة الصالح العام وأن كل ما تقرر للموظف من حقوق لم يقصد منها تقرير حقوق شخصية للموظف (وأن له فيها حقًا مكتسبًا) وإنما أريد بها تمكين الموظف من العمل في الجو الذي يتفق والصالح العام.
وإنا لنعتقد أن الاعتبارات التي سبق أن بيناها تثبت أن الرأي الذي نشير به هو الذي يتفق مع كرامة الوظيفة وصالح العمل أي الصالح العام كما أنه يقضي على مظاهر العسف والاستبداد التي نشاهدها أحيانًا لدى الرؤساء أو الوزراء الذين يسيئون استعمال سلطة الإيقاف.
الدكتور عبد الحميد متولي
أستاذ القانون الإداري والدستوري
بمدرسة البوليس



[(1)] (…أما في الأحوال المستعجلة فيسوغ لرؤساء المصالح أن يمنعوا المستخدمين مؤقتًا عن العمل بشرط أن يعرضوا عن ذلك حالاً لمجلس الإدارة (مجلس التأديب)، ولكن بمراجعة النص الفرنسي (وهو الأصل) للمادة يتضح لنا أن المقصود هو المعنى الذي بيناه في أعلاه.
وذلك هو النص الوحيد لدينا بهذا الصدد، على أن هنالك بعض طوائف من الموظفين لهم أنظمة خاصة للتأديب (كرجال الجامعة أو الجيش أو القضاء) وسوف نعرض لها بالقدر الذي يعنينا في هذا البحث.
[(2)] انظر المادة الخامسة من الأمر العالي الصادر في 18 مارس سنة 1895 بشأن العمد والمشايخ حيث تنص المادة الخامسة على أن للمدير حق إيقاف العمد والمشايخ أثناء التحقيق بشرط ألا تزيد مدة الإيقاف عن ثلاثة شهور.
[(3)] انظر مجلة القانون العام Revue de Droit Public et de la Science Politique لسنة 1937 صفحة 665، وما يليها وعلى الخصوص صفحة 675 حيث تجد حكمًا حديثًا لمجلس الدولة بتاريخ 27 مارس سنة 1936 في قضية Bonny وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم ما نصه:

La procédure est stricte. Le chef de service excède les limites de son pouvoir disciplinaire, s’il n’observe pas scrupuleusement cette procédure les éléments de la procédure constituent autant de garanties pour le fonctionnaire. Ne pas observer une formalité, c’est priver le fonctionnaire d’une garantie. La sanction est la nullité de la decision disciplinairé.

[(4)] وليلاحظ أن ضمانات الموظفين لم يراعَ في تقريرها صالح الموظفين بمقدار ما روعي صالح العمل ذاته أي الصالح العام ويعرف الفقهاء الفرنسيون (نظام الموظفين Statut des fonctionnaire بأنه عبارة عن ضمانات الموظفين، راجع مثلاً كتاب العلامة هو ريو في كتابه Précis de Droit Administratif طبعة 1925 صـ 272 حيث يقول ما نصه:

Tous les fonctionnaires ont un statut, c’est - à - dire des garanties de stabilité contre l’arbitraire gouvernemental.

[(5)] حكم محكمة الاستئناف الأهلية بمصر دوائر مجتمعة أول مارس سنة 1928 وزارة الحقانية ضد سليمان بك عزت عدد 5 صفحة 107 المجموعة الرسمية السنة التاسعة والعشرون سنة 1928، محكمة الاستئناف الأهلية بمصر في 22/ 2/ 1932 عدد 9 صفحة 114 السنة الثالثة الجريدة القضائية.
[(6)] تبين لنا ذلك بجلاء من مراجعة الأعمال التحضيرية السابقة لذلك التشريع - راجع قاموس القضاء والإدارة للأستاذ جلاد الجزء الثالث صفحة 281 حيث ورد فيه تقرير مرفوع للخديوي من شريف باشا رئيس مجلس النظار بطلب تشكيل قومسيون مكلف بتحضير القوانين المتعلقة بشروط قبول الموظفين الملكيين وترقيتهم ورفتهم في 20 أكتوبر سنة 1881:
(إن حالة المستخدمين الملكية تستحق التفات الحكومة إليها فإنه ينبغي أن توضع قوانين بعد مطالعة أحكامها وإمعان النظر فيها بغاية الدقة ومزيد الاعتناء تبين فيها الشروط التي يلزم مراعاتها في قبول المستخدمين من أي رتبة كانوا وترقيتهم ليكونوا آمنين مما عساه أن يحصل في أي وقت من الإجراءات الاستبدادية……… إلخ).
وكذلك تجد في صفحة 287 صورة المذكرة الإيضاحية لذلك التشريع (أي للأمر العالي الصادر في 11 إبريل سنة 1883) وقد ورد فيها ما يلي:
(بما أنه من أقصى آمالنا أن كل مستخدم يتمتع بثمرات خدمته ما دام سالكًا فيها مسلك الصدق والاستقامة…، ومن المعلوم أن المستخدم إن لم يكن آمنًا من خطرات التقصد واثقًا بما يؤيد له الانتفاع بالحقوق التي يكتسبها من الخدمة لم يزل مضطرب الفكر مشغول البال فيما يؤول إليه حاله… أما إذا كان متيقنًا بحفظ مركزه عالمًا باستحصاله على الترقي متثبتًا من عدم حرمانه مما توجبه له حقوق خدمته فبالطبع لا يألو جهدًا التشبث لإمكان الحصول على ما يحسن به أمره حالاً واستقبالاً بواسطة القيام بإيفاء واجبات الخدمة كما ينبغي ومع كون هذه اللائحة تعود بالفوائد الجمة على المستخدمين لأنها تضمن لهم حقوقهم في خدمتهم السابقة وتتكفل لهم بالأمن والوثوق ببقائهم في الخدمة والترقي وعدم تسلط كبار الموظفين على الأصاغر بالرفت والمعاملة السيئة بغير وجه قانوني… إلخ).
نقول: (ولو أن هذا الإيقاف يصدر كأمر تحفظي إلا أنه نظرًا لأنه يتضمن إيقاف المرتب قد أصبحت له صيغة تأديبية خطيرة وهو لا شك أشد وقعًا على الموظف من بعض الجزاءات الأخرى كالإنذار وقع المرتب لمدة 15 يومًا حتى أن المشرع ذكر مدة ذلك الإيقاف في عداد الجزاءات انظر قانون العمد إذ تنص المادة الخامسة من الأمر العالي الصادر سنة 1895 على الجزاءات التي توقع على العمد والمشايخ هي الآتية: الإنذار… والإيقاف أثناء التحقيق… إلخ).
[(7)] اللهم إلا إذا استثنينا نظام تأديب العمد.
[(8)] ويلاحظ أن رجال القضاء لا يجوز إيقافهم عند الإحالة إلى المحاكم التأديبية.
[(9)] تلك اللفظة (محال) أو (المحال) تكاد تدل على أن الإحالة على مجلس التأديب يجب أن تكون سابقة على قرار الإيقاف وليست فقط مصاحبة له.
[(10)] يجب أن يكون معلومًا أن ما يسمى (بقانون المصلحة المالية) ليس قانونًا بالمعنى الصحيح وذلك برغم أنه يشبه القوانين المقننة كقانون العقوبات والقانون المدني في أنه عبارة عن متن واحد لتشمل أحكام في مواد متسلسلة قد رتبت نصوصه ترتيبًا وبوبت أجزاؤه تبويبًا (فقانون المصلحة المالية) هذا (يطلق عليه أحيانًا القانون المالي) هو في الواقع عبارة عن مجموعة ضمت بعضًا من الأوامر العالية واللوائح ومنشورات وزارة المالية وفتاوى اللجنة المالية وغيرها، لذلك كانت تسمية هذه المجموعة بقانون تسمية خاطئة معيبة يجدر بولاة الأمور النظر في أمر تغييرها لا سيما أنه لا يوجد هناك ما يُسمى بالمصلحة المالية.
[(11)] تنص المادة (2) من ذلك الدكريتو على ما يأتي:
(يسوغ إحالة كل موظف على المحكمة العليا التأديبية لأمور تتعلق بتأدية وظيفته وذلك بناءً على طلب ناظر الديوان التابع له الموظف).
وتنص المادة (5) على ما يأتي:
(تنظر المحكمة العليا التأديبية في الدعوى بناءً على طلب مبين فيه أسبابها يقدم من ناظر الديوان المختصة بذلك لناظر الحقانية بصفة كونه رئيسًا للمحكمة المذكورة أما إذا كان الموظف تابعًا لنظارة الحقانية فيكون تقديم الطلب إلى مجلس النظار وهو يعين الناظر الذي يقوم مقام ناظر الحقانية في رئاسة المحكمة التأديبية العليا).
[(12)] وتحت سلطان تلك الروح أيضًا (ولبعض الظروف السياسية) صدر مرسوم في 22 سبتمبر سنة 1930 يقرر بأن الموظفين المعينين بمرسوم يكون عزلهم بمرسوم لا بمجرد قرار من مجلس الوزراء كما هو شأن الموظفين المعينين بقرار وزاري.
[(13)] وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم (68) بإنشاء محكمة نقض وإبرام الصادر في 2 مايو سنة 1921 ما نصه (ومع أن بعض الشرائع يجيز إيقاف القاضي المحال على مجلس التأديب فقد رأى عدم اتباع ذلك اكتفاءً بما يتسنى للوزارة من تصرف إداري في شأنه حتى يعرض الأمر على مجلس التأديب فيقرر ما يراه من الإجراءات).
[(14)] نص ذلك الأمر العالي (بجواز مسؤولية النظار (الوزراء) أو رؤساء المصالح وكبار المأمورين لدى محكمة عليا إدارية)، وذلك في الأحوال الآتية:
(إذا أمر أحد النظار (الوزراء) ورؤساء المصالح وغيرهم من كبار المأمورين (كبار الموظفين):
1 - بصرف مبلغ من مصروفات أذنوا بها خارجًا عن الاعتمادات المقررة.
2 - أو أجرى تحويل مبلغ من فصول إلى أخرى في الميزانية قبل أن يصدق مجلس نظارنا على تحويلها.
3 - أو اتخذ إجراءات مخالفة للقوانين واللوائح المتبعة) مادة (1)، وتشكل هذه المحكمة (تحت رئاسة رئيس مجلس النظار…….، ويكون أعضاؤها النظار الذين لا دخل لهم في الدعوى والمستشار المالي ومستشار خديوي مادة (2)، وتنظر المحكمة في الدعوى بناءً على طلب مجلس النظار ويبقى الناظر أو رئيس المصلحة أو المأمور المقامة عليه الدعوى موقوفًا عن وظيفته في ذلك الحين مادة (3).
[(15)] انظر في ذلك كتابنا (القانون الإداري المصري) الجزء الأول (طبعة 1938) صفحة 182 حيث ذكرنا ما نصه (نرى أنه بعد إنشاء النظام الدستوري للدولة لم تعد هنالك حاجة إلى هذه المحكمة بالنسبة للوزراء إذ أن الأعمال التي يسألون من أجلها أمام هذه المحكمة تدخل في نطاق الأعمال التي يسألون عنها مسؤولية سياسية أمام مجلس النواب وكذا الجزاءات التي تحكم بها المحكمة (اللوم أو الرفت) هي كذلك من نتائج تلك المسؤولية السياسية).
ونضيف هنا أن الأعمال التي كان يسأل عنها كبار الموظفين أمام تلك (المحكمة الإدارية) أصبحت من اختصاص (المحكمة العليا التأديبية) التي تحاكم الموظف (لأمور تتعلق بتأدية الوظيفة) مادة (2).
[(16)] علمنا من قلم المحفوظات برئاسة مجلس الوزراء أن تلك المحكمة الإدارية العليا لم يحدث منذ إنشائها (عام 1887) أن عقدت ولو مرة واحدة حتى اليوم.
[(17)] إذ تنص المادة بأن (كل مستخدم يرتكب ذنبًا) ففي العصر الذي وضعت فيه تلك المادة سنة 1895 كان المشرع يستعمل عادةً لفظة (المستخدم) للدلالة على الموظفين المعينين بقرار وزاري ولم يحدث مطلقًا أن قصد بها كبار الموظفين المعينين بمرسوم فقد كان يشير إلي هؤلاء بلفظة (الموظف).
ويكفي لإثبات ذلك الرجوع إلى نصوص الأوامر العالية الصادرة في 10 إبريل سنة 1883 وفي 24 مايو سنة 1885 وهي خاصة بالمستخدمين (الموظفين المعينين بقرار وزاري)، وإلى نصوص الأمرين العاليين الصادرين في 19 فبراير سنة 1887 وفي 24 ديسمبر سنة 1888، وقانون رقم (7) لسنة 1906 وهي خاصة بالموظفين المعينين بمرسوم.
[(18)] للوزير بصفته الرئيس الإداري الأعلى في وزارته هذه السلطة الرئاسية وبمقتضى هذه السلطة للوزير الحق في توزيع الأعمال بين مرؤوسيه من الموظفين (وذلك طبعًا مع مراعاة القوانين واللوائح)، ولهم رقابة أعمالهم وتصرفاتهم فله الحق أن يطلب منهم إلغاء الأوامر الصادرة منهم كما له حق تعديل أو إيقاف أو إلغاء القرارات أو الأوامر الصادرة منهم حتى ولو لم تكن مخالفة للقانون (على أن المشرع يستثني أحيانًا بعض الأعمال من تلك السلطة (راجع مؤلف الأستاذ جيز Cours de droid public (طبعة 1924) صفحة 111، 112 وكذلك مؤلف الأستاذ جورج رينار Cours de droit public (طبعة 1922) صفحة 248.
[(19)] تنص المادة (44) من الدستور المصري على أن (الملك يولي ويعزل الموظفين على الوجه المبين بالقوانين)، ولا يجوز فيما نرى (كما هو الشأن في تفسير النص المقابل لهذا في الدستور الفرنسي) أن يفسر هذا النص تفسيرًا حرفيًا فنقول بأن الدستور إنما يمنح سلطة التعيين والعزل لرئيس السلطة التنفيذية فقط وأن ليس للسلطة التشريعية إلا أن تقرر الشروط والقيود التي يجب عليه مراعاتها ولكن ليس لها (أي للسلطة التشريعية) أن تمنح هذا الاختصاص لشخص آخر (للوزير مثلاً) أو لأية هيئة أخرى، إنما يجب أن تفسر هذه المادة في ضوء التقاليد التي سار عليها المشرع المصري وفي ضوء التفسير الذي أجمع عليه الفقه الفرنسي في تفسير المادة المقابلة في الدستور الفرنسي فتقول بأن هذه المادة إنما تقرر (اختصاصًا عامًا).
أي أن للملك سلطة تعيين وعزل الموظفين الذين لم تقرر لتعيينهم أو عزلهم طريقة أخرى على أن هذا النص - فيما نرى – رديء الصياغة، وكان من الأوفق أن يقتبس النص المقابل في الدستور البلجيكي مادة (66) إذ تنص على أن (الملك يعين في وظائف الإدارة العامة وفي السلك الخارجي ما عدا الاستثناءات التي تقررها القوانين)، ولكن نرى إضافة (والمراسيم) بعد كلمة القوانين لزيادة التفصيل يراجع كتابنا في (القانون الإداري) صفحة 37 - 41.
[(20)] راجع مؤلف الأستاذ جيز: المبادئ العامة للقانون الإداري (الطبعة الثالثة) الجزء الثالث صفحة 87 وما يتبعها وكذلك مجلة القانون العام وعلم السياسة (الفرنسية) لسنة 1937 صفحة 665 وما بعدها: تعليق على حكم مجلس الدولة في قضية بوني (الصادر في 27 مارس سنة 1936).
[(21)] مجلة القانون العام لسنة 1937 صفحة 666.
[(22)] ضمانات الموظفين (طبعة 1936) رسالة الدكتوراة للأستاذ عباس زكي، وراجع أيضًا دالوز Répertoire Pratique الجزء السادس طبعة 1914، رقم (236) تحت عنوان Fonctionnaires Publics
[(23)] كما هو شأن مدير الجامعة إزاء أعضاء هيئة التدريس بالجامعة (قانون رقم (21) لسنة 1933) وشأن النائب العمومي ووزير الحقانية إزاء أعضاء النيابة (دكريتو 11 يناير سنة 1897)، وشأن المدير ووزير الداخلية إزاء العمد (الأمر العالي الصادر في 16 مارس سنة 1895)، وشأن رئيس المصلحة أو الوزير إزاء الموظفين المعينين بقرار وزاري (وقد سبق الكلام في ذلك).
[(24)] يلاحظ أننا بالإشارة إلى كبار الموظفين المعينين بمرسوم لا نعني تلك الطوائف التي وضع لها المشرع نظامًا تأديبيًا خاصًا كرجال القضاء الأهلي وأعضاء النيابة وإن كان رجال القضاء كما قدمنا، لا يجوز لأية هيئة أن توقفهم عن العمل.
[(25)] فكما يقول العلامة هو ريوفي كتابه Précis élémentaire de droit Administratif طبعة سنة 1925 صـ 278 أن أول ما يعوز الموظفين إنما هو استقرار مراكزهم، وفي صـ 272 يقول ما نصه:

Tous les fonctionnaires ont un statut, c’est à - dire - des garanties de stabilité contre l’arbitraire gouvernmental.

[(26)] مجلة القانون العام (السابق الإشارة إليها) عدد 1937 صفحة 666.
[(27)] من تقرير الدكتور ليمجروبر Leimgruber نائب رئيس حكومة الاتحاد السويسري إلى مؤتمر العلوم الإدارية المنعقد في فينا من 19 - 24 يونيه سنة 1933 صفحة 18.

سلطة الوزير في إيقاف الموظفين للإحالة على التحقيق الإداري

مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة التاسعة عشرة سنة 1939

بحث في سلطة الوزير في إيقاف الموظفين للإحالة على التحقيق الإداري

هل يملك الوزير حق إيقاف الموظف لإحالته على التحقيق ؟
جرى العمل لدينا أحيانًا على ذلك، وهو فيما نرى أمر مخالف للقانون، لقد فرق التشريع الإداري لدينا بين حالتي كبار الموظفين المعينين بمرسوم وغيرهم من الموظفين المعينين بقرار وزاري.
ففيما يتعلق بالموظفين المعينين بقرار وزاري قضى الأمر العالي الصادر في 10 إبريل سنة 1883 بلائحة المستخدمين الملكيين بأن لرئيس المصلحة أو الوزير في الأحوال المستعجلة حق إيقاف الموظف بشرط تقديمه حالاً إلى مجلس التأديب المادة (8) الفقرة الأخيرة [(1)].
يتبين من تلك المادة أن الوزير لا يملك سلطة الإيقاف إلا بشرط الإحالة على مجلس التأديب، فإذا نحن فسرنا ذلك النص على وجه يبيح له حق الإيقاف من أجل التحقيق الذي لا يمكن أن تعرف (حين صدور قرار الإيقاف) مدته بالدقة ولا عما إذا كان سينتهي أمر ذلك التحقيق بالحفظ أو بتوقيع جزاء من الجزاءات البسيطة الداخلة في حدود سلطة الوزير نفسه، أو سينتهي بالإحالة على مجلس التأديب فإنه لمن البين أن ذلك التفسير فيه مخالفة ظاهرة لنص المادة (8) المشار إليها أو هو على الأقل - فيه أخذ بالتوسع في تفسيرها من حيث يجب التضييق في التفسير - فالمادة الثامنة تشترط لصحة قرار الإيقاف شرطين:
الأول: الإحالة على مجلس التأديب.
الثاني: أن تتم الإحالة فورًا أي في مدة قصيرة معقولة.
فالمشرع حين يريد أن يمنح السلطة الإدارية حق الإيقاف لمجرد الإحالة على التحقيق فهو ينص على ذلك صراحةً كما فعل بشأن العمد [(2)].
ومما تقضي به المبادئ العامة أن النصوص المتعلقة بالسلطة التأديبية لا يجوز التوسع في تفسيرها كما أن من الواجب اتباع الإجراءات والأوضاع الشكلية اتباعًا دقيقًا [(3)]، لأن تلك الأوضاع الشكلية إنما قررها المشرع على أنها ضمانة من ضمانات الموظفين إزاء السلطة التأديبية [(4)]، وتقضي المحاكم لدينا باختصاصها طبقًا للمادة (15) من لائحة الترتيب في كافة الدعاوى التي ترفع على الحكومة بطلب تضمينات ناشئة عن إجراءات إدارية تقع مخالفة للقوانين أو الأوامر العالية إذا كانت المخالفة متعلقة بالشكل والأوضاع [(5)].
ذكرنا أن ذلك التفسير (الذي يذهب إليه الرأي القائل بحق الوزير في الإيقاف للتحقيق) مخالف للمادة (8) نصًا وفضلاً عن ذلك فهو مخالف مخالفة خطيرة لروح التشريع إذ يفتح الباب فتحًا مشينًا أمام تعسف الرؤساء (والوزراء) من حيث لم يوضع ذلك التشريع لسنة 1883 إلا لوضع حد لذلك العسف فلو أننا سلمنا للرؤساء بسلطة الإيقاف لمجرد التحقيق دون تحديد مدة الإيقاف تحديدًا دقيقًا وأمدًا قصيرًا بل تركنا أمر تحديد المدة موكولاً لتقديرهم أصبح الموظفون عرضة لإجراءات تعسفية استبدادية تجري باسم (الإيقاف للتحقيق) هذا هو عين ما يشاهد فعلاً حين يجري العمل طبقًا لذلك التفسير الخاطئ أي حين يقرر الوزير إيقاف الموظف لمجرد الإحالة على التحقيق.
ولم يوضع تشريع سنة 1883 كما ذكرنا إلا لوضع ضمانات لحماية الموظف من الإجراءات الاستبدادية التي كان يعانيها قديمًا [(6)].
وأن سلطة إيقاف الموظفين (قبل المحاكمة التأديبية) هي سلطة خطيرة لأنها فضلاً عما تصيب به الموظفين الموقوفين أدبيًا في سمعتهم فهي كذلك تصيبهم ماديًا في إيقاف مرتباتهم ولذلك كان من الطبيعي أن تشريع سنة 1883 لا يدع هذه السلطة للرؤساء دون أن يضع لها قيدًا يحول دون عسفهم فلذلك حتم المشروع على الرؤساء ألا يصدروا أمر الإيقاف إلا مع الإحالة على هيئة أخرى (مجلس التأديب)، وبذلك لا تكون المدة اللازمة للتحقيق خاضعة لأهواء الرؤساء.
ثم إن مجلس التأديب حين يرى أن إجراءات المحاكمة التأديبية من شأنها أن تطول كثيرًا في حين أن التهمة المسندة للموظف الموقوف (الذي أحيل إلى المجلس) لا تستوجب إلا توقيع جزاء من الجزاءات البسيطة (الإنذار أو قطع المرتب لغاية 15 يومًا) أو هي لا تستوجب أكثر من جزاء الإيقاف مع الحرمان من المرتب لمدة ثلاثة شهور في أنه مضت على إيقاف الموظف (وحرمانه من المرتب) أكثر من تلك المدة فإن مجلس التأديب له الحق في تلك الأحوال أن يقرر عدم إيقاف المرتب للمدة الباقية أثناء المحاكمة التأديبية وذلك بناءً على نص المادة الثامنة السابق الإشارة إليها بالفقرة الأخيرة إذ تنص على ما يأتي:
(يترتب على توقيف المستخدم عن العمل حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس الإدارة (مجلس التأديب) غير ذلك).
هذا فضلاً عن أن للمجلس بلا ريب الحق في أن يطلب من الوزير إلغاء قرار الإيقاف المؤقت حين يرى أن المحاكمة التأديبية لم تعد تستلزم ذلك.
لما تقدم نلاحظ أن المشرع - في الأنظمة التأديبية الخاصة بطوائف معينة من الموظفين [(7)] – حينما يخول للرؤساء حق إيقاف الموظف (قبل المحاكمة التأديبية) نجده يشترط دائمًا أن يكون قرار الإيقاف صادرًا للإحالة على مجلس التأديب (لا على التحقيق)، ونجد المشرع يأتي في ذلك بعبارات لا تدع مجالاً للشك في نية ذلك هو شأن التشريع الخاص بنظام تأديب رجال الجامعة ونظام تأديب رجال النيابة [(8)].
ففيما يتعلق بنظام تأديب رجال الجامعة فقد نصت المادة (21) من القانون الصادر في 30 إبريل سنة 1933 رقم (21) على ما يلي:
(… يجوز لمدير الجامعة أن يقف مؤقتًا عن مباشرة العمل أي عضو من أعضاء هيئة التدريس محال [(9)] إلى مجلس تأديب).
وفيما يتعلق بتأديب أعضاء النيابات بالمحاكم الأهلية نص دكريتو 11 يناير سنة 1897 بالمادة (4) على ما يلي:
(يجوز لناظر الحقانية وللنائب العمومي إيقاف عضو النيابة المحال [(9)] على مجلس تأديب إيقافًا مؤقتًا).
وقبل أن ننتقل إلى الكلام عن حالة الموظفين المعينين بمرسوم نرى لزامًا علينا أن نشير إلى ما ورد فيما يسمونه (قانون المصلحة المالية) [(10)] فقد نص في المادة (111) من ذلك القانون طبعة 1932 على ما يأتي:
(كل مستخدم يرتكب ذنبًا يستوجب الرفت يلزم إيقافه عن إشغال وظيفته في الحال وهذا الإيقاف يعلن له كتابةً).
وأننا نلاحظ على هذا النص ما يلي:
أولاً: أنه يعني المستخدم الذي (يرتكب ذنبًا) والموظف عند الإحالة على التحقيق لا يصح اعتباره ارتكب ذنبًا إذ لا يصح ذلك قبل صدور القرار التأديبي بالإدانة.
ثانيًا: إذا فرض إن كان المقصود بهذا النص إنما هو إيقاف الموظف بإحالته على التحقيق وبمجرد إسناد تهمة ما إليه فإن هذا النص يصبح في هذه الحالة نصًا باطلاً لا يجوز الأخذ به لأنه لم يكن نصًا تشريعيًا بالمعنى الصحيح مما هو في الواقع إلا مجرد منشور لوزارة المالية صدر في 22 أغسطس سنة 1895 (وقد ذكر ذلك صراحةً في قانون المصلحة المالية)، ووزير المالية لا اختصاص له في تنظيم طريقة إيقاف موظفي الحكومة وبيان الوقت الذي يجوز فيه ذلك، ولا يجوز فإذا صح لوزير المالية أن يتكلم عن إيقاف المرتب عن الموظف فلا اختصاص له في الكلام عن إيقاف الموظف عن العمل وفرق بين الاثنين ثم أن ذلك المنشور (إذا أخذ بذلك التفسير) يشمل إذا تعديلاً لنص المادة (8) من الأمر الصادر سنة 1883 بلائحة المستخدمين الملكيين (إذ لم تجز تلك المادة الإيقاف للإحالة على مجلس التأديب)، ومن البديهي أن الوزير لا يملك هذا التعديل.
ويجب ملاحظة أن ذلك النص المادة (111) غير خاص بالموظفين المعينين بمرسوم كما سنبين ذلك تفصيلاً فيما بعد.
الموظفون المعينون بمرسوم وحق الإيقاف:
بناءً على أحكام الدكريتو الصادر بإنشاء المحكمة العليا التأديبية (في 24 ديسمبر سنة 1888)، وهو خاص بتأديب كبار الموظفين المعينين بمرسوم للوزير المختص حق إحالة الموظف إلى المحكمة العليا التأديبية [(11)]، ويتبين من أحكام ذلك الدكريتو أن الوزير لا يملك إلا الإحالة على المحكمة العليا التأديبية، فليست له سلطة الإيقاف من أجل مجرد التحقيق أو حتى من أجل الإحالة على تلك الهيئة التأديبية، فلكي يكون للوزير تلك السلطة يجب لذلك نص صريح ولقد خلا التشريع الإداري لدينا من مثل هذا النص.
وتلك إحدى الامتيازات التي اختص بها المشرع كبار الموظفين المعينين بمرسوم دون غيرهم من المعينين بقرار وزاري وذلك في أمر تأديبهم، فكبار الموظفين المعينين بمرسوم (الذين يعينهم دكريتو سنة 1881) غير خاضعين لسلطة الرئيس (أو الوزير) التأديبية (التي تتضمن الإنذار بقطع المرتب لغاية 15 يوم) كما هو شأن الموظفين المعينين بقرار وزاري والهيئة التأديبية التي تحاكم كبار الموظفين (المحكمة العليا التأديبية) يتوفر في أعضائها من ضمانات الاستقلال وكفاية ما لا يتوفر في أعضاء المجالس التأديبية التي تحاكم الموظفين المعينين بقرار وزاري ثم إن القرار الذي تصدره المحكمة العليا التأديبية يجب أن يكون مسببًا (مادة (11) من دكريتو سنة 1889 المشار إليه) ولإمكان صدور الحكم بالعزل من تلك المحكمة العليا اشترطت أغلبية خاصة وهي ثلاثة أرباع أعضاء المحكمة وأن يصدق عليه الملك مادة (9) وجريًا وراء روح التشريع هذه نلاحظ أنه يسمح للموظف بمحامٍ أمام المحكمة العليا التأديبية (مع عدم وجود نص يبيح ذلك)، وهذا بخلاف الحال مع الموظفين المعينين بقرار وزاري [(12)].
مما تقدم يتبين لنا أن حرمان الوزير من حق الإيقاف للإحالة على التحقيق (أو حتى على المحكمة العليا التأديبية) ليس بالأمر الغريب بل هو أثر من الآثار الطبيعية لتلك الروح التي بيناها ولقد قرر المشرع مثل هذا الامتياز لرجال القضاء الأهلي فلم يمنح الوزير ولا أية هيئة أخرى سلطة إيقافهم [(13)].
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن ثمة حالة واحدة ورد فيها في التشريع الإداري ذكر لإيقاف كبار الموظفين المعينين بمرسوم كان ذلك في الأمر العالي الصادر في 19 فبراير سنة 1887 بإنشاء المحكمة العليا الإدارية لتأديب الوزراء وكبار الموظفين [(14)].
المحكمة العليا الإدارية: ولكن سلطة الإيقاف لم تُمنح هنا للوزير من أجل الإحالة على التحقيق، إنما يحدث الإيقاف عند إحالة مجلس الوزراء للموظف أمام تلك المحكمة المادة (3) الفقرة الثانية، والرأي عندي أنه بعد إنشاء المحكمة العليا التأديبية (سنة 1888 وإنشاء النظام الدستوري في البلاد سنة 1923) [(15)].
فقد أصبحت تلك (المحكمة الإدارية العليا) لا وجود لها قانونًا كما أنه لم يكن ثمة لها وجود عملاً [(16)].
ونعتقد أننا بغير حاجة إلى التنبيه بأن المادة (111) [(17)] مما يسمونه (قانون المصلحة المالية) التي تقدم الكلام عنها غير خاصة بكبار الموظفين المعينين بمرسوم إنما هي تعني غيرهم من الموظفين المعينين بقرار وزاري، ويتبين ذلك من أن تلك المادة إنما تتكلم عن (المستخدم) لا (الموظف) ثم إن المادة (115) من القانون المشار إليه نصت بعبارة صريحة على أن أحكام المادة (111)، وغيرها لا تسري على كبار الموظفين المعينين بمرسوم، وفضلاً عن ذلك فإن تلك المادة كما قدمنا يجب عدم تطبيقها لأنها في الواقع عبارة عن منشور لوزارة المالية (في 22 أغسطس سنة 1895) وهو منشور باطل قانونًا لمخالفته لأحكام الأمر العالي الصادر بلائحة المستخدمين سنة 1883.
وإذا كان لا يوجد أي نص قانوني يخول الوزير الحق في الإيقاف فليس ثمة أيضًا أي مبدأ قانوني يمكن أن يستند إليه في ذلك.
فإذا كان الوزير في وزارته هو صاحب السلطة الرئاسية [(18)] فإن السلطة التأديبية (Pouvoir disciplinaire) إنما صاحبها رئيس الدولة الأعلى وذلك لأنه صاحب الولاية العامة في عزل الموظفين (بناءً على ما يقضي به الدستور المصري بالمادة (44) وتقابلها المادة (3) (الفقرة الثالثة) من (القانون الدستوري الفرنسي الصادر في 25 فبراير سنة 1875) [(19)].
وفي ذلك يقول الأستاذ جورج رينار (أستاذ القانون العام بجامعة ننسى في مؤلفه طبعة سنة 1922 Cours de droit public صفحة 248 ما نصه:

Le pouvoir disciplinaire appartient, dans sa plus haute expression, au chef de l’Etat, comme une conséquence de droit de révocation.

وبناءً على ذلك فليس للوزير من حقوق السلطة التأديبية (كما هو شأنه فيما يتعلق بسلطة تعيين الموظفين أو عزلهم) إلا ما تنص عليه القوانين واللوائح (الصادرة من رئيس الدولة الأعلى)، فالسلطة التأديبية التي يخضع لها الموظفون إنما تبين أحكامها وإجراءاتها القوانين واللوائح وعلى الرئيس (الوزير أو رئيس المصلحة) اتباع الإجراءات المنصوص عليها بدقة تامة وإلا كان الأمر الإداري الصادر من الرئيس باطلاً، ذلك هو ما قرره الفقه والقضاء الإداري في فرنسا [(20)].
ثم أن قرار إيقاف الموظف عن عمله لا يتضمن حتمًا إيقاف المرتب عن الموظف فلكي يكون للإيقاف ذلك الأثر يجب لذلك نص قانوني صريح إذ يصح أن يكون إيقاف الموظف غير مصحوب بإيقاف المرتب (كما تقضي بذلك المادة (40) من الدكريتو الصادر في فرنسا في 22 مارس سنة 1926) [(21)] أو يكون مصحوبًا بإيقاف بعض المرتب للجمعيه كما هو الشأن في التشريع الإيطالي حيث يتضمن الإيقاف عن العمل الحرمان من المرتب من نصفه إلى ثلثيه [(22)].
وإذا كان إيقاف المعين بقرار وزاري في مصر يتضمن إيقاف المرتب فذلك راجع إلى وجود نص بذلك (كما قدمنا) ولكن لا يوجد ما يقابل هذا النص فيما يتعلق بكبار الموظفين المعينين بمرسوم فإذا سلمنا جدلاً بأن الوزير في مصر له حق إيقاف الموظفين المعينين بمرسوم للإحالة على التحقيق فما هي القيود التي أحاط بها تلك السلطة وأين النص القانوني الذي يخول له إيقاف المرتب ؟
وهل من المقبول عقلاً أن نقول بأن المشرع الذي قيد سلطة الرئيس هذه بالنسبة للموظفين المعينين بقرار وزاري قد تركها بغير قيود أو حدود بالنسبة لكبار الموظفين المعينين بمرسوم مع أن المشرع جرى دائمًا على عكس ذلك إذ كان دوامًا (كما قدمنا) يكفل لهؤلاء ضمانات وامتيازات أكثر مما قرر لأولئك ؟؟
وهل مما يتلاءم مع روح التشريع أن نقول بأن المشرع الذي حرم الوزير حتى سلطة توجيه (إنذار) إلى كبار الموظفين المعينين بمرسوم ؟؟
وحتى سلطة النقل (إذ يشترط صدور مرسوم) نقول هل من المخول أن نسلم بأن هذا المشرع يمنح الوزير سلطة الإيقاف ومع إيقاف المرتب أيضًا ؟!
ثم أن ثمة مبدأ نلاحظ أن المشرع لدينا قد جرى دائمًا عليه فيما يتعلق بتأديب الموظفين: ذلك أنه لم يمنح مطلقًا حق الإيقاف (قبل المحاكمة التأديبية) إلا للرؤساء [(23)] الذين سبق أن منحهم سلطة توقيع بعض جزاءات تأديبية على الموظفين.
ومن الثابت أن المشرع لم يمنح للرؤساء (سواء كان من رؤساء المصالح أو الوزراء) سلطة توقيع أي جزاء تأديبي على كبار الموظفين المعينين بمرسوم، فإذا سلمنا بالرأي القائل بمنح الوزير سلطة الإيقاف (قبل المحاكمة التأديبية) فكيف إذا يمكن تفسير سر خروج المشرع على ذلك المبدأ ؟
كلمة ختامية:
يتبين مما تقدم أن الوزير - طبقًا للتشريع المصري القائم وطبقًا للمبادئ العامة للقانون العام - لا يملك سلطة إيقاف كبار الموظفين المعينين بمرسوم [(24)] للإحالة على التحقيق أو حتى للإحالة إلى المحكمة العليا التأديبية، فمثل هذا القرار (قرار الإيقاف) هو قرار باطل فهو معيب بعلة (تجاوز الاختصاص) (Juridiction) إذ لا يستند مصدره إلى نص قانوني يعطيه اختصاص إصداره ونرى الآن لزامًا علينا أن نذكر كلمة عما نراه من نقص التشريع لدينا بهذا الصدد.
مما لا موضع للجدل فيه أن التحقيق الإداري (أو المحاكمة التأديبية) قد يستلزم أحيانًا إبعاد الموظف مؤقتًا عن دائرة عمله، ولا ريب أن التشريع القائم الآن يعوزه بهذا الصدد بعض الإصلاح.
ولكن هذا الإصلاح لا يمكن أن يكون بإعطاء الوزير سلطة الإيقاف (كما يجري عليه العمل لدينا) أثناء التحقيق بل وبعد تمامه ولمدة غير محدودة.
إنه لا يجوز بحال أن يعامل الموظف الذي تنسب إليه تهمة ما معاملة المذنب قبل صدور قرار السلطة التأديبية بالإدانة، أن إيقاف الموظف عن العمل (مع إيقاف المرتب عنه) قبل صدور قرار الإدانة هو إجراء لا تبرره العدالة ولا صالح العمل ذاته لأنه مما يتطلبه حسن سير الأعمال الحكومية إنما هو بث روح الطمأنينة والشعور بالاستقرار في نفوس الموظفين [(25)] - ومما يحقق نشر تلك الروح أن نعمد إلى إيقاف الموظف لمجرد الإحالة على التحقيق - فقرار الإيقاف رغم أنه (إيقاف مؤقت) له صيغة تأديبية خطيرة فالموظف الموقوف (نظرًا لإيقاف راتبه لمدة غير محدودة) هو أسوأ - لا شك - حالاً ممن يوقع عليه جزاء الإنذار بل وجزاء الحرمان من المرتب لمدة 15 يومًا بل هو من بعض الوجوه أسوأ حالاً من الموظف المحال على الاستيداع أو على المعاش لأنه في هاتين الحالتين الأخيرتين يتقاضى جزءًا من راتبه (خلافًا للموظف أثناء مدة الإيقاف)، ولأنه (أي الموظف الموقوف) بحكم أنه لا يزال يعتبر موظفًا فهو لا يستطيع أن يزاول مهنة أو عملاً آخر للقيام بنفقة معيشته (وذلك خلافًا للموظف المحال على الاستيداع أو المعاش).
مما تقدم يتبين أن مثل هذا الإيقاف هو إجراء استبدادي ظالم لا يتفق مع ما تمليه أبسط مبادئ العدالة أو الإنسانية ولا مع ما يقضي به حسن سير الأعمال في المصالح الحكومية.
فإذا كان التحقيق (أو المحاكم التأديبية) - كما ذكرنا – يتطلب إبعاد الموظف مؤقتًا عن دائرة عمله فيمكن أن يحقق ذلك الغرض بنقل الموظف مؤقتًا (إذا أمكن ذلك دون ضرر بالموظف وبالعمل الحكومي ذاته)، وإلا فليُمنح إجازة وإذا كان نظام الإجازات لا يسمح للموظف إلا بمدة محدودة لا تفي بما تتطلبه إجراءات التحقيق أو المحاكمة التأديبية فإننا نقترح تعديل النظام الخاص بالإجازات، سيعترض علينا ولكن كيف يتقاضى الموظف مرتبًا وهو لا يقوم بعمل من أعمال وظيفته التي يستحق من أجلها مرتبه ؟ وردًا على ذلك ندلي بما يأتي:
1 - أن نظام الإجازات نفسه ينقض هذا الاعتراض لأنه يسمح للموظف بإجازة لمدة غير قصيرة يمكن أن تمتد إلى أكثر من أربعة شهور (إذا كانت إجازة خارج القطر وصحبتها إجازة مرضية) فالموظف هنا لا يقوم بعمل ما مع أنه يتقاضى مرتبه كاملاً، ثم أنه طبقًا للنظام المتبع الآن يستولي الموظف الموقوف على جميع مرتبه أثناء مدة الإيقاف بعد صدور القرار التأديبي بالبراءة مع أنه لم يقم بعمل ما.
2 - في فرنسا كان دكريتو 22 مارس سنة 1926 المادة (40) يجيز الإيقاف لمدة ثلاثة شهور أخرى إذا كان التحقيق لم ينته [(26)].
3 - في بعض البلاد التي قررت فيها الخدمة العسكرية الإجبارية يتقاضى الموظف راتبه كاملاً أثناء تأدية الخدمة العسكرية مع أنه لا يقوم بأداء أعمال وظيفته [(27)].
4 - أن الموظف ليس (أجيرًا باليومية) لا يراعي في أمر تقدير أجره إلا اعتبار واحد وهو أداء العمل اليومي ومن الناحية القانونية فليست العلاقة التي تربط الموظف بالحكومة بعلاقة (مركز تعاقدي) تطبق عليها أحكام القانون الخاص (كما لو كان عقد إجارة أشخاص أو عقد وكالة)، فلا تعتبر العلاقة قد نشأت إلا لصالح الطرفين المتعاقدين، إنما العلاقة التي تربط الموظف بالحكومة (كما هو مقرر لدى فقهاء القانون العام ولدى القضاء الفرنسي والمصري) هي علاقة (مركز قانوني أو نظامي) خاضعة لأحكام القانون العام ويترتب على ذلك اعتبار أن هذه العلاقة لم تنشأ لصالح طرفين متعاقدين إنما هي لم تنشأ إلا لخدمة الصالح العام وأن كل ما تقرر للموظف من حقوق لم يقصد منها تقرير حقوق شخصية للموظف (وأن له فيها حقًا مكتسبًا) وإنما أريد بها تمكين الموظف من العمل في الجو الذي يتفق والصالح العام.
وإنا لنعتقد أن الاعتبارات التي سبق أن بيناها تثبت أن الرأي الذي نشير به هو الذي يتفق مع كرامة الوظيفة وصالح العمل أي الصالح العام كما أنه يقضي على مظاهر العسف والاستبداد التي نشاهدها أحيانًا لدى الرؤساء أو الوزراء الذين يسيئون استعمال سلطة الإيقاف.
الدكتور عبد الحميد متولي
أستاذ القانون الإداري والدستوري
بمدرسة البوليس



[(1)] (…أما في الأحوال المستعجلة فيسوغ لرؤساء المصالح أن يمنعوا المستخدمين مؤقتًا عن العمل بشرط أن يعرضوا عن ذلك حالاً لمجلس الإدارة (مجلس التأديب)، ولكن بمراجعة النص الفرنسي (وهو الأصل) للمادة يتضح لنا أن المقصود هو المعنى الذي بيناه في أعلاه.
وذلك هو النص الوحيد لدينا بهذا الصدد، على أن هنالك بعض طوائف من الموظفين لهم أنظمة خاصة للتأديب (كرجال الجامعة أو الجيش أو القضاء) وسوف نعرض لها بالقدر الذي يعنينا في هذا البحث.
[(2)] انظر المادة الخامسة من الأمر العالي الصادر في 18 مارس سنة 1895 بشأن العمد والمشايخ حيث تنص المادة الخامسة على أن للمدير حق إيقاف العمد والمشايخ أثناء التحقيق بشرط ألا تزيد مدة الإيقاف عن ثلاثة شهور.
[(3)] انظر مجلة القانون العام Revue de Droit Public et de la Science Politique لسنة 1937 صفحة 665، وما يليها وعلى الخصوص صفحة 675 حيث تجد حكمًا حديثًا لمجلس الدولة بتاريخ 27 مارس سنة 1936 في قضية Bonny وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم ما نصه:

La procédure est stricte. Le chef de service excède les limites de son pouvoir disciplinaire, s’il n’observe pas scrupuleusement cette procédure les éléments de la procédure constituent autant de garanties pour le fonctionnaire. Ne pas observer une formalité, c’est priver le fonctionnaire d’une garantie. La sanction est la nullité de la decision disciplinairé.

[(4)] وليلاحظ أن ضمانات الموظفين لم يراعَ في تقريرها صالح الموظفين بمقدار ما روعي صالح العمل ذاته أي الصالح العام ويعرف الفقهاء الفرنسيون (نظام الموظفين Statut des fonctionnaire بأنه عبارة عن ضمانات الموظفين، راجع مثلاً كتاب العلامة هو ريو في كتابه Précis de Droit Administratif طبعة 1925 صـ 272 حيث يقول ما نصه:

Tous les fonctionnaires ont un statut, c’est - à - dire des garanties de stabilité contre l’arbitraire gouvernemental.

[(5)] حكم محكمة الاستئناف الأهلية بمصر دوائر مجتمعة أول مارس سنة 1928 وزارة الحقانية ضد سليمان بك عزت عدد 5 صفحة 107 المجموعة الرسمية السنة التاسعة والعشرون سنة 1928، محكمة الاستئناف الأهلية بمصر في 22/ 2/ 1932 عدد 9 صفحة 114 السنة الثالثة الجريدة القضائية.
[(6)] تبين لنا ذلك بجلاء من مراجعة الأعمال التحضيرية السابقة لذلك التشريع - راجع قاموس القضاء والإدارة للأستاذ جلاد الجزء الثالث صفحة 281 حيث ورد فيه تقرير مرفوع للخديوي من شريف باشا رئيس مجلس النظار بطلب تشكيل قومسيون مكلف بتحضير القوانين المتعلقة بشروط قبول الموظفين الملكيين وترقيتهم ورفتهم في 20 أكتوبر سنة 1881:
(إن حالة المستخدمين الملكية تستحق التفات الحكومة إليها فإنه ينبغي أن توضع قوانين بعد مطالعة أحكامها وإمعان النظر فيها بغاية الدقة ومزيد الاعتناء تبين فيها الشروط التي يلزم مراعاتها في قبول المستخدمين من أي رتبة كانوا وترقيتهم ليكونوا آمنين مما عساه أن يحصل في أي وقت من الإجراءات الاستبدادية……… إلخ).
وكذلك تجد في صفحة 287 صورة المذكرة الإيضاحية لذلك التشريع (أي للأمر العالي الصادر في 11 إبريل سنة 1883) وقد ورد فيها ما يلي:
(بما أنه من أقصى آمالنا أن كل مستخدم يتمتع بثمرات خدمته ما دام سالكًا فيها مسلك الصدق والاستقامة…، ومن المعلوم أن المستخدم إن لم يكن آمنًا من خطرات التقصد واثقًا بما يؤيد له الانتفاع بالحقوق التي يكتسبها من الخدمة لم يزل مضطرب الفكر مشغول البال فيما يؤول إليه حاله… أما إذا كان متيقنًا بحفظ مركزه عالمًا باستحصاله على الترقي متثبتًا من عدم حرمانه مما توجبه له حقوق خدمته فبالطبع لا يألو جهدًا التشبث لإمكان الحصول على ما يحسن به أمره حالاً واستقبالاً بواسطة القيام بإيفاء واجبات الخدمة كما ينبغي ومع كون هذه اللائحة تعود بالفوائد الجمة على المستخدمين لأنها تضمن لهم حقوقهم في خدمتهم السابقة وتتكفل لهم بالأمن والوثوق ببقائهم في الخدمة والترقي وعدم تسلط كبار الموظفين على الأصاغر بالرفت والمعاملة السيئة بغير وجه قانوني… إلخ).
نقول: (ولو أن هذا الإيقاف يصدر كأمر تحفظي إلا أنه نظرًا لأنه يتضمن إيقاف المرتب قد أصبحت له صيغة تأديبية خطيرة وهو لا شك أشد وقعًا على الموظف من بعض الجزاءات الأخرى كالإنذار وقع المرتب لمدة 15 يومًا حتى أن المشرع ذكر مدة ذلك الإيقاف في عداد الجزاءات انظر قانون العمد إذ تنص المادة الخامسة من الأمر العالي الصادر سنة 1895 على الجزاءات التي توقع على العمد والمشايخ هي الآتية: الإنذار… والإيقاف أثناء التحقيق… إلخ).
[(7)] اللهم إلا إذا استثنينا نظام تأديب العمد.
[(8)] ويلاحظ أن رجال القضاء لا يجوز إيقافهم عند الإحالة إلى المحاكم التأديبية.
[(9)] تلك اللفظة (محال) أو (المحال) تكاد تدل على أن الإحالة على مجلس التأديب يجب أن تكون سابقة على قرار الإيقاف وليست فقط مصاحبة له.
[(10)] يجب أن يكون معلومًا أن ما يسمى (بقانون المصلحة المالية) ليس قانونًا بالمعنى الصحيح وذلك برغم أنه يشبه القوانين المقننة كقانون العقوبات والقانون المدني في أنه عبارة عن متن واحد لتشمل أحكام في مواد متسلسلة قد رتبت نصوصه ترتيبًا وبوبت أجزاؤه تبويبًا (فقانون المصلحة المالية) هذا (يطلق عليه أحيانًا القانون المالي) هو في الواقع عبارة عن مجموعة ضمت بعضًا من الأوامر العالية واللوائح ومنشورات وزارة المالية وفتاوى اللجنة المالية وغيرها، لذلك كانت تسمية هذه المجموعة بقانون تسمية خاطئة معيبة يجدر بولاة الأمور النظر في أمر تغييرها لا سيما أنه لا يوجد هناك ما يُسمى بالمصلحة المالية.
[(11)] تنص المادة (2) من ذلك الدكريتو على ما يأتي:
(يسوغ إحالة كل موظف على المحكمة العليا التأديبية لأمور تتعلق بتأدية وظيفته وذلك بناءً على طلب ناظر الديوان التابع له الموظف).
وتنص المادة (5) على ما يأتي:
(تنظر المحكمة العليا التأديبية في الدعوى بناءً على طلب مبين فيه أسبابها يقدم من ناظر الديوان المختصة بذلك لناظر الحقانية بصفة كونه رئيسًا للمحكمة المذكورة أما إذا كان الموظف تابعًا لنظارة الحقانية فيكون تقديم الطلب إلى مجلس النظار وهو يعين الناظر الذي يقوم مقام ناظر الحقانية في رئاسة المحكمة التأديبية العليا).
[(12)] وتحت سلطان تلك الروح أيضًا (ولبعض الظروف السياسية) صدر مرسوم في 22 سبتمبر سنة 1930 يقرر بأن الموظفين المعينين بمرسوم يكون عزلهم بمرسوم لا بمجرد قرار من مجلس الوزراء كما هو شأن الموظفين المعينين بقرار وزاري.
[(13)] وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم (68) بإنشاء محكمة نقض وإبرام الصادر في 2 مايو سنة 1921 ما نصه (ومع أن بعض الشرائع يجيز إيقاف القاضي المحال على مجلس التأديب فقد رأى عدم اتباع ذلك اكتفاءً بما يتسنى للوزارة من تصرف إداري في شأنه حتى يعرض الأمر على مجلس التأديب فيقرر ما يراه من الإجراءات).
[(14)] نص ذلك الأمر العالي (بجواز مسؤولية النظار (الوزراء) أو رؤساء المصالح وكبار المأمورين لدى محكمة عليا إدارية)، وذلك في الأحوال الآتية:
(إذا أمر أحد النظار (الوزراء) ورؤساء المصالح وغيرهم من كبار المأمورين (كبار الموظفين):
1 - بصرف مبلغ من مصروفات أذنوا بها خارجًا عن الاعتمادات المقررة.
2 - أو أجرى تحويل مبلغ من فصول إلى أخرى في الميزانية قبل أن يصدق مجلس نظارنا على تحويلها.
3 - أو اتخذ إجراءات مخالفة للقوانين واللوائح المتبعة) مادة (1)، وتشكل هذه المحكمة (تحت رئاسة رئيس مجلس النظار…….، ويكون أعضاؤها النظار الذين لا دخل لهم في الدعوى والمستشار المالي ومستشار خديوي مادة (2)، وتنظر المحكمة في الدعوى بناءً على طلب مجلس النظار ويبقى الناظر أو رئيس المصلحة أو المأمور المقامة عليه الدعوى موقوفًا عن وظيفته في ذلك الحين مادة (3).
[(15)] انظر في ذلك كتابنا (القانون الإداري المصري) الجزء الأول (طبعة 1938) صفحة 182 حيث ذكرنا ما نصه (نرى أنه بعد إنشاء النظام الدستوري للدولة لم تعد هنالك حاجة إلى هذه المحكمة بالنسبة للوزراء إذ أن الأعمال التي يسألون من أجلها أمام هذه المحكمة تدخل في نطاق الأعمال التي يسألون عنها مسؤولية سياسية أمام مجلس النواب وكذا الجزاءات التي تحكم بها المحكمة (اللوم أو الرفت) هي كذلك من نتائج تلك المسؤولية السياسية).
ونضيف هنا أن الأعمال التي كان يسأل عنها كبار الموظفين أمام تلك (المحكمة الإدارية) أصبحت من اختصاص (المحكمة العليا التأديبية) التي تحاكم الموظف (لأمور تتعلق بتأدية الوظيفة) مادة (2).
[(16)] علمنا من قلم المحفوظات برئاسة مجلس الوزراء أن تلك المحكمة الإدارية العليا لم يحدث منذ إنشائها (عام 1887) أن عقدت ولو مرة واحدة حتى اليوم.
[(17)] إذ تنص المادة بأن (كل مستخدم يرتكب ذنبًا) ففي العصر الذي وضعت فيه تلك المادة سنة 1895 كان المشرع يستعمل عادةً لفظة (المستخدم) للدلالة على الموظفين المعينين بقرار وزاري ولم يحدث مطلقًا أن قصد بها كبار الموظفين المعينين بمرسوم فقد كان يشير إلي هؤلاء بلفظة (الموظف).
ويكفي لإثبات ذلك الرجوع إلى نصوص الأوامر العالية الصادرة في 10 إبريل سنة 1883 وفي 24 مايو سنة 1885 وهي خاصة بالمستخدمين (الموظفين المعينين بقرار وزاري)، وإلى نصوص الأمرين العاليين الصادرين في 19 فبراير سنة 1887 وفي 24 ديسمبر سنة 1888، وقانون رقم (7) لسنة 1906 وهي خاصة بالموظفين المعينين بمرسوم.
[(18)] للوزير بصفته الرئيس الإداري الأعلى في وزارته هذه السلطة الرئاسية وبمقتضى هذه السلطة للوزير الحق في توزيع الأعمال بين مرؤوسيه من الموظفين (وذلك طبعًا مع مراعاة القوانين واللوائح)، ولهم رقابة أعمالهم وتصرفاتهم فله الحق أن يطلب منهم إلغاء الأوامر الصادرة منهم كما له حق تعديل أو إيقاف أو إلغاء القرارات أو الأوامر الصادرة منهم حتى ولو لم تكن مخالفة للقانون (على أن المشرع يستثني أحيانًا بعض الأعمال من تلك السلطة (راجع مؤلف الأستاذ جيز Cours de droid public (طبعة 1924) صفحة 111، 112 وكذلك مؤلف الأستاذ جورج رينار Cours de droit public (طبعة 1922) صفحة 248.
[(19)] تنص المادة (44) من الدستور المصري على أن (الملك يولي ويعزل الموظفين على الوجه المبين بالقوانين)، ولا يجوز فيما نرى (كما هو الشأن في تفسير النص المقابل لهذا في الدستور الفرنسي) أن يفسر هذا النص تفسيرًا حرفيًا فنقول بأن الدستور إنما يمنح سلطة التعيين والعزل لرئيس السلطة التنفيذية فقط وأن ليس للسلطة التشريعية إلا أن تقرر الشروط والقيود التي يجب عليه مراعاتها ولكن ليس لها (أي للسلطة التشريعية) أن تمنح هذا الاختصاص لشخص آخر (للوزير مثلاً) أو لأية هيئة أخرى، إنما يجب أن تفسر هذه المادة في ضوء التقاليد التي سار عليها المشرع المصري وفي ضوء التفسير الذي أجمع عليه الفقه الفرنسي في تفسير المادة المقابلة في الدستور الفرنسي فتقول بأن هذه المادة إنما تقرر (اختصاصًا عامًا).
أي أن للملك سلطة تعيين وعزل الموظفين الذين لم تقرر لتعيينهم أو عزلهم طريقة أخرى على أن هذا النص - فيما نرى – رديء الصياغة، وكان من الأوفق أن يقتبس النص المقابل في الدستور البلجيكي مادة (66) إذ تنص على أن (الملك يعين في وظائف الإدارة العامة وفي السلك الخارجي ما عدا الاستثناءات التي تقررها القوانين)، ولكن نرى إضافة (والمراسيم) بعد كلمة القوانين لزيادة التفصيل يراجع كتابنا في (القانون الإداري) صفحة 37 - 41.
[(20)] راجع مؤلف الأستاذ جيز: المبادئ العامة للقانون الإداري (الطبعة الثالثة) الجزء الثالث صفحة 87 وما يتبعها وكذلك مجلة القانون العام وعلم السياسة (الفرنسية) لسنة 1937 صفحة 665 وما بعدها: تعليق على حكم مجلس الدولة في قضية بوني (الصادر في 27 مارس سنة 1936).
[(21)] مجلة القانون العام لسنة 1937 صفحة 666.
[(22)] ضمانات الموظفين (طبعة 1936) رسالة الدكتوراة للأستاذ عباس زكي، وراجع أيضًا دالوز Répertoire Pratique الجزء السادس طبعة 1914، رقم (236) تحت عنوان Fonctionnaires Publics
[(23)] كما هو شأن مدير الجامعة إزاء أعضاء هيئة التدريس بالجامعة (قانون رقم (21) لسنة 1933) وشأن النائب العمومي ووزير الحقانية إزاء أعضاء النيابة (دكريتو 11 يناير سنة 1897)، وشأن المدير ووزير الداخلية إزاء العمد (الأمر العالي الصادر في 16 مارس سنة 1895)، وشأن رئيس المصلحة أو الوزير إزاء الموظفين المعينين بقرار وزاري (وقد سبق الكلام في ذلك).
[(24)] يلاحظ أننا بالإشارة إلى كبار الموظفين المعينين بمرسوم لا نعني تلك الطوائف التي وضع لها المشرع نظامًا تأديبيًا خاصًا كرجال القضاء الأهلي وأعضاء النيابة وإن كان رجال القضاء كما قدمنا، لا يجوز لأية هيئة أن توقفهم عن العمل.
[(25)] فكما يقول العلامة هو ريوفي كتابه Précis élémentaire de droit Administratif طبعة سنة 1925 صـ 278 أن أول ما يعوز الموظفين إنما هو استقرار مراكزهم، وفي صـ 272 يقول ما نصه:

Tous les fonctionnaires ont un statut, c’est à - dire - des garanties de stabilité contre l’arbitraire gouvernmental.

[(26)] مجلة القانون العام (السابق الإشارة إليها) عدد 1937 صفحة 666.
[(27)] من تقرير الدكتور ليمجروبر Leimgruber نائب رئيس حكومة الاتحاد السويسري إلى مؤتمر العلوم الإدارية المنعقد في فينا من 19 - 24 يونيه سنة 1933 صفحة 18.

سلطة الوزير في إيقاف الموظفين للإحالة على التحقيق الإداري

مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة التاسعة عشرة سنة 1939

بحث في سلطة الوزير في إيقاف الموظفين للإحالة على التحقيق الإداري

هل يملك الوزير حق إيقاف الموظف لإحالته على التحقيق ؟
جرى العمل لدينا أحيانًا على ذلك، وهو فيما نرى أمر مخالف للقانون، لقد فرق التشريع الإداري لدينا بين حالتي كبار الموظفين المعينين بمرسوم وغيرهم من الموظفين المعينين بقرار وزاري.
ففيما يتعلق بالموظفين المعينين بقرار وزاري قضى الأمر العالي الصادر في 10 إبريل سنة 1883 بلائحة المستخدمين الملكيين بأن لرئيس المصلحة أو الوزير في الأحوال المستعجلة حق إيقاف الموظف بشرط تقديمه حالاً إلى مجلس التأديب المادة (8) الفقرة الأخيرة [(1)].
يتبين من تلك المادة أن الوزير لا يملك سلطة الإيقاف إلا بشرط الإحالة على مجلس التأديب، فإذا نحن فسرنا ذلك النص على وجه يبيح له حق الإيقاف من أجل التحقيق الذي لا يمكن أن تعرف (حين صدور قرار الإيقاف) مدته بالدقة ولا عما إذا كان سينتهي أمر ذلك التحقيق بالحفظ أو بتوقيع جزاء من الجزاءات البسيطة الداخلة في حدود سلطة الوزير نفسه، أو سينتهي بالإحالة على مجلس التأديب فإنه لمن البين أن ذلك التفسير فيه مخالفة ظاهرة لنص المادة (8) المشار إليها أو هو على الأقل - فيه أخذ بالتوسع في تفسيرها من حيث يجب التضييق في التفسير - فالمادة الثامنة تشترط لصحة قرار الإيقاف شرطين:
الأول: الإحالة على مجلس التأديب.
الثاني: أن تتم الإحالة فورًا أي في مدة قصيرة معقولة.
فالمشرع حين يريد أن يمنح السلطة الإدارية حق الإيقاف لمجرد الإحالة على التحقيق فهو ينص على ذلك صراحةً كما فعل بشأن العمد [(2)].
ومما تقضي به المبادئ العامة أن النصوص المتعلقة بالسلطة التأديبية لا يجوز التوسع في تفسيرها كما أن من الواجب اتباع الإجراءات والأوضاع الشكلية اتباعًا دقيقًا [(3)]، لأن تلك الأوضاع الشكلية إنما قررها المشرع على أنها ضمانة من ضمانات الموظفين إزاء السلطة التأديبية [(4)]، وتقضي المحاكم لدينا باختصاصها طبقًا للمادة (15) من لائحة الترتيب في كافة الدعاوى التي ترفع على الحكومة بطلب تضمينات ناشئة عن إجراءات إدارية تقع مخالفة للقوانين أو الأوامر العالية إذا كانت المخالفة متعلقة بالشكل والأوضاع [(5)].
ذكرنا أن ذلك التفسير (الذي يذهب إليه الرأي القائل بحق الوزير في الإيقاف للتحقيق) مخالف للمادة (8) نصًا وفضلاً عن ذلك فهو مخالف مخالفة خطيرة لروح التشريع إذ يفتح الباب فتحًا مشينًا أمام تعسف الرؤساء (والوزراء) من حيث لم يوضع ذلك التشريع لسنة 1883 إلا لوضع حد لذلك العسف فلو أننا سلمنا للرؤساء بسلطة الإيقاف لمجرد التحقيق دون تحديد مدة الإيقاف تحديدًا دقيقًا وأمدًا قصيرًا بل تركنا أمر تحديد المدة موكولاً لتقديرهم أصبح الموظفون عرضة لإجراءات تعسفية استبدادية تجري باسم (الإيقاف للتحقيق) هذا هو عين ما يشاهد فعلاً حين يجري العمل طبقًا لذلك التفسير الخاطئ أي حين يقرر الوزير إيقاف الموظف لمجرد الإحالة على التحقيق.
ولم يوضع تشريع سنة 1883 كما ذكرنا إلا لوضع ضمانات لحماية الموظف من الإجراءات الاستبدادية التي كان يعانيها قديمًا [(6)].
وأن سلطة إيقاف الموظفين (قبل المحاكمة التأديبية) هي سلطة خطيرة لأنها فضلاً عما تصيب به الموظفين الموقوفين أدبيًا في سمعتهم فهي كذلك تصيبهم ماديًا في إيقاف مرتباتهم ولذلك كان من الطبيعي أن تشريع سنة 1883 لا يدع هذه السلطة للرؤساء دون أن يضع لها قيدًا يحول دون عسفهم فلذلك حتم المشروع على الرؤساء ألا يصدروا أمر الإيقاف إلا مع الإحالة على هيئة أخرى (مجلس التأديب)، وبذلك لا تكون المدة اللازمة للتحقيق خاضعة لأهواء الرؤساء.
ثم إن مجلس التأديب حين يرى أن إجراءات المحاكمة التأديبية من شأنها أن تطول كثيرًا في حين أن التهمة المسندة للموظف الموقوف (الذي أحيل إلى المجلس) لا تستوجب إلا توقيع جزاء من الجزاءات البسيطة (الإنذار أو قطع المرتب لغاية 15 يومًا) أو هي لا تستوجب أكثر من جزاء الإيقاف مع الحرمان من المرتب لمدة ثلاثة شهور في أنه مضت على إيقاف الموظف (وحرمانه من المرتب) أكثر من تلك المدة فإن مجلس التأديب له الحق في تلك الأحوال أن يقرر عدم إيقاف المرتب للمدة الباقية أثناء المحاكمة التأديبية وذلك بناءً على نص المادة الثامنة السابق الإشارة إليها بالفقرة الأخيرة إذ تنص على ما يأتي:
(يترتب على توقيف المستخدم عن العمل حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس الإدارة (مجلس التأديب) غير ذلك).
هذا فضلاً عن أن للمجلس بلا ريب الحق في أن يطلب من الوزير إلغاء قرار الإيقاف المؤقت حين يرى أن المحاكمة التأديبية لم تعد تستلزم ذلك.
لما تقدم نلاحظ أن المشرع - في الأنظمة التأديبية الخاصة بطوائف معينة من الموظفين [(7)] – حينما يخول للرؤساء حق إيقاف الموظف (قبل المحاكمة التأديبية) نجده يشترط دائمًا أن يكون قرار الإيقاف صادرًا للإحالة على مجلس التأديب (لا على التحقيق)، ونجد المشرع يأتي في ذلك بعبارات لا تدع مجالاً للشك في نية ذلك هو شأن التشريع الخاص بنظام تأديب رجال الجامعة ونظام تأديب رجال النيابة [(8)].
ففيما يتعلق بنظام تأديب رجال الجامعة فقد نصت المادة (21) من القانون الصادر في 30 إبريل سنة 1933 رقم (21) على ما يلي:
(… يجوز لمدير الجامعة أن يقف مؤقتًا عن مباشرة العمل أي عضو من أعضاء هيئة التدريس محال [(9)] إلى مجلس تأديب).
وفيما يتعلق بتأديب أعضاء النيابات بالمحاكم الأهلية نص دكريتو 11 يناير سنة 1897 بالمادة (4) على ما يلي:
(يجوز لناظر الحقانية وللنائب العمومي إيقاف عضو النيابة المحال [(9)] على مجلس تأديب إيقافًا مؤقتًا).
وقبل أن ننتقل إلى الكلام عن حالة الموظفين المعينين بمرسوم نرى لزامًا علينا أن نشير إلى ما ورد فيما يسمونه (قانون المصلحة المالية) [(10)] فقد نص في المادة (111) من ذلك القانون طبعة 1932 على ما يأتي:
(كل مستخدم يرتكب ذنبًا يستوجب الرفت يلزم إيقافه عن إشغال وظيفته في الحال وهذا الإيقاف يعلن له كتابةً).
وأننا نلاحظ على هذا النص ما يلي:
أولاً: أنه يعني المستخدم الذي (يرتكب ذنبًا) والموظف عند الإحالة على التحقيق لا يصح اعتباره ارتكب ذنبًا إذ لا يصح ذلك قبل صدور القرار التأديبي بالإدانة.
ثانيًا: إذا فرض إن كان المقصود بهذا النص إنما هو إيقاف الموظف بإحالته على التحقيق وبمجرد إسناد تهمة ما إليه فإن هذا النص يصبح في هذه الحالة نصًا باطلاً لا يجوز الأخذ به لأنه لم يكن نصًا تشريعيًا بالمعنى الصحيح مما هو في الواقع إلا مجرد منشور لوزارة المالية صدر في 22 أغسطس سنة 1895 (وقد ذكر ذلك صراحةً في قانون المصلحة المالية)، ووزير المالية لا اختصاص له في تنظيم طريقة إيقاف موظفي الحكومة وبيان الوقت الذي يجوز فيه ذلك، ولا يجوز فإذا صح لوزير المالية أن يتكلم عن إيقاف المرتب عن الموظف فلا اختصاص له في الكلام عن إيقاف الموظف عن العمل وفرق بين الاثنين ثم أن ذلك المنشور (إذا أخذ بذلك التفسير) يشمل إذا تعديلاً لنص المادة (8) من الأمر الصادر سنة 1883 بلائحة المستخدمين الملكيين (إذ لم تجز تلك المادة الإيقاف للإحالة على مجلس التأديب)، ومن البديهي أن الوزير لا يملك هذا التعديل.
ويجب ملاحظة أن ذلك النص المادة (111) غير خاص بالموظفين المعينين بمرسوم كما سنبين ذلك تفصيلاً فيما بعد.
الموظفون المعينون بمرسوم وحق الإيقاف:
بناءً على أحكام الدكريتو الصادر بإنشاء المحكمة العليا التأديبية (في 24 ديسمبر سنة 1888)، وهو خاص بتأديب كبار الموظفين المعينين بمرسوم للوزير المختص حق إحالة الموظف إلى المحكمة العليا التأديبية [(11)]، ويتبين من أحكام ذلك الدكريتو أن الوزير لا يملك إلا الإحالة على المحكمة العليا التأديبية، فليست له سلطة الإيقاف من أجل مجرد التحقيق أو حتى من أجل الإحالة على تلك الهيئة التأديبية، فلكي يكون للوزير تلك السلطة يجب لذلك نص صريح ولقد خلا التشريع الإداري لدينا من مثل هذا النص.
وتلك إحدى الامتيازات التي اختص بها المشرع كبار الموظفين المعينين بمرسوم دون غيرهم من المعينين بقرار وزاري وذلك في أمر تأديبهم، فكبار الموظفين المعينين بمرسوم (الذين يعينهم دكريتو سنة 1881) غير خاضعين لسلطة الرئيس (أو الوزير) التأديبية (التي تتضمن الإنذار بقطع المرتب لغاية 15 يوم) كما هو شأن الموظفين المعينين بقرار وزاري والهيئة التأديبية التي تحاكم كبار الموظفين (المحكمة العليا التأديبية) يتوفر في أعضائها من ضمانات الاستقلال وكفاية ما لا يتوفر في أعضاء المجالس التأديبية التي تحاكم الموظفين المعينين بقرار وزاري ثم إن القرار الذي تصدره المحكمة العليا التأديبية يجب أن يكون مسببًا (مادة (11) من دكريتو سنة 1889 المشار إليه) ولإمكان صدور الحكم بالعزل من تلك المحكمة العليا اشترطت أغلبية خاصة وهي ثلاثة أرباع أعضاء المحكمة وأن يصدق عليه الملك مادة (9) وجريًا وراء روح التشريع هذه نلاحظ أنه يسمح للموظف بمحامٍ أمام المحكمة العليا التأديبية (مع عدم وجود نص يبيح ذلك)، وهذا بخلاف الحال مع الموظفين المعينين بقرار وزاري [(12)].
مما تقدم يتبين لنا أن حرمان الوزير من حق الإيقاف للإحالة على التحقيق (أو حتى على المحكمة العليا التأديبية) ليس بالأمر الغريب بل هو أثر من الآثار الطبيعية لتلك الروح التي بيناها ولقد قرر المشرع مثل هذا الامتياز لرجال القضاء الأهلي فلم يمنح الوزير ولا أية هيئة أخرى سلطة إيقافهم [(13)].
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن ثمة حالة واحدة ورد فيها في التشريع الإداري ذكر لإيقاف كبار الموظفين المعينين بمرسوم كان ذلك في الأمر العالي الصادر في 19 فبراير سنة 1887 بإنشاء المحكمة العليا الإدارية لتأديب الوزراء وكبار الموظفين [(14)].
المحكمة العليا الإدارية: ولكن سلطة الإيقاف لم تُمنح هنا للوزير من أجل الإحالة على التحقيق، إنما يحدث الإيقاف عند إحالة مجلس الوزراء للموظف أمام تلك المحكمة المادة (3) الفقرة الثانية، والرأي عندي أنه بعد إنشاء المحكمة العليا التأديبية (سنة 1888 وإنشاء النظام الدستوري في البلاد سنة 1923) [(15)].
فقد أصبحت تلك (المحكمة الإدارية العليا) لا وجود لها قانونًا كما أنه لم يكن ثمة لها وجود عملاً [(16)].
ونعتقد أننا بغير حاجة إلى التنبيه بأن المادة (111) [(17)] مما يسمونه (قانون المصلحة المالية) التي تقدم الكلام عنها غير خاصة بكبار الموظفين المعينين بمرسوم إنما هي تعني غيرهم من الموظفين المعينين بقرار وزاري، ويتبين ذلك من أن تلك المادة إنما تتكلم عن (المستخدم) لا (الموظف) ثم إن المادة (115) من القانون المشار إليه نصت بعبارة صريحة على أن أحكام المادة (111)، وغيرها لا تسري على كبار الموظفين المعينين بمرسوم، وفضلاً عن ذلك فإن تلك المادة كما قدمنا يجب عدم تطبيقها لأنها في الواقع عبارة عن منشور لوزارة المالية (في 22 أغسطس سنة 1895) وهو منشور باطل قانونًا لمخالفته لأحكام الأمر العالي الصادر بلائحة المستخدمين سنة 1883.
وإذا كان لا يوجد أي نص قانوني يخول الوزير الحق في الإيقاف فليس ثمة أيضًا أي مبدأ قانوني يمكن أن يستند إليه في ذلك.
فإذا كان الوزير في وزارته هو صاحب السلطة الرئاسية [(18)] فإن السلطة التأديبية (Pouvoir disciplinaire) إنما صاحبها رئيس الدولة الأعلى وذلك لأنه صاحب الولاية العامة في عزل الموظفين (بناءً على ما يقضي به الدستور المصري بالمادة (44) وتقابلها المادة (3) (الفقرة الثالثة) من (القانون الدستوري الفرنسي الصادر في 25 فبراير سنة 1875) [(19)].
وفي ذلك يقول الأستاذ جورج رينار (أستاذ القانون العام بجامعة ننسى في مؤلفه طبعة سنة 1922 Cours de droit public صفحة 248 ما نصه:

Le pouvoir disciplinaire appartient, dans sa plus haute expression, au chef de l’Etat, comme une conséquence de droit de révocation.

وبناءً على ذلك فليس للوزير من حقوق السلطة التأديبية (كما هو شأنه فيما يتعلق بسلطة تعيين الموظفين أو عزلهم) إلا ما تنص عليه القوانين واللوائح (الصادرة من رئيس الدولة الأعلى)، فالسلطة التأديبية التي يخضع لها الموظفون إنما تبين أحكامها وإجراءاتها القوانين واللوائح وعلى الرئيس (الوزير أو رئيس المصلحة) اتباع الإجراءات المنصوص عليها بدقة تامة وإلا كان الأمر الإداري الصادر من الرئيس باطلاً، ذلك هو ما قرره الفقه والقضاء الإداري في فرنسا [(20)].
ثم أن قرار إيقاف الموظف عن عمله لا يتضمن حتمًا إيقاف المرتب عن الموظف فلكي يكون للإيقاف ذلك الأثر يجب لذلك نص قانوني صريح إذ يصح أن يكون إيقاف الموظف غير مصحوب بإيقاف المرتب (كما تقضي بذلك المادة (40) من الدكريتو الصادر في فرنسا في 22 مارس سنة 1926) [(21)] أو يكون مصحوبًا بإيقاف بعض المرتب للجمعيه كما هو الشأن في التشريع الإيطالي حيث يتضمن الإيقاف عن العمل الحرمان من المرتب من نصفه إلى ثلثيه [(22)].
وإذا كان إيقاف المعين بقرار وزاري في مصر يتضمن إيقاف المرتب فذلك راجع إلى وجود نص بذلك (كما قدمنا) ولكن لا يوجد ما يقابل هذا النص فيما يتعلق بكبار الموظفين المعينين بمرسوم فإذا سلمنا جدلاً بأن الوزير في مصر له حق إيقاف الموظفين المعينين بمرسوم للإحالة على التحقيق فما هي القيود التي أحاط بها تلك السلطة وأين النص القانوني الذي يخول له إيقاف المرتب ؟
وهل من المقبول عقلاً أن نقول بأن المشرع الذي قيد سلطة الرئيس هذه بالنسبة للموظفين المعينين بقرار وزاري قد تركها بغير قيود أو حدود بالنسبة لكبار الموظفين المعينين بمرسوم مع أن المشرع جرى دائمًا على عكس ذلك إذ كان دوامًا (كما قدمنا) يكفل لهؤلاء ضمانات وامتيازات أكثر مما قرر لأولئك ؟؟
وهل مما يتلاءم مع روح التشريع أن نقول بأن المشرع الذي حرم الوزير حتى سلطة توجيه (إنذار) إلى كبار الموظفين المعينين بمرسوم ؟؟
وحتى سلطة النقل (إذ يشترط صدور مرسوم) نقول هل من المخول أن نسلم بأن هذا المشرع يمنح الوزير سلطة الإيقاف ومع إيقاف المرتب أيضًا ؟!
ثم أن ثمة مبدأ نلاحظ أن المشرع لدينا قد جرى دائمًا عليه فيما يتعلق بتأديب الموظفين: ذلك أنه لم يمنح مطلقًا حق الإيقاف (قبل المحاكمة التأديبية) إلا للرؤساء [(23)] الذين سبق أن منحهم سلطة توقيع بعض جزاءات تأديبية على الموظفين.
ومن الثابت أن المشرع لم يمنح للرؤساء (سواء كان من رؤساء المصالح أو الوزراء) سلطة توقيع أي جزاء تأديبي على كبار الموظفين المعينين بمرسوم، فإذا سلمنا بالرأي القائل بمنح الوزير سلطة الإيقاف (قبل المحاكمة التأديبية) فكيف إذا يمكن تفسير سر خروج المشرع على ذلك المبدأ ؟
كلمة ختامية:
يتبين مما تقدم أن الوزير - طبقًا للتشريع المصري القائم وطبقًا للمبادئ العامة للقانون العام - لا يملك سلطة إيقاف كبار الموظفين المعينين بمرسوم [(24)] للإحالة على التحقيق أو حتى للإحالة إلى المحكمة العليا التأديبية، فمثل هذا القرار (قرار الإيقاف) هو قرار باطل فهو معيب بعلة (تجاوز الاختصاص) (Juridiction) إذ لا يستند مصدره إلى نص قانوني يعطيه اختصاص إصداره ونرى الآن لزامًا علينا أن نذكر كلمة عما نراه من نقص التشريع لدينا بهذا الصدد.
مما لا موضع للجدل فيه أن التحقيق الإداري (أو المحاكمة التأديبية) قد يستلزم أحيانًا إبعاد الموظف مؤقتًا عن دائرة عمله، ولا ريب أن التشريع القائم الآن يعوزه بهذا الصدد بعض الإصلاح.
ولكن هذا الإصلاح لا يمكن أن يكون بإعطاء الوزير سلطة الإيقاف (كما يجري عليه العمل لدينا) أثناء التحقيق بل وبعد تمامه ولمدة غير محدودة.
إنه لا يجوز بحال أن يعامل الموظف الذي تنسب إليه تهمة ما معاملة المذنب قبل صدور قرار السلطة التأديبية بالإدانة، أن إيقاف الموظف عن العمل (مع إيقاف المرتب عنه) قبل صدور قرار الإدانة هو إجراء لا تبرره العدالة ولا صالح العمل ذاته لأنه مما يتطلبه حسن سير الأعمال الحكومية إنما هو بث روح الطمأنينة والشعور بالاستقرار في نفوس الموظفين [(25)] - ومما يحقق نشر تلك الروح أن نعمد إلى إيقاف الموظف لمجرد الإحالة على التحقيق - فقرار الإيقاف رغم أنه (إيقاف مؤقت) له صيغة تأديبية خطيرة فالموظف الموقوف (نظرًا لإيقاف راتبه لمدة غير محدودة) هو أسوأ - لا شك - حالاً ممن يوقع عليه جزاء الإنذار بل وجزاء الحرمان من المرتب لمدة 15 يومًا بل هو من بعض الوجوه أسوأ حالاً من الموظف المحال على الاستيداع أو على المعاش لأنه في هاتين الحالتين الأخيرتين يتقاضى جزءًا من راتبه (خلافًا للموظف أثناء مدة الإيقاف)، ولأنه (أي الموظف الموقوف) بحكم أنه لا يزال يعتبر موظفًا فهو لا يستطيع أن يزاول مهنة أو عملاً آخر للقيام بنفقة معيشته (وذلك خلافًا للموظف المحال على الاستيداع أو المعاش).
مما تقدم يتبين أن مثل هذا الإيقاف هو إجراء استبدادي ظالم لا يتفق مع ما تمليه أبسط مبادئ العدالة أو الإنسانية ولا مع ما يقضي به حسن سير الأعمال في المصالح الحكومية.
فإذا كان التحقيق (أو المحاكم التأديبية) - كما ذكرنا – يتطلب إبعاد الموظف مؤقتًا عن دائرة عمله فيمكن أن يحقق ذلك الغرض بنقل الموظف مؤقتًا (إذا أمكن ذلك دون ضرر بالموظف وبالعمل الحكومي ذاته)، وإلا فليُمنح إجازة وإذا كان نظام الإجازات لا يسمح للموظف إلا بمدة محدودة لا تفي بما تتطلبه إجراءات التحقيق أو المحاكمة التأديبية فإننا نقترح تعديل النظام الخاص بالإجازات، سيعترض علينا ولكن كيف يتقاضى الموظف مرتبًا وهو لا يقوم بعمل من أعمال وظيفته التي يستحق من أجلها مرتبه ؟ وردًا على ذلك ندلي بما يأتي:
1 - أن نظام الإجازات نفسه ينقض هذا الاعتراض لأنه يسمح للموظف بإجازة لمدة غير قصيرة يمكن أن تمتد إلى أكثر من أربعة شهور (إذا كانت إجازة خارج القطر وصحبتها إجازة مرضية) فالموظف هنا لا يقوم بعمل ما مع أنه يتقاضى مرتبه كاملاً، ثم أنه طبقًا للنظام المتبع الآن يستولي الموظف الموقوف على جميع مرتبه أثناء مدة الإيقاف بعد صدور القرار التأديبي بالبراءة مع أنه لم يقم بعمل ما.
2 - في فرنسا كان دكريتو 22 مارس سنة 1926 المادة (40) يجيز الإيقاف لمدة ثلاثة شهور أخرى إذا كان التحقيق لم ينته [(26)].
3 - في بعض البلاد التي قررت فيها الخدمة العسكرية الإجبارية يتقاضى الموظف راتبه كاملاً أثناء تأدية الخدمة العسكرية مع أنه لا يقوم بأداء أعمال وظيفته [(27)].
4 - أن الموظف ليس (أجيرًا باليومية) لا يراعي في أمر تقدير أجره إلا اعتبار واحد وهو أداء العمل اليومي ومن الناحية القانونية فليست العلاقة التي تربط الموظف بالحكومة بعلاقة (مركز تعاقدي) تطبق عليها أحكام القانون الخاص (كما لو كان عقد إجارة أشخاص أو عقد وكالة)، فلا تعتبر العلاقة قد نشأت إلا لصالح الطرفين المتعاقدين، إنما العلاقة التي تربط الموظف بالحكومة (كما هو مقرر لدى فقهاء القانون العام ولدى القضاء الفرنسي والمصري) هي علاقة (مركز قانوني أو نظامي) خاضعة لأحكام القانون العام ويترتب على ذلك اعتبار أن هذه العلاقة لم تنشأ لصالح طرفين متعاقدين إنما هي لم تنشأ إلا لخدمة الصالح العام وأن كل ما تقرر للموظف من حقوق لم يقصد منها تقرير حقوق شخصية للموظف (وأن له فيها حقًا مكتسبًا) وإنما أريد بها تمكين الموظف من العمل في الجو الذي يتفق والصالح العام.
وإنا لنعتقد أن الاعتبارات التي سبق أن بيناها تثبت أن الرأي الذي نشير به هو الذي يتفق مع كرامة الوظيفة وصالح العمل أي الصالح العام كما أنه يقضي على مظاهر العسف والاستبداد التي نشاهدها أحيانًا لدى الرؤساء أو الوزراء الذين يسيئون استعمال سلطة الإيقاف.
الدكتور عبد الحميد متولي
أستاذ القانون الإداري والدستوري
بمدرسة البوليس



[(1)] (…أما في الأحوال المستعجلة فيسوغ لرؤساء المصالح أن يمنعوا المستخدمين مؤقتًا عن العمل بشرط أن يعرضوا عن ذلك حالاً لمجلس الإدارة (مجلس التأديب)، ولكن بمراجعة النص الفرنسي (وهو الأصل) للمادة يتضح لنا أن المقصود هو المعنى الذي بيناه في أعلاه.
وذلك هو النص الوحيد لدينا بهذا الصدد، على أن هنالك بعض طوائف من الموظفين لهم أنظمة خاصة للتأديب (كرجال الجامعة أو الجيش أو القضاء) وسوف نعرض لها بالقدر الذي يعنينا في هذا البحث.
[(2)] انظر المادة الخامسة من الأمر العالي الصادر في 18 مارس سنة 1895 بشأن العمد والمشايخ حيث تنص المادة الخامسة على أن للمدير حق إيقاف العمد والمشايخ أثناء التحقيق بشرط ألا تزيد مدة الإيقاف عن ثلاثة شهور.
[(3)] انظر مجلة القانون العام Revue de Droit Public et de la Science Politique لسنة 1937 صفحة 665، وما يليها وعلى الخصوص صفحة 675 حيث تجد حكمًا حديثًا لمجلس الدولة بتاريخ 27 مارس سنة 1936 في قضية Bonny وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم ما نصه:

La procédure est stricte. Le chef de service excède les limites de son pouvoir disciplinaire, s’il n’observe pas scrupuleusement cette procédure les éléments de la procédure constituent autant de garanties pour le fonctionnaire. Ne pas observer une formalité, c’est priver le fonctionnaire d’une garantie. La sanction est la nullité de la decision disciplinairé.

[(4)] وليلاحظ أن ضمانات الموظفين لم يراعَ في تقريرها صالح الموظفين بمقدار ما روعي صالح العمل ذاته أي الصالح العام ويعرف الفقهاء الفرنسيون (نظام الموظفين Statut des fonctionnaire بأنه عبارة عن ضمانات الموظفين، راجع مثلاً كتاب العلامة هو ريو في كتابه Précis de Droit Administratif طبعة 1925 صـ 272 حيث يقول ما نصه:

Tous les fonctionnaires ont un statut, c’est - à - dire des garanties de stabilité contre l’arbitraire gouvernemental.

[(5)] حكم محكمة الاستئناف الأهلية بمصر دوائر مجتمعة أول مارس سنة 1928 وزارة الحقانية ضد سليمان بك عزت عدد 5 صفحة 107 المجموعة الرسمية السنة التاسعة والعشرون سنة 1928، محكمة الاستئناف الأهلية بمصر في 22/ 2/ 1932 عدد 9 صفحة 114 السنة الثالثة الجريدة القضائية.
[(6)] تبين لنا ذلك بجلاء من مراجعة الأعمال التحضيرية السابقة لذلك التشريع - راجع قاموس القضاء والإدارة للأستاذ جلاد الجزء الثالث صفحة 281 حيث ورد فيه تقرير مرفوع للخديوي من شريف باشا رئيس مجلس النظار بطلب تشكيل قومسيون مكلف بتحضير القوانين المتعلقة بشروط قبول الموظفين الملكيين وترقيتهم ورفتهم في 20 أكتوبر سنة 1881:
(إن حالة المستخدمين الملكية تستحق التفات الحكومة إليها فإنه ينبغي أن توضع قوانين بعد مطالعة أحكامها وإمعان النظر فيها بغاية الدقة ومزيد الاعتناء تبين فيها الشروط التي يلزم مراعاتها في قبول المستخدمين من أي رتبة كانوا وترقيتهم ليكونوا آمنين مما عساه أن يحصل في أي وقت من الإجراءات الاستبدادية……… إلخ).
وكذلك تجد في صفحة 287 صورة المذكرة الإيضاحية لذلك التشريع (أي للأمر العالي الصادر في 11 إبريل سنة 1883) وقد ورد فيها ما يلي:
(بما أنه من أقصى آمالنا أن كل مستخدم يتمتع بثمرات خدمته ما دام سالكًا فيها مسلك الصدق والاستقامة…، ومن المعلوم أن المستخدم إن لم يكن آمنًا من خطرات التقصد واثقًا بما يؤيد له الانتفاع بالحقوق التي يكتسبها من الخدمة لم يزل مضطرب الفكر مشغول البال فيما يؤول إليه حاله… أما إذا كان متيقنًا بحفظ مركزه عالمًا باستحصاله على الترقي متثبتًا من عدم حرمانه مما توجبه له حقوق خدمته فبالطبع لا يألو جهدًا التشبث لإمكان الحصول على ما يحسن به أمره حالاً واستقبالاً بواسطة القيام بإيفاء واجبات الخدمة كما ينبغي ومع كون هذه اللائحة تعود بالفوائد الجمة على المستخدمين لأنها تضمن لهم حقوقهم في خدمتهم السابقة وتتكفل لهم بالأمن والوثوق ببقائهم في الخدمة والترقي وعدم تسلط كبار الموظفين على الأصاغر بالرفت والمعاملة السيئة بغير وجه قانوني… إلخ).
نقول: (ولو أن هذا الإيقاف يصدر كأمر تحفظي إلا أنه نظرًا لأنه يتضمن إيقاف المرتب قد أصبحت له صيغة تأديبية خطيرة وهو لا شك أشد وقعًا على الموظف من بعض الجزاءات الأخرى كالإنذار وقع المرتب لمدة 15 يومًا حتى أن المشرع ذكر مدة ذلك الإيقاف في عداد الجزاءات انظر قانون العمد إذ تنص المادة الخامسة من الأمر العالي الصادر سنة 1895 على الجزاءات التي توقع على العمد والمشايخ هي الآتية: الإنذار… والإيقاف أثناء التحقيق… إلخ).
[(7)] اللهم إلا إذا استثنينا نظام تأديب العمد.
[(8)] ويلاحظ أن رجال القضاء لا يجوز إيقافهم عند الإحالة إلى المحاكم التأديبية.
[(9)] تلك اللفظة (محال) أو (المحال) تكاد تدل على أن الإحالة على مجلس التأديب يجب أن تكون سابقة على قرار الإيقاف وليست فقط مصاحبة له.
[(10)] يجب أن يكون معلومًا أن ما يسمى (بقانون المصلحة المالية) ليس قانونًا بالمعنى الصحيح وذلك برغم أنه يشبه القوانين المقننة كقانون العقوبات والقانون المدني في أنه عبارة عن متن واحد لتشمل أحكام في مواد متسلسلة قد رتبت نصوصه ترتيبًا وبوبت أجزاؤه تبويبًا (فقانون المصلحة المالية) هذا (يطلق عليه أحيانًا القانون المالي) هو في الواقع عبارة عن مجموعة ضمت بعضًا من الأوامر العالية واللوائح ومنشورات وزارة المالية وفتاوى اللجنة المالية وغيرها، لذلك كانت تسمية هذه المجموعة بقانون تسمية خاطئة معيبة يجدر بولاة الأمور النظر في أمر تغييرها لا سيما أنه لا يوجد هناك ما يُسمى بالمصلحة المالية.
[(11)] تنص المادة (2) من ذلك الدكريتو على ما يأتي:
(يسوغ إحالة كل موظف على المحكمة العليا التأديبية لأمور تتعلق بتأدية وظيفته وذلك بناءً على طلب ناظر الديوان التابع له الموظف).
وتنص المادة (5) على ما يأتي:
(تنظر المحكمة العليا التأديبية في الدعوى بناءً على طلب مبين فيه أسبابها يقدم من ناظر الديوان المختصة بذلك لناظر الحقانية بصفة كونه رئيسًا للمحكمة المذكورة أما إذا كان الموظف تابعًا لنظارة الحقانية فيكون تقديم الطلب إلى مجلس النظار وهو يعين الناظر الذي يقوم مقام ناظر الحقانية في رئاسة المحكمة التأديبية العليا).
[(12)] وتحت سلطان تلك الروح أيضًا (ولبعض الظروف السياسية) صدر مرسوم في 22 سبتمبر سنة 1930 يقرر بأن الموظفين المعينين بمرسوم يكون عزلهم بمرسوم لا بمجرد قرار من مجلس الوزراء كما هو شأن الموظفين المعينين بقرار وزاري.
[(13)] وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم (68) بإنشاء محكمة نقض وإبرام الصادر في 2 مايو سنة 1921 ما نصه (ومع أن بعض الشرائع يجيز إيقاف القاضي المحال على مجلس التأديب فقد رأى عدم اتباع ذلك اكتفاءً بما يتسنى للوزارة من تصرف إداري في شأنه حتى يعرض الأمر على مجلس التأديب فيقرر ما يراه من الإجراءات).
[(14)] نص ذلك الأمر العالي (بجواز مسؤولية النظار (الوزراء) أو رؤساء المصالح وكبار المأمورين لدى محكمة عليا إدارية)، وذلك في الأحوال الآتية:
(إذا أمر أحد النظار (الوزراء) ورؤساء المصالح وغيرهم من كبار المأمورين (كبار الموظفين):
1 - بصرف مبلغ من مصروفات أذنوا بها خارجًا عن الاعتمادات المقررة.
2 - أو أجرى تحويل مبلغ من فصول إلى أخرى في الميزانية قبل أن يصدق مجلس نظارنا على تحويلها.
3 - أو اتخذ إجراءات مخالفة للقوانين واللوائح المتبعة) مادة (1)، وتشكل هذه المحكمة (تحت رئاسة رئيس مجلس النظار…….، ويكون أعضاؤها النظار الذين لا دخل لهم في الدعوى والمستشار المالي ومستشار خديوي مادة (2)، وتنظر المحكمة في الدعوى بناءً على طلب مجلس النظار ويبقى الناظر أو رئيس المصلحة أو المأمور المقامة عليه الدعوى موقوفًا عن وظيفته في ذلك الحين مادة (3).
[(15)] انظر في ذلك كتابنا (القانون الإداري المصري) الجزء الأول (طبعة 1938) صفحة 182 حيث ذكرنا ما نصه (نرى أنه بعد إنشاء النظام الدستوري للدولة لم تعد هنالك حاجة إلى هذه المحكمة بالنسبة للوزراء إذ أن الأعمال التي يسألون من أجلها أمام هذه المحكمة تدخل في نطاق الأعمال التي يسألون عنها مسؤولية سياسية أمام مجلس النواب وكذا الجزاءات التي تحكم بها المحكمة (اللوم أو الرفت) هي كذلك من نتائج تلك المسؤولية السياسية).
ونضيف هنا أن الأعمال التي كان يسأل عنها كبار الموظفين أمام تلك (المحكمة الإدارية) أصبحت من اختصاص (المحكمة العليا التأديبية) التي تحاكم الموظف (لأمور تتعلق بتأدية الوظيفة) مادة (2).
[(16)] علمنا من قلم المحفوظات برئاسة مجلس الوزراء أن تلك المحكمة الإدارية العليا لم يحدث منذ إنشائها (عام 1887) أن عقدت ولو مرة واحدة حتى اليوم.
[(17)] إذ تنص المادة بأن (كل مستخدم يرتكب ذنبًا) ففي العصر الذي وضعت فيه تلك المادة سنة 1895 كان المشرع يستعمل عادةً لفظة (المستخدم) للدلالة على الموظفين المعينين بقرار وزاري ولم يحدث مطلقًا أن قصد بها كبار الموظفين المعينين بمرسوم فقد كان يشير إلي هؤلاء بلفظة (الموظف).
ويكفي لإثبات ذلك الرجوع إلى نصوص الأوامر العالية الصادرة في 10 إبريل سنة 1883 وفي 24 مايو سنة 1885 وهي خاصة بالمستخدمين (الموظفين المعينين بقرار وزاري)، وإلى نصوص الأمرين العاليين الصادرين في 19 فبراير سنة 1887 وفي 24 ديسمبر سنة 1888، وقانون رقم (7) لسنة 1906 وهي خاصة بالموظفين المعينين بمرسوم.
[(18)] للوزير بصفته الرئيس الإداري الأعلى في وزارته هذه السلطة الرئاسية وبمقتضى هذه السلطة للوزير الحق في توزيع الأعمال بين مرؤوسيه من الموظفين (وذلك طبعًا مع مراعاة القوانين واللوائح)، ولهم رقابة أعمالهم وتصرفاتهم فله الحق أن يطلب منهم إلغاء الأوامر الصادرة منهم كما له حق تعديل أو إيقاف أو إلغاء القرارات أو الأوامر الصادرة منهم حتى ولو لم تكن مخالفة للقانون (على أن المشرع يستثني أحيانًا بعض الأعمال من تلك السلطة (راجع مؤلف الأستاذ جيز Cours de droid public (طبعة 1924) صفحة 111، 112 وكذلك مؤلف الأستاذ جورج رينار Cours de droit public (طبعة 1922) صفحة 248.
[(19)] تنص المادة (44) من الدستور المصري على أن (الملك يولي ويعزل الموظفين على الوجه المبين بالقوانين)، ولا يجوز فيما نرى (كما هو الشأن في تفسير النص المقابل لهذا في الدستور الفرنسي) أن يفسر هذا النص تفسيرًا حرفيًا فنقول بأن الدستور إنما يمنح سلطة التعيين والعزل لرئيس السلطة التنفيذية فقط وأن ليس للسلطة التشريعية إلا أن تقرر الشروط والقيود التي يجب عليه مراعاتها ولكن ليس لها (أي للسلطة التشريعية) أن تمنح هذا الاختصاص لشخص آخر (للوزير مثلاً) أو لأية هيئة أخرى، إنما يجب أن تفسر هذه المادة في ضوء التقاليد التي سار عليها المشرع المصري وفي ضوء التفسير الذي أجمع عليه الفقه الفرنسي في تفسير المادة المقابلة في الدستور الفرنسي فتقول بأن هذه المادة إنما تقرر (اختصاصًا عامًا).
أي أن للملك سلطة تعيين وعزل الموظفين الذين لم تقرر لتعيينهم أو عزلهم طريقة أخرى على أن هذا النص - فيما نرى – رديء الصياغة، وكان من الأوفق أن يقتبس النص المقابل في الدستور البلجيكي مادة (66) إذ تنص على أن (الملك يعين في وظائف الإدارة العامة وفي السلك الخارجي ما عدا الاستثناءات التي تقررها القوانين)، ولكن نرى إضافة (والمراسيم) بعد كلمة القوانين لزيادة التفصيل يراجع كتابنا في (القانون الإداري) صفحة 37 - 41.
[(20)] راجع مؤلف الأستاذ جيز: المبادئ العامة للقانون الإداري (الطبعة الثالثة) الجزء الثالث صفحة 87 وما يتبعها وكذلك مجلة القانون العام وعلم السياسة (الفرنسية) لسنة 1937 صفحة 665 وما بعدها: تعليق على حكم مجلس الدولة في قضية بوني (الصادر في 27 مارس سنة 1936).
[(21)] مجلة القانون العام لسنة 1937 صفحة 666.
[(22)] ضمانات الموظفين (طبعة 1936) رسالة الدكتوراة للأستاذ عباس زكي، وراجع أيضًا دالوز Répertoire Pratique الجزء السادس طبعة 1914، رقم (236) تحت عنوان Fonctionnaires Publics
[(23)] كما هو شأن مدير الجامعة إزاء أعضاء هيئة التدريس بالجامعة (قانون رقم (21) لسنة 1933) وشأن النائب العمومي ووزير الحقانية إزاء أعضاء النيابة (دكريتو 11 يناير سنة 1897)، وشأن المدير ووزير الداخلية إزاء العمد (الأمر العالي الصادر في 16 مارس سنة 1895)، وشأن رئيس المصلحة أو الوزير إزاء الموظفين المعينين بقرار وزاري (وقد سبق الكلام في ذلك).
[(24)] يلاحظ أننا بالإشارة إلى كبار الموظفين المعينين بمرسوم لا نعني تلك الطوائف التي وضع لها المشرع نظامًا تأديبيًا خاصًا كرجال القضاء الأهلي وأعضاء النيابة وإن كان رجال القضاء كما قدمنا، لا يجوز لأية هيئة أن توقفهم عن العمل.
[(25)] فكما يقول العلامة هو ريوفي كتابه Précis élémentaire de droit Administratif طبعة سنة 1925 صـ 278 أن أول ما يعوز الموظفين إنما هو استقرار مراكزهم، وفي صـ 272 يقول ما نصه:

Tous les fonctionnaires ont un statut, c’est à - dire - des garanties de stabilité contre l’arbitraire gouvernmental.

[(26)] مجلة القانون العام (السابق الإشارة إليها) عدد 1937 صفحة 666.
[(27)] من تقرير الدكتور ليمجروبر Leimgruber نائب رئيس حكومة الاتحاد السويسري إلى مؤتمر العلوم الإدارية المنعقد في فينا من 19 - 24 يونيه سنة 1933 صفحة 18.