مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة العشرون سنة 1940
بحث في التشريع والقضاء التجاريين
لما كانت المعاملات التجارية تحتاج إلى السرعة بسبب تجددها المستمر، كان من الصعب إلزام التجار مراعاة الأحكام المدنية البطيئة، فتقررت قواعد خاصة للمواد التجارية تتناسب مع مقتضيات التجارية وتنظيم الثقة - أساس المعاملات التجارية - وتحمي معاهدها من بورصات ومصارف ومخازن وغيرها، وقد جمعت هذه الأحكام في قانون خاص مسمى قانون التجارة تمييزًا لها عن القانون المدني العادي، وكان من نتائج تمييز القانون التجاري عن القانون المدني إيجاد نظام قضائي خاص للفصل في المنازعات التجارية وفكرة عرض القضايا التجارية على محاكم خاصة فكرة قديمة جدًا، ويقول العالم الفرنسي المسيو ريفيو الباحث الأثري في الشرائع المصرية القديمة في كتابه الذي نشره بباريس في أواخر القرن التاسع عشر إن قدماء المصريين احترفوا بالتجارة وكان لمصر الفرعونية في عصرها الذهبي أسطول حربي تجاري لحفظ سيادة مصر السياسية ولنشر تجارتها في سائر الأنحاء ولما كثر تردد الأجانب على مصر أنشئ بمدينة نوكواتيس محكمة خاصة تنظر في الدعاوى التجارية التي تنشأ بين المصريين واليونانيين.
ويرى ريفيو أن قوانين قدماء المصريين كانت تتناول بعض الأحكام الخاصة بالتجارة، أما قوانين روما فلا تعرف التفرقة بين القانون المدني والقانون التجاري، ولما جاء الإسلام وجد العرب يشتغلون بالتجارة بين الحجاز واليمن والشام ثم امتدت تجارتهم في ظل راية الإسلام من الصين شرقًا إلى الأندلس في المحيط الأطلسي غربًا وبحر البلطيق شمالاً ومخرت سفنهم البحار تحمل أصناف التجارة من الهند والصيد ومدغشقر وزنجبار واليمن إلى البصرة فبغداد فالدار البيضاء فقرطبة فصقلية فالقيروان فالإسكندرية وجاء في القرآن الكريم أحكام خاصة بالتجارة فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) إلى أن قال (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم).
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة التي نزلت منذ ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن أن القاعدة في الإثبات الكتابة ما عدا الأحوال التجارية وهذا مذهب عطاء وابن جريح والنخعي واختاره محمد بن جرير الطبري وهذا ما تأخذ به الشرائع الحديثة منذ القرن التاسع عشر فقد استثنى المشرع الحديث المواد التجارية كما نعلم من قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة مهما بلغت قيمتها (كتاب الإثبات للأستاذ أحمد نشأت بك).
ثم إن بحوث فقهاء الشريعة الإسلامية في المسائل التجارية من حوالات وسفاتج وشركات وبيوع وقروض وإفلاس كنز لا يفنى ومعين لا ينضب ويجد الباحث ما يريد الوقوف عليه في هذا الشأن في بطون كتب الفقه الإسلامي خصوصًا فقه الإمام مالك بن أنس بن مالك والتي ترجم لبعضها إلى اللغة الفرنسية ومحفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس، ويشعر المطلع على هذه المصنفات أنه يقرأ في كتب شرح القانون التجاري الحديث.
ولم يقتصر بحث علماء الشريعة في القانون التجاري البري - وإنما عالجوا - خصوصًا وقت وجودهم في الأندلس - القانون التجاري البحري وأخذ الإفرنج عنهم كثيرًا من قواعدهم وألفاظهم ونذكر فقط على سبيل التمثيل أن الإفرنج أخذوا كلمة avorie عن عرب الأندلس من كلمة (عوار)، ومعناها (عيب) إذ يقول العرب سلعة ذات عوار: وأخذوا أيضًا كلمة (أميرال عن كلمة أمير البحر)، وأخذوا كلمة arsenal عن (دار الصناعة)، ويطول بنا المقام إذا استرسلنا في بيان ذلك ويكفي أنه قد شهد بذلك علماء الإفرنج فقد وضع البارون (كاردي فو) كتابًا في تراث عرب الأندلس أسماه le penseur d’islam شهد فيه بما كان لعرب الأندلس من فضل على المدنية الأوربية الحالية وخاصةً ما كان منها متصلاً بفن الملاحة والتشريع البحري فهم الذين اخترعوا (بيت الإبرة) أي البوصلة لهداية السفن في الملاحة كما أن شهاب الدين أحمد بن ماجد مؤلف كتاب (الفوائد في أصول البحر والقواعد) هو الذي قاد سفن فاسكو دي جاما إلى الهند من طريق جنوب إفريقيا عام 1498، وقد أخذ المسيو Gabriel Farrand وزير فرنسا المفوض بعض صور زنكغرافية لكتاب ابن ماجد ونشره بين ما كتبه المستشرقون بباريس عام 1921، وقد وضع أيضًا سليمان ماهر المعروف بالماهري كتابًا آخر في فن الملاحة والأحكام التي تجري على الملاحين وأصحاب السفن وهذه الكتب محفوظة مع آلاف الكتب العربية المخطوطة في مكتبة الفاتيكان بروما كما أفاض كثير من علماء الغرب في فضل الشركة الإسلامية على القوانين الأوربية في الماضي، ويكفي أن نشير الآن إلى الكتاب الذي ظهر منذ عامين واشترك في وضعه بعض المستشرقين وعنوانه The legay of Islam أي تراث الإسلام فقد أكد فيه المستشرق الكبير المسيو ساتبلانا في مقال عن الشريعة الإسلامية أن أوربا أخذت بعض قواعدها في القانونين المدني والتجاري عن الشريعة الإسلامية وهذا هو ما قاله بالحرف الواحد:
(Among our positive acquisitions from arab law, there are legal institutions such as limited partinerships (quiràd), and certain technicalities of commercial law. But even omitting these, there is no doubt that the high ethical standard of certrain parts of arab law acted favourable on the development of our modern concepts and, therin lies its enduting merit). [(1)]
اتصل التجار الإيطاليون وغيرهم من الأوربيين وفي العصور الوسطى إبان الحرب الصليبية وبعدها بالمسلمين واطلعوا على نظامهم الفقهي والقضائي الرائع بحكمته وبساطته وخلوه من التعقيدات الشكلية فساعدهم ذلك وشجعهم على التخلص من تعقيدات القانون الروماني والقانون الكنسي التي تدعو إلى بطء المعاملات وعرقلة التجارة فقط روى زميلنا الدكتور علي إبراهيم الزيني بك الأستاذ بجامعة فؤاد الأول أن أحد عظماء كتاب الغرب وهو ليربيور ليجونيير.
قال (إن العادات التي أدخلها التجار الإيطاليون في كل مكان تكون معظمها من عناصر مستمدة من القانون الروماني ولو أن منها أيضًا عناصر مأخوذة من عادات العرب والأتراك).
والواقع هو أن أحكام الشريعة الإسلامية على ما عرفناها من البساطة والخلو من التعقيد والرسميات ملائمة بنوع خاص للسرعة والثقة اللذين تقتضيهما المعاملات التجارية ولهذا سرعان ما اقتبس الغربيون أحسن ما في تلك العادات واتخذوه قانونًا للتجارة عندهم، ولما جاء عهد المغفور له محمد علي باشا كانت التجارة من أهم ما عنى به فأنشأ لها ديوانًا خاصًا شبيهًا بوزارة التجارة (القضاء التجاري - مقال منشور بجريدة الأهرام يوم 4 فبراير سنة 1940 للأستاذ عبد الله حسين المحامي)، كما أنشأ سنة 1261 مجلسًا للفصل في المنازعات التجارية بين الأهالي والأجانب وجعل مقره الإسكندرية (القضاء التجاري في مصر مقال منشور للأستاذ محمد محمود علام المحامي بجريدة الأهرام في 28 نوفمبر سنة 1938)، وفي سنة 1465 هجرية أنشأ مجلسًا آخر على نمطه في القاهرة وكان كل من هذين المجلسين يتكون من عدد من أعيان التجار غالبهم وطنيون والأقلية أجانب وقد أنشئ بعد ذلك، سنة 1855 مجلس استئنافي تنظر فيه الأحكام المستأنفة من المجالس الابتدائية التجارية وكان هذا المجلس مكونًا من ستة أعضاء نصفهم من الأجانب (المحاماة للمرحوم أحمد فتحي زغلول باشا)، وفي سنة 1856 صدرت لائحة تقضي بأن مجالس التجارة تحكم في القضايا وفقًا للعرف التجاري في مصر وطبقًا للقانون التجاري العثماني وعند عدم النص يرجع إلى القانون الفرنسي.
ولما تبوأ عرش مصر العاهل العظيم المغفور له إسماعيل باشا وجه عظيم عنايته إلى تجارة مصر البحرية فأنشأ الشركة العزيزية التي عرفت فيما بعد بمصلحة البوستة الخديوية وكان يتبعها أسطول تجاري كان فيه من البواخر الكبيرة ست وعشرون تجوب البحار رافعة العلم المصري وتنقل الناس والمتاجر والبريد بين ثغور مصر وشواطئ البحر الأبيض المتوسط في سوريا والأناضول وبلاد اليونان وشواطئ الدردنيل والبوسفور وثغور البحر الأحمر كسوا كن ومصرع وينبع وجدة والجديدة وتجتاز بوغاز باب المندب إلى زيلع وبربره وأراد بعد ذلك المغفور له إسماعيل باشا أن يحيط هذا الأسطول الضخم بسياج من القوانين العصرية تطبقها محاكم تُحاكي النظم الأوربية في تشكيلها.
ونحن جميعًا نعلم كيف انتهى الأمر بإنشاء المحاكم المختلطة سنة 1876 تلك المحاكم التي حاول نوبار باشا عام 1884 بمناسبة مؤتمر المحاكم المختلطة أن يقضي على استقلالها ونزع كل صفة دولية لها ولكنه أخفق في مسعاه بحجة أن المحاكم الأهلية لم يتم تنظيمها بعد وقد شكل في محيط المحاكم المختلطة دوائر تجارية للفصل في القضايا التجارية ثم أصلحت المحاكم الأهلية ووضعت لها شرائعها من مدنية وتجارية وغيرها على مثال القانون الفرنسي واستمر القضاءان يعملان جنبًا إلى جنب في توزيع العدالة وتقديم العلم القانوني في مصر إلا أن المحاكم المختلطة كانت تتوسع من ناحيتها في تطبيق نظرية ابتدعتها ونعتتها بنظرية الصالح المختلط وكان من مقتضاها أن كل قضية يكون فيها لأجنبي صالح ولو كان صوريًا تكون من اختصاصها، ثم إن اتفاق مونترو عام 1937، ولو أنه لا يقضي على هذه النظرية إلا أنه أصبح مشروعًا طبقًا لأحكامه جواز الاتفاق بين أولي الشأن من مصريين وأجانب أو أجانب فقط على قبول اختصاص المحاكم الأهلية بعد أن كانت المحاكم المختلطة تقضي باطراد بعدم شرعية هذا الاتفاق وكان من نتائج ذلك الزيادة المستمرة فيما يعرض الآن من القضايا على المحاكم الوطنية وقد بدأت مصر منذ الخامس عشر من أكتوبر سنة 1937 فترة الانتقال المنصوص عليها في اتفاقية مونترو والمقصود منها توطيد التعاون بين المصريين والأجانب ولهذا عني أولو الأمر بتهيئة المحاكم الوطنية للفصل في قضايا المحاكم المختلطة بعد انتهاء فترة الانتقال منذ وضعت معاهدة مونترو موضع التنفيذ وجد أن القضايا التجارية في المحاكم الأهلية في ازدياد مستمر فقد بلغت عام 1638 - 1939 أمام محكمة مصر الأهلية وحدها 539 قضية كلية وحوالي 1200 قضية جزئية، وهذا ما حدا بأولي الأمر إلى إنشاء دوائر تجارية في محيط القضاء الأهلي.
إن للقضاء التجاري خصومًا وأنصارًا فخصوم القضاء التجاري يقولون إن مثل هذا القضاء كان يوجد ما يبرره في العهد الماضي لما كان القانون التجاري لم تدون عاداته ولم تصدر بها مجموعة خاصة أما الآن فقد جمعت تلك العادات ودونت وصدرت بها قوانين خاصة فالقضاة العاديون أي الفنيون أقدر من التجار أنفسهم على الفصل في القضايا التجارية، فيوجد في كثير من الدعاوى أمور يستدعي الفصل فيها خبرة فنية خاصة لا تتوافر في القضاة التجار كما أنه قد تعرض بعض القضايا على المحاكم التجارية فتحكم فيها بعدم الاختصاص لأنها مدنية، فيسبب ذلك لذوى الشأن مصاريف كما يضيع عليهم وقتًا طويلاً ويُضاف إلى ذلك تحيز القضاة التجار إلى زملائهم من التجار فقد ثبت في فرنسا أن الدعاوى التي يحكم فيها قضاة من التجار وتستأنف أمام القضاء الاستئنافي حيث لا يجلس قضاة من التجار تلغي أحكامها بنسبة أكثر من الأحكام الأخرى التي تلغى أمام الاستئناف، ويكون قد حكم فيها ابتدائيًا من قضاة فنيين ويقولون أيضًا إن إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وهما بلدان تجاريان عظيمان تخضع فيهما المعاملات المدنية والتجارية لقواعد واحدة مستمدة من القانون العام المسمى Common Law، ولا يوجد فيها قضاء تجاري مستقل وقد ألغيت بالفعل المحاكم التجارية في إسبانيا عام 1868، وفي اليونان عام 1887، وفي هولندا عام 1827 وفي إيطاليا عام 1888، وفي رومانيا عام 1890، وكذلك لا توجد محاكم تجارية في دوقية لوكسمبورج وألغيت كذلك في المكسيك عام 1857، وفي شيلي عام 1866، ووضعت سويسرا أيضًا عام 1883 قانونًا للالتزامات شاملاً ما كان منها مدنيًا أو تجاريًا وهو الذي أدمج عام 1912 في القانون المدني السويسري.
أما أنصار القضاء التجاري فيرون أن القانون التجاري لم يبين جميع الأحكام الخاصة بالتجارة بل لا يزال هذا التشريع ناقصًا فالقانون التجاري لم يبين أحكام الحساب الجاري والتأمينات البرية كما أن بعض القوانين التجارية لها صيغة الأمر أما الأخرى فتفسيرية ولهذا وجب الالتجاء إلى قضاة من التجار لأنهم أعرف بعاداتهم وتقاليدهم من القضاة الفنيين ولهذا توجد محاكم تجارية في النمسا والمجر وألمانيا وبلجيكا وروسيا القيصرية وفي بعض مقاطعات سويسرا وتركيا والأرجنتين إنما المحاكم التجارية في النمسا وألمانيا يرأسها قاضٍ فني يعاونه اثنان من المحلفين التجار أما في فرنسا وهي مصر تشريعنا فكانت المحاكم التجارية تعقد فيها في الزمن القديم في الأسواق والموالد ويجلس للحكم فيها حراس هذه الأسواق وبعض التجار وأول محكمة تجارية نظامية عرفت في تاريخ فرنسا هي محكمة باريس التجارية التي أنشأها شارل التاسع عام 1563، وبعد ذلك كثرت في فرنسا هذه المحاكم وكان عددها 67 محكمة في منتصف القرن الثامن عشر، ولم يلغِ تشريع الثورة الفرنسية هذه المحاكم بل أبقاها ولا زالت منتشرة في جميع أنحاء فرنسا بين كاليه وبوردو ومارسيليا وليون ونانسي وغيرها تقضي في أقضية التجار رغم ما يوجه لها من النقد ويجلس للحكم فيها قضاة من التجار.
أما القضاء التجاري المختلط في مصر فقد كان قبل معاهدة مونترو ويجلس للفصل فيه قضاة فنيون عاديون ففي المحاكم الجزئية التجارية كان يجلس فيها قاضٍ فني أما المحاكم الابتدائية فكان يجلس فيها ثلاثة من القضاة الفنيين اثنان منهم من الأجانب أحدهما الرئيس وقاضٍ وطني ومعهما اثنان من المحلفين التجار أحدهما وطني والآخر أجنبي ويجلسان بجانب القضاة العاديين ورأي المحلفين قطعي في الدعوى لا استشاري بمعنى أنه إذا انضم لرأيهما أحد القضاة الثلاثة صدر الحكم وفقًا لرأيهما أما بعد معاهدة مونترو فإسقاطًا لحجة خصوم القضاء التجاري أُلغي نظام المحلفين وأصبح القضاة الفنيون هم وحدهم الذين يفصلون في الأقضية التجارية وهذا أيضًا هو النظام الذي اتبع الآن في تشكيل المحاكم التجارية في محيط القضاء الوطني ولقد ثبت بالتجربة أن القضاء التجاري المشكل على هذا الوجه قد قام خير قيام بالفصل في أنواع النزاع التجاري، لم يكن للمصريين نصيب يذكر في التجارة والشركات التجارية التي تشتغل في بلادهم لأن الشركات المساهمة التي كانت تؤلف في مصر عمادها رؤوس الأموال الأجنبية والعمل الأجنبي غير أنه لما قامت الحرب الكبرى عام 1914، وامتنع ورود الكثير من المصنوعات وأصناف المتاجر اندفعت بعض الأموال المصرية في سبيل الصناعة والتجارة إلى جانب الزراعة التي كان ميل المصريين متجهًا دائمًا إليها ولهذا أصبح قانون التجارة لا يتفق مع مقتضيات هذا العصر فالقانون التجاري الأهلي لا يشمل جميع المسائل الخاصة بالتجارة بل أغفل الشيء الكثير منها فقد انفرد التشريع المختلط بالصلح الواقي من الإفلاس ولا مقابل له في التشريع الأهلي وما أشد حاجة التجار الوطنيين إلى هذا النوع من الحماية أسوة بزملائهم الأجانب أمام المحاكم المختلطة كما أن نظام وكلاء الديانة في حاجة إلى أسس وقواعد ثابتة ويا حبذا لو أخذ في مصر بنظام وكلاء الديانة الموظفين كما هو عليه الحال في النظام الإنكليزي وإنا ندعو خريجي كليتي التجارة والحقوق إلى الانتظام في سلك وكلاء الديانة ليكونوا عونًا على تحقيق مشاكل الإفلاس المعقدة ولهذا يقع على عاتق لجنة تعديل القانون التجاري سرعة تنقيح القوانين التجارية وسد نقصها والاستعانة في ذلك بما قرره القضاء المختلط من المبادئ الهامة في هذا الشأن فالقانون التجاري المصري لم يعد متفقًا مع مقتضيات هذا العصر فبينما فرنسا التي أخذنا عنها تشريعنا تابعت حركة إصلاح القوانين التجارية واشتركت في المؤتمرات الدولية بشأن التشريع التجاري وآخر ما عملته إصدارها في عهد وزارة المسيو بلوم Blaume عام 1934 عدة قوانين جديدة خاصة بالأوراق التجارية والشركات والإفلاس وراعت في القوانين الخاصة بالأوراق التجارية ما كان قد قرره مؤتمر جنيف عام 1930 بشأنها - إذا بالتشريع المصري لم يطرأ عليه أي تعديل.
ونذكر في هذا المقام أن أول من فكر في العهد الحديث في تعديل القوانين المصرية هو صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا وقت أن كان عميدًا لكلية الحقوق فقد أدرك بثاقب رأيه أن القوانين المعمول بها في حاجة إلى إعادة نظر كاملة لأن تجارب الحياة كشفت فيها عن عيوب وعن وجوه إصلاح فلما ولي مقاليد الحكم عام 1939 عمد إلى تأليف لجان لبناء القوانين الجديدة وراعى في تشكيلها أصدق الاعتبارات التي تتفق والصالح العام واختار لها أيضًا العلماء الأجانب قاصدًا بذلك أن تكون القوانين الجديدة مثالاً يُحتذى به في بعض الأمم الأخرى فتصبح مرجعًا يهتدي به لتذكر بين أمم الأرض كما كان يذكر القانون الألماني والقانون السويسري، ولكن قضت الأقدار بعد ذلك أن تحل هذه اللجان ثم يُعاد تأليفها المرة بعد المرة والتشريع واقف كما هو بينما الحياة تتطور والبلاد في حاجة إلى إصلاح قانوني إلى أن ولي مقاليد وزارة العدل حضرة صاحب المعالي الوزير مصطفى الشوربجي بك فعمل على إصلاح التشريع التجاري البري واختار للجنة تعديله ثلاثة من أعلام القانون في مصر وهم حضرات أصحاب العزة حامد فهمي بك وفؤاد حسني بك والدكتور محمد صالح بك، أما القانون البحري فقد كان أسعد حظًا من القانون التجاري البري فقد رأى حضرة صاحب المعالي أمين أنيس باشا وزير العدل السابق حاجة القضاء المختلط القائم وحدة حتى الآن بأعباء تطبيقه إلى قانون بحري جديد يتفق مع ما وصلت إليه الوحدات البحرية من التقدم والرقي فألف عام 14935 لجنة لتعديله برئاسة حضرة صاحب السعادة يونس صالح باشا المستشار الملكي وقد قطعت هذه اللجنة شوطًا كبيرًا نحو إتمامه فأدت بجهدها العظيم جزءًا كبيرًا من الأمانة التي وكلت إليها.
ستلغي المحاكم المختلطة في اليوم الرابع عشر من شهر أكتوبر سنة 1949 أي بعد تسع سنين وما ذلك الأجل ببعيد وسيؤول عملها إلى المحاكم الوطنية وإلى القضاة الواقفين والجالسين والمحامين الوطنيين ولهذا يجب متابعة التجديد في أنظمتنا القضائية الأهلية حتى إذا ما انتهت فترة الانتقال توطد الأمر كله للمحاكم الوطنية فلا يجد المتقاضون صعوبة أو اختلافًا بين القضاء المختلط الماضي والقضاء الوطني الباقي.
محمد كامل أمين حلس
القاضي بمحكمة مصر الأهلية
[(1)] وقد عالج الشيخ الجليل ابن عابدين في رسائله المطبوعة في الأستانة بعض المسائل الخاصة بالتشريع البحري نذكر منها عقد التأمين البحري.
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية
23 سبتمبر 2011
بحث في تحويل الديون التجارية
مجلة المحاماة - السنة الرابعة 1923
أبحاث قانونية وشؤون قضائية
بحث في تحويل الديون التجارية
قررت محكمة مصر الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية قاعدة أنه (لا يجوز التنازل عن الأحكام وتحويل الديون المقضي بها فيها إلى الغير إلا برضاء المدين ولو كان أصل الدين دينًا تجاريًا).
استلفت نظري هذا الحكم وأنا أقلب صفحات العدد الأخير من مجلة المحاماة لمخالفته ما هو مقرر مشهور في حوالة الديون التجارية فطالعت أسبابه وأنا طامع أن أجد فيها ما يبرر الخروج على المعروف الثابت فلم أجد سوى ما يأتي:
- بما أنه لا نزاع في أن المستأنف ليس بيده ورقة تجارية يستند إليها في دعواه بل كل ما يرتكن إليه هو الحكم الصادر له.
- وبما أن هذا الحكم لا يمكن بأية حالة من الأحوال اعتباره سندًا تجاريًا حائزًا لشروط الأوراق التجارية التي تنتقل ملكيتها بمجرد تحويل بغير حاجة إلى رضاء المدين تلك الشروط التي إن فاتت أية ورقة تجارية سٍقط اعتبارها كورقة تجارية مهما كان موضوعها والمتعاملين بها تجارًا (راجع بودري في كتاب البيع بند 799 تعليقًا على المادة 1690 فرنسي).
- وبما أنه إذا تبين ذلك أصبح من المتعين اقتضاء رضاء المدين لكي يكون التحويل صحيحًا ورضاء المدين في هذه الدعوى لا أثر له.
أسباب غامضة أكبر ظني أن الإشارة فيها يرجع إلى المادة (349) القائلة لا تنتقل ملكية الديون والحقوق المبيعة ولا يعتبر بيعها صحيحًا إلا إذا رضي المدين بذلك بموجب كتابة إلخ.
- وزيادة على ذلك لا يصح الاحتجاج بالبيع على غير المتعاقدين إلا إذا كان تاريخ الورقة المشتملة على رضاء المدين به ثابتًا بوجه رسمي ولا يسوغ ذلك الاحتجاج إلا من التاريخ المذكور فقط وكل هذا بدون إخلال بأصول التجارة فيما يتعلق بالسندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها.
التبس معنى الفقرة الأخيرة من هذه المادة عل محكمة مصر كما يظهر، فظنت إن القانون المصري قد ساوى بين الديون المدنية والتجارية فيما يختص بشروط تحويلها فاقتضى رضاء المدين في النوعين لكي يصبح التحويل صحيحًا ولكن استثنى من ذلك السندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها كالكمبيالات والسندات التي تحت الإذن فأجاز تحويلها دون حاجة لرضاء المدين.
على أن الظاهر الواضح أن (وكل هذا بدون إخلال بأصول التجارة فيما يتعلق بالسندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها) إنما ترجع الإشارة فيها إلى ما تقدمها مباشرةً من الكلام على صحة الاحتجاج بتاريخ التحويل على الغير لا إلى صحة التحويل فيما بين الدائن والمدين، يدل على ذلك:
أولاً: نص المادة (436) من القانون المدني المختلط وهي التي تقابل المادة (349) أهلي فقد جاء في أولها:
La propriété du droit cédé est transmise vis - a - vis des tiers;
1 - Par La notification du transport au debiteur cédé.
2 - Par l’acceptation du cédé dans un acte ayant date certaine et à partir de cette date seulement. Elle est val able contre le cédé quoique l’acte n’ait pas date certaine du moment de son acceptation, et le tout sans prejudice des régles du commerce pour la cession des titres et effets de commerce.
وهذا النص لا يعتوره ما في النص الأهلي من الغموض بل هو صريح في أن استثناء الأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها إنما هو من وجوب إثبات تاريخ الرضاء بالنسبة للغير لا من اقتضاء الرضاء نفسه.
ثانيًا: جاء في الفقرة الأخيرة من المادة المختلطة وهي الخاصة بالتحويل بين الوطنيين ما لا يترك مجالاً للشك في قصد الشارع المصري قالت:
Méanmoins les obligations purement civiles nécent entre indigénes, ne pourront être cédées qu’ avec le consentement du debiture lequel ne pourra être établi que pas ecrit ou par delation du serment.
فيخرج من حكم هذا النص بداهة الديون التي ليست تجارية صرفًا.
ثالثًا: قضت محكمة الاستئناف المختلطة تأييدًا لما تقدم بأن:
La cession ayant pour object une créance commerciale est valable même quand les deux parties sont des sujets locaux, sans besoin du consentment du debiteur (Bulletin Au XXI p. 348).
رابعًا: أما البند الذي استندت عليه محكمة مصر في شرح العلامة بودري فلا علاقة له بموضوع بحثنا البتة بل هو خاص كما يتبين من مجرد الاطلاع على عنوانه بالكلام على ما استثناه القانون الفرنسي من حكم المادة (1690)، وهي التي تنص على وجوب إثبات تاريخ الرضا بالنسبة للغير كما في القانون الأهلي والمختلط.
على أن العلامة بودري قد عالج علاقة المحتال بالمدين في موضع آخر من كتابه ورأيه الصريح أن عدم رضاء المدين بالتحويل (أو إعلانه به كما في القانون المختلط) لا يقف عائقًا في سبيل انتقال ملكية الدين إلى المحتال ولا يمنع هذا الأخير من مقاضاة المدين بطلب حقه منه (راجع شرح البيع للعلامة متقدم الذكر بند 851).
ولا يعترض على ما تقدم بأن الفقرة الأخيرة من المادة (349) باقتضائها إثبات تاريخ قبول المدين حتى في تحويل الديون التجارية قد اقتضت ضمنًا هذا القبول فإن القانونين الأهلي والمختلط قد افترضا كذلك وجود الرضاء عند الكلام على صحة الاحتجاج بالتحويل على الغير كالمادة الأهلية سواء بسواء (مادة 1690 فرنسي، و436 مختلط)، ولم يقل في فرنسا ولا أمام المحاكم المختلطة أحد بأن هذا الافتراض معناه أن تحويل الديون لا يكون صحيحًا فيما بين المحتال والمدين إلا إذا رضى هذا الأخير بالتحويل، بل المفهوم هناك أن قبول المدين الذي اشترط الشارع إثباته بورقة رسمية أو ثابتة التاريخ هو نوع من الإعلان يراد به كإعلان التحويل إلى المدين حماية الغير من أن يتعاقد مع الدائن على الدين المحول مرة أخرى (انظر شرح البيع للعلامة بودري بند 767 وما بعده).
أبحاث قانونية وشؤون قضائية
بحث في تحويل الديون التجارية
قررت محكمة مصر الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية قاعدة أنه (لا يجوز التنازل عن الأحكام وتحويل الديون المقضي بها فيها إلى الغير إلا برضاء المدين ولو كان أصل الدين دينًا تجاريًا).
استلفت نظري هذا الحكم وأنا أقلب صفحات العدد الأخير من مجلة المحاماة لمخالفته ما هو مقرر مشهور في حوالة الديون التجارية فطالعت أسبابه وأنا طامع أن أجد فيها ما يبرر الخروج على المعروف الثابت فلم أجد سوى ما يأتي:
- بما أنه لا نزاع في أن المستأنف ليس بيده ورقة تجارية يستند إليها في دعواه بل كل ما يرتكن إليه هو الحكم الصادر له.
- وبما أن هذا الحكم لا يمكن بأية حالة من الأحوال اعتباره سندًا تجاريًا حائزًا لشروط الأوراق التجارية التي تنتقل ملكيتها بمجرد تحويل بغير حاجة إلى رضاء المدين تلك الشروط التي إن فاتت أية ورقة تجارية سٍقط اعتبارها كورقة تجارية مهما كان موضوعها والمتعاملين بها تجارًا (راجع بودري في كتاب البيع بند 799 تعليقًا على المادة 1690 فرنسي).
- وبما أنه إذا تبين ذلك أصبح من المتعين اقتضاء رضاء المدين لكي يكون التحويل صحيحًا ورضاء المدين في هذه الدعوى لا أثر له.
أسباب غامضة أكبر ظني أن الإشارة فيها يرجع إلى المادة (349) القائلة لا تنتقل ملكية الديون والحقوق المبيعة ولا يعتبر بيعها صحيحًا إلا إذا رضي المدين بذلك بموجب كتابة إلخ.
- وزيادة على ذلك لا يصح الاحتجاج بالبيع على غير المتعاقدين إلا إذا كان تاريخ الورقة المشتملة على رضاء المدين به ثابتًا بوجه رسمي ولا يسوغ ذلك الاحتجاج إلا من التاريخ المذكور فقط وكل هذا بدون إخلال بأصول التجارة فيما يتعلق بالسندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها.
التبس معنى الفقرة الأخيرة من هذه المادة عل محكمة مصر كما يظهر، فظنت إن القانون المصري قد ساوى بين الديون المدنية والتجارية فيما يختص بشروط تحويلها فاقتضى رضاء المدين في النوعين لكي يصبح التحويل صحيحًا ولكن استثنى من ذلك السندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها كالكمبيالات والسندات التي تحت الإذن فأجاز تحويلها دون حاجة لرضاء المدين.
على أن الظاهر الواضح أن (وكل هذا بدون إخلال بأصول التجارة فيما يتعلق بالسندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها) إنما ترجع الإشارة فيها إلى ما تقدمها مباشرةً من الكلام على صحة الاحتجاج بتاريخ التحويل على الغير لا إلى صحة التحويل فيما بين الدائن والمدين، يدل على ذلك:
أولاً: نص المادة (436) من القانون المدني المختلط وهي التي تقابل المادة (349) أهلي فقد جاء في أولها:
La propriété du droit cédé est transmise vis - a - vis des tiers;
1 - Par La notification du transport au debiteur cédé.
2 - Par l’acceptation du cédé dans un acte ayant date certaine et à partir de cette date seulement. Elle est val able contre le cédé quoique l’acte n’ait pas date certaine du moment de son acceptation, et le tout sans prejudice des régles du commerce pour la cession des titres et effets de commerce.
وهذا النص لا يعتوره ما في النص الأهلي من الغموض بل هو صريح في أن استثناء الأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها إنما هو من وجوب إثبات تاريخ الرضاء بالنسبة للغير لا من اقتضاء الرضاء نفسه.
ثانيًا: جاء في الفقرة الأخيرة من المادة المختلطة وهي الخاصة بالتحويل بين الوطنيين ما لا يترك مجالاً للشك في قصد الشارع المصري قالت:
Méanmoins les obligations purement civiles nécent entre indigénes, ne pourront être cédées qu’ avec le consentement du debiture lequel ne pourra être établi que pas ecrit ou par delation du serment.
فيخرج من حكم هذا النص بداهة الديون التي ليست تجارية صرفًا.
ثالثًا: قضت محكمة الاستئناف المختلطة تأييدًا لما تقدم بأن:
La cession ayant pour object une créance commerciale est valable même quand les deux parties sont des sujets locaux, sans besoin du consentment du debiteur (Bulletin Au XXI p. 348).
رابعًا: أما البند الذي استندت عليه محكمة مصر في شرح العلامة بودري فلا علاقة له بموضوع بحثنا البتة بل هو خاص كما يتبين من مجرد الاطلاع على عنوانه بالكلام على ما استثناه القانون الفرنسي من حكم المادة (1690)، وهي التي تنص على وجوب إثبات تاريخ الرضا بالنسبة للغير كما في القانون الأهلي والمختلط.
على أن العلامة بودري قد عالج علاقة المحتال بالمدين في موضع آخر من كتابه ورأيه الصريح أن عدم رضاء المدين بالتحويل (أو إعلانه به كما في القانون المختلط) لا يقف عائقًا في سبيل انتقال ملكية الدين إلى المحتال ولا يمنع هذا الأخير من مقاضاة المدين بطلب حقه منه (راجع شرح البيع للعلامة متقدم الذكر بند 851).
ولا يعترض على ما تقدم بأن الفقرة الأخيرة من المادة (349) باقتضائها إثبات تاريخ قبول المدين حتى في تحويل الديون التجارية قد اقتضت ضمنًا هذا القبول فإن القانونين الأهلي والمختلط قد افترضا كذلك وجود الرضاء عند الكلام على صحة الاحتجاج بالتحويل على الغير كالمادة الأهلية سواء بسواء (مادة 1690 فرنسي، و436 مختلط)، ولم يقل في فرنسا ولا أمام المحاكم المختلطة أحد بأن هذا الافتراض معناه أن تحويل الديون لا يكون صحيحًا فيما بين المحتال والمدين إلا إذا رضى هذا الأخير بالتحويل، بل المفهوم هناك أن قبول المدين الذي اشترط الشارع إثباته بورقة رسمية أو ثابتة التاريخ هو نوع من الإعلان يراد به كإعلان التحويل إلى المدين حماية الغير من أن يتعاقد مع الدائن على الدين المحول مرة أخرى (انظر شرح البيع للعلامة بودري بند 767 وما بعده).
بحث مسؤولية أمين النقل
كتبهااحمد الجمل ، في 6 أبريل 2009 الساعة: 00:24 ص
مجلة المحاماة - العدد الثامن
السنة الثانية والثلاثون سنة 1952
بحث مسؤولية أمين النقل
للأستاذ محمد حامد رضوان المحامي من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة
تشغل مسؤولية أمين النقل حيزًا ظاهرًا أمام القضاء وتثير الكثير من البحوث وخاصةً عن ماهية الشروط الواردة في عقد النقل ومدى الأخذ بها وعن الخطأ الجسيم والغش من جانب، والخطأ اليسير من جانب آخر وعن سلطة القاضي إزاء هذه الشروط هذا ولما كانت مسؤولية أمين النقل تخضع لأحكام المواد (90) إلى (104) من القانون التجاري ولأحكام القواعد العامة في الالتزامات فإن هذه المسؤولية يجب النظر إليها على ضوء ما ورد في القانون المدني الجديد على أنه يتعين بادئ ذي بدء التعرض لماهية عقد النقل من ناحية ولتعريفة النقل من ناحية أخرى.
ماهية عقد النقل:
عقد النقل هو عقد يلتزم بموجبه شخص طبيعي أو معنوي، بالقيام بنقل بضائع أو أشخاص بوسيلة من وسائل النقل من مكان إلى مكان آخر مقابل أجر معلوم وبشروط معينة.
والرأي الثابت أن من عقود الإذعان [(1)] Contrat d’adhesion، وليس من العقود الرضائية البحتة، كما يذهب إلى ذلك أمناء النقل أحيانًا، بدعوى أن هذا النوع من العقود لا يتوفر إلا حيث يوجد احتكار قانوني أو فعلي لشخص لشيء يعد ضروريًا للطرف الآخر، ولما كانت وسائل النقل متعددة بين برية، بالسكة الحديد والسيارات والعربات، ونهرية، بالمراكب والسفن من بخارية وشراعية فإن ركن الاحتكار يعد غير متوافر، ذلك أن هذا النوع من العقود يتميز بتعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين وباحتكار هذه السلع والمرافق، احتكارًا قانونيًا أو فعليًا أو قيام منافسة محدودة النشاط بشأنها وبتوجيه عرض الانتفاع بها إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل فئة منها، ولذلك فإن عقد النقل هو دون ريب من هذه العقود، وأهمية هذا البحث تبدو في أن القانون المدني الجديد وإن اعتبر المادة (100) تسليم العامة بالشروط المقررة في هذا النوع من العقود قبولاً حقيقيًا يتوافر معه قيام العقد، أخذًا بالرأي الغالب في الفقه والقضاء [(2)]، إلا أنه قد أجاز المادة (149) للقاضي أن يُعدل الشروط التعسفية فيها أو يعطي الطرف المذعن منها.
وقد اختلف الرأي حول طبيعة هذا العقد فيذهب الرأي إلى أنه من عقود التراضي التي تنعقد بدون حاجة إلى أي إجراء وليست تذكرة النقل إلا صورة من صور إثباته [(3)]، ولكن الرأي الآخر يذهب إلى القول بأنه عقد عيني وإلى أن رضاء أمين النقل والراسل ليس من نوع الرضاء في العقود العادية حيث تكون الإرادة حرة طليقة بل إن رخاء الراسل لا يتم إلا بعد تسليم الأشياء المراد نقلها إلى أمين النقل فعلاً وعندئذ فقط يقبل الشروط المعروضة عليه وعندئذٍ فقط يتم العقد، أما قبل ذلك فليس ثمة عقد نقل بل قد يوجد عقد وعد بالنقل قد يترتب التزامًا بالتعويض. [(4)]
وعقد النقل من العقود الملزمة لجانبين كما أنه ليس عقدًا شكليًا، وإذا كانت المادة (95) من القانون التجاري المصري، و(100) من القانون الفرنسي تنص على أن (تذكرة النقل هي عبارة من مشارطة بين المرسل وأمين النقل أو بين المرسل والوكيل بالعمولة وبين أمين النقل) فإن هذا ليس معناه أن الكتابة ركن في العقد أو أنها وسيلة الإثبات الوحيدة بل هي ترمي إلى أنه يمكن تعرف شروط النقل وأحكامه من واقع البوليصة ولقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن وضع البضائع في الردهة الداخلية للمحطة فيعترض معه قانونًا أنها في طريق النقل ولو لم يحرر العقد بعد فهي بذلك لم تستلزم تحرير العقد لإمكان تمامه. [(5)]
ولكن هل عقد النقل عقد مدني أم تجاري ؟ أما بالنسبة للناقل فإنه إذا كان يتخذ النقل حرفة له فإن العقد يعد تجاريًا (م (2) تجاري مصري و(632) فرنسي)، أما إذا كانت عمليات النقل عمليات فردية فهل معنى ذلك أنها ليست من قبيل الأعمال التجارية ؟ وهنا يجب أن نُفرق في النظر إلى المسألة بين الراسل والمرسل إليه من جهة وبين أمين النقل من جهة أخرى، فبالنسبة للأولين لا يعد تجاريًا إلا إذا كان متعلقًا بتجارة أيهما وهذا الحل مبني على نظرية الأعمال التجارية بالتبعية بالنسبة للتاجر يُعد تجاريًا إذا هو أرسل بضاعته المبيعة للمشتري أو للوكيل بالعمولة لبيعها ولكنه يُعد مدنيًا إذا هو نقل بعض أمتعته وحاجياته الخاصة، أما بالنسبة لأمين النقل إذا كان شخصًا عاديًا لا يحترف النقل وإنما قام بعملية فردية فإذا كان النقل بالمجان فالرأي الراجح في الفقه وفي القضاء أنه لا يوجد عقد نقل بل عقد غير معين يخضع للقواعد العامة في الالتزامات أما إذا كان مقابل أجر فإن العملية في ذاتها تعد عملاً تجاريًا ولو أن الشخص الذي يقوم بها ليس تاجرًا ولهذا فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الدولة إذا باشرت بنفسها النقل بالسكة الحديدية فإنها تقوم بعمل تجاري ولو أنها ليست تاجرة. [(6)]
وطرفا هذا العقد هما الراسل expédituer وأمين النقل voturieg أما المرسل إليه فمركزه هو مركز المستفيد من مشارطة عقدت لصالحه stipulation pour autrivi، ويكون الحق في رفع الدعوى بسبب هذا العقد لهؤلاء فقط. [(7)]
وشروط هذا العقد شروط مطبوعة وضعت مقدمًا في نموذج معين عام بالنسبة للجميع ولا يمكن المناقشة فيها، كما أنها ترتكز على أساس التعريفة التي يضعها أمين النقل بعد موافقة السلطات الحكومية وهي تقسم النقل إلى فئات وأنواع متعددة مختلفة الشروط والأحكام، ولذلك فإنه يتعين علينا مناقشة هذه التعريفة وماهيتها.
ماهية التعريفة:
( أ ) الصفة اللائحية: يثور البحث حول ماهية التعريفة ومدى وجوب الأخذ بها وهل لها صفة تشريعية أم صفة جزائية، وأهمية هذا البحث مردها أن عقد النقل يحيل إليها في الكثير من الشروط، ولما كانت هذه التعريفة تنقسم إلى عدة أقسام لذلك تبدو أهمية تكييفها القانوني فهي تختلف باختلاف نوع البضاعة وعما إذا كان النقل بالطريق السريع أو العادي كما أن هنالك تعريفة عامة وتعريفة خاصة كما أن هنالك تعاريف متعددة.
فتحديد أجر النقل هو من العناصر الرئيسية في كل تعريفة وتدور حوله شروط النقل، فالتعريفة ذات السعر المنخفض عن العادي تستلزم بالتبعية حتمًا زيادة التزامات الراسل، ولكل تعريفة من هذه التعريفات شروطها المميزة، والتعريفة ذات السعر المنخفض تستلزم تخفيض الأجر كما تشترط بعض شروط لصالح أمين النقل كعدم مسؤوليته في حالة امتداد أجل النقل (التأخير) أو تحديد المسؤولية في هذه الحالة أو إلقاء عبء شحن وتفريغ العربة على عاتق الراسل أو المرسل إليه.
وفي فرنسا تعد التعريفة، رغم اعتراضات البعض، لائحة تشريعية تتمتع بما تتمتع به اللوائح الإدارية من قوة وتدير الخطوط الحديدية هنالك الشركة الأهلية للسكك الحديدية الفرنسية Societé National de chemins de fers، وهنالك تقوم الشركة والحكومة معًا بتحضير مشروع هذه التعريفة وتتمتع الإدارة بسلطة واسعة عند وضعها ومراجعتها ومردها إلى الصالح العام فإذا ما وافقت الحكومة على ما تضمنته، وبعد أن تدخل عليها من التعديلات ما تراه، وضعت التعريفة في صورة لائحة تقوم الحكومة بالتصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية وعندئذٍ تكتسب صفتها هذه وتكون ملزمة للكافة فلا يجوز الخروج على أحكامها لا من الراسل أو المرسل إليه ولا من أمين النقل ولا يجوز التعديل في أحكامها إلا بالطريق الذي وضعت به. [(8)]
وأما في مصر فقد صدرت تعريفة النقل بالسكة الحديد بموجب قرار من معالي وزير المواصلات بتاريخ 3 مايو سنة 1930 وقد نشرت بالوقائع الرسمية بالعدد 66 الصادر في 10 يوليه سنة 1930، ولكن الاعتراضات التي وجهت إلى هذه التعريفة وإلى مدى التمسك بها تقوم على أساس أنها لا يمكن أن تتجاوز قوة القرار الوزاري ما دامت لا تستند إلى قانون يخول إصدارها فهي بذلك ليست لائحة تفويضية، ولما كان عقد النقل تحكمه النصوص الخاصة في القانون التجاري والنصوص العامة في باب الالتزامات في القانون المدني فإن هذه الأحكام هي الواجبة التطبيق دون التعريفة لأنها لا يمكن أن تسمو إلى مرتبتهما.
(ب) الصفة الجزائية:
إذا تركنا جانبًا الخلاف حول ماهية التعريفة من الناحية التشريعية ومدى قوتها الإلزامية فإننا نجد أن رأيًا آخر يذهب إلى الأخذ بها على أساس آخر فلقد ذهبت بعض الأحكام إلى أنه لما كانت بوليصة الشحن تحيل فيما تحويه من شروط إلى التعريفة باعتبارها جزءًا رئيسيًا مكملاً لعقد النقل وخاصةً بالنسبة للتعويضات عند قيام مسؤولية أمين النقل فإن ذلك يعد شرطًا جزائيًا يتعين الأخذ به تطبيقًا لأحكام المادة (123) من القانون المدني القديم، ولذلك فلقد أخذت هذه الأحكام بالتعويضات المقدرة في التعريفة وبالحدود الواردة فيها. [(9)]
على أننا إذا رجعنا إلى أحكام الشرط الجزائي في القانون المدني الجديد لوجدنا أن المادة (225) تنص على أنه إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإنفاقي فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشًا أو خطأ جسيمًا، وتطبيقًا لأحكام هذه المادة فإننا لو اعتبرنا أن إحالة بوليصة الشحن إلى التعريفة يعد شرطًا جزائيًا فإن الحدود التي وردت بها تعد حدًا أقصى لا يجوز تجاوزه إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم اللهم إلا إذا أمكن القول بأن هذا الشرط يقصد به إلى الإعفاء من المسؤولية حيث لا تجيز نصوص القانون وأحكامه ذلك.
نطاق مسؤولية أمين النقل:
إذا لم تتضمن بوليصة النقل شروطًا خاصة أو كانت هذه الشروط مجرد تطبيق للقواعد العامة في الالتزامات أو للأحكام الخاصة بعقد النقل في القانون التجاري أو كانت هذه الشروط شروطًا مكتوبة لا مطبوعة فإنه في جميع هذه الأحوال يتعين الأخذ بالقواعد العامة ويكون العقد في هذه الحالة عقدًا رضائيًا بحتًا كسائر العقود، ويترتب على ذلك أن أمين النقل يلتزم بنقل الشيء كاملاً وسليمًا من جهة معينة إلى جهة أخرى وبالشروط المتفق عليها وخلال المدة التي حددها الطرفان، فإذا لم ينفذ التزامه فإنه يعد مرتكبًا خطأ تعاقديًا يجعله مسؤولاً مسؤولية تعاقدية وعليه هو إما أن يثبت قيامه بتنفيذ التزامه على الوجه المتفق عليه أو يدفع عن نفسه المسؤولية بإثبات قيام السبب الأجنبي كالقوة القاهرة والحادث الفجائي أو العيب في الشيء أو فعل الراسل أو المرسل إليه أو فعل الغير.
ولقد نصت المادة (97) من قانون التجارة على أن (أمين النقل ضامن للأشياء المراد نقلها إذا تلفت أو عدمت إلا إذا حصل ذلك بسبب عيب ناشئ عن نفس الأشياء المذكورة أو بسبب قوة قاهرة أو خطأ أو إهمال ن مرسلها) كما نصت المادة (98) على أنه (إذا لم يحصل النقل في الميعاد المتفق عليه بسبب قوة قاهرة فلا يترتب على التأخير إلزام أمين النقل بتعويضات).
ويسأل أمين النقل في حالات ثلاث أولاها حال ضياع الشيء المنقول كلية أو جزئية، وثانيها حال إصابته بتلف، والحال الثالثة هي حال التأخير، وإلى جانب الحالات والنصوص الخاصة التي سنتعرض لها فيما بعد فإن مسؤولية أمين النقل حال عدم تضمن عقد النقل لشروط خاصة تقوم، كما في القواعد العامة، على أساس خطأ مفترض قانونًا قبل أمين النقل لمجرد عدم قيامه بتنفيذ التزامه ويكون شأنه كشأن الخطأ في المسؤولية التعاقدية غير قابل لإثبات عكسه ولكن يكون لأمين النقل أن يدفع هذه المسؤولية بإثبات نفي قيام علاقة السببية بين ركن الخطأ الثابت قانونًا من عدم التنفيذ وبين ركن الضرر الذي يثبته مدعيه، وذلك بإثبات قيام السبب الأجنبي وأن الضرر يرجع إليه وحده أما إذا كان يرجع لخطأ أمين النقل من ناحية وللسبب الأجنبي من ناحية أخرى فإنه لا يسأل إلا بنسبة ما ارتكبه من خطأ.
ويكون أمين النقل عندئذٍ ملتزمًا بتعويض الطرف الآخر (الراسل أو المرسل إليه) عما لحقه من خسارة وما فاته من ربح بالقيد الذي ذكرناه.
على أنه تطبيقًا للقواعد العامة لا يكون مسؤولاً إلا عن الضرر المباشر فقط أما الضرر غير المباشر فلا يسأل عنه إطلاقًا سواء أكان الخطأ المنسوب إليه يسيرًا أو جسيمًا مصحوبًا بغش أو تدليس أو غير مصحوب، كما أنه حتى في نطاق الضرر المباشر لا يسأل إلا عن الضرر المتوقع فقط إلا إذا كان الخطأ الذي ارتكب جسيمًا أو مصحوبًا بغش أو تدليس فإنه يسأل في هذه الحالة عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، كما أن هذا التعويض يستحق دون حاجة إلى التكليف الرسمي.
وإذا فقدت البضاعة أو تلفت فإن أمين النقل يلتزم بقيمتها ولكن الخلاف بين الشراح والمحاكم في فرنسا على حالة السلع المسعرة تسعيرًا جبريًا فهل تحتسب على أساس التسعير الرسمي وقت الشحن أم وقت وصول البضاعة، أما في حالة التلف فيلتزم بالفرق بين قيمة البضاعة سليمة وقيمتها تالفة أما في حالة التأخير فيلتزم بتعويض الضرر الذي ترتب عليه. [(10)]
ما قلناه خاص بنقل البضائع والأشياء على أن الأمر يختلف بعض الشيء بالنسبة لنقل الأشخاص فإذا أصيب المسافر أثناء الطريق فهل يكون أساس الرجوع على الناقل المسؤولية التعاقدية أم المسؤولية التقصيرية وعلى أساس إثبات خطأ معين ارتكبه الناقل أم على أساس المسؤولية الشيئية، على أن الأمر من ناحية أخرى يقتضي التفرقة بين النقل بأجر، وهو الصورة الغالبة والعادية وبين النقل المجاني.
ففي حالة النقل بأجر لا ريب في أنه يربط المسافر بالناقل عقد نقل هو الذي يحكم الرابطة القانونية بينهما على أنه يتعين معرفة التزامات الناقل فيه وهل التزامه في هذه الحالة التزامًا بغاية فيلتزم بتمكين المسافر من الوصول سليمًا إلى الجهة المتفق عليها أم هو التزام بوسيلة فيلتزم بأن يضع تحت تصرفه وسيلة النقل إلى غايته [(11)]، كان القضاء الفرنسي في بادئ الأمر يذهب إلى الرأي الثاني على أساس أنه لا محل لمقارنة المسافر بالبضائع لأن له حركة ذاتية وإرادة خاصة ذلك لأنه في حالة تلف البضائع أو ضياعها يفترض إهمال أمين النقل في المحافظة عليها لأن له سيطرة تامة عليها أثناء نقلها أما الإنسان فهو كائن له إرادة خاصة وقد يغافل أمين النقل ويتسبب في إلحاق الأذى بنفسه عن إهمال وتقصير، على أن هذا القضاء، وعلى رأسه محكمة النقض، لم يستطع أن يثبت على هذا الرأي لكثرة الحوادث ولأن الأخذ به يترتب عليه أن يتحتم على المسافر أو ورثته أن يثبتوا خطأ معينًا ارتكبه أمين النقل وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً في بعض الأحوال لذلك لم يرَ بدًا من القول بأن أمين النقل يلتزم بموجب العقد بنقل الشخص سليمًا ومعافى إلى الجهة المقصودة فإذا أصيب أثناء النقل كانت مسؤوليته تعاقدية فيفترض قانونًا أنه قد ارتكب تقصيرًا ولا يستطيع أن يدفعه إلا بإثبات نفي علاقة السببية بين الخطأ والضرر بإثبات قيام السبب الأجنبي كالقوة القاهرة والحادث الفجائي وخطأ المصاب وفعل الغير، وهذه المسؤولية تؤدي إلى نفس النتيجة التي يمكن الوصول إليها عن طريق الأخذ بالمسؤولية الشيئية (المادة (1384) فقرة (1) مدني فرنسي).
هذا ويثار في هذا الصدد مسألة اجتماعية المسؤوليتين والخيرة بينهما فقد يكون العمل الواحد إخلالاً بالتزام تعاقدي يحقق المسؤولية التعاقدية وهو في الوقت ذاته عمل ضار يحقق المسؤولية التقصيرية وهنا تجتمع المسؤوليتان فإذا أصيب المسافر أثناء الطريق، وأخذ بالرأي القائل بالتزام الناقل بسلامته، كانت من جهة إخلالاً بهذا الالتزام التعاقدي فتحقق المسؤولية التعاقدية وكانت من جهة أخرى عملاً ضارًا في ذاته فتجتمع إلى جانب المسؤولية التعاقدية المسؤولية التقصيرية في مثل هذا الغرض لا يجوز إطلاقًا الجمع بينهما وإنما يكون الرجوع على أساس إحداهما فقط، ولكن عن أيتهما ؟ أيترك للمصاب الخيرة بين المسؤوليتين فيختار أكثرهما ملاءمة له ؟ أو أن المسؤولية التقصيرية لا تقوم إذا كان هناك عقد بين الطرفين يحدد مدى المسؤولية فتبقى المسؤولية التعاقدية وحدها، ولا يكون هنالك مجالاً للخيرة ؟ اختلف الرأي في فرنسا فالبعض يأخذ بالرأي الأول والبعض الآخر يأخذ بالرأي الثاني وإن كان الراجح هو الرأي الأول ؟ [(12)]
أما في مصر فتذهب بعض المحاكم إلى بناء المسؤولية على أساس المسؤولية التعاقدية والبعض الآخر على أساس المسؤولية التقصيرية، هذا وقد حكمت محكمة مصر الابتدائية في 13 مارس سنة 1951 بأنه بمجرد قيام المسافر بدفع الأجر المفروض لمتعهد النقل فإنه يبرم بينهما عقد يلتزم فيه الناقل بتأمين سلامة المسافر ووصوله سالمًا إلى المكان الذي يقصده وهذا الالتزام يستخلصه القاضي تفسيرًا لإرادتي المتعاقدين المشتركة إذ أن المسافر ينتظر الوصول سالمًا إلى المكان الذي يقصده ولو أن الناقل لم يتعهد بذلك ولو ضمنًا لما أقدم المسافر على التعاقد كما ذكرت أن هذه المسؤولية لا يدفعها إلا إثبات القوة القاهرة أو خطأ المصاب (المحاماة س 31 العدد الثامن - رقم (393) صـ 1386). [(13)]
ويختلف الأمر في حالة النقل المجاني [(14)] ذلك لأنه لا يمكن القول بقيام عقد نقل في هذه الحالة ذلك لأن من عناصر هذا العقد الجوهرية وضع أجر معين لأمين النقل ولذلك ذهب البعض إلى القول بوجود عقد غير مسمى أقرب لعقود الوكالة والعارية منه لعقد النقل بجامع نية التبرع في هذه العقود ولقد كانت هذه الفكرة موضع النقد في فرنسا ذلك لأن فكرة التعاقد لم تدر بخلد الطرفين إطلاقًا ولذلك فإن القضاء الفرنسي رفض الأخذ بالمسؤولية التعاقدية في هذه الحالة وكان أمامه أما الأخذ بالمسؤولية الشيئية (المادة 1384/ 1)، وتشبيه حالة المسافر الذي يصاب أثناء الطريق بحالة المارة التي تصدمها العربات والمركبات فيكون الحارس القانوني مسؤول عن هذه الحوادث مسؤولية يفترض معها قيام الخطأ وهو فرض غير قابل لإثبات عكسه ويكون المصاب مكلفًا في هذه الحالة بإثبات ركن الضرر، وأما أن تبني المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات التقصير في جانب أمين النقل المادتان (1382)، (1383).
ولكن القضاء والفقه في فرنسا رفض أن يطبق حكم المادة (1384) فقرة أولى (المسؤولية الشيئية) على حالة النقل المجاني لما في تطبيق حكم هذه المادة على الشخص الذي يتطوع بتأدية خدمة مجانية لآخر من مصادمة للعدالة ولحسن التقدير، ولهذا فلقد ذهب البعض إلى القول بأن الراكب بغير عوض يتحمل في الواقع تبعة الأخطار المنظورة والعادية التي تنجم عن ركوبه ولكن أخذ على هذا الرأي صعوبة تحديد فكرة قبول التبعة من ناحية والأفكار المنظورة والعادية من ناحية أخرى كما أنه يحمل إرادة الطرفين فكرة لم تدر بخلدهما وقت قيام الرابطة القانونية ولو أن الراكب أدرك مبلغ الخطر الذي يعرض نفسه إليه وما في ركوبه المجاني من إسقاط لحقه قبل الناقل لما أقدم على الركوب أو لفضل الركوب بأجر، كما أنه من ناحية أخرى فإن هذا الاتفاق المزعوم بفرض وجوده غير صحيح ذلك لأن القضاء قد استقر على عدم جواز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية، ولذلك فإن الرأي الراجح في فرنسا يبني المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات تقصير أمين النقل المادتين (1382)، (1383).
أما في مصر فلقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 13 نوفمبر سنة 1930 بلتان 43/ 22 بأن من يقبل الركوب في سيارة تفضلاً من صاحبها فلا يجوز له المطالبة بالتعويض عن الحوادث والأضرار التي تصيبه من جراء ركوبه إلا إذا نشأت عن تقصير جسيم من قائد السيارة وبهذا المعنى أيضًا حكم محكمة مصر المختلطة في 23 مايو سنة 1949 (بأن الراكب يعتبر قابلاً لبقية الأخطار المتوقعة risques possibles).
على أن النقد الذي وجه إلى هذين الحكمين يرتكز على أنه لا يجوز الاستناد على فكرة قبول الراكب لتبعة الركوب في سبيل تخفيف مسؤولية الناقل ذلك لأن الاستناد لهذه الفكرة في القانون الفرنسي قصد به فقط استبعاد المادة (1384) على حالة النقل المجاني ونظرية المسؤولية الشيئية لم يكن مأخوذًا بها في مصر حتى صدور القانون المدني الجديد كما أنه لا مبرر لاشتراط التقصير الجسيم لشغل مسؤولية الناقل في حالة النقل بغير عوض وأنه يمكن أن يسأل حتى عن خطئه اليسير ويمكن الاستناد لفكرة الخدمة لتخفيف التعويض. [(15)]
دفع المسؤولية:
قلنا فيما سبق أنه إذا لم يوجد نص خاص في عقد النقل فإن الناقل يعد مسؤولاً إذا لم يقم بتسليم الشيء كاملاً وسليمًا وفي الموعد المتفق عليه ويفترض خطؤه حتى يقوم هو بإثبات أن مرد عدم التنفيذ راجع لسبب أجنبي خارج عن إرادته وعندئذ تنقطع علاقة السببية بين الخطأ المفروض والضرر الذي أثبت وتبرأ ذمة أمين النقل، وهذا السبب الأجنبي قد يكون قوة قاهرة أو حادثًا فجائيًا وقد يكون خطأ الراسل أو المرسل إليه وقد يكون مرده إلى عيب في ذات الشيء المنقول أو فعل الغير وفي كل هذه الأحوال تبرأ ذمة أمين النقل بشروط سنتكلم عنها فيما بعد.
1 - القوة القاهرة والحادث الفجائي: المسألة الأولى التي تعرض هي معرفة ما إذا كان المدلول القانوني لكل من هذين التعبيرين واحد أم لكل منهما تعريفة وهل يتفقان في الحكم في الالتزامات عامة وفي عقد النقل خاصة، الرأي الراجح في الفقه والقضاء لا يميز بينهما فهما اسمان مختلفان لمعنى واحد، إذا نظر إليه من حيث إنه غير متوقع الحصول فهو حادث فجائي، وإذا نظر إليه من حيث أنه لا يمكن دفعه فهو قوة قاهرة ولذلك فإن الفقهاء يحيلون في تعريف كل منهما على الآخر.
والقوة القاهرة force majeves والحادث الفجائي cas fortivt هو عائق يعترض تنفيذ المدين لالتزامه وقد يكون مصدره راجع لعوامل طبيعية أو إنسانية كصاعقة أو زلزال أو فيضان أو حرف أو ثورة ومن ناحية أخرى فهو حادث غير متوقع كما أنه لا تمكن مقاومته ولو أمكن توقعه ويشترط أن يؤدي لاستحالة تنفيذ الالتزام استحالة تامة ومطلقة وعامة كما أنه يشترط ألا يكون للمدين بالذات أو أي شخص يسأل عنه شأن في حصوله.
على أن هنالك رأي يفرق بين القوة القاهرة والحادث الفجائي وخاصة في عقد النقل بالذات ويحصر إعفاء أمين النقل على الأولى دون الثاني وأساس هذا الرأي أن المادة (97) تجاري مصري وما يقابلها في القانون الفرنسي قد نصت على أن مسؤولية أمين النقل لا تنتفي إلا بإثبات القوة القاهرة أو خطأ أو إهمال من مرسلها ولقد ذكرت هذه المادة القوة القاهرة دون الحادث الفجائي مما يدل في نظرهم، على أن أمين النقل يُسأل حتى في حالة قيامه ويجعلون أساس التفرقة بينهما ركن الخروج المادي l’extériaité de l’evenement للحادث عن نشاط المدين وشهرته من ناحية أخرى Son importance et son notoriorité لأن وقوع الحادث داخل منشآت المدين يستحيل معه إقامة الدليل الذي ينفي لأول وهلة كل شك في فطنة إسناده إليه أما شهرة الحادث ففيها ما يؤيد وقوعه ولأن في أهميته ما يستحيل معه تحامي نتائجه فالحوادث غير العادية وحدها هي التي تعتبر قوة قاهرة وهي التي يمكن دفع المسؤولية بها خلافًا للحوادث الفجائية العادية التي ليس لها مثل هذا الأثر، فالحروب والزلازل والصواعق والثورات وازدحام البضائع كل هذه عوامل خارجة عن إرادة أمين النقل وعن نشاطه فلا يسأل عنها أما الحادث الفجائي فإنه أمر داخلي يتعلق بنشاط المدين ولو لم تكن لإرادته دخل في حدوثه فهو على حد قولهم الخطر الملازم للحرفة أو الصناعة ويمثلون لذلك بانفجار مصنع أو قاطرة أو عدم كفاية الأدوات أو الأشخاص الذين يقومون بالعمل أو قلة وسائل النقل فكل هذه عوامل يجب أن يتحمل تبعتها أمين النقل.
على أن الفقه والقضاء منذ عهد غير قصير لم يأخذ بالرأي القائل بالتفرقة بين القوة القاهرة من جهة والحادث الفجائي من جهة أخرى سواء في عقد النقل خاصةً أو في الالتزامات عامةً وانتهى الرأي إلى أن مدلولهما واحد ويترتب عليهما إعفاء أمين النقل من المسؤولية وأن القانون إذا استعمل أحد اللفظين فإنه يقصد أيضًا التعبير الآخر. [(16)]
2 - خطأ الراسل أو المرسل إليه: وقد يكون مرد عدم التنفيذ راجع لخطأ من الراسل أو المرسل إليه فقد يرجع سبب التلف إلى عامل سابق على الشحن أو لعيب في الحزم أو بسبب سوء الشحن والتفريغ إذا كان متفقًا على أن يتم ذلك بمعرفة أحدهما. [(17)]
3 - العيب الخاص: ويقصد به أن يحوي الشيء المنقول آفة هلاكه وإعدامه وقد يكون مرده حالة طبيعية، أو غير طبيعية ولكن لا دخل لأمين النقل في حدوثها، من شأنها أن يهلك الشيء من ذات نفسه دون أن تتدخل عوامل خارجية وذلك كقابلية البضاعة للفساد من تلقاء نفسها أو لأنها من الأشياء التي تتلف بطبيعتها بسبب الموسم الذي تنقل فيه فكثير من الخضروات والفاكهة تخمر وتتعفن خاصةً في فصل الصيف فإذا فسدت البضاعة في هذه الأحوال فلا يكون الناقل مسؤولاً وهذا ما تنص عليه المادة (97) تجاري (أمين النقل ضامن للأشياء المراد نقلها إذا تلفت أو عدمت إلا إذا حصل بسبب عيب ناشئ عن نفس الأشياء…).[(18)]
4 - فعل الغير: وقد يكون مرد عدم التنفيذ راجع إلى فعل الغير فلا يكون أمين النقل مسؤولاً على شريطة أن يكون هذا الغير شخصًا أجنبيًا عن الناقل غير تابع له وألا يكون مسؤولاً عنه مسؤولية تعاقدية أو تقصيرية كما يشترط القضاء الفرنسي أن تتوافر في فعل الغير شروط القوة القاهرة. [(19)]
الشروط المعدلة لأحكام المسؤولية:
1 - ماهيتها وسلطة المحكمة إزاءها: يندر أن تكون عقود النقل على الصورة البسيطة التي بيناها بالاكتفاء بإحكام القواعد العامة دون اشتراط شروط خاصة لأن ذلك غالبًا ما يكون مع صغار أمناء النقل أو من يقوم بعملية عرضية، ولما كانت تتولى شؤون النقل في مصر مصلحة السكة الحديد بصفة رئيسية وتقوم إلى جوارها شركات النقل المختلفة، ولذلك نجد أنها تشترط في بوالص الشحن التي تعدها شروطًا كثيرة ترمي غالبًا إلى إعفائها من المسؤولية أو الحد منها وتحديد التعويض في أضيق صورة ولا يتمتع الطرف الآخر بحرية مناقشة هذه الشروط أو التعديل فيها.
ولما كانت عقود الإذعان تتميز بتعلق موضوعها بسلع أو مرافق ضرورية للجمهور وباحتكارها أو قيام منافسة محدودة وبأن العرض موجه للجمهور عامة بشروط واحدة لا تتغير بتغير الأشخاص ولا مجال للمناقشة فيها لذلك فإن هذه العناصر متوافرة تمامًا في عقد النقل، على أنه إذا انتفت هذه العناصر جميعًا أو إحداها فإن العقد لا يعد آنئذٍ عقد إذعان كما إذا ثبت أن شروط النقل كانت مكتوبة لا مطبوعة أو كانت موضع مساومة وبحث جدي أو كانت مخالفة للصور المطبوعة والمطبقة على الكافة.
ولقد انقسم الرأي حول طبيعة هذه العقود إلى فريقين أولهما ينكر عليها صيغتها التعاقدية إذ أن العقد يوافق إرادتين عن حرية واختيار بينما هو في هذا النوع من العقود مجرد إذعان أو انضمام لا يصدر عن إرادة حرة بل على المتعاقد أن ينزل على حكم هذه الشركات فالرابطة القانونية بينهما قد خلقها في الواقع إرادة المحتكر وحده ولذلك فإن أصحاب هذا الرأي يرون أن يفسر هذا العقد وأن تحدد التزاماته وحقوقه على ضوء هذه الاعتبارات وعلى أساس المصلحة العامة لمجموع الأفراد فتراعي مقتضيات العدالة وحسن النية وما تستلزمه الظروف الاقتصادية أما الفريق الثاني فيرى أن حجج الفريق الأول ساقطة ولا تصلح أساسًا للقول بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي ثم بتوافق إرادتين فكثير من العقود في العهد الحديث يتحقق فيها إضطرار أحد طرفيها أو كليهما للتعاقد دون أن يذهب أحد إلى القول باعتبار هذا الاضطرار إكراه مبطلاً للعقد كما أن انعدام المساواة بين المتعاقدين لا يمكن تجنبه فهو كثير الحدوث في العقود الرضائية البحتة أليست شروط عقود الإيجار والعمل ترمي غالبًا إلى رعاية مصلحة المؤجر ورب العمل أكثر من رعاية مصلحة المستأجر والعامل ؟ لذلك فإن هذا الفريق يرى أن ركن الاضطرار في هذه العقود أقل منه في غيرها فالكل أمام المحتكر سواء والعقود جميعًا على وتيرة واحدة ولا توضع إلا بعد موافقة السلطات الحكومية ولهذا فإن هذا الفريق يرى أن العقد في هذه الحالة عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين وأن علاج الضعف المزعوم لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي تم بتوافق إرادتين ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد بل بتقوية الجانب الضعيف سواء بالوسائل الاقتصادية أو التشريعية والقضاء في فرنسا وفي مصر لم يتأثر كثيرًا بالمذهب الأول بل أخذ كمبدأ عام بالمذهب الثاني ولكنه مع أخذه باعتبار هذا النوع من العقود عقودًا حقيقية إلا أنه أخذ يتلمس الطرق للحد من قسوتها وتعسفها بدعوى أنها تتناقض مع جوهر العقد أو لأنها مخالفة للنظام العام والآداب أو لأن المتعاقد لم يكن ليستطيع الوقوف عليها وقت التعاقد أو لتناقضها مع شروط مكتوبة.[(20)]
والقانون المدني الجديد وإن أخذ بالمذهب الثاني على النحو الذي طبقه القضاء فاعتبر هذا النوع من العقود عقودًا حقيقية إلا أنه أعطى للقاضي سلطة تعديل الشروط الجائزة أو الإعفاء منها، فالمادة (100) منه تنص على أن (القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل المناقشة فيها)، كما تنص المادة (149) على أنه إذا تم العقد بطريقة الإذعان وكان قد تضمن شروطًا تعسفية فإنه يجوز للقاضي أن يُعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها وذلك وفقًا لما تقضي به العدالة ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك، كما تنص المادة (151) فقرة ثانية على أنه (لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضار بمصلحة الطرف المذعن).. على أننا نرى من المفيد أن ننقل أولاً مذكرة المشروع التمهيدي على المادة (149) ثم نتناول بعد ذلك سلطة المحكمة على ضوئها فلقد جاء فيها (تناول المشروع فيما تقدم بيان الأحوال التي يتم فيها التعاقد بطريقة الإذعان)، وقد قصد إلى التخفيف مما يلازم هذا الضرب من التعاقد من شدة وحرج، بالنسبة للعاقد المذعن فأقام لصالحه استثناءين من إحكام القواعد العامة في تفسير العقود فالأصل أن الحاجة إلى التفسير لا تعرض متى كانت عبارة العقد واضحة ففي مثل هذه الحالة تطبق شروط التعاقد كما أفرغت بيد أن الحكم يختلف فيما يتعلق بما يدرج في عقود الإذعان من الشروط الجائرة فالالتجاء إلى التفسير يتعين بشأنها، ولو كانت واضحة العبارة بينة السياق فمن واجب القاضي أن يثبت في هذه الحالة مما إذا كان العاقد قد تنبه إلى هذه الشروط فإذا استوثق من تنبه هذا العاقد إليها كما لو كان العاقد الآخر قد احتاط فجعل تلك الشروط مخطوطة باليد في عقد مطبوع، تحتم عليه أيضًا إمضاء حكمها رعاية لاستقرار المعاملات أما إذا تبين أن العاقد المذعن لم يتنبه إلى الشروط الجائزة فعليه أن يستبعدها وينزل على أحكام القواعد العامة، في هذا النطاق الضيق يطبق هذا الاستثناء فلا يبلغ الأمر حد استبعاد الشرط الجائر بدعوى أن المذعن قد أكره على قبوله، متى تنبه إليه هذا العاقد وارتضاه فالإذعان لا يختلط بالإكراه، بل إن التوحيد بينهما أمر ينبو به ما ينبغي للتعامل من أسباب الاستقرار ثم أن ما يولى من حماية إلى العاقد المذعن ينبغي أن يكون محلاً لأحكام تشريعية عامة، كما هو الشأن في حالة الاستقلال أو التشريعات خاصة. [(21)]
ولذلك فإن على القاضي أن يتبين أولاً ما إذا كانت عبارات العقد واضحة أم غامضة فإن كانت الأخير كان عليه أن يُطبق قواعد التفسير فلا تفسر هذه العبارات بما يضر مصلحة الطرف المذعن المادة (151) ف (2) أما إذا كانت العبارة واضحة فإن على القاضي أن يبحث ما إذا كانت هذه الشروط تطابق القواعد العامة أم أنها شروط جائرة تخالف في الكثير منها هذه القواعد وفي هذه الحالة يتعين التفرقة بين حالة معرفة الطرف الآخر لها وقبوله التعاقد عن علم بها أم أنه كان جاهلاً بها وفي هذه الحالة الأخيرة فقط يكون للقاضي سلطة التعديل من هذه الشروط أو الإعفاء منها.
هذا وقد حكمت محكمة النقض المصرية في 25 مايو سنة 1950 بأن الشرط الوارد في عقد من عقود الإذعان لا يُقاس قبوله على قبول المكره ولم يجز القانون المدني للقاضي تعديل هذه الشروط أو الإعفاء منها إلا إذا كان شرط الإذعان تعسفيًا، وهذا الحكم تفسير للمادتين (100)، (149) مدني جديد ولم تجز محكمتنا العليا إبطال شرط من شروط عقد الإذعان بهذه الصفة فقط بل اشترطت أن يكون هذا الشرط تعسفيًا ولا شكل أن خير مقياس للتفرقة في هذه الحالة هو الرجوع للقواعد العامة لمعرفة مدى مطابقة الشرط أو مخالفته إياها.
وقد أخذ على هذا الحكم أنه لم يتبين حكمة التشريع فالمشرع قد رمى من وضع المادة (149) إلى أن يخرج القاضي عن وظيفته وهو تطبيق العقد إلى شيء آخر هو العمل على توازن شروط العقد بين العاقدين ليتعرف هل يوجد توازن حقيقي أم لا يوجد ومدى الإكراه الاقتصادي الذي انتهى بالعاقد إلى الإذعان. [(22)]
وعلى ذلك فإن على المحكمة أن تُطبق هذه القواعد على عقد النقل ونجد أن تطبيقها سيؤدي إلى الأخذ بذات الأحكام والمبادئ التي كان معمولاً بها، ولا زالت، والتي تفرق بين شرط عدم المسؤولية من ناحية وشرط تحديد المسؤولية من ناحية أخرى وكما تفرق من جانب بين حالة الخطأ الجسيم والغش والتدليس من جانب وحالة الخطأ اليسير من جانب آخر.
2 - شرط عدم المسؤولية: إذا اشترط أمين النقل هذا الشرط في بوليصة الشحن وارتكب بعد ذلك خطأ، سواء أكان مفرضًا أم مثبتًا، فما هو حكم هذا الشرط ؟ هل يترتب عليه براءة ذمته ؟ أم يعد شرطًا باطلاً لا أثر له فتطبق القواعد العامة السالفة الذكر ؟ هذا وقد يرتكب خطأ جسيمًا أو تدليسًا أو غشًا أو قد يرتكب مجرد خطأ يسير والحكم في الحالتين لا يمكن أن يكون واحدًا.
( أ ) الحالة الأولى: حالة الخطأ الجسيم والغش والتدليس: اختلف الرأي في فرنسا حول التسوية بين الخطأ الجسيم من جانب والغش والتدليس من جانب آخر فيذهب رأي إلى ضرورة أعمال التسوية بينهما في الحكم وأن شرط عدم المسؤولية مع قيام إحداها شرط باطل وأنه يتعين في هذه الحالة الرجوع للقواعد العامة للمسؤولية التعاقدية كما يرتكز أيضًا على أن قيام الغش والتدليس والخطأ الجسيم يجعلنا إزاء المسؤولية التقصيرية حيث يكون هذا الشرط باطلًل لأنه في الواقع إعفاء منها حيث تحرمه نصوص القانون وأحكامه أما الرأي الآخر فيفرق بين الخطأ الجسيم من جانب والغش والتدليس من جانب آخر ويكون أمين النقل في الأولى مسؤولاً مسؤولية تعاقدية يجوز معها الاتفاق على تعديل أحكامها أما في الأخيرة (الغش والخطأ الجسيم) فيكون أساس مسؤوليته هو المسؤولية التقصيرية التي لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها. [(23)]
هذا وتنص المادة (217) من القانون المدني الجديد:
(1 - يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة.
2 - وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو خطئه الجسيم ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه.
3 - ويقع باطلاً كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع).
وهذه المادة تسوي بين الغش والخطأ الجسيم وتبطل شرط عدم المسؤولية حال قيام المسؤولية التقصيرية وتُجيز الاتفاق على تحمل المدين عبء القوة القاهرة وتبطل شرط عدم مسؤولية المدين ذاته عن غشه وخطئه الجسيم وإن إجازته عن الغش والخطأ الجسيم الذي يقع من تابعيه في تنفيذ التزامه.[(24)]
وإذا طبقنا حكم هذه المادة على مسؤولية أمين النقل لوجدنا أن شرط عدم المسؤولية الذي تشترطه مثلاً مصلحة السكة الحديدية في بوالص الشحن ترمي به إلى إعفائها من المسؤولية عن كافة الأخطاء، بما في ذلك الغش، التي يرتكبها تابعوها أو التي قد ترتكبها هي، وعلى ذلك فإنه يتعين تبيان مدلول الشرط وهو يرمي إلى الغاية السالفة الذكر، فإذا كان الغش أو الخطأ الجسيم منسوبًا إلى المصلحة ذاتها كشخص معنوي وكان الضرر المحقق الذي وقع نتيجة طبيعية لهما فإن شرط عدم المسؤولية يعد في هذه الحالة باطلاً وتكون المصلحة مسؤولة تطبيقًا للقواعد العامة أما إذا كان الغش أو الخطأ الجسيم منسوبًا إلى أحد عمالها فإن هذا الشرط يُعد شرطًا صحيحًا وواجب العمل به وتبرأ ذمة المصلحة في هذه الحالة، هذا ويجوز إثبات الغش والخطأ الجسيم بكافة الوسائل بما في ذلك البينة والقرائن إلا أنه يتعين على من يتمسك بهما أن يقدم الدليل المقنع للمحكمة على قيامهما ولا تكفي مجرد قرائن بسيطة أو افتراضات مجردة.
على أنه إذا كان الرجوع على أمين النقل مع وجود هذا الشرط على النحو الذي بيناه غير منتج لصحته فإن الراسل أو المرسل إليه يستطيع الرجوع على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية على أن يثبت الخطأ الجسيم أو الغش قبل شخص معين من تابعي المصلحة وتكون المسؤولية مردها مسؤولية المتبرع عن الأخطاء التي تقع من تابعه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها (م 174) على أنه إذا أخذ بالمذهب الذي يقوم بعدم جواز الرجوع بالمسؤولية التقصيرية عند قيام المسؤولية التعاقدية فعندئذٍ لا يكون هنالك مجال للرجوع.
(ب) الحالة الثانية: حالة الخطأ اليسير: إذا كان الخطأ الذي ارتكبه أمين النقل خطأ يسيرًا فهل يكون شرط عدم المسؤولية صحيحًا أم باطلاً فتطبق القواعد العامة ؟ أم يكون من شأنه قلب عبء الإثبات ؟ لإمكان الإجابة على هذه الأسئلة فإن علينا أن نستعرض الحالة في فرنسا ثم في مصر.
1 - في فرنسا: في بادئ الأمر وعلى الأخص في الفترة ما بين سنة 1856، وسنة 1874 ذهب القضاء إلى القول ببطلان هذا الشرط لمخالفته للنظام العام والآداب ولكنه تعرض لموجة شديدة من النقد من جانب الفقه لمخالفته لقاعدة أساسية هي أن العقد شريعة المتعاقدين وأن هذا الشرط ليس فيه مخالفة للنظام العام أو الآداب فضلاً عن أن القانون الروماني كان يأخذ به في غير حالة الغش والخطأ الجسيم، ولذلك فلقد اضطر القضاء للعدول عن رأيه وهنا نجد اتجاهان أولهما الأخذ بصحة هذا الشرط وأنه يترتب على الأخذ به انتفاء المسؤولية التعاقدية وإن كان من الجائز الرجوع على أساس المسؤولية التقصيرية في حالة الخطأ الجسيم والغش والتدليس، أما الاتجاه الثاني فيذهب إلى القول بأن من شأن هذا الشرط قلب عبء الإثبات فيفترض أن عدم تنفيذ الالتزام مرده القوة القاهرة وعلى الراسل أو المرسل إليه أن يثبت خطأ معينًا قبل أمين النقل.
ولقد جاء بحكم محكمة النقض الفرنسية في 22 يوليه سنة 1902 بأن شرط عدم المسؤولية عن التأخير أو التلف من شأنه أن يرفع المسؤولية عن عاتق الناقل ما لم يثبت الحكم قبله خطأ معينًا (دالوز 1902 - 1 - 33)، كما جاء في حكم آخر لنفس المحكمة صادر في 18 فبراير سنة 1902 بأنه إذا ورد بتعريفة شركة السكة الحديد شرط عدم المسؤولية عن التأخير والتلف أثناء الطريق وأن تحميل وتفريغ العربة يقع على عاتق الراسل أو المرسل إليه فإن هذا الشرط صحيح وأن الحكم الذي يقضي بمسؤولية الشركة عن التلف لسبب واحد هو أن الشركة لم تتخذ أثناء الطريق العناية الأولية ووقاية هذه البضائع من الأمطار فإنه حكم خاطئ يتعين نقضه (دالوز 1902 - 1 - 477). [(25)]
وقد رأى المشرع الفرنسي في سنة 1905 أن يضيف فقرة جديدة إلى المادة (103) من القانون التجاري الخاصة بمسؤولية أمين النقل في حالتي التلف والفقد الكلي أو الجزئي وهذه الإضافة الجديدة تقضي بأن كل شرط مخالف لأحكام هذه المادة مدون في بوليصة النقل أو أية ورقة أخرى يعد باطلاً، وقد صدرت هذه الإضافة بناءً على مشروع قانون اقترحه أحد أعضاء البرلمان السير رابيير وصدر التعديل في 17 مارس سنة 1905 والغاية منه تحريم شرط عدم المسؤولية في حالتي التلف والضياع المنصوص عليها في المادة (103)، ولكنه لم يتعرض من قريب أو بعيد للمادة (104) الخاصة بالمسؤولية في حالة التأخير ويرمي هذا القانون إلى استبعاد الأخذ بالأحكام التي كانت تعفي أمين النقل كلية من المسؤولية وكذلك الأحكام التي كانت تأخذ بأن من شأن هذا الشرط قلب عبء الإثبات من على عاتق أمين النقل إلى عاتق الراسل أو المرسل إليه الذي كان يتعين عليهما طبقًا للقواعد السابقة إثبات خطأ معين قبل أمين النقل وهو عبء صعب إن لم يكن مستحيلاً فأراد الشارع بهذا التعديل أن يعفيهما من ذلك. [(26)]
2 - في مصر: لا يوجد قانون مماثل لقانون رابيير الفرنسي الصادر في 17 مارس سنة 1905، ولذلك يتحتم الرجوع للقواعد العامة في الالتزامات ونصوص القانون التجاري في عقد النقل ويكون الوضع هنا كالوضع في فرنسا قبل صدور قانون رابيير ويكون هذا الشرط صحيح في حالة الخطأ اليسير ولكن لا يؤخذ به في حالة الغش والخطأ الجسيم والتدليس - وما سبق أن قلناه عن حكم المادة (217) من القانون المدني الجديد عند الكلام على حكم شرط عدم المسؤولية، حالة الغش والخطأ الجسيم والتدليس يسري هنا من باب أولى، وقد سلمت بصحة هذا الشرط وضرورة العمل به في غير حالة الغش محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 16 مارس سنة 1950 في القضية رقم (96) تجاري سنة 60 قضائية والمنشور بمجلة التشريع والقضاء السنة الثانية العدد رقم (14) صـ 239 كما أخذ القضاء المختلط بصحة هذا الشرط وإن أجاز للراسل إثبات الخطأ الجسيم أو الغش قبل أمين النقل (بلتان س 41 صـ 119). [(27)]
3 - شروط تحديد المسؤولية: قد لا تذهب بوليصة النقل إلى حد اشتراط عدم مسؤولية أمين النقل مكتفية بتحديدها والتخفيف من آثارها فلقد تنص على أنه لا يُسأل عن الأضرار التي قد تترتب على تأخير شحن أو وصول البضاعة وهذا الشرط يرد غالبًا في التعريفة ذات الأجر المخفض فترتضى المصلحة سلفًا إنقاص أجر النقل عن سعره العادي في مقابل تحمل الراسل تبعة التأخير كما قد تشترط البوليصة أن يكون شحن وتفريغ العربات المعدة للبضائع بمعرفة الراسل أو المرسل إليه أو تشترط تحديد مسؤوليتها في حدود معينة بالنسبة للأشياء الفنية التي تقتضي رعاية خاصة كما أن أمين النقل قد يشترط في البوليصة تحديد التعويض الذي يستحقه الطرف الآخر بحد أقصى، وهذه الشروط إذا نظر لكل منها على حدة لوجدنا أنها شروط صحيحة لا تخالف القواعد العامة في شيء وقد تبدو للوهلة الأولى شديدة الوطأة في مجموعها، إلا أنه بتحليلها نجدها صحيحة ولذلك فإن كل ما يرد في البوليصة من هذه الشروط صحيح وملزم لطرفيه وهذا هو الرأي المعمول به في فرنسا سواء قبل صدور قانون رابيير سنة 1905 أو بعده.
ذلك أنه يتضح من الأعمال التحضيرية للقانون السالف الذكر وخاصة من التقرير الخاص به والمقدم لمجلس الشيوخ بأن المشرع لم يذهب إلى حد تعطيل حرية إرادة الطرفين، وإنما اقتصر على تحريم شرط عدم المسؤولية دون أن يحرم شرط تحديدها ولعل من المفيد أن ننقل هنا ما جاء في كتاب ليون كان ورينو في القانون التجاري (موسوعة الجزء الثالث طبعة سنة 1923 صـ 606).
(Mais il a été bien entendu, lors de la discussion de la loi
de 1909, que la liberté des conventions reste entière en ce qui
concerne les clauses limitant l’indemnité ou en fixant même
le montant (clauses pénales). De plus, comme les dispositions
prohibitives sont de droit étroit, il y a lieu d’admettre que les
clauses de non - responsabilité ne sont nulles que pour les cas
de perte ou d’avaries mais qu’elles continuent à être valables
pour le cas de retard. Cela résulte, du reste, de ce que la dis -
position nouvlle don’t il s’agit a été insérée dans l’artile 103
G. Com, qui ne traite que la responsabilité de la perte, et des
avaries, alors que l’art. 104 G. Com. s’occupe du cas de retard).
وقد جاء في حكم لمحكمة إكس بفرنسا صادر في 22 مارس سنة 1935 بأن الشرط المدون في البوليصة ومن مقتضاه تحديد مسؤولية شركة الملاحة إلى حد أقصى لا يتعداه مقدار التعويض مهما كان الضرر الذي يُصيب المدعي في حالة ضياع المال أو تلفه أو نقصانه شرط جائز ويجب العمل به إلا في حالة الغش والتدليس (منشور بالمحاماة السنة الرابعة رقم 322 صـ 350).
وكما سبق أن بينا أن محكمة النقض الفرنسية قد أكدت في أحكامها العديدة ضرورة الأخذ بالتعريفة وبالحدود الواردة فيها وأن لها قوة القانون وأنها ليست مجرد اتفاقات عادية، هي قانون المتعاقدين في عرف المادة (1134) مدني، ولكنها اتفاقات مدرجة في قرارات تنظيمية لها صفة القرارات بالأعمال الإدارية فتلزم جميع أصحاب الشأن
(La cour de cassation a
maintes fois affirmé que les tarifs ont force de loi, et même de
loi d’intérêt public (24 mai 1884. D. 87 -1- 477). D’autre part, les
tarifs ne sont pas non plus des simples conventions, faisant la
loi entre les partis, au sens de l’art. 1134 C. Civ. Ce sont des
conventions insérées dans des arrêts réglementaires, ayant le
caractère d’actes administratifs qui s’imposent à la volonté des
intéressés, c’est à ce titre qu’elles ont force obligatiories).
لاكور في موجز التجاري طبعة سنة 1921 جزء 1 بند 988 صـ 566.
ولهذا فإن شرط تحديد المسؤولية في فرنسا يعد شرطًا صحيحًا ويجب العمل به [(28)] أما في مصر فإن هذا الشرط يعد شرطًا صحيحًا ويجب الأخذ، فالنسبة لتحديد التعويض فقد بينا فيما سبق أن الرأي الثابت في فرنسا يذهب إلى القول بأن التعريفة لائحة إدارية تنظيمية يجب العمل بها وإنها تسري على الكافة ومن الناحية الأخرى فإننا إذا سايرنا الرأي الذي يذهب إلى القول بأن إحالة البوليصة للتعريفة يُعد شرطًا جزائيًا فإن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى وجوب تطبيق حكم هذه التعريفة في الحدود التي وردت بها بخصوص التعويض وذلك أخذًا بأحكام المادة (123) من القانون المدني القديم، والمادة (225) جديد، هذا بالنسبة للتعويض عن الفقد أو التلف أما بالنسبة لحالة التأخير فسبق أن بينا أن مصلحة السكة الحديد تجعل الشحن في هذه الحالة على أساس التعريفة ذات السعر المخفض اللهم إلا إذا ارتضى الراسل شحن رسالته بالتعريفة العادية مع دفع أجر أزيد، وتشترط المصلحة في التعريفة المخفضة شرط عدم مسؤوليتها عن التأخير أو التلف وتصف المحاكم المختلطة وبعض الفقهاء، هذا الشرط بأنه تأمين على مسؤولية السكة الحديد مضاف إلى عقد النقل ذلك أنه إذا تعاقد أمين النقل مع الراسل، تبعًا للقواعد العامة، صار مسؤولاً عن تقصيره وتقصير عماله لكن أمين النقل لا يرغب تحمل هذه المسؤولية، ويفضل أن يتحمل هذه التبعة مؤمن ansurevr يكون مسؤولاً قبل المرسل إليه مقابل أن يدفع إلى هذا المؤمن جعلا prime، وبذلك يصير غير مسؤول عن التعويض بسبب الضياع أو العيب وهذا هو ما يحصل بالنسبة لمالك الطرد فهو يجمع بين صفتين فهو مرسل أولاً ومؤمن ثانيًا، لأن دفعه أجرة أقل من الأجرة العادية هو بمثابة استيلائه على جعل يعوض عليه خسارته فإذا ما وقع الخطر risque الذي هو موضوع التأمين فضاعت البضاعة أو تلفت وجب عليه أن يتحمل هذه الخسارة بصفته مؤمنًا.[(29)]
هذا وقد قضت محكمة دمنهور الجزئية في حكمها الصادر بجلسة 14/ 12/ 1946 في القضية رقم (346) مدني دمنهور سنة 1946 المرفوعة من عاطف كرشاه ضد السكة الحديد (حكم لم يُنشر) بصحة هذه الشروط فلقد جاء فيه (وحيث إنه ولو أن عقد النقل من عقود الانضمام إلا أنه تعاقد صحيح انعقد بإيجاب وقبول لا يشوبها شائبة فهو ملزم لكل من طرفيه ومن ثم كانت شروط النقل وتعريفته وهما ركنان من أركان العقد وقد قبله الراسل عند تعاقده واجبًا التطبيق)، وقد أشار الحكم لنظرية العقد للسنهوري باشا وإلى حكمين أشير لهما في نفس هذا الكتاب صادر أحدهما من محكمة الاستئناف المختلطة في 20/ 4/ 47، والآخر من محكمة إسكندرية المختلطة في 5/ 7/ 1929.
ثم استطرد الحكم قائلاً (وحيث إن البند (26) من تعريفة البضائع التي قبل النقل على شروطها كما سبق البيان قضت على أنها في حالة فقد أو تلف البضائع ومهما كان سبب هذا الفقد أو التلف (عدم استدلال - احتراق - ابتلاء بماء المطر) فالمصلحة لا تسأل إلا عن قيمة البضاعة الحقيقية شرطًا بأن التعويض الذي يدفع لا يتجاوز الحدود القصوى المبينة بعد وهي مقدرة على أساس وزن البضائع والدرجة التي قدرت عليها الأجرة فعلاً..)، ثم أخذ الحكم بنفس المبلغ الذي قدرته المصلحة على أساس التعريفة وقدره 20 جنيهًا و625 مليمًا والذي عرضته على المدعي فرفضه وقضت عليه (على المدعي) بمصاريف دعواه…، وقد تأيد هذا الحكم استئنافيًا من محكمة دمنهور الابتدائية الوطنية بجلسة 5 يونيه سنة 1947.
هذا وبالنسبة لشرط عدم مسؤولية مصلحة السكة الحديد عن الأضرار التي قد تصب المرسل إليه نتيجة تأخير شحن البصل من محطة التصدير مما يترتب عليه تلفه فقد عُرضت عشرات القضايا على محكمة الإسكندرية الابتدائية الدائرة الرابعة التجارية برياسة أحمد محمد حطب بك وعضوية عادل مرزوق بك ومحمود عباس الغمراوي بك وقد قضت في هذه الدعاوى بعدم مسؤولية المصلحة وبصحة الشرط أخذًا بما استقر عليه الفقه والقضاء في هذا الصدد هذا ما لم يثبت قبل أمين النقل غش أو تدليس أو خطأ جسيم يقرب بينهما.
(يراجع الحكم الصادر في يوم الأحد 29 إبريل سنة 1951 في القضية رقم (1129) سنة 1950 تجاري كلي المرفوعة من أحمد مرسي نصر ضد المصلحة وأحكام كثيرة مماثلة، وبهذا المعنى أيضًا محكمة إسكندرية التجارية الجزئية في الدعوى رقم (403) سنة 1947 (تجاري جزئي)، وذلك بتاريخ 9 يناير سنة 1949 وفي القضية المرفوعة من فؤاد أمين ضد المصلحة).
الدفع بعدم قبول الدعوى:
( أ ) القواعد العامة: لما كان طرفًا عقد النقل هما الراسل وأمين النقل والمرسل إليه هو مجرد مستفيد من مشارطة عقدت لصالحه فإن الحق في رفع الدعوى يكون قاصرًا على أحد هؤلاء الثلاثة فإذا باع الراسل أو المرسل إليه البضاعة أثناء الطريق فإن المشتري لا يحق له مقاضاة أمين النقل إلا بعد اتباع إجراءات الحوالة وهي في القانون المدني الجديد القبول الثابت التاريخ أو الإعلان على يد محضر (م 305 هذا وكثيرًا ما ترفع الدعوى مباشرةً على وزير المواصلات للمطالبة بتعويض عن عملية نقل قامت بها مصلحة السكة الحديدية وفي رأيي أنه لا تكفي تبعية المصلحة للوزارة لإمكان مقاضاتها لأن ذلك لا يبرر تخطي المصلحة التي لها الصفة الأولى في هذا الشأن والتي هي أحد طرفي العقد والدعوى في هذه الحالة يجب أن ترفع على أمين النقل فضلاً عن أن المصلحة لها كيان ذاتي ولها مجلس إدارة خاص ترفع قراراته ومقترحاته لمجلس الوزراء دون وزارة المواصلات.
هذا وكثيرًا ما يرفع أصحاب الشأن الدعوى على مدير عام مصلحة السكك الحديد بصفته هذه وعلى ناظر محطة الجهة المرسلة إليها البضاعة ونحن نرى أنه يجب التفرقة بين حالتين أولاهما إذا كان أساس رفع الدعوى هو نسبة خطأ معين ارتكبه ناظر المحطة الأمر الذي يجعله مسؤولاً ويجعل المصلحة مسؤولة بالتبعية عن الأخطاء التي ارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها والتي كان من شأنها إلحاق الأذى بالمدعي في هذه الحالة ونكون في هذه الحالة إزاء قواعد المسؤولية التقصيرية (م 174 مدني جديد)، وثانيهما إذا كان أساس رفع الدعوى هو مجرد إحلال المصلحة في تنفيذ التزاماتها الناتجة عن عقد النقل وفي هذه الحالة فإننا نرى أن الدعوى ضد ناظر المحطة في هذه الحالة غير مقبولة لأنه لا يمثل المصلحة في هذه الحالة ولأنه لم يكن طرفًا في العقد ولأنه ليس مسؤولاً بصفة شخصية ما دامت لم تنسب إليه واقعة معينة هذا وقد قضت محكمة الاستئناف المختلط في 27 ديسمبر سنة 1923 محاماة سنة 4 رقم (662) صـ 884:
(( أ ) بأن الدعوى الشخصية التي ترفع على الحكومة المصرية ممثلة في شخص الوزير التابعة له المصلحة ذات الشأن وتكون مبنية على خطأ تسأل عنه الوزارة الرئيسية يجب أن ترفع أمام محكمة مصر التابع لها مركز الوزارة الرئيسية فإذا حدثت إصابة من إصابات السكك الحديدية وجب رفع الدعوى أمام محكمة مصر التابع لها وزارة المواصلات ولا مبرر لإدخال ناظر المحطة القريبة من محل الحادثة لاختصاص محكمة أخرى خصوصًا إذا لم يثبت بوجه من الوجوه وقوع أي خطأ من ناظر المحطة يترتب عليه مسؤوليته شخصيًا.
(ب) إن موظف الحكومة مهما كانت درجته لا يجوز إدخاله في الدعوى باعتباره خصمًا آجلاً فيها ما دام يعمل تحت أمر رئيسه الأعلى التابع هو له اللهم إلا إذا ثبت أنه مدان شخصيًا ومسؤول شخصيًا عن نتائج الفعل الذي أوقع الحكومة في المسؤولية معه على أنه لما كان الغرض من إدخال ناظر المحطة القريبة هو جعل الاختصاص لمحكمة مكان وصول البضاعة فإننا نرى أنه إذا كان أساس الدعوى هو المسؤولية التعاقدية البحتة فإنه يمكن الاستناد إلى المادتين (61) و(62) من قانون المرافعات الجديد لتحقيق هذه الغاية فلقد نصت أولاهما (في المواد التي سبق فيها الاتفاق على موطن مختار لتنفيذ عقد يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه أو الموطن المختار للتنفيذ)، وتنص الأخرى في المواد التجارية يكون الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي في دائرتها تم الاتفاق وتسليم البضاعة أو التي في دائرتها يجب الوفاء).
2 - القواعد الخاصة: نظرًا لمسؤولية أمين النقل الخاصة وكثرة الأعمال التي يُكلف بها ولصعوبة إثبات الضرر بعد مدة معينة رأى المشرع أن يضع قواعد خاصة بانقضاء مسؤوليته فلقد نصت المادة (99) من القانون التجاري (على أن استلام الأشياء المنقولة ودفع أجرة النقل مبطلان لكل دعوى على أمين النقل وعلى الوكيل في ذلك بالعمولة إذا كان العيب الذي حصل فيها ظاهرًا من خارجها، وأما إذا كان غير ظاهر فيجوز إثباته بمعرفة محضر أو شيخ البلد، ولكن لا تقبل الدعوى بالعيب المذكور إلا إذا حصل الإخبار بها في ظرف ثمان وأربعين ساعة من وقت الاستلام وقدم الطلب للمحكمة في ظرف ثلاثين يومًا ويُضاف إلى هذين الميعادين، ميعاد مسافة الطريق).
وهنا يجب أن نفرق بين حالتي العيب الظاهر وغير الظاهر وحالة رفض استلام البضاعة.
( أ ) حالة العيب الظاهر: وفي هذه الحالة يتعين على المرسل إليه أن يتحقق عند استلام البضاعة من خلوها من التلف والنقص في الوزن أو الكيل وله أن يطلب تعيين خبير لإثبات حالتها كما أن له أن يرفض استلامها فإذا استلمها دون أي تحفظ ودون القيام بأي إجراء من هذا القبيل فقد بطل حقه في المطالبة بالتعويض.
(ب) حالة العيب الخفي: أما إذا كان العيب خفيًا غير ظاهر فمجرد تسلمه البضاعة ولو دون تحفظ لا يسقط حقه في المطالبة بالتعويض كالفرض السابق بل أن القانون قد نص على إجراءات خاصة يجب اتباعها في هذه الحالة فأجاز إثبات العيب بمعرفة محضر أو شيخ بلد كما استلزم من المرسل إليه أن يخطر أمين النقل في ظرف ثمانية وأربعين ساعة من الاستلام بهذا العيب، على أنه إذا استطاع المرسل إليه أن يتبين العيب وقت استلام البضاعة وأبدى تحفظاته على إيصال الاستلام الذي قبله أمين النقل فإن هذا يغني عن الإخبار وإلى جانب هذا يشترط القانون في المادة (99) تقديم الطلب (المقاضاة) في ظرف ثلاثين يومًا ويترتب على الإخلال بهذه الأحكام أن تصبح الدعوى غير مقبولة.
(ج) حالة رفض استلام البضاعة: بقي فرض واحد هو امتناع المرسل إليه من استلام البضاعة سواء أكان العيب ظاهرًا أو خفيًا وفي هذه الحالة لا محل لتطبيق المادة (99) لأنها مقترنة بالتسليم وهو لم يتم ولذلك فإن حكم هذه الحالة يخضع لحكم المادة (104) الخاصة بتقادم الدعوى التي ترفع قبل أمين النقل.
تقادم الدعوى:
تنص المادة (104) من القانون التجاري على أن كل دعوى على الوكيل بالعمولة وعلى أمين النقل بسبب التأخير في نقل البضائع أو بسبب ضياعها أو تلفها تسقط بمضي مائة وثلاثين يومًا فيما يختص بالإرساليات التي تحصل في داخل القطر المصري وبمضي سنة واحدة فيما يختص بالإرساليات التي تحصل للبلاد الأجنبية ويبتدئ الميعاد المذكور في حالة التأخير أو الضياع من اليوم الذي وجب فيه نقل البضائع وفي حالة التلف من يوم تسليمها، وذلك مع عدم صرف النظر مما يوجد من الغش أو الخيانة.
ويجب أولاً عدم الخلط بين هذه المادة والمادة (99) فإن الأخيرة خاصة بحالة العيب واستلام المرسل إليه للبضاعة وقد رسم القانون في هذه الحالة إجراءات معينة، أما المادة (104) فتطبق في أحوال الضياع الكلي أو الجزئي والتأخير والعيب إذا امتنع المرسل إليه عن استلام البضاعة.
أما عن طبيعة هذه المدة أهي مدة سقوط dècheance لا تسري عليها أسباب الانقطاع أم هي مدة تقادم عادي فإن الرأي الراجح والمأخوذ به فقهًا وقضاءً هي أنها مدة تقادم عادي تقطعه الأسباب العادية كالإقرار ورفع الدعوى، على أن تطبيق القواعد العامة في التقادم تؤدي إلى أن الإنذار والدعوى المستعجلة بكافة إجراءاتها لا يقطعان هذا التقادم إطلاقًا (كامل مرسي باشا في التقادم طبعة سنة 1943 بند 237 ومؤلفه الجديد في الحقوق العينية الأصلية ج 4 بند (254)، 286 صـ 260 - بلانيول وربيير واسمان موسوعة القانون المدني الجزء الثالث صـ 686 بند (727)، صـ 687 هذا ولا ترد على هذه المدة أسباب الإيقاف التي لا تسري إلا على التقادم الذي يتجاوز مدته الخمس سنوات (م 382 مدني جديد، (84)، (85) قديم).
كما أن هذه المدة لا تسري في حالة الغش والخيانة ولكن يتعين على من يتمسك بهما أن يقدم الدليل المقنع للمحكمة على قيامهما وعلى أن من نتيجتهما إلحاق الضرر الطبيعي المحقق به وسبق أن بينا أن هنالك رأي يُلحق الخطأ الجسيم بالغش على النحو السالف بيانه في هذه الحالات فإن القواعد العامة للتقادم هي الواجبة التطبيق.
[(1)] السنهوري موجز الالتزامات طبعة سنة 1938 صـ 68، ومحمد صالح في التجاري طبعة سنة 1938 صـ 609، ورينيه روجر في النقل طبعة سنة 1922 صـ 6، الأعمال التحضيرية للمدني الجديد جـ2، صـ 69.
[(2)] السنهوري صـ 69.
[(3)] محمد صالح س 609.
[(4)] رينيه روجر س 7.
[(5)] رينيه رجر صـ 8 - 10، ومحمد صالح بند (542)، واستئناف مختلط 24 مايو سنة 1929 بلتان 36 صـ 370.
[(6)] نقض فرنسي 8 يوليه سنة 1889 دالوز 89 - 1 - 353، 18 نوفمبر سنة 1895 سيري 1895 - 1 - 385 ورينيه روجر صـ 12.
[(7)] محمد صالح صـ 611، 620.
[(8)] موجز القانون التجاري لليون كان (دالوز 1928 ) فقرة (374) صـ 218 وجان أسكارا موجز القانون التجاري طبعة سنة 1948 جزء أول بند (1070) صـ 647، ولا كور موجز التجاري طبعة سنة 1921 بند (988) صـ 566، صـ 569 وليون كان في موسوعة التجاري الجزء الثالث طبعة سنة 1923 1923 بند (748) وجوسران في عقد النقل طبعة سنة 1926 بند (165) صـ 177.
[(9)] الجدول العشري الأول لمجلة المحاماة البنود (1401)، (1402)، (1418) وعبد السلام ذهني في القانون التجاري الجزء الأول بند (240).
[(10)] محمد صالح بند (548)، جان اسكارتيه 1088 صـ 657.
[(11)] محمد صالح صـ 628.
[(12)] موجز الالتزامات للسنهوري باشا صـ 318.
[(13)] يراجع في ذلك أيضًا حكم استئناف إسكندرية في 5/ 2/ 1950 محاماة س 30 صـ 501.
[(14)] بحث الدكتور بهجت يدوي بك في مجلة القانون والاقتصاد السنة الثانية صـ 137 إلى 152 تحت عنوان تعليقات على الأحكام في المواد المدنية: مسؤولية الناقل في النقل بغير عوض.
[(15)] بحث الدكتور بهجت بدوي بك السالف الذكر.
[(16)] السنهوري باشا موجز الالتزامات بند (284) هامش (1) حشمت أبو ستيت في الالتزامات طبعة سنة 1945 بند (369) محمد صالح في أصول التعهدات طبعة سنة 1933 بند (44) صـ 42 - سليمان مرقص في نظرية دفع المسؤولية المدنية طبعة سنة 1936 (الباب الأول من القسم الثاني صفحة 187، 222 وما بعدهما - لاكور موجز التجاري طبعة سنة 1921 بند (1017) - جان أسكارا موجز التجاري جـ 1 صـ 658.
[(17)] محمد صالح القانون التجاري جـ 1 صـ 615 - لاكور موجز التجاري جـ 1 صـ 584 - أسكارا في موجز التجاري جـ 1 صـ 658.
[(18)] لاكور موجز التجاري جـ 1 طبعة سنة 1921 سنة 1921 بند (1018) صـ 584 وأسكارا في موجز التجاري جـ 1 صـ 658، وموسوعة القانون التجاري لليون كان ورينو الجزء الثالث طبعة سنة 1923 صـ 576 بند (600).
[(19)] يُراجع كتاب أسكارا السالف الذكر بند (1090) صـ 658.
[(20)] السنهوري باشا موجز الالتزامات صـ 67.
[(21)] مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجديد الجزء الثالث صـ 291.
[(22)] مجلة المحاماة سنة 31 قاعدة رقم (224) صـ 742 كما يراجع تعليق المجلة على هذا الحكم.
[(23)] موجز القانون التجاري ليونكاريه ولاكوست طبعة سنة 1947 بند (1041) صـ 367 - جان إز في المسؤولية عن نقل الأمتعة طبعة سنة 1936 صـ 163 وما بعدها، وبند (174) هامش صـ 166.
[(24)] الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجديد الجزء الثاني صـ 553.
[(25)] تراجع بنفس المعنى الأحكام المنشورة في دالو 1900 - 1 - 433، وتعليق مسيو سارو، 1901 - 1 - 190، 192 - 1 - 39.
[(26)] لاكور موجز التجاري جـ 1 طبعة سنة 1921 فقرة (1027) صـ 587 مجموعات دالوز موجز التجاري للاكور طبعة سنة 1928 بند (382) صـ 223 - بونكارية ولاكوست موجز التجاري طبعة سنة 1947 صـ 367، بند (1041) - جان أسكارا موجز تجاري جـ 1 بند (1092) صـ 661 ليون كان ورينو جـ 3 طبعة سنة 1923 بند (626)، (627) - مازو طبعة سنة 1950 جـ 3 بند (2557).
[(27)] علي الزيني القانون التجاري جـ 1 صـ 785 - عبد السلام ذهني بك القانون التجاري جـ 1 صـ 308 - كامل ملش في القانون التجاري جـ 1 صـ 115 - محمد صالح في القانون التجاري جـ 1 صـ 420.
[(28)] لاكور موجز التجاري جـ 1 فقرة (1028) - أسكارا في موجز التجاري جـ 1 بند (1093) - جان إز في المسؤولية عن نقل الأمتعة صـ 163 - ليون كان ورينو موسوعة التجاري جـ 3 طبعة سنة 1923 صـ 606، 594 - جوسران في عقد النقل طبعة سنة 1926 بند (639) مكررًا أربعة صـ 628 مازو في المسؤولية المدنية طبعة سنة 1950 بنود (2549) صـ 589، (2592) مكررًا (2).
[(29)] س مخ 26/ 1/ 22 بلتان 34 س 138، س مخ 6/ 4/ 1922 بلتان 34 صـ 298، س مخ 6/ 2/ 930 بلتان 42 صـ 260 - نظرية العقد للسنهوري باشا صـ 287 عبد السلام ذهني بك في القانون التجاري صـ 310.
كتبهااحمد الجمل ، في 6 أبريل 2009 الساعة: 00:24 ص
مجلة المحاماة - العدد الثامن
السنة الثانية والثلاثون سنة 1952
بحث مسؤولية أمين النقل
للأستاذ محمد حامد رضوان المحامي من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة
تشغل مسؤولية أمين النقل حيزًا ظاهرًا أمام القضاء وتثير الكثير من البحوث وخاصةً عن ماهية الشروط الواردة في عقد النقل ومدى الأخذ بها وعن الخطأ الجسيم والغش من جانب، والخطأ اليسير من جانب آخر وعن سلطة القاضي إزاء هذه الشروط هذا ولما كانت مسؤولية أمين النقل تخضع لأحكام المواد (90) إلى (104) من القانون التجاري ولأحكام القواعد العامة في الالتزامات فإن هذه المسؤولية يجب النظر إليها على ضوء ما ورد في القانون المدني الجديد على أنه يتعين بادئ ذي بدء التعرض لماهية عقد النقل من ناحية ولتعريفة النقل من ناحية أخرى.
ماهية عقد النقل:
عقد النقل هو عقد يلتزم بموجبه شخص طبيعي أو معنوي، بالقيام بنقل بضائع أو أشخاص بوسيلة من وسائل النقل من مكان إلى مكان آخر مقابل أجر معلوم وبشروط معينة.
والرأي الثابت أن من عقود الإذعان [(1)] Contrat d’adhesion، وليس من العقود الرضائية البحتة، كما يذهب إلى ذلك أمناء النقل أحيانًا، بدعوى أن هذا النوع من العقود لا يتوفر إلا حيث يوجد احتكار قانوني أو فعلي لشخص لشيء يعد ضروريًا للطرف الآخر، ولما كانت وسائل النقل متعددة بين برية، بالسكة الحديد والسيارات والعربات، ونهرية، بالمراكب والسفن من بخارية وشراعية فإن ركن الاحتكار يعد غير متوافر، ذلك أن هذا النوع من العقود يتميز بتعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين وباحتكار هذه السلع والمرافق، احتكارًا قانونيًا أو فعليًا أو قيام منافسة محدودة النشاط بشأنها وبتوجيه عرض الانتفاع بها إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل فئة منها، ولذلك فإن عقد النقل هو دون ريب من هذه العقود، وأهمية هذا البحث تبدو في أن القانون المدني الجديد وإن اعتبر المادة (100) تسليم العامة بالشروط المقررة في هذا النوع من العقود قبولاً حقيقيًا يتوافر معه قيام العقد، أخذًا بالرأي الغالب في الفقه والقضاء [(2)]، إلا أنه قد أجاز المادة (149) للقاضي أن يُعدل الشروط التعسفية فيها أو يعطي الطرف المذعن منها.
وقد اختلف الرأي حول طبيعة هذا العقد فيذهب الرأي إلى أنه من عقود التراضي التي تنعقد بدون حاجة إلى أي إجراء وليست تذكرة النقل إلا صورة من صور إثباته [(3)]، ولكن الرأي الآخر يذهب إلى القول بأنه عقد عيني وإلى أن رضاء أمين النقل والراسل ليس من نوع الرضاء في العقود العادية حيث تكون الإرادة حرة طليقة بل إن رخاء الراسل لا يتم إلا بعد تسليم الأشياء المراد نقلها إلى أمين النقل فعلاً وعندئذ فقط يقبل الشروط المعروضة عليه وعندئذٍ فقط يتم العقد، أما قبل ذلك فليس ثمة عقد نقل بل قد يوجد عقد وعد بالنقل قد يترتب التزامًا بالتعويض. [(4)]
وعقد النقل من العقود الملزمة لجانبين كما أنه ليس عقدًا شكليًا، وإذا كانت المادة (95) من القانون التجاري المصري، و(100) من القانون الفرنسي تنص على أن (تذكرة النقل هي عبارة من مشارطة بين المرسل وأمين النقل أو بين المرسل والوكيل بالعمولة وبين أمين النقل) فإن هذا ليس معناه أن الكتابة ركن في العقد أو أنها وسيلة الإثبات الوحيدة بل هي ترمي إلى أنه يمكن تعرف شروط النقل وأحكامه من واقع البوليصة ولقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن وضع البضائع في الردهة الداخلية للمحطة فيعترض معه قانونًا أنها في طريق النقل ولو لم يحرر العقد بعد فهي بذلك لم تستلزم تحرير العقد لإمكان تمامه. [(5)]
ولكن هل عقد النقل عقد مدني أم تجاري ؟ أما بالنسبة للناقل فإنه إذا كان يتخذ النقل حرفة له فإن العقد يعد تجاريًا (م (2) تجاري مصري و(632) فرنسي)، أما إذا كانت عمليات النقل عمليات فردية فهل معنى ذلك أنها ليست من قبيل الأعمال التجارية ؟ وهنا يجب أن نُفرق في النظر إلى المسألة بين الراسل والمرسل إليه من جهة وبين أمين النقل من جهة أخرى، فبالنسبة للأولين لا يعد تجاريًا إلا إذا كان متعلقًا بتجارة أيهما وهذا الحل مبني على نظرية الأعمال التجارية بالتبعية بالنسبة للتاجر يُعد تجاريًا إذا هو أرسل بضاعته المبيعة للمشتري أو للوكيل بالعمولة لبيعها ولكنه يُعد مدنيًا إذا هو نقل بعض أمتعته وحاجياته الخاصة، أما بالنسبة لأمين النقل إذا كان شخصًا عاديًا لا يحترف النقل وإنما قام بعملية فردية فإذا كان النقل بالمجان فالرأي الراجح في الفقه وفي القضاء أنه لا يوجد عقد نقل بل عقد غير معين يخضع للقواعد العامة في الالتزامات أما إذا كان مقابل أجر فإن العملية في ذاتها تعد عملاً تجاريًا ولو أن الشخص الذي يقوم بها ليس تاجرًا ولهذا فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الدولة إذا باشرت بنفسها النقل بالسكة الحديدية فإنها تقوم بعمل تجاري ولو أنها ليست تاجرة. [(6)]
وطرفا هذا العقد هما الراسل expédituer وأمين النقل voturieg أما المرسل إليه فمركزه هو مركز المستفيد من مشارطة عقدت لصالحه stipulation pour autrivi، ويكون الحق في رفع الدعوى بسبب هذا العقد لهؤلاء فقط. [(7)]
وشروط هذا العقد شروط مطبوعة وضعت مقدمًا في نموذج معين عام بالنسبة للجميع ولا يمكن المناقشة فيها، كما أنها ترتكز على أساس التعريفة التي يضعها أمين النقل بعد موافقة السلطات الحكومية وهي تقسم النقل إلى فئات وأنواع متعددة مختلفة الشروط والأحكام، ولذلك فإنه يتعين علينا مناقشة هذه التعريفة وماهيتها.
ماهية التعريفة:
( أ ) الصفة اللائحية: يثور البحث حول ماهية التعريفة ومدى وجوب الأخذ بها وهل لها صفة تشريعية أم صفة جزائية، وأهمية هذا البحث مردها أن عقد النقل يحيل إليها في الكثير من الشروط، ولما كانت هذه التعريفة تنقسم إلى عدة أقسام لذلك تبدو أهمية تكييفها القانوني فهي تختلف باختلاف نوع البضاعة وعما إذا كان النقل بالطريق السريع أو العادي كما أن هنالك تعريفة عامة وتعريفة خاصة كما أن هنالك تعاريف متعددة.
فتحديد أجر النقل هو من العناصر الرئيسية في كل تعريفة وتدور حوله شروط النقل، فالتعريفة ذات السعر المنخفض عن العادي تستلزم بالتبعية حتمًا زيادة التزامات الراسل، ولكل تعريفة من هذه التعريفات شروطها المميزة، والتعريفة ذات السعر المنخفض تستلزم تخفيض الأجر كما تشترط بعض شروط لصالح أمين النقل كعدم مسؤوليته في حالة امتداد أجل النقل (التأخير) أو تحديد المسؤولية في هذه الحالة أو إلقاء عبء شحن وتفريغ العربة على عاتق الراسل أو المرسل إليه.
وفي فرنسا تعد التعريفة، رغم اعتراضات البعض، لائحة تشريعية تتمتع بما تتمتع به اللوائح الإدارية من قوة وتدير الخطوط الحديدية هنالك الشركة الأهلية للسكك الحديدية الفرنسية Societé National de chemins de fers، وهنالك تقوم الشركة والحكومة معًا بتحضير مشروع هذه التعريفة وتتمتع الإدارة بسلطة واسعة عند وضعها ومراجعتها ومردها إلى الصالح العام فإذا ما وافقت الحكومة على ما تضمنته، وبعد أن تدخل عليها من التعديلات ما تراه، وضعت التعريفة في صورة لائحة تقوم الحكومة بالتصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية وعندئذٍ تكتسب صفتها هذه وتكون ملزمة للكافة فلا يجوز الخروج على أحكامها لا من الراسل أو المرسل إليه ولا من أمين النقل ولا يجوز التعديل في أحكامها إلا بالطريق الذي وضعت به. [(8)]
وأما في مصر فقد صدرت تعريفة النقل بالسكة الحديد بموجب قرار من معالي وزير المواصلات بتاريخ 3 مايو سنة 1930 وقد نشرت بالوقائع الرسمية بالعدد 66 الصادر في 10 يوليه سنة 1930، ولكن الاعتراضات التي وجهت إلى هذه التعريفة وإلى مدى التمسك بها تقوم على أساس أنها لا يمكن أن تتجاوز قوة القرار الوزاري ما دامت لا تستند إلى قانون يخول إصدارها فهي بذلك ليست لائحة تفويضية، ولما كان عقد النقل تحكمه النصوص الخاصة في القانون التجاري والنصوص العامة في باب الالتزامات في القانون المدني فإن هذه الأحكام هي الواجبة التطبيق دون التعريفة لأنها لا يمكن أن تسمو إلى مرتبتهما.
(ب) الصفة الجزائية:
إذا تركنا جانبًا الخلاف حول ماهية التعريفة من الناحية التشريعية ومدى قوتها الإلزامية فإننا نجد أن رأيًا آخر يذهب إلى الأخذ بها على أساس آخر فلقد ذهبت بعض الأحكام إلى أنه لما كانت بوليصة الشحن تحيل فيما تحويه من شروط إلى التعريفة باعتبارها جزءًا رئيسيًا مكملاً لعقد النقل وخاصةً بالنسبة للتعويضات عند قيام مسؤولية أمين النقل فإن ذلك يعد شرطًا جزائيًا يتعين الأخذ به تطبيقًا لأحكام المادة (123) من القانون المدني القديم، ولذلك فلقد أخذت هذه الأحكام بالتعويضات المقدرة في التعريفة وبالحدود الواردة فيها. [(9)]
على أننا إذا رجعنا إلى أحكام الشرط الجزائي في القانون المدني الجديد لوجدنا أن المادة (225) تنص على أنه إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإنفاقي فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشًا أو خطأ جسيمًا، وتطبيقًا لأحكام هذه المادة فإننا لو اعتبرنا أن إحالة بوليصة الشحن إلى التعريفة يعد شرطًا جزائيًا فإن الحدود التي وردت بها تعد حدًا أقصى لا يجوز تجاوزه إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم اللهم إلا إذا أمكن القول بأن هذا الشرط يقصد به إلى الإعفاء من المسؤولية حيث لا تجيز نصوص القانون وأحكامه ذلك.
نطاق مسؤولية أمين النقل:
إذا لم تتضمن بوليصة النقل شروطًا خاصة أو كانت هذه الشروط مجرد تطبيق للقواعد العامة في الالتزامات أو للأحكام الخاصة بعقد النقل في القانون التجاري أو كانت هذه الشروط شروطًا مكتوبة لا مطبوعة فإنه في جميع هذه الأحوال يتعين الأخذ بالقواعد العامة ويكون العقد في هذه الحالة عقدًا رضائيًا بحتًا كسائر العقود، ويترتب على ذلك أن أمين النقل يلتزم بنقل الشيء كاملاً وسليمًا من جهة معينة إلى جهة أخرى وبالشروط المتفق عليها وخلال المدة التي حددها الطرفان، فإذا لم ينفذ التزامه فإنه يعد مرتكبًا خطأ تعاقديًا يجعله مسؤولاً مسؤولية تعاقدية وعليه هو إما أن يثبت قيامه بتنفيذ التزامه على الوجه المتفق عليه أو يدفع عن نفسه المسؤولية بإثبات قيام السبب الأجنبي كالقوة القاهرة والحادث الفجائي أو العيب في الشيء أو فعل الراسل أو المرسل إليه أو فعل الغير.
ولقد نصت المادة (97) من قانون التجارة على أن (أمين النقل ضامن للأشياء المراد نقلها إذا تلفت أو عدمت إلا إذا حصل ذلك بسبب عيب ناشئ عن نفس الأشياء المذكورة أو بسبب قوة قاهرة أو خطأ أو إهمال ن مرسلها) كما نصت المادة (98) على أنه (إذا لم يحصل النقل في الميعاد المتفق عليه بسبب قوة قاهرة فلا يترتب على التأخير إلزام أمين النقل بتعويضات).
ويسأل أمين النقل في حالات ثلاث أولاها حال ضياع الشيء المنقول كلية أو جزئية، وثانيها حال إصابته بتلف، والحال الثالثة هي حال التأخير، وإلى جانب الحالات والنصوص الخاصة التي سنتعرض لها فيما بعد فإن مسؤولية أمين النقل حال عدم تضمن عقد النقل لشروط خاصة تقوم، كما في القواعد العامة، على أساس خطأ مفترض قانونًا قبل أمين النقل لمجرد عدم قيامه بتنفيذ التزامه ويكون شأنه كشأن الخطأ في المسؤولية التعاقدية غير قابل لإثبات عكسه ولكن يكون لأمين النقل أن يدفع هذه المسؤولية بإثبات نفي قيام علاقة السببية بين ركن الخطأ الثابت قانونًا من عدم التنفيذ وبين ركن الضرر الذي يثبته مدعيه، وذلك بإثبات قيام السبب الأجنبي وأن الضرر يرجع إليه وحده أما إذا كان يرجع لخطأ أمين النقل من ناحية وللسبب الأجنبي من ناحية أخرى فإنه لا يسأل إلا بنسبة ما ارتكبه من خطأ.
ويكون أمين النقل عندئذٍ ملتزمًا بتعويض الطرف الآخر (الراسل أو المرسل إليه) عما لحقه من خسارة وما فاته من ربح بالقيد الذي ذكرناه.
على أنه تطبيقًا للقواعد العامة لا يكون مسؤولاً إلا عن الضرر المباشر فقط أما الضرر غير المباشر فلا يسأل عنه إطلاقًا سواء أكان الخطأ المنسوب إليه يسيرًا أو جسيمًا مصحوبًا بغش أو تدليس أو غير مصحوب، كما أنه حتى في نطاق الضرر المباشر لا يسأل إلا عن الضرر المتوقع فقط إلا إذا كان الخطأ الذي ارتكب جسيمًا أو مصحوبًا بغش أو تدليس فإنه يسأل في هذه الحالة عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، كما أن هذا التعويض يستحق دون حاجة إلى التكليف الرسمي.
وإذا فقدت البضاعة أو تلفت فإن أمين النقل يلتزم بقيمتها ولكن الخلاف بين الشراح والمحاكم في فرنسا على حالة السلع المسعرة تسعيرًا جبريًا فهل تحتسب على أساس التسعير الرسمي وقت الشحن أم وقت وصول البضاعة، أما في حالة التلف فيلتزم بالفرق بين قيمة البضاعة سليمة وقيمتها تالفة أما في حالة التأخير فيلتزم بتعويض الضرر الذي ترتب عليه. [(10)]
ما قلناه خاص بنقل البضائع والأشياء على أن الأمر يختلف بعض الشيء بالنسبة لنقل الأشخاص فإذا أصيب المسافر أثناء الطريق فهل يكون أساس الرجوع على الناقل المسؤولية التعاقدية أم المسؤولية التقصيرية وعلى أساس إثبات خطأ معين ارتكبه الناقل أم على أساس المسؤولية الشيئية، على أن الأمر من ناحية أخرى يقتضي التفرقة بين النقل بأجر، وهو الصورة الغالبة والعادية وبين النقل المجاني.
ففي حالة النقل بأجر لا ريب في أنه يربط المسافر بالناقل عقد نقل هو الذي يحكم الرابطة القانونية بينهما على أنه يتعين معرفة التزامات الناقل فيه وهل التزامه في هذه الحالة التزامًا بغاية فيلتزم بتمكين المسافر من الوصول سليمًا إلى الجهة المتفق عليها أم هو التزام بوسيلة فيلتزم بأن يضع تحت تصرفه وسيلة النقل إلى غايته [(11)]، كان القضاء الفرنسي في بادئ الأمر يذهب إلى الرأي الثاني على أساس أنه لا محل لمقارنة المسافر بالبضائع لأن له حركة ذاتية وإرادة خاصة ذلك لأنه في حالة تلف البضائع أو ضياعها يفترض إهمال أمين النقل في المحافظة عليها لأن له سيطرة تامة عليها أثناء نقلها أما الإنسان فهو كائن له إرادة خاصة وقد يغافل أمين النقل ويتسبب في إلحاق الأذى بنفسه عن إهمال وتقصير، على أن هذا القضاء، وعلى رأسه محكمة النقض، لم يستطع أن يثبت على هذا الرأي لكثرة الحوادث ولأن الأخذ به يترتب عليه أن يتحتم على المسافر أو ورثته أن يثبتوا خطأ معينًا ارتكبه أمين النقل وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً في بعض الأحوال لذلك لم يرَ بدًا من القول بأن أمين النقل يلتزم بموجب العقد بنقل الشخص سليمًا ومعافى إلى الجهة المقصودة فإذا أصيب أثناء النقل كانت مسؤوليته تعاقدية فيفترض قانونًا أنه قد ارتكب تقصيرًا ولا يستطيع أن يدفعه إلا بإثبات نفي علاقة السببية بين الخطأ والضرر بإثبات قيام السبب الأجنبي كالقوة القاهرة والحادث الفجائي وخطأ المصاب وفعل الغير، وهذه المسؤولية تؤدي إلى نفس النتيجة التي يمكن الوصول إليها عن طريق الأخذ بالمسؤولية الشيئية (المادة (1384) فقرة (1) مدني فرنسي).
هذا ويثار في هذا الصدد مسألة اجتماعية المسؤوليتين والخيرة بينهما فقد يكون العمل الواحد إخلالاً بالتزام تعاقدي يحقق المسؤولية التعاقدية وهو في الوقت ذاته عمل ضار يحقق المسؤولية التقصيرية وهنا تجتمع المسؤوليتان فإذا أصيب المسافر أثناء الطريق، وأخذ بالرأي القائل بالتزام الناقل بسلامته، كانت من جهة إخلالاً بهذا الالتزام التعاقدي فتحقق المسؤولية التعاقدية وكانت من جهة أخرى عملاً ضارًا في ذاته فتجتمع إلى جانب المسؤولية التعاقدية المسؤولية التقصيرية في مثل هذا الغرض لا يجوز إطلاقًا الجمع بينهما وإنما يكون الرجوع على أساس إحداهما فقط، ولكن عن أيتهما ؟ أيترك للمصاب الخيرة بين المسؤوليتين فيختار أكثرهما ملاءمة له ؟ أو أن المسؤولية التقصيرية لا تقوم إذا كان هناك عقد بين الطرفين يحدد مدى المسؤولية فتبقى المسؤولية التعاقدية وحدها، ولا يكون هنالك مجالاً للخيرة ؟ اختلف الرأي في فرنسا فالبعض يأخذ بالرأي الأول والبعض الآخر يأخذ بالرأي الثاني وإن كان الراجح هو الرأي الأول ؟ [(12)]
أما في مصر فتذهب بعض المحاكم إلى بناء المسؤولية على أساس المسؤولية التعاقدية والبعض الآخر على أساس المسؤولية التقصيرية، هذا وقد حكمت محكمة مصر الابتدائية في 13 مارس سنة 1951 بأنه بمجرد قيام المسافر بدفع الأجر المفروض لمتعهد النقل فإنه يبرم بينهما عقد يلتزم فيه الناقل بتأمين سلامة المسافر ووصوله سالمًا إلى المكان الذي يقصده وهذا الالتزام يستخلصه القاضي تفسيرًا لإرادتي المتعاقدين المشتركة إذ أن المسافر ينتظر الوصول سالمًا إلى المكان الذي يقصده ولو أن الناقل لم يتعهد بذلك ولو ضمنًا لما أقدم المسافر على التعاقد كما ذكرت أن هذه المسؤولية لا يدفعها إلا إثبات القوة القاهرة أو خطأ المصاب (المحاماة س 31 العدد الثامن - رقم (393) صـ 1386). [(13)]
ويختلف الأمر في حالة النقل المجاني [(14)] ذلك لأنه لا يمكن القول بقيام عقد نقل في هذه الحالة ذلك لأن من عناصر هذا العقد الجوهرية وضع أجر معين لأمين النقل ولذلك ذهب البعض إلى القول بوجود عقد غير مسمى أقرب لعقود الوكالة والعارية منه لعقد النقل بجامع نية التبرع في هذه العقود ولقد كانت هذه الفكرة موضع النقد في فرنسا ذلك لأن فكرة التعاقد لم تدر بخلد الطرفين إطلاقًا ولذلك فإن القضاء الفرنسي رفض الأخذ بالمسؤولية التعاقدية في هذه الحالة وكان أمامه أما الأخذ بالمسؤولية الشيئية (المادة 1384/ 1)، وتشبيه حالة المسافر الذي يصاب أثناء الطريق بحالة المارة التي تصدمها العربات والمركبات فيكون الحارس القانوني مسؤول عن هذه الحوادث مسؤولية يفترض معها قيام الخطأ وهو فرض غير قابل لإثبات عكسه ويكون المصاب مكلفًا في هذه الحالة بإثبات ركن الضرر، وأما أن تبني المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات التقصير في جانب أمين النقل المادتان (1382)، (1383).
ولكن القضاء والفقه في فرنسا رفض أن يطبق حكم المادة (1384) فقرة أولى (المسؤولية الشيئية) على حالة النقل المجاني لما في تطبيق حكم هذه المادة على الشخص الذي يتطوع بتأدية خدمة مجانية لآخر من مصادمة للعدالة ولحسن التقدير، ولهذا فلقد ذهب البعض إلى القول بأن الراكب بغير عوض يتحمل في الواقع تبعة الأخطار المنظورة والعادية التي تنجم عن ركوبه ولكن أخذ على هذا الرأي صعوبة تحديد فكرة قبول التبعة من ناحية والأفكار المنظورة والعادية من ناحية أخرى كما أنه يحمل إرادة الطرفين فكرة لم تدر بخلدهما وقت قيام الرابطة القانونية ولو أن الراكب أدرك مبلغ الخطر الذي يعرض نفسه إليه وما في ركوبه المجاني من إسقاط لحقه قبل الناقل لما أقدم على الركوب أو لفضل الركوب بأجر، كما أنه من ناحية أخرى فإن هذا الاتفاق المزعوم بفرض وجوده غير صحيح ذلك لأن القضاء قد استقر على عدم جواز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية، ولذلك فإن الرأي الراجح في فرنسا يبني المسؤولية في هذه الحالة على أساس إثبات تقصير أمين النقل المادتين (1382)، (1383).
أما في مصر فلقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 13 نوفمبر سنة 1930 بلتان 43/ 22 بأن من يقبل الركوب في سيارة تفضلاً من صاحبها فلا يجوز له المطالبة بالتعويض عن الحوادث والأضرار التي تصيبه من جراء ركوبه إلا إذا نشأت عن تقصير جسيم من قائد السيارة وبهذا المعنى أيضًا حكم محكمة مصر المختلطة في 23 مايو سنة 1949 (بأن الراكب يعتبر قابلاً لبقية الأخطار المتوقعة risques possibles).
على أن النقد الذي وجه إلى هذين الحكمين يرتكز على أنه لا يجوز الاستناد على فكرة قبول الراكب لتبعة الركوب في سبيل تخفيف مسؤولية الناقل ذلك لأن الاستناد لهذه الفكرة في القانون الفرنسي قصد به فقط استبعاد المادة (1384) على حالة النقل المجاني ونظرية المسؤولية الشيئية لم يكن مأخوذًا بها في مصر حتى صدور القانون المدني الجديد كما أنه لا مبرر لاشتراط التقصير الجسيم لشغل مسؤولية الناقل في حالة النقل بغير عوض وأنه يمكن أن يسأل حتى عن خطئه اليسير ويمكن الاستناد لفكرة الخدمة لتخفيف التعويض. [(15)]
دفع المسؤولية:
قلنا فيما سبق أنه إذا لم يوجد نص خاص في عقد النقل فإن الناقل يعد مسؤولاً إذا لم يقم بتسليم الشيء كاملاً وسليمًا وفي الموعد المتفق عليه ويفترض خطؤه حتى يقوم هو بإثبات أن مرد عدم التنفيذ راجع لسبب أجنبي خارج عن إرادته وعندئذ تنقطع علاقة السببية بين الخطأ المفروض والضرر الذي أثبت وتبرأ ذمة أمين النقل، وهذا السبب الأجنبي قد يكون قوة قاهرة أو حادثًا فجائيًا وقد يكون خطأ الراسل أو المرسل إليه وقد يكون مرده إلى عيب في ذات الشيء المنقول أو فعل الغير وفي كل هذه الأحوال تبرأ ذمة أمين النقل بشروط سنتكلم عنها فيما بعد.
1 - القوة القاهرة والحادث الفجائي: المسألة الأولى التي تعرض هي معرفة ما إذا كان المدلول القانوني لكل من هذين التعبيرين واحد أم لكل منهما تعريفة وهل يتفقان في الحكم في الالتزامات عامة وفي عقد النقل خاصة، الرأي الراجح في الفقه والقضاء لا يميز بينهما فهما اسمان مختلفان لمعنى واحد، إذا نظر إليه من حيث إنه غير متوقع الحصول فهو حادث فجائي، وإذا نظر إليه من حيث أنه لا يمكن دفعه فهو قوة قاهرة ولذلك فإن الفقهاء يحيلون في تعريف كل منهما على الآخر.
والقوة القاهرة force majeves والحادث الفجائي cas fortivt هو عائق يعترض تنفيذ المدين لالتزامه وقد يكون مصدره راجع لعوامل طبيعية أو إنسانية كصاعقة أو زلزال أو فيضان أو حرف أو ثورة ومن ناحية أخرى فهو حادث غير متوقع كما أنه لا تمكن مقاومته ولو أمكن توقعه ويشترط أن يؤدي لاستحالة تنفيذ الالتزام استحالة تامة ومطلقة وعامة كما أنه يشترط ألا يكون للمدين بالذات أو أي شخص يسأل عنه شأن في حصوله.
على أن هنالك رأي يفرق بين القوة القاهرة والحادث الفجائي وخاصة في عقد النقل بالذات ويحصر إعفاء أمين النقل على الأولى دون الثاني وأساس هذا الرأي أن المادة (97) تجاري مصري وما يقابلها في القانون الفرنسي قد نصت على أن مسؤولية أمين النقل لا تنتفي إلا بإثبات القوة القاهرة أو خطأ أو إهمال من مرسلها ولقد ذكرت هذه المادة القوة القاهرة دون الحادث الفجائي مما يدل في نظرهم، على أن أمين النقل يُسأل حتى في حالة قيامه ويجعلون أساس التفرقة بينهما ركن الخروج المادي l’extériaité de l’evenement للحادث عن نشاط المدين وشهرته من ناحية أخرى Son importance et son notoriorité لأن وقوع الحادث داخل منشآت المدين يستحيل معه إقامة الدليل الذي ينفي لأول وهلة كل شك في فطنة إسناده إليه أما شهرة الحادث ففيها ما يؤيد وقوعه ولأن في أهميته ما يستحيل معه تحامي نتائجه فالحوادث غير العادية وحدها هي التي تعتبر قوة قاهرة وهي التي يمكن دفع المسؤولية بها خلافًا للحوادث الفجائية العادية التي ليس لها مثل هذا الأثر، فالحروب والزلازل والصواعق والثورات وازدحام البضائع كل هذه عوامل خارجة عن إرادة أمين النقل وعن نشاطه فلا يسأل عنها أما الحادث الفجائي فإنه أمر داخلي يتعلق بنشاط المدين ولو لم تكن لإرادته دخل في حدوثه فهو على حد قولهم الخطر الملازم للحرفة أو الصناعة ويمثلون لذلك بانفجار مصنع أو قاطرة أو عدم كفاية الأدوات أو الأشخاص الذين يقومون بالعمل أو قلة وسائل النقل فكل هذه عوامل يجب أن يتحمل تبعتها أمين النقل.
على أن الفقه والقضاء منذ عهد غير قصير لم يأخذ بالرأي القائل بالتفرقة بين القوة القاهرة من جهة والحادث الفجائي من جهة أخرى سواء في عقد النقل خاصةً أو في الالتزامات عامةً وانتهى الرأي إلى أن مدلولهما واحد ويترتب عليهما إعفاء أمين النقل من المسؤولية وأن القانون إذا استعمل أحد اللفظين فإنه يقصد أيضًا التعبير الآخر. [(16)]
2 - خطأ الراسل أو المرسل إليه: وقد يكون مرد عدم التنفيذ راجع لخطأ من الراسل أو المرسل إليه فقد يرجع سبب التلف إلى عامل سابق على الشحن أو لعيب في الحزم أو بسبب سوء الشحن والتفريغ إذا كان متفقًا على أن يتم ذلك بمعرفة أحدهما. [(17)]
3 - العيب الخاص: ويقصد به أن يحوي الشيء المنقول آفة هلاكه وإعدامه وقد يكون مرده حالة طبيعية، أو غير طبيعية ولكن لا دخل لأمين النقل في حدوثها، من شأنها أن يهلك الشيء من ذات نفسه دون أن تتدخل عوامل خارجية وذلك كقابلية البضاعة للفساد من تلقاء نفسها أو لأنها من الأشياء التي تتلف بطبيعتها بسبب الموسم الذي تنقل فيه فكثير من الخضروات والفاكهة تخمر وتتعفن خاصةً في فصل الصيف فإذا فسدت البضاعة في هذه الأحوال فلا يكون الناقل مسؤولاً وهذا ما تنص عليه المادة (97) تجاري (أمين النقل ضامن للأشياء المراد نقلها إذا تلفت أو عدمت إلا إذا حصل بسبب عيب ناشئ عن نفس الأشياء…).[(18)]
4 - فعل الغير: وقد يكون مرد عدم التنفيذ راجع إلى فعل الغير فلا يكون أمين النقل مسؤولاً على شريطة أن يكون هذا الغير شخصًا أجنبيًا عن الناقل غير تابع له وألا يكون مسؤولاً عنه مسؤولية تعاقدية أو تقصيرية كما يشترط القضاء الفرنسي أن تتوافر في فعل الغير شروط القوة القاهرة. [(19)]
الشروط المعدلة لأحكام المسؤولية:
1 - ماهيتها وسلطة المحكمة إزاءها: يندر أن تكون عقود النقل على الصورة البسيطة التي بيناها بالاكتفاء بإحكام القواعد العامة دون اشتراط شروط خاصة لأن ذلك غالبًا ما يكون مع صغار أمناء النقل أو من يقوم بعملية عرضية، ولما كانت تتولى شؤون النقل في مصر مصلحة السكة الحديد بصفة رئيسية وتقوم إلى جوارها شركات النقل المختلفة، ولذلك نجد أنها تشترط في بوالص الشحن التي تعدها شروطًا كثيرة ترمي غالبًا إلى إعفائها من المسؤولية أو الحد منها وتحديد التعويض في أضيق صورة ولا يتمتع الطرف الآخر بحرية مناقشة هذه الشروط أو التعديل فيها.
ولما كانت عقود الإذعان تتميز بتعلق موضوعها بسلع أو مرافق ضرورية للجمهور وباحتكارها أو قيام منافسة محدودة وبأن العرض موجه للجمهور عامة بشروط واحدة لا تتغير بتغير الأشخاص ولا مجال للمناقشة فيها لذلك فإن هذه العناصر متوافرة تمامًا في عقد النقل، على أنه إذا انتفت هذه العناصر جميعًا أو إحداها فإن العقد لا يعد آنئذٍ عقد إذعان كما إذا ثبت أن شروط النقل كانت مكتوبة لا مطبوعة أو كانت موضع مساومة وبحث جدي أو كانت مخالفة للصور المطبوعة والمطبقة على الكافة.
ولقد انقسم الرأي حول طبيعة هذه العقود إلى فريقين أولهما ينكر عليها صيغتها التعاقدية إذ أن العقد يوافق إرادتين عن حرية واختيار بينما هو في هذا النوع من العقود مجرد إذعان أو انضمام لا يصدر عن إرادة حرة بل على المتعاقد أن ينزل على حكم هذه الشركات فالرابطة القانونية بينهما قد خلقها في الواقع إرادة المحتكر وحده ولذلك فإن أصحاب هذا الرأي يرون أن يفسر هذا العقد وأن تحدد التزاماته وحقوقه على ضوء هذه الاعتبارات وعلى أساس المصلحة العامة لمجموع الأفراد فتراعي مقتضيات العدالة وحسن النية وما تستلزمه الظروف الاقتصادية أما الفريق الثاني فيرى أن حجج الفريق الأول ساقطة ولا تصلح أساسًا للقول بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي ثم بتوافق إرادتين فكثير من العقود في العهد الحديث يتحقق فيها إضطرار أحد طرفيها أو كليهما للتعاقد دون أن يذهب أحد إلى القول باعتبار هذا الاضطرار إكراه مبطلاً للعقد كما أن انعدام المساواة بين المتعاقدين لا يمكن تجنبه فهو كثير الحدوث في العقود الرضائية البحتة أليست شروط عقود الإيجار والعمل ترمي غالبًا إلى رعاية مصلحة المؤجر ورب العمل أكثر من رعاية مصلحة المستأجر والعامل ؟ لذلك فإن هذا الفريق يرى أن ركن الاضطرار في هذه العقود أقل منه في غيرها فالكل أمام المحتكر سواء والعقود جميعًا على وتيرة واحدة ولا توضع إلا بعد موافقة السلطات الحكومية ولهذا فإن هذا الفريق يرى أن العقد في هذه الحالة عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين وأن علاج الضعف المزعوم لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي تم بتوافق إرادتين ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد بل بتقوية الجانب الضعيف سواء بالوسائل الاقتصادية أو التشريعية والقضاء في فرنسا وفي مصر لم يتأثر كثيرًا بالمذهب الأول بل أخذ كمبدأ عام بالمذهب الثاني ولكنه مع أخذه باعتبار هذا النوع من العقود عقودًا حقيقية إلا أنه أخذ يتلمس الطرق للحد من قسوتها وتعسفها بدعوى أنها تتناقض مع جوهر العقد أو لأنها مخالفة للنظام العام والآداب أو لأن المتعاقد لم يكن ليستطيع الوقوف عليها وقت التعاقد أو لتناقضها مع شروط مكتوبة.[(20)]
والقانون المدني الجديد وإن أخذ بالمذهب الثاني على النحو الذي طبقه القضاء فاعتبر هذا النوع من العقود عقودًا حقيقية إلا أنه أعطى للقاضي سلطة تعديل الشروط الجائزة أو الإعفاء منها، فالمادة (100) منه تنص على أن (القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل المناقشة فيها)، كما تنص المادة (149) على أنه إذا تم العقد بطريقة الإذعان وكان قد تضمن شروطًا تعسفية فإنه يجوز للقاضي أن يُعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها وذلك وفقًا لما تقضي به العدالة ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك، كما تنص المادة (151) فقرة ثانية على أنه (لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضار بمصلحة الطرف المذعن).. على أننا نرى من المفيد أن ننقل أولاً مذكرة المشروع التمهيدي على المادة (149) ثم نتناول بعد ذلك سلطة المحكمة على ضوئها فلقد جاء فيها (تناول المشروع فيما تقدم بيان الأحوال التي يتم فيها التعاقد بطريقة الإذعان)، وقد قصد إلى التخفيف مما يلازم هذا الضرب من التعاقد من شدة وحرج، بالنسبة للعاقد المذعن فأقام لصالحه استثناءين من إحكام القواعد العامة في تفسير العقود فالأصل أن الحاجة إلى التفسير لا تعرض متى كانت عبارة العقد واضحة ففي مثل هذه الحالة تطبق شروط التعاقد كما أفرغت بيد أن الحكم يختلف فيما يتعلق بما يدرج في عقود الإذعان من الشروط الجائرة فالالتجاء إلى التفسير يتعين بشأنها، ولو كانت واضحة العبارة بينة السياق فمن واجب القاضي أن يثبت في هذه الحالة مما إذا كان العاقد قد تنبه إلى هذه الشروط فإذا استوثق من تنبه هذا العاقد إليها كما لو كان العاقد الآخر قد احتاط فجعل تلك الشروط مخطوطة باليد في عقد مطبوع، تحتم عليه أيضًا إمضاء حكمها رعاية لاستقرار المعاملات أما إذا تبين أن العاقد المذعن لم يتنبه إلى الشروط الجائزة فعليه أن يستبعدها وينزل على أحكام القواعد العامة، في هذا النطاق الضيق يطبق هذا الاستثناء فلا يبلغ الأمر حد استبعاد الشرط الجائر بدعوى أن المذعن قد أكره على قبوله، متى تنبه إليه هذا العاقد وارتضاه فالإذعان لا يختلط بالإكراه، بل إن التوحيد بينهما أمر ينبو به ما ينبغي للتعامل من أسباب الاستقرار ثم أن ما يولى من حماية إلى العاقد المذعن ينبغي أن يكون محلاً لأحكام تشريعية عامة، كما هو الشأن في حالة الاستقلال أو التشريعات خاصة. [(21)]
ولذلك فإن على القاضي أن يتبين أولاً ما إذا كانت عبارات العقد واضحة أم غامضة فإن كانت الأخير كان عليه أن يُطبق قواعد التفسير فلا تفسر هذه العبارات بما يضر مصلحة الطرف المذعن المادة (151) ف (2) أما إذا كانت العبارة واضحة فإن على القاضي أن يبحث ما إذا كانت هذه الشروط تطابق القواعد العامة أم أنها شروط جائرة تخالف في الكثير منها هذه القواعد وفي هذه الحالة يتعين التفرقة بين حالة معرفة الطرف الآخر لها وقبوله التعاقد عن علم بها أم أنه كان جاهلاً بها وفي هذه الحالة الأخيرة فقط يكون للقاضي سلطة التعديل من هذه الشروط أو الإعفاء منها.
هذا وقد حكمت محكمة النقض المصرية في 25 مايو سنة 1950 بأن الشرط الوارد في عقد من عقود الإذعان لا يُقاس قبوله على قبول المكره ولم يجز القانون المدني للقاضي تعديل هذه الشروط أو الإعفاء منها إلا إذا كان شرط الإذعان تعسفيًا، وهذا الحكم تفسير للمادتين (100)، (149) مدني جديد ولم تجز محكمتنا العليا إبطال شرط من شروط عقد الإذعان بهذه الصفة فقط بل اشترطت أن يكون هذا الشرط تعسفيًا ولا شكل أن خير مقياس للتفرقة في هذه الحالة هو الرجوع للقواعد العامة لمعرفة مدى مطابقة الشرط أو مخالفته إياها.
وقد أخذ على هذا الحكم أنه لم يتبين حكمة التشريع فالمشرع قد رمى من وضع المادة (149) إلى أن يخرج القاضي عن وظيفته وهو تطبيق العقد إلى شيء آخر هو العمل على توازن شروط العقد بين العاقدين ليتعرف هل يوجد توازن حقيقي أم لا يوجد ومدى الإكراه الاقتصادي الذي انتهى بالعاقد إلى الإذعان. [(22)]
وعلى ذلك فإن على المحكمة أن تُطبق هذه القواعد على عقد النقل ونجد أن تطبيقها سيؤدي إلى الأخذ بذات الأحكام والمبادئ التي كان معمولاً بها، ولا زالت، والتي تفرق بين شرط عدم المسؤولية من ناحية وشرط تحديد المسؤولية من ناحية أخرى وكما تفرق من جانب بين حالة الخطأ الجسيم والغش والتدليس من جانب وحالة الخطأ اليسير من جانب آخر.
2 - شرط عدم المسؤولية: إذا اشترط أمين النقل هذا الشرط في بوليصة الشحن وارتكب بعد ذلك خطأ، سواء أكان مفرضًا أم مثبتًا، فما هو حكم هذا الشرط ؟ هل يترتب عليه براءة ذمته ؟ أم يعد شرطًا باطلاً لا أثر له فتطبق القواعد العامة السالفة الذكر ؟ هذا وقد يرتكب خطأ جسيمًا أو تدليسًا أو غشًا أو قد يرتكب مجرد خطأ يسير والحكم في الحالتين لا يمكن أن يكون واحدًا.
( أ ) الحالة الأولى: حالة الخطأ الجسيم والغش والتدليس: اختلف الرأي في فرنسا حول التسوية بين الخطأ الجسيم من جانب والغش والتدليس من جانب آخر فيذهب رأي إلى ضرورة أعمال التسوية بينهما في الحكم وأن شرط عدم المسؤولية مع قيام إحداها شرط باطل وأنه يتعين في هذه الحالة الرجوع للقواعد العامة للمسؤولية التعاقدية كما يرتكز أيضًا على أن قيام الغش والتدليس والخطأ الجسيم يجعلنا إزاء المسؤولية التقصيرية حيث يكون هذا الشرط باطلًل لأنه في الواقع إعفاء منها حيث تحرمه نصوص القانون وأحكامه أما الرأي الآخر فيفرق بين الخطأ الجسيم من جانب والغش والتدليس من جانب آخر ويكون أمين النقل في الأولى مسؤولاً مسؤولية تعاقدية يجوز معها الاتفاق على تعديل أحكامها أما في الأخيرة (الغش والخطأ الجسيم) فيكون أساس مسؤوليته هو المسؤولية التقصيرية التي لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها. [(23)]
هذا وتنص المادة (217) من القانون المدني الجديد:
(1 - يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة.
2 - وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو خطئه الجسيم ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه.
3 - ويقع باطلاً كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع).
وهذه المادة تسوي بين الغش والخطأ الجسيم وتبطل شرط عدم المسؤولية حال قيام المسؤولية التقصيرية وتُجيز الاتفاق على تحمل المدين عبء القوة القاهرة وتبطل شرط عدم مسؤولية المدين ذاته عن غشه وخطئه الجسيم وإن إجازته عن الغش والخطأ الجسيم الذي يقع من تابعيه في تنفيذ التزامه.[(24)]
وإذا طبقنا حكم هذه المادة على مسؤولية أمين النقل لوجدنا أن شرط عدم المسؤولية الذي تشترطه مثلاً مصلحة السكة الحديدية في بوالص الشحن ترمي به إلى إعفائها من المسؤولية عن كافة الأخطاء، بما في ذلك الغش، التي يرتكبها تابعوها أو التي قد ترتكبها هي، وعلى ذلك فإنه يتعين تبيان مدلول الشرط وهو يرمي إلى الغاية السالفة الذكر، فإذا كان الغش أو الخطأ الجسيم منسوبًا إلى المصلحة ذاتها كشخص معنوي وكان الضرر المحقق الذي وقع نتيجة طبيعية لهما فإن شرط عدم المسؤولية يعد في هذه الحالة باطلاً وتكون المصلحة مسؤولة تطبيقًا للقواعد العامة أما إذا كان الغش أو الخطأ الجسيم منسوبًا إلى أحد عمالها فإن هذا الشرط يُعد شرطًا صحيحًا وواجب العمل به وتبرأ ذمة المصلحة في هذه الحالة، هذا ويجوز إثبات الغش والخطأ الجسيم بكافة الوسائل بما في ذلك البينة والقرائن إلا أنه يتعين على من يتمسك بهما أن يقدم الدليل المقنع للمحكمة على قيامهما ولا تكفي مجرد قرائن بسيطة أو افتراضات مجردة.
على أنه إذا كان الرجوع على أمين النقل مع وجود هذا الشرط على النحو الذي بيناه غير منتج لصحته فإن الراسل أو المرسل إليه يستطيع الرجوع على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية على أن يثبت الخطأ الجسيم أو الغش قبل شخص معين من تابعي المصلحة وتكون المسؤولية مردها مسؤولية المتبرع عن الأخطاء التي تقع من تابعه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها (م 174) على أنه إذا أخذ بالمذهب الذي يقوم بعدم جواز الرجوع بالمسؤولية التقصيرية عند قيام المسؤولية التعاقدية فعندئذٍ لا يكون هنالك مجال للرجوع.
(ب) الحالة الثانية: حالة الخطأ اليسير: إذا كان الخطأ الذي ارتكبه أمين النقل خطأ يسيرًا فهل يكون شرط عدم المسؤولية صحيحًا أم باطلاً فتطبق القواعد العامة ؟ أم يكون من شأنه قلب عبء الإثبات ؟ لإمكان الإجابة على هذه الأسئلة فإن علينا أن نستعرض الحالة في فرنسا ثم في مصر.
1 - في فرنسا: في بادئ الأمر وعلى الأخص في الفترة ما بين سنة 1856، وسنة 1874 ذهب القضاء إلى القول ببطلان هذا الشرط لمخالفته للنظام العام والآداب ولكنه تعرض لموجة شديدة من النقد من جانب الفقه لمخالفته لقاعدة أساسية هي أن العقد شريعة المتعاقدين وأن هذا الشرط ليس فيه مخالفة للنظام العام أو الآداب فضلاً عن أن القانون الروماني كان يأخذ به في غير حالة الغش والخطأ الجسيم، ولذلك فلقد اضطر القضاء للعدول عن رأيه وهنا نجد اتجاهان أولهما الأخذ بصحة هذا الشرط وأنه يترتب على الأخذ به انتفاء المسؤولية التعاقدية وإن كان من الجائز الرجوع على أساس المسؤولية التقصيرية في حالة الخطأ الجسيم والغش والتدليس، أما الاتجاه الثاني فيذهب إلى القول بأن من شأن هذا الشرط قلب عبء الإثبات فيفترض أن عدم تنفيذ الالتزام مرده القوة القاهرة وعلى الراسل أو المرسل إليه أن يثبت خطأ معينًا قبل أمين النقل.
ولقد جاء بحكم محكمة النقض الفرنسية في 22 يوليه سنة 1902 بأن شرط عدم المسؤولية عن التأخير أو التلف من شأنه أن يرفع المسؤولية عن عاتق الناقل ما لم يثبت الحكم قبله خطأ معينًا (دالوز 1902 - 1 - 33)، كما جاء في حكم آخر لنفس المحكمة صادر في 18 فبراير سنة 1902 بأنه إذا ورد بتعريفة شركة السكة الحديد شرط عدم المسؤولية عن التأخير والتلف أثناء الطريق وأن تحميل وتفريغ العربة يقع على عاتق الراسل أو المرسل إليه فإن هذا الشرط صحيح وأن الحكم الذي يقضي بمسؤولية الشركة عن التلف لسبب واحد هو أن الشركة لم تتخذ أثناء الطريق العناية الأولية ووقاية هذه البضائع من الأمطار فإنه حكم خاطئ يتعين نقضه (دالوز 1902 - 1 - 477). [(25)]
وقد رأى المشرع الفرنسي في سنة 1905 أن يضيف فقرة جديدة إلى المادة (103) من القانون التجاري الخاصة بمسؤولية أمين النقل في حالتي التلف والفقد الكلي أو الجزئي وهذه الإضافة الجديدة تقضي بأن كل شرط مخالف لأحكام هذه المادة مدون في بوليصة النقل أو أية ورقة أخرى يعد باطلاً، وقد صدرت هذه الإضافة بناءً على مشروع قانون اقترحه أحد أعضاء البرلمان السير رابيير وصدر التعديل في 17 مارس سنة 1905 والغاية منه تحريم شرط عدم المسؤولية في حالتي التلف والضياع المنصوص عليها في المادة (103)، ولكنه لم يتعرض من قريب أو بعيد للمادة (104) الخاصة بالمسؤولية في حالة التأخير ويرمي هذا القانون إلى استبعاد الأخذ بالأحكام التي كانت تعفي أمين النقل كلية من المسؤولية وكذلك الأحكام التي كانت تأخذ بأن من شأن هذا الشرط قلب عبء الإثبات من على عاتق أمين النقل إلى عاتق الراسل أو المرسل إليه الذي كان يتعين عليهما طبقًا للقواعد السابقة إثبات خطأ معين قبل أمين النقل وهو عبء صعب إن لم يكن مستحيلاً فأراد الشارع بهذا التعديل أن يعفيهما من ذلك. [(26)]
2 - في مصر: لا يوجد قانون مماثل لقانون رابيير الفرنسي الصادر في 17 مارس سنة 1905، ولذلك يتحتم الرجوع للقواعد العامة في الالتزامات ونصوص القانون التجاري في عقد النقل ويكون الوضع هنا كالوضع في فرنسا قبل صدور قانون رابيير ويكون هذا الشرط صحيح في حالة الخطأ اليسير ولكن لا يؤخذ به في حالة الغش والخطأ الجسيم والتدليس - وما سبق أن قلناه عن حكم المادة (217) من القانون المدني الجديد عند الكلام على حكم شرط عدم المسؤولية، حالة الغش والخطأ الجسيم والتدليس يسري هنا من باب أولى، وقد سلمت بصحة هذا الشرط وضرورة العمل به في غير حالة الغش محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 16 مارس سنة 1950 في القضية رقم (96) تجاري سنة 60 قضائية والمنشور بمجلة التشريع والقضاء السنة الثانية العدد رقم (14) صـ 239 كما أخذ القضاء المختلط بصحة هذا الشرط وإن أجاز للراسل إثبات الخطأ الجسيم أو الغش قبل أمين النقل (بلتان س 41 صـ 119). [(27)]
3 - شروط تحديد المسؤولية: قد لا تذهب بوليصة النقل إلى حد اشتراط عدم مسؤولية أمين النقل مكتفية بتحديدها والتخفيف من آثارها فلقد تنص على أنه لا يُسأل عن الأضرار التي قد تترتب على تأخير شحن أو وصول البضاعة وهذا الشرط يرد غالبًا في التعريفة ذات الأجر المخفض فترتضى المصلحة سلفًا إنقاص أجر النقل عن سعره العادي في مقابل تحمل الراسل تبعة التأخير كما قد تشترط البوليصة أن يكون شحن وتفريغ العربات المعدة للبضائع بمعرفة الراسل أو المرسل إليه أو تشترط تحديد مسؤوليتها في حدود معينة بالنسبة للأشياء الفنية التي تقتضي رعاية خاصة كما أن أمين النقل قد يشترط في البوليصة تحديد التعويض الذي يستحقه الطرف الآخر بحد أقصى، وهذه الشروط إذا نظر لكل منها على حدة لوجدنا أنها شروط صحيحة لا تخالف القواعد العامة في شيء وقد تبدو للوهلة الأولى شديدة الوطأة في مجموعها، إلا أنه بتحليلها نجدها صحيحة ولذلك فإن كل ما يرد في البوليصة من هذه الشروط صحيح وملزم لطرفيه وهذا هو الرأي المعمول به في فرنسا سواء قبل صدور قانون رابيير سنة 1905 أو بعده.
ذلك أنه يتضح من الأعمال التحضيرية للقانون السالف الذكر وخاصة من التقرير الخاص به والمقدم لمجلس الشيوخ بأن المشرع لم يذهب إلى حد تعطيل حرية إرادة الطرفين، وإنما اقتصر على تحريم شرط عدم المسؤولية دون أن يحرم شرط تحديدها ولعل من المفيد أن ننقل هنا ما جاء في كتاب ليون كان ورينو في القانون التجاري (موسوعة الجزء الثالث طبعة سنة 1923 صـ 606).
(Mais il a été bien entendu, lors de la discussion de la loi
de 1909, que la liberté des conventions reste entière en ce qui
concerne les clauses limitant l’indemnité ou en fixant même
le montant (clauses pénales). De plus, comme les dispositions
prohibitives sont de droit étroit, il y a lieu d’admettre que les
clauses de non - responsabilité ne sont nulles que pour les cas
de perte ou d’avaries mais qu’elles continuent à être valables
pour le cas de retard. Cela résulte, du reste, de ce que la dis -
position nouvlle don’t il s’agit a été insérée dans l’artile 103
G. Com, qui ne traite que la responsabilité de la perte, et des
avaries, alors que l’art. 104 G. Com. s’occupe du cas de retard).
وقد جاء في حكم لمحكمة إكس بفرنسا صادر في 22 مارس سنة 1935 بأن الشرط المدون في البوليصة ومن مقتضاه تحديد مسؤولية شركة الملاحة إلى حد أقصى لا يتعداه مقدار التعويض مهما كان الضرر الذي يُصيب المدعي في حالة ضياع المال أو تلفه أو نقصانه شرط جائز ويجب العمل به إلا في حالة الغش والتدليس (منشور بالمحاماة السنة الرابعة رقم 322 صـ 350).
وكما سبق أن بينا أن محكمة النقض الفرنسية قد أكدت في أحكامها العديدة ضرورة الأخذ بالتعريفة وبالحدود الواردة فيها وأن لها قوة القانون وأنها ليست مجرد اتفاقات عادية، هي قانون المتعاقدين في عرف المادة (1134) مدني، ولكنها اتفاقات مدرجة في قرارات تنظيمية لها صفة القرارات بالأعمال الإدارية فتلزم جميع أصحاب الشأن
(La cour de cassation a
maintes fois affirmé que les tarifs ont force de loi, et même de
loi d’intérêt public (24 mai 1884. D. 87 -1- 477). D’autre part, les
tarifs ne sont pas non plus des simples conventions, faisant la
loi entre les partis, au sens de l’art. 1134 C. Civ. Ce sont des
conventions insérées dans des arrêts réglementaires, ayant le
caractère d’actes administratifs qui s’imposent à la volonté des
intéressés, c’est à ce titre qu’elles ont force obligatiories).
لاكور في موجز التجاري طبعة سنة 1921 جزء 1 بند 988 صـ 566.
ولهذا فإن شرط تحديد المسؤولية في فرنسا يعد شرطًا صحيحًا ويجب العمل به [(28)] أما في مصر فإن هذا الشرط يعد شرطًا صحيحًا ويجب الأخذ، فالنسبة لتحديد التعويض فقد بينا فيما سبق أن الرأي الثابت في فرنسا يذهب إلى القول بأن التعريفة لائحة إدارية تنظيمية يجب العمل بها وإنها تسري على الكافة ومن الناحية الأخرى فإننا إذا سايرنا الرأي الذي يذهب إلى القول بأن إحالة البوليصة للتعريفة يُعد شرطًا جزائيًا فإن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى وجوب تطبيق حكم هذه التعريفة في الحدود التي وردت بها بخصوص التعويض وذلك أخذًا بأحكام المادة (123) من القانون المدني القديم، والمادة (225) جديد، هذا بالنسبة للتعويض عن الفقد أو التلف أما بالنسبة لحالة التأخير فسبق أن بينا أن مصلحة السكة الحديد تجعل الشحن في هذه الحالة على أساس التعريفة ذات السعر المخفض اللهم إلا إذا ارتضى الراسل شحن رسالته بالتعريفة العادية مع دفع أجر أزيد، وتشترط المصلحة في التعريفة المخفضة شرط عدم مسؤوليتها عن التأخير أو التلف وتصف المحاكم المختلطة وبعض الفقهاء، هذا الشرط بأنه تأمين على مسؤولية السكة الحديد مضاف إلى عقد النقل ذلك أنه إذا تعاقد أمين النقل مع الراسل، تبعًا للقواعد العامة، صار مسؤولاً عن تقصيره وتقصير عماله لكن أمين النقل لا يرغب تحمل هذه المسؤولية، ويفضل أن يتحمل هذه التبعة مؤمن ansurevr يكون مسؤولاً قبل المرسل إليه مقابل أن يدفع إلى هذا المؤمن جعلا prime، وبذلك يصير غير مسؤول عن التعويض بسبب الضياع أو العيب وهذا هو ما يحصل بالنسبة لمالك الطرد فهو يجمع بين صفتين فهو مرسل أولاً ومؤمن ثانيًا، لأن دفعه أجرة أقل من الأجرة العادية هو بمثابة استيلائه على جعل يعوض عليه خسارته فإذا ما وقع الخطر risque الذي هو موضوع التأمين فضاعت البضاعة أو تلفت وجب عليه أن يتحمل هذه الخسارة بصفته مؤمنًا.[(29)]
هذا وقد قضت محكمة دمنهور الجزئية في حكمها الصادر بجلسة 14/ 12/ 1946 في القضية رقم (346) مدني دمنهور سنة 1946 المرفوعة من عاطف كرشاه ضد السكة الحديد (حكم لم يُنشر) بصحة هذه الشروط فلقد جاء فيه (وحيث إنه ولو أن عقد النقل من عقود الانضمام إلا أنه تعاقد صحيح انعقد بإيجاب وقبول لا يشوبها شائبة فهو ملزم لكل من طرفيه ومن ثم كانت شروط النقل وتعريفته وهما ركنان من أركان العقد وقد قبله الراسل عند تعاقده واجبًا التطبيق)، وقد أشار الحكم لنظرية العقد للسنهوري باشا وإلى حكمين أشير لهما في نفس هذا الكتاب صادر أحدهما من محكمة الاستئناف المختلطة في 20/ 4/ 47، والآخر من محكمة إسكندرية المختلطة في 5/ 7/ 1929.
ثم استطرد الحكم قائلاً (وحيث إن البند (26) من تعريفة البضائع التي قبل النقل على شروطها كما سبق البيان قضت على أنها في حالة فقد أو تلف البضائع ومهما كان سبب هذا الفقد أو التلف (عدم استدلال - احتراق - ابتلاء بماء المطر) فالمصلحة لا تسأل إلا عن قيمة البضاعة الحقيقية شرطًا بأن التعويض الذي يدفع لا يتجاوز الحدود القصوى المبينة بعد وهي مقدرة على أساس وزن البضائع والدرجة التي قدرت عليها الأجرة فعلاً..)، ثم أخذ الحكم بنفس المبلغ الذي قدرته المصلحة على أساس التعريفة وقدره 20 جنيهًا و625 مليمًا والذي عرضته على المدعي فرفضه وقضت عليه (على المدعي) بمصاريف دعواه…، وقد تأيد هذا الحكم استئنافيًا من محكمة دمنهور الابتدائية الوطنية بجلسة 5 يونيه سنة 1947.
هذا وبالنسبة لشرط عدم مسؤولية مصلحة السكة الحديد عن الأضرار التي قد تصب المرسل إليه نتيجة تأخير شحن البصل من محطة التصدير مما يترتب عليه تلفه فقد عُرضت عشرات القضايا على محكمة الإسكندرية الابتدائية الدائرة الرابعة التجارية برياسة أحمد محمد حطب بك وعضوية عادل مرزوق بك ومحمود عباس الغمراوي بك وقد قضت في هذه الدعاوى بعدم مسؤولية المصلحة وبصحة الشرط أخذًا بما استقر عليه الفقه والقضاء في هذا الصدد هذا ما لم يثبت قبل أمين النقل غش أو تدليس أو خطأ جسيم يقرب بينهما.
(يراجع الحكم الصادر في يوم الأحد 29 إبريل سنة 1951 في القضية رقم (1129) سنة 1950 تجاري كلي المرفوعة من أحمد مرسي نصر ضد المصلحة وأحكام كثيرة مماثلة، وبهذا المعنى أيضًا محكمة إسكندرية التجارية الجزئية في الدعوى رقم (403) سنة 1947 (تجاري جزئي)، وذلك بتاريخ 9 يناير سنة 1949 وفي القضية المرفوعة من فؤاد أمين ضد المصلحة).
الدفع بعدم قبول الدعوى:
( أ ) القواعد العامة: لما كان طرفًا عقد النقل هما الراسل وأمين النقل والمرسل إليه هو مجرد مستفيد من مشارطة عقدت لصالحه فإن الحق في رفع الدعوى يكون قاصرًا على أحد هؤلاء الثلاثة فإذا باع الراسل أو المرسل إليه البضاعة أثناء الطريق فإن المشتري لا يحق له مقاضاة أمين النقل إلا بعد اتباع إجراءات الحوالة وهي في القانون المدني الجديد القبول الثابت التاريخ أو الإعلان على يد محضر (م 305 هذا وكثيرًا ما ترفع الدعوى مباشرةً على وزير المواصلات للمطالبة بتعويض عن عملية نقل قامت بها مصلحة السكة الحديدية وفي رأيي أنه لا تكفي تبعية المصلحة للوزارة لإمكان مقاضاتها لأن ذلك لا يبرر تخطي المصلحة التي لها الصفة الأولى في هذا الشأن والتي هي أحد طرفي العقد والدعوى في هذه الحالة يجب أن ترفع على أمين النقل فضلاً عن أن المصلحة لها كيان ذاتي ولها مجلس إدارة خاص ترفع قراراته ومقترحاته لمجلس الوزراء دون وزارة المواصلات.
هذا وكثيرًا ما يرفع أصحاب الشأن الدعوى على مدير عام مصلحة السكك الحديد بصفته هذه وعلى ناظر محطة الجهة المرسلة إليها البضاعة ونحن نرى أنه يجب التفرقة بين حالتين أولاهما إذا كان أساس رفع الدعوى هو نسبة خطأ معين ارتكبه ناظر المحطة الأمر الذي يجعله مسؤولاً ويجعل المصلحة مسؤولة بالتبعية عن الأخطاء التي ارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها والتي كان من شأنها إلحاق الأذى بالمدعي في هذه الحالة ونكون في هذه الحالة إزاء قواعد المسؤولية التقصيرية (م 174 مدني جديد)، وثانيهما إذا كان أساس رفع الدعوى هو مجرد إحلال المصلحة في تنفيذ التزاماتها الناتجة عن عقد النقل وفي هذه الحالة فإننا نرى أن الدعوى ضد ناظر المحطة في هذه الحالة غير مقبولة لأنه لا يمثل المصلحة في هذه الحالة ولأنه لم يكن طرفًا في العقد ولأنه ليس مسؤولاً بصفة شخصية ما دامت لم تنسب إليه واقعة معينة هذا وقد قضت محكمة الاستئناف المختلط في 27 ديسمبر سنة 1923 محاماة سنة 4 رقم (662) صـ 884:
(( أ ) بأن الدعوى الشخصية التي ترفع على الحكومة المصرية ممثلة في شخص الوزير التابعة له المصلحة ذات الشأن وتكون مبنية على خطأ تسأل عنه الوزارة الرئيسية يجب أن ترفع أمام محكمة مصر التابع لها مركز الوزارة الرئيسية فإذا حدثت إصابة من إصابات السكك الحديدية وجب رفع الدعوى أمام محكمة مصر التابع لها وزارة المواصلات ولا مبرر لإدخال ناظر المحطة القريبة من محل الحادثة لاختصاص محكمة أخرى خصوصًا إذا لم يثبت بوجه من الوجوه وقوع أي خطأ من ناظر المحطة يترتب عليه مسؤوليته شخصيًا.
(ب) إن موظف الحكومة مهما كانت درجته لا يجوز إدخاله في الدعوى باعتباره خصمًا آجلاً فيها ما دام يعمل تحت أمر رئيسه الأعلى التابع هو له اللهم إلا إذا ثبت أنه مدان شخصيًا ومسؤول شخصيًا عن نتائج الفعل الذي أوقع الحكومة في المسؤولية معه على أنه لما كان الغرض من إدخال ناظر المحطة القريبة هو جعل الاختصاص لمحكمة مكان وصول البضاعة فإننا نرى أنه إذا كان أساس الدعوى هو المسؤولية التعاقدية البحتة فإنه يمكن الاستناد إلى المادتين (61) و(62) من قانون المرافعات الجديد لتحقيق هذه الغاية فلقد نصت أولاهما (في المواد التي سبق فيها الاتفاق على موطن مختار لتنفيذ عقد يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه أو الموطن المختار للتنفيذ)، وتنص الأخرى في المواد التجارية يكون الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي في دائرتها تم الاتفاق وتسليم البضاعة أو التي في دائرتها يجب الوفاء).
2 - القواعد الخاصة: نظرًا لمسؤولية أمين النقل الخاصة وكثرة الأعمال التي يُكلف بها ولصعوبة إثبات الضرر بعد مدة معينة رأى المشرع أن يضع قواعد خاصة بانقضاء مسؤوليته فلقد نصت المادة (99) من القانون التجاري (على أن استلام الأشياء المنقولة ودفع أجرة النقل مبطلان لكل دعوى على أمين النقل وعلى الوكيل في ذلك بالعمولة إذا كان العيب الذي حصل فيها ظاهرًا من خارجها، وأما إذا كان غير ظاهر فيجوز إثباته بمعرفة محضر أو شيخ البلد، ولكن لا تقبل الدعوى بالعيب المذكور إلا إذا حصل الإخبار بها في ظرف ثمان وأربعين ساعة من وقت الاستلام وقدم الطلب للمحكمة في ظرف ثلاثين يومًا ويُضاف إلى هذين الميعادين، ميعاد مسافة الطريق).
وهنا يجب أن نفرق بين حالتي العيب الظاهر وغير الظاهر وحالة رفض استلام البضاعة.
( أ ) حالة العيب الظاهر: وفي هذه الحالة يتعين على المرسل إليه أن يتحقق عند استلام البضاعة من خلوها من التلف والنقص في الوزن أو الكيل وله أن يطلب تعيين خبير لإثبات حالتها كما أن له أن يرفض استلامها فإذا استلمها دون أي تحفظ ودون القيام بأي إجراء من هذا القبيل فقد بطل حقه في المطالبة بالتعويض.
(ب) حالة العيب الخفي: أما إذا كان العيب خفيًا غير ظاهر فمجرد تسلمه البضاعة ولو دون تحفظ لا يسقط حقه في المطالبة بالتعويض كالفرض السابق بل أن القانون قد نص على إجراءات خاصة يجب اتباعها في هذه الحالة فأجاز إثبات العيب بمعرفة محضر أو شيخ بلد كما استلزم من المرسل إليه أن يخطر أمين النقل في ظرف ثمانية وأربعين ساعة من الاستلام بهذا العيب، على أنه إذا استطاع المرسل إليه أن يتبين العيب وقت استلام البضاعة وأبدى تحفظاته على إيصال الاستلام الذي قبله أمين النقل فإن هذا يغني عن الإخبار وإلى جانب هذا يشترط القانون في المادة (99) تقديم الطلب (المقاضاة) في ظرف ثلاثين يومًا ويترتب على الإخلال بهذه الأحكام أن تصبح الدعوى غير مقبولة.
(ج) حالة رفض استلام البضاعة: بقي فرض واحد هو امتناع المرسل إليه من استلام البضاعة سواء أكان العيب ظاهرًا أو خفيًا وفي هذه الحالة لا محل لتطبيق المادة (99) لأنها مقترنة بالتسليم وهو لم يتم ولذلك فإن حكم هذه الحالة يخضع لحكم المادة (104) الخاصة بتقادم الدعوى التي ترفع قبل أمين النقل.
تقادم الدعوى:
تنص المادة (104) من القانون التجاري على أن كل دعوى على الوكيل بالعمولة وعلى أمين النقل بسبب التأخير في نقل البضائع أو بسبب ضياعها أو تلفها تسقط بمضي مائة وثلاثين يومًا فيما يختص بالإرساليات التي تحصل في داخل القطر المصري وبمضي سنة واحدة فيما يختص بالإرساليات التي تحصل للبلاد الأجنبية ويبتدئ الميعاد المذكور في حالة التأخير أو الضياع من اليوم الذي وجب فيه نقل البضائع وفي حالة التلف من يوم تسليمها، وذلك مع عدم صرف النظر مما يوجد من الغش أو الخيانة.
ويجب أولاً عدم الخلط بين هذه المادة والمادة (99) فإن الأخيرة خاصة بحالة العيب واستلام المرسل إليه للبضاعة وقد رسم القانون في هذه الحالة إجراءات معينة، أما المادة (104) فتطبق في أحوال الضياع الكلي أو الجزئي والتأخير والعيب إذا امتنع المرسل إليه عن استلام البضاعة.
أما عن طبيعة هذه المدة أهي مدة سقوط dècheance لا تسري عليها أسباب الانقطاع أم هي مدة تقادم عادي فإن الرأي الراجح والمأخوذ به فقهًا وقضاءً هي أنها مدة تقادم عادي تقطعه الأسباب العادية كالإقرار ورفع الدعوى، على أن تطبيق القواعد العامة في التقادم تؤدي إلى أن الإنذار والدعوى المستعجلة بكافة إجراءاتها لا يقطعان هذا التقادم إطلاقًا (كامل مرسي باشا في التقادم طبعة سنة 1943 بند 237 ومؤلفه الجديد في الحقوق العينية الأصلية ج 4 بند (254)، 286 صـ 260 - بلانيول وربيير واسمان موسوعة القانون المدني الجزء الثالث صـ 686 بند (727)، صـ 687 هذا ولا ترد على هذه المدة أسباب الإيقاف التي لا تسري إلا على التقادم الذي يتجاوز مدته الخمس سنوات (م 382 مدني جديد، (84)، (85) قديم).
كما أن هذه المدة لا تسري في حالة الغش والخيانة ولكن يتعين على من يتمسك بهما أن يقدم الدليل المقنع للمحكمة على قيامهما وعلى أن من نتيجتهما إلحاق الضرر الطبيعي المحقق به وسبق أن بينا أن هنالك رأي يُلحق الخطأ الجسيم بالغش على النحو السالف بيانه في هذه الحالات فإن القواعد العامة للتقادم هي الواجبة التطبيق.
[(1)] السنهوري موجز الالتزامات طبعة سنة 1938 صـ 68، ومحمد صالح في التجاري طبعة سنة 1938 صـ 609، ورينيه روجر في النقل طبعة سنة 1922 صـ 6، الأعمال التحضيرية للمدني الجديد جـ2، صـ 69.
[(2)] السنهوري صـ 69.
[(3)] محمد صالح س 609.
[(4)] رينيه روجر س 7.
[(5)] رينيه رجر صـ 8 - 10، ومحمد صالح بند (542)، واستئناف مختلط 24 مايو سنة 1929 بلتان 36 صـ 370.
[(6)] نقض فرنسي 8 يوليه سنة 1889 دالوز 89 - 1 - 353، 18 نوفمبر سنة 1895 سيري 1895 - 1 - 385 ورينيه روجر صـ 12.
[(7)] محمد صالح صـ 611، 620.
[(8)] موجز القانون التجاري لليون كان (دالوز 1928 ) فقرة (374) صـ 218 وجان أسكارا موجز القانون التجاري طبعة سنة 1948 جزء أول بند (1070) صـ 647، ولا كور موجز التجاري طبعة سنة 1921 بند (988) صـ 566، صـ 569 وليون كان في موسوعة التجاري الجزء الثالث طبعة سنة 1923 1923 بند (748) وجوسران في عقد النقل طبعة سنة 1926 بند (165) صـ 177.
[(9)] الجدول العشري الأول لمجلة المحاماة البنود (1401)، (1402)، (1418) وعبد السلام ذهني في القانون التجاري الجزء الأول بند (240).
[(10)] محمد صالح بند (548)، جان اسكارتيه 1088 صـ 657.
[(11)] محمد صالح صـ 628.
[(12)] موجز الالتزامات للسنهوري باشا صـ 318.
[(13)] يراجع في ذلك أيضًا حكم استئناف إسكندرية في 5/ 2/ 1950 محاماة س 30 صـ 501.
[(14)] بحث الدكتور بهجت يدوي بك في مجلة القانون والاقتصاد السنة الثانية صـ 137 إلى 152 تحت عنوان تعليقات على الأحكام في المواد المدنية: مسؤولية الناقل في النقل بغير عوض.
[(15)] بحث الدكتور بهجت بدوي بك السالف الذكر.
[(16)] السنهوري باشا موجز الالتزامات بند (284) هامش (1) حشمت أبو ستيت في الالتزامات طبعة سنة 1945 بند (369) محمد صالح في أصول التعهدات طبعة سنة 1933 بند (44) صـ 42 - سليمان مرقص في نظرية دفع المسؤولية المدنية طبعة سنة 1936 (الباب الأول من القسم الثاني صفحة 187، 222 وما بعدهما - لاكور موجز التجاري طبعة سنة 1921 بند (1017) - جان أسكارا موجز التجاري جـ 1 صـ 658.
[(17)] محمد صالح القانون التجاري جـ 1 صـ 615 - لاكور موجز التجاري جـ 1 صـ 584 - أسكارا في موجز التجاري جـ 1 صـ 658.
[(18)] لاكور موجز التجاري جـ 1 طبعة سنة 1921 سنة 1921 بند (1018) صـ 584 وأسكارا في موجز التجاري جـ 1 صـ 658، وموسوعة القانون التجاري لليون كان ورينو الجزء الثالث طبعة سنة 1923 صـ 576 بند (600).
[(19)] يُراجع كتاب أسكارا السالف الذكر بند (1090) صـ 658.
[(20)] السنهوري باشا موجز الالتزامات صـ 67.
[(21)] مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجديد الجزء الثالث صـ 291.
[(22)] مجلة المحاماة سنة 31 قاعدة رقم (224) صـ 742 كما يراجع تعليق المجلة على هذا الحكم.
[(23)] موجز القانون التجاري ليونكاريه ولاكوست طبعة سنة 1947 بند (1041) صـ 367 - جان إز في المسؤولية عن نقل الأمتعة طبعة سنة 1936 صـ 163 وما بعدها، وبند (174) هامش صـ 166.
[(24)] الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجديد الجزء الثاني صـ 553.
[(25)] تراجع بنفس المعنى الأحكام المنشورة في دالو 1900 - 1 - 433، وتعليق مسيو سارو، 1901 - 1 - 190، 192 - 1 - 39.
[(26)] لاكور موجز التجاري جـ 1 طبعة سنة 1921 فقرة (1027) صـ 587 مجموعات دالوز موجز التجاري للاكور طبعة سنة 1928 بند (382) صـ 223 - بونكارية ولاكوست موجز التجاري طبعة سنة 1947 صـ 367، بند (1041) - جان أسكارا موجز تجاري جـ 1 بند (1092) صـ 661 ليون كان ورينو جـ 3 طبعة سنة 1923 بند (626)، (627) - مازو طبعة سنة 1950 جـ 3 بند (2557).
[(27)] علي الزيني القانون التجاري جـ 1 صـ 785 - عبد السلام ذهني بك القانون التجاري جـ 1 صـ 308 - كامل ملش في القانون التجاري جـ 1 صـ 115 - محمد صالح في القانون التجاري جـ 1 صـ 420.
[(28)] لاكور موجز التجاري جـ 1 فقرة (1028) - أسكارا في موجز التجاري جـ 1 بند (1093) - جان إز في المسؤولية عن نقل الأمتعة صـ 163 - ليون كان ورينو موسوعة التجاري جـ 3 طبعة سنة 1923 صـ 606، 594 - جوسران في عقد النقل طبعة سنة 1926 بند (639) مكررًا أربعة صـ 628 مازو في المسؤولية المدنية طبعة سنة 1950 بنود (2549) صـ 589، (2592) مكررًا (2).
[(29)] س مخ 26/ 1/ 22 بلتان 34 س 138، س مخ 6/ 4/ 1922 بلتان 34 صـ 298، س مخ 6/ 2/ 930 بلتان 42 صـ 260 - نظرية العقد للسنهوري باشا صـ 287 عبد السلام ذهني بك في القانون التجاري صـ 310.
في السندات تحت إذن التجارية
مجلة المحاماة - العدد السابع
السنة الحادية والعشرون سنة 1941
في السندات تحت إذن التجارية
لم تعرف قوانين التجارة الأهلي والمختلط والفرنسي السندات تحت إذن وإنما نصت على الشروط الشكلية الواجب توافرها فيها لصحتها واعتبارها كسندات تحت إذن تنتج آثارها التي رتبها لها القانون، ويمكن تعريف السند تحت إذن من مراجعة نصوص هذه القوانين بأنه صك مكتوب مؤرخ يشتمل على تعهد يلتزم فيه موقعه بدفع مبلغ من المال لآخر لأمره وإذنه في زمن معين أو بعد مرور وقت محدد على تاريخ تحريره أو بمجرد الاطلاع على السند أو بعد مرور وقت على الاطلاع، وذلك في مقابل شيء حصل عليه منه وقت التوقيع على السند أو قبل ذلك، ويسمى المتعهد في السند تحت إذن Souscripteur والمحرر لصالحه السند الدائن المستفيد Bénificiaire du billet.
أوجه الاختلاف بين السند تحت إذن والكمبيالة
ويختلف السند تحت إذن عن الكمبيالة في الأمور الآتية:
أولاً: تحتوي الكمبيالة على ثلاثة أشخاص ساحب الكمبيالة tireur والمسحوب عليه الكمبيالة tire والمسحوب لصالحه الكمبيالة ويسمى المستفيد bénéficiaire، وليس الحال كذلك في السند تحت إذن حيث يحتوي على طرفين المتعهد في السند والمستفيد منه فقط.
ثانيًا: لا يشتمل السند تحت إذن على وكالة بالدفع صادرة من المحرر عليه السند كما هو الحال في الكمبيالة إذ تتضمن الأخيرة وكالة أو أمر أو حوالة من الساحب للغير بدفع مبلغ معين لآخر.
ثالثًا: يتضمن السند تحت إذن بمجرد إتمامه:
1 - اعترافًا من المتعهد فيه بمديونيته للمحرر لصالحه السند في مبلغ من المال حصل على مقابله منه وقت تحرير السند أو قبل إذن.
2 - تعهده بدفع هذا المبلغ للمستفيد أو لأي شخص آخر يرى الأول تحويل السند إليه أي لأمره بخلاف الكمبيالة فإنه لا يشترط لسحبها وصحتها أن يكون المسحوب عليه الكمبيالة تحت يده مقابل الوفاء ومدينًا للساحب وقت تاريخ السحب وإنما يكفي في ذلك أن يكون مقابل الوفاء موجودًا تحت يده وقت قبول الكمبيالة أو وقت استحقاقها لا قبلها، وعلى ذلك يجوز لساحب الكمبيالة تقديم مقابل الوفاء للمسحوب عليه حتى تاريخ الاستحقاق ويكون المقابل إما دين في ذمة المسحوب عليه للساحب أو قيمة بضاعة اشتراها الأول من الثاني أو أشياء ذات قيمة حصل عليها منه. رابعًا: لا يشترط في السند تحت إذن إجراء بروتستو عدم القبول كما هو في الكمبيالة لانتفاء الضرورة التي تستوجب ذلك.
خامسًا: يُشترط لاعتبار السند تحت إذن عملاً تجاريًا أن يكون سببه تجاريًا بخلاف الحال في الكمبيالة كما سيأتي الكلام على ذلك.
أوجه الاختلاف بين السند تحت إذن والشيك
ويختلف السند تحت إذن عن الشيك فيما يأتي:
أولاً: يحتوي الشيك على وكالة من ساحب الشيك لآخر (المسحوب عليه) أو أمر له بالدفع بخلاف السند تحت إذن فلا يشمل شيئًا من ذلك كما تقدم.
ثانيًا: يجوز الاتفاق في السند تحت إذن على الدفع في تاريخ معين أو شهر معين أو بعد مرور وقت معين على تاريخ تحريره أو بمجرد الاطلاع عليه أو بعد مرور وقت على الاطلاع عليه بخلاف الحال في الشيك إذ يشترط لصحته وقيامه أن يكون الدفع فيه بمجرد الاطلاع عليه.
ثالثًا: السند تحت إذن كالكمبيالة تعتبر سندًا للمديونية instrument de crédit، وسندًا للدفع بخلاف الشيك فإنه يعتبر في العادة من أوراق النقد.
رابعًا: في السند تحت إذن يعرف الموقع عليه بالتزامه ومداه بمجرد التوقيع على السند ويمكن بذلك من تدبير أمره والحصول على المال الواجب دفعه بمقتضى هذا السند بخلاف الحال في المسحوب عليه الشيك فإنه لا يعرف بملزوميته بالدفع بمجرد تحرير الشيك وإنما من وقت تقديمه إليه ويجب عليه دفع المبلغ بمجرد التقديم والاطلاع على الشيك وبغير أن يكون لديه من الوقت ما يسمح له بجمع المال اللازم لوفاء قيمته أو سداده.
خامسًا: لا يجوز توقيع الحجز التحفظي على منقولات التاجر الساحب للشيك.
سادسًا: لا يشترط ذكر مقابل القيمة في الشيك بخلاف السند تحت إذن.
أوجه الشبه العامة بين السند تحت إذن وبين الكمبيالة والشيك
توجد أوجه شبه عامة بين السند تحت إذن وبين الكمبيالة والشيك وهذه الأوجه هي: أولاً: يشترط القانون في تحرير السند تحت إذن توافر شروط شكلية معينة هي نفس الشروط الواجب توافرها في الكمبيالة والشيك مع الفوارق المتقدمة.
ثانيًا: يجوز اشتراط الدفع بمجرد الاطلاع في السند تحت إذن والكمبيالة كما هو الحال في الشيك.
ثالثًا: تنتقل الملكية في السند تحت إذن بطريق التظهير كما هو الحال في الكمبيالة والشيك.
رابعًا: يشترط لصحة التحاويل الناقلة للملكية في السند تحت إذن نفس الشروط الواجب قيامها في التحاويل الناقلة للملكية في الكمبيالة والشيك.
خامسًا: يتضمن كل من السند تحت إذن والكمبيالة والشيك اعتراف بدين.
سادسًا: يضمن المحيل في السند تحت إذن والكمبيالة والشيك وفاء الدين ويسر المدين في الحال والاستقبال.
سابعًا: لا يجوز للمدين في السند تحت إذن التمسك في مواجهة المحال إليه الحسن النية بالدفوع التي يجوز له التمسك بها ضد المستفيد الأصلي والمحيلين السابقين كما هو الحال في الكمبيالة والشيك.
ثامنًا: يضمن الموقعين على السند تحت إذن والكمبيالة والشيك وكذا المحيلين وفاء الدين لحامل هذه الأوراق بالتضامن.
تاسعًا: لا يجوز للقضاء عند الحكم في دعاوى تتضمن منازعات بسند تحت إذن أو كمبيالة أو شيك أن يعطي مهلة للمدين لسداد الدين أو يقسطه عليه.
عاشرًا: يثبت عدم الدفع في السند تحت إذن بنفس الإجراء Acte الذي يثبت عدم الدفع في الكمبيالة والشيك وهذا الإجراء هو بروتستو عدم الدفع.
حادي عشر: يشترط لرجوع حامل السند تحت إذن على المحيل له أو المحيلين السابقين والمستفيد الأصلي نفس الشروط الواجب توافرها لرجوع حامل الكمبيالة أو الشيك.
ثاني عشر: تسري قواعد الضمان الاحتياطي المنصوص عنها في القانون في باب الكمبيالات على الضمان الاحتياطي في السند تحت إذن والشيك.
ثالث عشر: تسري قواعد الفوائد والمصاريف الأخرى كرسم البروتستو ومصاريف البنك وخلافه المنصوص عنها في باب الكمبيالات على السند تحت إذن.
رابع عشر: يسقط الحق في المطالبة بالسند تحت إذن بنفس المدة المقررة لسقوط الحق في المطالبة بالكمبيالة أو الشيك وتسري عليها نفس القواعد التي قررها القانون في ذلك.
السند تحت إذن والسند الذي يدفع لحامله
يجوز أن يكون السند لحامله au porteur وفي هذه الحالة تنتقل ملكية السند بمجرد التسليم من يد إلى أخرى، ولا يشترط لذلك حصول التحويل بطريق التظهير كما هو الحال في السند تحت إذن والكمبيالة والشيك المتفق فيه على الدفع لأمر شخص معين وتحرير السند لحامله نادر الوقوع في المعاملات التجارية بين التجار وبعضهم أو بين البيوتات التجارية وأقرب مثل على ذلك أوراق البنكنوت التي تدفع لحاملها فهي تتضمن سندًا لحامله بشروط خاصة.
أهمية الأوراق التجارية
وتلعب الأوراق التجارية من سندات تحت إذن وكمبيالات وشيكات وحوالات دورين مهمين في التجار (الدور الأول) التعامل بها بدلاً من النقد بين التجار في معاملاتهم اقتصادًا في الوقت وتمشيًا مع السرعة التي تصحب كل عمل تجاري واجتنابًا للمتاعب والمصاعب التي تحوط بنقل النقود الفضية أو الذهبية أو الأوراق المالية من بلدة إلى أخرى ومن مملكة إلى ثانية (الدور الثاني) أنها تتضمن اعترافًا بدين أي تعتبر كسند لإثبات الدين.
الشروط الشكلية الواجب توافرها في السندات تحت إذن
ولو أن القانون لم ينص على اعتبار السندات تحت إذن من الأوراق الشكلية أي التي يلزم تحريرها في شكل معين وبعبارات خاصة إلا أنه يشترط لصحتها وإحداث أثرها القانوني استيفاء شروط وذكر بيانات مخصوصة ولازمة يترتب على إغفالها كلها أو بعضها وجود عيب جوهري في شكل السندات وعدم اعتبارها كسندات تحت إذن بل مجرد سندات عادية تتضمن إقرارًا أو اعترافًا بدين.
وبطلان السندات تحت إذن لوجود عيب شكلي فيها بطلان مطلق ويترتب على ذلك النتيجتين الآتيتين:
الأولى: أنه يجوز لكل ذي مصلحة التمسك بالدفع بالبطلان فيجوز ذلك للمدين في السند تحت إذن والمحيل والمستفيد الأصلي والضامن الاحتياطي فيه كما يجوز للمحكمة مراعاة ذلك من تلقاء نفسها أثناء الفصل في الدفاع والحكم على مقتضى ما رتبه القانون من آثار لهذا البطلان.
الثانية: أنه يجوز التمسك به في مواجهة حامل السند الحسن النية - أي ضد الشخص المالك للسند بطريق التظهير الناقل للملكية والذي لا يعلم وقت تحويل السند إليه بالعيوب التي يتضمنها السند أو الدفوع التي يجوز الدفع بها في مواجهة المستفيد الأصلي أو المحيلين السابقين.
والبيانات التي يشترط القانون وجودها في السندات تحت إذن هي:
أولاً: وضع تاريخ للسند أي ذكر الشهر واليوم والسنة التي حرر فيها.
ثانيًا: ذكر القيمة المراد دفعها.
ثالثًا: ذكر تاريخ الاستحقاق.
رابعًا: ذكر اسم المستفيد من السند.
خامسًا: ذكر عبارة لأمر وإذن أو ما يفيد ذلك.
سادسًا: ذكر عبارة القيمة.
سابعًا: التوقيع على السند.
ولا يؤثر على صحة السندات تحت إذن اشتمالها على بيانات أخرى إضافية خلاف البيانات الجوهرية التي يلزمها القانون كذكر مبلغ معين كتعويض في حالة عدم وفاء المحرر عليه السند للقيمة في الميعاد أو التوقيع على السند من آخرين كشهود أو ذكر شرط في السند على ضرورة إثبات التخالص عنه بكتابة صادرة من الدائن المالك للسند أو باستلامه أصل السند موقعًا عليه بالتخالص وغير ذلك من البيانات الأخرى التي قد يضعها المتعاقدان على السند تحت إذن وقت تحريره والتي لا تؤثر على ماهيته وكيانه كسند تحت إذن. [(1)]
الفرق بين السندات تحت إذن والسندات العادية التي تضمن اعترافًا بدين [(2)]
ويختلف السند تحت إذن عن السند العادي الذي يتضمن اعترافًا بدين فقط في الأمور الآتية:
أولاً: يجوز للمدين في السند العادي المتضمن اعترافًا بالدين الدفع في مواجهة حامل السند الحسن النية بجميع الدفوع التي يجوز له الدفع بها في مواجهة الدائن الأصلي والمحيلين السابقين من تخالص وبطلان السند لتحريره بطريق التدليس أو لعدم وجود سبب صحيح قانوني له وغير ذلك من الدفوع بخلاف الحال في السند تحت إذن.
ثانيًا: يجوز للقاضي إعطاء مهلة قضائية للدفع أو تقسيط المبلغ في السند العادي بخلاف السند تحت إذن حيث يمنعه القانون من ذلك عملاً بنص المواد (156) تجاري أهلي، و(163) مختلط، و(157) فرنسي.
ثالثًا: عدم تضامن المحيلين أو الموقعين على السند العادي المتضمن اعترافًا بدين بخلاف الحال في السند تحت إذن.
رابعًا: لا يترتب على إجراء بروتستو عدم الدفع المعمول في الميعاد بدء سريان الفائدة عند عدم الاتفاق عن سريانها من تاريخ الاستحقاق كما هو الشأن في السند تحت إذن.
خامسًا: لا يجوز توقيع الحجز التحفظي على منقولات المدين التاجر بالسند العادي المشتمل على اعتراف بدين حتى ولو عمل عنه بروتستو عدم الدفع في الميعاد.
سادسًا: لا يجوز تحويل السند العادي بطريق التظهير إذا لم يذكر فيه عبارة لأمر وإذن أو أية عبارة أخرى تفيد ذلك.
سابعًا: لا يجوز اختصام الضامن الغير تاجر وحده أمام المحكمة التجارية في السند العادي بخلاف الحال في السند تحت إذن حيث يجوز اختصام الضامن الاحتياطي أمام المحكمة المدنية حتى ولو يختم معه المدين الأصلي في السند.
ثامنًا: لا يسقط الحق في المطالبة بالسندات العادية التي تتضمن اعترافًا بدين بمضي خمس سنوات هجرية كما هو الحال في السندات تحت إذن التجارية بل يسقط الحق بالمطالبة بالأولى بحسب الرأي الراجح بمضي خمس عشرة سنة كما سيأتي الكلام عليه بعد.
تاسعًا: عدم أحقية حامل السند العادي في الرجوع على المستفيد الأصلي والمستفيدين السابقين. [(3)]
أوجه الشبه بين السندات تحت إذن والسندات العادية المتضمنة اعترافًا بدين
وتتشابه السندات تحت إذن مع السندات العادية فيما يأتي:
أولاً: يجوز تحويل السندات العادية المشتملة على أمر وإذن أو على أية عبارة أخرى تفيد ذلك بطريق التظهير كما هو الحال في السندات تحت إذن.
ثانيًا: يتضمن كلا النوعين على اعتراف من المحرر عليه السند بالدين الوارد فيه والتزامه بوفائه.
ثالثًا: تختص المحكمة التجارية في القانون الأهلي بنظر الدعوى المرفوعة بسند تحت إذن أو بسند عادي متى كان سبب الدين تجاريًا في كلتا الحالتين وذلك إما بترتبه على معاملة تجارية أو بالتوقيع عليه من تاجر [(4)] أما في القانون المختلط فالرأي المعمول به هناك - ولو أننا لا نوافق عليه كما سيذكر بعد - هو اختصاص المحكمة التجارية بنظر الدعوى المرفوعة بسند تحت إذن مهما كان سبب تحرير السند مدنيًا كان أو تجاريًا بخلاف الحال في السند العادي فإنه يشترط لاختصاص المحكمة التجارية بنظر الدعوى عنه أن يكون سببه تجاريًا.
رابعًا: تسري سعر الفائدة التجاري في السند تحت إذن والسند العادي من كان سببًا تجاريًا.
الشروط الشكلية الواجب توافرها في السندات تحت إذن
أولاً: تحرير تاريخ السند:
يشترط القانون لصحة السندات تحت إذن ذكر تاريخ تحرير السند ويكون بذكر تاريخ اليوم والشهر والسنة الحاصل فيها تحرير السند ولا يشترط في ذلك أن يكون التحرير بالكتابة بل يكفي أن يكون بالأرقام.
وذكر اليوم والشهر والسنة ضروري لصحة التاريخ ولا يكفي في ذلك ذكر السنة أو الشهر فقط ولا يلزم لصحة التاريخ إعطائه تاريخًا ثابتًا أو تسجيله بل يكفي بيانه على السند، ويعتبر هذا البيان كافيًا لإثبات صحته حتى يُقام الدليل على العكس وذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وقرائن الأحوال.
ولا يغني عن ذكر تاريخ السند تحت إذن إجراء أي عمل قضائي آخر يذكر فيه التاريخ كالبروتستو أو إعلان صحيفة الدعوى وكذلك لا يغني عن ذلك ذكر تاريخ الاستحقاق في السند وانعدام تاريخ تحرير السند يترتب عليه بطلانه كسند تحت إذن واعتباره سندًا عاديًا متضمنًا اعترافًا بدين فقط. [(5)]
ولا يصحح عيب إغفال تاريخ تحرير السند إثبات هذا التاريخ في دفاتر التاجر المحرر لصالحه السند أو في المكاتبات التي تدور بينه وبين المدين فيه وكذلك لا يصحح هذا العيب تحويل السند في نفس تاريخ التحرير وذكر تاريخ التحويل أو الإشارة إلى السند في عقد رسمي أو عرفي ذي تاريخ ثابت عمل بين الدائن والمدين في السند. [(6)]
14 - وتقديم تاريخ السند تحت إذن أي ذكر تاريخ للسند مقدم عن تاريخه الحقيقي l’antidate يبطل السند حتى باعتباره سندًا عاديًا إذا كان المقصود من تقديم التاريخ إخفاء عدم أهلية أحد المتعاقدين أو الموقعين على السند.
إنما لا يجوز لعديم الأهلية في هذه الحالة التمسك بالبطلان في مواجهة حامل السند حسن النية إذا كان له شأن في إجراء التقديم لأنه يعتبر في هذه الحالة مدلس وغاش والقانون لا يحمي الغاش أو المدلس.
15 - وتغيير تاريخ تحرير السند لا يترتب عليه أصلاً بطلانه كما هو الحال في إغفال ذكر التاريخ أصالة إذا كان التغيير عمل باتفاق الطرفين - المدين والدائن الأصلي - بشرط ألا يكون الغرض منه إخفاء عيب متعلق بالأهلية وعدمها وبشرط ألا يؤثر على تاريخ الاستحقاق الملحوظ وقت التعاقد. [(7)]
16 - والأصل أن الدفع ببطلان السند لصدوره من غير ذي أهلية يجوز التمسك به ضد حامل السند الحسن النية لتعلقه بالنظام العام وبأحد أركان صحة التعاقد إنما لا يجوز التمسك بمثل هذا الدفع في مواجهة حامل السند إذا بنى الدفع على حصول تغيير في تاريخ السند إذا كان التاريخ الثابت والظاهر في السند يجعل المدين في حالة أهلية للتعامل والتعاقد وكان حامل السند يجهل التغيير الحاصل في التاريخ لإخفاء عيب عدم الأهلية - أي متى كان حسن النية. [(8)]
17 - ولا يعتبر تغيير تاريخ تحرير السند تحت إذن أو تقديمه تزويرًا كما هو الحال في التحاويل.
18 - ويجوز إثبات عدم صحة تاريخ تحرير السند بكافة أوجه الثبوت العادية بغير حاجة للطعن بطريق التزوير.
ثانيًا: ذكر قيمة المبلغ الواجب أداؤه:
19 - يُشترط لصحة السند تحت إذن ذكر قيمة المبلغ الواجب أداؤه ولا يلزم لذلك بيانه بالحروف والأرقام بل يكفي إثباته بالأرقام فقط ولو أن العمل جرى على ذكره بالأرقام والحروف. [(9)]
وإذا وجد خلاف بين مقدار المبلغ المبين بالحروف والمقدار المبين بالأرقام فيؤخذ بالأول دون الثاني. [(10)]
ويجب أن يكون محل التعهد مبلغًا من المال وعلى ذلك فلا يعتبر سندًا تحت إذن تعهد شخص بتوريد مقدار من القطن في وقت معين ولا يصحح من التعهد في هذه الحالة اتفاق الطرفين على التزام المتعهد بدفع مبلغ معين بصفة تعويض في حالة التقصير في الوفاء أو التأخير فيه. [(11)]
ولا يشترط ذكر نوع النقود الواجب دفعها إذ في هذه الحالة يحصل الوفاء من نوع النقود المعمول بها في زمان ومكان محل الدفع.
وإذا اتفق على الوفاء من نقود من نوع آخر خلاف نوع نقود محل الدفع ففي هذه الحالة يتعين النص على نوع النقود الواجب الوفاء بها. [(12)]
20 - ويشترط وحدة المبلغ الواجب دفعه l’unité de la detté أي تعيين مبلغ الدين الواجب دفعه وعدم ذكره مجزءًا فإذا خلا السند من وحدة المبلغ زالت عنه صفة الإذنية وأضحى سندًا عاديًا مثبتًا لاعتراف بدين. [(13)]
ولا يؤثر على وحدة المبلغ ذكر المبلغ الواجب دفعه مع الاتفاق على الفوائد بسعر معين في حالة الاستحقاق إذ يسهل في هذه الحالة احتساب الفوائد الواجب المطالبة بها بعملية حسابية بسيطة ويكون لذلك الإنفاق عليها لم يؤثر على وحدة المبلغ الواجب المطالبة به وتعيينه تعيينًا كافيًا. [(14)]
21 - ويجوز للطرفين الاتفاق على احتساب الفوائد مقدمًا وضمها إلى قيمة الدين المطالب به واتفاقهما في هذه الحالة مشروع ولا يُخالف القانون ولا يؤثر على وحدة المبلغ المطالب به. [(15)]
ثالثًا: تاريخ الاستحقاق:
22 - يشترط لصحة السند تحت إذن ذكر تاريخ الاستحقاق ويجب أن يكون هذا التاريخ معينًا ومحددًا وغير معلق على شرط توقيفي. [(16)]
فإذا علق الاستحقاق على شرط توقيفي ضاعت عن السند صفة الإذنية وأضحى سندًا عاديًا وعلى ذلك يعتبر سندًا عاديًا تعهد شخص بدفع مبلغ من المال لأمر وإذن آخر في حالة وفاة شخص معين أو في حالة قيامه بعمل عهد إليه به أو في حالة رجوعه من سياحة أو في حالة نجاحه في مشروع خاص وهكذا. [(17)]
23 - ويجب أن يكون تاريخ الاستحقاق معينًا تعيينًا نافيًا للجهالة يساعد على انتشار التداول بالسندات تحت إذن بطريق التظهير باعتبارها من أوراق التعامل التجارية ولا يعتبر تاريخ الاستحقاق معينًا تعيينًا كافيًا إذا اتفق في السند تحت إذن على أن للمدين الحق في تجديد السند عند الاستحقاق بدلاً من القيام بالوفاء ودفع قيمته [(18)]، وكذلك إذا ذكر المدين في السند أنه يتعهد بدفع المبلغ في كل مرة إذا ما toutefois et quand لعدم دلالة هذه العبارة على التعيين ولا تؤدي بجلاء إلى التعهد بالدفع عند الاطلاع أو بمجرد تقديم السند.
24 - ويشترط أن يكون تاريخ الاستحقاق واحدًا لا تواريخ متعددة ويترتب على ذلك أنه لا يجوز في السندات تحت إذن الاتفاق على دفع المبلغ مجزءًا أو على أقساط فإذا اتفق فيها على التقسيط انمحت عنها [(19)] لازمة الإذنية وأصبحت سندًا عاديًا، ولا يؤثر على ماهية السند تحت إذن المتضمن على تاريخ معين للسداد قيام المدين في السند بدفع مبلغ الدين بعد تحرير السند على أقساط باتفاق الدائن واستنزال المبلغ المدفوع من تحت الحساب على ظهر السند. [(20)]
25 - ويمكن ذكر التاريخ طبقًا لأي تقويم فيجوز ذكره على اعتبار التاريخ العبري أو الإفرنجي أو القبطي وكل ذلك بشرط أن يوضح بطريقة جلية واضحة لا تقبل الشك ولا التأويل. [(21)]
ويكون ذكر التاريخ معينًا إما بذكر تاريخ معين أو ذكر عبارة الدفع بمجرد الاطلاع على السند أو بعد مرور أيام أو أشهر معينة على الاطلاع على السند أو الدفع في عيد معين.
26 - ولا يشترط لتحديد تاريخ الاستحقاق المتفق على إجرائه في زمن معين ذكر تاريخ اليوم بل يكفي في ذلك ذكر الشهر والسنة المتفق على القيام بالسداد فيها ويكون الاستحقاق في هذه الحالة ممتدًا إلى آخر الشهر المبين في السند، ويصح بروتستو عدم الدفع إذا عمل في أول اليوم من الشهر التالي [(22)] أما إذا عمل قبل ذلك فلا يعتبر ولا يترتب عليه أي أثر قانوني لحصوله قبل تاريخ الاستحقاق.
27 - وإذا وافق حلول ميعاد دفع قيمة السند يوم عيد رسمي فدفعه يكون مستحقًا في اليوم السابق للعيد.
ولا يتعارض ذلك مع نص المادة (162) تجاري أهلي، و(169) تجاري مختلط التي تقول بضرورة إجراء بروتستو عدم الدفع في اليوم التالي لتاريخ الاستحقاق لحفظ حقوق حامل السند التي رتبها له القانون وكل ما هنالك أن السند يكون واجبًا الدفع في اليوم السابق ليوم العيد أو العطلة والبروتستو يعمل في اليوم اللاحق ليوم العيد أو العطلة. [(23)]
28 - واختلف في ميعاد الاستحقاق في السندات تحت إذن المستحقة الدفع بمجرد الاطلاع على السند حيث يقول البعض إنه يندمج في تاريخ تحريرها ويقول البعض الآخر أنه يكون في تاريخ تقديمها والمطالبة بها ونرى التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى: مبدأ تاريخ الاستحقاق في حالة التمسك بسقوط الحق بالمطالبة بقيمة السند المستحق الدفع وقت الاطلاع أو بمجرد الطلب.
الحالة الثانية: مبدأ تاريخ الاستحقاق في حالة المطالبة بقيمة السند وأحقية حامل السند في المطالبة به من عدمه ففي الحالة الأولى يعتبر تاريخ الاستحقاق مندمجًا في تاريخ تحرير السند وتبدأ مدة السقوط من اليوم التالي لهذا التاريخ وهو اليوم الواجب فيه عمل بروتستو عدم الدفع أما في الحالة الثانية فيعتبر تاريخ الاستحقاق من تاريخ تقديم السند للمطالبة بقيمته [(24)]، وهناك حالة أخرى وهي الخاصة بتعيين ميعاد الاستحقاق في هذه السندات ضد التحاويل وما يترتب على ذلك من اعتبار التحاويل ناقلة للملكية من عدمه وسنتكلم عليها بعد شرح التحاويل.
29 - وعبارات مجرد الاطلاع à vue أو عند تقديم السند a présentation ليست لازمة sacramentelles في السندات تحت إذن المستحقة الدفع عند الاطلاع بل يكفي لاعتبار ذلك كل عبارة يُستفاد منها هذه الرغبة كالنص في السند على الدفع بمجرد المطالبة بقيمته أو بمجرد أول مطالبة بقيمته أو على عبارة تحت الطلب وغير ذلك من العبارات التي تؤدي إلى دفع السند بمجرد تقديمه للمدين. [(25)]
30 - وإذا نص في السند على ميعاد دفع القيمة بعد يوم أو أكثر أو شهر أو أكثر من وقت الاطلاع عليه فيعتبر هذا الميعاد من تاريخ تأشير المدين على السند بما يفيد الاطلاع عليه والتوقيع على ذلك من جديد أو من تاريخ بروتستو يعمل للمدين في هذه الحالة. [(26)]
31 - والأصل كما تقدم أن تاريخ الاستحقاق يكون طبقًا للقوانين المعمول بها في البلد المستحق دفع المبلغ فيه وطبقًا للتقويم المعمول به هناك إلا إذا اتفق على عكس ذلك. [(27)]
32 - وعدم ذكر تاريخ الاستحقاق ولو أنه يترتب عليه اعتبار الدين حالاً وواجب الأداء وأحقية حامل السند في المطالبة بقيمته بمجرد تقديمه ثم استصدار حكم به في حالة التقصير في الوفاء إلا أنه يعيب السند ويترتب على ذلك اعتباره كسند دين عادي لفقدانه بيان من البيانات الجوهرية التي ألزمها القانون لصحة السند تحت إذن من حيث الشكل. [(28)]
رابعًا: ذكر اسم المستفيد من السند:
33 - يُشترط لصحة السند تحت إذن ذكر اسم المستفيد من السند أي الدائن الأصلي فيه أو الإشارة إلى أن الدفع يكون لحامله.
والمستفيد إما أن يكون شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا، وذكر الشخص الاعتباري يكفي لتعيين اسم المستفيد من السند.
وعدم ذكر اسم المستفيد في السند تحت إذن يترتب عليه بطلان السند واعتباره كسند عادي ولا يرد على ذلك أن الإغفال عن ذكر الاسم معناه أن يكون السند لحامله.
خامسًا: ذكر عبارة لأمر وإذن:
34 - عبارة لأمر وإذن لازمة لصحة السندات تحت إذن ويترتب على إغفالها وجود عيب جهري في السند واعتباره كسند عادي كما تقدم وعلى ذلك فيعتبر سندًا عاديًا السند الذي ثبت به أن الدفع يكون لشخص يعين بالذات[(29)].
محمد علي راتب
مفتش لجنة المراقبة القضائية
[(1)] استئناف مختلط في 23 ديسمبر 1912 الجازيت 3 صـ 1364، و19 يناير 916 الجازيت 6 صـ 73 - 228.
[(2)] استئناف مختلط في 31 يناير 934 المجموعة 46 صـ 146.
[(3)] استئناف مختلط في 1 فبراير سنة 910 المجموعة 22 صـ 142.
[(4)] مصر تجاري جزئي أهلي في 3 أكتوبر سنة 940 في القضية رقم (2282) سنة 94 المرفوعة من صمويل كوهين ضد حافظ وعثمان مصطفى ولم ينشر بعد.
[(5)] ليون كان ورينو جزء 4 صـ 343 نبذة (بواسيل 725)، وبيرسيل صـ 33، وبيداريد جزء 1 صـ 6 وفوجويه جزء 4 نبذة 1234.
[(6)] يراجع عكس ذلك حكم منم في 5 يوليه 1819 سيريه 1819 ويقول بأن إغفال ذكر التاريخ لا يعيب السند تحت إذن إذا كانت ظروف تحرير السند لا يترتب عليها تغيير في الحق الثابت في السند وهذا الحكم مرجوح وغير معمول به.
[(7)] استئناف مختلط في 28 نوفمبر 1928 المجموعة 40 صـ49.
[(8)] استئناف مختلط في 21 ديسمبر 904 المجموعة 17 صـ 42.
[(9)] بيرسيل 231 بارديسيه 334 وليون كان جزء 4 نبذة 80 دالوز 2 جزء 4 نبذة 1235.
[(10)] بيرسيل 331 وفوجيه جزء 1 نبذة 122 وليون كان جزء 4 صـ60.
[(11)] استئناف مختلط في 4 يناير سنة 905 المجموعة 17 صـ 55 في 18 يناير سنة 1905 المجموعة 18 صـ 9.
[(12)] دالوز جزء 4 نبذة 1235 وفوجيه جزء 1 نبذة 127.
[(13)] استئناف مختلط في 27 مارس 1889 المجموعة السنة الأولى صـ 113 و14 نوفمبر سنة 1889 المجموعة السنة الأولى صـ 320 و4 ديسمبر سنة 1939 المجموعة 42 صـ 67 و18 نوفمبر سنة 912 المجموعة 25 صـ 28.
[(14)] النقض الفرنسي في 5 فبراير سنة 1868 دالوز 68 جزء 1 صـ 386.
[(15)] حكم محكمة بورج في 27 يناير سنة 1857 دالوز 57 جزء 2 صـ 68.
[(16)] استئناف مختلط في 4 يناير سنة 1905 المجموعة 17 صـ 55 و4 ديسمبر سنة 1929 المجموعة 42 صـ 67.
[(17)] ريوم أول يونيه سنة 1846 دالوز 47 جزء 2 صـ 47.
[(18)] باريس في 2 فبراير سنة 1830 سيريه 1830.
[(19)] استئناف مختلط في 18 ديسمبر سنة 929 المجموعة 42 صـ 111 و4 ديسمبر سنة 929 المجموعة 42 صـ 67، ومصر جزئي أهلي تجاري في 18 إبريل 940 المحاماة.
[(20)] استئناف مختلط في 7 نوفمبر سنة 934 المجموعة 47 صـ10.
[(21)] إسكندرية جزئي مختلط في 30 نوفمبر سنة 1916 الجازيت 7 صـ 150052.
[(22)] استئناف مختلط في 29 إبريل 924 الجازيت 14 صحائف 231 - 327.
[(23)] استئناف مختلط في 22 مارس 1887 r. o. xxi 814.
[(24)] استئناف مختلط دوائر مجتمعة في 22 يناير سنة 1930 المجموعة 42 صـ 206 و30 يناير سنة 1935 المجموعة 27 صـ 137.
[(25)] بيزانسون في 8 ديسمبر 1897 دالوز 1899 جزء 2 صـ 421.
[(26)] باريس في 10 يناير 1893 الباندكت 93 جزء 2 صـ 124.
[(27)] ليون كان ورينو جزء 4 نبذة 655 وبراتيل نبذة 723.
[(28)] ليون كان ورينو تجاري جزء 4 صـ 422، واستئناف مختلط في 3 يناير 935 المجموعة 47 صـ 87.
[(29)] بارديسة pardesuss جزء 2 نبذة 339 وتوجيه جزء 2 نبذة 195 وليون كان ورينو جزء 4 نبذة 27 وبرافاررديجا نحياه جزء 3 صـ 71.
السنة الحادية والعشرون سنة 1941
في السندات تحت إذن التجارية
لم تعرف قوانين التجارة الأهلي والمختلط والفرنسي السندات تحت إذن وإنما نصت على الشروط الشكلية الواجب توافرها فيها لصحتها واعتبارها كسندات تحت إذن تنتج آثارها التي رتبها لها القانون، ويمكن تعريف السند تحت إذن من مراجعة نصوص هذه القوانين بأنه صك مكتوب مؤرخ يشتمل على تعهد يلتزم فيه موقعه بدفع مبلغ من المال لآخر لأمره وإذنه في زمن معين أو بعد مرور وقت محدد على تاريخ تحريره أو بمجرد الاطلاع على السند أو بعد مرور وقت على الاطلاع، وذلك في مقابل شيء حصل عليه منه وقت التوقيع على السند أو قبل ذلك، ويسمى المتعهد في السند تحت إذن Souscripteur والمحرر لصالحه السند الدائن المستفيد Bénificiaire du billet.
أوجه الاختلاف بين السند تحت إذن والكمبيالة
ويختلف السند تحت إذن عن الكمبيالة في الأمور الآتية:
أولاً: تحتوي الكمبيالة على ثلاثة أشخاص ساحب الكمبيالة tireur والمسحوب عليه الكمبيالة tire والمسحوب لصالحه الكمبيالة ويسمى المستفيد bénéficiaire، وليس الحال كذلك في السند تحت إذن حيث يحتوي على طرفين المتعهد في السند والمستفيد منه فقط.
ثانيًا: لا يشتمل السند تحت إذن على وكالة بالدفع صادرة من المحرر عليه السند كما هو الحال في الكمبيالة إذ تتضمن الأخيرة وكالة أو أمر أو حوالة من الساحب للغير بدفع مبلغ معين لآخر.
ثالثًا: يتضمن السند تحت إذن بمجرد إتمامه:
1 - اعترافًا من المتعهد فيه بمديونيته للمحرر لصالحه السند في مبلغ من المال حصل على مقابله منه وقت تحرير السند أو قبل إذن.
2 - تعهده بدفع هذا المبلغ للمستفيد أو لأي شخص آخر يرى الأول تحويل السند إليه أي لأمره بخلاف الكمبيالة فإنه لا يشترط لسحبها وصحتها أن يكون المسحوب عليه الكمبيالة تحت يده مقابل الوفاء ومدينًا للساحب وقت تاريخ السحب وإنما يكفي في ذلك أن يكون مقابل الوفاء موجودًا تحت يده وقت قبول الكمبيالة أو وقت استحقاقها لا قبلها، وعلى ذلك يجوز لساحب الكمبيالة تقديم مقابل الوفاء للمسحوب عليه حتى تاريخ الاستحقاق ويكون المقابل إما دين في ذمة المسحوب عليه للساحب أو قيمة بضاعة اشتراها الأول من الثاني أو أشياء ذات قيمة حصل عليها منه. رابعًا: لا يشترط في السند تحت إذن إجراء بروتستو عدم القبول كما هو في الكمبيالة لانتفاء الضرورة التي تستوجب ذلك.
خامسًا: يُشترط لاعتبار السند تحت إذن عملاً تجاريًا أن يكون سببه تجاريًا بخلاف الحال في الكمبيالة كما سيأتي الكلام على ذلك.
أوجه الاختلاف بين السند تحت إذن والشيك
ويختلف السند تحت إذن عن الشيك فيما يأتي:
أولاً: يحتوي الشيك على وكالة من ساحب الشيك لآخر (المسحوب عليه) أو أمر له بالدفع بخلاف السند تحت إذن فلا يشمل شيئًا من ذلك كما تقدم.
ثانيًا: يجوز الاتفاق في السند تحت إذن على الدفع في تاريخ معين أو شهر معين أو بعد مرور وقت معين على تاريخ تحريره أو بمجرد الاطلاع عليه أو بعد مرور وقت على الاطلاع عليه بخلاف الحال في الشيك إذ يشترط لصحته وقيامه أن يكون الدفع فيه بمجرد الاطلاع عليه.
ثالثًا: السند تحت إذن كالكمبيالة تعتبر سندًا للمديونية instrument de crédit، وسندًا للدفع بخلاف الشيك فإنه يعتبر في العادة من أوراق النقد.
رابعًا: في السند تحت إذن يعرف الموقع عليه بالتزامه ومداه بمجرد التوقيع على السند ويمكن بذلك من تدبير أمره والحصول على المال الواجب دفعه بمقتضى هذا السند بخلاف الحال في المسحوب عليه الشيك فإنه لا يعرف بملزوميته بالدفع بمجرد تحرير الشيك وإنما من وقت تقديمه إليه ويجب عليه دفع المبلغ بمجرد التقديم والاطلاع على الشيك وبغير أن يكون لديه من الوقت ما يسمح له بجمع المال اللازم لوفاء قيمته أو سداده.
خامسًا: لا يجوز توقيع الحجز التحفظي على منقولات التاجر الساحب للشيك.
سادسًا: لا يشترط ذكر مقابل القيمة في الشيك بخلاف السند تحت إذن.
أوجه الشبه العامة بين السند تحت إذن وبين الكمبيالة والشيك
توجد أوجه شبه عامة بين السند تحت إذن وبين الكمبيالة والشيك وهذه الأوجه هي: أولاً: يشترط القانون في تحرير السند تحت إذن توافر شروط شكلية معينة هي نفس الشروط الواجب توافرها في الكمبيالة والشيك مع الفوارق المتقدمة.
ثانيًا: يجوز اشتراط الدفع بمجرد الاطلاع في السند تحت إذن والكمبيالة كما هو الحال في الشيك.
ثالثًا: تنتقل الملكية في السند تحت إذن بطريق التظهير كما هو الحال في الكمبيالة والشيك.
رابعًا: يشترط لصحة التحاويل الناقلة للملكية في السند تحت إذن نفس الشروط الواجب قيامها في التحاويل الناقلة للملكية في الكمبيالة والشيك.
خامسًا: يتضمن كل من السند تحت إذن والكمبيالة والشيك اعتراف بدين.
سادسًا: يضمن المحيل في السند تحت إذن والكمبيالة والشيك وفاء الدين ويسر المدين في الحال والاستقبال.
سابعًا: لا يجوز للمدين في السند تحت إذن التمسك في مواجهة المحال إليه الحسن النية بالدفوع التي يجوز له التمسك بها ضد المستفيد الأصلي والمحيلين السابقين كما هو الحال في الكمبيالة والشيك.
ثامنًا: يضمن الموقعين على السند تحت إذن والكمبيالة والشيك وكذا المحيلين وفاء الدين لحامل هذه الأوراق بالتضامن.
تاسعًا: لا يجوز للقضاء عند الحكم في دعاوى تتضمن منازعات بسند تحت إذن أو كمبيالة أو شيك أن يعطي مهلة للمدين لسداد الدين أو يقسطه عليه.
عاشرًا: يثبت عدم الدفع في السند تحت إذن بنفس الإجراء Acte الذي يثبت عدم الدفع في الكمبيالة والشيك وهذا الإجراء هو بروتستو عدم الدفع.
حادي عشر: يشترط لرجوع حامل السند تحت إذن على المحيل له أو المحيلين السابقين والمستفيد الأصلي نفس الشروط الواجب توافرها لرجوع حامل الكمبيالة أو الشيك.
ثاني عشر: تسري قواعد الضمان الاحتياطي المنصوص عنها في القانون في باب الكمبيالات على الضمان الاحتياطي في السند تحت إذن والشيك.
ثالث عشر: تسري قواعد الفوائد والمصاريف الأخرى كرسم البروتستو ومصاريف البنك وخلافه المنصوص عنها في باب الكمبيالات على السند تحت إذن.
رابع عشر: يسقط الحق في المطالبة بالسند تحت إذن بنفس المدة المقررة لسقوط الحق في المطالبة بالكمبيالة أو الشيك وتسري عليها نفس القواعد التي قررها القانون في ذلك.
السند تحت إذن والسند الذي يدفع لحامله
يجوز أن يكون السند لحامله au porteur وفي هذه الحالة تنتقل ملكية السند بمجرد التسليم من يد إلى أخرى، ولا يشترط لذلك حصول التحويل بطريق التظهير كما هو الحال في السند تحت إذن والكمبيالة والشيك المتفق فيه على الدفع لأمر شخص معين وتحرير السند لحامله نادر الوقوع في المعاملات التجارية بين التجار وبعضهم أو بين البيوتات التجارية وأقرب مثل على ذلك أوراق البنكنوت التي تدفع لحاملها فهي تتضمن سندًا لحامله بشروط خاصة.
أهمية الأوراق التجارية
وتلعب الأوراق التجارية من سندات تحت إذن وكمبيالات وشيكات وحوالات دورين مهمين في التجار (الدور الأول) التعامل بها بدلاً من النقد بين التجار في معاملاتهم اقتصادًا في الوقت وتمشيًا مع السرعة التي تصحب كل عمل تجاري واجتنابًا للمتاعب والمصاعب التي تحوط بنقل النقود الفضية أو الذهبية أو الأوراق المالية من بلدة إلى أخرى ومن مملكة إلى ثانية (الدور الثاني) أنها تتضمن اعترافًا بدين أي تعتبر كسند لإثبات الدين.
الشروط الشكلية الواجب توافرها في السندات تحت إذن
ولو أن القانون لم ينص على اعتبار السندات تحت إذن من الأوراق الشكلية أي التي يلزم تحريرها في شكل معين وبعبارات خاصة إلا أنه يشترط لصحتها وإحداث أثرها القانوني استيفاء شروط وذكر بيانات مخصوصة ولازمة يترتب على إغفالها كلها أو بعضها وجود عيب جوهري في شكل السندات وعدم اعتبارها كسندات تحت إذن بل مجرد سندات عادية تتضمن إقرارًا أو اعترافًا بدين.
وبطلان السندات تحت إذن لوجود عيب شكلي فيها بطلان مطلق ويترتب على ذلك النتيجتين الآتيتين:
الأولى: أنه يجوز لكل ذي مصلحة التمسك بالدفع بالبطلان فيجوز ذلك للمدين في السند تحت إذن والمحيل والمستفيد الأصلي والضامن الاحتياطي فيه كما يجوز للمحكمة مراعاة ذلك من تلقاء نفسها أثناء الفصل في الدفاع والحكم على مقتضى ما رتبه القانون من آثار لهذا البطلان.
الثانية: أنه يجوز التمسك به في مواجهة حامل السند الحسن النية - أي ضد الشخص المالك للسند بطريق التظهير الناقل للملكية والذي لا يعلم وقت تحويل السند إليه بالعيوب التي يتضمنها السند أو الدفوع التي يجوز الدفع بها في مواجهة المستفيد الأصلي أو المحيلين السابقين.
والبيانات التي يشترط القانون وجودها في السندات تحت إذن هي:
أولاً: وضع تاريخ للسند أي ذكر الشهر واليوم والسنة التي حرر فيها.
ثانيًا: ذكر القيمة المراد دفعها.
ثالثًا: ذكر تاريخ الاستحقاق.
رابعًا: ذكر اسم المستفيد من السند.
خامسًا: ذكر عبارة لأمر وإذن أو ما يفيد ذلك.
سادسًا: ذكر عبارة القيمة.
سابعًا: التوقيع على السند.
ولا يؤثر على صحة السندات تحت إذن اشتمالها على بيانات أخرى إضافية خلاف البيانات الجوهرية التي يلزمها القانون كذكر مبلغ معين كتعويض في حالة عدم وفاء المحرر عليه السند للقيمة في الميعاد أو التوقيع على السند من آخرين كشهود أو ذكر شرط في السند على ضرورة إثبات التخالص عنه بكتابة صادرة من الدائن المالك للسند أو باستلامه أصل السند موقعًا عليه بالتخالص وغير ذلك من البيانات الأخرى التي قد يضعها المتعاقدان على السند تحت إذن وقت تحريره والتي لا تؤثر على ماهيته وكيانه كسند تحت إذن. [(1)]
الفرق بين السندات تحت إذن والسندات العادية التي تضمن اعترافًا بدين [(2)]
ويختلف السند تحت إذن عن السند العادي الذي يتضمن اعترافًا بدين فقط في الأمور الآتية:
أولاً: يجوز للمدين في السند العادي المتضمن اعترافًا بالدين الدفع في مواجهة حامل السند الحسن النية بجميع الدفوع التي يجوز له الدفع بها في مواجهة الدائن الأصلي والمحيلين السابقين من تخالص وبطلان السند لتحريره بطريق التدليس أو لعدم وجود سبب صحيح قانوني له وغير ذلك من الدفوع بخلاف الحال في السند تحت إذن.
ثانيًا: يجوز للقاضي إعطاء مهلة قضائية للدفع أو تقسيط المبلغ في السند العادي بخلاف السند تحت إذن حيث يمنعه القانون من ذلك عملاً بنص المواد (156) تجاري أهلي، و(163) مختلط، و(157) فرنسي.
ثالثًا: عدم تضامن المحيلين أو الموقعين على السند العادي المتضمن اعترافًا بدين بخلاف الحال في السند تحت إذن.
رابعًا: لا يترتب على إجراء بروتستو عدم الدفع المعمول في الميعاد بدء سريان الفائدة عند عدم الاتفاق عن سريانها من تاريخ الاستحقاق كما هو الشأن في السند تحت إذن.
خامسًا: لا يجوز توقيع الحجز التحفظي على منقولات المدين التاجر بالسند العادي المشتمل على اعتراف بدين حتى ولو عمل عنه بروتستو عدم الدفع في الميعاد.
سادسًا: لا يجوز تحويل السند العادي بطريق التظهير إذا لم يذكر فيه عبارة لأمر وإذن أو أية عبارة أخرى تفيد ذلك.
سابعًا: لا يجوز اختصام الضامن الغير تاجر وحده أمام المحكمة التجارية في السند العادي بخلاف الحال في السند تحت إذن حيث يجوز اختصام الضامن الاحتياطي أمام المحكمة المدنية حتى ولو يختم معه المدين الأصلي في السند.
ثامنًا: لا يسقط الحق في المطالبة بالسندات العادية التي تتضمن اعترافًا بدين بمضي خمس سنوات هجرية كما هو الحال في السندات تحت إذن التجارية بل يسقط الحق بالمطالبة بالأولى بحسب الرأي الراجح بمضي خمس عشرة سنة كما سيأتي الكلام عليه بعد.
تاسعًا: عدم أحقية حامل السند العادي في الرجوع على المستفيد الأصلي والمستفيدين السابقين. [(3)]
أوجه الشبه بين السندات تحت إذن والسندات العادية المتضمنة اعترافًا بدين
وتتشابه السندات تحت إذن مع السندات العادية فيما يأتي:
أولاً: يجوز تحويل السندات العادية المشتملة على أمر وإذن أو على أية عبارة أخرى تفيد ذلك بطريق التظهير كما هو الحال في السندات تحت إذن.
ثانيًا: يتضمن كلا النوعين على اعتراف من المحرر عليه السند بالدين الوارد فيه والتزامه بوفائه.
ثالثًا: تختص المحكمة التجارية في القانون الأهلي بنظر الدعوى المرفوعة بسند تحت إذن أو بسند عادي متى كان سبب الدين تجاريًا في كلتا الحالتين وذلك إما بترتبه على معاملة تجارية أو بالتوقيع عليه من تاجر [(4)] أما في القانون المختلط فالرأي المعمول به هناك - ولو أننا لا نوافق عليه كما سيذكر بعد - هو اختصاص المحكمة التجارية بنظر الدعوى المرفوعة بسند تحت إذن مهما كان سبب تحرير السند مدنيًا كان أو تجاريًا بخلاف الحال في السند العادي فإنه يشترط لاختصاص المحكمة التجارية بنظر الدعوى عنه أن يكون سببه تجاريًا.
رابعًا: تسري سعر الفائدة التجاري في السند تحت إذن والسند العادي من كان سببًا تجاريًا.
الشروط الشكلية الواجب توافرها في السندات تحت إذن
أولاً: تحرير تاريخ السند:
يشترط القانون لصحة السندات تحت إذن ذكر تاريخ تحرير السند ويكون بذكر تاريخ اليوم والشهر والسنة الحاصل فيها تحرير السند ولا يشترط في ذلك أن يكون التحرير بالكتابة بل يكفي أن يكون بالأرقام.
وذكر اليوم والشهر والسنة ضروري لصحة التاريخ ولا يكفي في ذلك ذكر السنة أو الشهر فقط ولا يلزم لصحة التاريخ إعطائه تاريخًا ثابتًا أو تسجيله بل يكفي بيانه على السند، ويعتبر هذا البيان كافيًا لإثبات صحته حتى يُقام الدليل على العكس وذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وقرائن الأحوال.
ولا يغني عن ذكر تاريخ السند تحت إذن إجراء أي عمل قضائي آخر يذكر فيه التاريخ كالبروتستو أو إعلان صحيفة الدعوى وكذلك لا يغني عن ذلك ذكر تاريخ الاستحقاق في السند وانعدام تاريخ تحرير السند يترتب عليه بطلانه كسند تحت إذن واعتباره سندًا عاديًا متضمنًا اعترافًا بدين فقط. [(5)]
ولا يصحح عيب إغفال تاريخ تحرير السند إثبات هذا التاريخ في دفاتر التاجر المحرر لصالحه السند أو في المكاتبات التي تدور بينه وبين المدين فيه وكذلك لا يصحح هذا العيب تحويل السند في نفس تاريخ التحرير وذكر تاريخ التحويل أو الإشارة إلى السند في عقد رسمي أو عرفي ذي تاريخ ثابت عمل بين الدائن والمدين في السند. [(6)]
14 - وتقديم تاريخ السند تحت إذن أي ذكر تاريخ للسند مقدم عن تاريخه الحقيقي l’antidate يبطل السند حتى باعتباره سندًا عاديًا إذا كان المقصود من تقديم التاريخ إخفاء عدم أهلية أحد المتعاقدين أو الموقعين على السند.
إنما لا يجوز لعديم الأهلية في هذه الحالة التمسك بالبطلان في مواجهة حامل السند حسن النية إذا كان له شأن في إجراء التقديم لأنه يعتبر في هذه الحالة مدلس وغاش والقانون لا يحمي الغاش أو المدلس.
15 - وتغيير تاريخ تحرير السند لا يترتب عليه أصلاً بطلانه كما هو الحال في إغفال ذكر التاريخ أصالة إذا كان التغيير عمل باتفاق الطرفين - المدين والدائن الأصلي - بشرط ألا يكون الغرض منه إخفاء عيب متعلق بالأهلية وعدمها وبشرط ألا يؤثر على تاريخ الاستحقاق الملحوظ وقت التعاقد. [(7)]
16 - والأصل أن الدفع ببطلان السند لصدوره من غير ذي أهلية يجوز التمسك به ضد حامل السند الحسن النية لتعلقه بالنظام العام وبأحد أركان صحة التعاقد إنما لا يجوز التمسك بمثل هذا الدفع في مواجهة حامل السند إذا بنى الدفع على حصول تغيير في تاريخ السند إذا كان التاريخ الثابت والظاهر في السند يجعل المدين في حالة أهلية للتعامل والتعاقد وكان حامل السند يجهل التغيير الحاصل في التاريخ لإخفاء عيب عدم الأهلية - أي متى كان حسن النية. [(8)]
17 - ولا يعتبر تغيير تاريخ تحرير السند تحت إذن أو تقديمه تزويرًا كما هو الحال في التحاويل.
18 - ويجوز إثبات عدم صحة تاريخ تحرير السند بكافة أوجه الثبوت العادية بغير حاجة للطعن بطريق التزوير.
ثانيًا: ذكر قيمة المبلغ الواجب أداؤه:
19 - يُشترط لصحة السند تحت إذن ذكر قيمة المبلغ الواجب أداؤه ولا يلزم لذلك بيانه بالحروف والأرقام بل يكفي إثباته بالأرقام فقط ولو أن العمل جرى على ذكره بالأرقام والحروف. [(9)]
وإذا وجد خلاف بين مقدار المبلغ المبين بالحروف والمقدار المبين بالأرقام فيؤخذ بالأول دون الثاني. [(10)]
ويجب أن يكون محل التعهد مبلغًا من المال وعلى ذلك فلا يعتبر سندًا تحت إذن تعهد شخص بتوريد مقدار من القطن في وقت معين ولا يصحح من التعهد في هذه الحالة اتفاق الطرفين على التزام المتعهد بدفع مبلغ معين بصفة تعويض في حالة التقصير في الوفاء أو التأخير فيه. [(11)]
ولا يشترط ذكر نوع النقود الواجب دفعها إذ في هذه الحالة يحصل الوفاء من نوع النقود المعمول بها في زمان ومكان محل الدفع.
وإذا اتفق على الوفاء من نقود من نوع آخر خلاف نوع نقود محل الدفع ففي هذه الحالة يتعين النص على نوع النقود الواجب الوفاء بها. [(12)]
20 - ويشترط وحدة المبلغ الواجب دفعه l’unité de la detté أي تعيين مبلغ الدين الواجب دفعه وعدم ذكره مجزءًا فإذا خلا السند من وحدة المبلغ زالت عنه صفة الإذنية وأضحى سندًا عاديًا مثبتًا لاعتراف بدين. [(13)]
ولا يؤثر على وحدة المبلغ ذكر المبلغ الواجب دفعه مع الاتفاق على الفوائد بسعر معين في حالة الاستحقاق إذ يسهل في هذه الحالة احتساب الفوائد الواجب المطالبة بها بعملية حسابية بسيطة ويكون لذلك الإنفاق عليها لم يؤثر على وحدة المبلغ الواجب المطالبة به وتعيينه تعيينًا كافيًا. [(14)]
21 - ويجوز للطرفين الاتفاق على احتساب الفوائد مقدمًا وضمها إلى قيمة الدين المطالب به واتفاقهما في هذه الحالة مشروع ولا يُخالف القانون ولا يؤثر على وحدة المبلغ المطالب به. [(15)]
ثالثًا: تاريخ الاستحقاق:
22 - يشترط لصحة السند تحت إذن ذكر تاريخ الاستحقاق ويجب أن يكون هذا التاريخ معينًا ومحددًا وغير معلق على شرط توقيفي. [(16)]
فإذا علق الاستحقاق على شرط توقيفي ضاعت عن السند صفة الإذنية وأضحى سندًا عاديًا وعلى ذلك يعتبر سندًا عاديًا تعهد شخص بدفع مبلغ من المال لأمر وإذن آخر في حالة وفاة شخص معين أو في حالة قيامه بعمل عهد إليه به أو في حالة رجوعه من سياحة أو في حالة نجاحه في مشروع خاص وهكذا. [(17)]
23 - ويجب أن يكون تاريخ الاستحقاق معينًا تعيينًا نافيًا للجهالة يساعد على انتشار التداول بالسندات تحت إذن بطريق التظهير باعتبارها من أوراق التعامل التجارية ولا يعتبر تاريخ الاستحقاق معينًا تعيينًا كافيًا إذا اتفق في السند تحت إذن على أن للمدين الحق في تجديد السند عند الاستحقاق بدلاً من القيام بالوفاء ودفع قيمته [(18)]، وكذلك إذا ذكر المدين في السند أنه يتعهد بدفع المبلغ في كل مرة إذا ما toutefois et quand لعدم دلالة هذه العبارة على التعيين ولا تؤدي بجلاء إلى التعهد بالدفع عند الاطلاع أو بمجرد تقديم السند.
24 - ويشترط أن يكون تاريخ الاستحقاق واحدًا لا تواريخ متعددة ويترتب على ذلك أنه لا يجوز في السندات تحت إذن الاتفاق على دفع المبلغ مجزءًا أو على أقساط فإذا اتفق فيها على التقسيط انمحت عنها [(19)] لازمة الإذنية وأصبحت سندًا عاديًا، ولا يؤثر على ماهية السند تحت إذن المتضمن على تاريخ معين للسداد قيام المدين في السند بدفع مبلغ الدين بعد تحرير السند على أقساط باتفاق الدائن واستنزال المبلغ المدفوع من تحت الحساب على ظهر السند. [(20)]
25 - ويمكن ذكر التاريخ طبقًا لأي تقويم فيجوز ذكره على اعتبار التاريخ العبري أو الإفرنجي أو القبطي وكل ذلك بشرط أن يوضح بطريقة جلية واضحة لا تقبل الشك ولا التأويل. [(21)]
ويكون ذكر التاريخ معينًا إما بذكر تاريخ معين أو ذكر عبارة الدفع بمجرد الاطلاع على السند أو بعد مرور أيام أو أشهر معينة على الاطلاع على السند أو الدفع في عيد معين.
26 - ولا يشترط لتحديد تاريخ الاستحقاق المتفق على إجرائه في زمن معين ذكر تاريخ اليوم بل يكفي في ذلك ذكر الشهر والسنة المتفق على القيام بالسداد فيها ويكون الاستحقاق في هذه الحالة ممتدًا إلى آخر الشهر المبين في السند، ويصح بروتستو عدم الدفع إذا عمل في أول اليوم من الشهر التالي [(22)] أما إذا عمل قبل ذلك فلا يعتبر ولا يترتب عليه أي أثر قانوني لحصوله قبل تاريخ الاستحقاق.
27 - وإذا وافق حلول ميعاد دفع قيمة السند يوم عيد رسمي فدفعه يكون مستحقًا في اليوم السابق للعيد.
ولا يتعارض ذلك مع نص المادة (162) تجاري أهلي، و(169) تجاري مختلط التي تقول بضرورة إجراء بروتستو عدم الدفع في اليوم التالي لتاريخ الاستحقاق لحفظ حقوق حامل السند التي رتبها له القانون وكل ما هنالك أن السند يكون واجبًا الدفع في اليوم السابق ليوم العيد أو العطلة والبروتستو يعمل في اليوم اللاحق ليوم العيد أو العطلة. [(23)]
28 - واختلف في ميعاد الاستحقاق في السندات تحت إذن المستحقة الدفع بمجرد الاطلاع على السند حيث يقول البعض إنه يندمج في تاريخ تحريرها ويقول البعض الآخر أنه يكون في تاريخ تقديمها والمطالبة بها ونرى التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى: مبدأ تاريخ الاستحقاق في حالة التمسك بسقوط الحق بالمطالبة بقيمة السند المستحق الدفع وقت الاطلاع أو بمجرد الطلب.
الحالة الثانية: مبدأ تاريخ الاستحقاق في حالة المطالبة بقيمة السند وأحقية حامل السند في المطالبة به من عدمه ففي الحالة الأولى يعتبر تاريخ الاستحقاق مندمجًا في تاريخ تحرير السند وتبدأ مدة السقوط من اليوم التالي لهذا التاريخ وهو اليوم الواجب فيه عمل بروتستو عدم الدفع أما في الحالة الثانية فيعتبر تاريخ الاستحقاق من تاريخ تقديم السند للمطالبة بقيمته [(24)]، وهناك حالة أخرى وهي الخاصة بتعيين ميعاد الاستحقاق في هذه السندات ضد التحاويل وما يترتب على ذلك من اعتبار التحاويل ناقلة للملكية من عدمه وسنتكلم عليها بعد شرح التحاويل.
29 - وعبارات مجرد الاطلاع à vue أو عند تقديم السند a présentation ليست لازمة sacramentelles في السندات تحت إذن المستحقة الدفع عند الاطلاع بل يكفي لاعتبار ذلك كل عبارة يُستفاد منها هذه الرغبة كالنص في السند على الدفع بمجرد المطالبة بقيمته أو بمجرد أول مطالبة بقيمته أو على عبارة تحت الطلب وغير ذلك من العبارات التي تؤدي إلى دفع السند بمجرد تقديمه للمدين. [(25)]
30 - وإذا نص في السند على ميعاد دفع القيمة بعد يوم أو أكثر أو شهر أو أكثر من وقت الاطلاع عليه فيعتبر هذا الميعاد من تاريخ تأشير المدين على السند بما يفيد الاطلاع عليه والتوقيع على ذلك من جديد أو من تاريخ بروتستو يعمل للمدين في هذه الحالة. [(26)]
31 - والأصل كما تقدم أن تاريخ الاستحقاق يكون طبقًا للقوانين المعمول بها في البلد المستحق دفع المبلغ فيه وطبقًا للتقويم المعمول به هناك إلا إذا اتفق على عكس ذلك. [(27)]
32 - وعدم ذكر تاريخ الاستحقاق ولو أنه يترتب عليه اعتبار الدين حالاً وواجب الأداء وأحقية حامل السند في المطالبة بقيمته بمجرد تقديمه ثم استصدار حكم به في حالة التقصير في الوفاء إلا أنه يعيب السند ويترتب على ذلك اعتباره كسند دين عادي لفقدانه بيان من البيانات الجوهرية التي ألزمها القانون لصحة السند تحت إذن من حيث الشكل. [(28)]
رابعًا: ذكر اسم المستفيد من السند:
33 - يُشترط لصحة السند تحت إذن ذكر اسم المستفيد من السند أي الدائن الأصلي فيه أو الإشارة إلى أن الدفع يكون لحامله.
والمستفيد إما أن يكون شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا، وذكر الشخص الاعتباري يكفي لتعيين اسم المستفيد من السند.
وعدم ذكر اسم المستفيد في السند تحت إذن يترتب عليه بطلان السند واعتباره كسند عادي ولا يرد على ذلك أن الإغفال عن ذكر الاسم معناه أن يكون السند لحامله.
خامسًا: ذكر عبارة لأمر وإذن:
34 - عبارة لأمر وإذن لازمة لصحة السندات تحت إذن ويترتب على إغفالها وجود عيب جهري في السند واعتباره كسند عادي كما تقدم وعلى ذلك فيعتبر سندًا عاديًا السند الذي ثبت به أن الدفع يكون لشخص يعين بالذات[(29)].
محمد علي راتب
مفتش لجنة المراقبة القضائية
[(1)] استئناف مختلط في 23 ديسمبر 1912 الجازيت 3 صـ 1364، و19 يناير 916 الجازيت 6 صـ 73 - 228.
[(2)] استئناف مختلط في 31 يناير 934 المجموعة 46 صـ 146.
[(3)] استئناف مختلط في 1 فبراير سنة 910 المجموعة 22 صـ 142.
[(4)] مصر تجاري جزئي أهلي في 3 أكتوبر سنة 940 في القضية رقم (2282) سنة 94 المرفوعة من صمويل كوهين ضد حافظ وعثمان مصطفى ولم ينشر بعد.
[(5)] ليون كان ورينو جزء 4 صـ 343 نبذة (بواسيل 725)، وبيرسيل صـ 33، وبيداريد جزء 1 صـ 6 وفوجويه جزء 4 نبذة 1234.
[(6)] يراجع عكس ذلك حكم منم في 5 يوليه 1819 سيريه 1819 ويقول بأن إغفال ذكر التاريخ لا يعيب السند تحت إذن إذا كانت ظروف تحرير السند لا يترتب عليها تغيير في الحق الثابت في السند وهذا الحكم مرجوح وغير معمول به.
[(7)] استئناف مختلط في 28 نوفمبر 1928 المجموعة 40 صـ49.
[(8)] استئناف مختلط في 21 ديسمبر 904 المجموعة 17 صـ 42.
[(9)] بيرسيل 231 بارديسيه 334 وليون كان جزء 4 نبذة 80 دالوز 2 جزء 4 نبذة 1235.
[(10)] بيرسيل 331 وفوجيه جزء 1 نبذة 122 وليون كان جزء 4 صـ60.
[(11)] استئناف مختلط في 4 يناير سنة 905 المجموعة 17 صـ 55 في 18 يناير سنة 1905 المجموعة 18 صـ 9.
[(12)] دالوز جزء 4 نبذة 1235 وفوجيه جزء 1 نبذة 127.
[(13)] استئناف مختلط في 27 مارس 1889 المجموعة السنة الأولى صـ 113 و14 نوفمبر سنة 1889 المجموعة السنة الأولى صـ 320 و4 ديسمبر سنة 1939 المجموعة 42 صـ 67 و18 نوفمبر سنة 912 المجموعة 25 صـ 28.
[(14)] النقض الفرنسي في 5 فبراير سنة 1868 دالوز 68 جزء 1 صـ 386.
[(15)] حكم محكمة بورج في 27 يناير سنة 1857 دالوز 57 جزء 2 صـ 68.
[(16)] استئناف مختلط في 4 يناير سنة 1905 المجموعة 17 صـ 55 و4 ديسمبر سنة 1929 المجموعة 42 صـ 67.
[(17)] ريوم أول يونيه سنة 1846 دالوز 47 جزء 2 صـ 47.
[(18)] باريس في 2 فبراير سنة 1830 سيريه 1830.
[(19)] استئناف مختلط في 18 ديسمبر سنة 929 المجموعة 42 صـ 111 و4 ديسمبر سنة 929 المجموعة 42 صـ 67، ومصر جزئي أهلي تجاري في 18 إبريل 940 المحاماة.
[(20)] استئناف مختلط في 7 نوفمبر سنة 934 المجموعة 47 صـ10.
[(21)] إسكندرية جزئي مختلط في 30 نوفمبر سنة 1916 الجازيت 7 صـ 150052.
[(22)] استئناف مختلط في 29 إبريل 924 الجازيت 14 صحائف 231 - 327.
[(23)] استئناف مختلط في 22 مارس 1887 r. o. xxi 814.
[(24)] استئناف مختلط دوائر مجتمعة في 22 يناير سنة 1930 المجموعة 42 صـ 206 و30 يناير سنة 1935 المجموعة 27 صـ 137.
[(25)] بيزانسون في 8 ديسمبر 1897 دالوز 1899 جزء 2 صـ 421.
[(26)] باريس في 10 يناير 1893 الباندكت 93 جزء 2 صـ 124.
[(27)] ليون كان ورينو جزء 4 نبذة 655 وبراتيل نبذة 723.
[(28)] ليون كان ورينو تجاري جزء 4 صـ 422، واستئناف مختلط في 3 يناير 935 المجموعة 47 صـ 87.
[(29)] بارديسة pardesuss جزء 2 نبذة 339 وتوجيه جزء 2 نبذة 195 وليون كان ورينو جزء 4 نبذة 27 وبرافاررديجا نحياه جزء 3 صـ 71.
بحث في المراقبة الخاصة
مجلة المحاماة - العدد الثاني
السنة السابعة عشرة - سبتمبر سنة 1936
بحث في المراقبة الخاصة
نصت المادة التاسعة من قانون المتشردين والمشتبه فيهم الصادر في 29 يونيه 1923 على أنه (إذا حدث بعد إنذار البوليس أن حكم مرة أخرى بالإدانة على الشخص المشتبه فيه أو قدم ضده بلاغ جديد على ارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين أولاً وثانيًا من المادة الثانية أو عن شروعه في ارتكاب إحدى تلك الجرائم أو إذا وجد مرة أخرى في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة رابعًا من تلك المادة أو إذا كان لدى البوليس من الأسباب الجدية ما يؤيد ظنونه عن أميال المشتبه فيه وأعماله الجنائية يطلب تطبيق المراقبة الخاصة عليه طبقًا لأحكام الباب الثالث).
جرى قضاء محكمة النقض المصرية على أن المراقبة الخاصة المقصودة بهذه المادة هي المراقبة التي يحدد مكانها وزير الداخلية وأصدرت بهذا المعنى أحكامًا في 21 نوفمبر 1929 و26 ديسمبر 1932، و30 مارس 1936 [(1)] وفي الحكم الأخير استعرضت نواحي الموضوع وتناولته بالبحث حتى خرجت إلى تلك النتيجة وهى تقول في سياق الحكم (من حيث إن عبارة (المراقبة الخاصة) الواردة في المادة التاسعة من قانون المتشردين والمشتبه فيهم قد أثارت كثيرًا من اللبس فيما يتعلق بمدلولها وذلك لانفراد المادة التاسعة بذكرها دون سائر مواد ذلك القانون ولما يشوبها من غموض لم يساعد على جلاء الباب الثالث من القانون الذي أحالت عليه المادة التاسعة في ختامها بما قد يفيد أن ذلك الباب قد تكفل بتوضيح معنى المراقبة الخاصة وتحديد مدلولها على حين أن أحكام هذا الباب جاءت خلوًا من كل ما يمكن أن يساعد على جلاء غامضة لكن محكمة النقض قد استقر رأيها على تفسير هذه العبارات بأنها يراد بها ما أرادته المادة السادسة من القانون في فقرتها الرابعة أي المراقبة التي يوضع فيها الشخص المراقب في جهة يعينها وزير الداخلية ويكون الغرض من وصف هذه المراقبة بكلمة الخاصة هو تمييزها عن المراقبة العادية التي يترك فيها للمحكوم عليه اختيار الجهة التي ينوي الإقامة فيها مدة المراقبة)، ثم استطردت إلى القول بأن المراقبة مفروضة في هذه المادة كعقوبة أصلية أسوةً بالحالة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة السادسة بالنسبة للمتشردين وذكرت (أنه لوحظ أن المشرع المصري في جميع أدوار تشريعاته المختلفة الخاصة بالمتشردين والمشتبه فيهم كان كلما اختار أن يقضي بالمراقبة كعقوبة أصلية تخير لذلك المراقبة التي يقضيها المحكوم عليه في جهة تعينها له الحكومة وأنه لم ينص مطلقًا على المراقبة العادية كعقوبة أصلية) تراجع الفقرة الثانية من المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 13 يوليه سنة 1891 المعدل بالأمر العالي الصادر في 13 فبراير سنة 1894 وكذا الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من الأمر المذكور تعين القول بأن المراقبة المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم (24) سنة 1923 كعقوبة أصلية لا يمكن أن تكون إلا من نوع المراقبة التي تختار الحكومة فيها للمحكوم عليه جهة خاصة يقضي فيها هذه المراقبة ومن أجل ذلك عبر عنها القانون في المادة المذكورة بالمراقبة الخاصة وأن الشك الذي قام حول المعنى المراد بهذه العبارة إنما كان منشأه أن القانون اختار للتعبير عن هذا المعنى بعينه في نصوص أخرى منه عبارات أوضح دلالة من العبارة التي تخيرها في المادة التاسعة.
وأضافت محكمة النقض إلى الحجتين السابقتين حجة ثالثة حيث قالت:
(ومن حيث إن لاختيار المراقبة الخاصة كعقوبة أصلية دون المراقبة العادية حكمة ظاهرة لأنها تؤدي غرضين في آنٍ واحد ففيها معنى اعتقال الشخص وإبعاد عن مسكنه وذويه وهو المعنى المستفاد من الحبس كما أن فيها معنى وضع المحكوم عليه تحت ملاحظة البوليس ففي الحكم بالمراقبة الخاصة الغناء عن الحكم بالحبس كعقوبة أصلية ثم الحكم بالمراقبة كعقوبة تكميلية لذلك كان من المعقول أن يقضي بها باعتبارها عقوبة أصلية أما المراقبة العادية فلا غناء فيها عن العقوبة الأصلية).
وقد أثار هذا الموضوع الجدل الكبير بين المحاكم حتى أن بعضها رفض الأحد برأي محكمة النقض في حكميها الصادرين قبل الحكم الأخير وذلك رغم منشور من لجنة المراقبة القضائية بلفت نظر المحاكم إلى ضرورة العمل برأي محكمة النقض وليس من شك في أن الموضوع غامض ويثير كثيرًا من الشبهات وجدير بأن يطرح المشتغلون بالقضاء آراءهم لتمحصها محكمة النقض ولكي يسترشدوا بوفير حكمتها وعظيم خبرتها - وما حدا بي للكتابة في هذا الموضوع إلا رغبة ملحقة في الوصول إلى الحقيقة وإن كنت أعلم أن الحقيقة القانونية ليست كالحسابية قابلة للتحديد النافي لكل تجهيل.
فأما عن التفسير اللفظي لعبارة (الخاصة) التي حددت بها المراقبة فأميل إلى القول بأنه قصد بها المراقبة التي هي من نوع خاص لأنها ليست عقوبة تبعية كعهد الشارع بها وإنما هي عقوبة أصلية والشارع في قانون العقوبات الصادر سنة 1904 لا يعرف المراقبة إلا كعقوبة تبعية وقد نصت المادة (28) من قانون العقوبات على الحالات التي يجب فيها وضع المحكوم عليه تحت المراقبة بعد قضائه العقوبة الأصلية التي حكم عليه بها كما نصت المادة (24) في الفقرة الثالثة منها على اعتبار مراقبة البوليس من العقوبات التبعية أي العقوبات التي لا يحكم بها مستقلة وإنما يحكم بها تبعًا لعقوبة أصلية ترتبط بها.
فلمت جاء المشروع سنة 1923 وجمع شتات القوانين واللوائح المعمول بها خاصةً بالمتشردين والمشتبه فيهم وكانت موزعة قبل ذلك في الأمر العالي الصادر في 13 يوليه سنة 1891، و13 فبراير سنة 1894، و29 يونيه سنة 1900 والقوانين نمرة (15)، ونمرة (16)، ونمرة (17) لسنة 1909 أدمج هذه الأحكام الواردة في تلك القوانين ونظمها وجعلها متفقة نوعًا مع روح التشريع حينذاك وخرج منها بالقانون نمرة (24)، واستبقى من بين أحكام هذا القانون عقوبة المراقبة كعقوبة أصلية ينص عليها في بعض الحالات وبديهي أنها وإن سميت مراقبة إلا أنها مخالفة تمام المخالفة للمراقبة التي يعرفها القانون العام تلك المراقبة التي يجب أن تكون تبعية وهذا هو المعنى حسب اعتقادي الذي قصده الشارع.
ولو أن الشارع قصد بالمراقبة الخاصة المراقبة التي يحدد مكانها وزير الداخلية لنص على ذلك صراحةً كما سبق أن نص عليه في الفقرة الرابعة من المادة السادسة وهى سابقة للمادة التاسعة وليس من سبب يدعوه إلى التصريح بها أو بحكمها في المادة السادسة ثم هو بعد ذلك في المادة التاسعة يتركها مجهلة كما أنه ليس من سبب يدعو إلى هذا التفسير الذي لا يحتمه اللفظ من جهة ولا يتفق مع بقية نصوص القانون من جهة أخرى ولا مع سوابقه التشريعية وهذا ما يتعين معه بحث الحجة التاريخية التي لجأت إليها محكمة النقض لتعزيز رأيها فإذا رجعنا إلى الأمر العالي الصادر لسنة 1891 وجدنا أنه يتكلم في الباب الأول منه عن المتشردين، وينص في المادة الثانية على عقوبة التشرد بالحبسي من 15 يومًا إلى 45 يومًا عقب الإنذار ويضيف إلى ذلك ملاحظة البوليس لمدة قدرها من ستة شهور إلى سنة واحدة ويسوغ للقاضي أن يستبدل هاتين العقوبتين بالإبعاد في جهة تعينها الحكومة داخل القطر لمدة سنة واحدة هذا فيما يختص بالمتشردين أما الباب الثاني من الأمر العالي المذكور فيتكلم عن الأشخاص المشتبه في أحوالهم ويحيل العقوبة التي توقع عليهم إلى العقوبة التي توقع على المتشردين في بعض الحالات ويتكلم في الباب الثالث عن تنظيم أمر ملاحظة البوليس فيما يختص بالمحكوم عليهم بها وبجهة البوليس التي تباشرها.
وقد أضاف الشارع بالأمر العالي الصادر سنة 1894 حكمًا خاصًا بالأشخاص المشتبه فيهم الذين مع كونهم أقوياء البنية لا يمارسون في العادي حرفة مقررة ثم في 29 يونيه سنة 1900 أصدر دكريتو بتعديل بعض مواد من قانون العقوبات خاصةً بملاحظة البوليس وذكر في ديباجة الدكريتو أن الغرض منه تجديد مدة الملاحظة وحصر الأحوال التي يحكم فيها بهذا العقاب في دائرة لا تتعدى الحدود اللازمة رعايةً للصالح العام وفي نفس هذا الدكريتو عدل الطريقة المتبعة في ملاحظة البوليس وذلك (لضرورة تعديل طريقة هذه الملاحظة يجعل أحكامها قاصرة على ما لا يقيد حرية الإنسان إلا فيما يكون لازمًا حتمًا وكافلاً للأمن العام وفي هذا السبيل ألغي عدة مواد من الأمر الصادر في 13 يوليه سنة 1891 وهى المواد من (9) إلى (16)).
وفي سنة 1909 صدر القانون نمرة (15) الخاص بوضع بعض الأشخاص تحت ملاحظة البوليس وأنشئت لجنة خاصة للفصل في الأشخاص الذين اشتهر عنهم الاعتياد على الاعتداء على النفس والمال فذكر في المادة الأولى أنه يجوز وضعهم تحت مراقبة البوليس وحددت الملاحظة بالمادة السادسة يجعلها في محل إقامة المتهم ثم نظمت إجراءات خاصة لضمان شخص يجوز أن يقدمه المتهم لضمان حسن سيره مستقبلاً ونص في المادة الحادية عشرة على أنه إذا عجز المحكوم عليه عن تقديم الضمان أو قدم ضمانًا لم يقبل أو قبل ثم أخلى من الضمان ولم يستبدل في الميعاد المحدد في المادة التاسعة فيحدد له محل إقامة في جهة من القطر يعينها وزير الداخلية لتمضية مدة الملاحظة فيها - كذلك نص في المادة الثانية عشرة على أنه إذا حكم على الشخص الموضوع تحت المراقبة لارتكابه جناية ما أو جنحة سرقة أو شروع في سرقة إلخ يعين له بعد انتهاء مدة العقوبة محل إقامته بالجهة بادية الذكر، وفي القانون نمرة (16) عدلت بعض مواد الأمر العالي الصادر سنة 1900 كما أنه في قانون نمرة (17) نظمت أحكام المتشردين في ثلاث مواد وألغيت الأوامر الصادرة في سنة 1891 وسنة 1894 وسنة 1906 وقد ورد في المادة الثالثة من هذا القانون بأنه في حالة العود للتشرد يجوز للجنة أن تصدر قرارًا بتمضية المحكوم عليه مدة الملاحظة في جهة معينة طبقًا للمادة (11) من قانون سنة 1909.
نخرج من هذا الاستعراض التاريخي إلى أنه في جميع الحالات وحينما أراد الشارع النص على أن تكون المراقبة في جهة خاصة ذكر ذلك صراحةً بل إنه في بعض الأحيان عبر عنها بلفظة الأبعاد كما سبق بيانه ولم يستبقِ حكم هذه المراقبة إلا للمتشردين العائدين أما بخصوص المشبوهين فلم يستبقها إلا في حالة الضمان الشخصي كما سبق بيانه، وفي حالة أخرى هي خليط من المراقبة التبعية والمراقبة الأصلية وهى الحالة المنصوص عنها في المادة الثانية عشرة من القانون نمرة (5) لسنة 1909 إذا حكم على الشخص الموضوع تحت المراقبة أصلاً أو لارتكابه جناية أو جنحة خاصة نص عليها في تلك المادة فقد ذكر أنه بعد انتهاء مدة العقوبة يعين له محل إقامة في جهة يعينها وزير الداخلية وتقرر له اللجنة مدة الملاحظة فيها.
جاء بعد ذلك الشارع في القانون رقم (24) لسنة 1923 فأراد أن يضمنه جميع الأحكام الخاصة بالمتشردين والأشخاص المشتبه فيهم فحدد حالات التشرد وحالات الاشتباه ونظم الإجراءات التي تتخذ في حق المتشردين أو المشتبه في أمرهم واستلزم الإنذار في الحالتين ثم تكلم على مراقبة البوليس واستبقى في العقوبة الخاصة بالمتشردين عقوبة المراقبة في جهة خاصة، وفيما يختص بالمشبوهين ألغى حالة الضمان الشخصي فسقطت تبعًا لذلك عقوبة إبعاد المشتبه فيهم إلى مكان خاص ولم يحدد للمشتبه فيهم إلا عقوبة المراقبة بدون ذكر مكانها.
فمن العسير بعد ذلك القول بأن الشارع يقصد بصفة عامة أن تكون المراقبة في مكان يحدده وزير الداخلية هذا الشارع الذي حرص في جميع الحالات على النص صراحةً على هذا الحكم عند وجود مقتضياته والذي اتجه في سنة 1891 إلى (أن يجعل تقييد حرية الإنسان قاصرًا على ما يكون لازمًا حتمًا وكافلاً للأمن العام)، فلا يمكن بعد ذلك أن يقال إنه قصد عقوبة خاصة لم ينص عليها صراحةً وإذن فالشارع لا يقضي بالمراقبة كعقوبة أصلية في الجهة التي تعينها الحكومة للمحكوم عليه فقط بل قد تكون المراقبة كما في الحالة المنوه عنها آنفًا - حالة المادة (12) قانون نمرة (15) سنة 1909 - عقوبة تبعية ومع ذلك تكون في المكان الذي تحدده الحكومة وإذا أرادت محكمة النقض أن ندلها على حالة تكون فيها المراقبة عقوبة أصلية ولكن لا يحدد مكانها وزير الداخلية فهذه الحالة هي المنصوص عنها في المادتين الأولى والسادسة من قانون رقم (15) سنة 1909 إذ ذكر أنه إذا ثبت للجنة أن المتهم من ضمن الأشخاص الذين اشتهر عنهم الاعتداء على النفس أو المال تقرر بوضعه تحت الملاحظة لمدة خمس سنوات في محل إقامته لا في المكان الذي يحدده وزير الداخلية ولهذا تسقط الحجة التاريخية التي اعتمدتها محكمة النقض.
وهل أدل على نية الشارع واتجاهه هذا من أنه في المادة الرابعة عشرة من قانون رقم (24) سنة 1923 ذكر بأن المحكوم عليه تحت مراقبة البوليس باعتبار مشتبهًا فيه أو متشردًا يجب أن يتقدم في ظرف 24 ساعة لمكتب البوليس ليحدد مكان إقامته فلو كان جميع الأشخاص المشتبه في أمرهم يراقبون في مكان خاص لما كانت هناك فائدة من هذا النص ولذلك نرى محكمة النقض تواجه هذه الحجة بالاعتراض عليها بأنها تشمل أيضًا حالة المتشردين العائدين قائلة في هذا الصدد (إنه لو أخذ بعموم نص المادة لوجب أن يترك لجميع من يحكم عليهم بالمراقبة للتشرد حق اختيار الجهة التي ينوون اتخاذها محلاً لإقامتهم وهو أمر ظاهر بطلانه) وبديهي أن القياس بين حالة المتشردين وحالة المشتبه فيهم قياس مع الفارق لأن حالة المتشردين العائدين منصوص عنها في صلب القانون فليس من سبيل إلى تشبيهها بحالة المشبوهين، ومتى كان الحق ممنوحًا للمشبوهين لتحديد محل مراقبتهم فيجب ألا يحرموا منه إلا بنص صريح خاص كما هو شأن المتشردين وكما كان دأب الشارع في التنويه به في جميع أدوار التشريعات التي صدرت بهذا الخصوص.
وهذا ما يجعلنا نعتقد بضرورة تدخل المشرع عاجلاً للحسم في هذا النزاع بنصوص جلية صريحة لا يحوطها اللبس والغموض وإلى أن يأتي ذلك الوقت فعسى أن تعدل محكمة النقض عن رأيها تحت ضوء الحجج التاريخية التي سقناها فيما سلف به القول وقد سبق أن غيرت قضاءها في مسائل هامة لا تخفي على المشتغلين بالقضاء.
محمد مختار عبد الله
وكيل نيابة الإسكندرية الكلية الأهلية
السنة السابعة عشرة - سبتمبر سنة 1936
بحث في المراقبة الخاصة
نصت المادة التاسعة من قانون المتشردين والمشتبه فيهم الصادر في 29 يونيه 1923 على أنه (إذا حدث بعد إنذار البوليس أن حكم مرة أخرى بالإدانة على الشخص المشتبه فيه أو قدم ضده بلاغ جديد على ارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين أولاً وثانيًا من المادة الثانية أو عن شروعه في ارتكاب إحدى تلك الجرائم أو إذا وجد مرة أخرى في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة رابعًا من تلك المادة أو إذا كان لدى البوليس من الأسباب الجدية ما يؤيد ظنونه عن أميال المشتبه فيه وأعماله الجنائية يطلب تطبيق المراقبة الخاصة عليه طبقًا لأحكام الباب الثالث).
جرى قضاء محكمة النقض المصرية على أن المراقبة الخاصة المقصودة بهذه المادة هي المراقبة التي يحدد مكانها وزير الداخلية وأصدرت بهذا المعنى أحكامًا في 21 نوفمبر 1929 و26 ديسمبر 1932، و30 مارس 1936 [(1)] وفي الحكم الأخير استعرضت نواحي الموضوع وتناولته بالبحث حتى خرجت إلى تلك النتيجة وهى تقول في سياق الحكم (من حيث إن عبارة (المراقبة الخاصة) الواردة في المادة التاسعة من قانون المتشردين والمشتبه فيهم قد أثارت كثيرًا من اللبس فيما يتعلق بمدلولها وذلك لانفراد المادة التاسعة بذكرها دون سائر مواد ذلك القانون ولما يشوبها من غموض لم يساعد على جلاء الباب الثالث من القانون الذي أحالت عليه المادة التاسعة في ختامها بما قد يفيد أن ذلك الباب قد تكفل بتوضيح معنى المراقبة الخاصة وتحديد مدلولها على حين أن أحكام هذا الباب جاءت خلوًا من كل ما يمكن أن يساعد على جلاء غامضة لكن محكمة النقض قد استقر رأيها على تفسير هذه العبارات بأنها يراد بها ما أرادته المادة السادسة من القانون في فقرتها الرابعة أي المراقبة التي يوضع فيها الشخص المراقب في جهة يعينها وزير الداخلية ويكون الغرض من وصف هذه المراقبة بكلمة الخاصة هو تمييزها عن المراقبة العادية التي يترك فيها للمحكوم عليه اختيار الجهة التي ينوي الإقامة فيها مدة المراقبة)، ثم استطردت إلى القول بأن المراقبة مفروضة في هذه المادة كعقوبة أصلية أسوةً بالحالة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة السادسة بالنسبة للمتشردين وذكرت (أنه لوحظ أن المشرع المصري في جميع أدوار تشريعاته المختلفة الخاصة بالمتشردين والمشتبه فيهم كان كلما اختار أن يقضي بالمراقبة كعقوبة أصلية تخير لذلك المراقبة التي يقضيها المحكوم عليه في جهة تعينها له الحكومة وأنه لم ينص مطلقًا على المراقبة العادية كعقوبة أصلية) تراجع الفقرة الثانية من المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 13 يوليه سنة 1891 المعدل بالأمر العالي الصادر في 13 فبراير سنة 1894 وكذا الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من الأمر المذكور تعين القول بأن المراقبة المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم (24) سنة 1923 كعقوبة أصلية لا يمكن أن تكون إلا من نوع المراقبة التي تختار الحكومة فيها للمحكوم عليه جهة خاصة يقضي فيها هذه المراقبة ومن أجل ذلك عبر عنها القانون في المادة المذكورة بالمراقبة الخاصة وأن الشك الذي قام حول المعنى المراد بهذه العبارة إنما كان منشأه أن القانون اختار للتعبير عن هذا المعنى بعينه في نصوص أخرى منه عبارات أوضح دلالة من العبارة التي تخيرها في المادة التاسعة.
وأضافت محكمة النقض إلى الحجتين السابقتين حجة ثالثة حيث قالت:
(ومن حيث إن لاختيار المراقبة الخاصة كعقوبة أصلية دون المراقبة العادية حكمة ظاهرة لأنها تؤدي غرضين في آنٍ واحد ففيها معنى اعتقال الشخص وإبعاد عن مسكنه وذويه وهو المعنى المستفاد من الحبس كما أن فيها معنى وضع المحكوم عليه تحت ملاحظة البوليس ففي الحكم بالمراقبة الخاصة الغناء عن الحكم بالحبس كعقوبة أصلية ثم الحكم بالمراقبة كعقوبة تكميلية لذلك كان من المعقول أن يقضي بها باعتبارها عقوبة أصلية أما المراقبة العادية فلا غناء فيها عن العقوبة الأصلية).
وقد أثار هذا الموضوع الجدل الكبير بين المحاكم حتى أن بعضها رفض الأحد برأي محكمة النقض في حكميها الصادرين قبل الحكم الأخير وذلك رغم منشور من لجنة المراقبة القضائية بلفت نظر المحاكم إلى ضرورة العمل برأي محكمة النقض وليس من شك في أن الموضوع غامض ويثير كثيرًا من الشبهات وجدير بأن يطرح المشتغلون بالقضاء آراءهم لتمحصها محكمة النقض ولكي يسترشدوا بوفير حكمتها وعظيم خبرتها - وما حدا بي للكتابة في هذا الموضوع إلا رغبة ملحقة في الوصول إلى الحقيقة وإن كنت أعلم أن الحقيقة القانونية ليست كالحسابية قابلة للتحديد النافي لكل تجهيل.
فأما عن التفسير اللفظي لعبارة (الخاصة) التي حددت بها المراقبة فأميل إلى القول بأنه قصد بها المراقبة التي هي من نوع خاص لأنها ليست عقوبة تبعية كعهد الشارع بها وإنما هي عقوبة أصلية والشارع في قانون العقوبات الصادر سنة 1904 لا يعرف المراقبة إلا كعقوبة تبعية وقد نصت المادة (28) من قانون العقوبات على الحالات التي يجب فيها وضع المحكوم عليه تحت المراقبة بعد قضائه العقوبة الأصلية التي حكم عليه بها كما نصت المادة (24) في الفقرة الثالثة منها على اعتبار مراقبة البوليس من العقوبات التبعية أي العقوبات التي لا يحكم بها مستقلة وإنما يحكم بها تبعًا لعقوبة أصلية ترتبط بها.
فلمت جاء المشروع سنة 1923 وجمع شتات القوانين واللوائح المعمول بها خاصةً بالمتشردين والمشتبه فيهم وكانت موزعة قبل ذلك في الأمر العالي الصادر في 13 يوليه سنة 1891، و13 فبراير سنة 1894، و29 يونيه سنة 1900 والقوانين نمرة (15)، ونمرة (16)، ونمرة (17) لسنة 1909 أدمج هذه الأحكام الواردة في تلك القوانين ونظمها وجعلها متفقة نوعًا مع روح التشريع حينذاك وخرج منها بالقانون نمرة (24)، واستبقى من بين أحكام هذا القانون عقوبة المراقبة كعقوبة أصلية ينص عليها في بعض الحالات وبديهي أنها وإن سميت مراقبة إلا أنها مخالفة تمام المخالفة للمراقبة التي يعرفها القانون العام تلك المراقبة التي يجب أن تكون تبعية وهذا هو المعنى حسب اعتقادي الذي قصده الشارع.
ولو أن الشارع قصد بالمراقبة الخاصة المراقبة التي يحدد مكانها وزير الداخلية لنص على ذلك صراحةً كما سبق أن نص عليه في الفقرة الرابعة من المادة السادسة وهى سابقة للمادة التاسعة وليس من سبب يدعوه إلى التصريح بها أو بحكمها في المادة السادسة ثم هو بعد ذلك في المادة التاسعة يتركها مجهلة كما أنه ليس من سبب يدعو إلى هذا التفسير الذي لا يحتمه اللفظ من جهة ولا يتفق مع بقية نصوص القانون من جهة أخرى ولا مع سوابقه التشريعية وهذا ما يتعين معه بحث الحجة التاريخية التي لجأت إليها محكمة النقض لتعزيز رأيها فإذا رجعنا إلى الأمر العالي الصادر لسنة 1891 وجدنا أنه يتكلم في الباب الأول منه عن المتشردين، وينص في المادة الثانية على عقوبة التشرد بالحبسي من 15 يومًا إلى 45 يومًا عقب الإنذار ويضيف إلى ذلك ملاحظة البوليس لمدة قدرها من ستة شهور إلى سنة واحدة ويسوغ للقاضي أن يستبدل هاتين العقوبتين بالإبعاد في جهة تعينها الحكومة داخل القطر لمدة سنة واحدة هذا فيما يختص بالمتشردين أما الباب الثاني من الأمر العالي المذكور فيتكلم عن الأشخاص المشتبه في أحوالهم ويحيل العقوبة التي توقع عليهم إلى العقوبة التي توقع على المتشردين في بعض الحالات ويتكلم في الباب الثالث عن تنظيم أمر ملاحظة البوليس فيما يختص بالمحكوم عليهم بها وبجهة البوليس التي تباشرها.
وقد أضاف الشارع بالأمر العالي الصادر سنة 1894 حكمًا خاصًا بالأشخاص المشتبه فيهم الذين مع كونهم أقوياء البنية لا يمارسون في العادي حرفة مقررة ثم في 29 يونيه سنة 1900 أصدر دكريتو بتعديل بعض مواد من قانون العقوبات خاصةً بملاحظة البوليس وذكر في ديباجة الدكريتو أن الغرض منه تجديد مدة الملاحظة وحصر الأحوال التي يحكم فيها بهذا العقاب في دائرة لا تتعدى الحدود اللازمة رعايةً للصالح العام وفي نفس هذا الدكريتو عدل الطريقة المتبعة في ملاحظة البوليس وذلك (لضرورة تعديل طريقة هذه الملاحظة يجعل أحكامها قاصرة على ما لا يقيد حرية الإنسان إلا فيما يكون لازمًا حتمًا وكافلاً للأمن العام وفي هذا السبيل ألغي عدة مواد من الأمر الصادر في 13 يوليه سنة 1891 وهى المواد من (9) إلى (16)).
وفي سنة 1909 صدر القانون نمرة (15) الخاص بوضع بعض الأشخاص تحت ملاحظة البوليس وأنشئت لجنة خاصة للفصل في الأشخاص الذين اشتهر عنهم الاعتياد على الاعتداء على النفس والمال فذكر في المادة الأولى أنه يجوز وضعهم تحت مراقبة البوليس وحددت الملاحظة بالمادة السادسة يجعلها في محل إقامة المتهم ثم نظمت إجراءات خاصة لضمان شخص يجوز أن يقدمه المتهم لضمان حسن سيره مستقبلاً ونص في المادة الحادية عشرة على أنه إذا عجز المحكوم عليه عن تقديم الضمان أو قدم ضمانًا لم يقبل أو قبل ثم أخلى من الضمان ولم يستبدل في الميعاد المحدد في المادة التاسعة فيحدد له محل إقامة في جهة من القطر يعينها وزير الداخلية لتمضية مدة الملاحظة فيها - كذلك نص في المادة الثانية عشرة على أنه إذا حكم على الشخص الموضوع تحت المراقبة لارتكابه جناية ما أو جنحة سرقة أو شروع في سرقة إلخ يعين له بعد انتهاء مدة العقوبة محل إقامته بالجهة بادية الذكر، وفي القانون نمرة (16) عدلت بعض مواد الأمر العالي الصادر سنة 1900 كما أنه في قانون نمرة (17) نظمت أحكام المتشردين في ثلاث مواد وألغيت الأوامر الصادرة في سنة 1891 وسنة 1894 وسنة 1906 وقد ورد في المادة الثالثة من هذا القانون بأنه في حالة العود للتشرد يجوز للجنة أن تصدر قرارًا بتمضية المحكوم عليه مدة الملاحظة في جهة معينة طبقًا للمادة (11) من قانون سنة 1909.
نخرج من هذا الاستعراض التاريخي إلى أنه في جميع الحالات وحينما أراد الشارع النص على أن تكون المراقبة في جهة خاصة ذكر ذلك صراحةً بل إنه في بعض الأحيان عبر عنها بلفظة الأبعاد كما سبق بيانه ولم يستبقِ حكم هذه المراقبة إلا للمتشردين العائدين أما بخصوص المشبوهين فلم يستبقها إلا في حالة الضمان الشخصي كما سبق بيانه، وفي حالة أخرى هي خليط من المراقبة التبعية والمراقبة الأصلية وهى الحالة المنصوص عنها في المادة الثانية عشرة من القانون نمرة (5) لسنة 1909 إذا حكم على الشخص الموضوع تحت المراقبة أصلاً أو لارتكابه جناية أو جنحة خاصة نص عليها في تلك المادة فقد ذكر أنه بعد انتهاء مدة العقوبة يعين له محل إقامة في جهة يعينها وزير الداخلية وتقرر له اللجنة مدة الملاحظة فيها.
جاء بعد ذلك الشارع في القانون رقم (24) لسنة 1923 فأراد أن يضمنه جميع الأحكام الخاصة بالمتشردين والأشخاص المشتبه فيهم فحدد حالات التشرد وحالات الاشتباه ونظم الإجراءات التي تتخذ في حق المتشردين أو المشتبه في أمرهم واستلزم الإنذار في الحالتين ثم تكلم على مراقبة البوليس واستبقى في العقوبة الخاصة بالمتشردين عقوبة المراقبة في جهة خاصة، وفيما يختص بالمشبوهين ألغى حالة الضمان الشخصي فسقطت تبعًا لذلك عقوبة إبعاد المشتبه فيهم إلى مكان خاص ولم يحدد للمشتبه فيهم إلا عقوبة المراقبة بدون ذكر مكانها.
فمن العسير بعد ذلك القول بأن الشارع يقصد بصفة عامة أن تكون المراقبة في مكان يحدده وزير الداخلية هذا الشارع الذي حرص في جميع الحالات على النص صراحةً على هذا الحكم عند وجود مقتضياته والذي اتجه في سنة 1891 إلى (أن يجعل تقييد حرية الإنسان قاصرًا على ما يكون لازمًا حتمًا وكافلاً للأمن العام)، فلا يمكن بعد ذلك أن يقال إنه قصد عقوبة خاصة لم ينص عليها صراحةً وإذن فالشارع لا يقضي بالمراقبة كعقوبة أصلية في الجهة التي تعينها الحكومة للمحكوم عليه فقط بل قد تكون المراقبة كما في الحالة المنوه عنها آنفًا - حالة المادة (12) قانون نمرة (15) سنة 1909 - عقوبة تبعية ومع ذلك تكون في المكان الذي تحدده الحكومة وإذا أرادت محكمة النقض أن ندلها على حالة تكون فيها المراقبة عقوبة أصلية ولكن لا يحدد مكانها وزير الداخلية فهذه الحالة هي المنصوص عنها في المادتين الأولى والسادسة من قانون رقم (15) سنة 1909 إذ ذكر أنه إذا ثبت للجنة أن المتهم من ضمن الأشخاص الذين اشتهر عنهم الاعتداء على النفس أو المال تقرر بوضعه تحت الملاحظة لمدة خمس سنوات في محل إقامته لا في المكان الذي يحدده وزير الداخلية ولهذا تسقط الحجة التاريخية التي اعتمدتها محكمة النقض.
وهل أدل على نية الشارع واتجاهه هذا من أنه في المادة الرابعة عشرة من قانون رقم (24) سنة 1923 ذكر بأن المحكوم عليه تحت مراقبة البوليس باعتبار مشتبهًا فيه أو متشردًا يجب أن يتقدم في ظرف 24 ساعة لمكتب البوليس ليحدد مكان إقامته فلو كان جميع الأشخاص المشتبه في أمرهم يراقبون في مكان خاص لما كانت هناك فائدة من هذا النص ولذلك نرى محكمة النقض تواجه هذه الحجة بالاعتراض عليها بأنها تشمل أيضًا حالة المتشردين العائدين قائلة في هذا الصدد (إنه لو أخذ بعموم نص المادة لوجب أن يترك لجميع من يحكم عليهم بالمراقبة للتشرد حق اختيار الجهة التي ينوون اتخاذها محلاً لإقامتهم وهو أمر ظاهر بطلانه) وبديهي أن القياس بين حالة المتشردين وحالة المشتبه فيهم قياس مع الفارق لأن حالة المتشردين العائدين منصوص عنها في صلب القانون فليس من سبيل إلى تشبيهها بحالة المشبوهين، ومتى كان الحق ممنوحًا للمشبوهين لتحديد محل مراقبتهم فيجب ألا يحرموا منه إلا بنص صريح خاص كما هو شأن المتشردين وكما كان دأب الشارع في التنويه به في جميع أدوار التشريعات التي صدرت بهذا الخصوص.
وهذا ما يجعلنا نعتقد بضرورة تدخل المشرع عاجلاً للحسم في هذا النزاع بنصوص جلية صريحة لا يحوطها اللبس والغموض وإلى أن يأتي ذلك الوقت فعسى أن تعدل محكمة النقض عن رأيها تحت ضوء الحجج التاريخية التي سقناها فيما سلف به القول وقد سبق أن غيرت قضاءها في مسائل هامة لا تخفي على المشتغلين بالقضاء.
محمد مختار عبد الله
وكيل نيابة الإسكندرية الكلية الأهلية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)