تـــــابع ما قبلـــــــــــــه : ـ
شروط توسيع المسئولية:
مثل الاتفاق على ألا يقوم الوكيل بالتعامل في انواع معينه سوف يدخلها الموكل فيما بعد .
بند يوضح نسخ العقد و تسليمها لكل طرف .
شرط الاختصاص في حالة النزاع :
وهذا يشمل ما يلي :
الاختصاص المحلي :
بذكرمكان نظر المنازعات
الاختصاص النوعي :
بذكر المحكمة المختصة أو التحكيم .
القانون المطبق :
بذكر القانون الذي يجب تطبيقه على النزاع .
شرط إنهاء العقد:-
1- التدرج في الاتفاق على الفسخ :
أدنى مراتب هذا الشرط هو أن يشترط البائع على المشتري أن يكون البيع مفسوخا إذا لم يوف المشتري بالثمن , وقد يصل الشرط إلى مرتبة أقوى فيشترط البائع على المشتري أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم , ثم قد يصل الشرط إلى أعلى مرتبة من القوة , فيشترط البائع أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إعذار .
هذا الشرط له ثلاثة أشكال :
1- ان ينص على ان يعتبر العقد مفسوخا في حالة تحقق الشرط الفاسخ .
2- او ينص على ان يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه في حالة تحقق الشرط الفاسخ .
3- او على ان يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسة دون حاجة الى حكم في حالة تحقق الشرط الفاسخ (يحدد)
وكل حالة تختلف عن الاخرى كما يلي:
2- الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخا :
لا يغني هذا الشرط عن إعذار, ولا من الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم بفسخ العقد , ويكون هذا الحكم منشئا لا كاشفا , ولا يسلب القاضي سلطته التقديرية فيجوز بالرغم من وجود هذا الشرط أن يمنح المتعاقد أجلا للتنفيذ ويرفض طلب الفسخ . بل إن هذا الشرط لايمنع المتعاقد من توقي الحكم بالفسخ , بأن ينفذ العقد قبل أن يصدر الحكم النهائي بالفسخ .
3- الاتفاق على أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه ,أو مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم :
الشرط على هذا النحو لا يعفى من الإعذار . فإذا لم يعذر العاقد الآخر ورفع دعوى الفسخ , جاز للمتعاقد أن يتوقى الفسخ بتنفيذ العقد في بداية الدعوى دون إبطاء , فإذا أبطأ في ذلك , اعتبر رفع الدعوى بمثابة إعذار . وفسر الشرط في الغالب على أنه يسلب القاضي سلطته التقديرية فلا يستطيع إعطاء أجلا للتنفيذ , ويتعين عليه الحكم بالفسخ, ولا تعارض بين الإعذار الواجب وطلب الفسخ, فإن الإعذار لايكون نزولا منه عن المطالبة بالفسخ بل هو شرط واجب لرفع الدعوى بالفسخ .
فالثابت إذن أن هذا الشرط لا يعفي من الإعذار , وهو أيضا لا يعفي من رفع الدعوى بالفسخ إذا نازع العاقد في أعمال الشرط . ولا يمنع وجود هذا الشرط من المطالبة بتنفيذ العقد بدلا من المطالبة بفسخ البيع , فإن فسخ العقد لا يقع من تلقاء إلا إذا أراد العاقد ذلك , ويبقى هذا بالخيار بين الفسخ والتنفيذ .
ولكن إذا اقتصر العاقد على اشتراط أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه , فإن الحكم بالفسخ يكون كاشفا لا منشئا .
4- الاتفاق على أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إعذار أو مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى أعذار :
الشرط على هذا النحو قد وصل إلى أعلى مراتب القوة فإذا لم يف العاقد بالعقود عليه في الميعاد اعتبر العقد مفسوخا دون حاجة إلى إعذار فإذا نازع المتعاقد في أعمال الشرط , لا يملك القاضي أن يمنحه أجلا ويكون الحكم الصادر بفسخ البيع كاشفا عن الفسخ لا منشئا له ولكن يجب أن يكون الاتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار صريحا فلا يجوز أن يستخلص ضمنا من عبارات العقد , وتكون للمحكمة الرقابة التامة للتحقيق من انطباق شرط الفسخ ووجوب إعماله .
شرط تسليم العقود عليه :
1- تحديد محل التسليم وأحوال تغير المعقود عليه بعد العقد عند التسليم سواء بالنقص او الزيادة.
2- تحديد طريقة التسليم وزمانه ومكانه ونفقات التسليم وعلى من يتحملها .
تعيين المحل
شرط تسجيل وإفراغ العقد
فيحدد في هذا الشرط التزام الطرفين بتسجيله ومن الأفضل تحديد من الذي يقوم بالتسجيل ويزود بالوكالات اللازمة .
أمور يجب التنبه إليها عند كتابة العقد :
1) أن يشتمل العقد على جميع البيانات، الخاصة بأسماء المتعاقدين، وجنسياتهم، وأرقام هوياتهم، وتاريخ صدورها، وعناوينهم تفصيلاً.
2) إقرار المتعاقدين بأهليتهم للتعاقد، مع التأكد من ذلك.
3) تاريخ تحرير العقد، ومكان عقده.
4) وصف محل العقد وصفاً تفصيلياً بما لا يدَع أي مجال للتفسير أو الاجتهاد، مع
توضيح أن أطراف العقد على علم تام نافياً للجهالة بهذه الأوصاف. مثال ذلك
في عقد البيع، وصف الشيء المبيع وصفاً شاملاً، جامعاً، من جميع الوجوه.
5) تحديد المقابل، وكيفية ووقت وطريقة أدائه، فمثلاً في عقد البيع، يذكر ثمن
المبيع وكيفية دفعه، هل دفعة واحدة؟ أو على دفعات أو أقساط، ومقدار كل قسط،
وتاريخ دفعه؟ ومكان دفعه؟
6) التأكد من صحة وسلامة جميع الأوراق والمستندات المبني عليها العقد.
7) توضيح التزامات جميع أطراف العقد توضيحاً، لا يجعل هناك أي مجال للَّبس أو
الاجتهاد أو التنصل من تنفيذ هذه الالتزامات. مع تحديد تواريخ تنفيذ الالتزامات تحديداً قاطعاً وواضحاً.
8) وضع شرط جزائي في العقد، يكون واضحاً ومحدداً وذا قيمة فاعلة، تجبر الطرف
المخل على تنفيذ التزامه، تجنباً لتطبيق الشرط الجزائي عليه.
9) ضرورة تسجيل العقود، التي يتطلب القانون تسجيلها، في أقرب وقت. مع مراعاة
الشكل في العقود الشكلية.
10) في حالة وجود أشخاص مستفيدين من العقد، غير أطرافه، يجب تحديدهم تحديداً
واضحاً، مع بيان حقوقهم المترتبة علي العقد.
11) في حالتَي الوكالة والنيابة في التعاقد، يجب التأكد من صحتهما وسلامتهما
وسريانهما حتى وقت توقيع العقد. وأن الوكالة أو النيابة تجيز للوكيل أو النائب التعاقد على إنشاء وإقرار التزامات العقد وفي حدود السلطة المخولة له.
12) التأكد من عدم وجود كشط أو شطب أو تصحيح، في بنود العقد.
13) توقيع العقد، من قِبل المتعاقدين والشهود.
وفي الجملة يجب أن يصاغ العقد ، بطريقة تتضمن التعبير الدقيق عن إراداة الأطراف، وتحول دون قيام مشكلات في التنفيذ، ناجمة عن عيوب الصياغة، أو عدم دقتها، أو غموضها، و إلا كان للقضاء مهمة التدخل في تفسير نصوص العقود و المحررات – بما للقضاء ممن سلطة واسعة في تفسير المحررات الغامضة و المعيبة – وقد يؤدي هذا التدخل من القضاء في التفسير والتوضيح، إلى نتائج غير مرضية لأحد المتعاقدين، وغير معبرة عن إرادته.
وعليه، فإن صياغة العقود هي الهندسة القانونية التي يتم بها التعبير عن حقيقة رغبات المتعاقدين ، وخاصة في العقود الكبيرة والمعقدة، والتي قد يسعى المتعاقدان إلى إبرامها مدة طويلة قد تتجاوز سنة أو سنتين، مثل عقود شراء الأسلحة, أو الطيران ، أو بناء السفن الحربية أو التجارية، ولا تعد الصياغة ترجمة لرغبات المتعاقدين، ما لم تكن عبارات العقد و ألفاظه، ومستنداته و ملاحقه، دقيقة، ومحددة، وواضحة، وكاملة، إذ يترتب على خلاف ذلك ، نشوء منازعات أمام القضاء معقدة، و طويلة الأمد، وخاصة في العقود الفنية الكبيرة، بسبب عيوب في صياغة نصوص العقد ووثائقه.
تطبيق عملي على شرط حصص الشركاء في عقود الشركة :
- جواز اختلاف حصص الشركاء في طبيعتها وتفاوتها في قيمها :
إن كل شريك يجب أن يساهم بحصة في رأس مال الشركة وأن هذه الحصة قد تكون نقودا أو أوراقا مالية أو منقولات أو عقارات أو حق انتفاع أو دينا في ذمة الغير أو اسما تجاريا أو شهادة اختراع أو عملا أو غير ذلك مما يصلح أن محلا للالتزام . وليس في هذا إلا تطبيق للقواعد العامة .
وليس من الضروري أن تكون حصص الشركاء متجانسة في طبيعتها أو متساوية في قيمتها . بل يصح أن يقدم أحد الشركاء مبلغ من النقود وقدم الآخر أوراق مالية ويقدم الثالث عقارا ويقدم الرابع عملا وهكذا , وتكون قيمة كل حصة لا تعادل قيم الحصص الأخرى .
وتقدر حصة كل شريك بما تساويه قيمتها . وتعيين قيمة حصة كل شريك أمر هام في عقد الشركة , إذ كثيرا مايتوقف على هذه القيمة معرفة نصيب الشريك في الربح وفي الخسارة , ثم معرفة مايصيب الشريك من رأس مال الشركة عند تصفيتها . ومن ثم وضع المشرع قرينة قانونية في حالة ما إذا لم ينص عقد الشركة على تقدير حصص الشركاء ولا على طبيعة الحصة , فافترض أن الحصص جميعا متساوية القيمة وأنها واردة على ملكية المال لا على مجرد الانتفاع به .
- الكتابة :
تنص أكثر القوانين على اشتراط تضمين العقد في ورقة مكتوبة قد تكون هذه الورقة ورقة رسمية أو ورقة عرفية ، فإذا لم يكن عقد الشركة الأصلي في ورقة مكتوبة , أو لم تكن التعديلات التي يدخلها الشركاء بعد ذلك في الشكل ذاته الذي أفرغ فيه العقد الأصلي , كانت الشركة أو التعديلات التالية باطلة , ولما كان البطلان هنا جزاء على الإخلال بالشكل . وقد قدمنا أن القانون هو الذي يعين الجزاء على الإخلال بالشكل إذ الشكل من صنعه , فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا تلحقه الإجازة وقد يسمح بإجازته .
لكن في النظام السعودي الكتابة شرط في الشركات المسجلة وفقاً لنظام الشركات السعودي ولكن تثبت الشراكة بأي وسيلة من وسائل الإثبات .
ـ توفر الشروط العامة لصحة العقد :
فمثلاً محل الشركة فهو رأس مالها مقسما إلى حصص لكل شريك حصة كذلك يكون محلا للشركة الأعمال التي تقوم بها لاستغلال رأس المال ، كذلك إذا كانت الأعمال التي تباشرها الشركة طبقا لعقد تأسيسها أعمالا غير مشروعة , كتهريب الممنوعات , أو الاتجار في المخدرات , أو بيع سلع غير مرخص في تداولها أو تزييف الأوراق والمستندات فيجب أن تتوافر شروط المحل التي قدمناها في كل ذلك , فإذا تخلف شرط منها كانت الشركة باطلة في كثير من القوانين .
ـ الأرباح والخسائر :
إما أن ينص عقد الشركة على تعيين نصيب كل شريك في الربح والخسارة . أو لا ينص العقد على ذلك .
- تعيين النصيب في كل من الربح والخسارة :
يعين عقد الشركة عادة نصيب كل شريك في أرباح الشركة وفي خسائرها وعند ذلك توزع الأرباح والخسائر على الشركاء طبقا لما تعين من ذلك في عقد الشركة .
وليس من الضروري أن يتعين نصيب الشريك في الربح معادلا لنصيبه في الخسارة فقد يكون نصيب أحد الشركاء في الخسارة أكبر من نصيبه في الربح إذا كان مثلا مديرا للشركة أو العكس .
كذلك ليس من الضروري أن يكون نصيب الشريك في الربح أو في الخسارة متناسبا مع قيمة حصته في رأس المال أو متناسبا مع ما تفيده الشركة من هذه الحصة إذا كانت عملا بل يجوز أن يزيد النصيب أو ينقص عن ذلك .
- تعيين النصيب في الربح وحده أو في الخسارة وحدها:
قد يقتصر عقد الشركة على تعيين نصيب الشريك في الربح وحده فعند ذلك يكون نصيبه في الخسارة معادلا لنصيبه في الربح ولو لم يكن متناسبا مع قيمة حصته في رأس المال ذلك أن تعيين النصيب في الربح قرينة على أن هذا هو النصيب أيضا في الخسارة إذ الربح يقابل الخسارة ومن العدل أن تكون مساهمة الشريك في كل من الربح والخسارة بقدر واحد ما دام عقد الشركة لم ينص على اختلاف مابين النصيبين .
وكذلك يكون الحكم فيما إذا اقتصر عقد الشركة على تعيين نصيب الشريك في الخسارة فإن هذا يكون هو أيضا نصيبه في الربح للاعتبارات المتقدمة الذكر .
- النص على عدم مساهمة الشريك في الربح أو في الخسارة :
إذا نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الربح فمعنى ذلك أنه يساهم في الخسارة دون الربح , فيكون عليه الغرم وليس له الغنم أو نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الخسارة فمعنى ذلك أنه يساهم في الربح دون الخسارة فيكون له الغنم دون الغرم أو الغرم دون الغنم تسمى شركة الأسد وهي شركة باطلة .
ومن ثم إذا نص عقد الشركة على أن احد الشركاء لا يساهم في الربح أن يكون نصيبه فيه تافها إلى حد أن يكون هذا النصيب غير جدي فإن الشركة تكون باطلة , وتكون باطلة أيضا إذا نص العقد على أن احد الشركاء لا يساهم في الخسارة أو أن يكون نصيبه فيها تافها إلى حد عدم الجدية . ولكن لا يعتبر الشريك معفى من الخسارة إذا كانت حصته في رأس المال هي عمله ما دام لم يتقرر له أجر على هذا العمل . إذ هو في هذه الحالة يكون مساهما في الخسارة حتما فقد قام بعمل لم يأخذه عليه أجرا وهذه هي خسارته .
- تعيين نصيب الشريك في الربح وفي الخسارة بنسبة حصته في رأس المال :
إذا سكت عقد الشركة عن تعيين نصيب الشريك في الربح أو في الخسارة, فالمفروض أن يكون نصيبه في ذلك أو في هذه بنسبة حصته في رأس المال. وذلك يستلزم تقويم هذه الحصص فإذا لم تكن مقومه منذ البداية في عقد الشركة ولم تكن من النقود . تم تقويمها بالاتفاق مابين الشركاء جميعا . فإذا اختلفوا قوم الخبراء حصة كل منهم , وعند الشك يفترض تساوي ويمكن تصور ذلك إذا كانت الحصص كلها عبارة عن عمل يقدمه الشركاء فإذا لم يمكن تقويم الحصص أو قام شك في هذا التقويم فسمت الأرباح والخسائر بالتساوي بين الشركاء .
- نصيب الشريك في الربح والخسارة إذا كانت حصته عملا :
وإذا سكت عقد الشركة عن تعيين نصيب الشريك في الربح والخسارة وكانت حصة هذا الشريك عملا يقدمه للشركة فقد سبق القول أن هذا العمل تقدر قيمته تبعا لما تفيده الشركة من هذا العمل وبقدر هذه القيمة تكون حصة الشريك في رأس المال . ومن ثم يكون نصيب الشريك في الربح وفي الخسارة بنسبة حصته في رأس المال مقومة على هذا النحو .
آثار العقد
إذا استجمع العقد أركانه وتوافرت في كل ركن شروطه، انعقد العقد صحيحاً وترتب
عليه آثاره.
ـ الرابطة التعاقدية :
يترتب على انعقاد العقد صحيحاً نشوء رابطة قانونية بين طرفيه تسمى بالرابطة
التعاقدية وهي ملزمة للمتعاقدين ، و يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول كذلك ما هو من مستلزماته، وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام. ويترتب على ذلك :
( أولاً ) وجوب تنفيذ ما تقضي به هذه الرابطة من التزامات ناشئة عن العقد،
(ثانياً) عدم جواز حل هذه الرابطة بإرادة واحدة أي بإرادة أحد المتعاقدين فقط إلا في حالة وجود مبرر لذلك مثل إخلال الطرف الآخر بالتزاماته .
وآثار العقد تتحدد من حيث نطاقها بالعاقدين، فلا تنصرف إلى الغير، وهذا ما يعرف بنسبية آثار العقد. فأثر العقد ينصرف إلى المتعاقدين، سواء تم التعاقد مباشرة أو بوساطة نائب، ما دام هذا النائب قد تعامل باسم الأصيل .
ـ أثر العقد على خلفاء العاقد :
رغم ما سبق من تحدد نطاق أثر العقد المتعاقدين فإن أثر العقد يمتد كذلك إلى خلفاء العاقد وهم من يمثلهم في العقد، والخلف إمّا أن يكون خلفاً عاماً، وإمّا أن يكون خلفاً خاصاَ.
أ. الخلف العام أو الخلف بسبب عام :
وهو مَن تنتقل إليه ذمة غيره المالية، كلها أو جزء منها، مثل الوارث. وعلى
ذلك، فالخلافة العامة، لا تكون إلا بسبب الوفاة.
إلا أن هذا الأثر لا ينصرف إلي الخلف العام في بعض الحالات، وهي:
1 ـ إذا كانت طبيعة الالتزام، تتعلق بشخص المدين في تنفيذها: مثال ذلك لا يلتزم
ورثة الرسام بتنفيذ التزام مورثهم. وكذلك الحال بالنسبة إلى ورثة الطبيب
والمحامي والمهندس. لأن عقود هؤلاء الأشخاص مع الغير، روعي فيها شخصية
صاحب هذه المهنة.
2 ـ إذا اتفق المتعاقدان على عدم انصراف أثر العقد إلى الورثة.
3 ـ إذا كانت طبيعة العقد لات تقبل الانتقال إلى الورثة، مثل عقد الوكالة.
ب. الخلف الخاص :
وهو الذي لا يخلف السلف في جملة ذمته المالية أو في حصة منها كالثلث أو الربع
بل يخلفه في عين معينة بالذات أو في حق عيني عليها كالمشتري يخلف البائع في
المبيع، والموصى له بعين في التركة يخلف فيها الموصي، والمنتفع يخلف المالك
في حق الانتفاع. فالخلف الخاص هو من يتلقى شيئاً، سواء كان هذا الشيء حقاً
عينياً أو حقاً شخصياً. أما من يترتب له حق شخصي في ذمة شخص آخر فلا يكون
خلفاً خاصاً له، بل هو دائن له فالمستأجر ليس خلفاً للمؤجر بل دائناً له.
والأصل أن الخلف الخاص ـ على عكس الخلف العام ـ لا تنصرف إليه آثار العقود
التي يعقدها السلف إذا كان العقد الصادر من السلف لا يتناول الحق الذي تلقاه
عنه الخلف الخاص. فمشتري العقار خلف خاص للبائع ولكن لا شأن للمشتري بالعقود
الصادرة من البائع في غير ما يمس هذا العقار. أما إذا كان العقد الصادر من
السلف يمس الحق الذي تلقاه عنه الخلف الخاص، وكان هذا العقد ثابت التاريخ
وسابقاً على عقد الخلف الخاص، فيمكن انصراف أثر العقد إليه بشروط هي :
1 ـ أن يكون عقد السلف سابقاً، في تاريخه، على العقد الذي انتقل به الحق إلى
الخلف.
2 ـ أن يكون الحق، أو الالتزام الذي قرره عقد السلف، من مستلزمات الشيء، أو
الحق الذي انتقل إلى الخلف الخاص.
3 ـ أن يكون الخلف عالماً، وقت انتقال الحق إليه، بالعقد الذي أبرمه السلف،
وبالآثار التي ترتبت عليه.
ـ أثر العقد بالنسبة إلى الغير :
القاعدة العامة في شأن عدم انصراف آثار العقد إلى الغير، أن اثر العقد لا
ينصرف إلى غير العاقد أو من يمثله، أي لا ينصرف إلى الغير الأجنبي عن العقد،
فلا يحمله التزاماً ولا يكسبه حقاً والقاعدة في شقها السلبي أكثر إطلاقاً
منها في شقها الإيجابي.
فأمّا الجانب السلبي للقاعدة، أي عدم انصراف الالتزامات الناشئة عن عقد إلى
من كان أجنبياً عنه فيكاد يكون مطلقاً.
أمّا الجانب الإيجابي للقاعدة أي عدم اكتساب حقاً من عقد لم يكن ممثلاً فيه
فليس في إطلاق الجانب السلبي منها، لأنه ايسر على المنطق أن يتقبل اكتساب
الشخص لحق من عقد هو أجنبي عنه عن أن يتقبل التزامه بتعهدات ناشئة عن هذا
العقد. لذا فالاستثناءات الواردة على الجانب الإيجابي للقاعدة أكثر من تلك
الواردة على الجانب السلبي منها.
ولعل من أهم هذه الإستثناءات ما تعلق بالاشتراط لمصلحة الغير وهو هو عمل قانوني يشترط فيه شخص يسمى المشترط على شخص آخر يسمى المتعهد بأن يقوم بأداء معين لمصلحة شخص آخر يسمى المنتفع".
ويجوز للشخص أن يتعاقد، باسمه، على التزامات، يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان
له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية، مادية كانت أو أدبية. وهذا العقد،
يشترط فيه أحد الطرفين، ويسمى المشترط على الطرف الآخر، ويسمى المتعهد
التزاماً لمصلحة شخص ثالث، ويسمى المنتفع أو المستفيد، حتى ينشأ لهذا الشخص
الثالث حق مباشر من العقد، مثل عقد التأمين على حياة شخص لمصلحة ابنه أو بنته
أو زوجته، وهذا الشخص الثالث، ليس طرفاً في العقد، وليس ممثلاً فيه
الفاظ العقود ومكوناته وشروطه
الفرع الاول :اللفظ في العقد
رأينا من تعريفات العقد انطلاقه من إرادة طرفيه والإرادة تنقسم إلى قسمين :
أ ـ إرادة باطنة :
وهي المستقرة في قلب العاقد وهي المعتبرة والأصل في التعاقد لذلك إذا تأثرت بطل العقد كما في الإكراه .
لكن هذه الإرادة خفية وذاتية لا يمكن للغير الاطلاع عليها مباشرة مما يحوجها إلى :
ب ـ الإرادة الظاهرة :
وهي وسيلة التعبير عن الإرادة وتكون بما دل عليها من اللفظ الشفوي أو المكتوب او الفعل أو الإشارة .
واللفظ أيسر وأوضح طريقة للتعبير عن الإرادة ولذلك نابت الإرادة الظاهرة في الإرادة الباطنة وانصرفت الآثار إلى الإرادة الظاهرة .
والألفاظ تنقسم إلى نص وظاهر ومحتمل فالنص لا يحتمل إلا معنى واحداً ، والظاهر يحتمل معنى راجحاً مع احتمال معنى أو معان مرجوح ، بينما المحتمل يتساوى فيه معنى أو معاني .
ـ كيفية تفسير اللفظ :
إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين .
ففرق في العقد بين الشروط الظاهرة والشروط الغامضة , فلا يجوز للقاضي الموضوع أن ينحرف عن معناها الظاهر إلى معنى آخر . ويعتبر الانحراف عن عبارة العقد الواضحة تحريفا لها ومسخا وتشويها مما يوجب نقض الحكم .
بينما يطلق سلطان قاضي الموضوع في تفسير الشروط الغامضة ليستخلص منها إرادة المتعاقدين على الوجه الذي يؤدي إليه إجهاده .
أما بالنسبة إلى الشروط الظاهرة وهذا ما جرى عليه الفقه الإسلامي وجرت عليه محاكم النقض المصرية والفرنسية .
- البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين :
العبرة إنما تكون بالإرادة المشتركة للمتعاقدين لا بالإرادة الفردية لكل منهما , فهذا واضح أيضا لأن الإرادة المشتركة هي التي التقى عندها المتعاقدان , فهي التي تؤخذ بها , دون اعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية لم يتلاق معه المتعاقد الآخر فيها .
- القواعد التي يُهتدى بها للكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين :
- قاعدة : ( العادة محكمة ) :
فالتصرفات تحمل على المعنى المعتاد وهذا يوجب الرجوع إلى المعنى اللغوي في عرف المتعاقدين فالعرف يفسر المراد بالعبارات فلو قال شخص لأخر بعتك كيلين من الموز فإنه يحتمل المكيال ويحتمل الكيلو جرام فيرجع إلى العرف فالموز لا يكال بل يوزن .
ـ قاعدة : ( إعمال الكلام خير من إهماله ) :
إذا احتملت العبارة أكثر من معنى واحد , وكان أحد هذه المعاني هو الذي ينتج أثرا قانونيا حملت العبارة على هذا المعنى .
فمثلاً إذا قال شخص لآخر أبيعك هذه الأرض بألف فقال الآخر قبلت فإنه يحتمل الاستفهام ويحتمل الإيجاب فيحمل على أنه إيجاب حتى يترتب عليه لزوم البيع .
وعبارات العقد يفسر بعضها بعضا فلا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءا من كل هو العقد . فقد تكون هناك عبارة سابقة مطلقة . وتحددها عبارة سابقة أولا حقة وقد تقرر العبارة أصلا يرد عليه استثناء يذكر قبلها أو بعدها . وقد تكون العبارة مبهمه وتفسرها عبارة وردت في موضع آخر . فإذا باع شخص مفروشات منزله تم عين هذه المفروشات في مكان آخر من العقد فإن خصوص العبارة الثانية يحدد من عموم العبارة الأولى إذا الخاص يقيد العام . ولا يدخل في المبيع مالم يذكر في المفروشات المعينة حتى لو كان داخلا ضمن مفروشات المنزل وإذا قام التناقض بين عبارتين أجتهد القاضي في التوفيق بينهما . فلو أمكنه إعمال العبارتين معا فعل . وإلا اجتهد في إعمالها إلى أقصى حد دون إرهاق للفظ أو قسر له على غير معناه فإذا كان التناقض يستعصي معه الجمع بين العبارتين على أية صورة اختار العبارة التي يظهر له أن المتعاقدين كانا يريدانها دون الأخرى .
ـ قاعدة ( السكوت عن البيان في معرض الحاجة للبيان بيان ) :
فإذا اشترى شخص منزلاً ولم يشر في عقد الشراء إلى فرشه فإن الفرش لا يدخل في عقد الشراء لأنه لو قصد دخوله في الشراء لأفصح عن ذلك عند إبرامه العقد .
الفرع الثاني مكونات العقد :
يتكون العقد من الدباجة وعدة بنود ويتناول شرح كل نقطة فيما يلي :
1- الديباجة وتتكون من :
أ- مسمى العقد ( عقد بيع , عقد عمل ..........الخ ) .
ب- زمان العقد ( التاريخ ) .
ت- أطراف العقد وتحدد فيها بيانات المتعاقدين .
بيانات المتعاقدون : الاسم , الجنسية , العنوان ,رقم الحفيظة , الهاتف وغيرها .
أشكال المتعاقدون : هما أطرفا كل طرف قد يتكون من شخص أ و كيان واحدا أو اكثر
د- أقرار المتعاقدون بأهليتهما شرعا ونظاما للتصرف والتعاقد و اتفاقهما على التعاقد وفقا للبنود التي سترد في العقد .
2- شروط العقد : وتتكون من :
بنود أساسية لايختلف من عقد لآخر وهي :-
أ- بند يوضح موضوع العقد واتفاق الأطراف على هذا الموضوع فيتم تحديد موضوع العقد ووصفه وصفاً دقيقاً يخرجه من الجهالة فإذا كان في بيع أرض عين حدودها وأضلاعها ومستند ملكيتها وإن كان في سيارة عين نوعها وسنة صنعها ولونها وحالتها وإن كان على عمل ذكره تفصيلاً .
ويشترط في محل العقد أو موضوعه ألا يكون مخالفاً للنظام العام
ب- بند يوضح المقابل المادي :
أي الثمن أو القيمة المرتبطة بالعقد وإن كان هناك أكثر من طرف يجري تحديد نسبة الأطراف فيها .
أشكال تحديد المقابل:
1- قد يتفق المتعاقدان على مقابل محدد .
2- قد يتفق المتعاقدان على نسبه معينه .
3- قد يتفق المتعاقدان على أساس سعر السوق في مكان معين وزيادة معينه وإذا لم يحدد زمن ومكان السوم فهو سوم تسلم السلعة .
4- يحدد السعر على أساس السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل
5- ترك التحديد لشخص آخر .
- ويجب ألا يكون الثمن تافه أي غير متناسب مع المبيع ولا فيه غبن فاحش .
الشرط الجزائي :-يتضمن هذا الشرط العناصر الاتية:
1- تحديد الخطأ الذي يستوجب التعويض وتحديد الضرر
2- شرط أعذار الدين للوفاء والتعويض .
3- تقدير مبلغ التعويض.
4- علاقة السببية بين الضرر والخطأ.
5- النص على زيادة مبلغ التعويض إذا كان الضرر الذي أصاب المشتري أو المتعاقد الآخر أكبر من قيمة التعويض ( الشرط الجزائي )
شروط ضمان التعرض والاستحقاق
أولاً / ضمان أعمال التعرض الصادرة من أحد العاقدين هي :-
1- تعرض مادي مثل المنافسة غير المشروعة مثال أن يقيم البائع نفس النشاط بجواز المحل المبيع .
2- تعرض قانوني :
أ- تصرف قانوني مثل بيع العقار مرة أخرى .
ب -تعرض مبنى على سبب قانوني مثل أن يقيم البائع على المشترى دعوى استحقاق يطالبه فيه برد المبيع او انه مغتصب .
ثانياً / ضمان التعرض الصادر من الغير .
شروط المسئولية :
من أهم أنواع المسئوليات المسئولية العقدية ولذلك يسعى المتعاقدين إلى توضيحها من خلال ما يلي :
شروط تحميل المسئولية :
وفي هذا النوع من الشروط يحمل أحد العاقدين الآخر وحده المسئولية كالنص على مسئولية البائع عن سلامة الوضع القانوني للأرض .
شروط نفي المسئولية :
حيث ينص في هذا الشرط على عدم مسئولية أحد العاقدين عن جزء من تبعاته كما لو نص البائع عن عدم تحمله الرسوم والسمسرة أو شرط عدم ضمان العيوب الخفية .
شروط توسيع المسئولية:
مثل الاتفاق على ألا يقوم الوكيل بالتعامل في انواع معينه سوف يدخلها الموكل فيما بعد .
بند يوضح نسخ العقد و تسليمها لكل طرف .
شرط الاختصاص في حالة النزاع :
وهذا يشمل ما يلي :
الاختصاص المحلي :
بذكرمكان نظر المنازعات
الاختصاص النوعي :
بذكر المحكمة المختصة أو التحكيم .
القانون المطبق :
بذكر القانون الذي يجب تطبيقه على النزاع .
شرط إنهاء العقد:-
1- التدرج في الاتفاق على الفسخ :
أدنى مراتب هذا الشرط هو أن يشترط البائع على المشتري أن يكون البيع مفسوخا إذا لم يوف المشتري بالثمن , وقد يصل الشرط إلى مرتبة أقوى فيشترط البائع على المشتري أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم , ثم قد يصل الشرط إلى أعلى مرتبة من القوة , فيشترط البائع أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إعذار .
هذا الشرط له ثلاثة أشكال :
1- ان ينص على ان يعتبر العقد مفسوخا في حالة تحقق الشرط الفاسخ .
2- او ينص على ان يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه في حالة تحقق الشرط الفاسخ .
3- او على ان يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسة دون حاجة الى حكم في حالة تحقق الشرط الفاسخ (يحدد)
وكل حالة تختلف عن الاخرى كما يلي:
2- الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخا :
لا يغني هذا الشرط عن إعذار, ولا من الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم بفسخ العقد , ويكون هذا الحكم منشئا لا كاشفا , ولا يسلب القاضي سلطته التقديرية فيجوز بالرغم من وجود هذا الشرط أن يمنح المتعاقد أجلا للتنفيذ ويرفض طلب الفسخ . بل إن هذا الشرط لايمنع المتعاقد من توقي الحكم بالفسخ , بأن ينفذ العقد قبل أن يصدر الحكم النهائي بالفسخ .
3- الاتفاق على أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه ,أو مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم :
الشرط على هذا النحو لا يعفى من الإعذار . فإذا لم يعذر العاقد الآخر ورفع دعوى الفسخ , جاز للمتعاقد أن يتوقى الفسخ بتنفيذ العقد في بداية الدعوى دون إبطاء , فإذا أبطأ في ذلك , اعتبر رفع الدعوى بمثابة إعذار . وفسر الشرط في الغالب على أنه يسلب القاضي سلطته التقديرية فلا يستطيع إعطاء أجلا للتنفيذ , ويتعين عليه الحكم بالفسخ, ولا تعارض بين الإعذار الواجب وطلب الفسخ, فإن الإعذار لايكون نزولا منه عن المطالبة بالفسخ بل هو شرط واجب لرفع الدعوى بالفسخ .
فالثابت إذن أن هذا الشرط لا يعفي من الإعذار , وهو أيضا لا يعفي من رفع الدعوى بالفسخ إذا نازع العاقد في أعمال الشرط . ولا يمنع وجود هذا الشرط من المطالبة بتنفيذ العقد بدلا من المطالبة بفسخ البيع , فإن فسخ العقد لا يقع من تلقاء إلا إذا أراد العاقد ذلك , ويبقى هذا بالخيار بين الفسخ والتنفيذ .
ولكن إذا اقتصر العاقد على اشتراط أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه , فإن الحكم بالفسخ يكون كاشفا لا منشئا .
4- الاتفاق على أن يكون البيع مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إعذار أو مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى أعذار :
الشرط على هذا النحو قد وصل إلى أعلى مراتب القوة فإذا لم يف العاقد بالعقود عليه في الميعاد اعتبر العقد مفسوخا دون حاجة إلى إعذار فإذا نازع المتعاقد في أعمال الشرط , لا يملك القاضي أن يمنحه أجلا ويكون الحكم الصادر بفسخ البيع كاشفا عن الفسخ لا منشئا له ولكن يجب أن يكون الاتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار صريحا فلا يجوز أن يستخلص ضمنا من عبارات العقد , وتكون للمحكمة الرقابة التامة للتحقيق من انطباق شرط الفسخ ووجوب إعماله .
شرط تسليم العقود عليه :
1- تحديد محل التسليم وأحوال تغير المعقود عليه بعد العقد عند التسليم سواء بالنقص او الزيادة.
2- تحديد طريقة التسليم وزمانه ومكانه ونفقات التسليم وعلى من يتحملها .
تعيين المحل
شرط تسجيل وإفراغ العقد
فيحدد في هذا الشرط التزام الطرفين بتسجيله ومن الأفضل تحديد من الذي يقوم بالتسجيل ويزود بالوكالات اللازمة .
أمور يجب التنبه إليها عند كتابة العقد :
1) أن يشتمل العقد على جميع البيانات، الخاصة بأسماء المتعاقدين، وجنسياتهم، وأرقام هوياتهم، وتاريخ صدورها، وعناوينهم تفصيلاً.
2) إقرار المتعاقدين بأهليتهم للتعاقد، مع التأكد من ذلك.
3) تاريخ تحرير العقد، ومكان عقده.
4) وصف محل العقد وصفاً تفصيلياً بما لا يدَع أي مجال للتفسير أو الاجتهاد، مع
توضيح أن أطراف العقد على علم تام نافياً للجهالة بهذه الأوصاف. مثال ذلك
في عقد البيع، وصف الشيء المبيع وصفاً شاملاً، جامعاً، من جميع الوجوه.
5) تحديد المقابل، وكيفية ووقت وطريقة أدائه، فمثلاً في عقد البيع، يذكر ثمن
المبيع وكيفية دفعه، هل دفعة واحدة؟ أو على دفعات أو أقساط، ومقدار كل قسط،
وتاريخ دفعه؟ ومكان دفعه؟
6) التأكد من صحة وسلامة جميع الأوراق والمستندات المبني عليها العقد.
7) توضيح التزامات جميع أطراف العقد توضيحاً، لا يجعل هناك أي مجال للَّبس أو
الاجتهاد أو التنصل من تنفيذ هذه الالتزامات. مع تحديد تواريخ تنفيذ الالتزامات تحديداً قاطعاً وواضحاً.
8) وضع شرط جزائي في العقد، يكون واضحاً ومحدداً وذا قيمة فاعلة، تجبر الطرف
المخل على تنفيذ التزامه، تجنباً لتطبيق الشرط الجزائي عليه.
9) ضرورة تسجيل العقود، التي يتطلب القانون تسجيلها، في أقرب وقت. مع مراعاة
الشكل في العقود الشكلية.
10) في حالة وجود أشخاص مستفيدين من العقد، غير أطرافه، يجب تحديدهم تحديداً
واضحاً، مع بيان حقوقهم المترتبة علي العقد.
11) في حالتَي الوكالة والنيابة في التعاقد، يجب التأكد من صحتهما وسلامتهما
وسريانهما حتى وقت توقيع العقد. وأن الوكالة أو النيابة تجيز للوكيل أو النائب التعاقد على إنشاء وإقرار التزامات العقد وفي حدود السلطة المخولة له.
12) التأكد من عدم وجود كشط أو شطب أو تصحيح، في بنود العقد.
13) توقيع العقد، من قِبل المتعاقدين والشهود.
وفي الجملة يجب أن يصاغ العقد ، بطريقة تتضمن التعبير الدقيق عن إراداة الأطراف، وتحول دون قيام مشكلات في التنفيذ، ناجمة عن عيوب الصياغة، أو عدم دقتها، أو غموضها، و إلا كان للقضاء مهمة التدخل في تفسير نصوص العقود و المحررات – بما للقضاء ممن سلطة واسعة في تفسير المحررات الغامضة و المعيبة – وقد يؤدي هذا التدخل من القضاء في التفسير والتوضيح، إلى نتائج غير مرضية لأحد المتعاقدين، وغير معبرة عن إرادته.
وعليه، فإن صياغة العقود هي الهندسة القانونية التي يتم بها التعبير عن حقيقة رغبات المتعاقدين ، وخاصة في العقود الكبيرة والمعقدة، والتي قد يسعى المتعاقدان إلى إبرامها مدة طويلة قد تتجاوز سنة أو سنتين، مثل عقود شراء الأسلحة, أو الطيران ، أو بناء السفن الحربية أو التجارية، ولا تعد الصياغة ترجمة لرغبات المتعاقدين، ما لم تكن عبارات العقد و ألفاظه، ومستنداته و ملاحقه، دقيقة، ومحددة، وواضحة، وكاملة، إذ يترتب على خلاف ذلك ، نشوء منازعات أمام القضاء معقدة، و طويلة الأمد، وخاصة في العقود الفنية الكبيرة، بسبب عيوب في صياغة نصوص العقد ووثائقه.
تطبيق عملي على شرط حصص الشركاء في عقود الشركة :
- جواز اختلاف حصص الشركاء في طبيعتها وتفاوتها في قيمها :
إن كل شريك يجب أن يساهم بحصة في رأس مال الشركة وأن هذه الحصة قد تكون نقودا أو أوراقا مالية أو منقولات أو عقارات أو حق انتفاع أو دينا في ذمة الغير أو اسما تجاريا أو شهادة اختراع أو عملا أو غير ذلك مما يصلح أن محلا للالتزام . وليس في هذا إلا تطبيق للقواعد العامة .
وليس من الضروري أن تكون حصص الشركاء متجانسة في طبيعتها أو متساوية في قيمتها . بل يصح أن يقدم أحد الشركاء مبلغ من النقود وقدم الآخر أوراق مالية ويقدم الثالث عقارا ويقدم الرابع عملا وهكذا , وتكون قيمة كل حصة لا تعادل قيم الحصص الأخرى .
وتقدر حصة كل شريك بما تساويه قيمتها . وتعيين قيمة حصة كل شريك أمر هام في عقد الشركة , إذ كثيرا مايتوقف على هذه القيمة معرفة نصيب الشريك في الربح وفي الخسارة , ثم معرفة مايصيب الشريك من رأس مال الشركة عند تصفيتها . ومن ثم وضع المشرع قرينة قانونية في حالة ما إذا لم ينص عقد الشركة على تقدير حصص الشركاء ولا على طبيعة الحصة , فافترض أن الحصص جميعا متساوية القيمة وأنها واردة على ملكية المال لا على مجرد الانتفاع به .
- الكتابة :
تنص أكثر القوانين على اشتراط تضمين العقد في ورقة مكتوبة قد تكون هذه الورقة ورقة رسمية أو ورقة عرفية ، فإذا لم يكن عقد الشركة الأصلي في ورقة مكتوبة , أو لم تكن التعديلات التي يدخلها الشركاء بعد ذلك في الشكل ذاته الذي أفرغ فيه العقد الأصلي , كانت الشركة أو التعديلات التالية باطلة , ولما كان البطلان هنا جزاء على الإخلال بالشكل . وقد قدمنا أن القانون هو الذي يعين الجزاء على الإخلال بالشكل إذ الشكل من صنعه , فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا تلحقه الإجازة وقد يسمح بإجازته .
لكن في النظام السعودي الكتابة شرط في الشركات المسجلة وفقاً لنظام الشركات السعودي ولكن تثبت الشراكة بأي وسيلة من وسائل الإثبات .
ـ توفر الشروط العامة لصحة العقد :
فمثلاً محل الشركة فهو رأس مالها مقسما إلى حصص لكل شريك حصة كذلك يكون محلا للشركة الأعمال التي تقوم بها لاستغلال رأس المال ، كذلك إذا كانت الأعمال التي تباشرها الشركة طبقا لعقد تأسيسها أعمالا غير مشروعة , كتهريب الممنوعات , أو الاتجار في المخدرات , أو بيع سلع غير مرخص في تداولها أو تزييف الأوراق والمستندات فيجب أن تتوافر شروط المحل التي قدمناها في كل ذلك , فإذا تخلف شرط منها كانت الشركة باطلة في كثير من القوانين .
ـ الأرباح والخسائر :
إما أن ينص عقد الشركة على تعيين نصيب كل شريك في الربح والخسارة . أو لا ينص العقد على ذلك .
- تعيين النصيب في كل من الربح والخسارة :
يعين عقد الشركة عادة نصيب كل شريك في أرباح الشركة وفي خسائرها وعند ذلك توزع الأرباح والخسائر على الشركاء طبقا لما تعين من ذلك في عقد الشركة .
وليس من الضروري أن يتعين نصيب الشريك في الربح معادلا لنصيبه في الخسارة فقد يكون نصيب أحد الشركاء في الخسارة أكبر من نصيبه في الربح إذا كان مثلا مديرا للشركة أو العكس .
كذلك ليس من الضروري أن يكون نصيب الشريك في الربح أو في الخسارة متناسبا مع قيمة حصته في رأس المال أو متناسبا مع ما تفيده الشركة من هذه الحصة إذا كانت عملا بل يجوز أن يزيد النصيب أو ينقص عن ذلك .
- تعيين النصيب في الربح وحده أو في الخسارة وحدها:
قد يقتصر عقد الشركة على تعيين نصيب الشريك في الربح وحده فعند ذلك يكون نصيبه في الخسارة معادلا لنصيبه في الربح ولو لم يكن متناسبا مع قيمة حصته في رأس المال ذلك أن تعيين النصيب في الربح قرينة على أن هذا هو النصيب أيضا في الخسارة إذ الربح يقابل الخسارة ومن العدل أن تكون مساهمة الشريك في كل من الربح والخسارة بقدر واحد ما دام عقد الشركة لم ينص على اختلاف مابين النصيبين .
وكذلك يكون الحكم فيما إذا اقتصر عقد الشركة على تعيين نصيب الشريك في الخسارة فإن هذا يكون هو أيضا نصيبه في الربح للاعتبارات المتقدمة الذكر .
- النص على عدم مساهمة الشريك في الربح أو في الخسارة :
إذا نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الربح فمعنى ذلك أنه يساهم في الخسارة دون الربح , فيكون عليه الغرم وليس له الغنم أو نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الخسارة فمعنى ذلك أنه يساهم في الربح دون الخسارة فيكون له الغنم دون الغرم أو الغرم دون الغنم تسمى شركة الأسد وهي شركة باطلة .
ومن ثم إذا نص عقد الشركة على أن احد الشركاء لا يساهم في الربح أن يكون نصيبه فيه تافها إلى حد أن يكون هذا النصيب غير جدي فإن الشركة تكون باطلة , وتكون باطلة أيضا إذا نص العقد على أن احد الشركاء لا يساهم في الخسارة أو أن يكون نصيبه فيها تافها إلى حد عدم الجدية . ولكن لا يعتبر الشريك معفى من الخسارة إذا كانت حصته في رأس المال هي عمله ما دام لم يتقرر له أجر على هذا العمل . إذ هو في هذه الحالة يكون مساهما في الخسارة حتما فقد قام بعمل لم يأخذه عليه أجرا وهذه هي خسارته .
- تعيين نصيب الشريك في الربح وفي الخسارة بنسبة حصته في رأس المال :
إذا سكت عقد الشركة عن تعيين نصيب الشريك في الربح أو في الخسارة, فالمفروض أن يكون نصيبه في ذلك أو في هذه بنسبة حصته في رأس المال. وذلك يستلزم تقويم هذه الحصص فإذا لم تكن مقومه منذ البداية في عقد الشركة ولم تكن من النقود . تم تقويمها بالاتفاق مابين الشركاء جميعا . فإذا اختلفوا قوم الخبراء حصة كل منهم , وعند الشك يفترض تساوي ويمكن تصور ذلك إذا كانت الحصص كلها عبارة عن عمل يقدمه الشركاء فإذا لم يمكن تقويم الحصص أو قام شك في هذا التقويم فسمت الأرباح والخسائر بالتساوي بين الشركاء .
- نصيب الشريك في الربح والخسارة إذا كانت حصته عملا :
وإذا سكت عقد الشركة عن تعيين نصيب الشريك في الربح والخسارة وكانت حصة هذا الشريك عملا يقدمه للشركة فقد سبق القول أن هذا العمل تقدر قيمته تبعا لما تفيده الشركة من هذا العمل وبقدر هذه القيمة تكون حصة الشريك في رأس المال . ومن ثم يكون نصيب الشريك في الربح وفي الخسارة بنسبة حصته في رأس المال مقومة على هذا النحو .
آثار العقد
إذا استجمع العقد أركانه وتوافرت في كل ركن شروطه، انعقد العقد صحيحاً وترتب
عليه آثاره.
ـ الرابطة التعاقدية :
يترتب على انعقاد العقد صحيحاً نشوء رابطة قانونية بين طرفيه تسمى بالرابطة
التعاقدية وهي ملزمة للمتعاقدين ، و يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول كذلك ما هو من مستلزماته، وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام. ويترتب على ذلك :
( أولاً ) وجوب تنفيذ ما تقضي به هذه الرابطة من التزامات ناشئة عن العقد،
(ثانياً) عدم جواز حل هذه الرابطة بإرادة واحدة أي بإرادة أحد المتعاقدين فقط إلا في حالة وجود مبرر لذلك مثل إخلال الطرف الآخر بالتزاماته .
وآثار العقد تتحدد من حيث نطاقها بالعاقدين، فلا تنصرف إلى الغير، وهذا ما يعرف بنسبية آثار العقد. فأثر العقد ينصرف إلى المتعاقدين، سواء تم التعاقد مباشرة أو بوساطة نائب، ما دام هذا النائب قد تعامل باسم الأصيل .
ـ أثر العقد على خلفاء العاقد :
رغم ما سبق من تحدد نطاق أثر العقد المتعاقدين فإن أثر العقد يمتد كذلك إلى خلفاء العاقد وهم من يمثلهم في العقد، والخلف إمّا أن يكون خلفاً عاماً، وإمّا أن يكون خلفاً خاصاَ.
أ. الخلف العام أو الخلف بسبب عام :
وهو مَن تنتقل إليه ذمة غيره المالية، كلها أو جزء منها، مثل الوارث. وعلى
ذلك، فالخلافة العامة، لا تكون إلا بسبب الوفاة.
إلا أن هذا الأثر لا ينصرف إلي الخلف العام في بعض الحالات، وهي:
1 ـ إذا كانت طبيعة الالتزام، تتعلق بشخص المدين في تنفيذها: مثال ذلك لا يلتزم
ورثة الرسام بتنفيذ التزام مورثهم. وكذلك الحال بالنسبة إلى ورثة الطبيب
والمحامي والمهندس. لأن عقود هؤلاء الأشخاص مع الغير، روعي فيها شخصية
صاحب هذه المهنة.
2 ـ إذا اتفق المتعاقدان على عدم انصراف أثر العقد إلى الورثة.
3 ـ إذا كانت طبيعة العقد لات تقبل الانتقال إلى الورثة، مثل عقد الوكالة.
ب. الخلف الخاص :
وهو الذي لا يخلف السلف في جملة ذمته المالية أو في حصة منها كالثلث أو الربع
بل يخلفه في عين معينة بالذات أو في حق عيني عليها كالمشتري يخلف البائع في
المبيع، والموصى له بعين في التركة يخلف فيها الموصي، والمنتفع يخلف المالك
في حق الانتفاع. فالخلف الخاص هو من يتلقى شيئاً، سواء كان هذا الشيء حقاً
عينياً أو حقاً شخصياً. أما من يترتب له حق شخصي في ذمة شخص آخر فلا يكون
خلفاً خاصاً له، بل هو دائن له فالمستأجر ليس خلفاً للمؤجر بل دائناً له.
والأصل أن الخلف الخاص ـ على عكس الخلف العام ـ لا تنصرف إليه آثار العقود
التي يعقدها السلف إذا كان العقد الصادر من السلف لا يتناول الحق الذي تلقاه
عنه الخلف الخاص. فمشتري العقار خلف خاص للبائع ولكن لا شأن للمشتري بالعقود
الصادرة من البائع في غير ما يمس هذا العقار. أما إذا كان العقد الصادر من
السلف يمس الحق الذي تلقاه عنه الخلف الخاص، وكان هذا العقد ثابت التاريخ
وسابقاً على عقد الخلف الخاص، فيمكن انصراف أثر العقد إليه بشروط هي :
1 ـ أن يكون عقد السلف سابقاً، في تاريخه، على العقد الذي انتقل به الحق إلى
الخلف.
2 ـ أن يكون الحق، أو الالتزام الذي قرره عقد السلف، من مستلزمات الشيء، أو
الحق الذي انتقل إلى الخلف الخاص.
3 ـ أن يكون الخلف عالماً، وقت انتقال الحق إليه، بالعقد الذي أبرمه السلف،
وبالآثار التي ترتبت عليه.
ـ أثر العقد بالنسبة إلى الغير :
القاعدة العامة في شأن عدم انصراف آثار العقد إلى الغير، أن اثر العقد لا
ينصرف إلى غير العاقد أو من يمثله، أي لا ينصرف إلى الغير الأجنبي عن العقد،
فلا يحمله التزاماً ولا يكسبه حقاً والقاعدة في شقها السلبي أكثر إطلاقاً
منها في شقها الإيجابي.
فأمّا الجانب السلبي للقاعدة، أي عدم انصراف الالتزامات الناشئة عن عقد إلى
من كان أجنبياً عنه فيكاد يكون مطلقاً.
أمّا الجانب الإيجابي للقاعدة أي عدم اكتساب حقاً من عقد لم يكن ممثلاً فيه
فليس في إطلاق الجانب السلبي منها، لأنه ايسر على المنطق أن يتقبل اكتساب
الشخص لحق من عقد هو أجنبي عنه عن أن يتقبل التزامه بتعهدات ناشئة عن هذا
العقد. لذا فالاستثناءات الواردة على الجانب الإيجابي للقاعدة أكثر من تلك
الواردة على الجانب السلبي منها.
ولعل من أهم هذه الإستثناءات ما تعلق بالاشتراط لمصلحة الغير وهو هو عمل قانوني يشترط فيه شخص يسمى المشترط على شخص آخر يسمى المتعهد بأن يقوم بأداء معين لمصلحة شخص آخر يسمى المنتفع".
ويجوز للشخص أن يتعاقد، باسمه، على التزامات، يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان
له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية، مادية كانت أو أدبية. وهذا العقد،
يشترط فيه أحد الطرفين، ويسمى المشترط على الطرف الآخر، ويسمى المتعهد
التزاماً لمصلحة شخص ثالث، ويسمى المنتفع أو المستفيد، حتى ينشأ لهذا الشخص
الثالث حق مباشر من العقد، مثل عقد التأمين على حياة شخص لمصلحة ابنه أو بنته
أو زوجته، وهذا الشخص الثالث، ليس طرفاً في العقد، وليس ممثلاً فيه.
نهاية العقد
*زوال الرابطة التعاقدية :
تزول الرابطة التعاقدية بالانقضاء أو بالانحلال أو بالإبطال فهو ينقضي بتنفيذ الالتزامات التي ينشئها. وهذا هو مصيره المألوف.
ولكنه قد يزول قبل تمام تنفيذه، أو قبل البدء في تنفيذه فيُحلّ. فالفرق إذن بين انحلال العقد وانقضائه أن الانحلال يكون قبل أن ينفذ العقد، والانقضاء لا يكون إلا عند تمام التنفيذ.
وانحلال العقد غير إبطاله. كلاهما زوال للعقد ولكن الانحلال يرد على عقد ولد صحيحاً ثم ينحل بأثر رجعي أو دون أثر رجعي، أما الإبطال فيرد على عقد ولد غير صحيح ثم يبطل بأثر رجعي في جميع الأحوال. والعقد، في حالة الإبطال وفي حالة الانحلال بأثر رجعي، لا يزول فحسب بل يعتبر كأن لم يكن.
* انقضاء العقد :
تزول الرابطة التعاقدية بالانقضاء بعد أن تكون قد استنفذت أغراضها، كما هو الشأن في الالتزام التعاقدي. ففي العقد الفوري كالبيع مثلاً سواء كان حالاً أم مؤجلاً ينقضي بتنفيذ ما يرتبه من التزامات في ذمة كل من الطرفين، أما عقد المدة فينقضي بانقضاء المدة المحددة له دون حاجة إلى تنبيه بالإخلاء .
* انحلال العقد :
قد ينحل العقد بعد البدء في تنفيذه، وقد ينحل قبل البدء في تنفيذه. وقد يكون الانحلال كاملاً يتناول الرابطة التعاقدية بأسرها بالنسبة إلى الماضي والمستقبل أو بالنسبة إلى المستقبل فقط. وقد يكون جزئياً يقتصر على إعفاء المدين من بعض التزاماته. وقد يتم الانحلال باتفاق الطرفين وهذا هو (التقايل). أو لسبب من الأسباب التي يقررها القانون وهذه هي الرجوع، والإنهاء بالإرادة المنفردة، والفسخ.
أ. التقايل :
هو حل للعقد باتفاق المتعاقدين. ويُعَدّ الاتفاق على التقايل عقداً، يتم بإيجاب وقبول صريحين أو ضمنيين. وقد تنصرف إرادتا المتعاقدين إلى تقدير أثر رجعي للتقايل، لتعود الحالة بينهما إلى ما كانت عليه قبْل التعاقد. وقد تنصرف إرادتاهما إلى قصر أثر التقايل على المستقبل فقط. وسواء أكان للتقايل أمْ لم يكن، فإنه لا يجوز أن يؤثر في الحقوق، التي كسبها الغير، بناءً على العقد.
ب. الرجوع
قد يتقرر لأحد المتعاقدين حق العدول عن العقد الصادر منه بالرجوع فيه بإرادته وحدها كما هو الشأن في الهبة.
ج. الإنهاء :
هو تعبير عن إرادة واحدة يحل بها الرباط التعاقدي بالنسبة إلى المستقبل دون أن ينسحب أثر ذلك إلى الماضي. والإنهاء بهذا المعنى لا يكون إلا بالنسبة إلى العقود التي أجاز فيها المشرع حل الرابطة التعاقدية بإرادة منفردة منها: عقد الوكالة، وعقد العارية، وعقد الوديعة.
ويشار إلى أن التعسف في استعمال هذا الحق يستوجب تعويض الطرف الآخر، متى استعمل هذا الحق في ظروف غير مواتية للطرف الآخر.
د. الفسخ :
في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يُوفِ أحد المتعاقدين بالتزامه، جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين، أن يطالب بتنفيذ العقد، أو فسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مبرر. ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً، إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز له أن يرفض الفسخ، إذا كان ما لم يوفِ به المدين قليل الأهمية، بالنسبة إلى الالتزام في جملته ولطلب الفسخ ثلاثة شروط، وهي:
(1) أن يكون العقد من العقود الملزمة للجانبين (التبادلية)، أي دون العقود الملزمة لجانب واحد.
(2) أن يكون التنفيذ راجعاً إلى المدين، أي أن المدين أخل بالتزاماته.
(3) أن يكون المتعاقد، طالب الفسخ، قد نفذ التزامه، أو مستعداً لتنفيذه، وقادراً على إعادة الحالة إلى ما كانت عليه.
* الفرق بين بطلان العقد وفسخه :
البطلان يرجع إلى تخلف ركن من أركان العقد أو إخلاله. بينما الفسخ هو حل للرابطة العقدية، بسبب عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه.
كيفية تقرير الفسخ :
الفسخ يكون بحكم القاضي وهذا هو الأصل. وقد يكون باتفاق المتعاقدين. ويكون في بعض الأحوال بحكم القانون ويسمى عند ذلك إنفساخاً.
أ. الفسخ القضائي
ويشترط للمطالبة بالفسخ القضائي الشروط الآتية:
(1) أن يكون العقد ملزماً للجانبين.
(2) ألا يقوم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه.
(3) أن يكون المتعاقد الآخر الذي يطلب الفسخ مستعداً للقيام بالتزامه من جهة، وقادراً على إعادة الحال إلى أصلها إذا حكم بالفسخ من جهة أخرى.
ب. الفسخ الاتفاقي
يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه، وهذا الاتفاق لا يعفي من الأعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه.
ج. انفساخ العقد بحكم القانون
في العقود الملزمة للجانبين، إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت الالتزامات المقابلة له، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه.
والالتزام لا ينقضي بسبب استحالة تنفيذه إلا إذا كانت هذه الاستحالة ترجع إلى سبب أجنبي. وأن العقد لا ينفسخ من تلقاء نفسه بحكم القانون إلا إذا انقضى الالتزام. فالعقد إذن لا ينفسخ إلا إذا استحال تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي، وما لم يثبت المدين هذا السبب الأجنبي بقى ملزماً بالعقد وحكم عليه بالتعويض.
. إنهاء العقد بالإرادة المنفردة :
القاعدة أن العقد، لا يجوز إنهاؤه بإرادة منفردة، أي بإرادة أحد طرفيه، استناداً إلى قاعدة ( العقد شريعة المتعاقدين ). إلا أنه توجد حالات استثنائية، يجوز فيها الإنهاء بإرادة منفردة، وهي:
أ. إذا وجد شرط في العقد، يجيز لأحد المتعاقدين إنهاء العقد بإرادته، كما في عقد الإيجار، مثلاً (يجوز أن يعقد العقد لمدة ست سنوات، مثلاً، على أن يكون لكل من المؤجر والمستأجر، كل سنتين، مثلاً، الحق في إنهاء العقد بإرادته).
ب. هناك حالات ينص عليها القانون، ويجيز فيها لأحد المتعاقدين، أو لكليهما، إنهاء العقد قبل انتهاء مدته وتمام تنفيذه:
* عقد الشركة بنهاية مدتها ، عقد الوكالة ، عقد العمل غير المحدد المدة.
2. إنهاء العقد أو تعديله بقوة القانون :
هناك حالات تفرض إنهاء العقد، أو تعديله، على الرغم من إرادة المتعاقدين، منها:
أ. انتهاء عقد العمل بموت العامل.
ب. انتهاء الوكالة بموت الوكيل أو الموكل.
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية
10 يونيو 2011
بحث في صياغة العقود التجارية والإدارية
تعريف الصياغة
الصياغة لغة : اسم مصدر من الـ ( صَوْغْ ) بمعنى التهيئة والتقدير ، ومنه ( الصَائِغ ) الذي يَصُوْغُ الحلي ، كما يُقال : هذا ( صَوْغُ ) هذا ، أي على هيئته.
وكما يُستعمل الـ( صوغ ) في المحسوسات يُستعمل في المعاني فيقال : صيغة القول أي هيئته وصورته .
وقد عُرفَت الصيغة في الاصطلاح بما يلي:
1 ــ ( ترتيب الكلام على نحو معين صالح لترتب الآثار المقصودة منه) .
2 ــ ( الألفاظ والعبارات التي تُعرب عن إرادة المتكلم ونوع تصرفه ).
تعريف العقد :
العقد في اللغة :
يطلق العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، ويطلق أيضاً بمعنى إحكام الشيء وتقويته. ومن معنى الربط الحسي بين طرفي الحبل أخذت الكلمة للربط المعنوي للكلام أو بين الكلامين، ومن معنى الإحكام والتقوية الحسيّة للشيء أُخذت اللفظة وأُريد بها العهد، ولذا صار العقد بمعنى العهد الموثّق، والضمان، وكل ما يُنشئ التزاما.
وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، لما في كل أولئك من معنى الربط والتوثيق.
ثانيا : العقد عند فقهاء الشريعه :
من الفقهاء من توسع فى إطلاق لفظ العقد كل إلتزام لا يخلو من عهد والعهد يطلق على العقد .
ومن ضيق فيه وقصره على أنه لا يكون إلا بين تصرفين صادرين من شخصين يرتبط كل منهما بالاخر .
أما المعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء لكلمة العقد فانه لا يبعد عن المعنى
اللغوي له، بل هو حصرُ له وتخصيص لما فيه من العموم، وللعقد معنيين عندهم،
ويطلق بإطلاقين: فمن عباراتهم ما يفيد أن العقد هو ربط بين كلامين ينشأ عنه حكم شرعي بالتزام لأحد الطرفين أو لكليهما.
ولذا فإن أكثر الفقهاء لا يطلقون اسم العقد على الطلاق، والإبراء، والإعتاق وغيرها مما يتم بكلام طرفٍ واحدٍ من غير كلام الطرف الثاني. في حين يطلقون اسم العقد على البيع، والهبة، والزواج، والإجارة وغيرها مما لا يتم إلاّ بربط كلامين من طرفين.
وبجوار هذا فإن هناك من الكتاب في الفقه من يعممون، فيطلقون كلمة العقد على كل تصرف شرعي، سواء أكان ينعقد بكلام طرفٍ واحد أم لا ينعقد إلاّ بكلام طرفين.
وفي الجملة أن كتب الفقه تذكر كلمة العقد، وتريد بها أحياناً المعنى العام،
وهو المرادف للتصرف، وتذكرها أحياناً وتريد بها المعنى الخاص، وهو ما لا يتم إلاّ من ربط كلامين يترتب عليه أثرُ شرعي. وهذا هو المعنى الشائع المشهور حتى يكاد ينفرد هو بالاصطلاح، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن إذا أطلقت كلمة العقد. أما المعنى الثاني فلا تدل عليه كلمة العقد، إلاّ بتنبيه يدل على التعميم.
مقارنه بين تعريف الفقهاء ورجال القانون :
كل منهما يخص العقد بما يتم بإرادتين أما ما يتم بإرادة منفردة فليس بعقد عندهم .
تعريف الفقهاء قد يكون أحكام منطقيا , وادق تصورا من تعريف رجال القانون .
للأمور الاتية :
1- أن العقد فى نظر الفقهاء ليس هو اتفاق الارادتين نفسه بل الارتباط الذى يعتبره الشارع حاملا بهذا الاتفاق .
أما التعريف الفقهى فأنه يعرفه بحسب واقعته الشرعيه , وهى الارتباط الاعتبارى .
2- أن تعريف العقد عند الفقهاء قد أمتاز ببيان الاجزاء التى يتركب منها فى نظر التشريع , وهى الايجاب والقبول , .
أما تعريف العقد عند رجال القانون فقد اغفل هذا البيان .
موازنة بين التعريفين الفقهي والقانوني:
فالعقد في نظر فقهائنا ليس هو اتفاق الارادتين نفسه، بل الارتباط الذي يعتبره الشارع حاصلاً بهذا الاتفاق، إذ قد يحصل الاتفاق بين الارادتين دون أن تتحقق الشرائط المطلوبة شرعاً للانعقاد، فلا يعتبر إذ ذاك انعقاد رغم اتفاق الارادتين، وهي حالة بطلان العقد في نظر الشرع والقانون.
فالتعريف القانوني يشمل العقد الباطل الذي يعتبره التشريع لغواً من الكلام لا ارتباط فيه ولا ينتج نتيجة. ذلك لأن هذا التعريف القانوني إنما يعرف العقد بواقعته المادية، وهي اتفاق الارادتين. أما التعريف الفقهي فيعرفه بحسب واقعته الشرعية، وهي الارتباط الاعتباري. وهذا هو الأصح، لأن العقد لا قيمة فيه للوقائع المادية لولا الاعتبار الشرعي الذي عليه المعول في النظر الحقوقي.
وهذا التعريف الفقهي أيضاً قد امتاز في تصوير الحقيقة العقدية ببيان الأداة العنصرية المكونة للعقد. أي الأجزاء التي يتركب منها في نظر التشريع، وهي الايجاب والقبول، فاتفاق الارادتين في ذاته لا يعرف وجوده، وإنما الذي يكشف عنه هو الايجاب والقبول اللذان يعتبران عناصر العقد الظاهرة بما فيها من إعراب هن تحرك كل من الارادتين نحو الأخرى وتلاقيهما وفاقاً فهذا التحرك والتلاقي هو المعول عليه في معنى الانعقاد، إذ قد تكون إرادتان متفقتين على التعاقد، ولا تتحرك إحداهما نحو الأخرى فلا يكون عقد، كما في حالة الوعد ببيع أو برهن أو بقرض مثلاً. فالتعريف القانوني يشمل الوعد أيضاً لوجود اتفاق الارادتين فيه مع أنه ليس بعقد.
فالتعريف القانوني غير مانع. فلذا قلنا ان تعريف فقهائنا للعقد أدق تصوراً وأحكم منطقاً، وإن كان التعريف القانوني أوضح تصويراً وأسهل فهماً في طريق التعليم.
أركان العقد
الأركان جمع ركن وهو جانب الشيء القوي الذي يتوقف عليه وجوده بكونه جزء ماهيته، كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة والصيغة بالنسبة للعقد.
فركن الشيء جزؤه الذي يتركب منه ويتحقق به وجوده في الوجود، بحيث إذا انتفى لم يكن له وجود.
وأركان العقد هي: التراضي، المحل، السبب.
أولاً: التراضي :
التراضي هو تطابق إرادتين. والمقصود بالإرادة، هنا، هي الإرادة التي تتجه إلى
إحداث أثر قانوني معين، هو إنشاء الالتزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه.
والتراضي، كذلك، هو توافق الإرادتين على إحداث أثر قانوني معين. ويُعَدّ
التراضي ركن العقد الأساسي. فإذا فُقِدَ، لم ينعقد العقد.
وسائل التعبير عن الإرادة :
الإرادة أمر كامن في النفس لا يمكن أن تحدث أثراً قانونياً
معيناً، إلا إذا ظهرت إلى الخارج، أي إلا إذا أفصح صاحبها عنها.
والتعبير عن الإرادة، يكون باللفظ، وبالكتابة، وبالإشارة المتداولة عرفاً.
كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود،
أي يكون التعبير عن الإرادة مطابقاً لحقيقة ما قصدت إليه. ويجوز أن يكون
التعبير عن الإرادة ضمنياً، إذا لم ينص القانون، أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً.
ويعتبر من قبيل القبول الضمني قيام الوكيل بتنفيذ الوكالة، إذ يدل هذا على
قبوله لها.
وهناك فرق كبير بين السكوت والتعبير الضمني. فالتعبير الضمني، يفترض أن الشخص
قد سلك مسلكاً معيّناً، يمكن أن يقطع في الدلالة على إرادته. أما السكوت، فهو
أمر سلبي، لا يقترن بأي مسلك أو موقف، فضلاً عن أنه غير مصحوب بلفظ أو كتابة
أو إشارة.
والسكوت لا يمكن أن يُعدّ طريقاً للتعبير عن الإيجاب. ذلك أن الإيجاب عرض،
والعرض لا يمكن أن يستفاد إلا بفعل إيجابي، أي بفعل إيجابي محدد موجّه إلى
الغير.
أمّا فيما يتعلق بالقبول، فالقاعدة، كذلك، أن القبول لا يمكن أن يستفاد من
مجرد السكوت، إذ لا ينسب إلى ساكت قول. وكقاعدة عامة من غير المتصور أن يكون
السكوت تعبيراً عن الإرادة والتي هي عمل إيجابي، في حين لا يتضمن السكوت
إيجاباً لأنه عدم، والعدم لا ينبئ بشيء وهو كذلك لا يتضمن قبولاً. إلا أنه
إذا كان مجرد السكوت لا يُعدّ قبولاً، فإن هناك حالات استثنائية، يمكن أن
يكون السكوت فيها دليلاً على القبول، وهي حالات يقترن فيها بالسكوت ظروف
وملابسات، ويسمى السكوت الملابس. ومثال ذلك: مثل ما جرت عليه عادة
المصارف من إرسال بيان إلى عملائها بالحساب الجاري، فإن عدم اعتراض العميل
على هذا البيان، في وقت مناسب، يُعدّ اعتماداً له.
إذا كان الإيجاب يسفر عن منفعة خالصة للموجّه إليه، فإن سكوت من وُجّه إليه
البيان يُعدّ قبولاً.
مثال ذلك، أن يَعِد شخص آخر بأن يبيع له ما له، بمبلغ معين، إذا أظهر رغبته
في ذلك، في ظرف مدة محددة. فيسكت هذا الأخير، فيكون سكوت الموعود قبولاً، لأن
الوعد مفيد له فائدة بحتة، ولا يلزمه بأي التزام.
أو كعارية استعمال تعرض على المستعير فيسكت فيعتبر سكوته في هذه الحالة
قبولاً. حيث أن الإيجاب يتضمن منفعة ظاهرة لمن وجه إليه.
التعاقد بين غائبين:
لا يزال الإنسان يستعمل الكتابة من بدء وضعها لهذا اليوم للتعبير عن مقاصده وأفكاره وأكثر الناس استعمالاً لها جماعة المشتغلين بالتجارة وما شابهها من أعمال الأخذ والعطاء بين الناس في بلد واحد أو في بلدان مختلفة فهي عند المتراسلين مقام المشافهة لا بل إنهم يلجأون إليها مع استطاعتهم أن يتشافهوا ويتباحثوا ويجعلونها واسطة التعاقد بينهم. كانت هكذا في أيام الرومان وفي بدء الإسلام ولا تزال ليومنا هذا على ما هي عليه.
ولا يخفى على أحد ما يبرمه الناس وينقضونه بين بعضهم بالمكاتبة بواسطة البريد في صورة رسائل أو خطابات أو محررات وكذلك بواسطة الفاكس والبرقيات أيضًا فإن الناس في معترك الحياة الهائل يطلبون السرعة في العمل وقد يعدون الدقائق من ذهب فالفاكس في معاملاتهم القانونية شأن عظيم مثل شأن رسائل البريد على السواء.
وقد أضاف تقدم العلم والتمدن واسطة ثالثة للمخاطبة بين الناس البعيدين بعضهم عن بعض وهو الإنترنت مما يثير الحيرة في معرفة المكان المعتبر محلاً للعقد كما أنه قد يخطئ الرجل فيخاطب رجلاً آخر ليس بالمقصود فيفقد شرطًا من شروط التعاقد وهو معرفة حقيقة شخص المتعاقد معه، وصور التعاقد على شبكة الإنترنت متنوعة من أشهرها: العقود الإلكترونية على الويب (click Wrap Contracts أو Web Wrap Agreement) والتعاقدات بالمراسلات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني حيث تتلاقى إرادة المزود أو المنتج أو البائع مع إرادة الزبون، وهنا تظهر مجموعة من المشاكل:
• توثق كل طرف من صفة وشخص ووجود الطرف الآخر أي التوثق من سلامة صفة المتعاقد .
• عيوب الإرادة: حيث يصعب إثباتها ، فمثلا يمكن في البيع عن بعد أن يوجه البائع إيجابا للمشتري يعرض فيه رغبته في بيعه إياه إحدى السلع، وبدل أن يحدد الثمن في 5000ريال للوحدة ونتيجة خطأ وقع فيه أثناء كتابة الرقم، بنسيان أحد الأصفار، يظهر على الشاشة المقابلة للمشتري 500 ريال لكل وحدة، ففي هذه الحالة يصعب كثيرا إثبات الخطأ، وطبيعي فإن البائع لا يمكن له في هذه الحالة التراجع عن إيجابه إذا صادف هذا الإيجاب قبولا من طرف المشتري احتراما لقاعدة عدم التراجع عن العقد المبرم.
• حجية العقد الإلكتروني أو القوة القانونية الإلزامية لوسيلة التعاقد: فقد أفرز هذا النوع من العقود إشكاليات عدة خصوصا فيما يتعلق بالسلع والخدمات الغير مادية كبيع وشراء البرامج المعلوماتية.
وإيضاحا للفكرة نتصور الحالة التالية: أن يقوم بائع بعرض رغبته في بيع برنامج معلوماتي على موقع له على الشبكة فيصادف هذا العرض قبولا من مستهلك، وهكذا يتم التسليم بشكل أوتوماتيكي بمجرد عرض هذا الأخير رقم بطاقته البنكية للبائع عبر الشبكة، ويمكن للمستهلك في هذه الحالة أن يعرض هذا البرنامج لفيروس يؤدي إلى تخريبه. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للبائع أن يثبت أنه سلم البرنامج في حالة سليمة من كل عيب للمستهلك في حالة ما إذا أقدم هذا الأخير على رفع دعوى ضده على أساس العيوب الخفية؟ يصعب في واقع الأمر أن يثبت البائع عكس ذلك لأن البرنامج المعلوماتي شيء غير مادي وغير ملموس ومن ثمة يصعب تحديد وضعيته وحالته الحقيقية قبل إبرام البيع.
ومن أهم الإشكاليات التي تثار عند حسم منازعات التجارة الإلكترونية، تلك المتعلقة بمسائل الإثبات، فإذا كان الدليل الكتابي هو سيد الأدلة، فقد أدى انتشار استعمال الحاسب الآلي، وبالصورة المعروفة حاليا، إلى ظهور أنواع من الكتابة تختلف إلى حد ما عن الكتابة التقليدية المعروفة لنا منذ القديم، بل وإلى ظهور بدائل لهذه الكتابة التقليدية وإن كانت بعض مخرجات الحاسب الآلي لا تثير أية صعوبة من هذه الناحية فالبطاقة والأشرطة المثقبة والدعامات الورقية المتصلة، تتضمن دون شك "كتابة" بالمعنى التقليدي في قانون الإثبات إلا أن هناك بالمقابل بعض المخرجات التي تبدو محل شك كالأشرطة الممغنطة، والأسطوانات الممغنطة، والميكروفيلم بنوعيه العادي والأسطوانات. فبالنسبة للميكروفيلم يمكن القول أنه يأخذ قانونا حكم الكتابة التقليدية مع فارق وحيد بينهما كما يرى البعض والمتمثل في ركيزة أو دعامة الدليل، فهي من الورق بالنسبة للكتابة العادية ومن مادة بلاستيكية بالنسبة للميكروفيلم.
أما بالنسبة للأشرطة الممغنطة فهي تحتوي على معلومات تم تخزينها مباشرة على ذاكرة الحاسب الإلكتروني دون أن يكون لها أصل مكتوب، ولا يمكن الاطلاع عليها إلا من خلال عرضها على شاشة الحاسب. وقد يقال لذلك أنها لا تتضمن كتابة على الإطلاق في أي شكل من الأشكال، بل هي أقرب إلى التسجيلات الصوتية.
والتراضي لا يكون صحيحاً، إلا بشرطين:
1 ـ أن يكون صادراً من ذي أهلية:
الإنسان، لدى ولادته، تكون له شخصية قانونية، صالحة لأن تثبِت له حقوقاً،
ولأن تقرر عليه واجبات والتزامات. ولكنه لا يستطيع أن يباشر الأعمال
والتصرفات القانونية بنفسه، فهو غير أهل لمباشرة هذه الأعمال. ويجب التفرقة بين تمتع الشخص بالحقوق وقابليته لتحمل الالتزامات، وهو ما يطلق عليه "أهلية الوجوب"، وبين قدرة الشخص على أن يقوم بالأعمال الناجمة عنها تلك الحقوقوالالتزامات، والتي تسمى " أهلية الأداء ".
ويمر الإنسان، من حيث أهليته، ومن وقت ولادته، بأدوار ثلاثة، هي:
1. الدور الأول:ويبدأ من ولادة الطفل، وينتهي ببلوغ سن التمييز، وهي سن سبع سنوات. ويكون الشخص، في هذا الدور، صغيراً، غير مميز (عديم الأهلية).
2. الدور الثاني : ويبدأ من سن التمييز، وينتهي ببلوغ الإنسان سن الرشد. وفي هذا الدور، يكون الشخص صبيّاً مميزاً، ولكنه غير كامل عناصر الرشد ( ناقص الأهلية ).
إذا كان الصبي مميزاً، كانت تصرفاته المالية صحيحة، متى كانت نافعة نفعاً
محضاً، وباطلة، متى كانت ضارّة ضرراً محضاً. أما التصرفات المالية، الدائرة
بين النفع والضرر، فتكون قابلة للإبطال، لمصلحة القاصر، ويزول حق التمسك
بالإبطال، إذا أجاز القاصر التصرف، بعد بلوغه سن الرشد، أو إذا صدرت الإجازة من وليّه، أو من المحكمة، بحسب الأحوال".
3. الدور الثالث : ويبدأ ببلوغ الشخص سن الرشد، وهي خمسة عشرة سنة على المذهب الحنبلي وثمانية عشر سنة على المذهب الحنفي وإحدى وعشرون سنة، بالنسبة إلى القانون المصري. وفي هذا الدور، يُعَدّ الشخص رشيداً بالغاً (كامل الأهلية)، ما لم يحدث له عارض من عوارض عدم الأهلية، يؤدي إلى انعدام أهليته أو نقصها.
وعوارض الأهلية : بعضها يؤثر في العقل، وهي: الجنون، والعُتْه، والسَّفَه، والغفلة.
وبعضها يصيب الجسم، فيجعل الشخص عاجزاً عجزاً، جزئياً أو كلياً، عن القيام على أمر نفسه، كإصابة حواسّ الشخص ببعض العاهات.
وبعضها يمنع الشخص عن الإشراف على أمواله كالغَيبة.
والبعض الآخر يفرض على الشخص لمصلحة الغير مثل الحجر على المفلس .
2 ـ أن يكون صادراً من ذي إرادة سليمة، غير مشوبة بعيب من عيوب الرضا.
وعيوب الرضى هي:
الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال.
أ. الغلط
هو وهم، يقوم في ذهن الشخص يحمله على اعتقاد غير الواقع. أي اعتقاد خاطئ يقوم
في ذهن المتعاقد، فيدفعه إلى التعاقد. فإذا وقع المتعاقد في غلط جوهري، جاز
له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر، قد وقع، مثله، في هذا الغلط،
أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه. ومعنى ذلك أن الغلط لا
يؤدي إلى إبطال العقد إذا تعذر على الذي وقع في الغلط إثبات أن الغلط كان
مشتركاً أو كان المتعاقد الآخر يعلم به، أو يسهل عليه العلم به. ولا يؤثر في
صحة العقد مجرد الغلط في الحساب، ولا غلطات القلم. ولكن، يجب تصحيح الغلط،
وليس لمن وقع في غلط، أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية.
ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد، الذي قصد إبرامه، إذا أظهر الطرف الآخر استعداده
لتنفيذ هذا العقد. وعلى ذلك يظل من يشتري شيئاً معتقداً غلطاً أن له قيمة
أثرية، مرتبطاً بعقد البيع، إذا عرض البائع استعداداً لأن يسلمه نفس الشيء
الذي انصرفت نيته إلى شرائه.
والغلط في القانون كالغلط في الواقع يؤدي إلى بطلان العقد بطلاناً نسبياً إذا
توافرت فيه شروط الغلط في الواقع. فإذا كان الغلط في القانون جوهرياً وتناول
قاعدة قانونية لا تتصل بالنظام العام فيمكن التمسك به لإبطال العقد، ومن
الغلط في القانون أن يبيع شخص نصيبه في التركة معتقداً أنه يرث الربع في حين
أنه يرث الثلث.
ب. التدليس
هو إيهام الشخص بغير الحقيقة، بقصد حمْله على التعاقد.
ويجوز إبطال العقد، للتدليس، إذا كانت الحيل، التي لجأ إليها أحد المتعاقدين،
أو نائب عنه، من الجسامة، أنه لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد. ويُعَدّ
تدليساً السكوت، عمداً، عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلَّس عليه، ما
كان ليبرم العقد، لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة.
وظاهر من هذا التعريف أن التدليس لا يعتبر عيباً مستقلاً من عيوب الرضا، بل
هو علة تعيب آخر، وهذا العيب هو الغلط. ذلك أن الغلط إمَّا أن يكون تلقائياً
أي ينزلق إليه الشخص من تلقاء نفسه وإما أن يكون مستثاراً، أي تثيره في الذهن
الحِّيل التي استعملها المتعاقد الأخر، وفي الحالتين يكون العقد قابلاً
للإبطال.
ج. الإكراه
الإكراه هو ضغط، يتعرض له أحد المتعاقدين، يولّد في نفسه رهبة، تدفعه إلى
التعاقد.
والإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلاّ بالتهديد المفزع في النفس أو المال أو
باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قِبَل للمكره باحتمالها أو التخلص منها ويكون من
نتائج ذلك خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله
اختياراً.
وهذا هو الإكراه المفسد للرضا وهو يختلف عن الاكراه المعدم للرضا والذي يترتب
عليه بطلان العقد بطلاناً أصلياً، كما لو أمسك المكرِه بيد المكرَه والقلم
فيها للتوقيع على العقد حيث لا يمكن القول حينئذٍ بوجود الإرادة بعكس الإكراه
المفسد للرضا فالإرادة موجودة وإن لم تكن مختارة. وإذا صدر الإكراه من غير
المتعاقدين فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد
الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه. والإكراه يكون
مشروعاً أو غير مشروع بحسب الغرض منه. فإذا كان الغرض من الإكراه مشروعاً
فانه لا يفسد العقد سواء كانت وسيلة الإكراه مشروعة أو غير مشروعة. كل هذا
بشرط ألاّ تصل الوسيلة غير المشروعة على درجة الجريمة المعاقب عليها.
د. الاستغلال
قد ينظر إليه من الناحية المادية فيسمى غبناً، وقد ينظر إليه من الناحية
النفسية فيسمى استغلالاً.
فإذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا
المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، وتبيّن أن
المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلاّ لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً
بيناً أو هوى جامحاً، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل
العقد.
وعدم التعادل يكون عادة في العقود المحددة، إلا أنه أيضاً قد يكون كذلك في
العقود الاحتمالية إذا كان احتمال الخسارة في جانب أحد الطرفين يرجح كثيراً
على احتمال الربح. وذلك متى اجتمع في العقد الاحتمالي معنى الإفراط ومعنى
استغلال العاقد. كما في بيع عقار مقابل إيراد مرتب لمدى حياه البائع، إذا كان
احتمال وفاة البائع قريبة الحدوث بسبب كبر السن وضعف الصحة وتفاقم العلة.
والاستغلال كما يقع في عقود المعاوضات سواء أكانت محددة أم احتمالية، قد يقع
كذلك في أعمال التبرعات سواء أكانت عقوداً كالهبة أم أعمال قانونية صادرة من
جانب واحد كالوصية.
حدود حرية المتعاقدين في التراضي :
1ـ لا يجوز اتفاق المتعاقدين على ما يخالف النظام العام :
فلا يجوز اتفاقهما على عمل غير مشروع وكل اتفاق منهما على ذلك يعد باطلاً .
2 ـ تدخل القضاء في تقييد إرادة المتعاقدين :
يتدخل القضاء على الرغم من إرادة المتعاقدين، مقرراً إنهاء العقد، أو تعديله ومن أمثلة ذلك :
ـ سلطة القاضي في خفض الشرط الجزائي:
وذلك إذا أثبت المدين أن التقدير، كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
ـ تعديل عقد الإذعان:
إذا تضمن شروطاً تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط، أو أن يعفي الطرف المذعن منها، وذلك بما تقضي به العدالة.
ـ تقدير الظروف الطارئة :
إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها، أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهِقاً للمدين، يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهِق إلى الحد المعقول.
ـ منح مهلة للتنفيذ :
للقاضي سلطة منح المدين أجلاً للتنفيذ، إذا استدعت حالته ذلك، ولم يلحق الدائن ضرر جسيم من تأجيل حقه.
3 ـ تدخل القاضي في تفسير العقد :
تفسير العقد من عمل القاضي، غير أنه ملزم باتباع قواعد معينة لضمان عدم خروجه على مهمته الأصلية وهي تفسير العقد إلى التعديل فيه.
وإذا كانت عبارة العقد واضحة، فلا يجوز الانحراف عنها، من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين.
أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء، في ذلك، بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات.
ويفسر الشك في مصلحة المدين. ومع ذلك، لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان، ضارّاً بمصلحة الطرف المذعن.
ثانياً: المحل :
وهو الركن الثاني من أركان العقد.
أ. محل الالتزام
محل الالتزام هو ما يتعهد به المدين، والمدين يلتزم إما بإعطاء شيء كنقل
الملكية للشيء المبيع، أو ترتيب حق عيني على شيء كالرهن، وأما القيام بعمل
كالتزام مقاول ببناء منزل، أو الامتناع عن عمل كالتزام بائع المتجر بالامتناع
عن مزاولة نفس التجارة في الجهة الكائن فيها المتجر المبيع.
ب. ومحل العقد :
هو العملية القانونية، التي يراد تحقيقها من طريق التراضي. وهذه العملية
القانونية، تتحقق من طريق جملة الالتزامات الناشئة عن العقد.
ومحل العقد يتنوع بحسب الغايات المتعددة، التي يريد المتعاقدون تحقيقها.
ويشترط في محل العقد، ألا يكون مخالفاً للنظام العام أو للآداب.
ويجب أن يستوفي محل الالتزام، إذا كان شيئاً، الشروط الآتية:
* أن يكون الشيء موجوداً، أو قابلاً للوجود.
* أن يكون داخلاً في التعامل.
* أن يكون معيّناً أو قابلاً للتعيين.
ويجب في محل الالتزام، إذا كان أداء عمل، أو الامتناع عن عمل:
* أن يكون ممكناً.
* أن يكون مشروعاً.
ثالثاً: السبب :
وهو الركن الثالث من أركان العقد.
والسبب في العقد، هو الغرض الذي يقصد المتعاقد إلى تحقيقه، أو هو الباعث،
الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد. والبواعث التي تحمل الإنسان على إبرام
عقد ما، هي بواعث متعددة، ومتنوعة، ومختلفة من عقد إلى أخر، ومن متعاقد إلى
آخر. فإذا سألت لماذا اشترى فلان هذا المنزل؟ كانت الإجابة لأنه يريد أن
يسكنه، أو يريد استغلاله فندقاً، أو يؤجره … وهكذا. وسبب العقد، أي سبب
العملية القانونية، التي يريد العاقد تحقيقها، هو ما يُعرف بالباعث أو الدافع
الفردي، أو الباعث الذاتي. ويجب أن يكون سبب العقد مشروعاً، أي لا يكون
مخالفاً للنظام العام أو للآداب، أما السبب في الالتزام: فهو ما يحمل الشخص
على الالتزام، وهو واحد في كل نوع من أنواع العقود، ففي البيع مثلاً سبب
التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بتسليم المبيع إليه، وسبب التزام
البائع بتسليم المبيع إلى المشتري هو التزام هذا الأخير بدفع الثمن إليه. أيّ
أنه في كافة عقود البيع سبب التزام المشتري أو سبب التزام البائع واحد لا
يتغير. والسبب في هذا المعنى يشترط فيه شرطاً واحداً وهو أن يكون موجوداً.
وإذا لم يكن للالتزام سبب أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو للآداب، كان
العقد باطلاً.
أنواع العقود :
تنقسم العقود من حيث الافتقار إلى إجراءات إلى :
1- العقد الرضائي :
هو مايكفي في انعقاده تراضي المتعاقدين , أي اقتران الإيجاب بالقبول فالتراضي وحده هو الذي يكون العقد. وأكثر العقود في القانون الحديث رضائية . كالبيع والإيجار . ولا يمنع العقد من أن يكون رضائيا أن يشترط في إثباته شكل مخصوص . إذ يجب التمييز بين وجود العقد وطريقة إثباته . فما دام يكفي في وجود العقد رضاء المتعاقدين فالعقد رضائي . حتى لو اشترط القانون لإثباته كتابة أو نحوها .
2- العقد الشكلي :
هو مالا يتم بمجرد تراضي المتعاقدين بل يجب لتمامه فوق ذلك اتباع شكل مخصوص يعينه القانون . وأكثر ما يكون هذا الشكل ورقة رسمية يدون فيها العقد . ولم يبق في القانون الحديث إلا عدد قليل من العقود الشكلية . الغرض من استبقاء شكليتها هو في الغالب تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد . كما في الهبة والرهن .
3- العقد العيني :
هو عقد لا يتم مجرد التراضي . بل يجب لتمام العقد فوق ذلك تسليم العين محل التعاقد . ولا يكاد يوجد في التقنين المدني الجديد مثل للعقد العيني إلا هبة المنقول , فهذه قد تكون عقدا شكليا إذا تمت بورقة رسمية وقد تكون عقدا عينيا إذا تمت بالقبض ( م 488 من التقنين المدني الجديد) ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يتفق المتعاقدان على أن العقد لا يتم إلا إذا قام أحدهما بتنفيذ شطر من التزامة . ففي عقود التأمين يشترط أحيانا ألا يتم العقد إلا بعد أن يدفع المؤمن له القسط الأول , الشرط صحيح في هذه الحالة ويكون العقد عينيا ولكن العينية هنا مصدرها الاتفاق لا القانون .
وينقسم العقد من حيث القدرة على التفاوض حوله إلى نوعين :
أ ـ عقد مساومة :
وفي هذا النوع يملك المتعاقدان طلب إدخال تعديلات على شروط العقد قبل توقيعه .
ب ـ عقد إذعان :
وفي هذا النوع يكون أحد طرفين العقد أقوى من الطرف الآخر فيقدم إليه عقداً جاهزاً لا يكون أمام الطرف الآخر إلا قبوله كما هو أو رفضه .
ومن أمثلة هذا النوع عقود السفر الجوي وعقود إدخال الخدمات الكهربائية أو التلفونية وعقود التأمين ونحو ذلك .
وقد روعي الوضع الخاص لهذه العقود من حيث تفسير العقد دائما ً عند الاحتمال لصالح الطرف المذعن .
العقد المسمى والعقد الغير مسمى
وتنقسم من حيث اختصاصها باسم خاص من عدمه إلى :
1- العقد المسمى :
وهو ما خصص باسم معين وتم تنظيمه لشيوعه بين الناس في تعاملهم , والعقود المسماة إما أن تقع على الملكية وهي البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والصلح , وإما أن تقع على المنفعه وهي الإيجار وعارية الاستعمال , وإما أن تقع على العمل وهي المقاولة والتزام المرافق العامة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة .
ويلاحظ أن العقد المسمى في غير النصوص التفصيلية التي تولت تنظيمه يخضع للقواعد العامة التي يخضع لها سائر العقود .
ومن أمثلة العقود المسماة ما يلي :
1 ـ عقد البيع :
وهو عقد يلتزم به البائع، أن ينقل إلى المشتري ملكية شيء، أو حقاً مالياً
آخر، مقابل ثمن نقدي. ويجب أن يكون المشتري عالماً بالمبيع علماً كافياً؛
ويُعَدّ العلم كافياً، إذا اشتمل العقد علي بيان المبيع وأوصافه الأساسية،
بياناً يمكن من تعرفه. ويلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري بالحالة، التي
كان عليها وقت البيع. ويكون الثمن مستحق الوفاء، في المكان والزمان، اللذين
سلم فيهما المبيع، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك. (وقد نظم القانون
المدني المصري عقد البيع، في المواد من 418 إلى 481، متضمناً التزامات البائع
ـ والتزامات المشتري ـ والشيء المبيع ـ والثمن ـ بيع ملك الغير ـ بيع الحقوق
المتنازع عليها ـ بيع التركة ـ البيع في مرض الموت ـ بيع النائب لنفسه).
2. عقد المقايضة
المقايضة عقد يلتزم به كل من المتعاقدين، أن ينقل إلى الآخر، على سبيل
التبادل، ملكية مال، ليس من النقود. وإذا كان للأشياء المتقايض فيها، قيم
مختلفة في تقدير المتعاقدين، جاز تعويض الفرق بمبلغ من النقود، يكون معادلاً.
وتسري على المقايضة أحكام البيع، بالقدر الذي تسمح به طبيعة المقايضة.
ويُعَدّ كل من المتقايضين بائعاً للشيء الذي قايض به، ومشترياً للشيء الذي
قايضه.
3. عقد الهبة :
الهبة عقد يتصرف، بمقتضاه، الواهب في مال له، دون عوض. ويجوز للواهب، دون أن
يتجرد من نية التبرع، أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معيّن. ولا تتم
الهبة، إلا إذا قبِلها الموهوب له أو نائبه. وتكون الهبة بورقة رسمية، وإلا
كانت باطلة. ويجوز في المنقول، أن تتم الهبة بالقبض، من دون حاجة إلى ورقة
رسمية، وتكون هبة الأموال المستقبلة باطلة. ويجوز للواهب أن يرجع في الهبة،
إذا قبِل الموهوب له ذلك. فإذا لم يقبَل الموهوب له، جاز للواهب، أن يطلب من
القضاء الترخيص له في الرجوع، متى كان مستنداً في ذلك إلى عذر مقبول، ولم
يوجد مانع من الرجوع. ويُعَدّ عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة، بنوع خاص،
(1) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع
مكانته الاجتماعية.
(2) أن يرزق الواهب، بعد الهبة، ولداً، ويظل حياً إلى وقت الرجوع.
(3) أن يخلّ الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو نحو أحد من أقاربه،
إخلالاً، يكون جحوداً كبيراً من جانبه. ويترتب على الرجوع في الهبة، بالتراضي
أو بالتقاضي، أن تُعَدّ الهبة كأن لم تكن.
4. عقد الشركة :
الشركة عقد يلتزم، بمقتضاه، شخصان أو أكثر، بأن يسهم كل منهم في مشروع مالي،
بتقديم حصة من مال أو من عمل، لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو
من خسارة. وتُعَدّ الشركة، لدى تكوينها، شخصاً اعتبارياً. ولكن لا تحتج بهذه
الشخصية على الغير، إلا بعد استيفاء إجراءات النشر، التي يقررها القانون. ومع
ذلك للغير، إذا لم تقم الشركة بإجراءات النشر المقررة، أن يتمسك بشخصيتها.
ويجب أن يكون عقد الشركة مكتوباً .
5ـ. عقد القرض :
القرض عقد يلتزم به المقرض، أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود، أو أي
شيء مثلي آخر. على أن يرد إليه المقترض، عند نهاية القرض، شيئاً مثله، في
مقداره ونوعه وصفته. وعلى المقترض أن يدفع الفوائد المتفق عليها، عند حلول
مواعيد استحقاقها. فإذا لم يكن هناك اتفاق على فوائد، عُدَّ القرض بغير أجر.
وينتهي القرض بانتهاء الميعاد المتفق عليه.
6. عقد الصلح :
الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً، أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً،
وذلك بأن ينزل كل منهما، على وجه التقابل، عن جزء من ادعائه. ويشترط فيمن
يعقد صلحاً، أن يكون أهلاً للتصرف في عوض في الحقوق، التي يشملها عقد الصلح.
ولا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية، أو بالنظام العام.
ولكن، يجوز الصلح على المصالح المالية، التي تترتب على الحالة الشخصية، أو
التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم.
7. عقد الإيجار :
الإيجار عقد يلتزم المؤجر، بمقتضاه، أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء
معيّن، مدة معيّنة، لقاء أجر معلوم. ويجوز أن تكون الأجرة نقوداً، كما يجوز
أن تكون أي تقدمة أخري. وإذا لم يتفق المتعاقدان على مقدار الأجرة، أو علي
كيفية تقديرها، أو إذا تعذر إثبات مقدار الأجرة، وجب اعتبار أجرة المثل. وإذا
عقد الإيجار، من دون الاتفاق علي مدة، أو عقد لمدة غير معيّنة، أو تعذر إثبات
المدة المدعاة، عُدَّ الإيجار منعقداً للفترة المعيّنة لدفع الأجرة. ويلتزم
المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها، في حالة تصلح معها لأن تفي
بما أعدّت له. وعلى المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع
المستأجر بالعين المؤجرة. ويلتزم المستأجر بأن يستعمل العين المؤجرة على
النحو المتفق عليه. ولا يجوز للمستأجر أن يحدِث بالعين المؤجرة تغييراً من
دون إذن المؤجر، إلا إذا كان هذا التغيير لا ينشأ عنه أي ضرر للمؤجر.
وللمستأجر حق التنازل عن الإيجار، أو الإيجار من الباطن، وذلك عن كل ما
استأجره، أو بعضه، ما لم يقضِ الاتفاق بغير ذلك. وفي حالة التنازل عن
الإيجار، يبقى المستأجر ضامناً للمتنازل له عن تنفيذ التزاماته. ويجب علي
المستأجر، أن يقوم بالوفاء بالأجرة، في المواعيد المتفق عليها. كما يجب على
المستأجر أن يردّ العين المؤجرة، عند انتهاء الإيجار. وإذا نبه أحد الطرفين
على الآخر بالإخلاء، واستمر المستأجر، مع ذلك، منتفعاً بالعين بعد انتهاء
الإيجار، فلا يفترض أن الإيجار قد تجدد، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك.
8 : عقد العارية :
العارية عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئاً غير قابل للاستهلاك،
ليستعمله، بلا عوض، لمدة معيّنة، أو في غرض معين، على أن يردّه بعد
الاستعمال. وليس للمستعير أن يستعمل الشيء المعار، إلا على الوجه المعيّن،
وبالقدر المحدد، وذلك طبقاً لما يبيّنه العقد، أو تقبله طبيعة الشيء، أو
يعيّنه العرف. ولا يجوز له، من دون إذن المعير، أن ينزل عن الاستعمال للغير،
ولو على سبيل التبرع. ويلتزم المعير أن يسلم الشيء المعار بالحالة، التي يكون
عليها وقت انعقاد العارية، وأن يتركه للمستعير طوال مدة العارية. وعلى
المستعير أن يبذل في المحافظة علي الشيء العناية، التي يبذلها في المحافظة
على ماله. ومتي انتهت العارية، وجب على المستعير أن يردّ الشيء الذي تسلمه،
بالحالة التي يكون عليها، وذلك من دون الإخلال بمسؤوليته عن الهلاك أو التلف.
وتنتهي العارية بانقضاء الأجل المتفق عليه، فإن لم يعيّن لها أجل، انتهت
باستعمال الشيء فيما أعير من أجله. وتنتهي العارية بموت المستعير، ما لم يوجد
اتفاق يقضي بغيره. كما يجوز للمعير أن يطلب، في أي وقت، إنهاء العارية، في
بعض الأحوال، منها إذا أساء المستعير استعمال الشيء، أو إذا عرضت للمعير حاجة
عاجلة للشيء، لم تكن .
9. عقد المقاولة :
المقاولة عقد يتعهد، بمقتضاه، أحد المتعاقدين، أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي
عملاً، لقاء أجر، يتعهد به المتعاقد الأخر. ويجوز أن يقتصر المقاول على
التعهد بتقديم عمله، على أن يقدم رب العمل المادة، التي يستخدمها، أو يستعين
بها على القيام بعمله. كما يجوز أن يتعهد المقاول بتقديم العمل والمادة معاً.
ويضمن المهندس المعماري والمقاول، متضامنين، ما يحدث من تهدم، كلي أو جزئي، فيما شيداه من مبانٍ، أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى، ذلك،
10.عقد العمل :
عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين، بأن يعمل في خدمة المتعاقد
الآخر، وتحت إدارته، أو إشرافه، مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر. ولا
يشترط في عقد العمل أي شكل خاص، ما لم تنص القوانين واللوائح الإدارية على
خلاف ذلك. ويجوز أن يبرم عقد العمل لخدمة معيّنة أو لمدة معيّنة. كما يجوز أن
يكون غير معين المدة. وإذا كان عقد العمل معين المدة، انتهي من تلقاء نفسه
بانقضاء مدته. فإذا استمر طرفاه في تنفيذ العقد، بعد انقضاء مدته، عُدّ ذلك
منهما تجديداً للعقد لمدة غير معيّنة. ويجب على العامل أن يؤدي العمل بنفسه،
وأن يبذل في تأديته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد. ولا ينفسخ عقد العمل
بوفاة رب العمل، ما لم تكن شخصيته قد روعيت في إبرام العقد. ولكن ينفسخ العقد
بوفاة العامل .
11. عقد الوكالة :
الوكالة عقد يلتزم بمقتضاه، الوكيل، بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل. ولا
بد من وكالة خاصة في كل عمل، ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع،
والرهن، والتبرعات، والصلح، والإقرار، والتحكيم، وتوجيه اليمين، والمرافعة
أمام القضاء. والوكالة الخاصة لا تجعل للوكيل صفة، إلا في مباشرة الأمور
المحددة فيها، وما تقتضيه هذه الأمور من توابع ضرورية، وفقاً لطبيعة كل أمر،
وللعرف الجاري. والوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة، من دون أن يجاوز حدودها
المرسومة، على أن له أن يخرج عن هذه الحدود، متى كان من المستحيل عليه إعلام
الموكل سلفاً، وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل، ما كان إلا ليوافق
على هذا التصرف. وعلى الوكيل، في هذه الحالة، أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه
عن حدود الوكالة. وإذا تعدد الوكلاء، كانوا، لذلك، مسؤولين بالتضامن، متى
كانت الوكالة غير قابلة للانفصال، أو كان الضرر، الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ
مشترك. وتنتهي الوكالة بإتمام العمل الموكل به، أو بانتهاء الأجل المعيّن
للوكالة. وتنتهي، كذلك، بموت الموكل أو الوكيل. ويجوز للموكل، في أي وقت، أن
ينهي الوكالة، أو يقيدها، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. غير أنه إذا كانت الوكالة
صادرة لمصلحة أجنبي، فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة، أو يقيدها، من دون
رضاء من صدرت الوكالة لمصلحته، ويجوز للوكيل أن ينزل، في أي وقت، عن الوكالة،
ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. ويتم التنازل بإعلانه للموكل. غير أنه لا يجوز
للوكيل، أن ينزل عن الوكالة متي كانت صادرة لمصلحة أجنبي إلا إذا وجدت أسباب
جدية، تبرر ذلك، على أن يُعلم الأجنبي بهذا التنازل .
2- العقد الغير مسمى :
هو ما لم يخصه القانون باسم معين و لم يتول تنظيمه فيخضع في تكوينه وفي الآثار التي تترتب عليه القواعد العامة التي تقرر لجميع العقود شأنه في ذلك شأن العقد المسمى ولكنه لما كان أقل شيوعا لم يفصل المشرع أحكامه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة .
العقد البسيط والعقد المختلط
وتنقسم من حيث التفرد والتركيب إلى :
1- العقد البسيط :
هو ما اقتصر على عقد واحد ولم يكن مزيجا من عقود متعدد . وقد يكون العقد البسيط عقدا مسمى كالبيع والإيجار كما يكون عقدا غير مسمى كالعقد الذي توضع بمقتضاه أسرة تحت تصرف مدرسة طبية .
2- العقد المختلط :
هو ماكان مزيجا من عقود متعددة اختلطت جميعا فأصبحت عقدا واحدا مثل ذلك العقد بين صاحب الفندق والنازل فيه , فهو مزيج من عقد إيجار بالنسبة إلى المسكن , وبيع بالنسبة إلى المأكل ,وعمل بالنسبة إلى الخدمة ,ووديعة بالنسبة إلى الأمتعة .
وليس هناك من أهمية كبيرة في امتزاج عدة عقود في عقد مختلط , فإن هذا العقد إنما تطبق عليه أحكام العقود المختلفة التي يشتمل عليها , على أنه قد يكون من المفيد في بعض الأحيان أن يؤخذ العقد المختلط كوحدة قائمة بذاتها , وذلك إذا تنافرت الأحكام التي تطبق على كل عقد من العقود التي يتكون منها , ففي هذه الحالة يجب تغليب أحد هذه العقود باعتباره العنصر الأساسي , كما في عقد التلفون وهو يدور بين عقد العمل والإيجار .
من أهم آثار العقد الإلزام وهو يتنوع من هذه الحيثية إلى نوعين:
1- العقد الملزم للجانبين :
هو العقد الذي ينشىء التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين , كالبيع يلتزم البائع فيه بنقل ملكية المبيع في مقابل أن يلتزم المشتري بدفع الثمن . والظاهرة الجوهرية في العقد الملزم للجانبين هو هذا التقابل القائم مابين التزامات أحد الطرفين والتزامات الطرف الآخر.
2-العقد المزم لجانب واحد :
هو العقد الذي لا ينشئ التزامات إلا في جانب أحد المتعاقدين فيكون مدينا غير دائن , ويكون المتعاقد الآخر دائنا غير مدين , مثل ذلك الوديعة غير المأجورة يلتزم بمقتضاها المودع عنده نحو المودع أن يتسلم الشيء المودع وأن يتولى حفظه وأن يرده عينا , دون أن يلتزم المودع بشيء نحو المودع عنده , والعقد الملزم لجانب واحد كسائر العقود لا يتم إلا بتوافق إرادتين .
عقد المعاوضة وعقد التبرع
وتنقسم من حيث المقابل إلى :
1- عقد المعاوضة :
هو العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما أعطاه , فالبيع عقد معاوضة بالنسبة إلى البائع لأنه يأخذ الثمن في مقابل إعطاء المبيع وبالنسبة إلى المشتري لأنه يأخذ المبيع في مقابل إعطاء الثمن .
وعقد الكفالة معاوضة بالنسبة إلى الدائن المكفول لأنه أخذ كفالة في مقابل إعطاء الدين وهو بالنسبة إلى الكفيل يكون تبرعا إذا لم يأخذ أجرا على كفالته إذ يكون قد أعطى دون أن يأخذ ومن ذلك يتضح أن العقد الواحد قد يكون معاوضة بالنسبة إلى أحد المتعاقدين وتبرعا بالنسبة إلى المتعاقد الآخر وذلك لأن المعاوضة لا يشترط فيها أن يكون المعاوض قد أعطى المقابل للمتعاقد الآخر كما أن التبرع لا يشترط فيه أن يكون المتبرع فيه أن يكون المتبرع قد تبرع للمتعاقد الآخر .
2- عقد التبرع :
هو العقد الذي لا يأخذ فيه المتعاقد مقابلا لما أعطاه , ولا يعطى المتعاقد الآخر مقابلا لما أخذه , فالعارية عقد تبرع بالنسبة إلى المعير لا يأخذ شيئا من المستعير في مقابل الشيء المعار وبالنسبة إلى المستعير لأنه لا يعطي شيئا للمعير في مقابل الانتفاع بالشيء المعاروبالنسبة إلى المعار وكذلك بالشيء المعار . وكذلك الهبة دون عوض والقرض والوديعة والوكالة إذا كانت هذه العقود الثلاثة دون مقابل كلها عقود تبرع على النحو الذي قدمناه , ومن ذلك يتبين أن العقود الملزمة للجانبين بعضها معاوضة كالإيجار وبعضها تبرع كالعارية كذلك العقود الملزمة لجانب واحد بعضها تبرع كالهبة دون عوض وبعضها معاوضة كالكفالة إذا أخذ الكفيل أجرا من المدين .
وتنقسم العقود من حيث الزمن إلى ما يلي :
1- العقد المحدد :
هو العقد الذي يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أخذ والقدر الذي أعطى حتى لو كان القدران غير متعادلين , فبيع شيء معين بثمن معين عقد محدد سواء كان الثمن يعادل قيمة المبيع أو لا يعادله مادامت قيمة المبيع ومقدار الثمن يمكن تحديدها وقت البيع .
2- العقد الاحتمالي :
هو العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أخذ أو القدر الذي أعطى, ولا يتحدد ذلك إلا في المستقبل تبعا لحدوث أمر غير محقق الحصول أو غير معروف وقت حصوله فالبيع بثمن هو إيراد مرتب مدى الحياة عقد احتمالي . لأن البائع وإن كان يعرف وقت البيع القدر الذي لا يستطيع أن يعرف في ذلك الوقت القدر الذي أخذ إذ الثمن لا يتحدد إلا بموته والموت أم لا يعرف وقت حصوله , والمشتري أيضا كالبائع يباشر عقدا احتماليا فهو يعرف القدر الذي أخذ ولكنه لا يعرف القدر الذي أعطى وهو الثمن الذي لا يمكن تحديده وقت البيع لما سبق بيانه, ومن العقود الاحتمالية الشائعة عقود التأمين وعقود الرهائن والمقامرة .
هذا وقد يظن لأول وهلة أن تقسيم العقد إلى محدد واحتمالي لا يكون إلا في عقود المعاوضة وليس في عقود التبرع إلا عقود محددة , ولكن الصحيح أن عقد التبرع قد يكون احتماليا إذا كان الموهوب له لا يستطيع أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي يأخذ كما إذا وهب شخص لآخر إيرادا مرتبا طول حياته .
3 ـ العقد الفوري :
هو العقد الذي لا يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه فيكون تنفيذه فوريا ولو تراخى التنفيذ إلى أجل أو إلى آجال متتابعة . فبيع شيء يسلم في الحال بثمن يدفع في الحال عقد فوري : لأن عنصر الزمن هنا معدوم إذ أن كلا من المبيع والثمن يسلم في الحال فهو عقد فوري التنفيذ .
وقد يكون البيع بثمن مؤجل ويبقى مع ذلك فوريا , ذلك لأن الزمن إذا كان قد تدخل هنا عنصر عرضي لا دخل له في تحديد الثمن , فالبيع بثمن مؤجل عندما يحين وقت تنفيذه يكون فوري التنفيذ وليس الأجل إلا موعدا يتحدد به وقت التنفيذ ولا يتحدد به مقدار الثمن .
وقد يكون البيع بثمن مقسط ويبقى مع ذلك فوريا إذ الثمن الذي يدفع اقساطا ليس إلا ثمنا مؤجلا إلى آجال متعددة . وليست هذه الآجال إلا عناصر عرضية في العقد لا يتحدد بها مقدار الثمن ويكون العقد في هذه الحالة فوري التنفيذ جزءا جزءا عندما يحين وقت التنفيذ لكل جزء منه .
4-العقد الزمني :
هو العقد الذي يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه , بحيث يكون هو المقياس الذي يقدر به محل العقد . ذلك أن هناك أشياء لا يمكن تصورها إلا مقترنة بالزمن فالمنفعة لا يمكن تقديرها إلا بمدة معينة والعمل إذا نظر إليه في نتيجة أي إلى الشيء الذي ينتجه العمل كان حقيقته مكانية ولكن إذا نظر إليه في ذاته فلا يمكن تصوره إلا حقيقة زمانية مقترنا بمدة معينة .
ومن ثم فعقد الإيجار عقد زمني لأنه يقع على المنفعه والزمن عنصر جوهري فيه لأنه هو الذي يحدد مقدار المنفعة المعقود عليها وعقد العمل لمدة معينة عقد زمني لأن الخدمات التي يؤديها العامل لاتقاس إلا بالزمن فالزمن عنصر جوهري فيه إذ هو الذي يحدد مقدار المحل المعقود عليه .
وهناك من الأشياء ما يتحدد في المكان فيكون حقيقة مكانية ولكن المتعاقدين يتفقان على تكرار أدائه مدة من الزمن لسد حاجة تكرر فهو في ذاته يقاس بالمكان ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يقاس بالزمان مثل ذلك عقد التوريد يلتزم به أحد المتعاقدين أن يورد للمتعاقد الآخر شيئا معينا يتكرر مدة من الزمن فمحل العقد هنا وهو الشيء المعين الذي اتفق على توريده يقاس في ذاته بالمكان ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يتكرر مرات مدة من الزمن فجعلاه يقاس , كالمنفعة والعمل بالزمان لا بالمكان فالمعقود عليه في كل من عقد الإيجار وعقد التوريد هو الزمن أو هو شيء يقاس بالزمن ولكن المعقود عليه في عقد الإيجار يقاس بالزمن طبيعة أما المعقود عليه في عقد التوريد فيقاس بالزمن اتفاقا .
وتنقسم العقود من حيث محلها إلى :
1 ـ عقود ترد على الملكية :
مثل البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والصلح .
2 ـ عقود ترد على المنفعه:
مثل الإيجار والعارية .
3 ـ عقود ترد على عمل الإنسان :
وهي عقد المقاولة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة .
ومن حيث فرع القانون الذي تتبعه تنقسم العقود إلى ثلاثة أقسام :
1 ـ عقود مدنية :
مثل عقد الزواج وإجارة المسكن .
2 ـ عقود تجارية :
مثل عقود البيع التجاري ، وعقود التوريد .
3ـ عقود إدارية :
نظراً لأهمية هذا النوع من العقود فسوف نتحدث عنه بمزيد من التفصيل على النحو التالي :
نشأة العقد الإداري:
فكرة العقود الإدارية تعد من الأفكار القانونية الحديثة نسبياً ، حيث ترجع إلى مطلع القرن العشرين فقط ، وبدأ الأخذ بها في مصر سنة 1949م ، حينما عدل قانون مجلس الدولة الصادر في عام 1946م ، والقوانين التالية له .
أما في المملكة العربية السعودية فقد صدرت المراسيم الملكية المتتابعة بإنشاء ديوان المظالم وتنظيمه بدءاً من المادة (19) لنظام مجلس الوزراء لسنة 1373هـ ، والتي تعتبر أول نص عن ديوان المظالم ، حيث حددت المادة الشعبة الرابعة من شعب مجلس الوزراء على أنها ديوان المظالم ، ثم صدر المرسوم الملكي رقم (2/13/8759) لسنة 1374هـ بنظام ديوان المظالم الأساسي ، والذي حل محل شعبة المظالم ، ونص في مادته الأولى على أن يشكل ديوان مستقل باسم ديوان المظالم .
وفي سنة 1379 هـ قام رئيس ديوان المظالم – وبناء على مرسوم ملكي بالتفويض له – بإصدار القرار رقم (3570/1) بتنظيم النظام الداخلي لديوان المظالم ، ذلك القرار الذي جاء في أربع عشرة مادة ، ومن ثم عرف العقد الإداري .
ومع تعدد الأنظمة والقرارات ، وضم الاختصاصات إلى الديوان بات من الضروري إصدار نظام متكامل لديوان المظالم ،وتوج ذلك بالنظام الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (51) لسنة 1402هـ بالموافقة على نظام ديوان المظالم الجديد ، وأنه جهة القضاء الإداري في المملكة ، وأنه هيئة قضاء إداري مستقلة ترتبط مباشرة بجلالة الملك ، واحتوى نظام ديوان المظالم الجديد على إحدى وخمسين مادة ، نصت المادة الثامنة منه على اختصاصات الديوان منها : الدعاوي المقدمة من ذوي الشأن في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية التي تكون الحكومة ، أو أحد الأشخاص المعنوية العامة طرفاً فيها . كما أن ديوان المظالم يختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها ، أي : جميع العقود التي تبرمها الإدارة ، وتكون طرفاً فيها ، سواء كانت عقودا إدارية أم غير إدارية،وصرحت بذلك المذكرة الإيضاحية لنظام الديوان بقولها : ( كما ينته إلى أن المراد بالعقد هو العقد مطلقاً ، سواء كان العقد إدارياً بالمعنى القانوني ، أم عقداً خاصاً بما في ذلك عقود العمل ) .
تعريف العقد الإداري :
هناك عدة تعريفات للعقد الإداري نجتزئ منها ما يلي :
1. يعرف العقد الإداري بأنه : ( العقد الذي يبرمه شخص من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام ، أو بمناسبة تسييره ، وتظهر نيته في الآخذ بأسلوب القانون العام ، وذلك بتضمين العقد شرطاً ، أو شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص ) .
شرح التعريف :
يبين من التعريف أن العقد الإداري يستلزم توافق إرادتين ، تتجهان إلى إحداث أثر قانوني معين، ومن ثم فإن العمل- الذي يتضمن إسناد مراكز قانونية عامة موضوعية إلى أشخاص بذواتهم – لا يعتبر عقداً ، وإنما هو عمل صادر بالإرادة المنفردة للإدارة .
2. العقد الإداري طبقاً للتعريف الفرنسي هو : ( العقد الذي يبرمه شخص عام أو يبرم لحسابه ، ويخضع في منازعاته للقانون الإداري والقضاء الإداري ، سواء بنص صريح في القانون أو لتضمنه شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص . أو إذا كان يعهد للمتعاقد الآخر بالمساهمة المباشرة في إنجاز أو تسيير مرفق عام ) .
شرح التعريف :
يتبين من هذا التعريف أن العقد يكون إدارياً إذا كان أحد طرفيه على الأقل شخصاً عاماً ، أو وقع لحساب هذا الشخص العام ، وذلك في إحدى الحالات الآتية :
الحالة الأولى : إذا نص المنظم على اعتبار العقد إدراياً ، فقد يختار المنظم عدداً من العقود يضفي عليها الطابع الإداري ، وذلك بناءً على المصلحة التي يراها في إضفاء هذا الوصف على العقد .
الحالة الثانية : إذا تضمن العقد شرطاً ، أو شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص .
الحالة الثالثة : إذا كان العقد يعهد للمتعاقدين بالإسهام المباشر في تسيير مرفق عام .
المقارنة بين التعريفين :
كما هو واضح من التعريف الفرنسي فإنه يستخدم حرف العطف (أو) ولا يستخدم حرف الواو ، وهو ما يعني أن وجود إحدى هذه الحالات يكفي لصبغ العقد بالصبغة الإدارية ، فالقضاء الفرنسي لا يشترط اجتماع هذه العناصر في العقد حتى يكون إدارياً ، على عكس القضاء المصري الذي يؤكد في أحكامه ضرورة اجتماع عدد من الشروط لكي يكون العقد إدارياً ، وتنتفي هذه الصفة عند تخلف أحد هذه الشروط .
التعريف المختار للعقد الإداري :
بناء على التعريف المختار للعقد بالمعنى الخاص ، وبناء على ما سبق بيانه حول تعريف العقد بوجه العام ، والعقد الإداري بوجه خاص ، يتبين لنا أن العقد الإداري مثله مثل العقد بوجه عام إلا بما يقتضيه العقد الإداري من ضمان سير وإدارة المرافق العامة ، وهو ما يطلق عليه بامتيازات الإدارة ، وهذه الامتيازات في حقيقتها تعد آثاراً للعقد ولا دخل لها في ماهية العقد فالأساس الذي تقوم عليه الإمتيازات المقررة للإدارة في العقود الإدارية هي المصلحة العامة والنفع العام ، ولولا ذلك لما كان للإدارة امتياز أصلاً ولذا يمكن تعريف العقد الإداري بأنه :
أنه ( ارتباط الإيجاب بالقبول أو ما في معناهما على وجه يثبت أثره لتحصيل نفع عام ) .
كما تنقسم العقود من حيث المحلية والدولية إلى قسمين :
1 ـ عقود محلية :
وهي التي أطرافها من بلد واحد .
2 ـ عقود دولية :
والتي يكون أطرافها من بلدين أو بلاد مختلفة .
مراحل إبرام العقد :
1ـ التفاوض :
تعتبر المفاوضات هى المرحلة السابقة على التعاقد ، ولا يصدر عن أحد المتعاقدين إيجابا نهائيا إلا بعد مفاوضات مع الطرف الآخر، فالإيجاب إذن هو نتيجة المفاوضات .
ولا يترتب ـ بحسب الأصل ـ على المفاوضات ، أى أثر قانونى ، إذ من حق المتفاوض أن يقطع المفاوضة فى أى وقت ، ولا مسئولية عليه فى هذا المسلك إلا إذا اقترن العدول عن التفاوض بخطأ ممن قطع المفاوضات وتعد المسئولية هنا تقصيرية أساسها الخطأ وليست تعاقدية ترتكز على العدول عن التفاوض . وعلى من يدعى الضرر من العدول أن يثبت خطأ المتفاوض فى قطع المفاوضات .
وتعد المفاوضات من الوسائل التي يفسر بها العقد لأنها تعرب عن مقاصد المتعاقدين .
2 ـ الوعد بالتعاقد:
قد يثمر عن المفاوضات وعد بالتعاقد كالوعد بالبيع مثلاً هو عقد يلتزم بمقتضاه الواعد ببيع شيء إذا أظهر الموعود
له رغبته في الشراء في مدة معينة، وكثيراً ما يلجأ إلى هذا العقد في الحياة
العملية، خصوصاً بعد أن تعقدت المعاملات وتشعبت ومن أمثلة ذلك: ما تلجأ إليه
شركات البناء العقارية لتيسير تأجير مبانيها فتضمن عقود الإيجار الصادرة منها
وعداً ببيع العين إلى المستأجر. وكما يصدر الوعد من البائع فقد يصدر أيضاً من
المشتري ويسمى بالوعد بالشراء.
3. العقد الابتدائي:
قد يكون الوعد بالتعاقد ملزماً للجانبين ومثل هذا الوعد يسمى في العمل بالعقد
الابتدائي، وفيه يتفق الطرفان على جميع شروط العقد المراد إبرامه، مع تحديد
أجل العقد النهائي. فإذا حل الأجل المحدد لتحرير العقد النهائي وامتنع أحد
الطرفين دون سبب مقبول عن إمضائه جاز للطرف الآخر رفع دعوى صحة التعاقد
للحصول على حكم بثبوت البيع.
وإذا ظهر هناك اختلاف بين الشروط الواردة في العقد الابتدائي والشروط التي
تضمنها العقد النهائي تعين الرجوع إلى ما تضمنه العقد النهائي.
4. التعاقد بالعربون :
العربون هو مبلغ من المال (أو أي شيء منقول آخر)، يدفعه أحد المتعاقدين إلى
المتعاقد الآخر، وقت انعقاد العقد. ودفع العربون،
وقت إبرام العقد، يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه. إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدل من دفع العربون فقده هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر.
والبعض يعتبرون العربون " كتنفيذ جزئي للعقد " و البعض الآخر يعتبرون العربون كخيار للعدول عن العقد.
الفاظ العقود ومكوناته وشروطه
الفرع الاول :اللفظ في العقد
رأينا من تعريفات العقد انطلاقه من إرادة طرفيه والإرادة تنقسم إلى قسمين :
أ ـ إرادة باطنة :
وهي المستقرة في قلب العاقد وهي المعتبرة والأصل في التعاقد لذلك إذا تأثرت بطل العقد كما في الإكراه .
لكن هذه الإرادة خفية وذاتية لا يمكن للغير الاطلاع عليها مباشرة مما يحوجها إلى :
ب ـ الإرادة الظاهرة :
وهي وسيلة التعبير عن الإرادة وتكون بما دل عليها من اللفظ الشفوي أو المكتوب او الفعل أو الإشارة .
واللفظ أيسر وأوضح طريقة للتعبير عن الإرادة ولذلك نابت الإرادة الظاهرة في الإرادة الباطنة وانصرفت الآثار إلى الإرادة الظاهرة .
والألفاظ تنقسم إلى نص وظاهر ومحتمل فالنص لا يحتمل إلا معنى واحداً ، والظاهر يحتمل معنى راجحاً مع احتمال معنى أو معان مرجوح ، بينما المحتمل يتساوى فيه معنى أو معاني .
ـ كيفية تفسير اللفظ :
إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين .
ففرق في العقد بين الشروط الظاهرة والشروط الغامضة , فلا يجوز للقاضي الموضوع أن ينحرف عن معناها الظاهر إلى معنى آخر . ويعتبر الانحراف عن عبارة العقد الواضحة تحريفا لها ومسخا وتشويها مما يوجب نقض الحكم .
بينما يطلق سلطان قاضي الموضوع في تفسير الشروط الغامضة ليستخلص منها إرادة المتعاقدين على الوجه الذي يؤدي إليه إجهاده .
أما بالنسبة إلى الشروط الظاهرة وهذا ما جرى عليه الفقه الإسلامي وجرت عليه محاكم النقض المصرية والفرنسية .
- البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين :
العبرة إنما تكون بالإرادة المشتركة للمتعاقدين لا بالإرادة الفردية لكل منهما , فهذا واضح أيضا لأن الإرادة المشتركة هي التي التقى عندها المتعاقدان , فهي التي تؤخذ بها , دون اعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية لم يتلاق معه المتعاقد الآخر فيها .
- القواعد التي يُهتدى بها للكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين :
- قاعدة : ( العادة محكمة ) :
فالتصرفات تحمل على المعنى المعتاد وهذا يوجب الرجوع إلى المعنى اللغوي في عرف المتعاقدين فالعرف يفسر المراد بالعبارات فلو قال شخص لأخر بعتك كيلين من الموز فإنه يحتمل المكيال ويحتمل الكيلو جرام فيرجع إلى العرف فالموز لا يكال بل يوزن .
ـ قاعدة : ( إعمال الكلام خير من إهماله ) :
إذا احتملت العبارة أكثر من معنى واحد , وكان أحد هذه المعاني هو الذي ينتج أثرا قانونيا حملت العبارة على هذا المعنى .
فمثلاً إذا قال شخص لآخر أبيعك هذه الأرض بألف فقال الآخر قبلت فإنه يحتمل الاستفهام ويحتمل الإيجاب فيحمل على أنه إيجاب حتى يترتب عليه لزوم البيع .
وعبارات العقد يفسر بعضها بعضا فلا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءا من كل هو العقد . فقد تكون هناك عبارة سابقة مطلقة . وتحددها عبارة سابقة أولا حقة وقد تقرر العبارة أصلا يرد عليه استثناء يذكر قبلها أو بعدها . وقد تكون العبارة مبهمه وتفسرها عبارة وردت في موضع آخر . فإذا باع شخص مفروشات منزله تم عين هذه المفروشات في مكان آخر من العقد فإن خصوص العبارة الثانية يحدد من عموم العبارة الأولى إذا الخاص يقيد العام . ولا يدخل في المبيع مالم يذكر في المفروشات المعينة حتى لو كان داخلا ضمن مفروشات المنزل وإذا قام التناقض بين عبارتين أجتهد القاضي في التوفيق بينهما . فلو أمكنه إعمال العبارتين معا فعل . وإلا اجتهد في إعمالها إلى أقصى حد دون إرهاق للفظ أو قسر له على غير معناه فإذا كان التناقض يستعصي معه الجمع بين العبارتين على أية صورة اختار العبارة التي يظهر له أن المتعاقدين كانا يريدانها دون الأخرى .
ـ قاعدة ( السكوت عن البيان في معرض الحاجة للبيان بيان ) :
فإذا اشترى شخص منزلاً ولم يشر في عقد الشراء إلى فرشه فإن الفرش لا يدخل في عقد الشراء لأنه لو قصد دخوله في الشراء لأفصح عن ذلك عند إبرامه العقد .
الفرع الثاني مكونات العقد :
يتكون العقد من الدباجة وعدة بنود ويتناول شرح كل نقطة فيما يلي :
1- الديباجة وتتكون من :
أ- مسمى العقد ( عقد بيع , عقد عمل ..........الخ ) .
ب- زمان العقد ( التاريخ ) .
ت- أطراف العقد وتحدد فيها بيانات المتعاقدين .
بيانات المتعاقدون : الاسم , الجنسية , العنوان ,رقم الحفيظة , الهاتف وغيرها .
أشكال المتعاقدون : هما أطرفا كل طرف قد يتكون من شخص أ و كيان واحدا أو اكثر
د- أقرار المتعاقدون بأهليتهما شرعا ونظاما للتصرف والتعاقد و اتفاقهما على التعاقد وفقا للبنود التي سترد في العقد .
2- شروط العقد : وتتكون من :
بنود أساسية لايختلف من عقد لآخر وهي :-
أ- بند يوضح موضوع العقد واتفاق الأطراف على هذا الموضوع فيتم تحديد موضوع العقد ووصفه وصفاً دقيقاً يخرجه من الجهالة فإذا كان في بيع أرض عين حدودها وأضلاعها ومستند ملكيتها وإن كان في سيارة عين نوعها وسنة صنعها ولونها وحالتها وإن كان على عمل ذكره تفصيلاً .
ويشترط في محل العقد أو موضوعه ألا يكون مخالفاً للنظام العام
ب- بند يوضح المقابل المادي :
أي الثمن أو القيمة المرتبطة بالعقد وإن كان هناك أكثر من طرف يجري تحديد نسبة الأطراف فيها .
أشكال تحديد المقابل:
1- قد يتفق المتعاقدان على مقابل محدد .
2- قد يتفق المتعاقدان على نسبه معينه .
3- قد يتفق المتعاقدان على أساس سعر السوق في مكان معين وزيادة معينه وإذا لم يحدد زمن ومكان السوم فهو سوم تسلم السلعة .
4- يحدد السعر على أساس السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل
5- ترك التحديد لشخص آخر .
- ويجب ألا يكون الثمن تافه أي غير متناسب مع المبيع ولا فيه غبن فاحش .
الشرط الجزائي :-يتضمن هذا الشرط العناصر الاتية:
1- تحديد الخطأ الذي يستوجب التعويض وتحديد الضرر
2- شرط أعذار الدين للوفاء والتعويض .
3- تقدير مبلغ التعويض.
4- علاقة السببية بين الضرر والخطأ.
5- النص على زيادة مبلغ التعويض إذا كان الضرر الذي أصاب المشتري أو المتعاقد الآخر أكبر من قيمة التعويض ( الشرط الجزائي )
شروط ضمان التعرض والاستحقاق
أولاً / ضمان أعمال التعرض الصادرة من أحد العاقدين هي :-
1- تعرض مادي مثل المنافسة غير المشروعة مثال أن يقيم البائع نفس النشاط بجواز المحل المبيع .
2- تعرض قانوني :
أ- تصرف قانوني مثل بيع العقار مرة أخرى .
ب -تعرض مبنى على سبب قانوني مثل أن يقيم البائع على المشترى دعوى استحقاق يطالبه فيه برد المبيع او انه مغتصب .
ثانياً / ضمان التعرض الصادر من الغير .
شروط المسئولية :
من أهم أنواع المسئوليات المسئولية العقدية ولذلك يسعى المتعاقدين إلى توضيحها من خلال ما يلي :
شروط تحميل المسئولية :
وفي هذا النوع من الشروط يحمل أحد العاقدين الآخر وحده المسئولية كالنص على مسئولية البائع عن سلامة الوضع القانوني للأرض .
شروط نفي المسئولية :
حيث ينص في هذا الشرط على عدم مسئولية أحد العاقدين عن جزء من تبعاته كما لو نص البائع عن عدم تحمله الرسوم والسمسرة أو شرط عدم ضمان العيوب الخفية .
الصياغة لغة : اسم مصدر من الـ ( صَوْغْ ) بمعنى التهيئة والتقدير ، ومنه ( الصَائِغ ) الذي يَصُوْغُ الحلي ، كما يُقال : هذا ( صَوْغُ ) هذا ، أي على هيئته.
وكما يُستعمل الـ( صوغ ) في المحسوسات يُستعمل في المعاني فيقال : صيغة القول أي هيئته وصورته .
وقد عُرفَت الصيغة في الاصطلاح بما يلي:
1 ــ ( ترتيب الكلام على نحو معين صالح لترتب الآثار المقصودة منه) .
2 ــ ( الألفاظ والعبارات التي تُعرب عن إرادة المتكلم ونوع تصرفه ).
تعريف العقد :
العقد في اللغة :
يطلق العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، ويطلق أيضاً بمعنى إحكام الشيء وتقويته. ومن معنى الربط الحسي بين طرفي الحبل أخذت الكلمة للربط المعنوي للكلام أو بين الكلامين، ومن معنى الإحكام والتقوية الحسيّة للشيء أُخذت اللفظة وأُريد بها العهد، ولذا صار العقد بمعنى العهد الموثّق، والضمان، وكل ما يُنشئ التزاما.
وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، لما في كل أولئك من معنى الربط والتوثيق.
ثانيا : العقد عند فقهاء الشريعه :
من الفقهاء من توسع فى إطلاق لفظ العقد كل إلتزام لا يخلو من عهد والعهد يطلق على العقد .
ومن ضيق فيه وقصره على أنه لا يكون إلا بين تصرفين صادرين من شخصين يرتبط كل منهما بالاخر .
أما المعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء لكلمة العقد فانه لا يبعد عن المعنى
اللغوي له، بل هو حصرُ له وتخصيص لما فيه من العموم، وللعقد معنيين عندهم،
ويطلق بإطلاقين: فمن عباراتهم ما يفيد أن العقد هو ربط بين كلامين ينشأ عنه حكم شرعي بالتزام لأحد الطرفين أو لكليهما.
ولذا فإن أكثر الفقهاء لا يطلقون اسم العقد على الطلاق، والإبراء، والإعتاق وغيرها مما يتم بكلام طرفٍ واحدٍ من غير كلام الطرف الثاني. في حين يطلقون اسم العقد على البيع، والهبة، والزواج، والإجارة وغيرها مما لا يتم إلاّ بربط كلامين من طرفين.
وبجوار هذا فإن هناك من الكتاب في الفقه من يعممون، فيطلقون كلمة العقد على كل تصرف شرعي، سواء أكان ينعقد بكلام طرفٍ واحد أم لا ينعقد إلاّ بكلام طرفين.
وفي الجملة أن كتب الفقه تذكر كلمة العقد، وتريد بها أحياناً المعنى العام،
وهو المرادف للتصرف، وتذكرها أحياناً وتريد بها المعنى الخاص، وهو ما لا يتم إلاّ من ربط كلامين يترتب عليه أثرُ شرعي. وهذا هو المعنى الشائع المشهور حتى يكاد ينفرد هو بالاصطلاح، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن إذا أطلقت كلمة العقد. أما المعنى الثاني فلا تدل عليه كلمة العقد، إلاّ بتنبيه يدل على التعميم.
مقارنه بين تعريف الفقهاء ورجال القانون :
كل منهما يخص العقد بما يتم بإرادتين أما ما يتم بإرادة منفردة فليس بعقد عندهم .
تعريف الفقهاء قد يكون أحكام منطقيا , وادق تصورا من تعريف رجال القانون .
للأمور الاتية :
1- أن العقد فى نظر الفقهاء ليس هو اتفاق الارادتين نفسه بل الارتباط الذى يعتبره الشارع حاملا بهذا الاتفاق .
أما التعريف الفقهى فأنه يعرفه بحسب واقعته الشرعيه , وهى الارتباط الاعتبارى .
2- أن تعريف العقد عند الفقهاء قد أمتاز ببيان الاجزاء التى يتركب منها فى نظر التشريع , وهى الايجاب والقبول , .
أما تعريف العقد عند رجال القانون فقد اغفل هذا البيان .
موازنة بين التعريفين الفقهي والقانوني:
فالعقد في نظر فقهائنا ليس هو اتفاق الارادتين نفسه، بل الارتباط الذي يعتبره الشارع حاصلاً بهذا الاتفاق، إذ قد يحصل الاتفاق بين الارادتين دون أن تتحقق الشرائط المطلوبة شرعاً للانعقاد، فلا يعتبر إذ ذاك انعقاد رغم اتفاق الارادتين، وهي حالة بطلان العقد في نظر الشرع والقانون.
فالتعريف القانوني يشمل العقد الباطل الذي يعتبره التشريع لغواً من الكلام لا ارتباط فيه ولا ينتج نتيجة. ذلك لأن هذا التعريف القانوني إنما يعرف العقد بواقعته المادية، وهي اتفاق الارادتين. أما التعريف الفقهي فيعرفه بحسب واقعته الشرعية، وهي الارتباط الاعتباري. وهذا هو الأصح، لأن العقد لا قيمة فيه للوقائع المادية لولا الاعتبار الشرعي الذي عليه المعول في النظر الحقوقي.
وهذا التعريف الفقهي أيضاً قد امتاز في تصوير الحقيقة العقدية ببيان الأداة العنصرية المكونة للعقد. أي الأجزاء التي يتركب منها في نظر التشريع، وهي الايجاب والقبول، فاتفاق الارادتين في ذاته لا يعرف وجوده، وإنما الذي يكشف عنه هو الايجاب والقبول اللذان يعتبران عناصر العقد الظاهرة بما فيها من إعراب هن تحرك كل من الارادتين نحو الأخرى وتلاقيهما وفاقاً فهذا التحرك والتلاقي هو المعول عليه في معنى الانعقاد، إذ قد تكون إرادتان متفقتين على التعاقد، ولا تتحرك إحداهما نحو الأخرى فلا يكون عقد، كما في حالة الوعد ببيع أو برهن أو بقرض مثلاً. فالتعريف القانوني يشمل الوعد أيضاً لوجود اتفاق الارادتين فيه مع أنه ليس بعقد.
فالتعريف القانوني غير مانع. فلذا قلنا ان تعريف فقهائنا للعقد أدق تصوراً وأحكم منطقاً، وإن كان التعريف القانوني أوضح تصويراً وأسهل فهماً في طريق التعليم.
أركان العقد
الأركان جمع ركن وهو جانب الشيء القوي الذي يتوقف عليه وجوده بكونه جزء ماهيته، كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة والصيغة بالنسبة للعقد.
فركن الشيء جزؤه الذي يتركب منه ويتحقق به وجوده في الوجود، بحيث إذا انتفى لم يكن له وجود.
وأركان العقد هي: التراضي، المحل، السبب.
أولاً: التراضي :
التراضي هو تطابق إرادتين. والمقصود بالإرادة، هنا، هي الإرادة التي تتجه إلى
إحداث أثر قانوني معين، هو إنشاء الالتزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه.
والتراضي، كذلك، هو توافق الإرادتين على إحداث أثر قانوني معين. ويُعَدّ
التراضي ركن العقد الأساسي. فإذا فُقِدَ، لم ينعقد العقد.
وسائل التعبير عن الإرادة :
الإرادة أمر كامن في النفس لا يمكن أن تحدث أثراً قانونياً
معيناً، إلا إذا ظهرت إلى الخارج، أي إلا إذا أفصح صاحبها عنها.
والتعبير عن الإرادة، يكون باللفظ، وبالكتابة، وبالإشارة المتداولة عرفاً.
كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود،
أي يكون التعبير عن الإرادة مطابقاً لحقيقة ما قصدت إليه. ويجوز أن يكون
التعبير عن الإرادة ضمنياً، إذا لم ينص القانون، أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً.
ويعتبر من قبيل القبول الضمني قيام الوكيل بتنفيذ الوكالة، إذ يدل هذا على
قبوله لها.
وهناك فرق كبير بين السكوت والتعبير الضمني. فالتعبير الضمني، يفترض أن الشخص
قد سلك مسلكاً معيّناً، يمكن أن يقطع في الدلالة على إرادته. أما السكوت، فهو
أمر سلبي، لا يقترن بأي مسلك أو موقف، فضلاً عن أنه غير مصحوب بلفظ أو كتابة
أو إشارة.
والسكوت لا يمكن أن يُعدّ طريقاً للتعبير عن الإيجاب. ذلك أن الإيجاب عرض،
والعرض لا يمكن أن يستفاد إلا بفعل إيجابي، أي بفعل إيجابي محدد موجّه إلى
الغير.
أمّا فيما يتعلق بالقبول، فالقاعدة، كذلك، أن القبول لا يمكن أن يستفاد من
مجرد السكوت، إذ لا ينسب إلى ساكت قول. وكقاعدة عامة من غير المتصور أن يكون
السكوت تعبيراً عن الإرادة والتي هي عمل إيجابي، في حين لا يتضمن السكوت
إيجاباً لأنه عدم، والعدم لا ينبئ بشيء وهو كذلك لا يتضمن قبولاً. إلا أنه
إذا كان مجرد السكوت لا يُعدّ قبولاً، فإن هناك حالات استثنائية، يمكن أن
يكون السكوت فيها دليلاً على القبول، وهي حالات يقترن فيها بالسكوت ظروف
وملابسات، ويسمى السكوت الملابس. ومثال ذلك: مثل ما جرت عليه عادة
المصارف من إرسال بيان إلى عملائها بالحساب الجاري، فإن عدم اعتراض العميل
على هذا البيان، في وقت مناسب، يُعدّ اعتماداً له.
إذا كان الإيجاب يسفر عن منفعة خالصة للموجّه إليه، فإن سكوت من وُجّه إليه
البيان يُعدّ قبولاً.
مثال ذلك، أن يَعِد شخص آخر بأن يبيع له ما له، بمبلغ معين، إذا أظهر رغبته
في ذلك، في ظرف مدة محددة. فيسكت هذا الأخير، فيكون سكوت الموعود قبولاً، لأن
الوعد مفيد له فائدة بحتة، ولا يلزمه بأي التزام.
أو كعارية استعمال تعرض على المستعير فيسكت فيعتبر سكوته في هذه الحالة
قبولاً. حيث أن الإيجاب يتضمن منفعة ظاهرة لمن وجه إليه.
التعاقد بين غائبين:
لا يزال الإنسان يستعمل الكتابة من بدء وضعها لهذا اليوم للتعبير عن مقاصده وأفكاره وأكثر الناس استعمالاً لها جماعة المشتغلين بالتجارة وما شابهها من أعمال الأخذ والعطاء بين الناس في بلد واحد أو في بلدان مختلفة فهي عند المتراسلين مقام المشافهة لا بل إنهم يلجأون إليها مع استطاعتهم أن يتشافهوا ويتباحثوا ويجعلونها واسطة التعاقد بينهم. كانت هكذا في أيام الرومان وفي بدء الإسلام ولا تزال ليومنا هذا على ما هي عليه.
ولا يخفى على أحد ما يبرمه الناس وينقضونه بين بعضهم بالمكاتبة بواسطة البريد في صورة رسائل أو خطابات أو محررات وكذلك بواسطة الفاكس والبرقيات أيضًا فإن الناس في معترك الحياة الهائل يطلبون السرعة في العمل وقد يعدون الدقائق من ذهب فالفاكس في معاملاتهم القانونية شأن عظيم مثل شأن رسائل البريد على السواء.
وقد أضاف تقدم العلم والتمدن واسطة ثالثة للمخاطبة بين الناس البعيدين بعضهم عن بعض وهو الإنترنت مما يثير الحيرة في معرفة المكان المعتبر محلاً للعقد كما أنه قد يخطئ الرجل فيخاطب رجلاً آخر ليس بالمقصود فيفقد شرطًا من شروط التعاقد وهو معرفة حقيقة شخص المتعاقد معه، وصور التعاقد على شبكة الإنترنت متنوعة من أشهرها: العقود الإلكترونية على الويب (click Wrap Contracts أو Web Wrap Agreement) والتعاقدات بالمراسلات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني حيث تتلاقى إرادة المزود أو المنتج أو البائع مع إرادة الزبون، وهنا تظهر مجموعة من المشاكل:
• توثق كل طرف من صفة وشخص ووجود الطرف الآخر أي التوثق من سلامة صفة المتعاقد .
• عيوب الإرادة: حيث يصعب إثباتها ، فمثلا يمكن في البيع عن بعد أن يوجه البائع إيجابا للمشتري يعرض فيه رغبته في بيعه إياه إحدى السلع، وبدل أن يحدد الثمن في 5000ريال للوحدة ونتيجة خطأ وقع فيه أثناء كتابة الرقم، بنسيان أحد الأصفار، يظهر على الشاشة المقابلة للمشتري 500 ريال لكل وحدة، ففي هذه الحالة يصعب كثيرا إثبات الخطأ، وطبيعي فإن البائع لا يمكن له في هذه الحالة التراجع عن إيجابه إذا صادف هذا الإيجاب قبولا من طرف المشتري احتراما لقاعدة عدم التراجع عن العقد المبرم.
• حجية العقد الإلكتروني أو القوة القانونية الإلزامية لوسيلة التعاقد: فقد أفرز هذا النوع من العقود إشكاليات عدة خصوصا فيما يتعلق بالسلع والخدمات الغير مادية كبيع وشراء البرامج المعلوماتية.
وإيضاحا للفكرة نتصور الحالة التالية: أن يقوم بائع بعرض رغبته في بيع برنامج معلوماتي على موقع له على الشبكة فيصادف هذا العرض قبولا من مستهلك، وهكذا يتم التسليم بشكل أوتوماتيكي بمجرد عرض هذا الأخير رقم بطاقته البنكية للبائع عبر الشبكة، ويمكن للمستهلك في هذه الحالة أن يعرض هذا البرنامج لفيروس يؤدي إلى تخريبه. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للبائع أن يثبت أنه سلم البرنامج في حالة سليمة من كل عيب للمستهلك في حالة ما إذا أقدم هذا الأخير على رفع دعوى ضده على أساس العيوب الخفية؟ يصعب في واقع الأمر أن يثبت البائع عكس ذلك لأن البرنامج المعلوماتي شيء غير مادي وغير ملموس ومن ثمة يصعب تحديد وضعيته وحالته الحقيقية قبل إبرام البيع.
ومن أهم الإشكاليات التي تثار عند حسم منازعات التجارة الإلكترونية، تلك المتعلقة بمسائل الإثبات، فإذا كان الدليل الكتابي هو سيد الأدلة، فقد أدى انتشار استعمال الحاسب الآلي، وبالصورة المعروفة حاليا، إلى ظهور أنواع من الكتابة تختلف إلى حد ما عن الكتابة التقليدية المعروفة لنا منذ القديم، بل وإلى ظهور بدائل لهذه الكتابة التقليدية وإن كانت بعض مخرجات الحاسب الآلي لا تثير أية صعوبة من هذه الناحية فالبطاقة والأشرطة المثقبة والدعامات الورقية المتصلة، تتضمن دون شك "كتابة" بالمعنى التقليدي في قانون الإثبات إلا أن هناك بالمقابل بعض المخرجات التي تبدو محل شك كالأشرطة الممغنطة، والأسطوانات الممغنطة، والميكروفيلم بنوعيه العادي والأسطوانات. فبالنسبة للميكروفيلم يمكن القول أنه يأخذ قانونا حكم الكتابة التقليدية مع فارق وحيد بينهما كما يرى البعض والمتمثل في ركيزة أو دعامة الدليل، فهي من الورق بالنسبة للكتابة العادية ومن مادة بلاستيكية بالنسبة للميكروفيلم.
أما بالنسبة للأشرطة الممغنطة فهي تحتوي على معلومات تم تخزينها مباشرة على ذاكرة الحاسب الإلكتروني دون أن يكون لها أصل مكتوب، ولا يمكن الاطلاع عليها إلا من خلال عرضها على شاشة الحاسب. وقد يقال لذلك أنها لا تتضمن كتابة على الإطلاق في أي شكل من الأشكال، بل هي أقرب إلى التسجيلات الصوتية.
والتراضي لا يكون صحيحاً، إلا بشرطين:
1 ـ أن يكون صادراً من ذي أهلية:
الإنسان، لدى ولادته، تكون له شخصية قانونية، صالحة لأن تثبِت له حقوقاً،
ولأن تقرر عليه واجبات والتزامات. ولكنه لا يستطيع أن يباشر الأعمال
والتصرفات القانونية بنفسه، فهو غير أهل لمباشرة هذه الأعمال. ويجب التفرقة بين تمتع الشخص بالحقوق وقابليته لتحمل الالتزامات، وهو ما يطلق عليه "أهلية الوجوب"، وبين قدرة الشخص على أن يقوم بالأعمال الناجمة عنها تلك الحقوقوالالتزامات، والتي تسمى " أهلية الأداء ".
ويمر الإنسان، من حيث أهليته، ومن وقت ولادته، بأدوار ثلاثة، هي:
1. الدور الأول:ويبدأ من ولادة الطفل، وينتهي ببلوغ سن التمييز، وهي سن سبع سنوات. ويكون الشخص، في هذا الدور، صغيراً، غير مميز (عديم الأهلية).
2. الدور الثاني : ويبدأ من سن التمييز، وينتهي ببلوغ الإنسان سن الرشد. وفي هذا الدور، يكون الشخص صبيّاً مميزاً، ولكنه غير كامل عناصر الرشد ( ناقص الأهلية ).
إذا كان الصبي مميزاً، كانت تصرفاته المالية صحيحة، متى كانت نافعة نفعاً
محضاً، وباطلة، متى كانت ضارّة ضرراً محضاً. أما التصرفات المالية، الدائرة
بين النفع والضرر، فتكون قابلة للإبطال، لمصلحة القاصر، ويزول حق التمسك
بالإبطال، إذا أجاز القاصر التصرف، بعد بلوغه سن الرشد، أو إذا صدرت الإجازة من وليّه، أو من المحكمة، بحسب الأحوال".
3. الدور الثالث : ويبدأ ببلوغ الشخص سن الرشد، وهي خمسة عشرة سنة على المذهب الحنبلي وثمانية عشر سنة على المذهب الحنفي وإحدى وعشرون سنة، بالنسبة إلى القانون المصري. وفي هذا الدور، يُعَدّ الشخص رشيداً بالغاً (كامل الأهلية)، ما لم يحدث له عارض من عوارض عدم الأهلية، يؤدي إلى انعدام أهليته أو نقصها.
وعوارض الأهلية : بعضها يؤثر في العقل، وهي: الجنون، والعُتْه، والسَّفَه، والغفلة.
وبعضها يصيب الجسم، فيجعل الشخص عاجزاً عجزاً، جزئياً أو كلياً، عن القيام على أمر نفسه، كإصابة حواسّ الشخص ببعض العاهات.
وبعضها يمنع الشخص عن الإشراف على أمواله كالغَيبة.
والبعض الآخر يفرض على الشخص لمصلحة الغير مثل الحجر على المفلس .
2 ـ أن يكون صادراً من ذي إرادة سليمة، غير مشوبة بعيب من عيوب الرضا.
وعيوب الرضى هي:
الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال.
أ. الغلط
هو وهم، يقوم في ذهن الشخص يحمله على اعتقاد غير الواقع. أي اعتقاد خاطئ يقوم
في ذهن المتعاقد، فيدفعه إلى التعاقد. فإذا وقع المتعاقد في غلط جوهري، جاز
له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر، قد وقع، مثله، في هذا الغلط،
أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه. ومعنى ذلك أن الغلط لا
يؤدي إلى إبطال العقد إذا تعذر على الذي وقع في الغلط إثبات أن الغلط كان
مشتركاً أو كان المتعاقد الآخر يعلم به، أو يسهل عليه العلم به. ولا يؤثر في
صحة العقد مجرد الغلط في الحساب، ولا غلطات القلم. ولكن، يجب تصحيح الغلط،
وليس لمن وقع في غلط، أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية.
ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد، الذي قصد إبرامه، إذا أظهر الطرف الآخر استعداده
لتنفيذ هذا العقد. وعلى ذلك يظل من يشتري شيئاً معتقداً غلطاً أن له قيمة
أثرية، مرتبطاً بعقد البيع، إذا عرض البائع استعداداً لأن يسلمه نفس الشيء
الذي انصرفت نيته إلى شرائه.
والغلط في القانون كالغلط في الواقع يؤدي إلى بطلان العقد بطلاناً نسبياً إذا
توافرت فيه شروط الغلط في الواقع. فإذا كان الغلط في القانون جوهرياً وتناول
قاعدة قانونية لا تتصل بالنظام العام فيمكن التمسك به لإبطال العقد، ومن
الغلط في القانون أن يبيع شخص نصيبه في التركة معتقداً أنه يرث الربع في حين
أنه يرث الثلث.
ب. التدليس
هو إيهام الشخص بغير الحقيقة، بقصد حمْله على التعاقد.
ويجوز إبطال العقد، للتدليس، إذا كانت الحيل، التي لجأ إليها أحد المتعاقدين،
أو نائب عنه، من الجسامة، أنه لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد. ويُعَدّ
تدليساً السكوت، عمداً، عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلَّس عليه، ما
كان ليبرم العقد، لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة.
وظاهر من هذا التعريف أن التدليس لا يعتبر عيباً مستقلاً من عيوب الرضا، بل
هو علة تعيب آخر، وهذا العيب هو الغلط. ذلك أن الغلط إمَّا أن يكون تلقائياً
أي ينزلق إليه الشخص من تلقاء نفسه وإما أن يكون مستثاراً، أي تثيره في الذهن
الحِّيل التي استعملها المتعاقد الأخر، وفي الحالتين يكون العقد قابلاً
للإبطال.
ج. الإكراه
الإكراه هو ضغط، يتعرض له أحد المتعاقدين، يولّد في نفسه رهبة، تدفعه إلى
التعاقد.
والإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلاّ بالتهديد المفزع في النفس أو المال أو
باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قِبَل للمكره باحتمالها أو التخلص منها ويكون من
نتائج ذلك خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله
اختياراً.
وهذا هو الإكراه المفسد للرضا وهو يختلف عن الاكراه المعدم للرضا والذي يترتب
عليه بطلان العقد بطلاناً أصلياً، كما لو أمسك المكرِه بيد المكرَه والقلم
فيها للتوقيع على العقد حيث لا يمكن القول حينئذٍ بوجود الإرادة بعكس الإكراه
المفسد للرضا فالإرادة موجودة وإن لم تكن مختارة. وإذا صدر الإكراه من غير
المتعاقدين فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد
الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه. والإكراه يكون
مشروعاً أو غير مشروع بحسب الغرض منه. فإذا كان الغرض من الإكراه مشروعاً
فانه لا يفسد العقد سواء كانت وسيلة الإكراه مشروعة أو غير مشروعة. كل هذا
بشرط ألاّ تصل الوسيلة غير المشروعة على درجة الجريمة المعاقب عليها.
د. الاستغلال
قد ينظر إليه من الناحية المادية فيسمى غبناً، وقد ينظر إليه من الناحية
النفسية فيسمى استغلالاً.
فإذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا
المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، وتبيّن أن
المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلاّ لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً
بيناً أو هوى جامحاً، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل
العقد.
وعدم التعادل يكون عادة في العقود المحددة، إلا أنه أيضاً قد يكون كذلك في
العقود الاحتمالية إذا كان احتمال الخسارة في جانب أحد الطرفين يرجح كثيراً
على احتمال الربح. وذلك متى اجتمع في العقد الاحتمالي معنى الإفراط ومعنى
استغلال العاقد. كما في بيع عقار مقابل إيراد مرتب لمدى حياه البائع، إذا كان
احتمال وفاة البائع قريبة الحدوث بسبب كبر السن وضعف الصحة وتفاقم العلة.
والاستغلال كما يقع في عقود المعاوضات سواء أكانت محددة أم احتمالية، قد يقع
كذلك في أعمال التبرعات سواء أكانت عقوداً كالهبة أم أعمال قانونية صادرة من
جانب واحد كالوصية.
حدود حرية المتعاقدين في التراضي :
1ـ لا يجوز اتفاق المتعاقدين على ما يخالف النظام العام :
فلا يجوز اتفاقهما على عمل غير مشروع وكل اتفاق منهما على ذلك يعد باطلاً .
2 ـ تدخل القضاء في تقييد إرادة المتعاقدين :
يتدخل القضاء على الرغم من إرادة المتعاقدين، مقرراً إنهاء العقد، أو تعديله ومن أمثلة ذلك :
ـ سلطة القاضي في خفض الشرط الجزائي:
وذلك إذا أثبت المدين أن التقدير، كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
ـ تعديل عقد الإذعان:
إذا تضمن شروطاً تعسفية، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط، أو أن يعفي الطرف المذعن منها، وذلك بما تقضي به العدالة.
ـ تقدير الظروف الطارئة :
إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها، أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهِقاً للمدين، يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهِق إلى الحد المعقول.
ـ منح مهلة للتنفيذ :
للقاضي سلطة منح المدين أجلاً للتنفيذ، إذا استدعت حالته ذلك، ولم يلحق الدائن ضرر جسيم من تأجيل حقه.
3 ـ تدخل القاضي في تفسير العقد :
تفسير العقد من عمل القاضي، غير أنه ملزم باتباع قواعد معينة لضمان عدم خروجه على مهمته الأصلية وهي تفسير العقد إلى التعديل فيه.
وإذا كانت عبارة العقد واضحة، فلا يجوز الانحراف عنها، من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين.
أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء، في ذلك، بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات.
ويفسر الشك في مصلحة المدين. ومع ذلك، لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان، ضارّاً بمصلحة الطرف المذعن.
ثانياً: المحل :
وهو الركن الثاني من أركان العقد.
أ. محل الالتزام
محل الالتزام هو ما يتعهد به المدين، والمدين يلتزم إما بإعطاء شيء كنقل
الملكية للشيء المبيع، أو ترتيب حق عيني على شيء كالرهن، وأما القيام بعمل
كالتزام مقاول ببناء منزل، أو الامتناع عن عمل كالتزام بائع المتجر بالامتناع
عن مزاولة نفس التجارة في الجهة الكائن فيها المتجر المبيع.
ب. ومحل العقد :
هو العملية القانونية، التي يراد تحقيقها من طريق التراضي. وهذه العملية
القانونية، تتحقق من طريق جملة الالتزامات الناشئة عن العقد.
ومحل العقد يتنوع بحسب الغايات المتعددة، التي يريد المتعاقدون تحقيقها.
ويشترط في محل العقد، ألا يكون مخالفاً للنظام العام أو للآداب.
ويجب أن يستوفي محل الالتزام، إذا كان شيئاً، الشروط الآتية:
* أن يكون الشيء موجوداً، أو قابلاً للوجود.
* أن يكون داخلاً في التعامل.
* أن يكون معيّناً أو قابلاً للتعيين.
ويجب في محل الالتزام، إذا كان أداء عمل، أو الامتناع عن عمل:
* أن يكون ممكناً.
* أن يكون مشروعاً.
ثالثاً: السبب :
وهو الركن الثالث من أركان العقد.
والسبب في العقد، هو الغرض الذي يقصد المتعاقد إلى تحقيقه، أو هو الباعث،
الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد. والبواعث التي تحمل الإنسان على إبرام
عقد ما، هي بواعث متعددة، ومتنوعة، ومختلفة من عقد إلى أخر، ومن متعاقد إلى
آخر. فإذا سألت لماذا اشترى فلان هذا المنزل؟ كانت الإجابة لأنه يريد أن
يسكنه، أو يريد استغلاله فندقاً، أو يؤجره … وهكذا. وسبب العقد، أي سبب
العملية القانونية، التي يريد العاقد تحقيقها، هو ما يُعرف بالباعث أو الدافع
الفردي، أو الباعث الذاتي. ويجب أن يكون سبب العقد مشروعاً، أي لا يكون
مخالفاً للنظام العام أو للآداب، أما السبب في الالتزام: فهو ما يحمل الشخص
على الالتزام، وهو واحد في كل نوع من أنواع العقود، ففي البيع مثلاً سبب
التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بتسليم المبيع إليه، وسبب التزام
البائع بتسليم المبيع إلى المشتري هو التزام هذا الأخير بدفع الثمن إليه. أيّ
أنه في كافة عقود البيع سبب التزام المشتري أو سبب التزام البائع واحد لا
يتغير. والسبب في هذا المعنى يشترط فيه شرطاً واحداً وهو أن يكون موجوداً.
وإذا لم يكن للالتزام سبب أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو للآداب، كان
العقد باطلاً.
أنواع العقود :
تنقسم العقود من حيث الافتقار إلى إجراءات إلى :
1- العقد الرضائي :
هو مايكفي في انعقاده تراضي المتعاقدين , أي اقتران الإيجاب بالقبول فالتراضي وحده هو الذي يكون العقد. وأكثر العقود في القانون الحديث رضائية . كالبيع والإيجار . ولا يمنع العقد من أن يكون رضائيا أن يشترط في إثباته شكل مخصوص . إذ يجب التمييز بين وجود العقد وطريقة إثباته . فما دام يكفي في وجود العقد رضاء المتعاقدين فالعقد رضائي . حتى لو اشترط القانون لإثباته كتابة أو نحوها .
2- العقد الشكلي :
هو مالا يتم بمجرد تراضي المتعاقدين بل يجب لتمامه فوق ذلك اتباع شكل مخصوص يعينه القانون . وأكثر ما يكون هذا الشكل ورقة رسمية يدون فيها العقد . ولم يبق في القانون الحديث إلا عدد قليل من العقود الشكلية . الغرض من استبقاء شكليتها هو في الغالب تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد . كما في الهبة والرهن .
3- العقد العيني :
هو عقد لا يتم مجرد التراضي . بل يجب لتمام العقد فوق ذلك تسليم العين محل التعاقد . ولا يكاد يوجد في التقنين المدني الجديد مثل للعقد العيني إلا هبة المنقول , فهذه قد تكون عقدا شكليا إذا تمت بورقة رسمية وقد تكون عقدا عينيا إذا تمت بالقبض ( م 488 من التقنين المدني الجديد) ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يتفق المتعاقدان على أن العقد لا يتم إلا إذا قام أحدهما بتنفيذ شطر من التزامة . ففي عقود التأمين يشترط أحيانا ألا يتم العقد إلا بعد أن يدفع المؤمن له القسط الأول , الشرط صحيح في هذه الحالة ويكون العقد عينيا ولكن العينية هنا مصدرها الاتفاق لا القانون .
وينقسم العقد من حيث القدرة على التفاوض حوله إلى نوعين :
أ ـ عقد مساومة :
وفي هذا النوع يملك المتعاقدان طلب إدخال تعديلات على شروط العقد قبل توقيعه .
ب ـ عقد إذعان :
وفي هذا النوع يكون أحد طرفين العقد أقوى من الطرف الآخر فيقدم إليه عقداً جاهزاً لا يكون أمام الطرف الآخر إلا قبوله كما هو أو رفضه .
ومن أمثلة هذا النوع عقود السفر الجوي وعقود إدخال الخدمات الكهربائية أو التلفونية وعقود التأمين ونحو ذلك .
وقد روعي الوضع الخاص لهذه العقود من حيث تفسير العقد دائما ً عند الاحتمال لصالح الطرف المذعن .
العقد المسمى والعقد الغير مسمى
وتنقسم من حيث اختصاصها باسم خاص من عدمه إلى :
1- العقد المسمى :
وهو ما خصص باسم معين وتم تنظيمه لشيوعه بين الناس في تعاملهم , والعقود المسماة إما أن تقع على الملكية وهي البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والصلح , وإما أن تقع على المنفعه وهي الإيجار وعارية الاستعمال , وإما أن تقع على العمل وهي المقاولة والتزام المرافق العامة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة .
ويلاحظ أن العقد المسمى في غير النصوص التفصيلية التي تولت تنظيمه يخضع للقواعد العامة التي يخضع لها سائر العقود .
ومن أمثلة العقود المسماة ما يلي :
1 ـ عقد البيع :
وهو عقد يلتزم به البائع، أن ينقل إلى المشتري ملكية شيء، أو حقاً مالياً
آخر، مقابل ثمن نقدي. ويجب أن يكون المشتري عالماً بالمبيع علماً كافياً؛
ويُعَدّ العلم كافياً، إذا اشتمل العقد علي بيان المبيع وأوصافه الأساسية،
بياناً يمكن من تعرفه. ويلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري بالحالة، التي
كان عليها وقت البيع. ويكون الثمن مستحق الوفاء، في المكان والزمان، اللذين
سلم فيهما المبيع، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك. (وقد نظم القانون
المدني المصري عقد البيع، في المواد من 418 إلى 481، متضمناً التزامات البائع
ـ والتزامات المشتري ـ والشيء المبيع ـ والثمن ـ بيع ملك الغير ـ بيع الحقوق
المتنازع عليها ـ بيع التركة ـ البيع في مرض الموت ـ بيع النائب لنفسه).
2. عقد المقايضة
المقايضة عقد يلتزم به كل من المتعاقدين، أن ينقل إلى الآخر، على سبيل
التبادل، ملكية مال، ليس من النقود. وإذا كان للأشياء المتقايض فيها، قيم
مختلفة في تقدير المتعاقدين، جاز تعويض الفرق بمبلغ من النقود، يكون معادلاً.
وتسري على المقايضة أحكام البيع، بالقدر الذي تسمح به طبيعة المقايضة.
ويُعَدّ كل من المتقايضين بائعاً للشيء الذي قايض به، ومشترياً للشيء الذي
قايضه.
3. عقد الهبة :
الهبة عقد يتصرف، بمقتضاه، الواهب في مال له، دون عوض. ويجوز للواهب، دون أن
يتجرد من نية التبرع، أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معيّن. ولا تتم
الهبة، إلا إذا قبِلها الموهوب له أو نائبه. وتكون الهبة بورقة رسمية، وإلا
كانت باطلة. ويجوز في المنقول، أن تتم الهبة بالقبض، من دون حاجة إلى ورقة
رسمية، وتكون هبة الأموال المستقبلة باطلة. ويجوز للواهب أن يرجع في الهبة،
إذا قبِل الموهوب له ذلك. فإذا لم يقبَل الموهوب له، جاز للواهب، أن يطلب من
القضاء الترخيص له في الرجوع، متى كان مستنداً في ذلك إلى عذر مقبول، ولم
يوجد مانع من الرجوع. ويُعَدّ عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة، بنوع خاص،
(1) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع
مكانته الاجتماعية.
(2) أن يرزق الواهب، بعد الهبة، ولداً، ويظل حياً إلى وقت الرجوع.
(3) أن يخلّ الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو نحو أحد من أقاربه،
إخلالاً، يكون جحوداً كبيراً من جانبه. ويترتب على الرجوع في الهبة، بالتراضي
أو بالتقاضي، أن تُعَدّ الهبة كأن لم تكن.
4. عقد الشركة :
الشركة عقد يلتزم، بمقتضاه، شخصان أو أكثر، بأن يسهم كل منهم في مشروع مالي،
بتقديم حصة من مال أو من عمل، لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو
من خسارة. وتُعَدّ الشركة، لدى تكوينها، شخصاً اعتبارياً. ولكن لا تحتج بهذه
الشخصية على الغير، إلا بعد استيفاء إجراءات النشر، التي يقررها القانون. ومع
ذلك للغير، إذا لم تقم الشركة بإجراءات النشر المقررة، أن يتمسك بشخصيتها.
ويجب أن يكون عقد الشركة مكتوباً .
5ـ. عقد القرض :
القرض عقد يلتزم به المقرض، أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود، أو أي
شيء مثلي آخر. على أن يرد إليه المقترض، عند نهاية القرض، شيئاً مثله، في
مقداره ونوعه وصفته. وعلى المقترض أن يدفع الفوائد المتفق عليها، عند حلول
مواعيد استحقاقها. فإذا لم يكن هناك اتفاق على فوائد، عُدَّ القرض بغير أجر.
وينتهي القرض بانتهاء الميعاد المتفق عليه.
6. عقد الصلح :
الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً، أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً،
وذلك بأن ينزل كل منهما، على وجه التقابل، عن جزء من ادعائه. ويشترط فيمن
يعقد صلحاً، أن يكون أهلاً للتصرف في عوض في الحقوق، التي يشملها عقد الصلح.
ولا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية، أو بالنظام العام.
ولكن، يجوز الصلح على المصالح المالية، التي تترتب على الحالة الشخصية، أو
التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم.
7. عقد الإيجار :
الإيجار عقد يلتزم المؤجر، بمقتضاه، أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء
معيّن، مدة معيّنة، لقاء أجر معلوم. ويجوز أن تكون الأجرة نقوداً، كما يجوز
أن تكون أي تقدمة أخري. وإذا لم يتفق المتعاقدان على مقدار الأجرة، أو علي
كيفية تقديرها، أو إذا تعذر إثبات مقدار الأجرة، وجب اعتبار أجرة المثل. وإذا
عقد الإيجار، من دون الاتفاق علي مدة، أو عقد لمدة غير معيّنة، أو تعذر إثبات
المدة المدعاة، عُدَّ الإيجار منعقداً للفترة المعيّنة لدفع الأجرة. ويلتزم
المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها، في حالة تصلح معها لأن تفي
بما أعدّت له. وعلى المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع
المستأجر بالعين المؤجرة. ويلتزم المستأجر بأن يستعمل العين المؤجرة على
النحو المتفق عليه. ولا يجوز للمستأجر أن يحدِث بالعين المؤجرة تغييراً من
دون إذن المؤجر، إلا إذا كان هذا التغيير لا ينشأ عنه أي ضرر للمؤجر.
وللمستأجر حق التنازل عن الإيجار، أو الإيجار من الباطن، وذلك عن كل ما
استأجره، أو بعضه، ما لم يقضِ الاتفاق بغير ذلك. وفي حالة التنازل عن
الإيجار، يبقى المستأجر ضامناً للمتنازل له عن تنفيذ التزاماته. ويجب علي
المستأجر، أن يقوم بالوفاء بالأجرة، في المواعيد المتفق عليها. كما يجب على
المستأجر أن يردّ العين المؤجرة، عند انتهاء الإيجار. وإذا نبه أحد الطرفين
على الآخر بالإخلاء، واستمر المستأجر، مع ذلك، منتفعاً بالعين بعد انتهاء
الإيجار، فلا يفترض أن الإيجار قد تجدد، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك.
8 : عقد العارية :
العارية عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئاً غير قابل للاستهلاك،
ليستعمله، بلا عوض، لمدة معيّنة، أو في غرض معين، على أن يردّه بعد
الاستعمال. وليس للمستعير أن يستعمل الشيء المعار، إلا على الوجه المعيّن،
وبالقدر المحدد، وذلك طبقاً لما يبيّنه العقد، أو تقبله طبيعة الشيء، أو
يعيّنه العرف. ولا يجوز له، من دون إذن المعير، أن ينزل عن الاستعمال للغير،
ولو على سبيل التبرع. ويلتزم المعير أن يسلم الشيء المعار بالحالة، التي يكون
عليها وقت انعقاد العارية، وأن يتركه للمستعير طوال مدة العارية. وعلى
المستعير أن يبذل في المحافظة علي الشيء العناية، التي يبذلها في المحافظة
على ماله. ومتي انتهت العارية، وجب على المستعير أن يردّ الشيء الذي تسلمه،
بالحالة التي يكون عليها، وذلك من دون الإخلال بمسؤوليته عن الهلاك أو التلف.
وتنتهي العارية بانقضاء الأجل المتفق عليه، فإن لم يعيّن لها أجل، انتهت
باستعمال الشيء فيما أعير من أجله. وتنتهي العارية بموت المستعير، ما لم يوجد
اتفاق يقضي بغيره. كما يجوز للمعير أن يطلب، في أي وقت، إنهاء العارية، في
بعض الأحوال، منها إذا أساء المستعير استعمال الشيء، أو إذا عرضت للمعير حاجة
عاجلة للشيء، لم تكن .
9. عقد المقاولة :
المقاولة عقد يتعهد، بمقتضاه، أحد المتعاقدين، أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي
عملاً، لقاء أجر، يتعهد به المتعاقد الأخر. ويجوز أن يقتصر المقاول على
التعهد بتقديم عمله، على أن يقدم رب العمل المادة، التي يستخدمها، أو يستعين
بها على القيام بعمله. كما يجوز أن يتعهد المقاول بتقديم العمل والمادة معاً.
ويضمن المهندس المعماري والمقاول، متضامنين، ما يحدث من تهدم، كلي أو جزئي، فيما شيداه من مبانٍ، أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى، ذلك،
10.عقد العمل :
عقد العمل هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين، بأن يعمل في خدمة المتعاقد
الآخر، وتحت إدارته، أو إشرافه، مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر. ولا
يشترط في عقد العمل أي شكل خاص، ما لم تنص القوانين واللوائح الإدارية على
خلاف ذلك. ويجوز أن يبرم عقد العمل لخدمة معيّنة أو لمدة معيّنة. كما يجوز أن
يكون غير معين المدة. وإذا كان عقد العمل معين المدة، انتهي من تلقاء نفسه
بانقضاء مدته. فإذا استمر طرفاه في تنفيذ العقد، بعد انقضاء مدته، عُدّ ذلك
منهما تجديداً للعقد لمدة غير معيّنة. ويجب على العامل أن يؤدي العمل بنفسه،
وأن يبذل في تأديته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد. ولا ينفسخ عقد العمل
بوفاة رب العمل، ما لم تكن شخصيته قد روعيت في إبرام العقد. ولكن ينفسخ العقد
بوفاة العامل .
11. عقد الوكالة :
الوكالة عقد يلتزم بمقتضاه، الوكيل، بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل. ولا
بد من وكالة خاصة في كل عمل، ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع،
والرهن، والتبرعات، والصلح، والإقرار، والتحكيم، وتوجيه اليمين، والمرافعة
أمام القضاء. والوكالة الخاصة لا تجعل للوكيل صفة، إلا في مباشرة الأمور
المحددة فيها، وما تقتضيه هذه الأمور من توابع ضرورية، وفقاً لطبيعة كل أمر،
وللعرف الجاري. والوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة، من دون أن يجاوز حدودها
المرسومة، على أن له أن يخرج عن هذه الحدود، متى كان من المستحيل عليه إعلام
الموكل سلفاً، وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل، ما كان إلا ليوافق
على هذا التصرف. وعلى الوكيل، في هذه الحالة، أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه
عن حدود الوكالة. وإذا تعدد الوكلاء، كانوا، لذلك، مسؤولين بالتضامن، متى
كانت الوكالة غير قابلة للانفصال، أو كان الضرر، الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ
مشترك. وتنتهي الوكالة بإتمام العمل الموكل به، أو بانتهاء الأجل المعيّن
للوكالة. وتنتهي، كذلك، بموت الموكل أو الوكيل. ويجوز للموكل، في أي وقت، أن
ينهي الوكالة، أو يقيدها، ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. غير أنه إذا كانت الوكالة
صادرة لمصلحة أجنبي، فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة، أو يقيدها، من دون
رضاء من صدرت الوكالة لمصلحته، ويجوز للوكيل أن ينزل، في أي وقت، عن الوكالة،
ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. ويتم التنازل بإعلانه للموكل. غير أنه لا يجوز
للوكيل، أن ينزل عن الوكالة متي كانت صادرة لمصلحة أجنبي إلا إذا وجدت أسباب
جدية، تبرر ذلك، على أن يُعلم الأجنبي بهذا التنازل .
2- العقد الغير مسمى :
هو ما لم يخصه القانون باسم معين و لم يتول تنظيمه فيخضع في تكوينه وفي الآثار التي تترتب عليه القواعد العامة التي تقرر لجميع العقود شأنه في ذلك شأن العقد المسمى ولكنه لما كان أقل شيوعا لم يفصل المشرع أحكامه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة .
العقد البسيط والعقد المختلط
وتنقسم من حيث التفرد والتركيب إلى :
1- العقد البسيط :
هو ما اقتصر على عقد واحد ولم يكن مزيجا من عقود متعدد . وقد يكون العقد البسيط عقدا مسمى كالبيع والإيجار كما يكون عقدا غير مسمى كالعقد الذي توضع بمقتضاه أسرة تحت تصرف مدرسة طبية .
2- العقد المختلط :
هو ماكان مزيجا من عقود متعددة اختلطت جميعا فأصبحت عقدا واحدا مثل ذلك العقد بين صاحب الفندق والنازل فيه , فهو مزيج من عقد إيجار بالنسبة إلى المسكن , وبيع بالنسبة إلى المأكل ,وعمل بالنسبة إلى الخدمة ,ووديعة بالنسبة إلى الأمتعة .
وليس هناك من أهمية كبيرة في امتزاج عدة عقود في عقد مختلط , فإن هذا العقد إنما تطبق عليه أحكام العقود المختلفة التي يشتمل عليها , على أنه قد يكون من المفيد في بعض الأحيان أن يؤخذ العقد المختلط كوحدة قائمة بذاتها , وذلك إذا تنافرت الأحكام التي تطبق على كل عقد من العقود التي يتكون منها , ففي هذه الحالة يجب تغليب أحد هذه العقود باعتباره العنصر الأساسي , كما في عقد التلفون وهو يدور بين عقد العمل والإيجار .
من أهم آثار العقد الإلزام وهو يتنوع من هذه الحيثية إلى نوعين:
1- العقد الملزم للجانبين :
هو العقد الذي ينشىء التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين , كالبيع يلتزم البائع فيه بنقل ملكية المبيع في مقابل أن يلتزم المشتري بدفع الثمن . والظاهرة الجوهرية في العقد الملزم للجانبين هو هذا التقابل القائم مابين التزامات أحد الطرفين والتزامات الطرف الآخر.
2-العقد المزم لجانب واحد :
هو العقد الذي لا ينشئ التزامات إلا في جانب أحد المتعاقدين فيكون مدينا غير دائن , ويكون المتعاقد الآخر دائنا غير مدين , مثل ذلك الوديعة غير المأجورة يلتزم بمقتضاها المودع عنده نحو المودع أن يتسلم الشيء المودع وأن يتولى حفظه وأن يرده عينا , دون أن يلتزم المودع بشيء نحو المودع عنده , والعقد الملزم لجانب واحد كسائر العقود لا يتم إلا بتوافق إرادتين .
عقد المعاوضة وعقد التبرع
وتنقسم من حيث المقابل إلى :
1- عقد المعاوضة :
هو العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما أعطاه , فالبيع عقد معاوضة بالنسبة إلى البائع لأنه يأخذ الثمن في مقابل إعطاء المبيع وبالنسبة إلى المشتري لأنه يأخذ المبيع في مقابل إعطاء الثمن .
وعقد الكفالة معاوضة بالنسبة إلى الدائن المكفول لأنه أخذ كفالة في مقابل إعطاء الدين وهو بالنسبة إلى الكفيل يكون تبرعا إذا لم يأخذ أجرا على كفالته إذ يكون قد أعطى دون أن يأخذ ومن ذلك يتضح أن العقد الواحد قد يكون معاوضة بالنسبة إلى أحد المتعاقدين وتبرعا بالنسبة إلى المتعاقد الآخر وذلك لأن المعاوضة لا يشترط فيها أن يكون المعاوض قد أعطى المقابل للمتعاقد الآخر كما أن التبرع لا يشترط فيه أن يكون المتبرع فيه أن يكون المتبرع قد تبرع للمتعاقد الآخر .
2- عقد التبرع :
هو العقد الذي لا يأخذ فيه المتعاقد مقابلا لما أعطاه , ولا يعطى المتعاقد الآخر مقابلا لما أخذه , فالعارية عقد تبرع بالنسبة إلى المعير لا يأخذ شيئا من المستعير في مقابل الشيء المعار وبالنسبة إلى المستعير لأنه لا يعطي شيئا للمعير في مقابل الانتفاع بالشيء المعاروبالنسبة إلى المعار وكذلك بالشيء المعار . وكذلك الهبة دون عوض والقرض والوديعة والوكالة إذا كانت هذه العقود الثلاثة دون مقابل كلها عقود تبرع على النحو الذي قدمناه , ومن ذلك يتبين أن العقود الملزمة للجانبين بعضها معاوضة كالإيجار وبعضها تبرع كالعارية كذلك العقود الملزمة لجانب واحد بعضها تبرع كالهبة دون عوض وبعضها معاوضة كالكفالة إذا أخذ الكفيل أجرا من المدين .
وتنقسم العقود من حيث الزمن إلى ما يلي :
1- العقد المحدد :
هو العقد الذي يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أخذ والقدر الذي أعطى حتى لو كان القدران غير متعادلين , فبيع شيء معين بثمن معين عقد محدد سواء كان الثمن يعادل قيمة المبيع أو لا يعادله مادامت قيمة المبيع ومقدار الثمن يمكن تحديدها وقت البيع .
2- العقد الاحتمالي :
هو العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أخذ أو القدر الذي أعطى, ولا يتحدد ذلك إلا في المستقبل تبعا لحدوث أمر غير محقق الحصول أو غير معروف وقت حصوله فالبيع بثمن هو إيراد مرتب مدى الحياة عقد احتمالي . لأن البائع وإن كان يعرف وقت البيع القدر الذي لا يستطيع أن يعرف في ذلك الوقت القدر الذي أخذ إذ الثمن لا يتحدد إلا بموته والموت أم لا يعرف وقت حصوله , والمشتري أيضا كالبائع يباشر عقدا احتماليا فهو يعرف القدر الذي أخذ ولكنه لا يعرف القدر الذي أعطى وهو الثمن الذي لا يمكن تحديده وقت البيع لما سبق بيانه, ومن العقود الاحتمالية الشائعة عقود التأمين وعقود الرهائن والمقامرة .
هذا وقد يظن لأول وهلة أن تقسيم العقد إلى محدد واحتمالي لا يكون إلا في عقود المعاوضة وليس في عقود التبرع إلا عقود محددة , ولكن الصحيح أن عقد التبرع قد يكون احتماليا إذا كان الموهوب له لا يستطيع أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي يأخذ كما إذا وهب شخص لآخر إيرادا مرتبا طول حياته .
3 ـ العقد الفوري :
هو العقد الذي لا يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه فيكون تنفيذه فوريا ولو تراخى التنفيذ إلى أجل أو إلى آجال متتابعة . فبيع شيء يسلم في الحال بثمن يدفع في الحال عقد فوري : لأن عنصر الزمن هنا معدوم إذ أن كلا من المبيع والثمن يسلم في الحال فهو عقد فوري التنفيذ .
وقد يكون البيع بثمن مؤجل ويبقى مع ذلك فوريا , ذلك لأن الزمن إذا كان قد تدخل هنا عنصر عرضي لا دخل له في تحديد الثمن , فالبيع بثمن مؤجل عندما يحين وقت تنفيذه يكون فوري التنفيذ وليس الأجل إلا موعدا يتحدد به وقت التنفيذ ولا يتحدد به مقدار الثمن .
وقد يكون البيع بثمن مقسط ويبقى مع ذلك فوريا إذ الثمن الذي يدفع اقساطا ليس إلا ثمنا مؤجلا إلى آجال متعددة . وليست هذه الآجال إلا عناصر عرضية في العقد لا يتحدد بها مقدار الثمن ويكون العقد في هذه الحالة فوري التنفيذ جزءا جزءا عندما يحين وقت التنفيذ لكل جزء منه .
4-العقد الزمني :
هو العقد الذي يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه , بحيث يكون هو المقياس الذي يقدر به محل العقد . ذلك أن هناك أشياء لا يمكن تصورها إلا مقترنة بالزمن فالمنفعة لا يمكن تقديرها إلا بمدة معينة والعمل إذا نظر إليه في نتيجة أي إلى الشيء الذي ينتجه العمل كان حقيقته مكانية ولكن إذا نظر إليه في ذاته فلا يمكن تصوره إلا حقيقة زمانية مقترنا بمدة معينة .
ومن ثم فعقد الإيجار عقد زمني لأنه يقع على المنفعه والزمن عنصر جوهري فيه لأنه هو الذي يحدد مقدار المنفعة المعقود عليها وعقد العمل لمدة معينة عقد زمني لأن الخدمات التي يؤديها العامل لاتقاس إلا بالزمن فالزمن عنصر جوهري فيه إذ هو الذي يحدد مقدار المحل المعقود عليه .
وهناك من الأشياء ما يتحدد في المكان فيكون حقيقة مكانية ولكن المتعاقدين يتفقان على تكرار أدائه مدة من الزمن لسد حاجة تكرر فهو في ذاته يقاس بالمكان ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يقاس بالزمان مثل ذلك عقد التوريد يلتزم به أحد المتعاقدين أن يورد للمتعاقد الآخر شيئا معينا يتكرر مدة من الزمن فمحل العقد هنا وهو الشيء المعين الذي اتفق على توريده يقاس في ذاته بالمكان ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يتكرر مرات مدة من الزمن فجعلاه يقاس , كالمنفعة والعمل بالزمان لا بالمكان فالمعقود عليه في كل من عقد الإيجار وعقد التوريد هو الزمن أو هو شيء يقاس بالزمن ولكن المعقود عليه في عقد الإيجار يقاس بالزمن طبيعة أما المعقود عليه في عقد التوريد فيقاس بالزمن اتفاقا .
وتنقسم العقود من حيث محلها إلى :
1 ـ عقود ترد على الملكية :
مثل البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والصلح .
2 ـ عقود ترد على المنفعه:
مثل الإيجار والعارية .
3 ـ عقود ترد على عمل الإنسان :
وهي عقد المقاولة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة .
ومن حيث فرع القانون الذي تتبعه تنقسم العقود إلى ثلاثة أقسام :
1 ـ عقود مدنية :
مثل عقد الزواج وإجارة المسكن .
2 ـ عقود تجارية :
مثل عقود البيع التجاري ، وعقود التوريد .
3ـ عقود إدارية :
نظراً لأهمية هذا النوع من العقود فسوف نتحدث عنه بمزيد من التفصيل على النحو التالي :
نشأة العقد الإداري:
فكرة العقود الإدارية تعد من الأفكار القانونية الحديثة نسبياً ، حيث ترجع إلى مطلع القرن العشرين فقط ، وبدأ الأخذ بها في مصر سنة 1949م ، حينما عدل قانون مجلس الدولة الصادر في عام 1946م ، والقوانين التالية له .
أما في المملكة العربية السعودية فقد صدرت المراسيم الملكية المتتابعة بإنشاء ديوان المظالم وتنظيمه بدءاً من المادة (19) لنظام مجلس الوزراء لسنة 1373هـ ، والتي تعتبر أول نص عن ديوان المظالم ، حيث حددت المادة الشعبة الرابعة من شعب مجلس الوزراء على أنها ديوان المظالم ، ثم صدر المرسوم الملكي رقم (2/13/8759) لسنة 1374هـ بنظام ديوان المظالم الأساسي ، والذي حل محل شعبة المظالم ، ونص في مادته الأولى على أن يشكل ديوان مستقل باسم ديوان المظالم .
وفي سنة 1379 هـ قام رئيس ديوان المظالم – وبناء على مرسوم ملكي بالتفويض له – بإصدار القرار رقم (3570/1) بتنظيم النظام الداخلي لديوان المظالم ، ذلك القرار الذي جاء في أربع عشرة مادة ، ومن ثم عرف العقد الإداري .
ومع تعدد الأنظمة والقرارات ، وضم الاختصاصات إلى الديوان بات من الضروري إصدار نظام متكامل لديوان المظالم ،وتوج ذلك بالنظام الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (51) لسنة 1402هـ بالموافقة على نظام ديوان المظالم الجديد ، وأنه جهة القضاء الإداري في المملكة ، وأنه هيئة قضاء إداري مستقلة ترتبط مباشرة بجلالة الملك ، واحتوى نظام ديوان المظالم الجديد على إحدى وخمسين مادة ، نصت المادة الثامنة منه على اختصاصات الديوان منها : الدعاوي المقدمة من ذوي الشأن في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية التي تكون الحكومة ، أو أحد الأشخاص المعنوية العامة طرفاً فيها . كما أن ديوان المظالم يختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها ، أي : جميع العقود التي تبرمها الإدارة ، وتكون طرفاً فيها ، سواء كانت عقودا إدارية أم غير إدارية،وصرحت بذلك المذكرة الإيضاحية لنظام الديوان بقولها : ( كما ينته إلى أن المراد بالعقد هو العقد مطلقاً ، سواء كان العقد إدارياً بالمعنى القانوني ، أم عقداً خاصاً بما في ذلك عقود العمل ) .
تعريف العقد الإداري :
هناك عدة تعريفات للعقد الإداري نجتزئ منها ما يلي :
1. يعرف العقد الإداري بأنه : ( العقد الذي يبرمه شخص من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام ، أو بمناسبة تسييره ، وتظهر نيته في الآخذ بأسلوب القانون العام ، وذلك بتضمين العقد شرطاً ، أو شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص ) .
شرح التعريف :
يبين من التعريف أن العقد الإداري يستلزم توافق إرادتين ، تتجهان إلى إحداث أثر قانوني معين، ومن ثم فإن العمل- الذي يتضمن إسناد مراكز قانونية عامة موضوعية إلى أشخاص بذواتهم – لا يعتبر عقداً ، وإنما هو عمل صادر بالإرادة المنفردة للإدارة .
2. العقد الإداري طبقاً للتعريف الفرنسي هو : ( العقد الذي يبرمه شخص عام أو يبرم لحسابه ، ويخضع في منازعاته للقانون الإداري والقضاء الإداري ، سواء بنص صريح في القانون أو لتضمنه شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص . أو إذا كان يعهد للمتعاقد الآخر بالمساهمة المباشرة في إنجاز أو تسيير مرفق عام ) .
شرح التعريف :
يتبين من هذا التعريف أن العقد يكون إدارياً إذا كان أحد طرفيه على الأقل شخصاً عاماً ، أو وقع لحساب هذا الشخص العام ، وذلك في إحدى الحالات الآتية :
الحالة الأولى : إذا نص المنظم على اعتبار العقد إدراياً ، فقد يختار المنظم عدداً من العقود يضفي عليها الطابع الإداري ، وذلك بناءً على المصلحة التي يراها في إضفاء هذا الوصف على العقد .
الحالة الثانية : إذا تضمن العقد شرطاً ، أو شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص .
الحالة الثالثة : إذا كان العقد يعهد للمتعاقدين بالإسهام المباشر في تسيير مرفق عام .
المقارنة بين التعريفين :
كما هو واضح من التعريف الفرنسي فإنه يستخدم حرف العطف (أو) ولا يستخدم حرف الواو ، وهو ما يعني أن وجود إحدى هذه الحالات يكفي لصبغ العقد بالصبغة الإدارية ، فالقضاء الفرنسي لا يشترط اجتماع هذه العناصر في العقد حتى يكون إدارياً ، على عكس القضاء المصري الذي يؤكد في أحكامه ضرورة اجتماع عدد من الشروط لكي يكون العقد إدارياً ، وتنتفي هذه الصفة عند تخلف أحد هذه الشروط .
التعريف المختار للعقد الإداري :
بناء على التعريف المختار للعقد بالمعنى الخاص ، وبناء على ما سبق بيانه حول تعريف العقد بوجه العام ، والعقد الإداري بوجه خاص ، يتبين لنا أن العقد الإداري مثله مثل العقد بوجه عام إلا بما يقتضيه العقد الإداري من ضمان سير وإدارة المرافق العامة ، وهو ما يطلق عليه بامتيازات الإدارة ، وهذه الامتيازات في حقيقتها تعد آثاراً للعقد ولا دخل لها في ماهية العقد فالأساس الذي تقوم عليه الإمتيازات المقررة للإدارة في العقود الإدارية هي المصلحة العامة والنفع العام ، ولولا ذلك لما كان للإدارة امتياز أصلاً ولذا يمكن تعريف العقد الإداري بأنه :
أنه ( ارتباط الإيجاب بالقبول أو ما في معناهما على وجه يثبت أثره لتحصيل نفع عام ) .
كما تنقسم العقود من حيث المحلية والدولية إلى قسمين :
1 ـ عقود محلية :
وهي التي أطرافها من بلد واحد .
2 ـ عقود دولية :
والتي يكون أطرافها من بلدين أو بلاد مختلفة .
مراحل إبرام العقد :
1ـ التفاوض :
تعتبر المفاوضات هى المرحلة السابقة على التعاقد ، ولا يصدر عن أحد المتعاقدين إيجابا نهائيا إلا بعد مفاوضات مع الطرف الآخر، فالإيجاب إذن هو نتيجة المفاوضات .
ولا يترتب ـ بحسب الأصل ـ على المفاوضات ، أى أثر قانونى ، إذ من حق المتفاوض أن يقطع المفاوضة فى أى وقت ، ولا مسئولية عليه فى هذا المسلك إلا إذا اقترن العدول عن التفاوض بخطأ ممن قطع المفاوضات وتعد المسئولية هنا تقصيرية أساسها الخطأ وليست تعاقدية ترتكز على العدول عن التفاوض . وعلى من يدعى الضرر من العدول أن يثبت خطأ المتفاوض فى قطع المفاوضات .
وتعد المفاوضات من الوسائل التي يفسر بها العقد لأنها تعرب عن مقاصد المتعاقدين .
2 ـ الوعد بالتعاقد:
قد يثمر عن المفاوضات وعد بالتعاقد كالوعد بالبيع مثلاً هو عقد يلتزم بمقتضاه الواعد ببيع شيء إذا أظهر الموعود
له رغبته في الشراء في مدة معينة، وكثيراً ما يلجأ إلى هذا العقد في الحياة
العملية، خصوصاً بعد أن تعقدت المعاملات وتشعبت ومن أمثلة ذلك: ما تلجأ إليه
شركات البناء العقارية لتيسير تأجير مبانيها فتضمن عقود الإيجار الصادرة منها
وعداً ببيع العين إلى المستأجر. وكما يصدر الوعد من البائع فقد يصدر أيضاً من
المشتري ويسمى بالوعد بالشراء.
3. العقد الابتدائي:
قد يكون الوعد بالتعاقد ملزماً للجانبين ومثل هذا الوعد يسمى في العمل بالعقد
الابتدائي، وفيه يتفق الطرفان على جميع شروط العقد المراد إبرامه، مع تحديد
أجل العقد النهائي. فإذا حل الأجل المحدد لتحرير العقد النهائي وامتنع أحد
الطرفين دون سبب مقبول عن إمضائه جاز للطرف الآخر رفع دعوى صحة التعاقد
للحصول على حكم بثبوت البيع.
وإذا ظهر هناك اختلاف بين الشروط الواردة في العقد الابتدائي والشروط التي
تضمنها العقد النهائي تعين الرجوع إلى ما تضمنه العقد النهائي.
4. التعاقد بالعربون :
العربون هو مبلغ من المال (أو أي شيء منقول آخر)، يدفعه أحد المتعاقدين إلى
المتعاقد الآخر، وقت انعقاد العقد. ودفع العربون،
وقت إبرام العقد، يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه. إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدل من دفع العربون فقده هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر.
والبعض يعتبرون العربون " كتنفيذ جزئي للعقد " و البعض الآخر يعتبرون العربون كخيار للعدول عن العقد.
الفاظ العقود ومكوناته وشروطه
الفرع الاول :اللفظ في العقد
رأينا من تعريفات العقد انطلاقه من إرادة طرفيه والإرادة تنقسم إلى قسمين :
أ ـ إرادة باطنة :
وهي المستقرة في قلب العاقد وهي المعتبرة والأصل في التعاقد لذلك إذا تأثرت بطل العقد كما في الإكراه .
لكن هذه الإرادة خفية وذاتية لا يمكن للغير الاطلاع عليها مباشرة مما يحوجها إلى :
ب ـ الإرادة الظاهرة :
وهي وسيلة التعبير عن الإرادة وتكون بما دل عليها من اللفظ الشفوي أو المكتوب او الفعل أو الإشارة .
واللفظ أيسر وأوضح طريقة للتعبير عن الإرادة ولذلك نابت الإرادة الظاهرة في الإرادة الباطنة وانصرفت الآثار إلى الإرادة الظاهرة .
والألفاظ تنقسم إلى نص وظاهر ومحتمل فالنص لا يحتمل إلا معنى واحداً ، والظاهر يحتمل معنى راجحاً مع احتمال معنى أو معان مرجوح ، بينما المحتمل يتساوى فيه معنى أو معاني .
ـ كيفية تفسير اللفظ :
إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين .
ففرق في العقد بين الشروط الظاهرة والشروط الغامضة , فلا يجوز للقاضي الموضوع أن ينحرف عن معناها الظاهر إلى معنى آخر . ويعتبر الانحراف عن عبارة العقد الواضحة تحريفا لها ومسخا وتشويها مما يوجب نقض الحكم .
بينما يطلق سلطان قاضي الموضوع في تفسير الشروط الغامضة ليستخلص منها إرادة المتعاقدين على الوجه الذي يؤدي إليه إجهاده .
أما بالنسبة إلى الشروط الظاهرة وهذا ما جرى عليه الفقه الإسلامي وجرت عليه محاكم النقض المصرية والفرنسية .
- البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين :
العبرة إنما تكون بالإرادة المشتركة للمتعاقدين لا بالإرادة الفردية لكل منهما , فهذا واضح أيضا لأن الإرادة المشتركة هي التي التقى عندها المتعاقدان , فهي التي تؤخذ بها , دون اعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية لم يتلاق معه المتعاقد الآخر فيها .
- القواعد التي يُهتدى بها للكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين :
- قاعدة : ( العادة محكمة ) :
فالتصرفات تحمل على المعنى المعتاد وهذا يوجب الرجوع إلى المعنى اللغوي في عرف المتعاقدين فالعرف يفسر المراد بالعبارات فلو قال شخص لأخر بعتك كيلين من الموز فإنه يحتمل المكيال ويحتمل الكيلو جرام فيرجع إلى العرف فالموز لا يكال بل يوزن .
ـ قاعدة : ( إعمال الكلام خير من إهماله ) :
إذا احتملت العبارة أكثر من معنى واحد , وكان أحد هذه المعاني هو الذي ينتج أثرا قانونيا حملت العبارة على هذا المعنى .
فمثلاً إذا قال شخص لآخر أبيعك هذه الأرض بألف فقال الآخر قبلت فإنه يحتمل الاستفهام ويحتمل الإيجاب فيحمل على أنه إيجاب حتى يترتب عليه لزوم البيع .
وعبارات العقد يفسر بعضها بعضا فلا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءا من كل هو العقد . فقد تكون هناك عبارة سابقة مطلقة . وتحددها عبارة سابقة أولا حقة وقد تقرر العبارة أصلا يرد عليه استثناء يذكر قبلها أو بعدها . وقد تكون العبارة مبهمه وتفسرها عبارة وردت في موضع آخر . فإذا باع شخص مفروشات منزله تم عين هذه المفروشات في مكان آخر من العقد فإن خصوص العبارة الثانية يحدد من عموم العبارة الأولى إذا الخاص يقيد العام . ولا يدخل في المبيع مالم يذكر في المفروشات المعينة حتى لو كان داخلا ضمن مفروشات المنزل وإذا قام التناقض بين عبارتين أجتهد القاضي في التوفيق بينهما . فلو أمكنه إعمال العبارتين معا فعل . وإلا اجتهد في إعمالها إلى أقصى حد دون إرهاق للفظ أو قسر له على غير معناه فإذا كان التناقض يستعصي معه الجمع بين العبارتين على أية صورة اختار العبارة التي يظهر له أن المتعاقدين كانا يريدانها دون الأخرى .
ـ قاعدة ( السكوت عن البيان في معرض الحاجة للبيان بيان ) :
فإذا اشترى شخص منزلاً ولم يشر في عقد الشراء إلى فرشه فإن الفرش لا يدخل في عقد الشراء لأنه لو قصد دخوله في الشراء لأفصح عن ذلك عند إبرامه العقد .
الفرع الثاني مكونات العقد :
يتكون العقد من الدباجة وعدة بنود ويتناول شرح كل نقطة فيما يلي :
1- الديباجة وتتكون من :
أ- مسمى العقد ( عقد بيع , عقد عمل ..........الخ ) .
ب- زمان العقد ( التاريخ ) .
ت- أطراف العقد وتحدد فيها بيانات المتعاقدين .
بيانات المتعاقدون : الاسم , الجنسية , العنوان ,رقم الحفيظة , الهاتف وغيرها .
أشكال المتعاقدون : هما أطرفا كل طرف قد يتكون من شخص أ و كيان واحدا أو اكثر
د- أقرار المتعاقدون بأهليتهما شرعا ونظاما للتصرف والتعاقد و اتفاقهما على التعاقد وفقا للبنود التي سترد في العقد .
2- شروط العقد : وتتكون من :
بنود أساسية لايختلف من عقد لآخر وهي :-
أ- بند يوضح موضوع العقد واتفاق الأطراف على هذا الموضوع فيتم تحديد موضوع العقد ووصفه وصفاً دقيقاً يخرجه من الجهالة فإذا كان في بيع أرض عين حدودها وأضلاعها ومستند ملكيتها وإن كان في سيارة عين نوعها وسنة صنعها ولونها وحالتها وإن كان على عمل ذكره تفصيلاً .
ويشترط في محل العقد أو موضوعه ألا يكون مخالفاً للنظام العام
ب- بند يوضح المقابل المادي :
أي الثمن أو القيمة المرتبطة بالعقد وإن كان هناك أكثر من طرف يجري تحديد نسبة الأطراف فيها .
أشكال تحديد المقابل:
1- قد يتفق المتعاقدان على مقابل محدد .
2- قد يتفق المتعاقدان على نسبه معينه .
3- قد يتفق المتعاقدان على أساس سعر السوق في مكان معين وزيادة معينه وإذا لم يحدد زمن ومكان السوم فهو سوم تسلم السلعة .
4- يحدد السعر على أساس السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل
5- ترك التحديد لشخص آخر .
- ويجب ألا يكون الثمن تافه أي غير متناسب مع المبيع ولا فيه غبن فاحش .
الشرط الجزائي :-يتضمن هذا الشرط العناصر الاتية:
1- تحديد الخطأ الذي يستوجب التعويض وتحديد الضرر
2- شرط أعذار الدين للوفاء والتعويض .
3- تقدير مبلغ التعويض.
4- علاقة السببية بين الضرر والخطأ.
5- النص على زيادة مبلغ التعويض إذا كان الضرر الذي أصاب المشتري أو المتعاقد الآخر أكبر من قيمة التعويض ( الشرط الجزائي )
شروط ضمان التعرض والاستحقاق
أولاً / ضمان أعمال التعرض الصادرة من أحد العاقدين هي :-
1- تعرض مادي مثل المنافسة غير المشروعة مثال أن يقيم البائع نفس النشاط بجواز المحل المبيع .
2- تعرض قانوني :
أ- تصرف قانوني مثل بيع العقار مرة أخرى .
ب -تعرض مبنى على سبب قانوني مثل أن يقيم البائع على المشترى دعوى استحقاق يطالبه فيه برد المبيع او انه مغتصب .
ثانياً / ضمان التعرض الصادر من الغير .
شروط المسئولية :
من أهم أنواع المسئوليات المسئولية العقدية ولذلك يسعى المتعاقدين إلى توضيحها من خلال ما يلي :
شروط تحميل المسئولية :
وفي هذا النوع من الشروط يحمل أحد العاقدين الآخر وحده المسئولية كالنص على مسئولية البائع عن سلامة الوضع القانوني للأرض .
شروط نفي المسئولية :
حيث ينص في هذا الشرط على عدم مسئولية أحد العاقدين عن جزء من تبعاته كما لو نص البائع عن عدم تحمله الرسوم والسمسرة أو شرط عدم ضمان العيوب الخفية .
أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية
أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية إذا بنى الحكم على نفي الخطأ
(لصاحب العزة زكي بك خير الأبوتيجى رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
1 - أثر القضاء الجنائي على المدني وحكمته وأساسه القانوني:
قد يبدو غريبًا أن يقال إن الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء المحكوم به أمام المحكمة المدنية في موضوع مدني بحت مع اختلاف الموضوع والسبب والأخصام في كلتا الدعويين الجنائية والمدنية ففي الأولى يكون الموضوع والسبب هو الفعل الجنائي أو الجريمة المسندة إلى المتهم وخصمه النيابة العمومية وليس الأمر كذلك في الدعوى المدنية وعلى الأخص في دعوى مطالبة المجني عليه وورثته بالتعويضات المدنية من المتهم.
ولهذا لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (232) من القانون المدني التي تنص على حجية الأحكام وقوتها على شرط اتحاد الموضوع والخصوم والسبب.
ولكن مصلحة اجتماعية هامة تقضي بأن يحترم القاضي المدني ما يحكم به القاضي الجنائي حتى لا تتضارب الأحكام المدنية مع الجنائية وحتى لا يخامر الجمهور الشك في عدالة الأحكام الجنائية التي ترمي إلى توطيد الأمن والطمأنينة بين الناس وكما يقول ميرلان أنه مما يبعث على الاضطراب وهياج الأهالي أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض استنادًا إلى أن من نسب إليه التهمة لم يرتكب جريمة القتل بعد أن صدر الحكم من محكمة الجنايات بإعدامه وبعد أن نفذ الحكم فعلاً.
لذلك تحتم الضرورة الاجتماعية على القاضي المدني أن يحترم الأساس الذي قام عليه الحكم الجنائي (انظر كتاب كولان وكابتان طبعة أخيرة جزء (2) بند (493) صفحة (459)).
أما الأساس القانوني فإن الشارع الفرنسي نص في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على أن نظر الدعوى جنائيًا يوقف سير الدعوى المدنية وبنى الشراح على هذا الأساس وجوب احترام الحكم الجنائي حتى لا يتخاذل معه الحكم المدني ولا ينفي ما أقره.
ولو أن القانون المصري لم ينقل نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي إلا أنه قد أصبح هذا المبدأ أوليًا في القضاء المصري الحديث (تراجع الأحكام العديدة الصادرة من محكمة النقض في المواد الجنائية ومحكمة الاستئناف التي تقرر هذا المبدأ في كتاب مرجع القضاء في القانون المدني تحت رقم (5825) وما بعده).
وهذا بعد أن ترددت المحاكم المصرية في الأخذ بهذا المبدأ (انظر حكم محكمة الاستئناف الصادر في 31 أكتوبر سنة 1901 الذي يقول بإنه لا يوجد نص في القانون يقضي بأن ترتبط المحاكم المدنية بالأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية وانظر عكس ذلك حكم محكمة النقض الصادر في أول يونيو سنة 1926 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 7 صفحة (355)).
ويقول دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء أول صفحة (305) بند (130) تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به) أن هذه القاعدة يجب العمل بها في مصر طالما أن هذا هو روح التشريع الفرنسي الذي يعتبر التشريع المصري وليده ولأنه لم يرد أي نص في القوانين المصرية يناقض هذا المبدأ (انظر عكس هذا الرأي في مقالة الأستاذ مرقص بك فهمي الواردة في مجلة المحاماة سنة 3 صفحة (315)).
هذا وقد سنحت الفرصة أخيرًا للشارع المصري ليفصح عن هذا المبدأ فورد النص في القانون رقم (57) سنة 1937 الخاص بإصدار قانون تحقيق الجنايات المختلط في المادة (19) ما يأتي:
(إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعات المتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى ولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة بالمواد الجنائية - ويوقف الفصل في الدعوى المدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائيًا).
ويلاحظ أن البحث في هذا المقام مقصور على نوع واحد من الأحكام الجنائية وفي موضوع مخصص وهي أحكام البراءة الصادرة من المحاكم الجنائية في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد استنادًا إلى أن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهمالاً وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها المجني عليه أمام المحكمة المدنية لذلك يجب أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فلا يتناول غير ذلك من الأحكام الجنائية كأحكام الإدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوت التهمة أو لأن الفعل لا يعد جريمة أو غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.
2 - رأي الفقه في فرنسا وبلجيكا:
قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيين فالرأي الأول الذي قال به معظم الأقدمين وبعض المحدثين من الشراح - مؤداه أن حكم البراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن المتهم فلا يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوى التعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث في الجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لها أن تتعرض إلى الخطأ المدني لأنه ليس من اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأ الجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني لأن الخطأ الجنائي فاحش وجسيم والثاني قد يكون تافهًا ويسيرًا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن الإهمال في حوادث القتل خطأ يجوز أن يكون كافيًا لاعتبار خطأ مدنيًا وأساسًا للحكم بالتعويض المدني ومع ذلك يجوز أن لا يعتبر خطأ جنائيًا ولا يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا.
ومن أنصار هذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء (2) صفحة (470) بند (769) مكرر ومرلان تحت عنوان تعويض مدني بند (2) ودورانتون جزء ( بند (486) وما بعده وماتيجان تحت عنوان دعوى عمومية جزء (2) بند (423) وما بعده ولارومبير جزء (5) تعليقات على المادة (351) بند (177) وأيضًا جريو لييه في تعليقه على دالوز سنة 1869 جزء أول صفحة (170) وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925 جزء أول ص (6) وشوفو تحقيق جنايات صفحة (947) وديمولومب جزء (30) بند (427) وهيك جزء ( بند (340) وانظر أيضًا لاكوست بند 1124.
3 - الرأي الثاني:
مؤداه أن الحكم الذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهم في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بنى على أنه لا إهمال ولا رعونة من جانب المتهم في الفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذا الفعل بالذات ويعلل كولان وكابيتان هذا الرأي في كتابهما القانون المدني جزء (2) طبعة أخيرة صفحة (460) بند (496) بأن جميع صور الخطأ والإهمال مندرجة في عموم النص الوارد في قانون العقوبات مادة (319) في فرنسا ومادتي (202) و (208) قانون عقوبات أهلي قديم ومادة (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب إهمالاً ما فلا يسوغ للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساس أنه ارتكب خطأ وإلا فإنه يكون متناقضًا مع حكم المحكمة الجنائية الذي يجب احترامه والأخذ بما حكم به.
ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء (2) صفحة (625) بند (1823) وبند 1856 أن النص الوارد في المادتين (319) و (320) عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الأهلي الجديد شامل لكل أنواع الخطأ فالإهمال الجنائي يجب كل صورة من صور الإهمال أو الخطأ المدني مهما كان يسيرًا englobe toute faute personnelle ونص قانون العقوبات عام بحيث لا يدع مجالاً لافتراض أي إهمال آخر ولو كان يسيرًا فإذا نفاه الحكم الجنائي فلا يسوغ للمحكمة المدنية أن تسمع دعوى التعويض على أساس الإهمال الذي كان موضوع التهمة - ويقول سافاتييه في مجلة دالوز سنة 1930 جزء (51) صفحة 40 أن اندماج الخطأ المدني في الخطأ الجنائي الذي هو أساس جريمة القتل أو الجرح بلا تعمد أصبح الآن مبدأ مستقرًا ومضطردًا ويقول جارسون في شرح المادتين (319) و (320) من قانون العقوبات الفرنسي بند (16) بأن نص هاتين المادتين عام وشامل بحيث لا يوجد أي نوع من أنواع الإهمال أو الخطأ لا يستطيع القاضي أن يدمجه فيه وأن الشارع لم يدع مجالاً لأن يستثني من النص سوى حوادث العوارض فقط.
(انظر هذا الرأي في كتاب بلانيول وربير واسمين بند (679) وبند (673) وفي تعليق اسمين في سيرى سنة 1930 جزء أول صفحة (177) - وجارو شرح قانون العقوبات طبعة ثالثة جزء (6) صفحة 346 بند (2350) - وجارسون تعليق على المادتين (319) و (320) بند (16) وانظر أيضًا جلاسون وتسييه مرافعات عدد (3) بند (777)).
وجاء في الموسوعات البلجيكية تحت عنوان قوة الشيء المحكوم به بند (319) أن الرأي المجمع عليه تقريبًا في الفقه والقضاء هو أنه لا يمكن تصور أي فارق في درجة الجسامة بين الإهمال الذي هو عنصر لجريمة القتل أو الجرح خطأ والإهمال الذي يتكون منه الخطأ المدني.
4 - أحكام محكمة النقض الفرنسية وترددها بين الرأيين والمبدأ الذي استقرت عليه أخيرًا:
ليس هناك مسألة قانونية تناقضت فيها أحكام محكمة النقض الفرنسية مثل تناقضها في هذا الموضوع ويمكن بيان الأطوار التي عرجت فيها تلك المحكمة بين الرأيين المشار إليهما آنفًا كما يأتي:
أولاً: قضت محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها القديمة بأنه لا يمكن قيام أية مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة جنائيًا وهذا المبدأ وارد في الحكم الصادر في 7 مارس سنة 1857 والمنشور في دالوز سنة 1855 جزء أول صفحة (81).
ثانيًا: وفي حكمها الصادر في 17 مارس سنة 1874 والمنشور في دالوز سنة 1874 جزء أول صفحة (399) قالت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز أن يتخلف خطأ يسير يترتب عليه مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة وبعد أن تنفي المحكمة الجنائية الخطأ عن المتهم.
وهذا المبدأ ورد أيضًا في الحكمين الصادرين من دائرة العرائض في 31 مايو سنة 1892 والمنشور في دالوز سنة 1892 جزء أول صفحة (381) والصادر في 7 نوفمبر سنة 1894 والمنشور في سيرى سنة 1895 جزء أول صفحة (46).
ثالثًا: ومنذ سنة 1912 عدلت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك المبدأ وقالت بأنه لا محل لافتراض أي خطأ مدني بعد أن تقضي المحكمة الجنائية بالبراءة إذا استند حكم البراءة إلى أن المتهم لم يرتكب أي إهمال - وجاء في حكمها الصادر في 18 ديسمبر سنة 1912 والمنشور في دالوز سنة 1915 جزء أول صفحة (17) الأسباب الآتية:
Attendu que les arts/ 319 & 320 Code Pénal puinissent de peines correctionnelles qui conque, par maladresse, imprudence, inattention, negligence ou inobservation des reglements, a commis involontairement un homicide ou causé des blessures sans que la legerté de ta laule commis, puisse avoir d’autre effet que d’attenuer la peine incourue.
وجاء أيضًا في الحكم الصادر من تلك المحكمة في 10 يونيو سنة 1914 والمنشور في سيرى سنة 1915 جزء أول صفحة 70 ما يأتي:
Attendu que les arts, 319 et 320 Code Penal punissent de peines correctionnelles (qui - conque) par maladresse, imprudence, inattention, negligence, inobservation des reglements, a causé involontairement des blessures, sans distinguer suivant la gravité de la faute commise; d ‘où il suit que lorsque la juridiction correctionnelle a acquitté un prevenu de blessures involontaires, le juge civil ne peut, sans contredire la chose jugée, le condamner à des dommages - intèrêt envers la partie qui prétend lésée si celle - ei ne relève contre lui en dehors de l’imprudence et de l’inobservation des reglements aucune autre circonstance de nature à engager sa responsabilité.
وهذا المبدأ قد ورد أيضًا في الأحكام الصادرة من محكمة النقض الفرنسية الآتي بيانها:
- حكم محكمة النقض في 28 مارس سنة 1916 والمنشور في دالوز سنة 1920 جزء أول صفحة (25).
- حكم دائرة العرائض في 12 يناير ستة 1917 والمنشور في دالوز سنة 1922 جزء أول صفحة (52).
- حكم دائرة العرائض في 12 يوليو سنة 1917 والمنشور في سيرى سنة 1918 جزء أول صفحة (212).
- حكم محكمة النقض في 10 يونيو سنة 1918 والمنشور في سيرى سنة 1922 جزء أول صفحة (52) حكم محكمة النقض في 20 نوفمبر سنة 1920 والمنشور في دالوز سنة 1924.
رابعًا: حادت محكمة النقض الفرنسية عن هذا المبدأ في بعض الأحكام في حوادث اصطدام السفن إذ جاء في الحكم الصادر في مايو سنة 1924 والمنشور في دالوز سنة 1925 جزء أول صفحة (12) أن الحكم الصادر من المحكمة التجارية بالبراءة في تهمة الاصطدام لانتفاء الخطأ لا يمنع من أن تحقق المحكمة المدنية في شبه الجنحة المدنية التي يترتب عليها المسؤولية المدنية.
وكذلك في الأحكام الصادرة من مجلس الجيش بفرنسا ببراءة بعض رجال الجيش من تهمة القتل خطأ قضت محكمة النقض في حكمها الصادر في 29 يوليو سنة 1922 والمنشور في سيرى سنة 1925 جزء أول صفحة (321) بجواز سماع الدعوى المدنية بالتعويض رغمًا عن هذه الأحكام (انظر أيضًا الحكم الصادر في 14 يناير سنة 1925 والمنشور في دالوز سنة 1926 جزء أول صفحة (189) والحكم الصادر في 8 فبراير سنة 1926 والمنشور في الجازيت سنة 1926 جزء ول صفحة (628)).
ولكن يظهر أن الذي حمل محكمة النقض الفرنسية على الشذوذ عن القاعدة العامة هو أن هذه الأحكام لم تشتمل على أسباب البراءة وبعضها اقتصر على ذكر عبارة أن المتهم غير مذنب فقط فلم تتبين المحكمة السبب الذي بنى عليه حكم البراءة لذلك أجازت للمحكمة المدنية أن تحقق وقائع الإهمال من جديد.
خامسًا: أخيرًا استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على المبدأ الثاني القائل بأن لا يمكن تصور أي خطأ مدني بعد نفي الخطأ الجنائي عن المتهم ولذلك لا يجوز سماع الدعوى المدنية بعد الحكم بالبراءة إذا بنى الحكم على أنه لم يكن هناك خطأ أو إهمال في الفعل المسند إلي المتهم.
وهذا المبدأ اضطرد في الأحكام الآتية:
- حكم النقض الصادر في 16 يوليو سنة 1928 والمنشور في دالوز سنة 1929 جزء أول صفحة (33).
- حكم النقض الصادر في 15 يناير سنة 1929 دالوز أسبوعي سنة 1929 صفحة (116).
- حكم النقض الصادر في أول ديسمبر سنة 1930 جازيت المحاكم سنة 1931 جزء أول صفحة (80).
- حكم النقض الصادر في 17 إبريل سنة 1931 جازيت المحاكم سنة 1921 صفحة (37).
- حكم النقض الصادر في 10 مايو سنة 1932 دالوز أسبوعي سنة 1932 صفحة (380).
- حكم دائرة العرائض في 24 أكتوبر سنة 1932 جازيت المحاكم سنة 1932 جزء (2) صفحة (936).
- حكم دائرة العرائض في 14 نوفمبر سنة 1933 جازيت المحاكم سنة 1934 جزء أول صفحة (176) وجاء في بعض هذه الأحكام العبارة الآتية:
La faute pènale des articles 319 et 320 du Code pènal contient tous les elements de la faute civile.
ويقول هنري وليون مازو في صفحة (625) من المرجع المشار إليه آنفًا إن هذا المبدأ قد ساد في القضاء الفرنسي بعد أن ترددت المحاكم فيه ردحًا من الزمن.
5 - مذهب القضاء البلجيكي:
أما الرأي الذي ساد في الأحكام البلجيكية فهو ما استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية أي عدم جواز سماع دعوى التعويض بعد الحكم ببراءة المتهم بالقتل أو الجرح بغير عمد إذا كان الحكم الجنائي قد نفى وقوع الخطأ
(انظر حكم محكمة بروكسل الصادر في 27 فبراير سنة 1932 والمنشور في سيري سنة 1932 جزء (4) صفحة (210) وكذلك الأحكام العديدة الواردة في الموسوعة البلجيكية تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به).
وانظر أيضًا حكم محكمة بروكسل الصادر في 12 إبريل سنة 1929 - المنشور في البازكريزى سنة 1930 جزء (3) صفحة (76).
والحكم الصادر في 18 يونيو سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (13).
والحكم الصادر في 16 أكتوبر سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (52).
والحكم الصادر في 11 إبريل سنة 1933 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1933 جزء (3) صفحة (197).
وجاء في هذه الأحكام أن الحكم بالبراءة في حوادث الإصابة بغير عمد يمنع من رفع الدعوى المدنية عن هذه الحوادث لأن الخطأ الجنائي المنصوص عليه في المادتين (418) و (426) من قانون العقوبات البلجيكي يجب كل خطأ آخر.
6 - رأي الشارحين للقانون المصري:
يقول جرانمولان في كتاب تحقيق الجنايات المصري جزء (2) صفحة (279) بند (1044) أن الحكم الصادر بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد لا يحول دون سماع دعوى المجني عليه التي يرفعها أمام المحكمة المدنية مطالبًا بالتعويض الذي نشأ عن الأفعال التي كانت موضوع الاتهام ذلك لأنه إذا كان الإهمال غير كافٍ لتكوين الجريمة وتوقيع العقاب على المتهم إلا أنه يجوز أن يكفي لترتب مسؤوليته المدنية.
وجاء في رسالة الإثبات لأحمد بك نشأت صفحة (347) بند (594) أنه إذا حكم بالبراءة لعدم وجود خطأ جنائي بالمرة كالمبين في المواد (202) و (208) و (315) عقوبات فإن هذا الحكم يمنع من وقوع خطأ مدني مما نص عليه في المواد (151) و (152) و (153) مدني الخ.
وورد رأي يخالف هذا الرأي في كتاب الالتزامات لعبد السلام بك ذهني جزء (2) صفحة (474) ومؤداه ما يأتي:
أنه إذا قضى الحكم الجنائي ببراءة متهم منسوب إليه القتل خطأ واستند الحكم إلى أنه لم يثبت إهمال أو خطأ من المتهم فلا يجوز رفع دعوى تعويض عليه فيما بعد بشأن هذا الوصف الذي فصل فيه الحكم الجنائي (انظر مقال الأستاذ سامي مازن في مجلة القانون والاقتصاد جزء (2) صفحة (330)).
7 - رأي القضاء المصري:
أخذت المحاكم المصرية تعرج بين المذهبين فالبعض قضى بأحد الرأيين والبعض الآخر بالمذهب الثاني كما يأتي مع ملاحظة أنه لا يمكن القول بأن المحاكم اتخذت مبدأ ثابتًا مستقرًا في هذه المسألة.
أولاً: قضت محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 23 ديسمبر سنة 1930 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 32 عدد (192) صفحة (394) أن الحكم الصادر من محكمة الجنح بالبراءة في حوادث القتل الخطأ لا يمنع المحكمة المدنية من البحث في المسؤولية إلا إذا كان حكم البراءة مبنيًا على انتفاء الإهمال وعدم وجود مسؤولية جنائية.
وفي الحكم الصادر من تلك المحكمة في 17 نوفمبر سنة 1931 المنشور في المجموعة الرسمية سنة 33 عدد (116) صفحة (222) تقول محكمة الاستئناف أن المحاكم المدنية مقيدة بالأحكام الجنائية النهائية فيما ورد بها خاصًا بترتيب المسؤولية قبل المتهم فلا يقبل منه المناقشة فيها إذا ما رفعت عليه دعوى التعويض.
ثانيًا: وصدرت أحكام أخرى قائلة بالرأي المخالف ومن هذا:
الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر بتاريخ 10 إبريل سنة 1927 – والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (59) صفحة (95) والذي جاء فيه أنه لا يكفي للسائق أن يبين أنه لم يقع منه خطأ مطلقًا أو أن سبب الحادثة بقى مجهولاً للتخلي عن المسؤولية المدنية بل تبقى مسؤوليته قائمة في الحالتين حتى ولو قضى جنائيًا بالبراءة لعدم قيام الدليل على وجود خطأ معين أو إهمال.
وفي الحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية في تاريخ 13 يناير سنة 1926 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (11) صفحة (14).
ورد أن للمحكمة المدنية أن تبحث فيما إذا كانت الوقائع المنسوبة للمتهم تعتبر شبه جنحة يترتب عليها مسؤولية مدنية بالرغم من حكم البراءة.
وورد في الحكم الصادر في 14 ديسمبر سنة 1929 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 10 صفحة (598) أن حكم البراءة لا يرتبط به القاضي المدني إذا حكم في جريمة قتل خطأ أو المتهم لم يرتكب إهمالاً أو خطأ لاختلاف ماهية الخطأ أو الإهمال من الوجهة الجنائية عنها من الوجهة المدنية في حالة القتل خطأ.
أما المحاكم المختلطة فإنها لم تسلم بحجية الأحكام الجنائية الصادرة من المحاكم القنصلية أو المحاكم الأهلية إطلاقًا لاختلاف ولاية القضاء.
(حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 4 مايو سنة 1921 مجموعة مختلطة سنة 33 صفحة (305)) لذلك لم تتح الفرصة لتلك المحاكم لإبداء رأيها في هذا الموضوع.
رأينا في هذا الموضوع
من القواعد الأولية أن الأحكام الجنائية تصدر ضد الكافة erge omnes بمعنى أن لها الحجية المطلقة على المتهم ولدى جميع الناس وقبل المجني عليه أيضًا حتى ولو لم يعلن أو لم يتدخل في الدعوى العمومية.
ووجه هذا ظاهر لأن الجرائم ماسة بالنظام والأمن في الدولة فاحترام الملأ للأحكام الصادرة فيها تقتضيه المصلحة العامة حتى تكون رادعة وعبرة للغير وفضلاً عن ذلك فإن النيابة العمومية التي يتحتم حضورها في الجلسة تمثل الهيئة الاجتماعية وتمثل جميع الحقوق على السواء سواء حضر المتهم والمجني عليه أو لم يحضرا وناهيكم عن أنه من المستحيل عقلاً ومادة إدخال كافة الناس في الدعوى العمومية لتكون الأحكام حجة على الجميع.
ومتى بان هذا كان الحكم الجنائي واجب الاحترام من القاضي المدني إذا ما رفعت الدعوى المدنية إما من المتهم أو المجني عليه أو ورثتهما وتكون حجة على الخصوم وله قوة الشيء المحكوم به بحيث لا يسوغ إصدار حكم مدني يتناقض معه وإلا أهدرت حجته.
وإذا كان بعض أئمة القانون في فرنسا يسندون هذه الحجية إلى نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي الذي ينص على أن الدعوى الجنائية توقف سير الدعوى المدنية - هذا النص الذي لم ينقله الشارع المصري فإنه يكفي لتبرير هذه الحجية ويعللها في مصر أن تنهض على الأساس الذي أوضحناه أي أن الأحكام الجنائية أحكام ضد الكافة ولها حجة مطلقة لا نسبية وعلى القاضي المدني احترامها لهذا السبب.
ويتفرع على هذه الكلية الجزئيات الآتية:
أولاً: أن المنطق السليم يقضي بأن حجية أية مبدأ أو مسألة تتناول حتمًا الأساس الذي تنهض عليه فإذا كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام فيجب قانونًا وعقلاً احترام الأساس الذي بنيت عليه وتفريعًا على هذا إذا صدر الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح العمد استنادًا إلي أن المتهم لا يمكن أن يعزي إليه إهمال في الواقعة المسندة إليه بالذات فيكون سند الحكم هذا واجب الاحترام حتمًا وعلى القاضي المدني أن يتخذه قضية مسلمة لا تقبل فيه النقاش وعلى هذا يجب أن يمتنع عن سماع الدعوى المدنية إذا أقامها المجني عليه على ما يهدر هذا الأساس.
ولو أن العبرة في الحجية لمنطوق الأحكام إلا أن الأسباب التي تتصل بالمنطوق صلة المقدمة بالنتيجة والسبب بالمسبب تحوز أيضًا قوة الشيء المحكوم به فلا حرج إذن في تلمس سند حكم البراءة من أسبابه.
ثانيًا: يجب أن يضع القاضي المدني نفسه موضع القاضي الجنائي نفسه عند بيان مدى احترام الأحكام الجنائية والاستمساك بحجيتها لأنه ليس من الطبيعي أن يكون القاضي الجنائي أقل احترامًا لقضائه من القاضي المدني ولذلك لا يطلب من القاضي المدني أن يغالي في الاحترام حتى يفوق في ذلك من أصدر هذه الأحكام ويتفرع على هذا أن ما يلتزم القاضي الجنائي باحترامه يلزم القاضي المدني به عند نظر الدعوى المدنية وإلا فلا.
ومن الأوليات القانونية أن قوة الشيء المحكوم به في الأحكام الجنائية لا تتعدى الأفعال المسندة إلى المتهم والواردة في وصف التهمة والتي طرحت أمام المحكمة والتي أتيح للمتهم حق الدفاع عن نفسه فيها - أما الأفعال والوقائع الأخرى فتخرج عن هذه الحجية بمعنى أنه يجوز رفع الدعوى العمومية مرة أخرى على أساس هذه الأفعال الجديدة (انظر هذا المبدأ الذي اضطرد في قضاء محكمة النقض والإبرام المصرية الدائرة الجنائية في قضية الطعن رقم (894) سنة 4 قضائية في الحكم الصادر في 29 أكتوبر سنة 1934 وفي الحكم الصادر في قضية الطعن رقم (1625) سنة 4 قضائية بتاريخ 28 يناير سنة 1935 الذي قرر مبدأ جواز رفع دعوى إخفاء أشياء مسروقة بعد الحكم بالبراءة من تهمة السرقة في نفس الحادثة).
ومتى ثبت هذا ساغ للقاضي المدني أن يسمع دعوى التعويض عن حادثة الجرح أو القتل خطأ بعد الحكم بالبراءة إذا كان الخطأ الذي يسنده المجني عليه للمتهم يقوم على وقائع أخرى غير التي وردت وفي وصف التهمة أو غير التي قضى الحكم الجنائي بانتفاء الخطأ عن المتهم في فعلها.
ثالثًا: قد نص قانون تحقيق الجنايات في المادتين (147) و (172) وفي المادة (50) من قانون تشكيل محكمة الجنايات أنه إذا كانت الواقعة غير ثابتة أولاً يعاقب عليها القانون أو سقط الحق في إقامة الدعوى فيها بمضي المدة يحكم القاضي الجنائي ببراءة المتهم ويجوز له أن يحكم أيضًا بالتعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض.
وهذه النصوص تميط اللثام عن رأي الشارع المصري وهو أنه يجوز الحكم بالتعويضات المدنية بالرغم من حكم البراءة إنما هذه الأحوال واردة على سبيل الحصر في هذه النصوص أما الحكم بالتعويض في حالة عدم ثبوت التهمة فالمراد منه أن المتهم هو الذي يطلب الحكم بالتضمينات ضد المجني عليه لأنه لا يقبل عقلاً أن يحكم القاضي بالتضمينات للمجني عليه مع عدم ثبوت الفعل الذي يدعي به ولذلك ورد في النص عبارة (التعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض).
وإذا حدثت الواقعة ضررًا للمجني عليه ولكن عناصر الجريمة لم تتوفر فيها كانعدام توفير الطرق الاحتيالية في جريمة النصب فإن الحكم بالبراءة لا يمنع من الحكم بالتعويض وكذلك إذا سقط الحق في إقامة الدعوى العمومية فيجوز الحكم بالتعويضات المدنية مع مراعاة القيد الوارد في المادة (282) من قانون تحقيق الجنايات.
هذه هي الأحوال التي أباح فيها القانون للقاضي الجنائي أن يحكم بالتعويض مع الحكم بالبراءة ولذلك لا حرج على القاضي المدني أن يسمع الدعوى المدنية بالتعويض في هذه الصور أو في جميع الأحوال التي لا يكون فيها تقادم أو تناقض ما مع الحكم الجنائي وما قضى به في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق.
ولكن الشارع لم ينص على حالة الحكم بالبراءة استنادًا على أنه لم يقع الخطأ إطلاقًا من جانب المتهم ويستفاد من عدم النص على هذه الصورة عدم إباحتها ولهذا يحرم على القاضي الجنائي أو المدني سماع دعوى التعويض بعد الحكم بالبراءة الذي يقوم على هذا الأساس.
والعقل والمنطق يقضيان بهذا التفسير وإلا كان القاضي الجنائي متناقضًا ومتخاذلاً مع نفسه إذا قضى من ناحية بالبراءة استنادًا على أنه لا إهمال ولا خطأ من جانب المتهم في الفعل المسند إليه وحكم من ناحية أخرى بالتعويض لهذا الفعل.
ولما كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام على الكافة وكان محتمًا على القاضي المدني أن لا يعدو حجيتها ولا يتعارض حكمه معها لذلك أصبح لزامًا على القاضي المدني أن يمتنع عن سماع دعوى التعويض التي تقوم على أساس الفعل الذي قال عنه القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب أي خطأ أو إهمال فيه.
رابعًا: بقيت نقطة واحدة وهي هل يشتمل الخطأ الذي هو ركن لجريمة القتل أو الجرح خطأ والمنصوص عليهما في المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد المقابلتين للمادتين (202) و (208) من القانون القديم هل يشتمل على عناصر الخطأ المدني المنصوص علي في المادة (151) من القانون المدني.
جاء في النص الوارد في هاتين المادتين أن القتل أو الجرح يجب أن يكون ناشئًا (عن رعونة أو عدم احتياط وتحرز أو عن إهمال وتفريط أو عن عدم انتباه وتوق أو عن عدم مراعاة واتباع اللوائح).
والواقع أن هذه العبارات تشمل كل فرض أو صورة من صور الخطأ بحيث إنه يصعب تصور أن هناك أي نوع من الخطأ غير مندرج في هذا النص.
ولا شك أن هناك فرقًا بين الخطأ الجنائي والخطأ المدني فالأول يستلزم عناصر لا بد من توفرها لتكوين الجريمة كالقصد الجنائي أو سوء النية أو نية الإضرار إلى غير ذلك أما الخطأ المدني فلا يشترط فيه شيء من هذا بل مناطه الضرر والإهمال مهما تضاءلت جسامته.
وإذا كان هذا هو الحال في الجرائم الأخرى إلا أنه لا ينطبق على جريمة القتل أو الجرح بلا عمد لأن الشارع المصري الذي سار وراء الشارع الفرنسي والبلجيكي احتاط أشد الاحتياط للأمر فسرد جميع أنواع الخطأ من إهمال ورعونة وعدم تحرز أو توق إلى غير ذلك حتى لا يفلت من العقاب أي شخص لا يسلك مسلك المتيقظ أو الساهر على سلامة الناس من أفعاله فالخطأ المنصوص عليه في المادة (151) مدني مندرج لا محالة في العبارات الشاملة التي جاءت في نص المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد.
ويتفرع على هذا أنه إذا وجب على القاضي المدني احترام الحكم الجنائي كما سبق البيان فيتحتم عليه إذن أن يقضي بعدم جواز سماع دعوى التعويض إذا رفعها المجني عليه أمامه مستندًا إلى نفس الفعل الذي قال الحكم الجنائي عنه بأنه لا خطأ فيه من جانب المتهم لأن نفي الخطأ جنائيًا معناه انتفاء كل إهمال وتفريط أو رعونة وعدم تحرز أو عدم توق الخ.. وبالتالي يبعد كل خطأ مهما كان نوعه أو مهما بلغت درجته.
والخلاصة: أنه لا محل لافتراض الجنحة المدنية أو شبهها بعد الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بني الحكم على أساس نفي الخطأ عن المتهم إنما مناط هذا أن حجية الأحكام الصادرة بالبراءة مقصورة على الوقائع الواردة في وصف التهمة بحيث يجوز أن تترتب المسؤولية المدنية على وقائع أو أفعال أخرى.
(لصاحب العزة زكي بك خير الأبوتيجى رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
1 - أثر القضاء الجنائي على المدني وحكمته وأساسه القانوني:
قد يبدو غريبًا أن يقال إن الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء المحكوم به أمام المحكمة المدنية في موضوع مدني بحت مع اختلاف الموضوع والسبب والأخصام في كلتا الدعويين الجنائية والمدنية ففي الأولى يكون الموضوع والسبب هو الفعل الجنائي أو الجريمة المسندة إلى المتهم وخصمه النيابة العمومية وليس الأمر كذلك في الدعوى المدنية وعلى الأخص في دعوى مطالبة المجني عليه وورثته بالتعويضات المدنية من المتهم.
ولهذا لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (232) من القانون المدني التي تنص على حجية الأحكام وقوتها على شرط اتحاد الموضوع والخصوم والسبب.
ولكن مصلحة اجتماعية هامة تقضي بأن يحترم القاضي المدني ما يحكم به القاضي الجنائي حتى لا تتضارب الأحكام المدنية مع الجنائية وحتى لا يخامر الجمهور الشك في عدالة الأحكام الجنائية التي ترمي إلى توطيد الأمن والطمأنينة بين الناس وكما يقول ميرلان أنه مما يبعث على الاضطراب وهياج الأهالي أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض استنادًا إلى أن من نسب إليه التهمة لم يرتكب جريمة القتل بعد أن صدر الحكم من محكمة الجنايات بإعدامه وبعد أن نفذ الحكم فعلاً.
لذلك تحتم الضرورة الاجتماعية على القاضي المدني أن يحترم الأساس الذي قام عليه الحكم الجنائي (انظر كتاب كولان وكابتان طبعة أخيرة جزء (2) بند (493) صفحة (459)).
أما الأساس القانوني فإن الشارع الفرنسي نص في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على أن نظر الدعوى جنائيًا يوقف سير الدعوى المدنية وبنى الشراح على هذا الأساس وجوب احترام الحكم الجنائي حتى لا يتخاذل معه الحكم المدني ولا ينفي ما أقره.
ولو أن القانون المصري لم ينقل نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي إلا أنه قد أصبح هذا المبدأ أوليًا في القضاء المصري الحديث (تراجع الأحكام العديدة الصادرة من محكمة النقض في المواد الجنائية ومحكمة الاستئناف التي تقرر هذا المبدأ في كتاب مرجع القضاء في القانون المدني تحت رقم (5825) وما بعده).
وهذا بعد أن ترددت المحاكم المصرية في الأخذ بهذا المبدأ (انظر حكم محكمة الاستئناف الصادر في 31 أكتوبر سنة 1901 الذي يقول بإنه لا يوجد نص في القانون يقضي بأن ترتبط المحاكم المدنية بالأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية وانظر عكس ذلك حكم محكمة النقض الصادر في أول يونيو سنة 1926 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 7 صفحة (355)).
ويقول دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء أول صفحة (305) بند (130) تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به) أن هذه القاعدة يجب العمل بها في مصر طالما أن هذا هو روح التشريع الفرنسي الذي يعتبر التشريع المصري وليده ولأنه لم يرد أي نص في القوانين المصرية يناقض هذا المبدأ (انظر عكس هذا الرأي في مقالة الأستاذ مرقص بك فهمي الواردة في مجلة المحاماة سنة 3 صفحة (315)).
هذا وقد سنحت الفرصة أخيرًا للشارع المصري ليفصح عن هذا المبدأ فورد النص في القانون رقم (57) سنة 1937 الخاص بإصدار قانون تحقيق الجنايات المختلط في المادة (19) ما يأتي:
(إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعات المتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى ولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة بالمواد الجنائية - ويوقف الفصل في الدعوى المدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائيًا).
ويلاحظ أن البحث في هذا المقام مقصور على نوع واحد من الأحكام الجنائية وفي موضوع مخصص وهي أحكام البراءة الصادرة من المحاكم الجنائية في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد استنادًا إلى أن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهمالاً وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها المجني عليه أمام المحكمة المدنية لذلك يجب أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فلا يتناول غير ذلك من الأحكام الجنائية كأحكام الإدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوت التهمة أو لأن الفعل لا يعد جريمة أو غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.
2 - رأي الفقه في فرنسا وبلجيكا:
قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيين فالرأي الأول الذي قال به معظم الأقدمين وبعض المحدثين من الشراح - مؤداه أن حكم البراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن المتهم فلا يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوى التعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث في الجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لها أن تتعرض إلى الخطأ المدني لأنه ليس من اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأ الجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني لأن الخطأ الجنائي فاحش وجسيم والثاني قد يكون تافهًا ويسيرًا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن الإهمال في حوادث القتل خطأ يجوز أن يكون كافيًا لاعتبار خطأ مدنيًا وأساسًا للحكم بالتعويض المدني ومع ذلك يجوز أن لا يعتبر خطأ جنائيًا ولا يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا.
ومن أنصار هذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء (2) صفحة (470) بند (769) مكرر ومرلان تحت عنوان تعويض مدني بند (2) ودورانتون جزء ( بند (486) وما بعده وماتيجان تحت عنوان دعوى عمومية جزء (2) بند (423) وما بعده ولارومبير جزء (5) تعليقات على المادة (351) بند (177) وأيضًا جريو لييه في تعليقه على دالوز سنة 1869 جزء أول صفحة (170) وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925 جزء أول ص (6) وشوفو تحقيق جنايات صفحة (947) وديمولومب جزء (30) بند (427) وهيك جزء ( بند (340) وانظر أيضًا لاكوست بند 1124.
3 - الرأي الثاني:
مؤداه أن الحكم الذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهم في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بنى على أنه لا إهمال ولا رعونة من جانب المتهم في الفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذا الفعل بالذات ويعلل كولان وكابيتان هذا الرأي في كتابهما القانون المدني جزء (2) طبعة أخيرة صفحة (460) بند (496) بأن جميع صور الخطأ والإهمال مندرجة في عموم النص الوارد في قانون العقوبات مادة (319) في فرنسا ومادتي (202) و (208) قانون عقوبات أهلي قديم ومادة (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب إهمالاً ما فلا يسوغ للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساس أنه ارتكب خطأ وإلا فإنه يكون متناقضًا مع حكم المحكمة الجنائية الذي يجب احترامه والأخذ بما حكم به.
ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء (2) صفحة (625) بند (1823) وبند 1856 أن النص الوارد في المادتين (319) و (320) عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الأهلي الجديد شامل لكل أنواع الخطأ فالإهمال الجنائي يجب كل صورة من صور الإهمال أو الخطأ المدني مهما كان يسيرًا englobe toute faute personnelle ونص قانون العقوبات عام بحيث لا يدع مجالاً لافتراض أي إهمال آخر ولو كان يسيرًا فإذا نفاه الحكم الجنائي فلا يسوغ للمحكمة المدنية أن تسمع دعوى التعويض على أساس الإهمال الذي كان موضوع التهمة - ويقول سافاتييه في مجلة دالوز سنة 1930 جزء (51) صفحة 40 أن اندماج الخطأ المدني في الخطأ الجنائي الذي هو أساس جريمة القتل أو الجرح بلا تعمد أصبح الآن مبدأ مستقرًا ومضطردًا ويقول جارسون في شرح المادتين (319) و (320) من قانون العقوبات الفرنسي بند (16) بأن نص هاتين المادتين عام وشامل بحيث لا يوجد أي نوع من أنواع الإهمال أو الخطأ لا يستطيع القاضي أن يدمجه فيه وأن الشارع لم يدع مجالاً لأن يستثني من النص سوى حوادث العوارض فقط.
(انظر هذا الرأي في كتاب بلانيول وربير واسمين بند (679) وبند (673) وفي تعليق اسمين في سيرى سنة 1930 جزء أول صفحة (177) - وجارو شرح قانون العقوبات طبعة ثالثة جزء (6) صفحة 346 بند (2350) - وجارسون تعليق على المادتين (319) و (320) بند (16) وانظر أيضًا جلاسون وتسييه مرافعات عدد (3) بند (777)).
وجاء في الموسوعات البلجيكية تحت عنوان قوة الشيء المحكوم به بند (319) أن الرأي المجمع عليه تقريبًا في الفقه والقضاء هو أنه لا يمكن تصور أي فارق في درجة الجسامة بين الإهمال الذي هو عنصر لجريمة القتل أو الجرح خطأ والإهمال الذي يتكون منه الخطأ المدني.
4 - أحكام محكمة النقض الفرنسية وترددها بين الرأيين والمبدأ الذي استقرت عليه أخيرًا:
ليس هناك مسألة قانونية تناقضت فيها أحكام محكمة النقض الفرنسية مثل تناقضها في هذا الموضوع ويمكن بيان الأطوار التي عرجت فيها تلك المحكمة بين الرأيين المشار إليهما آنفًا كما يأتي:
أولاً: قضت محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها القديمة بأنه لا يمكن قيام أية مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة جنائيًا وهذا المبدأ وارد في الحكم الصادر في 7 مارس سنة 1857 والمنشور في دالوز سنة 1855 جزء أول صفحة (81).
ثانيًا: وفي حكمها الصادر في 17 مارس سنة 1874 والمنشور في دالوز سنة 1874 جزء أول صفحة (399) قالت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز أن يتخلف خطأ يسير يترتب عليه مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة وبعد أن تنفي المحكمة الجنائية الخطأ عن المتهم.
وهذا المبدأ ورد أيضًا في الحكمين الصادرين من دائرة العرائض في 31 مايو سنة 1892 والمنشور في دالوز سنة 1892 جزء أول صفحة (381) والصادر في 7 نوفمبر سنة 1894 والمنشور في سيرى سنة 1895 جزء أول صفحة (46).
ثالثًا: ومنذ سنة 1912 عدلت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك المبدأ وقالت بأنه لا محل لافتراض أي خطأ مدني بعد أن تقضي المحكمة الجنائية بالبراءة إذا استند حكم البراءة إلى أن المتهم لم يرتكب أي إهمال - وجاء في حكمها الصادر في 18 ديسمبر سنة 1912 والمنشور في دالوز سنة 1915 جزء أول صفحة (17) الأسباب الآتية:
Attendu que les arts/ 319 & 320 Code Pénal puinissent de peines correctionnelles qui conque, par maladresse, imprudence, inattention, negligence ou inobservation des reglements, a commis involontairement un homicide ou causé des blessures sans que la legerté de ta laule commis, puisse avoir d’autre effet que d’attenuer la peine incourue.
وجاء أيضًا في الحكم الصادر من تلك المحكمة في 10 يونيو سنة 1914 والمنشور في سيرى سنة 1915 جزء أول صفحة 70 ما يأتي:
Attendu que les arts, 319 et 320 Code Penal punissent de peines correctionnelles (qui - conque) par maladresse, imprudence, inattention, negligence, inobservation des reglements, a causé involontairement des blessures, sans distinguer suivant la gravité de la faute commise; d ‘où il suit que lorsque la juridiction correctionnelle a acquitté un prevenu de blessures involontaires, le juge civil ne peut, sans contredire la chose jugée, le condamner à des dommages - intèrêt envers la partie qui prétend lésée si celle - ei ne relève contre lui en dehors de l’imprudence et de l’inobservation des reglements aucune autre circonstance de nature à engager sa responsabilité.
وهذا المبدأ قد ورد أيضًا في الأحكام الصادرة من محكمة النقض الفرنسية الآتي بيانها:
- حكم محكمة النقض في 28 مارس سنة 1916 والمنشور في دالوز سنة 1920 جزء أول صفحة (25).
- حكم دائرة العرائض في 12 يناير ستة 1917 والمنشور في دالوز سنة 1922 جزء أول صفحة (52).
- حكم دائرة العرائض في 12 يوليو سنة 1917 والمنشور في سيرى سنة 1918 جزء أول صفحة (212).
- حكم محكمة النقض في 10 يونيو سنة 1918 والمنشور في سيرى سنة 1922 جزء أول صفحة (52) حكم محكمة النقض في 20 نوفمبر سنة 1920 والمنشور في دالوز سنة 1924.
رابعًا: حادت محكمة النقض الفرنسية عن هذا المبدأ في بعض الأحكام في حوادث اصطدام السفن إذ جاء في الحكم الصادر في مايو سنة 1924 والمنشور في دالوز سنة 1925 جزء أول صفحة (12) أن الحكم الصادر من المحكمة التجارية بالبراءة في تهمة الاصطدام لانتفاء الخطأ لا يمنع من أن تحقق المحكمة المدنية في شبه الجنحة المدنية التي يترتب عليها المسؤولية المدنية.
وكذلك في الأحكام الصادرة من مجلس الجيش بفرنسا ببراءة بعض رجال الجيش من تهمة القتل خطأ قضت محكمة النقض في حكمها الصادر في 29 يوليو سنة 1922 والمنشور في سيرى سنة 1925 جزء أول صفحة (321) بجواز سماع الدعوى المدنية بالتعويض رغمًا عن هذه الأحكام (انظر أيضًا الحكم الصادر في 14 يناير سنة 1925 والمنشور في دالوز سنة 1926 جزء أول صفحة (189) والحكم الصادر في 8 فبراير سنة 1926 والمنشور في الجازيت سنة 1926 جزء ول صفحة (628)).
ولكن يظهر أن الذي حمل محكمة النقض الفرنسية على الشذوذ عن القاعدة العامة هو أن هذه الأحكام لم تشتمل على أسباب البراءة وبعضها اقتصر على ذكر عبارة أن المتهم غير مذنب فقط فلم تتبين المحكمة السبب الذي بنى عليه حكم البراءة لذلك أجازت للمحكمة المدنية أن تحقق وقائع الإهمال من جديد.
خامسًا: أخيرًا استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على المبدأ الثاني القائل بأن لا يمكن تصور أي خطأ مدني بعد نفي الخطأ الجنائي عن المتهم ولذلك لا يجوز سماع الدعوى المدنية بعد الحكم بالبراءة إذا بنى الحكم على أنه لم يكن هناك خطأ أو إهمال في الفعل المسند إلي المتهم.
وهذا المبدأ اضطرد في الأحكام الآتية:
- حكم النقض الصادر في 16 يوليو سنة 1928 والمنشور في دالوز سنة 1929 جزء أول صفحة (33).
- حكم النقض الصادر في 15 يناير سنة 1929 دالوز أسبوعي سنة 1929 صفحة (116).
- حكم النقض الصادر في أول ديسمبر سنة 1930 جازيت المحاكم سنة 1931 جزء أول صفحة (80).
- حكم النقض الصادر في 17 إبريل سنة 1931 جازيت المحاكم سنة 1921 صفحة (37).
- حكم النقض الصادر في 10 مايو سنة 1932 دالوز أسبوعي سنة 1932 صفحة (380).
- حكم دائرة العرائض في 24 أكتوبر سنة 1932 جازيت المحاكم سنة 1932 جزء (2) صفحة (936).
- حكم دائرة العرائض في 14 نوفمبر سنة 1933 جازيت المحاكم سنة 1934 جزء أول صفحة (176) وجاء في بعض هذه الأحكام العبارة الآتية:
La faute pènale des articles 319 et 320 du Code pènal contient tous les elements de la faute civile.
ويقول هنري وليون مازو في صفحة (625) من المرجع المشار إليه آنفًا إن هذا المبدأ قد ساد في القضاء الفرنسي بعد أن ترددت المحاكم فيه ردحًا من الزمن.
5 - مذهب القضاء البلجيكي:
أما الرأي الذي ساد في الأحكام البلجيكية فهو ما استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية أي عدم جواز سماع دعوى التعويض بعد الحكم ببراءة المتهم بالقتل أو الجرح بغير عمد إذا كان الحكم الجنائي قد نفى وقوع الخطأ
(انظر حكم محكمة بروكسل الصادر في 27 فبراير سنة 1932 والمنشور في سيري سنة 1932 جزء (4) صفحة (210) وكذلك الأحكام العديدة الواردة في الموسوعة البلجيكية تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به).
وانظر أيضًا حكم محكمة بروكسل الصادر في 12 إبريل سنة 1929 - المنشور في البازكريزى سنة 1930 جزء (3) صفحة (76).
والحكم الصادر في 18 يونيو سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (13).
والحكم الصادر في 16 أكتوبر سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (52).
والحكم الصادر في 11 إبريل سنة 1933 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1933 جزء (3) صفحة (197).
وجاء في هذه الأحكام أن الحكم بالبراءة في حوادث الإصابة بغير عمد يمنع من رفع الدعوى المدنية عن هذه الحوادث لأن الخطأ الجنائي المنصوص عليه في المادتين (418) و (426) من قانون العقوبات البلجيكي يجب كل خطأ آخر.
6 - رأي الشارحين للقانون المصري:
يقول جرانمولان في كتاب تحقيق الجنايات المصري جزء (2) صفحة (279) بند (1044) أن الحكم الصادر بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد لا يحول دون سماع دعوى المجني عليه التي يرفعها أمام المحكمة المدنية مطالبًا بالتعويض الذي نشأ عن الأفعال التي كانت موضوع الاتهام ذلك لأنه إذا كان الإهمال غير كافٍ لتكوين الجريمة وتوقيع العقاب على المتهم إلا أنه يجوز أن يكفي لترتب مسؤوليته المدنية.
وجاء في رسالة الإثبات لأحمد بك نشأت صفحة (347) بند (594) أنه إذا حكم بالبراءة لعدم وجود خطأ جنائي بالمرة كالمبين في المواد (202) و (208) و (315) عقوبات فإن هذا الحكم يمنع من وقوع خطأ مدني مما نص عليه في المواد (151) و (152) و (153) مدني الخ.
وورد رأي يخالف هذا الرأي في كتاب الالتزامات لعبد السلام بك ذهني جزء (2) صفحة (474) ومؤداه ما يأتي:
أنه إذا قضى الحكم الجنائي ببراءة متهم منسوب إليه القتل خطأ واستند الحكم إلى أنه لم يثبت إهمال أو خطأ من المتهم فلا يجوز رفع دعوى تعويض عليه فيما بعد بشأن هذا الوصف الذي فصل فيه الحكم الجنائي (انظر مقال الأستاذ سامي مازن في مجلة القانون والاقتصاد جزء (2) صفحة (330)).
7 - رأي القضاء المصري:
أخذت المحاكم المصرية تعرج بين المذهبين فالبعض قضى بأحد الرأيين والبعض الآخر بالمذهب الثاني كما يأتي مع ملاحظة أنه لا يمكن القول بأن المحاكم اتخذت مبدأ ثابتًا مستقرًا في هذه المسألة.
أولاً: قضت محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 23 ديسمبر سنة 1930 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 32 عدد (192) صفحة (394) أن الحكم الصادر من محكمة الجنح بالبراءة في حوادث القتل الخطأ لا يمنع المحكمة المدنية من البحث في المسؤولية إلا إذا كان حكم البراءة مبنيًا على انتفاء الإهمال وعدم وجود مسؤولية جنائية.
وفي الحكم الصادر من تلك المحكمة في 17 نوفمبر سنة 1931 المنشور في المجموعة الرسمية سنة 33 عدد (116) صفحة (222) تقول محكمة الاستئناف أن المحاكم المدنية مقيدة بالأحكام الجنائية النهائية فيما ورد بها خاصًا بترتيب المسؤولية قبل المتهم فلا يقبل منه المناقشة فيها إذا ما رفعت عليه دعوى التعويض.
ثانيًا: وصدرت أحكام أخرى قائلة بالرأي المخالف ومن هذا:
الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر بتاريخ 10 إبريل سنة 1927 – والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (59) صفحة (95) والذي جاء فيه أنه لا يكفي للسائق أن يبين أنه لم يقع منه خطأ مطلقًا أو أن سبب الحادثة بقى مجهولاً للتخلي عن المسؤولية المدنية بل تبقى مسؤوليته قائمة في الحالتين حتى ولو قضى جنائيًا بالبراءة لعدم قيام الدليل على وجود خطأ معين أو إهمال.
وفي الحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية في تاريخ 13 يناير سنة 1926 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (11) صفحة (14).
ورد أن للمحكمة المدنية أن تبحث فيما إذا كانت الوقائع المنسوبة للمتهم تعتبر شبه جنحة يترتب عليها مسؤولية مدنية بالرغم من حكم البراءة.
وورد في الحكم الصادر في 14 ديسمبر سنة 1929 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 10 صفحة (598) أن حكم البراءة لا يرتبط به القاضي المدني إذا حكم في جريمة قتل خطأ أو المتهم لم يرتكب إهمالاً أو خطأ لاختلاف ماهية الخطأ أو الإهمال من الوجهة الجنائية عنها من الوجهة المدنية في حالة القتل خطأ.
أما المحاكم المختلطة فإنها لم تسلم بحجية الأحكام الجنائية الصادرة من المحاكم القنصلية أو المحاكم الأهلية إطلاقًا لاختلاف ولاية القضاء.
(حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 4 مايو سنة 1921 مجموعة مختلطة سنة 33 صفحة (305)) لذلك لم تتح الفرصة لتلك المحاكم لإبداء رأيها في هذا الموضوع.
رأينا في هذا الموضوع
من القواعد الأولية أن الأحكام الجنائية تصدر ضد الكافة erge omnes بمعنى أن لها الحجية المطلقة على المتهم ولدى جميع الناس وقبل المجني عليه أيضًا حتى ولو لم يعلن أو لم يتدخل في الدعوى العمومية.
ووجه هذا ظاهر لأن الجرائم ماسة بالنظام والأمن في الدولة فاحترام الملأ للأحكام الصادرة فيها تقتضيه المصلحة العامة حتى تكون رادعة وعبرة للغير وفضلاً عن ذلك فإن النيابة العمومية التي يتحتم حضورها في الجلسة تمثل الهيئة الاجتماعية وتمثل جميع الحقوق على السواء سواء حضر المتهم والمجني عليه أو لم يحضرا وناهيكم عن أنه من المستحيل عقلاً ومادة إدخال كافة الناس في الدعوى العمومية لتكون الأحكام حجة على الجميع.
ومتى بان هذا كان الحكم الجنائي واجب الاحترام من القاضي المدني إذا ما رفعت الدعوى المدنية إما من المتهم أو المجني عليه أو ورثتهما وتكون حجة على الخصوم وله قوة الشيء المحكوم به بحيث لا يسوغ إصدار حكم مدني يتناقض معه وإلا أهدرت حجته.
وإذا كان بعض أئمة القانون في فرنسا يسندون هذه الحجية إلى نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي الذي ينص على أن الدعوى الجنائية توقف سير الدعوى المدنية - هذا النص الذي لم ينقله الشارع المصري فإنه يكفي لتبرير هذه الحجية ويعللها في مصر أن تنهض على الأساس الذي أوضحناه أي أن الأحكام الجنائية أحكام ضد الكافة ولها حجة مطلقة لا نسبية وعلى القاضي المدني احترامها لهذا السبب.
ويتفرع على هذه الكلية الجزئيات الآتية:
أولاً: أن المنطق السليم يقضي بأن حجية أية مبدأ أو مسألة تتناول حتمًا الأساس الذي تنهض عليه فإذا كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام فيجب قانونًا وعقلاً احترام الأساس الذي بنيت عليه وتفريعًا على هذا إذا صدر الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح العمد استنادًا إلي أن المتهم لا يمكن أن يعزي إليه إهمال في الواقعة المسندة إليه بالذات فيكون سند الحكم هذا واجب الاحترام حتمًا وعلى القاضي المدني أن يتخذه قضية مسلمة لا تقبل فيه النقاش وعلى هذا يجب أن يمتنع عن سماع الدعوى المدنية إذا أقامها المجني عليه على ما يهدر هذا الأساس.
ولو أن العبرة في الحجية لمنطوق الأحكام إلا أن الأسباب التي تتصل بالمنطوق صلة المقدمة بالنتيجة والسبب بالمسبب تحوز أيضًا قوة الشيء المحكوم به فلا حرج إذن في تلمس سند حكم البراءة من أسبابه.
ثانيًا: يجب أن يضع القاضي المدني نفسه موضع القاضي الجنائي نفسه عند بيان مدى احترام الأحكام الجنائية والاستمساك بحجيتها لأنه ليس من الطبيعي أن يكون القاضي الجنائي أقل احترامًا لقضائه من القاضي المدني ولذلك لا يطلب من القاضي المدني أن يغالي في الاحترام حتى يفوق في ذلك من أصدر هذه الأحكام ويتفرع على هذا أن ما يلتزم القاضي الجنائي باحترامه يلزم القاضي المدني به عند نظر الدعوى المدنية وإلا فلا.
ومن الأوليات القانونية أن قوة الشيء المحكوم به في الأحكام الجنائية لا تتعدى الأفعال المسندة إلى المتهم والواردة في وصف التهمة والتي طرحت أمام المحكمة والتي أتيح للمتهم حق الدفاع عن نفسه فيها - أما الأفعال والوقائع الأخرى فتخرج عن هذه الحجية بمعنى أنه يجوز رفع الدعوى العمومية مرة أخرى على أساس هذه الأفعال الجديدة (انظر هذا المبدأ الذي اضطرد في قضاء محكمة النقض والإبرام المصرية الدائرة الجنائية في قضية الطعن رقم (894) سنة 4 قضائية في الحكم الصادر في 29 أكتوبر سنة 1934 وفي الحكم الصادر في قضية الطعن رقم (1625) سنة 4 قضائية بتاريخ 28 يناير سنة 1935 الذي قرر مبدأ جواز رفع دعوى إخفاء أشياء مسروقة بعد الحكم بالبراءة من تهمة السرقة في نفس الحادثة).
ومتى ثبت هذا ساغ للقاضي المدني أن يسمع دعوى التعويض عن حادثة الجرح أو القتل خطأ بعد الحكم بالبراءة إذا كان الخطأ الذي يسنده المجني عليه للمتهم يقوم على وقائع أخرى غير التي وردت وفي وصف التهمة أو غير التي قضى الحكم الجنائي بانتفاء الخطأ عن المتهم في فعلها.
ثالثًا: قد نص قانون تحقيق الجنايات في المادتين (147) و (172) وفي المادة (50) من قانون تشكيل محكمة الجنايات أنه إذا كانت الواقعة غير ثابتة أولاً يعاقب عليها القانون أو سقط الحق في إقامة الدعوى فيها بمضي المدة يحكم القاضي الجنائي ببراءة المتهم ويجوز له أن يحكم أيضًا بالتعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض.
وهذه النصوص تميط اللثام عن رأي الشارع المصري وهو أنه يجوز الحكم بالتعويضات المدنية بالرغم من حكم البراءة إنما هذه الأحوال واردة على سبيل الحصر في هذه النصوص أما الحكم بالتعويض في حالة عدم ثبوت التهمة فالمراد منه أن المتهم هو الذي يطلب الحكم بالتضمينات ضد المجني عليه لأنه لا يقبل عقلاً أن يحكم القاضي بالتضمينات للمجني عليه مع عدم ثبوت الفعل الذي يدعي به ولذلك ورد في النص عبارة (التعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض).
وإذا حدثت الواقعة ضررًا للمجني عليه ولكن عناصر الجريمة لم تتوفر فيها كانعدام توفير الطرق الاحتيالية في جريمة النصب فإن الحكم بالبراءة لا يمنع من الحكم بالتعويض وكذلك إذا سقط الحق في إقامة الدعوى العمومية فيجوز الحكم بالتعويضات المدنية مع مراعاة القيد الوارد في المادة (282) من قانون تحقيق الجنايات.
هذه هي الأحوال التي أباح فيها القانون للقاضي الجنائي أن يحكم بالتعويض مع الحكم بالبراءة ولذلك لا حرج على القاضي المدني أن يسمع الدعوى المدنية بالتعويض في هذه الصور أو في جميع الأحوال التي لا يكون فيها تقادم أو تناقض ما مع الحكم الجنائي وما قضى به في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق.
ولكن الشارع لم ينص على حالة الحكم بالبراءة استنادًا على أنه لم يقع الخطأ إطلاقًا من جانب المتهم ويستفاد من عدم النص على هذه الصورة عدم إباحتها ولهذا يحرم على القاضي الجنائي أو المدني سماع دعوى التعويض بعد الحكم بالبراءة الذي يقوم على هذا الأساس.
والعقل والمنطق يقضيان بهذا التفسير وإلا كان القاضي الجنائي متناقضًا ومتخاذلاً مع نفسه إذا قضى من ناحية بالبراءة استنادًا على أنه لا إهمال ولا خطأ من جانب المتهم في الفعل المسند إليه وحكم من ناحية أخرى بالتعويض لهذا الفعل.
ولما كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام على الكافة وكان محتمًا على القاضي المدني أن لا يعدو حجيتها ولا يتعارض حكمه معها لذلك أصبح لزامًا على القاضي المدني أن يمتنع عن سماع دعوى التعويض التي تقوم على أساس الفعل الذي قال عنه القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب أي خطأ أو إهمال فيه.
رابعًا: بقيت نقطة واحدة وهي هل يشتمل الخطأ الذي هو ركن لجريمة القتل أو الجرح خطأ والمنصوص عليهما في المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد المقابلتين للمادتين (202) و (208) من القانون القديم هل يشتمل على عناصر الخطأ المدني المنصوص علي في المادة (151) من القانون المدني.
جاء في النص الوارد في هاتين المادتين أن القتل أو الجرح يجب أن يكون ناشئًا (عن رعونة أو عدم احتياط وتحرز أو عن إهمال وتفريط أو عن عدم انتباه وتوق أو عن عدم مراعاة واتباع اللوائح).
والواقع أن هذه العبارات تشمل كل فرض أو صورة من صور الخطأ بحيث إنه يصعب تصور أن هناك أي نوع من الخطأ غير مندرج في هذا النص.
ولا شك أن هناك فرقًا بين الخطأ الجنائي والخطأ المدني فالأول يستلزم عناصر لا بد من توفرها لتكوين الجريمة كالقصد الجنائي أو سوء النية أو نية الإضرار إلى غير ذلك أما الخطأ المدني فلا يشترط فيه شيء من هذا بل مناطه الضرر والإهمال مهما تضاءلت جسامته.
وإذا كان هذا هو الحال في الجرائم الأخرى إلا أنه لا ينطبق على جريمة القتل أو الجرح بلا عمد لأن الشارع المصري الذي سار وراء الشارع الفرنسي والبلجيكي احتاط أشد الاحتياط للأمر فسرد جميع أنواع الخطأ من إهمال ورعونة وعدم تحرز أو توق إلى غير ذلك حتى لا يفلت من العقاب أي شخص لا يسلك مسلك المتيقظ أو الساهر على سلامة الناس من أفعاله فالخطأ المنصوص عليه في المادة (151) مدني مندرج لا محالة في العبارات الشاملة التي جاءت في نص المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد.
ويتفرع على هذا أنه إذا وجب على القاضي المدني احترام الحكم الجنائي كما سبق البيان فيتحتم عليه إذن أن يقضي بعدم جواز سماع دعوى التعويض إذا رفعها المجني عليه أمامه مستندًا إلى نفس الفعل الذي قال الحكم الجنائي عنه بأنه لا خطأ فيه من جانب المتهم لأن نفي الخطأ جنائيًا معناه انتفاء كل إهمال وتفريط أو رعونة وعدم تحرز أو عدم توق الخ.. وبالتالي يبعد كل خطأ مهما كان نوعه أو مهما بلغت درجته.
والخلاصة: أنه لا محل لافتراض الجنحة المدنية أو شبهها بعد الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بني الحكم على أساس نفي الخطأ عن المتهم إنما مناط هذا أن حجية الأحكام الصادرة بالبراءة مقصورة على الوقائع الواردة في وصف التهمة بحيث يجوز أن تترتب المسؤولية المدنية على وقائع أو أفعال أخرى.
مبادىء تقدير التعويض النقدى :
1- الجبر الكامل للضرر
فان القاضى يقدر مدى التعويض عن الضرر التعويض ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب وكذلك المضرور الادبى
والثابت ان يضرر المادى يصيب المضرور فى جسمه او فى ماله والضرر الجسمانى كاتلاف عضو من اعضاء الجسم او الانتقاص منه او احداث جرح او اصابة من شانه ان يخل بقدرة الشخص على الكسب
كذا يتعين ان يشمل الحكم الضرر الادبى الذى لايصيب الشخص فى ماله ويمكن ارجاعه الى حالات منها ما يتخلق عن الاصابة او الجرح من الم وما يصيب الشخص فى شرفه او اعتباره نتيجة للقذف والسب او حتى لمجرد المساس بالعاطفة او الشعور
وبالتعويض عن الضررين المادى والادبى بنى المشرع مبدا جير الضرر بالكامل بحيث لا يزيد او ينفص عن قدر الضرر الذى وقع فاذا زاد التعويض عن الضرر اثرى المضرور على حساب المسئول بغير سبب وان نقص مقدار التعويض عن الضرر اختلت العدالة
ومع ذلك فقد عثرنا فرضين يمكن ان ينقص فيهما مقدار التعويض عن قيمة الضرر : الاولى فى اصابات العمل حيث يحدد المشرع مبلغا جزافيا لتعويض الاصابة قد تقل قيمته عما تحلفه الاصابة من ضرر والفرض الثانى ان يشترك المضرور مع المسئول فى وقوع الضرر فقد قدمنا ان للمحكمة تخفيض مبلغ التعويض بقدر مساهمة فى احداث الضرر
تعويض التعويض طبقا للظروف الملابسة :- يقدر القاضى مدى التعويض عن الضرر المادة والادبى الذى لحق بالمضرور مراعيا فى ذلك الظروف الملابسة والراجح فى الفقه ان المقصود بالظروف الشخصية التى تراعى عند تقدير التعويض ظروف المضرور لا المسئول على سند التعويض يقاس بمقدار الضرر الذى اصاب المضرور بالتحديد
اما الظروف الشخصية للمسئول عن الفعل الضار فلا تدخل فى تقدير التعويض فالاصل انه لا ينظر الى جسامة الخطا الذى صدر من المسئول وانما يقدر التعويض بحسب جسامة الضرر
ثانيا – صور التعويض الاصل فى المسئولية التقصيرية التعويض النقدى لا التنفيذ العينى فان صور التعويض النقدى متعددة فقد يكون مبلغا من المال يدفع للمضرور دفعة واحدة او على اقساط وقد يكون ايرادا مرتبا له مدى الحياة او لمدة معينة
ويجوز للقاضى فى حالتى التعويض على اقساط والايراد المرتب الزام المسئول بتقديم تامين او ضمان كاف
ثالثا :- وقت تقدير التعويض : فالبعض على ان قيمة التعويض تقدر بالنظر تقدر بالنظر الى وقت حصول القدر لا وقت الحكم فى دعوى المسئولية
وذهب راى اخر الى ان مقدار التعويض يجب ان يتحدد بالنظر الى تاريخ الحكم فى دعوى المسئولية
واتجهه البعض الى التمييز فى وقت تقدير التعويض بين حالتين : الاولى يلزم فيها المسئزل باصلاح الضرر وفيها يقدر وقت وقوع الضرر والثانية لا يقوم فيها المسئول باصلاح الضرر وفيها يقدر مبلغ التعويض وقت الحكم به لا وقت وقوع الضرر
وعندنا ان المدة بين وقوع الضرر ووقت الحكم به تسمح بتغير قيمة الضرر بالزيادة او النقص فان لم تقدر التعويض عن الضرر وقت الحكم به يترتب فى الاولى مخالفة لمبدا التعويض الكامل للضرر وفى الثانية اثراء للمضرور على حساب المسئول بلا سبب لذا يتعين على المحكمة النظر فى قيمة الضرر ليس كما وقع وانما كما صدر اليه وقت الحكم بتقدير قيمة التعويض عنه خصوصا اذا كان الضرر متغيرا
تقادم دعوى المسئولية :- ثلاث سنوات من اليوم الذى علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه وتسقط هذه الدعوى فى كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع على انه اذا كانت الدعوى ناشئة عن جريمة وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة بسقوط الدعوى الجنائية
شرطان اذن لسقوط دعوى المسئولية بمضى ثلاث سنوات هما علم المضرور بحدوث الضرر وعلمه بشخص المسئول عنه
والمقصود بالعلم الذى تسرى به مده سقوط دعوى المسئولية العلم الحقيقى الذى يحيط بوقوع الضرر وبشخص المسئول عنه
الاتفاقات المتعلقة بالمسئولية :-
اولا :- الاتفاق على تعديل المسئولية :- فى الاجابة عن التساؤل المطروح يتعين التمييز بدقة بين حصول الاتفاق على تعديل احكام المسئول مقدما اى قبل حصول اى ضرر وبين الاتفاق على تعديل احكانمها بعد نشوء حق المضرور فى التعويض والفرض الاول غير جائز اذا اشتمل الاتفاق على الاعفاء او التخفيف من المسئولية
اما اذا اشتمل الاتفاق مقدما على تشديد احكام المسئولية عن العمل غير المشروع فقد اتجه الراى الى الصحة هذا الاتفاق
وثمة فرض ثان يحدث فيه الاتفاق بين المسئول والمضرور اى بعد تحقق الضرر وتوافر شروط المسئولية على تخفيف او على تشديد احكام المسئولية والثابت ان كل اتفاق بين المسئول والمضرور يعد تحقق المسئولية عن العمل غير المشروع صحيح
ثانيا :- تامين المسئولية : التامين فى الراجح عقد يحصل بموجبه المؤمن له نظير مقابل يدفعه على تعهد من المؤمن بتغطية المخاطر التى يتعرض لها واحد اهم صور التامين هو التامين المسئولية المدنية بما فى ذلك المسئولية عن فعل الغير وفيها يؤمن المتبوع نفسه من الضرر الذى يصيبه فى ماله عن خطا تابعيه قبل الغير ورجع عليه المضرور بالتعويض وفى هذه الحالة لا يقوم المؤمن بتعويض المضرور لكنه فى الحقيقة يتحمل العبء المالى الملقى على عاتق المؤمن له المتبوع نتيجة لانعقاد مسئوليته عن فعل التابع .
فان القاضى يقدر مدى التعويض عن الضرر التعويض ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب وكذلك المضرور الادبى
والثابت ان يضرر المادى يصيب المضرور فى جسمه او فى ماله والضرر الجسمانى كاتلاف عضو من اعضاء الجسم او الانتقاص منه او احداث جرح او اصابة من شانه ان يخل بقدرة الشخص على الكسب
كذا يتعين ان يشمل الحكم الضرر الادبى الذى لايصيب الشخص فى ماله ويمكن ارجاعه الى حالات منها ما يتخلق عن الاصابة او الجرح من الم وما يصيب الشخص فى شرفه او اعتباره نتيجة للقذف والسب او حتى لمجرد المساس بالعاطفة او الشعور
وبالتعويض عن الضررين المادى والادبى بنى المشرع مبدا جير الضرر بالكامل بحيث لا يزيد او ينفص عن قدر الضرر الذى وقع فاذا زاد التعويض عن الضرر اثرى المضرور على حساب المسئول بغير سبب وان نقص مقدار التعويض عن الضرر اختلت العدالة
ومع ذلك فقد عثرنا فرضين يمكن ان ينقص فيهما مقدار التعويض عن قيمة الضرر : الاولى فى اصابات العمل حيث يحدد المشرع مبلغا جزافيا لتعويض الاصابة قد تقل قيمته عما تحلفه الاصابة من ضرر والفرض الثانى ان يشترك المضرور مع المسئول فى وقوع الضرر فقد قدمنا ان للمحكمة تخفيض مبلغ التعويض بقدر مساهمة فى احداث الضرر
تعويض التعويض طبقا للظروف الملابسة :- يقدر القاضى مدى التعويض عن الضرر المادة والادبى الذى لحق بالمضرور مراعيا فى ذلك الظروف الملابسة والراجح فى الفقه ان المقصود بالظروف الشخصية التى تراعى عند تقدير التعويض ظروف المضرور لا المسئول على سند التعويض يقاس بمقدار الضرر الذى اصاب المضرور بالتحديد
اما الظروف الشخصية للمسئول عن الفعل الضار فلا تدخل فى تقدير التعويض فالاصل انه لا ينظر الى جسامة الخطا الذى صدر من المسئول وانما يقدر التعويض بحسب جسامة الضرر
ثانيا – صور التعويض الاصل فى المسئولية التقصيرية التعويض النقدى لا التنفيذ العينى فان صور التعويض النقدى متعددة فقد يكون مبلغا من المال يدفع للمضرور دفعة واحدة او على اقساط وقد يكون ايرادا مرتبا له مدى الحياة او لمدة معينة
ويجوز للقاضى فى حالتى التعويض على اقساط والايراد المرتب الزام المسئول بتقديم تامين او ضمان كاف
ثالثا :- وقت تقدير التعويض : فالبعض على ان قيمة التعويض تقدر بالنظر تقدر بالنظر الى وقت حصول القدر لا وقت الحكم فى دعوى المسئولية
وذهب راى اخر الى ان مقدار التعويض يجب ان يتحدد بالنظر الى تاريخ الحكم فى دعوى المسئولية
واتجهه البعض الى التمييز فى وقت تقدير التعويض بين حالتين : الاولى يلزم فيها المسئزل باصلاح الضرر وفيها يقدر وقت وقوع الضرر والثانية لا يقوم فيها المسئول باصلاح الضرر وفيها يقدر مبلغ التعويض وقت الحكم به لا وقت وقوع الضرر
وعندنا ان المدة بين وقوع الضرر ووقت الحكم به تسمح بتغير قيمة الضرر بالزيادة او النقص فان لم تقدر التعويض عن الضرر وقت الحكم به يترتب فى الاولى مخالفة لمبدا التعويض الكامل للضرر وفى الثانية اثراء للمضرور على حساب المسئول بلا سبب لذا يتعين على المحكمة النظر فى قيمة الضرر ليس كما وقع وانما كما صدر اليه وقت الحكم بتقدير قيمة التعويض عنه خصوصا اذا كان الضرر متغيرا
تقادم دعوى المسئولية :- ثلاث سنوات من اليوم الذى علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه وتسقط هذه الدعوى فى كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع على انه اذا كانت الدعوى ناشئة عن جريمة وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة بسقوط الدعوى الجنائية
شرطان اذن لسقوط دعوى المسئولية بمضى ثلاث سنوات هما علم المضرور بحدوث الضرر وعلمه بشخص المسئول عنه
والمقصود بالعلم الذى تسرى به مده سقوط دعوى المسئولية العلم الحقيقى الذى يحيط بوقوع الضرر وبشخص المسئول عنه
الاتفاقات المتعلقة بالمسئولية :-
اولا :- الاتفاق على تعديل المسئولية :- فى الاجابة عن التساؤل المطروح يتعين التمييز بدقة بين حصول الاتفاق على تعديل احكام المسئول مقدما اى قبل حصول اى ضرر وبين الاتفاق على تعديل احكانمها بعد نشوء حق المضرور فى التعويض والفرض الاول غير جائز اذا اشتمل الاتفاق على الاعفاء او التخفيف من المسئولية
اما اذا اشتمل الاتفاق مقدما على تشديد احكام المسئولية عن العمل غير المشروع فقد اتجه الراى الى الصحة هذا الاتفاق
وثمة فرض ثان يحدث فيه الاتفاق بين المسئول والمضرور اى بعد تحقق الضرر وتوافر شروط المسئولية على تخفيف او على تشديد احكام المسئولية والثابت ان كل اتفاق بين المسئول والمضرور يعد تحقق المسئولية عن العمل غير المشروع صحيح
ثانيا :- تامين المسئولية : التامين فى الراجح عقد يحصل بموجبه المؤمن له نظير مقابل يدفعه على تعهد من المؤمن بتغطية المخاطر التى يتعرض لها واحد اهم صور التامين هو التامين المسئولية المدنية بما فى ذلك المسئولية عن فعل الغير وفيها يؤمن المتبوع نفسه من الضرر الذى يصيبه فى ماله عن خطا تابعيه قبل الغير ورجع عليه المضرور بالتعويض وفى هذه الحالة لا يقوم المؤمن بتعويض المضرور لكنه فى الحقيقة يتحمل العبء المالى الملقى على عاتق المؤمن له المتبوع نتيجة لانعقاد مسئوليته عن فعل التابع .
المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية
بالنظر لوجود رابطة عقدية أو عدمها تنقسم المسئولية المدنية الى عقدية أو غير عقدية (تقصيرية)، فتترتب الاولى على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه ؛ أما المسئولية غير العقدية أو التقصيرية فهى تقوم على التزام قانونى مصدره نص القانون يقع على عاتق المسئول بتعويض المضرور دون علاقة عقدية بينهما بما فى ذلك مثلا مسئولية قائد المركبة عن إصابة أحد المارة أو عن قتله ومسئولية الجار عن تهدم المنزل المجاور أثناء ترميم منزله.
والقدر المتيقن عندنا ان الفقه الحديث قد انتهى إلى أن العناصر الجوهرية في نوعى المسئولية واحدة إلا أنه يسلّم باختلافات عدة بينهما تتمثل فى
مدي او نطاق التعويض :
التعويض في المسؤلية التقصيرية ابعد مدي و أوسع نطاقا منه في المسؤلية العقدية ففي الاولي يلتزم المدين بتعويض الضرر المباشر , سواء كان متوقعا او غير متوقع بينما لا يشمل التعويض في المسؤلية العقدية سوي الضرر المتوقع عادة وقت ابرام العقد.
1. التقادم : تنطبق علي المسؤلية العقدية القاعدة العامة في التقادم أي ان المسؤلية تسقط بمضي خمس عشر سنة . اما في المسؤلية التقصيرية فالقاعدة العامة انها تسقط بمضي ثلاث سنوات واستثناء بمضي خمس عشرة سنة .
2. الاعذار يلزم لاستحقاق التعويض في المسؤلية العقدية اعذار المدين بينما يعفي الدائن من اعذار المدين لاستحقاق التعويض
3. التضامن لا تضامن في المسؤلية العقدية عند تعدد المسؤلين الا بنص في القانون او باتفاق المتعاقدين بينما التضامن في المسؤلية التقصيرية مقرر بحكم القانون .
4. الاعفاء من المسؤلية يكون الاتفاق علي الاعفاء من المسؤلية باطلا في المسؤلية التقصيرية بين يكون صحيحا في المسؤلية العقدية .
وتترتب علي ذلك فإن الاختلافات بين نوعي المسؤلية تؤدي الي نتائج عملية مهمة اخصها ان احكام المسؤلية التقصيرية افضل للمضرور من زوايا عدة لان التعويض فيها يشمل الضرر المتوقع وغير المتوقع بعكس المسؤلية التعاقدية المسؤلية التقصيرية يقوم التضامن بين المسؤلين بنص في القانون بينما لا تضامن في غياب اتفاق علية في المسؤلية العقدية، وتبطل شروط الاعفاء من المسؤلية التقصيرية بعكس المسؤلية العقدية
والقدر المتيقن عندنا ان الفقه الحديث قد انتهى إلى أن العناصر الجوهرية في نوعى المسئولية واحدة إلا أنه يسلّم باختلافات عدة بينهما تتمثل فى
مدي او نطاق التعويض :
التعويض في المسؤلية التقصيرية ابعد مدي و أوسع نطاقا منه في المسؤلية العقدية ففي الاولي يلتزم المدين بتعويض الضرر المباشر , سواء كان متوقعا او غير متوقع بينما لا يشمل التعويض في المسؤلية العقدية سوي الضرر المتوقع عادة وقت ابرام العقد.
1. التقادم : تنطبق علي المسؤلية العقدية القاعدة العامة في التقادم أي ان المسؤلية تسقط بمضي خمس عشر سنة . اما في المسؤلية التقصيرية فالقاعدة العامة انها تسقط بمضي ثلاث سنوات واستثناء بمضي خمس عشرة سنة .
2. الاعذار يلزم لاستحقاق التعويض في المسؤلية العقدية اعذار المدين بينما يعفي الدائن من اعذار المدين لاستحقاق التعويض
3. التضامن لا تضامن في المسؤلية العقدية عند تعدد المسؤلين الا بنص في القانون او باتفاق المتعاقدين بينما التضامن في المسؤلية التقصيرية مقرر بحكم القانون .
4. الاعفاء من المسؤلية يكون الاتفاق علي الاعفاء من المسؤلية باطلا في المسؤلية التقصيرية بين يكون صحيحا في المسؤلية العقدية .
وتترتب علي ذلك فإن الاختلافات بين نوعي المسؤلية تؤدي الي نتائج عملية مهمة اخصها ان احكام المسؤلية التقصيرية افضل للمضرور من زوايا عدة لان التعويض فيها يشمل الضرر المتوقع وغير المتوقع بعكس المسؤلية التعاقدية المسؤلية التقصيرية يقوم التضامن بين المسؤلين بنص في القانون بينما لا تضامن في غياب اتفاق علية في المسؤلية العقدية، وتبطل شروط الاعفاء من المسؤلية التقصيرية بعكس المسؤلية العقدية
الدعوى القضائية وسلطة قاضي الموضوع ورقابة محكمة النقض
الادعاء بحق أو بأية رابطة قانونية أمام القضاء ينقسم إلي عنصرين :
• عنصر الواقع : وهو مصدر الحق المدعي به أي التصرف القانوني أو الواقعة المنشئة لهذا الحق , والتحقق من وجوده مقيد بالإثبات القانوني وخطأ القاضي فيه خطأ في القانون .
• عنصر القانون : وهو استخلاص الحق من مصدره بعد ثبوته وإضفاء الوصف القانوني عليه أي تكييفه ثم إيقاع حكم القانون علي مقتضي هذا التكييف .
وعلي ذلك فإن مخالفة القاضي قواعد الإثبات القانونية أو خطأه في تطبيقها أو في تأويلها يؤدي بالضرورة وطريق اللزوم إلي فساد فهمه للواقع , وبالتالي إلي فساد تكييفه بهذا الواقع , وفساد حكمه تبعا لذلك .
وقد استخدمت محكمة النقض في معرض التعبير عن هذين القيدين عبارات متعددة ونردد مما قالته :
أنه يحب علي القاضي:
• أن يثبت مصدرا للواقعة التي يستخلصها ولا يكون وهميا أي لا وجود له أو يكون موجودا ولكنه مناقض لما أثبته , أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاص الواقعة منه كما فعل هو .
• أن يكون استخلاصا سائغا في منطق سليم , ومن دليل مقبول يورده في حكمه , من شأنه أن يؤدي إلي ما ترتب عليه .
• أن يكون ما أثبته الحكم تفصيلا لمصادر تحصيله فهم الواقع في الدعوى مسندا إلي هذه المصادر لا يناقض شيئا مما ورد بها .
• أن يكون استخلاصه سائغا لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق .
ومؤدي ما قالته محكمة النقض في هذا الصدد أن سلطة قاضي الموضوع في فهم واقع الدعوى ليست تامة , ورأيه ليس قطعيا , وأنه ليس حرا في استخلاص هذا الواقع وأن رقابتها تمتد لتشمل فهمه للواقع في الدعوى , وذلك من خلال النظر في أسباب حكمه للتحقق من أنه حصل فهمه غير مخطئ , ولا في نوع الدليل الذي قبله أو رفضه , ولا في حجيته , ولا في طريقة تحقيقه , وبالاسيثاق من أنه قد بحث النزاع المطروح عليه بحثا دقيقا , وتقيد بنطاقه محلا وسببا وخصوما , وللوقوف علي أنه قد فطن إلي ما قدم إليه من أدلة وأقسطها حقها من البحث , وأخذ بالدليل المباح المعتبر في نظر القانون , وأطرح ما عداه من أدلة غير مباحة , وأنه راعي في تحقيق هذه الأدلة الإجراءات المنصوص عليها في القانون , وللتعرف علي أنه قد حصل فهم الواقع في الدعوى تحصيلا صحيحا مستمدا من أوراقها ومتفقا في العقل والمنطق مع النتيجة التي انتهي إليها .
ومؤدي ما قالته محكمة النقض أيضا أن ما يتردى فيه الحكم من أخطاء في هذا الخصوص هو في الحقيقة خطأ في القانون , لأنه من غير المنطقي أن تكون المسألة من مسائل القانون إذا أخطأ القاضي في فهم واقع الدعوى , ثم تصبح من مسائل الواقع إذا صح هذا الفهم .
فإن الرقابة علي تسبيب الأحكام لا تقف عند حد الشكل , وإنما تجاوزه إلي مضمون هذه الأسباب أي أنها تمتد لتشمل ما استند إليه القاضي في تكوين رأيه في واقع الدعوى , ولتتعقب عيوبا داخليه في تفكير القاضي عند تكوين هذا الرأي , ومدي كفاية الأسباب الواقعية , ومدي تحريف القاضي للواقع .
( محمد وليد الجارحي – الطعن بالنقض – طبعة نادي القضاة – ص 410 وما بعدها )
• عنصر الواقع : وهو مصدر الحق المدعي به أي التصرف القانوني أو الواقعة المنشئة لهذا الحق , والتحقق من وجوده مقيد بالإثبات القانوني وخطأ القاضي فيه خطأ في القانون .
• عنصر القانون : وهو استخلاص الحق من مصدره بعد ثبوته وإضفاء الوصف القانوني عليه أي تكييفه ثم إيقاع حكم القانون علي مقتضي هذا التكييف .
وعلي ذلك فإن مخالفة القاضي قواعد الإثبات القانونية أو خطأه في تطبيقها أو في تأويلها يؤدي بالضرورة وطريق اللزوم إلي فساد فهمه للواقع , وبالتالي إلي فساد تكييفه بهذا الواقع , وفساد حكمه تبعا لذلك .
وقد استخدمت محكمة النقض في معرض التعبير عن هذين القيدين عبارات متعددة ونردد مما قالته :
أنه يحب علي القاضي:
• أن يثبت مصدرا للواقعة التي يستخلصها ولا يكون وهميا أي لا وجود له أو يكون موجودا ولكنه مناقض لما أثبته , أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاص الواقعة منه كما فعل هو .
• أن يكون استخلاصا سائغا في منطق سليم , ومن دليل مقبول يورده في حكمه , من شأنه أن يؤدي إلي ما ترتب عليه .
• أن يكون ما أثبته الحكم تفصيلا لمصادر تحصيله فهم الواقع في الدعوى مسندا إلي هذه المصادر لا يناقض شيئا مما ورد بها .
• أن يكون استخلاصه سائغا لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق .
ومؤدي ما قالته محكمة النقض في هذا الصدد أن سلطة قاضي الموضوع في فهم واقع الدعوى ليست تامة , ورأيه ليس قطعيا , وأنه ليس حرا في استخلاص هذا الواقع وأن رقابتها تمتد لتشمل فهمه للواقع في الدعوى , وذلك من خلال النظر في أسباب حكمه للتحقق من أنه حصل فهمه غير مخطئ , ولا في نوع الدليل الذي قبله أو رفضه , ولا في حجيته , ولا في طريقة تحقيقه , وبالاسيثاق من أنه قد بحث النزاع المطروح عليه بحثا دقيقا , وتقيد بنطاقه محلا وسببا وخصوما , وللوقوف علي أنه قد فطن إلي ما قدم إليه من أدلة وأقسطها حقها من البحث , وأخذ بالدليل المباح المعتبر في نظر القانون , وأطرح ما عداه من أدلة غير مباحة , وأنه راعي في تحقيق هذه الأدلة الإجراءات المنصوص عليها في القانون , وللتعرف علي أنه قد حصل فهم الواقع في الدعوى تحصيلا صحيحا مستمدا من أوراقها ومتفقا في العقل والمنطق مع النتيجة التي انتهي إليها .
ومؤدي ما قالته محكمة النقض أيضا أن ما يتردى فيه الحكم من أخطاء في هذا الخصوص هو في الحقيقة خطأ في القانون , لأنه من غير المنطقي أن تكون المسألة من مسائل القانون إذا أخطأ القاضي في فهم واقع الدعوى , ثم تصبح من مسائل الواقع إذا صح هذا الفهم .
فإن الرقابة علي تسبيب الأحكام لا تقف عند حد الشكل , وإنما تجاوزه إلي مضمون هذه الأسباب أي أنها تمتد لتشمل ما استند إليه القاضي في تكوين رأيه في واقع الدعوى , ولتتعقب عيوبا داخليه في تفكير القاضي عند تكوين هذا الرأي , ومدي كفاية الأسباب الواقعية , ومدي تحريف القاضي للواقع .
( محمد وليد الجارحي – الطعن بالنقض – طبعة نادي القضاة – ص 410 وما بعدها )
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)