بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

19 يوليو 2010








حقوق الطفل من وجه نظر الإسلام














المقدمة







الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله القائل : >ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه<(1).



والمقصود بالفطرة : أي دين الإسلام، والإسلام هو دين الفطرة النقية والتشريع السمح الذي يتسم بالسهولة واليسر، والبعد عن التشدد والتعقيد، في كل مناحيه، وفي جميع مناهجه، وفي كل مقاصده ومراميه، وهذا اليسر في أحكامه واضح لكل من تتبع الشريعة في أصولها وفروعها، قال تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الُيُسْرَ ولاَ يُرِيدُ بِكُمْ العُسْرَ } (2).



ولقد اعتنى الإسلام بالطفل عناية فائقة، ولا يمكن لي أن أوفي بجميع اهتمام الإسلام بكافة حقوق الطفل في هذه العُجالة، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جُله.



والأطفال في الحقيقة قرة عين الإنسان في حياته، وبهجته في عمره وأنسه في عيشه بهم تحلو الحياة، وعليهم بعد الله تعلق الآمال.



أسأل الله التوفيق والسداد وأن يلهمني الصواب والحكمة إنه سميع مجيب.







الفصل الأول :



المظاهر العامة للاهتمام بحقوق الطفل في الإسلام



المبحث الأول : أصالة حقوق الطفل في الإسلام



اهتمَّ الإسلام بالإنسان اهتماماً بالغاً، وظهر ذلك واضحاً جلياً في الاهتمام بكل مراحل حياة الإنسان، فاهتمَّ الإسلام بالإنسان جنيناً ورضيعاً وصبياً وشاباًّ ورجلاً وشيخاً.



ويُعَدُّ الاهتمام بالإنسان في كل مراحل حياته وعمره من المعالم والسمات البارزة في أحكام الإسلام وتشريعاته ونظمه.



وقد كان هذا الاهتمام منبعثاً من اهتمام آخر، وهو الاهتمام بالطفولة والطفل؛ لأن الطفولة هي مرحلة الإنشاء والتأسيس للإنسان، فكان الاهتمام به طفلاً من أجلِّ صور الرعاية والعناية به.



ولم يكن الاهتمام بالطفولة والطفل في الإسلام وليد تأثر بفكرٍ اجتماعي سابق أو معاصر لظهور الإسلام، ولم يكن أيضاً تطوراً لنظريات ورؤى فكرية تحاول التعامل مع مكونات التجمع البشري رجاء تحصيل أفضل ظروف معيشية له.



بل جاء اهتمام الإسلام بالطفولة والطفل أنموذجاً فريداً مبهراً لكل من حوله، وأدلة ذلك التفرد الذي يكشف عن أصالة الاهتمام بالطفل وحقوقه في الإسلام كثيرة، منها :



أ) مكانة الطفل في البيئة التي ظهر فيها الإسلام :



لقد كان الطفل إبان ظهور الإسلام يُعَدُّ من ممتلكات أبيه وله أن يفعل فيه ما يشاء، ويظهر هذا جلياّ في ظاهرة وَأْدِ العرب فيما قبل الإسلام للبنات، وقد رصد القرآن ذلك بصورة واضحة فقال تعالى :{وَإِذَا المَوؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}(3).



وكان العربيُّ يتعامل مع الأطفال كما يتعامل مع ما يملك من أنعام، فقدانتشرت بين العرب في الجاهلية قبيل ميلاد الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم ظاهرة النذر بذبح الأولاد إذا رزق الرجل بعشرة من الأولاد.



فهكذا يذبح الرجل ولده كما يذبح الشاة تقرباً للألهة، فهل هناك أسوأ من هذا السلوك؟.



بل كان العرب أيضاً لا يعيرون اهتماماً للطفولة والطفل في مرحلة قراره في بطن أمه جنيناً، بل كانوا يعتبرون الأجنة أشياء لا قيمة لها حتى إن التعدي عليها لا يُعدُّ جُرْماً يستحق فاعليه العقاب، ويظهر هذا جليّاً في حادثة المرأة التي ضربت أخرى فأسقطت جنينها فعرضت الحادثة على النبيِّ صلى الله عليه و سلم فقضى بغرة عبد أو أمة، فقام من يدافع عن الجانية بقوله : كيف بمن لم يستهل، ولا شرب ولا أكل، ومثل ذلك دم يطلَّ.



فقد كان العرب لا يعرفون للجنين والطفل بصورة عامة قيمة، فجاء الإسلام ليؤصِّلَ منهج الرحمة والرأفة وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، وكان في مقدمة من أعطاهم الإسلام حقوقهم الأطفال الذي نالوا من الحقوق والرعاية ما لم ينله الأطفال في أي نظام آخر على النحو الذي سيأتي بيانه في هذا البحث.



ب) كثرة الأحكام والتشريعات التي أتى بها الإسلام فيما يخصُّ الطفل :



المتأمل في أحكام الإسلام وتشريعاته يجدها قد اشتملت على كثير من الأحكام المتعلقة بالطفولة، مما دفع بعض علماء المسلمين إلى أن يحاولوا جمع هذه الأحكام كما فعل صاحب كتاب(4) "الجامع لأحكام الصغار"، والإمام بن القيم في كتابه "تحفة المودود في أحكام المولود"، فقد جمع الأخير الأحكام الخاصة بالمولود فقط. وهذه الكثرة في الأحكام والتشريعات الخاصة بالطفل التي جاء بها الإسلام والتي تتصف بالتفرد تمنع أن يكون الإسلام قد تأثر فيها بغيره من النظم أو النظريات.



ج) لم تكن هناك نظم راشدة عند ظهور الإسلام ليتأثر بها في نظرته للطفل :



والتاريخ يشهد أن الإسلام عندما ظهر لينشر نوره على العالم كله لم يكن هناك مشروع حضاري واحد يمكن أن يكون نهجاً يسار عليه، فقد كانت أوروبا تعيش في عصور مظلمة انهارت فيها جهودها الحضارية وارتدت إلى ألوان مختلفة من الجاهلية والتخلف وسطوة اللامعقول على أبنائها.



فأي مشروع حضاري تشتمل ضمن آلياته آلية الحفاظ على حقوق الطفل قد تأثر به الإسلام أو طوره؟.



إن الحقيقة التاريخية تؤكد أن الإسلام جاء متفرداً لينشئ عالماً جديداً للطفولة والطفل، ذلك العالم الذي يعطي الطفل حقوقه كاملة باعتباره إنساناً محترم الحقوق.







المبحث الثاني : شمولية التشريعات الإسلامية الخاصة بالطفل لكل جوانب حياته.



إن التشريع الإسلامي عندما نظر للطفل على أنه إنسان كامل الحقوق استوعب كل مناحي وجوانب حياة الطفل كما استوعب كل جوانب حياة الإنسان.



والمتأمل في الشرع الإسلامي الشريف يجد هذا واضحاً جلياً؛ لأنه سيجد التشريع الإسلامي قد أعطى الطفل حقوقه الجسدية والنفسية والمالية والتعليمية والتربوية بأفضل صور الرعاية والمحافظة عليها.



فمن كفالة التشريع الإسلامي لحقوق الطفل الجسدية جعل الرضاع نفقة واجبة على والد الطفل المولود فقال تعالى : { وَعَلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (5).



وجعل الرضاع حقّاً للولد على أمه فأمرها الشرع الشريف بالرضاع في قوله تعالى : { وَالوَالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }(6). فحق الطفل في الرضاع حافظ عليه التشريع الإسلامي حفاظاً عظيماً من كل جوانبه فقد أمر المرضع بالرضاع وأمر ولي أمر المولود أن يوفر للمرضع ما يضمن لها صحتها من أجر وكسوة حتى تتمكن من القيام بواجب الرضاع.



وهناك صور كثيرة من التشريعات والأحكام التي جاء بها الشرع الشريف فيما يحققُ الحفاظ على الحقوق الجسدية للطفل سيأتي ذكرها في هذا البحث في مواضعها.



وأمّا كفالة الحقوق النفسية للطفل فقد قدم التشريع الإسلامي الأنموذج الأكمل في رعايتها، ومن أمثلة ذلك :



ما روي من أحاديث في تقبيل الأولاد حتى أفرد علماء السنن والمصنفات الحديثية المصنفة على الأبواب أبواباً لهذا المعنى(7) ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري(8) من حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ـ قال : >قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع : إنّ لي عشرةَ من الولدِ ما قبلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم قال :>من لا يَرحم لا يُرحم<.



فهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم نبيُّ الرحمة يجعل تقبيل الأولاد ورحمتهم سبباً لرحمة الله.



ولاشك أن النبي صلى الله عليه و سلم : عندما يقول :>من لا يَرحم< أي من لا يراعي نفسية الأطفال بالعطف عليهم والرحمة بهم فإن جزاءه أن يطرد من رحمة الله.



ومن المعلوم أن تقبيل الأطفال له أثره العظيم في نفسية الأطفال؛ ولذا فعله النبي صلى الله عليه و سلم وأرشد إليه كما سبق أن بيناه.



وهناك منظومة متكاملة لرعاية حقوق الطفل النفسية سيأتي ذكرها بما يتفق وسياق عرض الأفكار في هذا البحث.



وأما كفالة حقوقه المالية فقد أعطى الشرع الشريف الطفل حقه في التملك وجعل له ذمة خاصة تقبل التملك، ومن ذلك أن الشرع الشريف أثبت حق الأطفال في الميراث فقال تعالى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ للِذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ } (9)، والولد الذكر أو الأنثى يستحق الميراث سواء أكان طفلاً أم كبيراً.



ولا يحق لأحد أن يتعلل بصغر سن طفل ليمنعه حقه في الميراث، بل يعد هذا المنع من تَعدّى حدود الله.



ولقد كان الطفل في الإسلام إنساناً كامل الحقوق منها الحفاظ على معاني الملكية والحيازة والتملك، وما ذكرناه كان أنموذجاً واضحاً لموقف الإسلام من تملك الأطفال وظهر منه إعطاء الإسلام الحق الكامل للطفل في أن يحفظ له حقه في الميراث.



وأما كفالة حقوقه التعليمية والتربوية فالإسلام كما هو معروف دين علم منذ لحظة ظهوره فقد كانت أول آية نزلت على الرسول صلى الله عليه و سلم آية تدعو للعلم من خلال أهم مصادره فقال تعالى : { اقرَأ باسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ منْ عَلَق، اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (10).



فهذه الآيات أول ما نزل من القرآن مصدر التشريع الرئيسي في الإسلام وهي آيات كلها دعوة للعلم.



ولقد كانت الحقوق التعليمية مكفولة لكل أفراد المجتمع المسلم ومن بينهم الأطفال بل كانت هناك أوامر مباشرة صريحة بتعليم الأطفال مثل قوله صلى الله عليه و سلم >علموا أولادكم الصلاة لسبع<.



ففي هذا الحديث يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الأمة بتعليم الأطفال في سن مبكرة.



وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة خير من يقوم بكفالة الحقوق التعليمية وأدائها ويظهر هذا في أمثلة كثيرة منها قيامه بتعليم ابن عباس رضي الله عنهما فقد قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : >يا غلام إني معلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف<.



وأما الحقوق التربوية للطفل فهي ثابتة في الشرع الشريف، فللطفل الحق في الإسلام من قِبَلِ والديه أو أوصيائه أو غيرهم من المسؤولين عنه في تربية مستقيمة تتمشى مع مصالحه وإمكاناته وقدراته.



ولقد جعل الشرع الشريف للطفل حقاً على مؤسسات المجتمع ومنها الدولة في العمل على المحافظة على حقوق الطفل التربوية بأمر الشرع لأولياء الأمر في الأمة بمنع إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وذلك ليساعد في بناء المجتمع الأخلاقي السليم.



ولقد جعل الشرع الشريف من أوَّليات التربية تعليم الطفل قواعد الإيمان وذلك كما ورد في سؤال الرسول صلى الله عليه و سلم للجارية : >أين الله<(11).



وفي تعليمه لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بعض قواعد الإيمان وهي الإيمان بالقضاء والقدر وقدرة الله العلي العظيم في تصريف كل أمور الخلق كما في الحديث السابق ذكره.



وكذلك جعل من أوليات التربية تعليم الطفل وتدريبه على عبادة الله وحده وعلى طاعته كما سبق ذكره في حديث >علموا أولادكم الصلاة لسبع<.



ومن هذه الأوليات أيضاً تأديبه بمكارم الأخلاق الشخصية والاجتماعية كما في حديث : >يا غلام سمِّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك<(12).



وكذلك يظهر هذا جليّاً في حديث عائشة ــرضي الله عنها ــ فقد قالت : جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه و سلم فحدثته، فقال : >من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن كُنَّ له ستراً من النار<(13).



فالإحسان المذكور في الحديث يشمل إحسان التأديب والتعليم كما أشار إليه شراح الحديث.



ومما سبق ذكره يعلم أن الإسلام اتصف في تشريعاته وأحكامه المتعلقة بحقوق الطفل بشمول كل جوانب حياته الجسدية والنفسية والمالية والتعليمية والتربوية.







المبحث الثالث : تأييد حقوق الطفل في الإسلام بالدين والأخلاق والقضاء



لقد أحاط الشرع الشريف حقوق الطفل بسياج من المؤيِّدات تعمل على الحفاظ عليها وثباتها وعدم المساس بها، وذلك ليضمن استجابة كل أفراد المجتمع باختلاف ميولهم واتجاهاتهم للدعوة للحفاظ على حقوق الطفل، ومن هذه المؤيِّدات لحقوق الطفل :



أ) الدين :



فقد أيد الدين الإسلامي التشريعات التي جاء بها الشرع الشريف في مجال حقوق الطفل بجملة من الأحاديث التي تعمل على حث أفراد المجتمع المسلم على الحفاظ على حقوق الطفل، وذلك بالتبشير بالثواب العظيم لمن يرعى هذه الحقوق، فمن ذلك ما ذكرته سلفاً من حديث عائشة وفيه قول النبي صلى الله عليه و سلم >من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن كنَّ له ستراً من النار<.



وكذلك حديثه : >أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ـ وأشار بالسبابة والوسطى<(14).



فالوازع الديني في هذا المجال هو حجر الزاوية الذي يسبغ عليه صفة التكليف الإلهي واجب الامتثال.



ب) الأخلاق :



فقد أيدت مكارم الأخلاق التشريعات الإسلامية في مجال حقوق الطفل ؛ لأن الإسلام جاء متمماً لمكارم الأخلاق، ولذا كانت تشريعاته مؤيدة بمكارم الأخلاق، ومن ذلك تشريعاته في مجال حقوق الأطفال ومن ذلك ما جاء به الشرع الشريف من الأمر باستئذان الأطفال عند الدخول على الغير في أوقات الراحة والاسترخاء لكي لا يطلع الأطفال على ما يخدش حياءهم من العورات فقال تعالى : { يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنَكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَات لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُون عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآياتِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }(15).



فهذه الآية تحافظ على إرساء خلق الحياء في المجتمع المسلم، وبهذا تأمر الأطفال بالاستئذان وتأمر أولياء أمورهم بتعليمهم ذلك؛ لأن الخطاب في أول الآية وُجِّه لأولياء الأمور مما يكشف عن جعل الإسلام هذا الخلق أحد الحقوق التربوية للأطفال.



ولاشك أن الأخلاق الكريمة والحميدة تؤيد كل ما كان من شأنه الحفاظ على الحياء، ومن ثم كان إعطاء الإسلام الأطفال حق الحفاظ على حيائهم مؤيداً بالأخلاق.



والنماذج كثيرة في ذلك لا يتسع المقام لذكرها.



ج) القضاء :



لقد جاء النظام القضائي الإسلامي ليعمل أيضاً على تأييد وتأكيد الحفاظ على حقوق الطفل، فنجد القضاء في الإسلام يعمل على التحقق عند انفصال الوالدين أيهما أحق بالحضانة للطفل حتى يحافظ على حق الطفل في الحياة المناسبة.



وكذلك يلزم القضاء الأب عند الفرقة بدفع نفقة الرضاع للأم ليحافظ على طبيعة الرضاع حقاً من حقوق الطفل الأولية.



وكذلك يؤخر القضاء إقامة الحد المزهق لنفس الأم إذا كانت حاملاً أو مرضعاً حتى تضع حملها وتفطمه محافظة على حق الطفل في الحياة.



والأحكام القضائية الإسلامية مليئة بالتأييدات لحقوق الطفل؛ لأن القضاء هو التنفيذ العملي لأحكام الشريعة التي جاءت بأرقى منهج للحفاظ على حقوق الطفل.







المبحث الرابع : الطفل في الإسلام أمانة في يد المسؤول عنه.



الطفل في الإسلام وديعة أودعها الله الأبوين؛ ولذا فعلى الأبوين أن يقوما بما يحفظ عليه سلامته وأمنه؛ لأنه أمانة عندهما وهذا ما نجده ظاهراً في نصوص الشرع الشريف في الكتاب والسنة، فتارة يقرن مسؤولية حماية الوالدين لأنفسهما بحماية الأهل بما فيه الأولاد فيقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }(16).



وتارة يؤكد النبي صلى الله عليه و سلم على هذه المسؤولية بقوله صلى الله عليه و سلم : >كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها<(17).



فالإسلام يحمل الوالدين مسؤولية حفظ الأولاد ويجعل هذه المسؤولية هي أساس مسؤوليات الآباء، وفي ذلك يقول صلى الله عليه و سلم : >إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حَفِظَ أم ضَيَّعَ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته<.



فمثل الحديث عن مسؤولية الوالدين عن الأبناء يرسم الصورة الصحيحة للعلاقة بين الوالد وولده وهي أن الولد عند والده أمانة سيسأل عنها الوالد، وليس ملكاً له يتصرف فيه كيف يشاء؛ لأن معنى أن الوالد مسؤول عن رعيته أن تصرفاته موقوفة على ما أذن الشرع له بالتصرف من تأديب وتهذيب فقط، أما التصرف تجاه الأولاد والأبناء كأنهم عبيد للآباء فهذا ما لا يقره الشرع الشريف.







المبحث الخامس : الأحكام والتشريعات المتعلقة بحقوق الطفل تحقق مصلحته



لقد جاءت تشريعات الإسلام بصفة عامة محققة لمصلحة الإنسان الصحيحة المؤكدة وليست الفاسدة ولا المتوهَّمة، ومن ثَمَّ جاءت التشريعات الخاصة بالطفل في الإسلام تحقق مصلحة الطفل أيضاً وكل من يطالع هذه التشريعات يتأكد من هذا المعنى.



فعندما يأمر الشرع الشريف الزوجين بحسن الاختيار فإنما يأمرهما بذلك لمصلحة الأولاد وذلك بأن ينشأ الأولاد في بيئة أسرية مستقرة.



وعندما يأمر بالرضاع للمولود يكون ذلك لمصلحة الطفل والحفاظ على صحته الجسدية، وعندما يأمر بتعليم الطفل في سن صغيرة العبادة وطاعة الله فهو يحافظ على الصحة النفسية والسلامة الفكرية للطفل.



فيظهر مما سبق أن الإسلام في التشريعات الخاصة بالطفل كان محققا لمصلحة الطفل.



وقد اتفقت المواثيق الدولية لحقوق الطفل في هذا الشأن مع التشريع الإسلامي، وخاصة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في سنة 1990م وخاصة في مادتها الثانية التي أوضحت أن مصالح الطفل الفُضْلََى يكون لها الاعتبار الأول في جميع الإجراءات الخاصة به(18).







الفصل الثاني :



حقوق الطفل في الإسلام







تمهيد :



لقد كانت حقوق الطفل في الإسلام شاملة لكل احتياجاته الإنسانية من احتياجات جسدية وفكرية ونفسية، كما كانت أيضاً شاملة لمراحل حياته المختلفة منذ وجوده في بطن أمه جنيناً حتى يصبح رجلاً يتحمل مسؤولية طفل آخر أو مؤهلاً لذلك.



ولقد كانت التشريعات الإسلامية المنظمة لحقوق الطفل كثيرة ومتشعبة؛ ومن الممكن عرضها من خلال هذين المبحثين :



المبحث الأول : وهو يعالج حقوق الطفل في الإسلام قبل ولادته.



المبحث الثاني : وهو يعالج حقوق الطفل في الإسلام بعد ولادته إلى سن الرجولة



وهذا تفصيل الكلام في هذين المبحثين :







المبحث الأول : حقوق الطفل في الإسلام قبل ولادته



حقوق الطفل في الإسلام تبدأ قبل زمن ولادته، بل تبدأ قبل زواج الوالدين وهذا ما سنذكره في النقاط التالية :







1. حق الطفل في إحسان اختيار والديه في الإسلام :



لقد جعل الإسلام حسن اختيار الوالدين كل منهما للآخر حقاً للطفل، ولذا أمر كلا منهما بإحسان اختيار الآخر، بل وضع قواعد ومعايير تحقق هذا الحسن في الاختيار، وهذه القواعد نستطيع إجمالها في العناصر التالية :



أ) الاختيار على أساس الدين :



ونقصد بالاختيار على أساس الدين أن يكون الاختيار على أساس الفهم الصحيح والحقيقي للإسلام والتطبيق العملي السلوكي لكل فضائله السامية وأخلاقه الرفيعة والالتزام الكامل بمنهجه الشرعي ومبادئه الخالدة على كل حال.



فعندما يكون الزوجان أو المريدان للزواج على هذا المستوى من الفهم والتطبيق والالتزام يمكن أن نطلق عليهما أنهما ذوا دين وخلق.



وهذا الفهم مع التطبيق والالتزام هو ما قصده النبي صلى الله عليه و سلم الهادي إلى السبيل المستقيم صلى الله عليه و سلم عندما قال :>تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك<(19).



وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع القاعدة الأولى من قواعد حسن الاختيار للزوجة وهي الاختيار على أساس الدين.



وقد أرشد إلى هذه القاعدة أيضاً في حق الزوج فقال صلى الله عليه و سلم >إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض<(20).



فقد قدَّمَ الرسول صلى الله عليه و سلم اختيار الزوجين على أساس الدين على كل مسوِّغات الاختيار الأخرى؛ وذلك لأن الاختيار على أساس الدين من أهم ما يحقق للزوجين سعادتهما الكاملة المطمئنة ويحقق للأولاد الظروف التربوية المستقرة لتربية فاضلة ينعم فيها الأولاد بالطمأنينة والأمان الاجتماعيين، ويتحقق لأسرتهم الشرف الثابت والاستقرار المنشود.



ب) الاختيار على أساس الشرف والأصل :



فقد جاء في الحديث السابق ذكره أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر أسساً للاختيار منها (الحسب) فقال صلى الله عليه و سلم >لحسبها<.



وقد يتصور القارئ غير المتأمل لهذا الحديث أن النبي يرفض أن يُختار الزوج أو تختار الزوجة إلا على أساس الدين، وهذا فهم سقيم للحديث، بل الصواب في فهم هذا الحديث أن النبي يوجه المسلمين إلى أن لا يقصدوا شيئاً من الحسب أو المال أو الجمال لذاته ولو على حساب ضعف الدين، إنما عليهم أن يقصدوا ذات الدين أولاً، ولو توفر في ذات الدين الحسب أو الجمال الباهر أو المال الكثير فذلك أفضل، لكن شيئاً من ذلك لا قيمة له إن لم يقترن بالدين.



ولاشك أن الشرع الشريف عندما قبل أن يكون الأصل والحسب أساسين من أسس اختيار الزوجين فقد كان ذلك لحكمة بالغة يمكن أن نستشفها من خلال معرفتنا بأن تجارب الحياة الكثيرة تقطع بأهمية البيئة والوراثة في الأخلاق، حيث يبدو أن شيئاً من الأخلاق والصفات النفسية يورث في صورة استعداد عضوي له.



ولذا كان اختيار الزوجة والزوج طيبي الأصل والناشئين في عائلة متدينة شريفة يساعد الزوجين على الاتصاف بالأخلاق الكريمة مما يساعد على توفير الظروف المستقرة لحياة أولادهما فيما بعد.



ج) الاختيار على أساس الملاحة والجمال :



فينبغي أن تكون الزوجة على قدر من الملاحة والجمال بحيث تعجب زوجها ويرضى بها، وليس في هذا الجانب قدر محدود عند جميع الناس يتفقون عليه، حيث يتفاوت الناس في تقديرهم شيئاً ما، ولكن هناك مقاييس عامة في الجمال يتفق الناس عليها، ولكن الجمال الذي يجعله الشرع الشريف أحد أسس الاختيار هو الجمال الذي يرضى عنه الزوج ليكون رضاه معيناً له على أن يغض بصره ويحصن نفسه؛ ولذا وجَّه النبي صلى الله عليه و سلم الصحابيَّ إلى النظر لوجه من يريد زواجها فقال صلى الله عليه و سلم >انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما<(21).



بل يجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم من أسباب تفضيل المرأة أن تسرّ زوجها إذا نظر إليها فقال صلى الله عليه و سلم >خير نسائكم من إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله<(22).



فالإسلام حريص كل الحرص على أن يوفر للأولاد الظروف الأسرية المناسبة التي تساعد على تنشئة صالحة طيبة؛ ولذا يجعل من أسس حسن اختيار الزوجين الاختيار بناء على اتصاف الطرفين بالقدر الذي يرضى به الآخر من الملاحة والجمال؛ لكي يساعد هذا على استقرار الأسرة بدلاً من البحث الدائم من الزوجين عن إشباع الرغبات خارج الأسرة مما يزعزع الأسرة وينال من أمانها الاجتماعي.



د) الاختيار على أساس الود وحسن الخلق :



فالزوجان إذا اتصفا بالحرص على التواد وحسن الخلق فإنهما يعملان على إحسان العشرة بالمعروف، فلا يكون أحدهما صخّاباً ولا شتَّاماً، بل يعرف كل منهما حق الآخر عليه، وقد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث السابق لوناً من ألوان حسن العشرة في قوله صلى الله عليه و سلم >وإذا أمرها أطاعته<.



وهذا كله مما يكلف به الزوجان؛ لأنه تبارك وتعالى قال : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }(23).



ولقد حثَّ الشرع الشريف على إحسان الخلق بعامة فقال صلى الله عليه و سلم >خياركم أحاسنكم أخلاقاً<(24).



والإسلام حينما يجعل الود وإحسان العشرة وإحسان الخلق أساساً لاختيار الزوجين فهو بذلك يريد توفير الحياة المستقرة الخالية من التنازع والاختلاف والفرقة في الأسرة وذلك حرصاً منه على توفير الظروف الاجتماعية المناسبة لتنشئة الأولاد تنشئة سليمة صالحة خالية من الظروف المساعدة على الانحراف والجنوح.



وبهذا العرض الموجز يتيبن أن التشريع الإسلامي عمل على توفير ظروف شرعية مستقرة لتنشئة الأولاد وذلك من خلال وضعه ضوابط وقواعد ومعايير لاختيار الزوجين وجعل هذا حقا من حقوق الأطفال والأولاد ويدلُّ على هذا قصة الرجل الذي جاء يشكو عقوق ولده لعمر بن الخطاب أمير المومنين فاستدعى عمر ولد الرجل، فجاءه ثم ذكر لعمر أن أباه لم يحسن اختيار أمه، فقال له عمر : عققت ولدك قبل أن يعقك، يعني أسأت إليه في هضمك حقوقه قبل أن يسيء إليك.



وتمثلت إساءة الرجل في حق ولده في عدم إحسانه في اختيار أم ولده.



ولقد اتفق الإعلان العالمي لحقوق الطفل في صورته الجديدة عام 1989م واتفاقية حماية حقوق الطفل عام 1990م في هذا المعنى مع التشريع الإسلامي حيث نصت الاتفاقية في موادها من (6) إلى (12) على حقوق الطفل من بينها حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية بأن ينشأ في ظروف شرعية مستقرة، وفي حالة حرمان الطفل من هذه الظروف فإن واجب الدول الموقعة على الاتفاقية تقديم المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته(25).







2 . حق الطفل في الحفاظ على حياته وصحته جنيناً :



لقد حافظ الشرع الشريف على حياة الطفل جنيناً وعلى صحته أيضاً، وتظهر هذه المحافظة في كل تشريعات الشرع في مجال الطفل والطفولة.



وقد أخذ الحفاظ على حياة الجنين في الإسلام صوراً عدة منها اتفاق فقهاء المسلمين على أن حياة الجنين محفوظة ويحرم المساس بها، وذلك لأنهم اتفقوا على أن إسقاط الجنين وإجهاض الحامل في جنين بعد نفخ الروح فيه حرام، ولو كان هذا الإسقاط أو الإجهاض باتفاق الزوجين؛ لأن هذا الإجهاض والإسقاط قتل للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فيدخل الإجهاض للأم في التحريم الوارد في قوله تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ }( 26).



وقد جاءت نصوص فقهاء المسلمين صريحة في ذلك، فقد قال ابن عابدين : >لو أرادت إلقاء الماء بعد وصوله إلى الرحم قالوا : إن مضت مدة ينفخ فيها الروح لا يباح، وتأثم ـ أي الأم ـ إثم القتل لو استبان خلقه ومات بفعلها<(27).



ويقول ابن جزي : >وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح فإنه قتل نفساً إجماعاً<(28).



ويقول الزركشي : >لو تركت النطفة حتى نفخ فيها فلا شك في التحريم<(29).



ويقول ابن حزم : >مسألة : المرأة تتعمد إسقاط ولدها ... وإن كان قد نفخ فيه الروح فالقود عليها ...؛ لأنها قاتلة نفساً مؤمنة عمداً<(30).



ومن خلال ما سبق من كلام الفقهاء يظهر مدى ما أعطى الإسلام الطفل من حق الحفاظ على حياته وهو جنين فمنع التعدي عليه سواء بإسقاطه أو إجهاض أمه.



ولقد أخذ الحفاظ على حياة الجنين صورة أخرى تلك الصورة التي يقع فيها عقاب لمن يتعدى على حياته، فقد عاقب الشرع الشريف من يتعدى على الجنين بأن عليه غُرَّة عبد أو أمة فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، قال : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان ـ سقط ميتاً ـ بغرة عبد أو أمة. الحديث(31).



وفي رواية أخرى : اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها(32).



فهذا شكل آخر من أشكال حُفَّاظ الشرع الشريف على حياة الجنين، بل لقد اعترض بعض المسلمين حديثي العهد بالإسلام على عقاب من أسقط جنيناً فقتله بأن عليه غرة فقال : كيف أَغرم من لا صرخ ولا استهل، ولا شرب ولا أكل، فمثل ذلك يطلّ، أي يهدر دمه. فرد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم >اسجع مثل سجع الأعراب؟!<(33).



فقد رفض النبي صلى الله عليه و سلم ذلك القياس الفاسد الذي ينظر للجنين ــ لعدم وجود أثر له في خارج رحم أمه ـ على أنه شيء مهمل لا يستوجب الاعتداء عليه عقاباً، ولكن الشرع الشريف ردَّ هذا القياس الفاسد وأوجب الغرة على من يتعدى على الجنين.



وهكذا فقد حافظ الإسلام على حق الجنين محافظة تامة فحرَّم التعدي على حياته وعاقب على التعدي عليها.







3. حق الجنين في العناية به وبأمه أثناء الحمل :



أعطى الإسلام الجنين حقاً في العناية به وبأمه، أما العناية به فقد منع كل أذى يصل لأمه أثناء حملها فيه فمنع إيقاع العقوبة عليها التي تودي بحياتها أثناء الحمل، فقد أرجأ رسول الله صلى الله عليه و سلم إقامة الحد على الغامدية حتى تلد(34). وما كان ذلك إلا حفاظاً على حق العناية بالجنين أثناء حمله.



وقد أجاز الفقه الإسلامي رعاية للجنين وأمه للأم الحامل أن تفطر في رمضان وعليها القضاء دون الكفارة عند الحنفية، وعند الجمهور إن خشيت على نفسها فعليها القضاء دون الكفارة أو على جنينها فعليها القضاء مع الكفارة(35).



وذلك لحرص الإسلام على سلامة الجنين وتغذيته تغذية جيدة.







4. حق الطفل في العناية بالصحة النفسية له وهو جنين :



راعى الإسلام العناية بالصحة النفسية للجنين؛ لأن من الأمور المهمة التي يجب على الوالدين مراعاتها أثناء الحمل العناية بالصحة النفسية للجنين وذلك عن طريق العناية بالصحة النفسية للأم الحامل بابتعادها عن المنغصات والمزعجات والصدمات النفسية. فقد أرشد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حسن رعاية الرجل لأهله فقال صلى الله عليه و سلم >خيركم خيركم لأهله<(36)، وهذه الخيرية تقتضي الخيرية في كل مناحي التعامل والرعاية.



كما أرشد صلى الله عليه و سلم أيضاً الأزواج إلى الرفق بالزوجات فقال : >رويدك بالقوارير<(37).



وأرشد أيضاً إلى صبر الأزواج على أخطاء الزوجات ليضمن الاستقرار للأسرة.



وعلى الأم أيضاً ألا تكون عاملا سلبياً على الصحة النفسية للجنين بأن لا تتقبل نفسياً وجود الجنين بأن لا ترغب فيه من البداية، فقد أرشد الشرع الشريف لتحصيل الأم للصحة النفسية إلى الرضا بما قسم الله لتكون من أغنى الناس.



وبيان الإسلام أن الرضا بقضاء الله خير وسيلة للصحة النفسية؛ لأن العبد بهذه الصفة (الرضا) يعلم أن ما نزل به هو خير له لأنه يوقن بقوله تعالى : { فَعسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }(38) .



وهكذا وفَََّرَ الإسلام للجنين الصحة النفسية بأن أمر الزوج بحسن رعايته للأم والجنين، وأمر الأم بالصبر والرضا برزق الله لها.







5. الحفاظ على الحق المالي للجنين :



وكان من مظاهر رعاية الإسلام لحقوق الطفل قبل ولادته الحفاظ على حقوقه المالية وهو ما يزال جنيناً في بطن أمه، فلقد أوقف الإسلام التركات التي يكون للجنين ـ لو فرض نزوله حياًّ ـ نصيب فيها، وذلك خشية تقسيم التركة بين الورثة الأحياء وضياع نصيبه فيها.



وقد ذكر الفقهاء صوراً لذلك تبين حرص الإسلام على وصول حق الجنين في التركة إليه كاملاً، وإليك باختصار بعضها :



ــ إذا كان معه وارث آخر، وكان نصيبه في التركة يختلف باختلاف جنسه ففي هذه الحالة يقدر له التقديران، ويوقف له النصيب الأكبر، وبعد الولادة وتبين جنسه يأخذ الحصة التي يستحقها، فإذا كان يستحق النصيب الأصغر أخذه ووزع الباقي على الورثة.



ــ وإذا كان معه وارث آخر وكان نصيبه من التركة لا يختلف باختلاف جنسه ذكراً كان أو أنثى فإن التركة تقسم ويترك له مقدار نصيبه حتى يولد حيّاً ويستحق الميراث(39).



وقد اتفق ما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في الحقوق السابقة مع ما نصّ عليه الشرع الشريف حيث مواد الاتفاقية من (6) إلى (12) على حقوق من ضمنها حق الطفل في الحياة، وحقه في البقاء، وإن زاد ما في التشريع الإسلامي بإثبات بعض الحقوق للجنين كحقه المالي والنفسي(40).







المبحث الثاني : حقوق الطفل في الإسلام بعد ولادته



دأب الإسلام على رعاية الطفل بعد ولادته بصورة لم تعرفها النظم الأخرى ويدل على ذلك هذه الكثرة العظيمة من التشريعات الخاصة بالطفل في التشريع الإسلامي.



ولذا وجدت أن من المناسب عقد مبحث مستقل للحديث عن حقوق الطفل في الإسلام بعد ولادته.



وسأذكر في هذا المبحث بعض الحقوق التي أقرها الإسلام للطفل بعد ولادته إذ الأحكام الخاصة بالطفل بعد ولادته في الإسلام كثيرة لا يتحملها هذا البحث، بل تحتاج إلى مؤلف ضخم يخصص لهذا الغرض.



ولذا سأذكر بعض هذه الحقوق وأهمها :







1. حق الحفاظ على حياته :



حافظ الإسلام على حياة الطفل بعد ولادته بصورة لافتة للنظر ؛ لأن ظهور الإسلام تواكب مع أخلاق وبيئة لا يعترفان للطفل المولود بقيمة، بل من السهولة بمكان أن يسلبوه حقه في الحياة، ويصف القرآن الكريم ذلك في قوله : { وَإِذا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَىِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }(41).



فقد كانت البيئة الجاهلية بأخلاقها الخشنة الجافة لا تعمل على الحفاظ على حق المولود في الحياة، بل تساعد على انتهاك هذا الحق لمجرد شعور الولد بأن عاراً متوهماً قد يلحقه أو أن فقراً مدقعاً قد يهلكه، فجاء الإسلام ليثبت هذا الحق للطفل المولود ويمنع الآباء من ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء فقال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } (42)، وفي آية أخرى { نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}(43).



وبهذا التحريم القاطع أوقف الإسلام انتهاك حق الطفل في الحياة وأثبته للطفل حتى صار التعدي عليه من أكبر الكبائر.



ولو أراد دارس اجتماعي أن يرصد بداية انتهاء ظاهرة وأد البنات فسيجد أن التاريخ الصحيح لبداية انتهاء هذه الظاهرة هو ظهور الإسلام؛ لأنه الدين الذي جاء ليسترد للأطفال حقهم السليب في الحياة، وهو الحق الذي طالما عانوا في ظل سلبه.



وكذلك منع الإسلام قتل الأولاد تقرباً للأوثان(44) وحرَّم ذلك ووصف الذين فعلوا ذلك فيما سبق بقوله تعالى : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم }(45).



وبهذا ضمن الإسلام للأطفال حقهم في الحياة بعد ولادتهم سواء بمنعه وأد البنات أو بمنعه قتل الأولاد تقرباً للأوثان.







2. حق الطفل المولود في تسميته باسم حسن :



لمَّا أكرم الله البشرية بدين الحق، وأرسل إليها نبيه الخاتم محمداً صلى الله عليه و سلم وبعثه ليتمم مكارم الأخلاق جعل من حق كل إنسان مهما صغرت أو عظمت منزلته أن يكون له اسم يتميز به من غيره، ويعرف به في المجتمع، وإن هذا الاسم يرافق الإنسان في مسيرة حياته كلها منذ الولادة وحتى الوفاة، بل إنه ينادى به في الدار الآخرة؛ ولذا جعل هذا أدباً يتميز به الإسلام الذي يربي أتباعه على الذوق الرفيع والجمال.



بل لقد ندب رسول الله إلى تحسين الأسماء فقال : >إنكم تُدْعَوْنَ يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم<(46).



وقد سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم يا رسول الله، عَلِمْنا ما حق الوالد على الولد، فما حق الولد على الوالد؟ قال صلى الله عليه و سلم : >أن يحسن اسمه ويحسن أدبه<(47).



وهكذا جعل الإسلام تحسين اسم المولود حقّاً للولد على والده، ومن ثم أمر بالحفاظ على حق الأولاد في ذلك.



ويعدُّ عدم إحسان اختيار اسم المولود نوعاً من عقوق الآباء لأبنائهم ويوضح ذلك قصة عمر ـ رضي الله عنه ـ مع الرجل الذي جاء يشكو عقوق ولده، فلما طلبه عمر وحضر، تكلم الولد فذكر له أن أباه لم يحسن اختيار اسمه فقال عمر للوالد : >عققت ولدك قبل أن يعقك<(48).



ولقد كان من سننه صلى الله عليه و سلم تغيير الأسماء السيئة إلى أسماء حسنة ومن ذلك ما روي أنه كانت لعمر بنتٌ إسمها >عاصية< فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم جميلة(49).



ولقد جاء نص اتفاقية حقوق الطفل موافقاً لما دعى إليه الإسلام من تسمية الأولاد وأحقيتهم في ذلك وجاء ذلك ضمن المواد (6) إلى (12) من هذه الاتفاقية(50).







3. حق الطفل في السرور والفرح بولادته :



ومن تمام إعطاء الإسلام للأطفال حقوقهم بعد ولادتهم أنه جعل من حق الأولاد أن يفرح الآباء بقدومهم وأن يعبروا عن فرحهم هذا.



فقد شرع الإسلام العقيقة، وهي شعيرة من شعائر الإسلام تميز المسلمين في عاداتهم عند الولادة عن غيرهم.



وهذه الشعيرة تشتمل على إظهار الفرح بنعمة الله بالولد الذي أنعم به على الوالدين، والشكر له بالتصدق بلحم هذه العقيقة.



ومما يدلُّ على أن هذه الشعيرة المظهرة للفرح والسرور حق المولود قوله صلى الله عليه و سلم >العقيقة حقَّ... عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة<(51).



وكذلك يسنُّ حلق الشعر الذي على رأس المولود في اليوم السابع عند ذبح العقيقة(52).



وكل هذا إظهار للفرح والسرور بقدوم المولود السعيد، وهذا ما يكشف عن إرساء الإسلام لقواعد كثيرة خاصة بالطفل والطفولة تبدأ برعاية الطفل منذ حمل الأم به وتزداد هذه الضوابط كثرة ووضوحاً مع نمو الطفل، ولذا شرع الإسلام الفرح والسرور بالطفل المولود مظهراً من مظاهر إعطاء الطفل حقوقه النفسية.







4. حق الطفل الولد في الحفاظ على رضاعه وغذائه :



إن الخالق المدبر الحكيم الذي شملت عنايته جميع مخلوقاته، جعل اللبن يدر من ثدي الأم بمجرد ولادتها، فمنذ اللحظات الأولى من نزول الولد من رحم الأم يُفرز هرمون البُرولكتين المسؤول عن إفراز الحليب من الثدي، فما أن يخرج الجنين الذي تعوَّدَ في رحم أمه على تلقي الغذاء الجاهز المهضوم، والذي لا يستطيع بمعدته الضعيفة الصغيرة أن يجري عمليات الهضم المعقدة ـ حتى يجد هذا الغذاء الإلهي الجاهز والغني بالمواد الغذائية اللازمة له، فتبارك الله أحسن الخالقين.



ولقد أمر الإسلام الأمهات بالرضاعة الطبيعية لأولادهن فقال تعالى:{وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}(53).



ولذلك فإن من حق الولد على أمه أن تقوم بإرضاعه من حليب ثديها الذي جعله الله غذاء كاملاً له، فيجب على الأم أن تأخذ ولدها منذ اللحظات الأولى للولادة وترضعه؛ لأن هذا التصرف يزيد من قوة إفراز هرمون الحليب ويعمل على زيادة إدراره من الثدي.



وإن للرضاعة الطبيعية التي أمر بها الإسلام في الأيام الأولى عندما يدر الثدي أثراً كبيراً في تقوية المناعة للمولود ضد الأمراض، وتعقيم معدته وأمعائه وتوليد البكتريا المسئولة عن الهضم.



كما أن الغذاء الموجود في الحليب الطبيعي الذي ترضعه الأم لولدها لا يتوفر في أي مصدر غذائي آخر لما فيه من مميزات أهمها :



1. أنه نظيف معقم



2. وحرارته معتدلة ومساوية لدرجة حرارة الجسم



3. ولا يفسد بالتخزين



4. ويناسب معدة الرضيع



5. ولا يحتاج الرضيع معه إلى أي غذاء إضافي



6. يُؤَمِّنُ المناعة الطبيعية للطفل ويُقَوِّي الدفاعات المناعية للمولود.



ولهذا كله ولغيره حرص الإسلام على أن ينال كل طفل نصيبه من حليب أمه حتى إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخَّر حدَّ الزنا عن المرأة الغامدية حتى ترضع ولدها(54).



وإذا عجز الوالدان عن توفير النفقة اللازمة للرضاعة فعلى الدولة القيام بتوفيرها. وهذا ما كان يفعله عمر ـ رضي الله عنه ـ فقد كان أول الأمر لا يفرض النفقة إلا لمن فُطِمَ من الأولاد، فصارت الأمهات يفطمن أولادهن قبل بلوغ أوان الفطام، فلما علم عمر ـ رضي الله عنه ـ بذلك رجع عن قراره الأول، وصار يفرض للأولاد النفقة لمجرد الولادة حتى يطول وقت رضاعهم من أمهاتهم ولا يسارعن إلى فطامهم طمعاً في العطاء، وذلك حرصاً من عمر ـ رضي الله عنه ـ على أن ينال الأولاد حظاًّ وافراً من الغذاء الذي خصصه الله لهم(55).



وزيادة في حرص الإسلام على رضاع الطفل شرع النفقة والأجرة للأم على إرضاعها ولدها بعد عدة الطلاق أو الوفاة قال تعالى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أجُورَهُنَّ وَأَتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ }(56)، وذلك تشجيعاً للوالدات على إطالة فترة الرضاع.



وقد التقى نص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل مع الشرع الشريف في تقرير هذا الحق للطفل المولود(57).







5. حق الطفل في التربية والتعليم والحماية من كل أذى جسمي ونفسي:



إن من أهم الحقوق الواجبة للطفل على والديه حق التربية والتأديب، وأقصد بالتربية هنا عملية التنشئة الاجتماعية والسلوكية التي يكتسب الطفل خلالها مجموع عاداته وأفكاره وأخلاقه الأولية.



ولقد حضَّ الإسلام الوالدين على الاهتمام بتربية الولد وتنشئته تنشئة صحيحة وسليمة، قال تعالى في ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَة }(58).



وقد سأل عمر ــ رضي الله عنه ــ النبي صلى الله عليه و سلم لما نزلت هذه الآية فقال : يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال صلى الله عليه و سلم : >تنهونهم عما نهاكم الله، وتأمرونهم بما أمر الله<(59).



ولذلك قال العلماء : >ذلك حق على الإنسان في نفسه وولده وأهله، فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب<(60).



ولمَّا سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن حق الولد على الوالد قال : >أن يحسن اسمه ويحسن أدبه<(61).



ومما لاشك فيه أن للعادات والمفاهيم التي ينشأ عليها الإنسان ويكتسبها منذ صغره من أهله ووالديه بصفة خاصة الأثر الكبير في رسم سلوكه وتكوين شخصيته عندما يكبر؛ ولذا كان واجباً على الوالدين أن يحرصا على إكساب الولد كل خلق حميد، وكل ما ينفعه في دينه ودنياه.



وذلك كله انطلاقاً من قوله صلى الله عليه و سلم : >كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها<(62).



فالطفل أمانة كبيرة بين يدي والديه يُسألان عنها يوم القيامة وما أشد السؤال عن الأمانة : >كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته<.



ومن أهمل تربية أولاده والعناية بهم في الصغر ندم أشد الندم في الكبر؛ ولذلك كان من واجب الوالدين ومن حق الأولاد عليهما البدء بتربية الأولاد منذ نهاية السنة الأولى حيث يبدأون في فهم الأوامر والنواهي.



أما حق الطفل في التعليم، فلقد شجع الإسلام التعليم تشجيعاً عظيماً وجعل العلم من أسمى العبادات وجعل العلماء ورثة الأنبياء وقد وردت في فضل العلم ومنزلة العلماء آيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ } (63).



ومنها قوله صلى الله عليه و سلم : >من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة<(64).



وقد حرص الإسلام على إذاعة العلم بين أفراد المجتمع المسلم ونشره بين سائر طبقاته، واتخذ في ذلك خطوات جادة منها إلزام الوالدين بتعليم الأولاد وحثهم على الاهتمام بذلك، وجعل هذا التعليم حقّاً للأولاد على الآباء ومما يؤكد ذلك ما رواه أبو نعيم في الحلية بسند حسن من قوله صلى الله عليه و سلم : >حقُّ الولد على الوالد أن يعلمه الكتاب والرمي والسباحة، وأن يورثه طيباً<(65).



فقد جعل الإسلام التعليم حقاً للأولاد يلزم الآباء أداؤه، ولكنه أعان الآباء والوالدين على تحمل أمانة هذا الحق فبشر القائم به بقوله صلى الله عليه و سلم : >من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء القمر<(66).



وعلى الوالدين أن يحفظا الأولاد من أن يمسهم أي مكروه أو أذى جسماني أو نفساني ومن حق الأولاد عليهما أن يحفظاهم من كل ما يحفظان أنفسهما منه وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ }(67).



فقد قرن وقاية الوالدين أنفسهما بوقايتهما أهلهما؛ لذا فمن حق الأولاد على الوالدين أن يحمياهم من كل أذى جسمي ونفسي ويكون حرصهما على توفير هذه الحماية هو نفس الحرص على توفيرها لأنفسهما.



ولقد جاءت المادتان (18)، (28) من الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان متفقة مع ما قرره الإسلام من حق الطفل في التربية والتعليم.







6. حق الطفل في تعويده العادات الحسنة :



أشرت فيما سبق إلى أن العادات التي يكتسبها الطفل في الصغر يكون لها أثر كبير في تكوين أخلاقه وسلوكياته، ولذا وجب على الوالدين ـ وكان حقاً للأولاد عليهما ـ أن يُعَوِّدا أولادهما على العادات الحسنة التي تكون سبباً في سعادتهم في دنياهم وآخرتهم.



وهكذا فإن مسؤولية تربية الأولاد هي من أهم الواجبات التي يطالب بها الوالدان حقاً لأولادهما، وإن من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأولياء والآباء أن يتخلوا عن هذه المهمة أو أن يقصروا فيها بأن لا يعملوا على تربية وتعويد الأولاد والأطفال على خير الأخلاق والصفات والأفعال.



ولقد جاءت توجيهات النبي صلى الله عليه و سلم : ترشد إلى أهمية تربية وتعويد الأطفال الأخلاق الحسنة ومن هذه التوجيهات والوصايا:



قوله صلى الله عليه و سلم : >ما نحل والد ولداً من نُحْل أفضل من أدب حسن<(68).



وقول صلى الله عليه و سلم : >علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم<(69).



فيؤخذ من هذين الحديثين التربويين أن على المربين ـ ولاسيما الآباء والأمهات ـ مسئولية كبرى في تأديب الأولاد على الخير وتخليقهم بمبادئ القيم السامية والأخلاق الراقية.



ومن هذه المسؤوليات مسؤولية الوالدين المتعلقة بكل ما يشمل إصلاح نفوس الأولاد وتقويم اعوجاجهم وترفعهم عن الدنايا وحسن معاملة الآخرين.



ومسؤوليتهما عن تخليق أولادهما منذ الصغر على الصدق والأمانة والاستقامة والإيثار وإغاثة الملهوف واحترام الكبير وإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار.



وكذلك هما مسؤولان عن تنزيه ألسنة أولادهما عن السباب والشتم وكل مفاسد الأخلاق، وتعويدهم المشاعر الإنسانية الكريمة كالإحسان إلى اليتيم والبر بالفقراء والعطف على المساكين وأبناء السبيل.



ومن صور التوجيه النبوي للصغار، والحرص على إرشادهم للخطأ في سلوكهم وتصرفاتهم لكي لا يألفوه ما روى عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أخذ الحسنر تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال صلى الله عليه و سلم : >كخ، كخ ـ ليطرحها ـ أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟!<(70).



فالنبي صلى الله عليه و سلم : يعوِّد الطفل الصغير المبارك (الحسن) أن لا يتناول ما لا يجوز له أخذه، ولا يفرق في هذا التوجيه النبوي بين كون الحسن صغيراً أو كبيراً.



ويعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم : طفلاً آخر من أطفال المسلمين فيقول له : >يا غلام، سم الله وكل مما يليك<(71).



فيعلمه صلى الله عليه و سلم : أحسن الأدب في تناول الطعام، وبهذا يُعَوِّدُهُ على أحسن الأخلاق وأرقها.



ويقول صلى الله عليه و سلم لآخر : >يا غلام إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك جفت الأقلام وطويت الصحف<(72).



فرسول الله صلى الله عليه و سلم يعلم الأطفال دائماً مكارم الأخلاق وأسماها من التوكل على الله والاستعانة بالله وقطع الأمل فيما عند الناس ورجاء ثواب ما عند الله.



ويؤكد القران الكريم على تعليم الأطفال وتعويدهم على مكارم الأخلاق فيأمر الوالدين أن يعودوا أولادهما على الاستئذان في أوقات محددة وهي الأوقات التي هي مظنة التخفف من الثياب فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ منَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْد صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَات لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }(73).



فخلق الاستئذان الذي علمه الإسلام للآباء لكي يُعَوِّدُوا الأبناء عليه من الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، يكشف لنا عن إرساء الإسلام لحق الطفل في التعود على أحسن العادات وأرقها، وهذا شأن الإسلام في كل تشريعاته الخاصة بالطفل؛ لأنه ينظر للطفل على أنه مخلوق على فطرته السليمة التي تؤثر فيها بشدة البيئة المحيطة وبخاصة الوالدين، ويظهر ذلك في قوله صلى الله عليه و سلم : >ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه<(74).



وذلك يوجب على الوالدين أن يسبقا إلى فطرته السليمة بالخير، ويوجهاه توجيهاً سليماً ينطبع في فؤاده ويؤثر عليه طوال حياته.



ويقول ابن أبي زيد القيرواني في ذلك المعنى : >واعلم أن خير القلوب وأوعاها للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عنى به الناصحون، ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الدين وحدود الشريعة ليُراضوا عليها وما عليهم أن تعتقد من الدين قلوبُهم وتعمل به جوارحُهم<(75).







7. حق الطفل في التعليم بما يناسب مراحله العمرية :



لقد وضع الإسلام خطة من التشريعات ترسم صورة دقيقة لتعليم الطفل في مراحل عمره المختلفة بما يتناسب وهذه المراحل، وأوضح مثال على ذلك قوله تبارك وتعالى في سورة النور : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنَكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ }(76)، فالآية توضح أن الطفل الذي لم يبلغ الحلم يُعَلَّم الأخلاق الحميدة؛ لأنه مؤهل في هذه الفترة لتعلم هذه الأخلاق.



ثم يؤكد على معنى تعليم الأطفال ما يتناسب ومراحلهم العمرية حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم :>علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع<(77).



فحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم يرشد إلى السن الذي يعلم فيها الطفل القيام بالعبادات والسن الذي يحاسب على تقصيره فيها. وكذلك هناك أخلاق عامة وهي الحفاظ على العورات والحياء وهي أخلاق يجب أن تصاحب الطفل في كل مراحل حياته ولذا يفرق بين الأطفال في المضاجع من أول عمرهم.



ومن الأفضل في التصور الإسلامي لتعليم الطفل أن يسعى الوالدان إلى تعليم الولد القرآن منذ السنوات الأولى لتقويم نطقه بصورة صحيحة وترديد آيات القرآن أمامه والإكثار من إسماعه إياها.



وفي ذلك المعنى يقول ابن سينا : >إذا تهيأ الطفل (الصبي) للتلقين ووعى سمعه أخذ في تعليم القرآن له<(78).



وإن عناية الإسلام بتعليم الأطفال من الصغر عناية حكيمة حيث يبدأ التعليم في الصغر في التصور الإسلامي بالأسلوب المناسب لمراحلهم العمرية حيث يبدأ التعليم في الإسلام بما لا يحتاج لمزيد عناء وفكر مما يجعل الطفل ينفر من التعليم، بل يستخدم في تعليم الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة أداة التلقين في التعليم وهي أداة مناسبة جداً لهذه المرحلة وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يحفظ القرآن صغيراً فيكون لذلك أثره الكبير في رسوخ هذا العلم في ذهنه وصعوبة تفلُّته منه مهما بلغت سنه وفي ذلك يقول ص : >سلوني عن سورة النساء فإني قرأتها وأنا صغير<(79).



ولذا نستطيع أن نقول : إن الإسلام أعطى الطفل حقه في التعليم كاملاً وذلك بأن جعله تعليماً مناسباً في مادته وفي أداته للمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل.



ولقد جاءت المادتان (28)، (29) من مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل موافقة للتشريع الإسلامي في إرسائهما حق الطفل في التعليم.







8. حق الطفل في حمايته من الجنوح والانحراف :



لقد عمل الإسلام على تجفيف منابع الجنوح والانحراف في محاولة منه للحفاظ على حقوق الأطفال، ويتأكد هذا المعنى بصورة واضحة إذا نظرنا إلى أسباب جنوح الأطفال وانحرافهم وكيف تعامل معها الإسلام.



فمن الأسباب المعروفة للانحراف والجنوح لدى الأطفال :



أ) المشكلات الأسرية والاضطراب الأسري :



فكثيراً ما تتسبب المشكلات الأسرية وحالات عدم الاستقرار في البيت في انحراف الأولاد وجنوحهم، ولقد عالج هذا السبب الإسلام معالجة ناجعة وذلك بتجنبه في أول أمره، بأن أَمَرَ الزوجين بحسن الاختيار عند الزواج كما بينا في حقوق الطفل قبل الولادة، وكذلك أَمَرَ الوالدين بحسن المعاملة بعد الزواج وكل ذلك لتجفيف منابع الانحراف والجنوح عند الأولاد.



ب) انفصال الزوجين :



وقد يتسبب انفصال الزوجين في إحداث خلل في نفسية الأولاد مما يساعد في كثير من الأحايين على الجنوح والانحراف؛ ولذلك نظم الإسلام رعاية الطفل والأولاد في حالة انفصال الزوجين فرتب حق الحضانة بصورة تتناسب وحاجيات الأولاد وأوجب على الوالد النفقة على الأولاد لكي يضمن لهم أسباب الحماية من الانحراف فقال تعالى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }(80).



ج) الفقر :



وقد يتسبب الفقر والحياة تحت ضغط الظروف الصعبة في جنوح وانحراف كثير من الأطفال ولقد واجه الإسلام مشكلة الفقر على محاور عدة منها التكافل الاجتماعي في مثل قوله صلى الله عليه و سلم : >من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال له<(81)، وكذلك الزكاة وتعريفه صلى الله عليه و سلم إياها بأنها : >صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم<(82).



وكذلك عالجه في محور الحث على العمل والإنتاج فنرى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرشد من جاء ليسأل الصدقة : >إن المسألة لا تحل إلا لذي فقر مدقع أو عزم مفزع<.



وقال له بعد أن يحصل ثمرة عمله : >هذا خير لك من أن تأتي المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة<(83).



د) الفراغ :



فهذه هي النعمة المغبون فيها كثير من الناس؛ ولذا أمر الشرع الشريف من لديه فراغ أن يقوم بشغله بما ينفع وفي ذلك إنقاذ للطفل والأولاد من الجنوح والانحراف، فقد جاء التوجيه العام من الشرع الشريف للأمة بأن تشغل فراغها بالعبادة فقال تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلَى ربِّكَ فَارْغَبْ }(84).



ووجه الرسول صلى الله عليه و سلم الأمة أيضاً إلى اغتنام فرصة فراغها في العبادة فقال صلى الله عليه و سلم : >خذ من صحتك لسقمك ومن فراغك لشغلك<(85).



هـ) الخلطة الفاسدة ورفاق السوء :



فمن العوامل الكبيرة التي تؤدي إلى انحراف الأولاد وجنوحهم رفاق السوء والخلطة الفاسدة، ولا سيما إن كان الولد بليد الذكاء ضعيف الديانة متميع الأخلاق فسرعان ما يتأثر مثله بمصاحبة الأشرار ومرافقة الفجار وسرعان ما يكتسب منهم أحط العادات وأقبح الأخلاق. والإسلام بتعاليمه التربوية وجَّه الآباء والمربين إلى أن يراقبوا أولادهم مراقبة تامة.



وكذلك وجَّه الشرع الشريف إلى خطورة رفقاء الشر وقرناء السوء والفساد فقال تعالى : { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاَّ المُتَّقِينَ }(86).



وقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْر بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِِنْسَانِ خَذُولاً }(87) .



وقوله تعالى : { قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ }(88).



وقوله صلى الله عليه و سلم : >مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً منتنة<(89).



وبهذه المعالجات لأسباب الجنوح والانحراف لدى الأولاد عالج الإسلام هذه المشكلة وجفف منابعها.







9. حق الطفل في التربية البدنية والعقلية :



من المسؤوليات الكبرى التي أوجبها الإسلام على الوالدين والمربين مسئولية التربية البدنية لينشأ الأولاد على خير ما ينشأون عليه من قوة الجسم، وسلامة البدن ومظاهر الصحة والحيوية.



ولكي يقوم المربون والوالدان بهذه المسؤولية على خير وجه رسم لهم الشرع الشريف حدود هذه المسئولية ويمكن أن نوجز ذلك فيما يلي:



أ) وجوب النفقة على الأولاد :



فقد أوجب الشرع الشريف النفقة على الأولاد على الوالدين أو المربين وذلك في قوله سبحانه وتعالى : { وَعَلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }(90).



وذلك ليوفر للأولاد أول عناصر التربية البدنية وهي توفير القوت ويؤكد هذا المعنى حديث مسلم : >كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته<(91).



فمن تمام النفقة المأمور بها الوالد تهيئة الغذاء الصالح لأولاده، والمسكن الصالح والكساء الصالح حتى لا تتعرض أجسامهم للأسقام وتنهك أبدانهم الأوبئة والأمراض.



ب) اتباع قواعد الصحة العامة في المأكل والمشرب :



فمما طلبه الشارع من الوالدين الحفاظ على أبنائهم من الأخطار ومن ذلك تجنيبهم الأمراض والأوبئة وذلك من خلال تعليمهم القواعد العامة الصحيحة لتصبح عادة لديهم وتكون بمثابة الوقاية لهم من الإصابة والأمراض.



وتلمس هذا بوضوح في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن أحاديثها :



ــ قوله صلى الله عليه و سلم : >لا تشربوا واحداً كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسمّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم<(92).



ــ ونهيه صلى الله عليه و سلم المرء عن أن يتنفس في الإناء(93).



وقوله صلى الله عليه و سلم : >لا يشربن أحدكم قائماً، فمن نسي فليستقيئ<(94).



ج) التحرز والوقاية من الأمراض المعدية :



ومن تمام الرعاية البدنية للأولاد محاولة وقايتهم من الأمراض المعدية، وقد جاء الشرع الشريف بالحث على هذا النوع من الوقاية والتحرز.



ـ فمن ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : >فرّ من المجذوم فرارك من الأسد<(95).



ـ وقوله صلى الله عليه و سلم : >لايوردن ممرض على مصحّ<(96).



ولذا كان لزاماً على المربين ـ ولاسيما الأمهات ـ إذا أصيب أحد أولادهم بمرض معدٍ أن يعزلوه عن بقية الأولاد حتى لا ينتشر المرض ويستفحل الوباء. فما أعظم هذا الهدي النبوي في تربية الأجسام والحفاظ على صحة الأبدان.



د) معالجة المرض بالتداوي :



إن الله من فضله وكرمه ومنِّه رزق عباده الأدوية أسباباً للشفاء ولدفع البلاء؛ لذا كانت معالجة المرض بالتداوي من الحقوق الواجبة على الوالدين تجاه أولادهما، ولقد جاءت السنة مليئة بالأحاديث التي تحث على التداوي ومنها :



ــ قوله صلى الله عليه و سلم : >لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برأ بإذن الله عز وجلَّ<(97).



ــ وقوله صلى الله عليه و سلم :عندما سئل : أنتداوى ؟! : >نعم يا عباد الله تداوَوْا، فإن الله عزَّ وجلَّ لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد< قالوا : ما هو؟ قال : الهرم<(98).



هـ) تعويد الأولاد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية :



من القواعد العامة في الإسلام أن المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف وإن كان في كلٍّ خير.



ومن هذا المنطلق أوجب الشرع الشريف على الوالدين والمربين أن يعملوا على تقوية أبدان أبنائهم بكل وسائل القوة الممكنة وذلك تحقيقاً لقوله تعالى :{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } (99)، وتنفيذاً لقوله ص : >المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف<(100).



ولقد جاءت السنة المشرفة مليئة بالإرشادات النبوية إلى تعليم الرمي وركوب الخيل والسبق، ومن هذه الأحاديث :



ــ قوله صلى الله عليه و سلم عندما كان يمر على أصحابه في حلقات الرمي فيشجعهم قائلاً : >ارموا وأنا معكم كلّكم<(101).



ــ وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : تلا قوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }(102) ثم قال : >ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي<(103).



ولقد استوعب الصحابة الكرام هذا الهدي استيعاباً جيداً فكانوا يأمرون بتعليم الأولاد كل ما يكون من شأنه تقوية الأبدان والأجسام ومن ذلك قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : >علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل<.



ولاشك أن صحة الجسد لها شأنها العظيم في صحة العقل؛ ولذا كان كل ما يقوم به الشرع الشريف من الحفاظ على قوة وصحة الأبدان والأجسام وإنما الغرض منه أيضاً حفظ سلامة العقول وصحتها.







10. حق الطفل في الرحمة به والترويح عنه والملاعبة :



من المشاعر النبيلة التي أودعها الله في قلوب الآباء والأمهات شعور الرحمة بالأولاد والرأفة بهم والعطف عليهم، وهو شعور كريم له في تربية الأولاد وتكوينهم النفسي أثره العظيم.



ولهذا نجد الشريعة في جميع التشريعات ترسخ مشاعر الرأفة والرحمة وتحضُّ الكبار من الآباء والأمهات عليها، فنجد رسول الله صلى الله عليه و سلم يجعل الرحمة حقاّ للصغار حتى يسلب ممن لا يرحم الصغار انتسابه الكامل للإسلام فيقول صلى الله عليه و سلم : >ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا<(104).



وهذا أعرابي يأتي النبي صلى الله عليه و سلم : فيقول له الأعرابي : تقبلون الصبيان؟! فما نقبلهم. فقال النبي : >أوَ أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟!<(105).







11. حق الطفل في عدم إيذائه بالضرب :



إن الإسلام دين قائم على الرفق في كل تشريعاته؛ ولذا عندما أراد أن يستخدم الضرب وسيلةً من وسائل الإرشاد إلى الخطأ كما ورد في حديث : >مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع<(106).



ولكنه جعل الضرب يخضع لقاعدة الرفق في التشريع الإسلامي، فالضرب لم يقصد به تعذيب الولد على خطئه، بل المقصد توجيهه وإرشاده؛ ولذا لابد أن يكون الضرب موصلاً للرسالة المرجوة وهي تجنب الخطأ ؛ ولذلك قيد وسيلة الضرب من وسائل الإرشاد إلى الخطأ بأن يكون غير مؤثر في الأعضاء، وألا يكسر بهذا الضرب العظم، وأن يتجنب الوجه، وقد جاءت السنة المطهرة بهذه الضوابط، ومنها ما ورد في هذه الأحاديث :



ــ ما رواه مسلم عن أبي مسعود أنه كان يضرب غلامه فجعل يقول : أعوذ بالله، قال فجعل يضربه، فقال : أعوذ برسول الله، فتركه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : >والله َللَّهُ أقدر عليك منك عليه< فقال، فاعتِقْهُ(107).



ــ ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :>إذا ضرب أحدكم أخاه فليتجنب الوجه<(108).



وكل هذا الإرشاد النبوي الضابط لاستخدام وسيلة الضرب من وسائل الإرشاد إلى الخطأ لابد أن ينظر إليه أيضاً من خلال أن الإسلام عندما أقرَّ الضرب أمر بالرفق في كل شيء، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : >إن الرفق ما نزع من شيء إلا شانه وما دخل في شيء إلا زانه<(109).



ويراعى عند من يستخدم هذه الوسيلة أيضاً أن هذه العقوبة تأتي في المرحلة الأخيرة من مراحل الإرشاد إلى الخطأ بعد الوعظ والهجر، وهذا الترتيب يفيد أن المربي لا يجوز له أن يلجأ إلى الأشد كالضرب إذا كان يكفي الأخف كالوعظ والهجر؛ ليكون الضرب هو أقصى عقوبة على الإطلاق، ولا يجوز اللجوء إليها إلا بعد اليأس من كل وسيلة للتقويم والإصلاح...علماً بأنه عليه الصلاة والسلام ما ضرب امرأة من نسائه قط ولا غلاماً من غلمانه.



وكل هذا يكشف أن الضرب في الإسلام وسيلة للإرشاد للخطأ لها ضوابطها التي تمنع أن يكون الضرب متسبباً في إيذاء الأولاد أو الأولاد الذين تقع عليهم هذه العقوبة.







12. حق الطفل في أن تكون عقوبته تهذيبية :



الطفل إنسان له مشاعر وأحاسيس يجب مراعاتها حتى أثناء عقابه على أخطائه؛ لأن العقوبة للطفل المقصد الأساسي فيها الإرشاد والتهذيب وليس المقصود منها التشفي ولا التعذيب؛ لذا يجب عند معاقبة الأطفال مراعاة عدة أمور أهمها :



أولا : أن الرفق واللين بالطفل هو الأصل :



وهذا ما تكلمنا عنه في الكلام عن الضرب في العنصر السابق، ولكن نؤكد على هذا المعنى بذكر ما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه و سلم بعثه ومعاذاً إلى اليمن وقال لهما : >يسراولا تعسرا وعلِّمَا ولا تُنََفِّرا<(110).



ثانياً : يجب مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة :



فالأطفال يتفاوتون في درجة الإدراك والذكاء، وكذلك تختلف ميولهم، ولذا فإن بعض الأطفال تصلح معهم النظرة العابسة للزجر والإرشاد، وبعضهم يحتاج إلى كلمة جافة، وثالث لا يفيد معه إلا استعمال العصا.



وهذا التناسب بين العقاب ونفسية وشخصية الطفل أشار إليه كثير من علماء المسلمين المهتمين بشؤون التربية من أمثال ابن سينا والعبدري وابن خلدون حيث نصوا على أن المربي لا يجوز له أن يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى، وأن لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل، وتكوينه النفسي والخلقي(111).



ثالثاً : التدرج في العقوبة من الأخف للأشد :



وهذا التدرج الذي أشرنا إليه من قبل يعني أن هناك مراحل من المعالجة والتأديب يجب مراعاتها، وعدم اللجوء إلى وسيلة قبل المرور بالتي قبلها؛ لأن المربي كالطبيب ـ كما يقول الإمام الغزالي ـ لا يصلح أن يداوي كل المرضى بعلاج واحد، بل لابد أن تتعدد الأدوية بالنظر لطبيعة جسم كل مريض وحالته الصحية والمرضية.



ولذا فقد تنوعت وسائل الإرشاد والتهذيب تنوعاً واسعاً، فنجد مثلاً التوجيه بالكلمة المرشدة، وذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم مع الغلام الذي كانت يده تطيش في الصفحة فقال له صلى الله عليه و سلم : >يا غلام، سمِّ الله وكلْ مما يليك<(112).



وكذلك وجَّه النبي صلى الله عليه و سلم بالفعل اللطيف اليسير وهذا ما فعله مع الفضل بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ >عندما كان رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحج فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر<(113).







13. حق الطفل في عدم تحميله ما لا يطيق وعدم استغلاله :



إن الإسلام عندما نظر إلى الطفل نظر إليه نظرة تقدر طاقته التي لا تزال في طور النشأة واحتياجه الشديد للغير؛ ،لذا أوجب على الوالدين رعاية الأطفال لما يتصفون به من ضعف واحتياج لمعاونة وإرشاد الآخرين.



وقد كان الشرع الشريف إذ ينطلق من هذه النظرة المدركة لحقيقة الطفل يراعي في كل تشريعاته الرفق والرحمة والعطف والحنان على الطفل، وقد نهى الشرع الشريف لأجل هذا عن تحميل الطفل ما لا يطيق، ويظهر هذا بوضوح في قوله تعالى : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}(114).



فقد نهت هذه الآية عن قهر اليتيم وذلك بتحميله ما لا يطيق من أي شيء، فنهى الشرع عن كل صور القهر حتى وصل العطف على الطفل إلى أن يجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم من حق الطفل أن يقبله ويعطف عليه، ويكون من لا يفعل ذلك فقد ينزع الله الرحمة من قلبه، كما سبق أن ذكرناه من كلامه صلى الله عليه و سلم .



ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤمنين أن يساعدوا خدمهم فيما يكلفونهم به من أعمال، فلابد أن هذا إنما كان من رحمة الإسلام التي تقتضي عدم التكليف بما فوق الطاقة، ولاشك أنه إذا كان الشرع أمر بإعانة العبد إذا كلفناه فمن باب أولى يحرص على عدم تحميل الأولاد والأطفال فلذات الأكباد ما لا يطيقون ويحض على إعانتهم إذا كلفناهم بشيء.



ولقد كان من رحمة التشريع الإسلامي أيضاً عدم تكليف العباد بما لا يطيقون فقال تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } (115).



ولذا يستطيع القائل أن يقول : إن الإسلام لا يكلف الأطفال ما لا يطيقون، بل لقد رفع التكليف كلية عن الصبي حتى يبلغ.







14. حق الطفل في عدم استغلاله جنسياً:



لقد وقف الإسلام ضد الممارسات الجنسية المنحرفة وقفة صارمة أراد من خلالها أن يحفظ للطفولة كرامتها وبراءتها التي يسلبهما الاستغلال الجنسي الذي لا يدل على أدنى معاني الكرامة الإنسانية لدى المتجرئ عليه، حيث يصبح الطفل بفعل هذا الاستغلال آلةً أو لعبةً يلعب بها أُناس نزعت من قلوبهم الرحمة والعفة والحياء.



والإسلام وقف ضد كل ما يخل بكرامة الإنسان سواءٌ أكان طفلاً أم غيره وقفةً شرع فيها حدود التعدي على الأعراض والتعزيرات في خدش الحياء العام والخاص، فقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }(116).



ولذا عمل الإسلام على حفظ حق الطفل والطفولة ضد كل ما يساعد على الانحرافات الأخلاقية والجنسية، فَمَهَّدَ له طريق العفة والحياء من أول إدراكه لمعنى الحياة، فأمر الوالدين بالتفريق بين الأطفال في المضاجع، وأمر الأطفال بالاستئدان عند إرادة الدخول على الوالدين والأهل لكي يجنب الأطفال مفسدة الاطلاع على العورات في مثل هذه السن المبكرة.



فالإسلام يمنع من ارتكاب الفواحش بعامة ويجرِّم فعلها، ثم يأتي ويزيد الاحتراز في حق الأطفال فيأمرهم بالاستئذان ومفارقة أمثالهم من الأطفال في أماكن النوم.



ولاشك أن الإسلام وهو يحيط الأطفال بهذه الرعاية التامة فإنه يمنع منعاً قطعياً استغلالهم استغلالاً جنسياً أو منحرفاً.



ولقد التقى التشريع الإسلامي في هذا مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وذلك في مادتها رقم(34) التي تنص على منع استغلال الطفل في جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجسمي.







15. حق الطفل في عدم تعذيبه أو حرمانه من حقوقه :



ما قدمناه من حقوق للطفل في أن تكون عقوبته تهذيبية وليست تعذيبية تكشف عن منع الإسلام تعذيب الطفل لأي سبب كان؛ لأن الإسلام إذا كان يمنع تعذيب الطفل باستخدامه وسيلة من وسائل الإرشاد والتهذيب فإنه بهذا يمنع التعذيب بشتى صوره في حق الطفل.



ولقد أعطى الإسلام للطفل حقه في أن يمارس حياته بصورة طبيعية، فلا يمنع من ممارسة اللعب والتحرك بما يتناسب وطفولته التي من أهم سماتها كثرة اللعب والحركة، ومن أعظم ما يكشف رعاية الإسلام لحقيقة الطفل وما يحتاجه من ممارسات ما كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم مع الأطفال، فتارة كان يترك النبي صلى الله عليه و سلم الحسن والحسين يصعدان على ظهره وهو ساجد فلا يقوم من سجوده إلا بعد أن ينزلا من فوق ظهره صلى الله عليه و سلم ، وكيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمح للسيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ باللعب مع صويحباتها بالبنات.



وغير ذلك كثير من ترك النبي صلى الله عليه و سلم الفرصة للأطفال لكي يشبعوا حاجتهم الطبيعية إلى اللعب والنشاط والحركة.



وهذا يعني أن الإسلام لم يحرم الطفل من حقه في التمتع بالمرحلة العمرية التي يحياها بدون أن يحرمه من حقوقه البدنية من اللعب والنشاط والحركة.



ولقد تضمنت المادة(37) من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل النص على عدم حرمان أي طفل من حريته بصورة غير قانونية، وكذلك تضمنت المادة(31) من نفس الاتفاقية النص على حق الطفل في مزاولة الألعاب والأنشطة التي تنسجم مع مرحلته السِنِّيَّة.







16. حق الطفل في تعويده على الشجاعة والحرية في إبداء الرأي :



أشرت من قبل إلى أن الإسلام حرص على تعويد الأطفال مكارم الأخلاق وهنا نشير إلى الأخلاق الاجتماعية التي حرص الإسلام على ترسيخها في نفوس الأطفال. فمن هذه الصفات :



الشجاعة : فقد ربى الإسلام المسلمين بما فيهم الأطفال على الشجاعة وذلك من خلال ترسيخ قاعدة الخوف من الله، فحسب تلك القاعدة التي أرستها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، من هذه قوله تعالى : { وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ }(117)، فلقد تربى أطفال المسلمين على معنى عدم الخوف إلا من الله وكذلك على معنى الجهاد في سبيل الله الذي يبث في نفوس المؤمنين القوة والشجاعة فقد قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ }(118).



ولمَّا ترسخت الشجاعة في نفوس أطفال المسلمين طلبوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يخرجوا في الجهاد في سبيل الله، وهذا ما فعله عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ عندما عرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليخرج معهم في الجهاد في سبيل الله(119).



وكذلك كان أطفال المسلمين يربيهم رسول الله على حرية الرأي ويظهر ذلك عندما يسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن مثل المؤمن في شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء فلا يعرف الصحابة الإجابة، وكان من بينهم ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ فلما انصرفوا قال لأبيه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ :>لقد كنت أعرف يا أبي أنها النخلة ولكني استحييت أن أتكلم<(120).



فالشاهد أن السؤال وجِّه لجميع الصحابة بما فيهم الصغار، مما يكشف عن حرص الإسلام على أن يربي أبناءه على الحرية في إبداء الرأي، وفي ذلك أيضاً حُسْنُ أدب ابن عمر وتوقيره لأكابر الصحابة الحاضرين.



كما ربى الإسلام أطفال المسلمين على احترام الكبار كما ذكرنا من قبل في حديث : >ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا<.



وبالجملة فقد حرص الإسلام على تنشئة أطفال المسلمين على مكارم الأخلاق ومعاليها وذلك انطلاقاً من قوله صلى الله عليه و سلم : >إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً<(121).







الخاتمة



وهكذا يتبين مما سبق المنزلة الرفيعة التي حظيت بها مرحلة الطفولة في التشريع الإسلامي، بحيث تعلقت بها أحكام كثيرة، ونيطت رعايتها بكل من الوالدين وذوي القربى وكلِّ المجتمع ، وقد تأكد ذلك كله من خلال آيات القرآن المجيد وأحاديث الهادي البشير ـ صلوات الله عليه ـ ، التي تؤسس لكل هذا وتضع له المعالم البارزة والقواعد التي يقاس عليها.



وقد تبين كذلك من خلال التفصيل السابق أن ما جاءت به الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل (الصادرة عن الأمم المتحدة في نيويورك سنة 1990) لا يخرج في كلياته ولا جزئياته عما قرره الإسلام للطفل من حقوق (قبل أربعة عشر قرناً من الزمان)، مع امتياز ما قرره الإسلام للطفل من حيث مراعاته المحافظة على منظومة القيم الدينية والأخلاقية كلها. ففي شرع الله لا يجوز حق طائفة من المجتمع على حق طائفة أخرى، ولا تتعارض المصالح، بل ينسجم الكل في إطار العبودية الحقة لله ــ تعالى ــ والتزام شرعه الحكيم.



وإذا كان من توصية يمكن أن نخرج بها من هذا العرض المختصر ــ نظراً لضيق المساحة والوقت ــ، فهي أن نكرر أهمية تأصيل هذه المعاني الحقوقية في التشريع الإسلامي، وزيادة التوعية والتنويه بها بكل الطرق الممكنة (لاسيما عبر وسائل الإعلام المختلفة وشبكة المعلومات الدولية >الإنترنيت<)، وذلك في سياق تعريف العالم أجمع بحقيقة الإسلام وقيمه الحضارية ونسقه الرباني الفريد... فذلك خير وأجدى من الصراخ ــ كلَّ حين ــ بأن الإسلام متهمٌ بكذا وكذا ظلماً وبهتاناً، فالحقائق هي خير برهان وجواب على ما يروجه أعداء الإسلام الذين يكتمون الحق وهم يعلمون.



وغنيٌّ عن القول أن نوصي بأن نكون ــ نحن المسلمين، في مجتمعاتنا وبيوتنا ــ مثالاً مشرِّفاً لقيم الإسلام النبيلة وحضارته الفريدة، بالتزامنا بما نؤمن به من الشرع الشريف، وما ندعو إليه من القيم الحضارية النبيلة، وذلك حتى لا نقع تحت طائلة هذه الآية الشريفة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ! كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ }(122) ...فلن تتحسن صورتنا لا في الغرب ولا في الشرق حــتى نتحسـن نحـن فـي أنفسـنا أولاً : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }(123)، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



والحمد بالله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.









--------------------------------------------------------------------------------



(*) أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد، رئيس قسم الدراسات الإسلامية. جامعة الملك عبد العزيز ـ المملكة العربية السعودية.



(1) أخرجه البخاري 1292، ومسلم 2658.



(2) سورة البقرة، الآية 185.



(3) سورة التكوير، الآيتان 9-8.



(4) مجد الدين أبوالفتح محمد بن محمود الأسروشيني الحنفي م. (632) تقريباً.



(5) سورة البقرة، الآية 233.



(6)سورة البقرة، الآية 233.



(7) مثل باب رحمة الأولاد وملاطفتهم ومعانقتهم من صحيح البخاري في كتاب الأدب.



(8) صحيح البخاري (كتاب الأدب ــ باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ـ ح 5997).



(9) سورة النساء، الآية 11.



(10) سورة العلق، الآيات 5-1.



(11) أخرجه مسلم، 537.



(12) أخرجه البخاري، 5376، مسلم 2022.



(13) صحيح البخاري، (كتاب الأدب باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ـ ح 5995).



(14) أخرجه البخاري، 5304، مسلم 2983.



(15) سورة النور، الآية 58.



(16) سورة التحريم، من الآية 6 .



(17) أخرجه البخاري، 893، مسلم 5990.



(18) أنظر : حقوق الطفل بين المنظور الإسلامي والمواثيق الدولية، ص 89، مكتبة الأنجلو سنة 1998م.



(19) أخرجه البخاري، 5090، مسلم 1466.



(20) أخرجه الترمذي، 1085، وابن ماجه 1967.



(21) أخرجه الترمذي، 1087، والنسائي، 3235، وحسنه الترمذي.



(22) أخرجه أبو داود، 1664.



(23) سورة البقرة، من الآية 228.



(24) خرجه البخاري، 6035، مسلم 2321.



(25) حقوق الطفل بين المنظور الإسلامي والمواثيق الدولية، ص 91.



(26) تفسير القرطبي، 133/7. سورة الأنعام، من الآية 151.



(27)حاشية ابن عابدين، 329/5، 319.



(28) القوانين الفقهية لابن جزي، ص 212.



(29) نهاية المحتاج، 416/8.



(30) المحلى لابن حزم، 38/11م، 2124، 2125.



(31) صحيح البخاري (كتاب الديات ــ باب جنين المرأة ـ ح 6909).



(32) أخرجه البخاري، 6910، مسلم 1681.



(33) أخرجه مسلم، 3185.



(34) أخرجه مسلم 1695.



(35) أنظر حاشية ابن عابدين، 116/2، المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير 78/3.



(36) أخرجه الترمذي، 3895، وابن ماجه، 1977، وحسنه الترمذي.



(37) أخرجه البخاري، 6161، ومسلم 2323 .



(38) سورة النساء، الآىة 19.



(39) المواريث في الشريعة الإسلامية، لمحمد بشير المفشي، ص 185.



(40) انظر : حقوق الطفل بين المنظور الإسلامي، ص 91.



(41) سورة التكوير، الآيتان 9-8.



(42) سورة الأنعام، من الآية 151.



(43) سورة الإسراء، من الآية 31



(44) أنظر زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (130/3).



(45) سورة الأنعام، من الآية 140.



(46) أخرجه أبو داود رقم برقم (4948)، وابن حبان برقم (5818).



(47) أخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) (400/6).



(48) أخرجه مسلم (2139)، وأبو داود (4952).



(49) أخرجه مسلم (2139)، وأبو داود (4952)، والترمذي (2838).



(50) أنظر: حقوق الطفل، ص91.



(51) أخرجه البيهقي (301/9).



(52) أخرجه الترمذي (1514). وقال : حديث حسن صحيح.



(53) سورة البقرة، من الآية 233.



(54) سبق تخريجه.



(55) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9715.



(56) سورة الطلاق، من الآية 6.



(57) انظر حقوق الطفل، ص 98.



(58) سورة التحريم، من الآية 6.



(59) تفسير القرطبي، 195/18 - 196.



(60) تفسير القرطبي، 196/18.



(61) رواه البيهقي في شعب الإيمان، 8658 بسند حسن.



(62) أخرجه البخاري 4904 ومسلم 1085.



(63) سورة آل عمران، من الآية 18



(64) أخرجه مسلم 48، وابن ماجه 225.



(65) حلية الأولياء، 184/1.



(66) أخرجه أبو داود، 1453، وأحمد 440/3.



(67) سورة التحريم، من الآية 6.



(68) أخرجه الترمذي، 1953.



(69) مصنف ابن أبي شيبة، 131/6.



(70) أخرجه البخاري، 1414، ومسلم 1069.



(71) أخرجه البخاري 1292، ومسلم 2658.



(72) أخرجه الترمذي، 2516، وأحمد، 2664.



(73) سورة النور، الآية 58.



(74) أخرجه البخاري، 1292، ومسلم 2658.



(75) الثمر الداني، شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ص 8.



(76) سورة النور، من الآية 58.



(77) أخرجه أبو داود، 495، وأحمد، 6717.



(78) منهج التربية الإسلامية للطفل، ص 105، نقلاً عن كتاب سياسة الأولاد.



(79) أخرجه الحاكم، 301/2، وقال على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.



(80) سورة البقرة، من الآية 233.



(81) أخرجه مسلم، 1728، وأبو داود 1663.



(82) أخرجه أبوداود (1641)، وابن ماجه (2198)، وأحمد (11721).



(83) التخريج السابق.



(84) سورة الشرح، الآيتان 8-7.



(85) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (349/7).



(86) سورة الزخرف، الآية 67.



(87) سورة الفرقان، الآيات 29-27.



(88) سورة ق، الآية 27.



(89) رواه البخاري (5534) ومسلم (2628).



(90) سورة البقرة، الآية 233.



(91) أخرجه مسلم (996) وأبو داود (1692).



(92) أخرجه الترمذي (1885).



(93) أخرجه البخاري (5630)، ومسلم (267).



(94) رواه مسلم (2026).



(95) رواه البخاري كتاب الطب، باب الجذام.



(96) أخرجه البخاري (5771) ومسلم (2221).



(97) أخرجه مسلم (2204) وأحمد (14187).



(98) أخرجه الترمذي (2038)، وقال حسن صحيح.



(99) سورة الأنفال، الآية 60.



(100) أخرجه مسلم (2664).



(101) أخرجه البخاري (3373).



(102) سورة الأنفال، الآية 60.



(103) أخرجه مسلم (1917)، والترمذي (3083).



(104) الترمذي (1821)، وقال >حديث صحيح<.



(105) أخرجه البخاري (5998).



(106) سبق تخرويجه.



(107) أخرجه مسلم (1659).



(108) أخرجه مسلم (2612).



(109) أخرجه مسلم (2594)، وأبو داود (4808).



(110) أخرجه البخاري (3038)، ومسلم (1733).



(111) أنظر: تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، ص 564.



(112) سبق تخريجه.



(113) أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1218).



(114) سورة الضحى، الآية 9.



(115) سورة البقرة، الآية 286.



(116) سورة الأعراف، الآية 33.



(117) سورة المائدة، من الآية 54.



(118) سورة الصف، الآية 4.



(119) أخرجه البخاري (4097)، ومسلم (1361).



(120) أخرجه البخاري (61).



(121) أخرجه البخاري (6035)، ومسلم (2321).



(122) سورة الصف، الآيتان 3-2.



(123) سورة الرعد، الآية 11.









--------------------------------------------------------------------------------



قائمة المراجع







1. الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني



ـ لابن أبي زيد القيرواني



2. الجامع لأحكام الصغار



ـ للإمام مجد الدين بن محمود الأسروشيني الحنفي



3. الجامع لأحكام القرآن



ـ للغمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي



4. القوانين الفقهية



ـ لابن جزي



5. المحلى



ـ لابن حزم، أبي محمد علي بن حزم الأندلسي



6. المستدرك على الصحيحين



ـ للإمام الحافظ ابن عبد الله الحاكم النيسابوري



7. المغني



ـ للإمام أبي محمد عبد الله بن قدامه



8. المواريث في الشريعة الإسلامية



ـ لمحمد بشير المغشي



9. تحفة المودود في أحكام المولود



ـ للإمام إبن القيم الجوزية



10. تربية الأولاد في الإسلام



ـ للشيخ عبد الله ناصح علوان



11. حاشية ابن عابدين



ـ للإمام الشيخ ابن عابدين



12. حقوق الطفل بين المنظور الإسلامي والمواثيق الدولية.



ـ أ.د. هدى محمد قناوي، د. محمد محمد علي قريشي



13. حلية الأولياء



ـ للحافظ أبي نعيم أحمد عبد الله الأصبهاني



14. زاد المسير في علم التفسير



ـ للإمام أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجوزي



15. سنن أبي داود



ـ للإمام الحافظ أبو داود سليمان السجستاني



16. سنن ابن ماجه



ـ للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني



17. سنن البهيقي



ـ الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البهيقي



18. سنن الترمذي



ـ لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي



19. فتح الباري بشرح صحيح البخاري



ـ للحافظ شهاب الدين أبي الفضل العقسلاني



20. صحيح مسلم



ـ للإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري



21. مسند الإمام أحمد بن حنبل



ـ للإمام أحمد بن حنبل



22. مصنف ابن أبي شيبه



ـ للإمام الحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد أبي شيبه



23. مصنف عبد الرزاق



ـ للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني.



24. نهاية المحتاج



ـ لشمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي.

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات





حقوق الاطفال العاملين وحمايتهم



اهتمت المؤسسات الدولية بحقوق الاطفال العاملون المحرومون من الحماية بسبب عملهم واصدرت العديد من الاتفاقيات الدولية لحماية حقوقهم وكانت اتفاقية حقوق الطفل من اهم هذه الاتفاقيات والتى استندت الى وجوب شمول حمايتهم بشكل متكامل ، والزمت الحكومات بأن توفر لضمان نموهم وازدهارهم البيئة الامنة والمناخ الصحى الملائم للرعاية المتكاملةة ، وتدعو اتفاقية حقوق الطفل الى منهج شامل لتلبية الحقوق الاساسية للاطفال، من تعليم وصحة وحماية شاملة . ويعكس التصديق شبه الاجماعى على اتفاقية حقوق الطفل، الالتزام العالمى بحماية حقوق الاطفال ، الا ان الواقع الفعلى بالبلدان المختلفة يعكس بشكل متواصل انتهاكات مختلفة لحقوق الطفل .

وتتضمن اتفاقية حقوق الطفل حماية حقوق الطفل فى الراحة ووقت الفراغ واللعب ،والمشاركة الكاملة فى الحياة الثقافية والفنية ،وبينت الاتفاقية دور الحكومة فى توفير المناخ المناسب لنمو الطفل جسدياً وعقلياً وعاطفياً ومعرفياً واجتماعياً وثقافياً ،وحمايته من مختلف اشكال الاستغلال بما فى ذلك الاعمال الخطرة الضارة بصحته أو بنموه البدنى أو العقلى أو الروحى أو المعنوى أو الاجتماعى أو لحقوقه فى التعليم .

ورغم ذلك فان هناك اكثر من 250 مليون طفل يعملون فى ارجاء العالم المختلفة ،محرومين من التعليم المناسب والصحة الجيدة والحريات الاساسية ، ويدفع كل طفل من هؤلاء ثمناً فادحاً من تطوره وحياته كما ان هذه البلدان تفقد قوة شبابها وقدراتها على النمو والتطوير بعمل هؤلاء الاطفال .

وعلى جانب اخر لا يوجد أى تبريرات مقبولة لعمل الاطفال واذا كان الفقر هو الذى يدفع بعض الاسر للزج بأبنائهم الى ساحة العمل فمعنى ذلك ان الانسانية ستعانى كثيراً ولسنوات طويلة من هذا التدهور الذى يعيق نمو الاطفال حيث يبلغ عدد الاطفال الذين يعملون حوالى 250 مليون طفل ويؤدى 126 مليون منهم اعمالاً خطرة .

وقد اصدرت منظمة العمل الدولية العديد من الاتفاقيات (16 اتفاقية و4 توصيات) والزمت جميعها الحكومات بضرورة تطبيق السياسات المتعلقة بحماية حقوق الاطفال وكان اخر واهم هذه الاتفاقيات الاتفاقية رقم 182 لسنة 1999 بشأن حظر أسوء اشكال عمل الاطفال ،وتلتزم الدول بموجبها باتخاذ الاجراءات الفورية والفعالة لضمان حظر أسوأ صور عمل الاطفال والقضاء عليها على وجه السرعة .

ويهدف معيار " أسوأ أشكال عمل لاطفال " الى حظر أسوأ اشكال عمل الاطفال والقضاء عليها، مع الاخذ فى الحسبان اهمية التعليم الاساسى المجانى والحاجة الى انتشال الاطفال من جميع اشكال هذه الاعمال مع تأمين ما يلزم لاعادة تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع (الاتفاقية رقم 182)

وقد حددت الاتفاقية المذكورة أسوأ صور عمل الاطفال ، فى المادة(3) منها ، على ما يلى :

- كافة اشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق، كبيع الاطفال والاتجار بهم وعبودية الدين والقنانة والعمل القسرى أو الاجبارى للاطفال لاستخدامهم فى النزاعات المسلحة . .واستخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لاغراض الدعارة، او لانتاج اعمال اباحية أو اداء عروض اباحية.

- استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لمزاولة انشطة غير مشروعة، وترويج انتاج المخدرات بالشكل الذى حدد فى المعاهدات الدولية ذات الصلة او الاتجار بها .

- الاعمال التى يرجح ان تؤدى بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التى تزاول فيها الاضرار بصحة الاطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الاخلاقى .

وتلزم الاتفاقية الدول تنفيذ تدابير محددة بجدول زمنى للقضاء على أسوأ اشكال عمل الاطفال . وتجمع البرامج والتدابير المطلوبة بين تدخلات تتصل بالسياسة العامة وتهدف الى تهيئة بيئة صحية امنة لنمو الاطفال تساعد وتفضى على عمل الاطفال، وبين انشطة قاعدية موجهة الى الخدمات الاقتصادية والاجتماعية ،كما تركز على بناء تحالفات وتعاون على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية لدعم الدعوة والسياسة العامة وتطوير البرامج وتنفيذها ورصدها وتقيمها للقضاء على عمل الاطفال .



اوضاع الاطفال العاملين فى مصر

ينظم قانون العمل (رقم 12 لسنة 2003) تشغيل الاطفال العاملين ويحظر القانون عمل الاطفال تحت سن الرابعة عشرة، غير ان القانون سمح للمحافظين بتشغيل الاطفال بين الثانية عشرة والرابعة عشرة فى اعمال موسمية خاصة فى قطاع الزراعة وينص القانون على ان ساعات عمل الاطفال من سن الرابعة عشرة فأكثر لا ينبغى أن تزيد عن ست ساعات يومياً ، مع وجود ساعة على الاقل للراحة .ويمنع القانون عمل الاطفال اقل من 17 عام فى الاعمال الخطرة التى ورد ذكرها فى اللائحة التنفيذية مثل العمل بالمناجم أو فى باطن الارض .

غير ان الدراسات والواقع الفعلى يظهر ان قانون العمل لا يتم تطبيقه حيث تبين ان الاطفال يعملون فى اليوم أكثر من ثمانى ساعات كما انهم يعملون بدون عقود عمل أو تأمين اجتماعى أو صحى ويعملون فى اوضاع خطرة وفى ظل ظروف تشغيل سيئة خاصة العاملين منهم فى قطاع الزراعة .

والشئ المؤسف ان هؤلاء الاطفال قد تم استبعادهم من الحماية القانونية حيث ذكرت المادة 103 من قانون العمل باستثناء الاطفال العاملين فى قطاع الزراعة من تطبيق القانون مما يعرضهم للاساءة والاستغلال والحرمان .

وفى مصر تتباين تقديرات عمالة الاطفال بشكل كبير وقد عبرت اللجنة الدولية لحقوق الطفل خلال مراجعتها للتقرير الدورى الثانى الذى اعدته مصر عن حالة الاطفال (1997) عن قلقها بشأن غياب البيانات الموثق بها . وفى عام 2001 اجرى الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء مسحاً قومياً فى المناطق الحضرية والريفية . وتم تقدير عدد الاطفال العاملين بين السادسة والرابعة عشر بحوالى 2.786.000 وهو ما يمثل 20% من اجمالى الاطفال فى هذه المرحلة العمرية وكانت الاغلبية الكبرى منهم فى الريف بنسبة 83% ، كما اظهر توزيع الاطفال حسب النوع ان 73.6% منهم ذكوراً و26.4% اناثاً .

ومع كل ذلك فقد حرص قانون العمل المصرى على بعض الضمانات لعمل الاطفال ومنها:

- يطبق تعريف الطفل العامل على كل من بلغ الرابعة عشر سنة أو تجاوز سن اتمام التعليم الاساسى ولم يبلغ ثمانى عشر سنة كاملة ( مادة 98) .

- يلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلاً دون سن السادسة عشر سنة بمنحة بطاقة تثبت انه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب العمل المختص ( مادة 98)

- يحظر تشغيل الاطفال دون بلوغهم التعليم الاساسى ،أو 14 سنة ايهما اكبر . ويجوز تدريبهم متى بلغت سنهم 12 سنة (المادة 99)

- يحظر تشغيل الاطفال فى الاعمال والمهن والصناعات الخطرة والتى وردت فى اللائحة التنفيذية والقرارات الوزارية (مادة 100)

- لا يجوز تشغيل الطفل اكثر من 6 ساعات فى اليوم ، ويجب ان تتخلل ساعات العمل فترة راحة أو اكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل فى مجموعها عن ساعة واحدة بحيث لا يشتغل الطفل اكثر من 4 ساعات متصلة (مادة 101)

- يحظر تشغيل الاطفال فيما بين الساعة السابعة مساءاً والسابعة صباحاً فى جميع الاحوال (مادة 101)

- يحظر تشغيل الاطفال ساعات عمل اضافية ، او تشغيلهم ايام الراحة الاسبوعية أو الاجازات الرسمية (مادة 101).

- لا يجوز تشغيل الاطفال الذين يقل سنهم عن 18 سنة فى أى نوع من انواع العمل التى يحتمل ان يعرض للخطر صحة أو سلامة أو اخلاق الاطفال بسبب طبيعة العمل أو الظروف التى تؤدى فيها، ومنها 44 حرفة لا يجوز لمن هم دون هذه السن ان يستخدموا فيها (المادة الاولى من القرار 118 لسنة 2003) ومنها العمل فى المناجم والمحاجر وجميع الاعمال المتعلقة باستخراج المعادن أو الاحجار وحمل الاثقال أو جرها أو دفعها اذا زاد وزنها.

- لا يجوز تشغيل الاطفال الذين تقل سنهم عن 16 سنة فى أية اعمال أو حرف أو صناعات تعرضهم للاستغلال البدنى او النفسى أو الجنسى أو استخدامهم لمزاولة انشطة غير مشروعة .(المادة الثانية من القرار رقم 118 لسنة 2003).

- على صاحب العمل الذى يستخدم اطفالاً اجراء الفحص الطبى الابتدائى عليهم قبل التحاقهم بالعمل للتأكد من سلامتهم ولياقتهم الصحية للعمل الذى يسند اليهم ، ويجرى هذا الفحص بمعرفة الهيئة العامة للتأمين الصحى وعلى نفقة صاحب العمل .(المادة الثالثة من القرار 118 لسنة 2003 ).

- يجب على صاحب العمل الذى يستخدم اطفالاً ان يتخذ ما يلزم لتوقيع الكشف الطبى الدورى عليهم مرة كل عام على الاقل بمعرفة الهيئة العامة للتأمين الصحى ،وكذلك عند انتهاء خدمته ،وذلك للتأكد من خلوهم من الامراض المهنية أو اصابات العمل والمحافظة على لياقتهم الصحية بصفة مستمرة ،وفى جميع الاحوال يجب عمل بطاقة صحية لكل طفل تثبت فيها نتائج الكشف الطبى (المادة الثالثة من القرار 118 لسنة 2003 )



كيف يمكن القضاء على عمالة الاطفال؟

يؤدى عمل الاطفال لأضرار جسدية ونفسية تدوم لمدى الحياة بالنسبة للطفل والمجتمع ، ويجب ان تتزايد اهتماماتنا بمحاولة وقف عمل الاطفال بتوفير البدائل التى تضمن تمتع البنات والاولاد بالصحة والتعليم واللعب واللهو، واتاحة الفرصة لعائليهم للحصول على دخول مناسبة والتمتع بالامن الاقتصادى والاجتماعى والثقافى .

ولابد من تعديل السياسات لتوفير هذه البدائل سواء على المستوي الدولي أو المحلى ولن يتم ذلك الا بتوفير فرص العمل اللائقة والحياة الانسانية الكريمة لأهالي الاطفال لتمكينهم من تعليم ابنائهم والنهوض بمستواهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافى وتحتاج هذه البدائل الى اعادة التوزيع العادل للثروة بين الريف والحضر والعاملين باجر واصحاب الاعمال والمزارع الكبيرة لكفالة التوازن والامان الاجتماعى لكل المصريين.

وفى هذا الاطار يجب معالجة القصور التشريعي في بعض القوانين المصرية والتي بموجبها لا يكفل للطفل العامل الاشتراك في نقابة مهنية تدافع عنه او تستثنيه من الرعاية الصحية والاجتماعية او تحرمه من الحماية القانونية .

ويجب على وزارة التربية والتعليم وضع برامج لاستيعاب الأطفال غير الملتحقين بالمدارس فى كل مجتمع محلى بمدارسها وإزالة الأسباب التي أدت لعزوفهم عن التعليم لدمجهم مرة اخري ضمن عملية التعليم .

ويجب قيام وزارة القوي العاملة إلزام مفتشي العمل والسلامة والصحة المهنية القيام بعملهم ، والتفتيش الدورى المستمر على كافة المنشآت والشركات والمزارع التى تقوم بأستخدام الأطفال لتطبيق نصوص قانون العمل .

ويجب قيام وزارة التضامن الاجتماعي بكفالة الاسر المتوفى عائلها وذات الدخول المنخفضة خاصة الذين يعولون اطفالاً بضمان توفير مبلغ لا يقل عن 1000 جنيه شهرياً حتى لا يضطروا لتشغيل اطفالهم وتمكينهم من تعليمهم .

وهناك ضرورة بتنسيق جهود منظمات المجتمع المدنى فى مصر لخلق وابتكار بدائل وسياسات وأطر وفعاليات تضمن القضاء على عمل الاطفال وتكفل لهم حقوقهم فى الحياة والامان والنمو الصحى لضمان مستقبل أكثر عدلاً وانسانية لكل البشر .











مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
الفصل الأول: الإيجابيات الواردة بالاتفاقيات الدولية المعنية بالطفل مع التقويم.








الرعاية الأولية للطفل



أحسنت الاتفاقيات الدولية صنعًا حين التفتت إلى رعاية الطفل والاهتمام به حينما كفلت حقه في الاسم، والنسب، والجنسية، والرضاعة وحين أولت بدء وجود الطفل اهتمامها ورعايتها.



نصت الاتفاقيات الدولية على وجوب أن يكون للطفل اسم يختص به ويميزه عن غيره، فقد ورد في المادة السابعة من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل (يسجل الطفل بعد ولادته فورًا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم).



كما أقرت الاتفاقيات الدولية بحق الطفل في النسب لوالديه طالما عُرفا، وثبتت نسبه إليهما، فقد وردت المادة السابعة من اتفاقية حقوق الطفل بند (1) (يسجل الطفل بعد ولادته فورًا، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم، والحق في اكتساب جنسية، ويكون له الحق قدر الإمكان في معرفة والديه وتلقي رعايتهما)[1].



الرعاية الصحية للطفل



أفردت الاتفاقيات الدولية فصولاً كاملة وموادًا مستقلة للعناية بصحة الطفل وحث القائمين على شئونه بالاهتمام بهذا الجانب، ففي الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل تكفلت المادة الرابعة والعشرون منها برعاية الجانب الصحي للطفل.



"1- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها؛ لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.



2- تتابع الدول الأطراف إعمال هذا الحق كاملاً وتتخذ بوجه خاص التدابير المناسبة من أجل:



أ- خفض وفيات الرضع والأطفال.



ب- كفالة توفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال مع التشديد على تطوير الرعاية الصحية الأولية عن طريق أمور منها تطبيق التكنولوجيا المتاحة بسهولة ما، وعن طريق توفير الأغذية الكافية، ومياه الشرب النقية.



ج- كفالة الرعاية الصحية المناسبة للأمهات قبل الولادة وبعدها.



د- كفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع، ولا سيما الوالدين والطفل بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل وتغذيته ومزايا الرضاعة الطبيعية ومبادئ حفظ الصحة والإصحاح والبيئي والوقاية من الحوادث وحصول هذه القطاعات على تعليم في هذه المجالات ومساعدتها في الاستفادة من هذه المعلومات..



هـ- تطوير الرعاية الصحية الوقائية والإرشادية المقدمة للوالدين والتعليم والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة.



3- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الفعالة والملائمة؛ بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضر بصحة الأطفال.



4- تتعهد الدول الأطراف بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي؛ من أجل التوصل بشكل تدريجي إلى الإعمال الكامل للحق المعترف به في هذه المادة.[2]



الرعاية التعليمية والتثقيفية للطفل



تضمنت الرعاية التعليمية والتثقيفية للطفل من خلال الاتفاقيات الدولية كثيرًا من الإيجابيات التي تحث على الاهتمام بالتعليم بجميع أنواعه، وفي جميع المراحل العمرية للطفل ومحاولة الارتقاء به وتطويره بما يخدم الإنسان ويدفع بها إلى التقدم.



الاهتمام بالجانب التعليمى:



نجد في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1989 مادتان متتاليتان، الأولى تحث الدول على الاهتمام بالتعليم والثانية تبين الهدف من تعليم الطفل؛ حيث نصت المادة التاسعة والعشرون على:



" 1- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقًا للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيًّا، وعلى أساس تكافؤ الفرص تقوم بوجه خاص بما يلي:



-جعل التعليم الابتدائي إلزاميًّا ومتاحًا مجانًا للجميع.



-تشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني، وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال، واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة إليها.



-جعل التعليم العالي بشتى الوسائل المناسبة متاحًا للجميع على أساس القدرات.



-جعل المعلومات والمبادئ الإرشادية التربوية والمهنية متوفرة لجميع الأطفال وفي متناولهم.



-اتخاذ التدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة.



-تتخذ الدول الأطراف كافة التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتمشى مع كرامة الطفل الإنسانية، ويتوافق مع هذه الاتفاقية.



2-تقوم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي في الأمور المتعلقة بالتعليم وبخاصة بهدف الإسهام في القضاء على الجهل والأمية في جميع أنحاء العالم، وتيسير الوصول إلى المعرفة العلمية والتقنية، وفي وسائل التعليم الحديثة، وتراعى بصفة خاصة احتياجات البلدان النانمية في هذا الصدد.



3-وثيقة (عالم جدير بالأطفال) فقد تضمنت فصلاً مطولاً عن التعليم، اشتمل على ثلاث مواد تحتها بنود كثيرة تبين أهمية التعليم وحث الدول على توفير التعليم للأطفال بدون مقابل مادي، وتدفعهم للقضاء على ظاهرة التسرب من الدراسة، وتلزمهم بإتاحة التعليم للفتيات كالفتيان، وتشجيع على إيلاء اهتمام خاص بتعليم الأطفال المعاقين.



وآخر الوثائق الدولية صدورًا وهي وثيقة "القضاء على كافة أشكال التمييز ضد الطفلة الأنثى" في المادة 14.2.a "طالبت الوثيقة بتكثيف جهود الحكومات للوصول للمستهدف في التعليم الابتدائي والثانوي بأقرب وقت ممكن وفي كل مراحل التعليم بحلول عام 2015" [3]



حرية التعبير والمشاركة وإبداء الرأي:



لن تكون هناك قيمة لحياة الطفل إن لم يربي على المشاركة والإيجابية والتفاعل وإبداء الرأي.



وهذا المعنى حرصت عليه الاتفاقيات الدولية وهو حرص جيد، إلا أنها أفرطت في منحه للطفل فوقعت في سلبية خطيرة وهي انفلات الحرية وتجاوزها الحد إلى ما فيه ضرر على الطفل والمجتمع وسوف نوضح هذا عند تقويم الرعاية التعليمية والتثقيفية المقدمة للطفل من خلال الاتفاقيات الدولية، أما الآن فسوف نعرض نصوص هذه الاتفاقيات التي توضح الاهتمام الملحوظ الذي تبديه الهيئة الدولية للأطفال فيما يتعلق بحرية إبداء الرأي وحرية التعبير والمشاركة.



-في المادة الثانية عشرة من اتفاقية حقوق الطفل ونصها : (1- تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقًا لسن الطفل ونضجه.



-في المادة الخامسة عشرة من نفس الاتفاقية السابقة ونصها: (1- تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات، وفي حرية الاجتماع السلمي.



- لا يجوز ممارسة هذه الحقوق بأية قيودة غير القيود المفروضة طبقًا للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم).



وما ورد في المبادئ والأهداف للوثيقة الأخيرة للطفل (عالم جدير بالأطفال) المبدأ التاسع من المادة السابعة ونصه : (الإنصات إلى الأطفال وكفالة مشاركتهم. الأطفال والمراهقون مواطنون أذكياء قادرون على المساعدة في بناء مستقبل أفضل للجميع، ويجب علينا أن نحترم حقهم في التعبير عن أنفسهم، وفي المشاركة في كل المسائل التي تمسهم حسب أعمارهم، ومدى نضجهم).



تقويم الرعاية الأولية للطفل في المواثيق الدولية



تعتبر الأم أعظم الأشخاص أثرًا في الطفل، ومع هذا لا نجد أي ذكر للأمومة في المواثيق الدولية المعنية بالطفل السابقة للمواثيق – محل الدراسة – حيث لم يرد أي ذكر للأمومة في إعلان جنيف سنة 1924 لحقوق الطفل، وكذلك في إعلان الطفل عام 1959م.



أما في اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989، فلم توجد أي مواد تنص على مكانة الأم ورعايتها، سوى بند صغير فيما لا يتعدى سطرًا واحدًا من بنود المادة الرابعة والعشرين من الاتفاقية ونصه.( كفالة الرعاية الصحية المناسبة للأمهات قبل الولادة وبعدها) "وهذا البند كما هو واضح من صياغته ينص صراحة على رعاية الأم في حالة واحدة فقط، وهي حملها وولادتها حتى دون الدخول في تفصيل هذه الرعاية وما يلزم لتحقيقها.



كما نلاحظ أن المواثيق الدولية المعنية بالطفل تبيح التبني كرعاية بديلة عن الرعاية الأسرية وتسوى بين نظام التبني وغيره من الأنظمة الأخرى للرعاية البديلة عن الرعاية الأسرية، بل إنها تفرد له مادة مستقلة وكأنها بذلك تفضله على غيره من أوجه الرعاية.



فقد ورد في المادة العشرين من اتفاقية حقوق الطفل ما يلي:



"1- للطفل المحروم بصفة مؤقته أو دائمة من بيئته العائلية، أو الذي لا يسمح له حفاظًا على مصالحه الفضلى بالبقاء في تلك البيئة الحق في حماية ومساحة خاصتين توفرهما الدولة.



2- تضمن الدول الأطراف وفقًا لقوانينها الوطنية رعاية بديلة لمثل هذا الطفل.



3- يمكن أن تشمل هذه الرعاية جملة أمور: الحضانة أو الكفالة أو التبني، أو عند الضرورة الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال" [4]



والمبرر الظاهري من هذا التبني هو تقديم الرعاية الكاملة لهؤلاء الأطفال؛ وذلك بالحاقهم بأسرة جديدة إلحاقًا تامًا كالأولاد الأصليين.



وهنا نلمس تناقضًا صارخًا بين المواثيق الدولية وخصوصياتنا الحضارية حيث لم تكتف هذه المواثيق بالاعتراف بوجود أشكال متعددة للأسرة[5] بل أنها ساوت الأسرة بغيرها من أشكال الرعاية الأخرى كرعاية المجتمع أو الدولة من خلال المحاضن، أو الملاجئ أو مؤسسات رعاية الأطفال



تقويم الرعاية الصحية للطفل في المواثيق الدولية



نلاحظ أن هذه المواثيق أغفلت أهم حق للطفل وهو حقه في الحياة، فما نادت به هذه المواثيق من تقديم خدمات الصحة الإنجابية للأطفال بتسهيل وسائل منع الحمل وإباحة الإجهاض يحوي تناقضًا صارخًا مع حق الطفل في الحياة، فضلاً عن التركيز الصارخ على هذا الجانب الصحي فقط، وتجاهل المشاكل الصحية الأخرى أو تهميشها على أحسن تقدير لصالح الجانب الجنسي.



وتتعمد الوثائق الدولية استخدام مصطلحات تحمل أكثر من معنى كي تتقبلها الحكومات والشعوب دون غضاضة، ولكن بقراءة التحفظات والبيانات التفسيرية الواردة من الوفود يتم التعرف على المعنى الحقيقي لهذه المصطلحات، مثال ذلك البيان المكتوب التالي الوارد من ممثلة الكيان الصهيونى بشأن إعلان ومنهاج عمل بيجين:



"إن إسرائيل كانت تفضل أن ترد إشارة صريحة إلى الحواجز المعينة التي تواجهها النساء بسبب توجههن الجنسي. غير أننا على ضوء التفسير الذي قدمته عدة جهات، من بينها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، "الأوضاع الأخرى"، تفسر عبارة "الأوضاع الأخرى" على أنها تشمل التوجه الجنسي."[6]



وفى المقابل كانت هناك مواقف مشرفة ووضحت معنى المصطلحات من خلال وفود مثل ممثلة الأرجنتين، الجمهورية الدومينيكية ،الكرسي الرسولي ،إيران وقد أورد وفد مصر تحفظه التالى "إن وفد مصريسجل أن فهمه للنصوص الواردة في منهاج عمل المؤتمر العالمي الرابع بالمرأة حول العلاقات الجنسية والإنجابية ينصرف إلى أن هذه العلاقات تتم في إطار رابطة الزوجية "[7]



ويتضح التركيز الشديد على الجانب الجنسى في الوثيقة التي تمت مناقشتها من خلال لجنة مركز المرأة شهر فبراير عام 2007 تحت عنوان "إلغاء كافة أشكال التمييز ضد الطفله الأنثى" مثلما ورد في المادة (أ.4. 14) "ضرورة اهتمام خاص بالاحتياجات الخاصة للمراهقين، ومن ضمنها رفع الوعي حول مشاكل الصحة الإنجابية والجنسية، والمساواة بينها وبين مشاكل التغذية واعتبار هذا من الأمور الأساسية لصحة الفتيات، وتأمين رعاية ما قبل الحمل وبعد الحمل بشكل كافي.



- ضمان الوصول وإتاحة معلومات وتعليم متكاملة، وكذلك استشارات تتسم بالسرية للفتيات والصبية ومن ضمنها المناهج الدراسية بحيث تحتوي على معلومات عن العلاقات بين البشر والصحة الجنسية والإنجابية والأمراض التناسلية ومن ضمنها الإيدز وكيفية الوقاية من الحمل المبكر.



وفى المادة (أ.5. 14) "ضمان أن كل السياسات والبرامج الموجهة للوقاية وعلاج والعناية والدعم لمرضى الإيدز تولى اهتمامًا خاصًا ودعمًا للطفلة الأنثى المعرضة للمرض أو المصابة، أو المتأثر به ومن ضمنها الفتيات الحوامل والأمهات الصغيرات"



وكذلك المادة 16" تقديم معلومات مناسبة لمساعدة النساء الشابات ومن ضمنهن الفتيات المراهقات لفهم الأمور الخاصة بـ "النشاط الجنسي" ومنها صحتهن الجنسية والإنجابية؛ وذلك لزيادة قدرتهن على حماية أنفسهن من الإصابة بالإيدز والأمراض التناسلية والوقاية من الحمل غير المرغوب فيه" [8]



ويتكرر في هذه الوثائق بأن الصحة الجنسية والإنجابية حق لجميع الأفراد وليس الأزواج أي أنها قد تكون خارج نطاق الزواج بعيدًا عن الإكراه والتمييز والعنف في أعلى مستوى صحي يمكن تحقيقه خلال الممارسات الجنسية من تقديم خدمات العناية بالصحة الجنسية والإنجابية .



وهي طلب استقبال ومنح المعلومات المتعلقة بالممارسة الجنسية واحترام السلامة الجسدية أن تكون برضا الطرفين وأن تكون آمنة من (الحمل غير المرغوب فيه).



كل ذلك يدل على مدى خطورة هذا المصطلح والذي يعطي المراهقين حق ممارسة الجنس والحصول على المعلومات ذات الصلة وتفادي الحمل غير المرغوب فيه مع الدعوة إلى تأخير سن الزواج!! .



ومع إباحة الحرية الجنسية للمراهقين تطالب الوثائق الخاصة بالأمم المتحدة بحق المراهقين في الاستقلال عن ذويهم وعدم التدخل في شئونهم، باعتبارها أمور لا تخص الأسرة بل هي من الأمور الشخصية ويجب على الأهل الانسحاب من حياة أولادهم المراهقين وتقديم المشورة وإسداء النصيحة فيما يخص حياتهم الجنسية فقط ولا تطالب بالتدخل لمنع حدوث هذه الكوارث.



تقويم الرعاية التعليمية والتثقيفية للطفل في المواثيق الدولية



1- إغفال دور التعليم والثقافة في تنمية الناحية الدينية والخلقية عند الطفل، كما سيرد ذكره بالتفصيل.



ونحن نرى أن التعليم المعاصر إذا أصبح خاليًا من الأخلاق والقيم والتربية الروحية، فسوف يتعدى حدود الفطرة الإنسانية السليمة المتزنة بين مادة وروح ولا يمثل هذا خطورة على الفرد وحده وإنما على العالم أجمع وما تجربه هيروشيما ببعيد.



" وهنا تبرز أشباح 55 مليون قتيل سقطوا في الحرب العالمية الثانية، وما ترويه مأساة فلسطين وحروب جنوب شرق آسيا ومآسي جنوب أفريقيا وناميبيا، وسحق شعبي المجر وتشيكوسلوفاكيا في سنتي 1956م، 1967م على التوالي" [9]



- انفلات حرية الفكر والرأي



الحرية قيمة إنسانية كبيرة ولا يختلف عليها اثنان إلا أن المعنى المراد منها يختلف من فكر إلى فكر فهي في الفكر الرأسمالي غير الماركسي، ولما كانت المواثيق الدولية للطفولة نابعة من الفكر الغربي ومن ثم فقد أعطت الحرية للطفل انطلاقًا من مفهوم الحرية عندها، فللطفل حرية الاعتقاد، والالتزام بالدين الذي يختاره، ونشر الأفكار والآراء التي يميل إليها وتكوين الجمعيات.



والإسلام يرفض الحرية المطلقة ويعترض على الذين ينادون بـأنه يجب أن يكون للفرد الحق المطلق في عمل ما يشاء، وليس للمجتمع أن ينتزع منه الحرية الشخصية، وأما الحكومة فواجبها أن تحافظ على هذه الحرية وأما المؤسسات الاجتماعية فينبغي أن تكون غايتها إعانة الفرد على تحقيق مقاصده كما سنوضح بشئ من التفصيل بعد ذلك.





--------------------------------------------------------------------------------



[1] نلاحظ هنا أن الميثاق الدولي أجاز أن ينتسب الطفل إلى غير والديه سواء أعرف له والدان أم لا، وسواء أكان ذلك برغبة والديه الأصليين أم رغما عنهما.



[2] - اتفاقية حقوق الطفل، منهاج العمل الوطني لتنفيذ الإعلان العالمي حول بقاء الطفل وحمايته ونمائه خلال عقد التسعينيات، دمشق، 1997، ص 174، 175.








[3 - هاتان المادتان المتعلقتان بالتبني من أكثر المواد التي تحفظت عليها بعض الدول الإسلامية وهما المادتان الوحيدتان اللتان تحفظت عليهما مصر من الاتفاقية.



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
حقوق المعوقين في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل




--------------------------------------------------------------------------------





لم يكن الاهتمام بالطفولة وليد العصر الحديث، فالشريعة الإسلامية التي مضى على بزوغ فجرها أربعة عشر قرناً وثلاثة عقود تقريباً أولت الطفولة اهتماماً خاصاً يضمن للطفل الرعاية والصحة والتعليم واللعب في ظل أسرة مترابطة تعيش في مجتمع يسوده التعاون والتآخي والمحبة والألفة التي تنبع من تعاليم الإسلام، ولئن جاء إعلان حقوق الطفل في نهاية القرن العشرين ليضمن أقبل الحقوق، فإن الإسلام سبق العالم كله في توفير حقوق للطفل أفضل مما جاء في الاتفاقية الدولية للطفولة التي اعتمدتها الأمم المتحدة، وصادقت عليها دول العالم (عدا دولتين) وتحفظت عليها معظم الدولة الإسلامية لتضمن عدم تعارض هذه الاتفاقية مع الشريعة الإسلامية، ولو أن الدول الإسلامية رجعت إلى تراثها ودرست شريعتها وأبرزت ما ورد فيها بشأن الطفل وأعلنت ذلك قبل عقدين من الزمان لكان العالم الإسلامي قائداً في مجال حقوق الطفل دون تحفظ. والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ما هي إلا جزء من الاتفاقية الشاملة لحقوق الإنسان التي يتمتع الشخص المعوق وغيره بما ورد فيها، مع إضافة بعض الخصوصيات، وهكذا الأمر بالنسبة لاتفاقية حقوق الطفل التي أكدت على بعض الحقوق الخاصة بهذه الفئة. وكان أول إعلان للمجتمع الدولي عن حقوق الطفل عام 1924م الذي اعتمدته عصبة الأمم المتحدة، ثم جاءت الأمم المتحدة بالإعلان الثاني عام 1959م، وفي عام 1979م بدأت مناقشات جادة حول مشروع اتفاقية حقوق الطفل، استمرت عشر سنوات إلى أن تم اعتمادها عام 1989م، ثم بدأت الدولة في المصادقة عليها، وخلال بضع سنوات صادق عليها (185) بلداً في إطار اتفاقية حقوق الإنسان.



النقاط البارزة في الاتفاقية يمكن تلخيص أهم وأبرز ما تضمنته الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في النقاط التالية: -

ـ لكل طفل حق أصيل في الحياة، وتكفل الدول إلى أقصى حد ممكن بناء الطفل ونموه.

ـ لكل طفل الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية.

ـ لا يفصل الطفل عن والديه إلا عندما تقرر السلطان المختصة ذلك لوفاة الطفل.

ـ تيسر الدولة جمع شمل الأسرة عن طريق السماح بالسفر إلى أقاليمها أو الخروج منها.

ـ يتحمل الوالدان المسئولية الأساسية عن تربية الطفل وتقدم الدول لهما المساعدة المناسبة وتطور مؤسسات رعاية الأطفال.

ـ توفر الدول للطفل الذي ليس له أبوان رعاية بديلة وتنظم عملية التبني تنظيماً دقيقاً.

ـ وتوضع اتفاقات دولية لتوفير الضمانات والتثبت من السلامة القانونية عندما يعتزم الأبوان المتبنيان نقل الطفل من بلده الذي ولد فيه.

ـ للطفل المعوق الحق في معاملة خاصة وفي التعليم والرعاية.

ـ للطفل الحق في التمتع بأعلى مستوى صحي ممكن بلوغه وتضمن الدول توفير الرعاية الصحية لجميع الأطفال مشددة في ذلك على التدابير الوقائية والثقافية الصحية وتخفيض معدل وفيات الرضع.

ـ يكون التعليم الابتدائي إلزامياً ومجاناً والانضباط في المدارس يراعي احترام كرامة الطفل، و ينبغي للتعليم أن يعد الطفل للحياة بروح من التفاهم والسلم والتسامح. يتاح للطفل الوقت للراحة واللعب والمشاركة على قدم المساواة مع غيره في الأنشطة الثقافية والفنية.

ـ تحمي الدول الأطفال من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء عمل قد يعوق تعليمهم أو يكون ضاراً بصحتهم أو رفاهيتهم.

ـ تحمي الدول الأطفال من الاستخدام غير المشروع للمخدرات ومن الاستخدام في إنتاج المخدرات أو الاتجار بها.

ـ تبذل جميع الجهود لمنع اختطاف الأطفال أو الاتجار بهم.

ـ لا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن 18 سنة.

ـ يفصل الأطفال المحتجزون عن البالغين ولا ينبغي تعذيبهم أو تعريضهم للمعاملة القاسية أو المهينة.

ـ لا يشترك أي طفل دون الخامسة عشرة من عمره بأي شكل في الأعمال الحربية ويتلقى الأطفال المعرضون للمنازعات المسلحة حماية خاصة.

ـ يتلقى الأطفال الذين عانوا من سوء معاملة أو إهمال أو استغلال علاجاً أو تدريباً مناسباً للتعافي والتأهيل.

ـ يعامل الأطفال المتورطون في انتهاكات لقانون العقوبات معاملة تعزز إحساسهم بالكرامة والقدر وذلك بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع.

ـ تعامل الدول على نشر الحقوق الواردة في هذه الاتفاقية على نطاق واسع بين الكبار والأطفال على السواء.



حقوق خاصة بالطفل المعوق : -

تجدر الإشارة من هنا إلى أن الطفل المعوق يتمتع بجميع الحقوق الواردة في الاتفاقية مع التأكيد على احتياجاته الخاصة في التعليم والصحة والرعاية وبالرجوع إلى المادة 23 من الاتفاقية نجد أربعة بنود تركز على حقوق الطفل المعوق كما يلي : -

1ـ تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقلياً أو جسديا بحياة كاملة وكريمة في ظروف تكفل له كرامته وتعزز أعماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع.

2ـ تعترف الدول الأطراف بحق الطفل المعوق في التمتع برعاية خاصة وتشجع وتكفل للطفل ما يؤهل لذلك، وللمسئولين من رعايته رهناً بتوفر الموارد – تقديم المساعدة التي يقدم عنها طلب، والتي تتلاءم مع حالة الطفل وظروف والديه أو غيرهما ممن يرعونه.

3ـ إدراكا للاحتياجات الخاصة للطفل المعوق توفر المساعدة المقدمة وفقاً للفقرة 2 من هذه المادة مجاناً كلما أمكن ذلك مع مراعاة الموارد المالية للوالدين أو غيرهما ممن يقومون برعاية الطفل وينبغي أن تهدف إلى ضمان إمكانية حصول الطفل المعوق فعلاً على التعليم والتدريب وخدمات الرعاية الصحية وخدمات إعادة التأهيل والإعداد لممارسة عمل والفرص الترفيهية وتلقيه ذلك بصورة تؤدي إلى تحقيق الاندماج الاجتماعي للطفل ونموه الفردي بما في ذلك نموه الثقافي والروحي على أكمل وجه ممكن.

4ـ على الدول الأطراف أن تشجع بروح التعاون الدولي تبادل المعلومات المناسبة في ميدان الرعاية الصحية والوقائية والعلاج الطبي والنفسي والوظيفي للأطفال المعوقين، بما في ذلك نشر المعلومات المتعلقة بمناهج إعادة التأهيل والخدمات المهنية وإمكانية الوصول إليها وذلك بغية تمكين الدول الأطراف من تحسين قدراتها وتوسيع خبراتها في هذه المجالات وتراعي بصفة خاصة في هذا الصدد احتياجات البلدان النامية.









مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
 اتفاقية الدولية حقوق الطفل








اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة

للأمم المتحدة 44/25 المؤرخ في 20 نونبر 1989

تاريخ بدء النفاذ: 2 شتنبر 1990، وفقا للمادة 49





الديباجة :

إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية،

إذ ترى أنه وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، يشكل الاعتراف بالكرامة المتأصلة لجميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف، أساس الحرية والعدالة والسلم في العالم،

وإذا تضع في اعتبارها أن شعوب الأمم المتحدة قد أكدت من جديد في الميثاق إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وعقدت العزم على أن تدفع بالرقى الاجتماعي قدما وترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح،

وإذا تدرك أن الأمم المتحدة قد أعلنت، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في تلك الصكوك، دون أي نوع من أنواع التمييز كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر، واتفقت على ذلك،

وإذ تشير إلى أن الأمم المتحدة قد أعلنت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين،

واقتناعا منها بأن الأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع،

وإذ تقر بأن الطفل، كي تترعرع شخصيته ترعرعا كاملا ومتناسقا، ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم،

وإذ ترى أنه ينبغي إعداد الطفل إعدادا كاملا ليحيا حياة فردية في المجتمع وتربيته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصا بروح السلم والكرامة والتسامح والحرية والمساواة والإخاء،

وإذ تضع في اعتبارها أن الحاجة إلى توفير رعاية خاصة للطفل قد ذكرت في إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924 وفى إعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1959 والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ولاسيما في المادتين 23 و 24) وفى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ولا سيما في المادة 10) وفى النظم الأساسية والصكوك ذات الصلة للوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية المعنية بخير الطفل،

وإذ تضع في اعتبارها "أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها" وذلك كما جاء في إعلان حقوق الطفل،

وإذ تشير إلى أحكام الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم، مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني على الصعيدين الوطني والدولي، وإلى قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شئون قضاء الأحداث (قواعد بكين)، وإلى الإعلان بشأن حماية النساء والأطفال أثناء الطوارئ والمنازعات المسلحة،

وإذ تسلم بأن ثمة، في جميع بلدان العالم، أطفالا يعيشون في ظروف صعبة للغاية، وبأن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى مراعاة خاصة،

وإذ تأخذ في الاعتبار الواجب أهمية تقاليد كل شعب وقيمه الثقافية لحماية الطفل وترعرعه ترعرعا متناسقا،

وإذا تدرك أهمية التعاون الدولي لتحسين ظروف معيشة الأطفال في كل بلد، ولا سيما في البلدان النامية،

قد اتفقت على ما يلي:





الجزء الأول

المادة 1



لأغراض هذه الاتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.



المادة 2



1. تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر.

2. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم.



المادة 3



1. في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولي الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى.

2. تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونا عنه، وتتخذ، تحقيقا لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة.

3. تكفل الدول الأطراف أن تتقيد المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية أو حماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة، ولا سيما في مجالي السلامة والصحة وفى عدد موظفيها وصلاحيتهم للعمل، وكذلك من ناحية كفاءة الإشراف.



المادة 4



تتخذ الدول الأطراف كل التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة لإعمال الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية. وفيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تتخذ الدول الأطراف هذه التدابير إلى أقصى حدود مواردها المتاحة، وحيثما يلزم، في إطار التعاون الدولي.



المادة 5



تحترم الدول الأطراف مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين أو، عند الاقتضاء، أعضاء الأسرة الموسعة أو الجماعة حسبما ينص عليه العرف المحلي، أو الأوصياء أو غيرهم من الأشخاص المسؤولين قانونا عن الطفل، في أن يوفروا بطريقة تتفق مع قدرات الطفل المتطورة، التوجيه والإرشاد الملائمين عند ممارسة الطفل الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية.



المادة 6



1. تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة.

2. تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.



المادة 7



1. يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما.

2. تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، ولاسيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك.



المادة 8



1. تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي.

2. إذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته، تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته.



المادة 9



1. تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا عندما تقرر السلطات المختصة، رهنا بإجراء إعادة نظر قضائية، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى. وقد يلزم مثل هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل إقامة الطفل.

2. في أية دعاوى تقام عملا بالفقرة 1 من هذه المادة، تتاح لجميع الأطراف المعنية الفرصة للاشتراك في الدعوى والإفصاح عن وجهات نظرها.

3. تحترم الدول الأطراف حق الطفل المنفصل عن والديه أو عن أحدهما في الاحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية واتصالات مباشرة بكلا والديه، إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى.

4. في الحالات التي ينشأ فيها هذا الفصل عن أي إجراء اتخذته دولة من الدول الأطراف، مثل تعريض أحد الوالدين أو كليهما أو الطفل للاحتجاز أو الحبس أو النفي أو الترحيل أو الوفاة (بما في ذلك الوفاة التي تحدث لأي سبب أثناء احتجاز الدولة الشخص)، تقدم تلك الدولة الطرف عند الطلب، للوالدين أو الطفل، أو عند الاقتضاء، لعضو آخر من الأسرة، المعلومات الأساسية الخاصة بمحل وجود عضو الأسرة الغائب (أو أعضاء الأسرة الغائبين) إلا إذا كان تقديم هذه المعلومات ليس لصالح الطفل. وتضمن الدول الأطراف كذلك أن لا تترتب على تقديم مثل هذا الطلب، في حد ذاته، أي نتائج ضارة للشخص المعنى (أو الأشخاص المعنيين).



المادة 10



1. وفقا للالتزام الواقع على الدول الأطراف بموجب الفقرة 1 من المادة 9، تنظر الدول الأطراف في الطلبات التي يقدمها الطفل أو والداه لدخول دولة طرف أو مغادرتها بقصد جمع شمل الأسرة، بطريقة إيجابية وإنسانية وسريعة. وتكفل الدول الأطراف كذلك ألا تترتب على تقديم طلب من هذا القبيل نتائج ضارة على مقدمي الطلب وعلى أفراد أسرهم.

2. للطفل الذي يقيم والداه في دولتين مختلفتين الحق في الاحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية واتصالات مباشرة بكلا والديه، إلا في ظروف استثنائية. وتحقيقا لهذه الغاية ووفقا لالتزام الدول الأطراف بموجب الفقرة 2 من المادة 9، تحترم الدول الأطراف حق الطفل ووالديه في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلدهم هم، وفى دخول بلدهم. ولا يخضع الحق في مغادرة أي بلد إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم وتكون متفقة مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذه الاتفاقية.



المادة 11



1. تتخذ الدول الأطراف تدابير لمكافحة نقل الأطفال إلى الخارج وعدم عودتهم بصورة غير مشروعة.

2. وتحقيقا لهذا الغرض، تشجع الدول الأطراف عقد اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف أو الانضمام إلى اتفاقات قائمة.



المادة 12



1. تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقا لسن الطفل ونضجه.

2. ولهذا الغرض، تتاح للطفل، بوجه خاص، فرصة الاستماع إليه في أي إجراءات قضائية وإدارية تمس الطفل، إما مباشرة، أو من خلال ممثل أو هيئة ملائمة، بطريقة تتفق مع القواعد الإجرائية للقانون الوطني.



المادة 13



1. يكون للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل.

2. يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لبعض القيود، بشرط أن ينص القانون عليها وأن تكون لازمة لتأمين ما يلي:

(أ) احترام حقوق الغير أو سمعتهم، أو،

(ب) حماية الأمن الوطني أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة.



المادة 14



1. تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين.

2. تحترم الدول الأطراف حقوق وواجبات الوالدين وكذلك، تبعا للحالة، الأوصياء القانونيين عليه، في توجيه الطفل في ممارسة حقه بطريقة تنسجم مع قدرات الطفل المتطورة.

3. لا يجوز أن يخضع الإجهار بالدين أو المعتقدات إلا للقيود التي ينص عليها القانون واللازمة لحماية السلامة العامة أو النظام أو الصحة أو الآداب العامة أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين.



المادة 15



1. تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفى حرية الاجتماع السلمي.

2. لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأية قيود غير القيود المفروضة طبقا للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم.



المادة 16



1. لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.

2. للطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس.



المادة 17



تعترف الدول الأطراف بالوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام وتضمن إمكانية حصول الطفل على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية، وبخاصة تلك التي تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية، وتحقيقا لهذه الغاية، تقوم الدول الأطراف بما يلي:

(أ) تشجيع وسائط الإعلام على نشر المعلومات والمواد ذات المنفعة الاجتماعية والثقافية للطفل ووفقا لروح المادة 29،

(ب) تشجيع التعاون الدولي في إنتاج وتبادل ونشر هذه المعلومات والمواد من شتى المصادر الثقافية والوطنية والدولية،

(ج) تشجيع إنتاج كتب الأطفال ونشرها،

(د) تشجيع وسائط الإعلام على إيلاء عناية خاصة للاحتياجات اللغوية للطفل الذي ينتمي إلى مجموعة من مجموعات الأقليات أو إلى السكان الأصليين،

(هـ) تشجيع وضع مبادئ توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بصالحه، مع وضع أحكام المادتين 13 و 18 في الاعتبار.



المادة 18



1. تبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لضمان الاعتراف بالمبدأ القائل إن كلا الوالدين يتحملان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه. وتقع علي عاتق الوالدين أو الأوصياء القانونيين، حسب الحالة، المسؤولية الأولي عن تربية الطفل ونموه. وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الأساسي.

2. في سبيل ضمان وتعزيز الحقوق المبينة في هذه الاتفاقية، على الدول الأطراف في هذه الاتفاقية أن تقدم المساعدة الملائمة للوالدين وللأوصياء القانونيين في الاضطلاع بمسئوليات تربية الطفل وعليها أن تكفل تطوير مؤسسات ومرافق وخدمات رعاية الأطفال.

3. تتخذ الدول الأطراف كل التدابير الملائمة لتضمن لأطفال الوالدين العاملين حق الانتفاع بخدمات ومرافق رعاية الطفل التي هم مؤهلون لها.



المادة 19



1. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته.

2. ينبغي أن تشمل هذه التدابير الوقائية، حسب الاقتضاء، إجراءات فعالة لوضع برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل ولأولئك الذين يتعهدون الطفل برعايتهم، وكذلك للأشكال الأخرى من الوقاية، ولتحديد حالات إساءة معاملة الطفل المذكورة حتى الآن والإبلاغ عنها والإحالة بشأنها والتحقيق فيها ومعالجتها ومتابعتها وكذلك لتدخل القضاء حسب الاقتضاء.



المادة 20



1. للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية أو الذي لا يسمح له، حفاظا على مصالحة الفصلي، بالبقاء في تلك البيئة، الحق في حماية ومساعدة خاصتين توفرهما الدولة.

2. تضمن الدول الأطراف، وفقا لقوانينها الوطنية، رعاية بديلة لمثل هذا الطفل.

3. يمكن أن تشمل هذه الرعاية، في جملة أمور، الحضانة، أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبني، أو، عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال. وعند النظر في الحلول، ينبغي إيلاء الاعتبار الواجب لاستصواب الاستمرارية في تربية الطفل ولخلفية الطفل الإثنية والدينية والثقافية واللغوية.



المادة 21



تضمن الدول التي تقر و/أو تجيز نظام التبني إيلاء مصالح الطفل الفضلى الاعتبار الأول والقيام بما يلي:

(أ) تضمن ألا تصرح بتبني الطفل إلا السلطات المختصة التي تحدد، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها وعلى أساس كل المعلومات ذات الصلة الموثوق بها، أن التبني جائز نظرا لحالة الطفل فيما يتعلق بالوالدين والأقارب والأوصياء القانونيين وأن الأشخاص المعنيين، عند الاقتضاء، قد أعطوا عن علم موافقتهم على التبني على أساس حصولهم على ما قد يلزم من المشورة،

(ب) تعترف بأن التبني في بلد آخر يمكن اعتباره وسيلة بديلة لرعاية الطفل، إذا تعذرت إقامة الطفل لدي أسرة حاضنة أو متبنية، أو إذا تعذرت العناية به بأي طريقة ملائمة في وطنه،

(ج) تضمن، بالنسبة للتبني في بلد آخر، أن يستفيد الطفل من ضمانات ومعايير تعادل تلك القائمة فيما يتعلق بالتبني الوطني،

(د) تتخذ جميع التدابير المناسبة كي تضمن، بالنسبة للتبني في بلد آخر، أن عملية التبني لا تعود على أولئك المشاركين فيها بكسب مالي غير مشروع،

(هـ) تعزز، عند الاقتضاء، أهداف هذه المادة بعقد ترتيبات أو اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف، وتسعى، في هذا الإطار، إلى ضمان أن يكون تبنى الطفل في بلد آخر من خلال السلطات أو الهيئات المختصة.



المادة 22



1. تتخذ الدول الأطراف في هذه الاتفاقية التدابير الملائمة لتكفل للطفل الذي يسعى للحصول على مركز لاجئ، أو الذي يعتبر لاجئا وفقا للقوانين والإجراءات الدولية أو المحلية المعمول بها، سواء صحبه أو لم يصحبه والداه أو أي شخص آخر، تلقى الحماية والمساعدة الإنسانية المناسبتين في التمتع بالحقوق المنطبقة الموضحة في هذه الاتفاقية وفى غيرها من الصكوك الدولية الإنسانية أو المتعلقة بحقوق الإنسان التي تكون الدول المذكورة أطرافا فيها.

2. ولهذا الغرض، توفر الدول الأطراف، حسب ما تراه مناسبا، التعاون في أي جهود تبذلها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية المختصة أو المنظمات غير الحكومية المتعاونة مع الأمم المتحدة، لحماية طفل كهذا ومساعدته، وللبحث عن والدي طفل لاجئ لا يصحبه أحد أو عن أي أفراد آخرين من أسرته، من أجل الحصول على المعلومات اللازمة لجمع شمل أسرته، وفى الحالات التي يتعذر فيها العثور على الوالدين أو الأفراد الآخرين لأسرته، يمنح الطفل ذات الحماية الممنوحة لأي طفل آخر محروم بصفة دائمة أو مؤقتة من بيئته العائلية لأي سبب، كما هو موضح في هذه الاتفاقية.



المادة 23



1. تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع.

2. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل المعوق في التمتع برعاية خاصة وتشجع وتكفل للطفل المؤهل لذلك وللمسؤولين عن رعايته، رهنا بتوفر الموارد، تقديم المساعدة التي يقدم عنها طلب، والتي تتلاءم مع حالة الطفل وظروف والديه أو غيرهما ممن يرعونه.

3. إدراكا للاحتياجات الخاصة للطفل المعوق، توفر المساعدة المقدمة وفقا للفقرة 2 من هذه المادة مجانا كلما أمكن ذلك، مع مراعاة الموارد المالية للوالدين أو غيرهما ممن يقومون برعاية الطفل، وينبغي أن تهدف إلى ضمان إمكانية حصول الطفل المعوق فعلا على التعليم والتدريب، وخدمات الرعاية الصحية، وخدمات إعادة التأهيل، والإعداد لممارسة عمل، والفرص الترفيهية وتلقيه ذلك بصورة تؤدى إلى تحقيق الاندماج الاجتماعي للطفل ونموه الفردي، بما في ذلك نموه الثقافي والروحي، على أكمل وجه ممكن.

4. على الدول الأطراف أن تشجع، بروح التعاون الدولي، تبادل المعلومات المناسبة في ميدان الرعاية الصحية الوقائية والعلاج الطبي والنفسي والوظيفي للأطفال المعوقين، بما في ذلك نشر المعلومات المتعلقة بمناهج إعادة التأهيل والخدمات المهنية وإمكانية الوصول إليها، وذلك بغية تمكين الدول الأطراف من تحسين قدراتها ومهاراتها وتوسيع خبرتها في هذه المجالات. وتراعى بصفة خاصة، في هذا الصدد، احتياجات البلدان النامية.



المادة 24



1. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.

2. تتابع الدول الأطراف إعمال هذا الحق كاملا وتتخذ، بوجه خاص، التدابير المناسبة من أجل:

(أ) خفض وفيات الرضع والأطفال،

(ب) كفالة توفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال مع التشديد على تطوير الرعاية الصحية الأولية،

(ج) مكافحة الأمراض وسوء التغذية حتى في إطار الرعاية الصحية الأولية، عن طريق أمور منها تطبيق التكنولوجيا المتاحة بسهولة وعن طريق توفير الأغذية المغذية الكافية ومياه الشرب النقية، آخذة في اعتبارها أخطار تلوث البيئة ومخاطره،

(د) كفالة الرعاية الصحية المناسبة للأمهات قبل الولاة وبعدها،

(هـ) كفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع، ولا سيما الوالدين والطفل، بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل وتغذيته، ومزايا الرضاعة الطبيعية، ومبادئ حفظ الصحة والإصحاح البيئي، والوقاية من الحوادث، وحصول هذه القطاعات على تعليم في هذه المجالات ومساعدتها في الاستفادة من هذه المعلومات،

(و) تطوير الرعاية الصحية الوقائية والإرشاد المقدم للوالدين، والتعليم والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة.

3. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الفعالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضر بصحة الأطفال.

4. تتعهد الدول الأطراف بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي من أجل التوصل بشكل تدريجي إلى الإعمال الكامل للحق المعترف به في هذه المادة. وتراعى بصفة خاصة احتياجات البلدان النامية في هذا الصدد.



المادة 25



تعترف الدول الأطراف بحق الطفل الذي تودعه السلطات المختصة لأغرض الرعاية أو الحماية أو علاج صحته البدنية أو العقلية في مراجعة دورية للعلاج المقدم للطفل ولجميع الظروف الأخرى ذات الصلة بإيداعه.



المادة 26



1. تعترف الدول الأطراف لكل طفل بالحق في الانتفاع من الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمين الاجتماعي، وتتخذ التدابير اللازمة لتحقيق الإعمال الكامل لهذا الحق وفقا لقانونها الوطني.

2. ينبغي منح الإعانات، عند الاقتضاء، مع مراعاة موارد وظروف الطفل والأشخاص المسؤولين عن إعالة الطفل، فضلا عن أي اعتبار آخر ذي صلة بطلب يقدم من جانب الطفل أو نيابة عنه للحصول على إعانات.



المادة 27



1. تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي.

2. يتحمل الوالدان أو أحدهما أو الأشخاص الآخرون المسؤولون عن الطفل، المسؤولية الأساسية عن القيام، في حدود إمكانياتهم المالية وقدراتهم، بتأمين ظروف المعيشة اللازمة لنمو الطفل.

3. تتخذ الدول الأطراف، وفقا لظروفها الوطنية وفى حدود إمكانياتها، التدابير الملائمة من أجل مساعدة الوالدين وغيرهما من الأشخاص المسؤولين عن الطفل، علي إعمال هذا الحق وتقدم عند الضرورة المساعدة المادية وبرامج الدعم، ولا سيما فيما يتعلق بالتغذية والكساء والإسكان.

4. تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لكفالة تحصيل نفقة الطفل من الوالدين أو من الأشخاص الآخرين المسؤولين ماليا عن الطفل، سواء داخل الدولة الطرف أو في الخارج. وبوجه خاص، عندما يعيش الشخص المسؤول ماليا عن الطفل في دولة أخرى غير الدولة التي يعيش فيها الطفل، تشجع الدول الأطراف الانضمام إلى اتفاقات دولية أو إبرام اتفاقات من هذا القبيل، وكذلك اتخاذ ترتيبات أخرى مناسبة.



المادة 28



1. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقا للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا وعلى أساس تكافؤ الفرص، تقوم بوجه خاص بما يلي:

(أ) جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع،

(ب) تشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني، وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال، واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة إليها،

(ج) جعل التعليم العالي، بشتى الوسائل المناسبة، متاحا للجميع على أساس القدرات،

(د) جعل المعلومات والمبادئ الإرشادية التربوية والمهنية متوفرة لجميع الأطفال وفى متناولهم،

(هـ) اتخاذ تدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة.

2. تتخذ الدول الأطراف كافة التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتمشى مع كرامة الطفل الإنسانية ويتوافق مع هذه الاتفاقية.

3. تقوم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي في الأمور المتعلقة بالتعليم، وبخاصة بهدف الإسهام في القضاء على الجهل والأمية في جميع أنحاء العالم وتيسير الوصول إلى المعرفة العلمية والتقنية وإلى وسائل التعليم الحديثة. وتراعى بصفة خاصة احتياجات البلدان النامية في هذا الصدد.



المادة 29



1. توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو:

(أ) تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها،

(ب) تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة،

(ج) تنمية احترام ذوى الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمة الخاصة، والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته،

(د) إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر، بروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات الإثنية والوطنية والدينية والأشخاص الذين ينتمون إلى السكان الأصليين،

(هـ) تنمية احترام البيئة الطبيعية.

2. ليس في نص هذه المادة أو المادة 28 ما يفسر على أنه تدخل في حرية الأفراد والهيئات في إنشاء المؤسسات التعليمية وإدارتها، رهنا على الدوام بمراعاة المبادئ المنصوص عليها في الفقرة 1 من هذه المادة وباشتراط مطابقة التعليم الذي توفره هذه المؤسسات للمعايير الدنيا التي قد تضعها الدولة.



المادة 30



في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية أو أشخاص من السكان الأصليين، لا يجوز حرمان الطفل المنتمى لتلك الأقليات أو لأولئك السكان من الحق في أن يتمتع، مع بقية أفراد المجموعة، بثقافته، أو الاجهار بدينه وممارسة شعائره، أو استعمال لغته.



المادة 31



1. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفى الفنون.

2. تحترم الدول الأطراف وتعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ.



المادة 32



1. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي.

2. تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة. ولهذا الغرض، ومع مراعاة أحكام الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة، تقوم الدول الأطراف بوجه خاص بما يلي:

(أ) تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بعمل،

(ب) وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه،

(ج) فرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة لضمان بغية إنفاذ هذه المادة بفعالية.



المادة 33



تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية، لوقاية الأطفال من الاستخدام غير المشروع للمواد المخدرة والمواد المؤثرة على العقل، وحسبما تحددت في المعاهدات الدولية ذات الصلة، ولمنع استخدام الأطفال في إنتاج مثل هذه المواد بطريقة غير مشروعة والاتجار بها



المادة 34



تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي. ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع:

(أ) حمل أو إكراه الطفل على تعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع،

(ب) الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة،

(ج) الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة.



المادة 35



تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال.



المادة 36



تحمي الدول الأطراف الطفل من سائر أشكال الاستغلال الضارة بأي جانب من جوانب رفاة الطفل.



المادة 37



تكفل الدول الأطراف:

(أ) ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدي الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم،

(ب) ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة،

(ج) يعامل كل طفل محروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصلة في الإنسان، وبطريقة تراعى احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه. وبوجه خاص، يفصل كل طفل محروم من حريته عن البالغين، ما لم يعتبر أن مصلحة الطفل تقتضي خلاف ذلك، ويكون له الحق في البقاء على اتصال مع أسرته عن طريق المراسلات والزيارات، إلا في الظروف الاستثنائية،

(د) يكون لكل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة المناسبة، فضلا عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة ومحايدة أخرى، وفى أن يجرى البت بسرعة في أي إجراء من هذا القبيل.



المادة 38



1. تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد.

2. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتراكا مباشرا في الحرب.

3. تمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة في قواتها المسلحة. وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت سنهم خمس عشرة سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعي لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا.

4. تتخذ الدول الأطراف، وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح.



المادة 39



تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة. ويجرى هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل، واحترامه لذاته، وكرامته.



المادة 40



1. تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل يدعي أنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره، وتعزز احترام الطفل لما للآخرين من حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتراعي سن الطفل واستصواب تشجيع إعادة اندماج الطفل وقيامه بدور بناء في المجتمع.

2. وتحقيقا لذلك، ومع مراعاة أحكام الصكوك الدولية ذات الصلة، تكفل الدول الأطراف، بوجه خاص، ما يلي:

(أ) عدم إدعاء انتهاك الطفل لقانون العقوبات أو اتهامه بذلك أو إثبات ذلك عليه بسبب أفعال أو أوجه قصور لم تكن محظورة بموجب القانون الوطني أو الدولي عند ارتكابها،

(ب) يكون لكل طفل يدعي بأنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك الضمانات التالية على الأقل:

"1" افتراض براءته إلى أن تثبت إدانته وفقا للقانون،

"2" إخطاره فورا ومباشرة بالتهم الموجهة إليه، عن طريق والديه أو الأوصياء القانونيين عليه عند الاقتضاء، والحصول على مساعدة قانونية أو غيرها من المساعدة الملائمة لإعداد وتقديم دفاعه،

"3" قيام سلطة أو هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة بالفصل في دعواه دون تأخير في محاكمة عادلة وفقا للقانون، بحضور مستشار قانوني أو بمساعدة مناسبة أخرى وبحضور والديه أو الأوصياء القانونيين عليه، ما لم يعتبر أن ذلك في غير مصلحة الطفل الفضلى، ولا سيما إذا أخذ في الحسبان سنه أو حالته،

"4" عدم إكراهه على الإدلاء بشهادة أو الاعتراف بالذنب، واستجواب أو تأمين استجواب الشهود المناهضين وكفالة اشتراك واستجواب الشهود لصالحه في ظل ظروف من المساواة،

"5" إذا اعتبر أنه انتهك قانون العقوبات، تأمين قيام سلطة مختصة أو هيئة قضائية مستقلة ونزيهة أعلى وفقا للقانون بإعادة النظر في هذا القرار وفى أية تدابير مفروضة تبعا لذلك،

"6" الحصول على مساعدة مترجم شفوي مجانا إذا تعذر على الطفل فهم اللغة المستعملة أو النطق بها،

"7" تأمين احترام حياته الخاصة تماما أثناء جميع مراحل الدعوى.

3. تسعى الدول الأطراف لتعزيز إقامة قوانين وإجراءات وسلطات ومؤسسات منطبقة خصيصا على الأطفال الذين يدعى أنهم انتهكوا قانون العقوبات أو يتهمون بذلك أو يثبت عليهم ذلك، وخاصة القيام بما يلي:

(أ) تحديد سن دنيا يفترض دونها أن الأطفال ليس لديهم الأهلية لانتهاك قانون العقوبات،

(ب) استصواب اتخاذ تدابير عند الاقتضاء لمعاملة هؤلاء الأطفال دون اللجوء إلى إجراءات قضائية، شريطة أن تحترم حقوق الإنسان والضمانات القانونية احترام كاملا.

4. تتاح ترتيبات مختلفة، مثل أوامر الرعاية والإرشاد والإشراف، والمشورة، والاختبار، والحضانة، وبرامج التعليم والتدريب المهني وغيرها من بدائل الرعاية المؤسسية، لضمان معاملة الأطفال بطريقة تلائم رفاههم وتتناسب مع ظروفهم وجرمهم على السواء.



المادة 41



ليس في هذه الاتفاقية ما يمس أي أحكام تكون أسرع إفضاء إلى إعمال حقوق الطفل والتي قد ترد في:

(أ) قانون دولة طرف، أو،

(ب) القانون الدولي الساري على تلك الدولة.



الجزء الثاني

المادة 42



تتعهد الدول الأطراف بأن تنشر مبادئ الاتفاقية وأحكامها على نطاق واسع بالوسائل الملائمة والفعالة، بين الكبار والأطفال على السواء.



المادة 43



1. تنشأ لغرض دراسة التقدم الذي أحرزته الدول الأطراف في استيفاء تنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها في هذه الاتفاقية لجنة معنية بحقوق الطفل تضطلع بالوظائف المنصوص عليها فيما يلي.

2. تتألف اللجنة من عشرة خبراء من ذوى المكانة الخلقية الرفيعة والكفاءة المعترف بها في الميدان الذي تغطيه هذه الاتفاقية. وتنتخب الدول الأطراف أعضاء اللجنة من بين رعاياها ويعمل هؤلاء الأعضاء بصفتهم الشخصية، ويولى الاعتبار للتوزيع الجغرافي العادل وكذلك للنظم القانونية الرئيسية.

3. ينتخب أعضاء اللجنة بالاقتراع السري من قائمة أشخاص ترشحهم الدول الأطراف، ولكل دولة طرف أن ترشح شخصا واحدا من بين رعاياها.

4. يجرى الانتخاب الأول لعضوية اللجنة بعد ستة أشهر على الأكثر من تاريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية وبعد ذلك مرة كل سنتين. ويوجه الأمين العام للأمم المتحدة قبل أربعة أشهر على الأقل من تاريخ كل انتخاب رسالة إلى الدول الأطراف يدعوها فيها إلى تقديم ترشيحاتها في غضون شهرين. ثم يعد الأمين العام قائمة مرتبة ترتيبا ألفبائيا بجميع الأشخاص المرشحين على هذا النحو مبينا الدول الأطراف التي رشحتهم، ويبلغها إلى الدول الأطراف في هذه الاتفاقية.

5. تجرى الانتخابات في اجتماعات للدول الأطراف يدعو الأمين العام إلي عقدها في مقر الأمم المتحدة. وفى هذه الاجتماعات، التي يشكل حضور ثلثي الدول الأطراف فيها نصابا قانونيا لها، يكون الأشخاص المنتخبون لعضوية اللجنة هم الذين يحصلون على أكبر عدد من الأصوات وعلى الأغلبية المطلقة لأصوات ممثلي الدول الأطراف الحاضرين المصوتين.

6. ينتخب أعضاء اللجنة لمدة أربع سنوات. ويجوز إعادة انتخابهم إذا جرى ترشيحهم من جديد. غير أن مدة ولاية خمسة من الأعضاء المنتخبين في الانتخاب الأول تنقضي بانقضاء سنتين، وبعد الانتخاب الأول مباشرة يقوم رئيس الاجتماع باختيار أسماء هؤلاء الأعضاء الخمسة بالقرعة.

7. إذا توفى أحد أعضاء اللجنة أو استقال أو أعلن لأي سبب آخر أنه غير قادر على تأدية مهام اللجنة، تعين الدولة الطرف التي قامت بترشيح العضو خبيرا آخر من بين رعاياها ليكمل المدة المتبقية من الولاية، رهنا بموافقة اللجنة.

8. تضع اللجنة نظامها الداخلي.

9. تنتخب اللجنة أعضاء مكتبها لفترة سنتين.

10. تعقد اجتماعات اللجنة عادة في مقر الأمم المتحدة أو في أي كان مناسب آخر تحدده اللجنة. وتجتمع اللجنة عادة مرة في السنة وتحدد مدة اجتماعات اللجنة، ويعاد النظر فيها، إذا اقتضى الأمر، في اجتماع للدول الأطراف في هذه الاتفاقية، رهنا بموافقة الجمعية العامة.

11. يوفر الأمين العام للأمم المتحدة ما يلزم من موظفين ومرافق لاضطلاع اللجنة بصورة فعالة بوظائفها بموجب هذه الاتفاقية.

12. يحصل أعضاء اللجنة المنشأة بموجب هذه الاتفاقية، بموافقة الجمعية العامة، على مكافآت من موارد الأمم المتحدة، وفقا لما قد تقرره الجمعية العامة من شروط وأحكام.



المادة 44



1. تتعهد الدول الأطراف بأن تقدم إلى اللجنة، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، تقارير عن التدابير التي اعتمدتها لإنفاذ الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية وعن التقدم المحرز في التمتع بتلك الحقوق:

(أ) في غضون سنتين من بدء نفاذ هذه الاتفاقية بالنسبة للدولة الطرف المعنية،

(ب) وبعد ذلك مرة كل خمس سنوات.

2. توضح التقارير المعدة بموجب هذه المادة العوامل والصعاب التي تؤثر على درجة الوفاء بالالتزامات المتعهد بها بموجب هذه الاتفاقية إن وجدت مثل هذه العوامل والصعاب. ويجب أن تشتمل التقارير أيضا على معلومات كافية توفر للجنة فهما شاملا لتنفيذ الاتفاقية في البلد المعنى.

3. لا حاجة بدولة طرف قدمت تقريرا أوليا شاملا إلي اللجنة أن تكرر، في ما تقدمه من تقارير لاحقة وفقا للفقرة 1 (ب) من هذه المادة، المعلومات الأساسية التي سبق لها تقديمها.

4. يجوز للجنة أن تطلب من الدول الأطراف معلومات إضافية ذات صلة بتنفيذ الاتفاقية.

5. تقدم اللجنة إلى الجمعية العامة كل سنتين، عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تقارير عن أنشطتها.

6. تتيح الدول الأطراف تقاريرها على نطاق واسع للجمهور في بلدانها.



المادة 45



لدعم تنفيذ الاتفاقية علي نحو فعال وتشجيع التعاون الدولي في الميدان الذي تغطيه الاتفاقية:

(أ) يكون من حق الوكالات المتخصصة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة وغيرها من أجهزة الأمم المتحدة أن تكون ممثلة لدى النظر في تنفيذ ما يدخل في نطاق ولايتها من أحكام هذه الاتفاقية. وللجنة أن تدعو الوكالات المتخصصة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة والهيئات المختصة الأخرى، حسبما تراه ملائما، لتقديم مشورة خبرائها بشأن تنفيذ الاتفاقية في المجالات التي تدخل في نطاق ولاية كل منها. وللجنة أن تدعو الوكالات المتخصصة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة وغيرها من أجهزة الأمم المتحدة لتقديم تقارير عن تنفيذ الاتفاقية في المجالات التي تدخل في نطاق أنشطتها،

(ب) تحيل اللجنة، حسبما تراه ملائما، إلى الوكالات المتخصصة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة والهيئات المختصة الأخرى أية تقارير من الدول الأطراف تتضمن طلبا للمشورة أو المساعدة التقنيتين، أو تشير إلى حاجتها لمثل هذه المشورة أو المساعدة، مصحوبة بملاحظات اللجنة واقتراحاتها بصدد هذه الطلبات أو الإشارات، إن وجدت مثل هذه الملاحظات والاقتراحات،

(ج) يجوز للجنة أن توصي بأن تطلب الجمعية العامة إلى الأمين العام إجراء دراسات بالنيابة عنها عن قضايا محددة تتصل بحقوق الطفل،

(د) يجوز للجنة أن تقدم اقتراحات وتوصيات عامة تستند إلى معلومات تلقتها عملا بالمادتين 44، 45 من هذه الاتفاقية. وتحال مثل هذه الاقتراحات والتوصيات العامة إلى أية دولة طرف معنية، وتبلغ للجمعية العامة مصحوبة بتعليقات الدول الأطراف. إن وجدت.



الجزء الثالث

المادة 46



يفتح باب التوقيع على هذه الاتفاقية لجميع الدول.



المادة 47



تخضع هذه الاتفاقية للتصديق. وتودع صكوك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة.



المادة 48



يظل باب الانضمام إلى هذه الاتفاقية مفتوحا لجميع الدول. وتودع صكوك الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة.



المادة 49



1. يبدأ نفاذ هذه الاتفاقية في اليوم الثلاثين الذي يلي تاريخ إيداع صك التصديق أو الانضمام العشرين لدي الأمين العام الأمم المتحدة.

2. الدول التي تصدق علي هذه الاتفاقية أو تنضم إليها بعد إيداع صك التصديق أو الانضمام العشرين، يبدأ نفاذ الاتفاقية إزاءها في اليوم الثلاثين الذي يلي تاريخ إيداع هذه الدولة صك تصديقها أو انضمامها.



المادة 50



1. يجوز لأي دولة طرف أن تقترح إدخال تعديل وأن تقدمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويقوم الأمين العام عندئذ بإبلاغ الدول الأطراف بالتعديل المقترح مع طلب بإخطاره بما إذا كانت هذه الدول تحبذ عقد مؤتمر للدول الأطراف للنظر في الاقتراحات والتصويت عليها. وفى حالة تأييد ثلث الدول الأطراف على الأقل، في غضون أربعة أشهر من تاريخ هذا التبليغ، عقد هذا المؤتمر، يدعو الأمين العام إلى عقده تحت رعاية الأمم المتحدة. ويقدم أي تعديل تعتمده أغلبية من الدول الأطراف الحاضرة والمصوتة في المؤتمر إلى الجمعية العامة لإقراره.

2. يبدأ نفاذ أي تعديل يتم اعتماده وفقا للفقرة 1 من هذه المادة عندما تقره الجمعية العامة للأمم المتحدة وتقبله الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأغلبية الثلثين.

3. تكون التعديلات، عند بدء نفاذها، ملزمة للدول الأطراف التي قبلتها وتبقى الدول الأطراف الأخرى ملزمة بأحكام هذه الاتفاقية وبأية تعديلات سابقة تكون قد قبلتها.



المادة 51



1. يتلقى الأمين للأمم المتحدة نص التحفظات التي تبديها الدول وقت التصديق أو الانضمام، ويقوم بتعميمها على جميع الدول.

2. لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافيا لهدف هذه الاتفاقية وغرضها.

3. يجوز سحب التحفظات في أي وقت بتوجيه إشعار بهذا المعنى إلى الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يقوم عندئذ بإبلاغ جميع الدول به. ويصبح هذا الإشعار نافذ المفعول اعتبارا من تاريخ تلقيه من قبل الأمين العام.



المادة 52



يجوز لأي دولة طرف أن تنسحب من هذه الاتفاقية بإشعار خطى ترسله إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويصبح الانسحاب نافذا بعد مرور سنة على تاريخ تسلم الأمين العام هذا الإشعار.



المادة 53



يعين الأمين العام للأمم المتحدة وديعا لهذه الاتفاقية.



المادة 54



يودع أصل هذه الاتفاقية التي تتساوى في الحجية نصوصها بالأسبانية والإنجليزية والروسية والصينية والعربية والفرنسية، لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

وإثباتا لذلك، قام المفوضون الموقعون أدناه، المخولون حسب الأصول من جانب حكوماتهم، بالتوقيع على هذه الاتفاقية.



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى

تعليقات
-5-
البعد الدولى للمشكلة






لا شك أن تنشئة الفرد تُحتِّم عليه أن يكون له مجموعة من العادات والمعتقدات تُرسى دعائم المجتمع، وينتج عنها ضوابط اجتماعية تدخل فى إطار السلوك الاجتماعى، ما يعرف بالسلوك السوىّ والسلوك غير السوىّ. والانحراف (السلوك غير السوىّ)، ويرى الكثير من علماء النفس والاجتماع أنه سلوك مضاد للمجتمع وأن انحراف الأحداث يأتى نتيجة لما يتعرض له الأطفال من مشاكل وصعوبات حياتية.

ويصبح من المهم محاولة دراسة مشكلة أطفال الشوارع من ناحية أكثر شمولية تتواكب مع التطورات الجارية فى العالم، طبقاً للارتفاع المضطرد للأطفال المنتشرين فى الشوارع، ولذلك فإن مثل هذه المشكلات لا يجب النظر إليها بسطحية أو التقليل من مضاعفاتها لأن ذلك يقود إلى الدخول فى دائرة الخطورة الاجتماعية عندما تتجاوز حدود الهامشية.





البعد الدولى للمشكلة



إن قضية الأطفال أصبحت فى الوقت الحاضر من القضايا الرئيسة التى يُعطى لها أهمية من قِبَل المجتمع الدولى، ولأول مرة فى تاريخ البشرية تتصدر قضايا الطفولة جدول أعمال العالم . حيث أقرت منظمة الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل بالإجماع فى نوفمبر 1989م.



وتُعدُّ الاتفاقية الأولى التى تحظى بهذا الإجماع الدولى بين كافة الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، وبعد حوالى عام من تبنى الأمم المتحدة للاتفاقية تمَّ عقد أول مؤتمر قمة عالمى من أجل الطفل فى نيويورك فى سبتمبر عام 1990م بحضور ممثلين عن 159 دولة منهم 71 رئيس دولة ورئيس حكومة فى المؤتمر، وخرج المؤتمر بإعلان دولى يهدف إلى تبنِّى بقاء الطفل وحمايته ونمائه وخطة عمل لتنفيذ هذا الإعلان خلال فترة التسعينيات.

وبرغم هذا الاهتمام الدولى بقضايا الأطفال وتحديداً منذ الإعلان عن صدور اتفاقية حقوق الطفل الدولى التى تضمن حقوق الطفل في العيش والبقاء والنماء، وتؤكد على مصالح الطفل الفضلى وتوفير الرعاية والحماية من سوء المعاملة والاستغلال، ورغم الجهود التى تقوم بها الدول والمنظمات غير الحكومية فإن حقوق الطفل الأساسية فى كثير من البلدان مازالت على هامش خطط التنمية، ولم تتحول إلى أولويات حقيقية حتى الآن.

ولذلك ينبغى الاهتمام بمحاربة ظاهرة أطفال الشوارع والتصدِّى لها باعتبارها الظاهرة الأكثر خطورة فى تاريخ المجتمعات الحالية والقنبلة الموقوته التى يمكن أن تضرب المجتمع وتؤدِّى إلى حدوث خلل كبير فى بنيته الأساسية عن طريق صياغة مجموعة من الحلول والآليات تستطيع مواجهة تلك الظاهرة ومحاولة التغلب عليها:

الآليات الإقليمية والدولية فى مواجهة ظاهرة أطفال الشوارع





ويوضح الجدول التالى أهم الآليات الإقليمية والدولية التى اتبعتها بعض الدول من أجل محاولة التغلب على هذه الظاهرة

جدول رقم (1)

الآليات الإقليمية والدولية فى مواجهة ظاهرة أطفال الشوارع



الآليات المستخدمة الهدف الأساسى

1. إنشاء دور خاصة لرعاية أطفال الشوارع (مؤسسات خاصة)

- بناء علاقة صداقة موجَّهة مع الأطفال المعرضين للخطر، من خلال تأهيل أعضاء (متطوعين ضمن صفات وشروط معينة) من المجتمع المحلِّى، للقيام بدور الأصدقاء لهؤلاء الأطفال.

- توفير الرعاية الاجتماعية والنفسية لجميع الأطفال الذين يتم القبض عليهم.

2. إنشاء مراكز لإعادة تأهيل وتدريب أطفال الشوارع - تأهيل الأطفال عن طريق تعليمهم بعض الحرف البسيطة للمشاركة الفعالة فى تنمية المجتمع واقتصاده.

3. وضع تشريعات تنظم وتهتم بحقوق الطفل

- الاهتمام بسن القوانين والتشريعات التى تهتم بحقوق الطفل، مع الاهتمام بتفعيل كافة القوانين التى تحمى حقوق الإنسان.

4. إنشاء شبكة وطنية (كيان قومى) لمحاربة الظاهرة







- تسليط الأضواء على هذه الظاهرة، والتعامل معها من أجل إيجاد حلول سريعة وعاجلة.

- التعاون مع الحكومة من أجل وقف التدهور المستمر فى تلك الظاهرة.

- يتكوَّن هذا الكيان من عدة وحدات تختص كل منها بوظيفة معينة، حيث تقوم الأولى بجمع المعلومات، بينما تقوم الثانية بإعادة تأهيل وتدريب هؤلاء الأطفال، وتقوم وحدة ثالثة، بالدفاع عنهم، فيما تقوم وحدة رابعة بتوفير المأوى لهم، فضلاً عن وحدة خامسة تهتم بتوفير الخط الساخن للتنسيق بين المؤسسات والجهات المعنية.

- تشكيل مجموعات عمل من المنظمات المشاركة تسعى للبحث عن أطفال الشوارع وتحرى مشاكلهم واستيعابهم فى ملاجئ آمنة.

- رفع مستوى الوعى لدى الشعب والحكومة على حد سواء حول مخاطر الظاهرة وتأثيرها السلبى على المجتمع.

5. إنشاء مراكز متخصصة كشريك حكومى محلى لليونيسيف لحماية أطفال الشوارع

(تحت إشراف اليونيسيف) - تقدم هذه المراكز بالتأهيل والتدريب اللازم لأطفال الشوارع الذين يُبدون استعداداً لترك حياة الشوارع، حيث تُقدِّم لهم بعض الوجبات المغذية، كما توفر لهم مرافق للإيواء تشبه مساكن الطلاب فى الجامعات.

- يقوم موظفو التوعية والمتطوعون فى هذه المراكز برعاية أطفال الشوارع نفسياً واجتماعياً وتدريبهم على الاعتماد على أنفسهم.

- توفر هذه المراكز أماكن لتعلم المهارات المهنية والحرف البسيطة. كما تخصص بعض الأوقات لتنمية المواهب الفنية والرياضية لهؤلاء الأطفال لمساعدتهم على تجاوز تجاربهم السابقة.

المصدر: تمَّ تطوير الجدول بواسطة الفريق البحثى.
• تفعيل القوانين والتشريعات بما يحقق القضاء على هذه الظاهرة من المنبع، مع العمل على وضع إجراءات تستهدف الردع والتقويم وحماية النشء وتحصينهم ضد الخلافات الأسرية وتأثيرها على مستقبلهم.


• الاهتمام بتفعيل المشاركة المجتمعية الواسعة تتحمل فيها الدولة مسؤوليتها بجانب الأحزاب ومنظمات العمل الأهلى والجهود التطوعية.

• أهمية التحرك الجاد على عدة محاور اجتماعية واقتصادية وتشريعية توفر تحليلاً موضوعياً للخلل الأسرى كمصدر أصيل ومباشر لتفريغ هذه الظاهرة وتحديد أسباب هذا الخلل اقتصاديا وتربويا لإيجاد حلول واقعية لعلاجه.

• دعم سياسات الدفاع الاجتماعى، وتعظيم خدمات برامج الضمان الاجتماعى ودعم الأسر الفقيرة من خلال مشروعات اقتصادية سريعة العائد، بالإضافة إلى دعم مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأطفال وتوسيع طاقتها الاستيعابية فى فترة قصيرة على نحو يكفل احتواء هذه الظاهرة.

• تجميع الجهود طويلة المدى وتوحيدها، مع تحديد الأدوار والمسؤوليات لكافة الأطراف، والتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع من منظور اجتماعى إصلاحى ودينى وليس أمنيًا وعقابياً.

• إنشاء نظام اجتماعى يقوم على تفعيل آلية لرصد الأطفال المعرضين للخطر، والتدخل المبكِّر لحمايتهم وأسرهم من كافة أشكال العنف والاستغلال.

• الاهتمام بحماية الأطفال المتسربين من التعليم، والذين يتعرَّضون لعنف داخل الأسر أو المدارس، وضحايا الأسر المفككة والعاملين فى سن مبكرة، وفى بيئة عمل غير آمنة، والذين ينتمون إلى أسر ذات وضع اقتصادى متدن؛ لأن كل هذه العوامل تؤدِّى بدورها إلى نزوح الطفل إلى الشارع.

• تفعيل نظام الضمان الاجتماعى، وإنشاء مراكز تأهيل مهنى ونفسى واجتماعى للأطفال، مع ضرورة حماية الأطفال الموجودين فى الشارع من خلال التعامل معهم فى الشارع نفسه، لتفادى المخاطر التى يتعرضون لها، وجذبهم تدريجيًا إلى الرجوع إلى أسرهم أو تشجيعهم على ارتياد المؤسسات الاجتماعية فى حالة عدم التمكن من إعادتهم إلى أسرهم أو لأسر بديلة.

• تفعيل دور الإعلام لرفع الوعى وإثارة الرأى العام بأهمية التصدِّى للمشكلة فى مرحلة مبكرة، وعدم عدّ هؤلاء الأطفال مجرمين، بل ضحايا يستحقون الرعاية أكثر مما يستحقون الإدانة.



























مكتب / محمد جابر عيسى المحامى





تعليقات
-4-
هدف قانون الطفل وإجراءاته






أوضحت المادة الأولى - من قانون الالتزام بأحكام الدستور المصرى - كفالة الدولة لحماية الطفولة والأمومة ورعاية الأطفال، والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة فى كافة النواحى فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية.

ويؤكِّد الالتزام الملقى على الدولة من حيث تطبيق هذا القانون بالكامل، أى رعاية الطفولة وتهيئة الظروف الصحيحة والمناسبة لتنشئتهم هى مسؤولية المجتمع بالدرجة الأولى، حيث يتعين عليه – أى المجتمع - القيام بها فى إطار من القواعد القانونية الواضحة التى يلتزم بها كافة الأفراد، من أجل الحفاظ على مسيرة تواجد المجتمع ذاته فى ظل القيم والأصول التى يحرص على استمرارها وتطويرها، من خلال رؤية شاملة تحفظ للمجتمع أمنه واستقراره.

ويأتى هذا الالتزام استكمالاً لدور الأسرة الأساسى فى تنشئة أبنائها، حيث يتمحور هذا الالتزام فى شِقَّين أساسيين هما:

1. الحفاظ على الأسرة وتماسكها باعتبارها اللبنة الأولى للمجتمع، وتعظيم دورها فى تنشئة الأبناء لكونها البيئة الصحية لذلك، ومساعدتها على تولى مسؤوليتها فى هذا الشأن.

2. التدخُّل فى إطار الحالات التى تقضى ذلك باعتبار أن المجتمع هو الأسرة الأم، ومن ثم يتعيَّن أن يكون التدخل فى إطار المشروعية التى تحفظ لكافة الأطراف حقوقهم الشرعية والشخصية.

ومن هذا المنطلق الفكرى جاء القانون موضحاً هذا الهدف ساعياً لتحقيقه من خلال ما نص عليه من قواعد قانونية تتعلق بتنفيذ هذا الالتزام الملقى على الدولة، من حيث وضع تشريعات حيوية وفعَّالة تحفظ وتحمى حقوق الطفل.













مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
-3-
التطور التشريعى للعدالة الجنائية للصغار فى مصر






تعاقبت القوانين المتصلة بالعدالة الجنائية للأطفال فقد نصَّ قانون العقوبات الصادر فى عام 1883 على انعدام مسؤولية الصغير الجنائية قبل سن السابعة, وترك للقاضى - من سن السابعة حتى الخامسة عشر - تقدير مدى توافر التمييز لدى الصغير، والتعامل معه عقابياً تأسيساً على ذلك.

وفى ظل قانون العقوبات الصادر عام 1904 نص القانون على ثلاث مراحل عمرية، حيث أبقى سن انعدام المسؤولية عند حد سبع سنوات, وفى المرحلة العمرية (من السابعة حتى الخامسة عشر) أجاز القانون توقيع العقوبات العادية مع تخفيفها، مع عقوبة التأديب الجسمانى، وتدبير التسليم أو الإرسال إلى مدرسة إصلاحية، والمرحلة الأخيرة (من الخامسة عشر حتى السابعة عشر) نهى المشرِّع فيها عن توقيع عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة.

وقد صدر قانون العقوبات الحالى عام 1937 متضمِّناً استحداث مرحلة عمرية جديدة هى (من السابعة إلى الثانية عشر) وقُدِّر لهذه الفئة العمرية تدابير تقويمية هى: التسليم، أو الإرسال للإصلاحية، أو التوبيخ.

ولمواجهه المستجدات العالمية فى إطار تنفيذ المعاملة القضائية للصغار، صدر القانون رقم 31 لسنة 1974 متضمِّناً استحداث فكرة التعرض للانحراف، وأورد بشأنها حالات محدَّدة، واعتبر من هم دون السابعة من الصغار معرَّضين للانحراف فى حالة ارتكابهم جناية أو جنحة، وفى ذات الوقت حدَّ المعاملة لكل من هم دون الخامسة عشر بتوقيع التدابير المنصوص عليها دون عقوبات، وأورد القانون للفئة العمرية (من الخامسة عشر حتى الثامنة عشر) أحكاماً خاصة بالعقوبات المخفَّفة الواجب توقيعها عليهم، وقد تمَّ إنشاء محاكم ذات تشكيل خاص لمحاكمة الأطفال جنائياً، ويُشكِّل هذا القانون بداية للتعامل الاجتماعى مع الصغار فى رؤية يغلب عليها طابع اعتبار أن الطفل غالباً ما يكون ضحية للمجتمع والبيئة التى نشأ فيها، وأكثر ما يكون سلوكه معبراً عن نوازع إجرامية يتم التعامل معها من خلال الفلسفات القضائية للسياسات الجنائية.

وفى عام 1996 وفى ظل انضمام مصر للاتفاقيات الدولية - لحقوق الإنسان ومن بينها اتفاقية الطفل - أصدر المشرِّع المصرى القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن الطفل, حيث جاء القانون كرؤية تشريعية وطنية متكاملة على نسق الاتفاقية الدولية للطفل، ولذلك فقد تضمَّن كافة المبادئ التى استقر عليها المجتمع الدولى فى تعامله مع الطفولة بوجه عام، وبصفة خاصة بعض القواعد بشأن إدارة قضاء الصغار، ومبادئ الرياض التوجيهية لرعاية الصغار، باعتبار أنه من ركائز فلسفة الدفاع الاجتماعى الاهتمام بالطفولة من كافة الجوانب، لأن توفير وتهيئة الظروف للتنشئة الاجتماعية السوية للطفولة هى خط الدفاع الأول للمجتمع، إذ هى التى ستؤدى بطبيعة الحال إلى دفع الشباب السوِىّ ليلعب دوره الطبيعى فى تنمية مجتمعه وتلبية احتياجاته، ويحول دون انحراف أفراده أو انخراطهم فى دروب الجريمة، الأمر الذى سيؤدى فى حالة عدم تحقيقه لافتقاد المجتمع للطاقات السوية للأفراد المنحرفين، وتحولهم إلى عبء يتعيَّن على المجتمع تحمل أثارة ومردوداته المادية والمعنوية(6).

وقد جاء الباب الثامن من قانون الطفل متضمِّناً المعاملة الجنائية للأطفال، سواء من الناحية الإجرائية أو الموضوعية، وذلك لمن يشملهم القانون - وهم الصغار الذين لم يبلغوا الثامنة عشر - ليحل محل القانون السابق للأحداث رقم 31 لسنة 1974، وقد اشتمل القانون على الأخذ بالمستجدات التى أفرزتها الجهود الدولية والإقليمية والجهود الوطنية من الناحية التطبيقية، ومعتمداً كذلك على ما انتهت إليه العديد من الأبحاث والدارسات الميدانية.

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
-3-

تعاقبت القوانين المتصلة بالعدالة الجنائية للأطفال فقد نصَّ قانون العقوبات الصادر فى عام 1883 على انعدام مسؤولية الصغير الجنائية قبل سن السابعة, وترك للقاضى - من سن السابعة حتى الخامسة عشر - تقدير مدى توافر التمييز لدى الصغير، والتعامل معه عقابياً تأسيساً على ذلك.


وفى ظل قانون العقوبات الصادر عام 1904 نص القانون على ثلاث مراحل عمرية، حيث أبقى سن انعدام المسؤولية عند حد سبع سنوات, وفى المرحلة العمرية (من السابعة حتى الخامسة عشر) أجاز القانون توقيع العقوبات العادية مع تخفيفها، مع عقوبة التأديب الجسمانى، وتدبير التسليم أو الإرسال إلى مدرسة إصلاحية، والمرحلة الأخيرة (من الخامسة عشر حتى السابعة عشر) نهى المشرِّع فيها عن توقيع عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة.

وقد صدر قانون العقوبات الحالى عام 1937 متضمِّناً استحداث مرحلة عمرية جديدة هى (من السابعة إلى الثانية عشر) وقُدِّر لهذه الفئة العمرية تدابير تقويمية هى: التسليم، أو الإرسال للإصلاحية، أو التوبيخ.

ولمواجهه المستجدات العالمية فى إطار تنفيذ المعاملة القضائية للصغار، صدر القانون رقم 31 لسنة 1974 متضمِّناً استحداث فكرة التعرض للانحراف، وأورد بشأنها حالات محدَّدة، واعتبر من هم دون السابعة من الصغار معرَّضين للانحراف فى حالة ارتكابهم جناية أو جنحة، وفى ذات الوقت حدَّ المعاملة لكل من هم دون الخامسة عشر بتوقيع التدابير المنصوص عليها دون عقوبات، وأورد القانون للفئة العمرية (من الخامسة عشر حتى الثامنة عشر) أحكاماً خاصة بالعقوبات المخفَّفة الواجب توقيعها عليهم، وقد تمَّ إنشاء محاكم ذات تشكيل خاص لمحاكمة الأطفال جنائياً، ويُشكِّل هذا القانون بداية للتعامل الاجتماعى مع الصغار فى رؤية يغلب عليها طابع اعتبار أن الطفل غالباً ما يكون ضحية للمجتمع والبيئة التى نشأ فيها، وأكثر ما يكون سلوكه معبراً عن نوازع إجرامية يتم التعامل معها من خلال الفلسفات القضائية للسياسات الجنائية.

وفى عام 1996 وفى ظل انضمام مصر للاتفاقيات الدولية - لحقوق الإنسان ومن بينها اتفاقية الطفل - أصدر المشرِّع المصرى القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن الطفل, حيث جاء القانون كرؤية تشريعية وطنية متكاملة على نسق الاتفاقية الدولية للطفل، ولذلك فقد تضمَّن كافة المبادئ التى استقر عليها المجتمع الدولى فى تعامله مع الطفولة بوجه عام، وبصفة خاصة بعض القواعد بشأن إدارة قضاء الصغار، ومبادئ الرياض التوجيهية لرعاية الصغار، باعتبار أنه من ركائز فلسفة الدفاع الاجتماعى الاهتمام بالطفولة من كافة الجوانب، لأن توفير وتهيئة الظروف للتنشئة الاجتماعية السوية للطفولة هى خط الدفاع الأول للمجتمع، إذ هى التى ستؤدى بطبيعة الحال إلى دفع الشباب السوِىّ ليلعب دوره الطبيعى فى تنمية مجتمعه وتلبية احتياجاته، ويحول دون انحراف أفراده أو انخراطهم فى دروب الجريمة، الأمر الذى سيؤدى فى حالة عدم تحقيقه لافتقاد المجتمع للطاقات السوية للأفراد المنحرفين، وتحولهم إلى عبء يتعيَّن على المجتمع تحمل أثارة ومردوداته المادية والمعنوية(6).

وقد جاء الباب الثامن من قانون الطفل متضمِّناً المعاملة الجنائية للأطفال، سواء من الناحية الإجرائية أو الموضوعية، وذلك لمن يشملهم القانون - وهم الصغار الذين لم يبلغوا الثامنة عشر - ليحل محل القانون السابق للأحداث رقم 31 لسنة 1974، وقد اشتمل القانون على الأخذ بالمستجدات التى أفرزتها الجهود الدولية والإقليمية والجهود الوطنية من الناحية التطبيقية، ومعتمداً كذلك على ما انتهت إليه العديد من الأبحاث والدارسات الميدانية.

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
-2-
الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بالطفولة والتى انضمت إليها مصر






امتداداً للنظرة الإستراتيجية والقومية لمصر - حيال الطفولة - فإن مصر تشارك بشكل مستمر ودائم فى كافة الجهود الدولية والإقليمية المعنية بالطفل، سواء على صعيد المحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان أو فى إطار منظمة الوحدة الأفريقية أو جامعة الدول العربية على الصعيد الإقليمى، وتتضَّمن مشاركة مصر الجهود الخاصة بإعداد المواثيق والقرارات الدولية الخاصة بالطفولة. وسيتم الإشارة إلى الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بالطفولة والتى انضمت إليها مصر(5).

1. الاتفاقية الدولية للطفل بالقرار الجمهورى رقم 260 لسنة 1990 والمنشور بالجريدة الرسمية، العدد (7) فى 14/2/1991.

2. البروتوكول الاختيارى الأول بشأن بيع الأطفال واستغلالهم فى البغاء وفى الأغراض الإباحية بالقرار الجمهورية رقم 104 لسنة 2002، والمنشور بالجريدة الرسمية، العدد (8) فى 24/2/2005.

3. الميثاق العربى لحقوق الطفل بالقرار الجمهورى رقم 356، والمنشور بالجريدة الرسمية، العدد 11 فى 17/3/1994.

4. الميثاق الأفريقى لحقوق الطفل بالقرار الجمهورى رقم 23 لسنة 2001، والمنشور بالجريدة الرسمية، العدد (44) فى 28/10/2004، وقد تحفظت مصر على كل من المواد أرقام 21 فقرة (2) الخاصة بتحديد حد أدنى لسن الزواج، وجعل قيد الزواج إلزامياً، والفقرة (24) الخاصة بالتبنِّى والفقرة الفرعية(هـ) من المادة 30 بشأن حظر إعدام الأمهات السجينات.

5. البروتوكول الاختيارى الثانى بشأن اشتراك الأطفال فى النزاعات المسلحة بالقرار الجمهورى رقم 105 لسنة 2002 (لم يُنشر بعد).

6. العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (القرار الجمهورى رقم 537 لسنة 1981) والمنشور بالجريدة الرسمية – العدد (14) فى 8/4/1982 – وقد أوردت مصر تحفظاً عاماً نص على "مع الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها".

7. العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية (القرار الجمهورى رقم 536 لسنة 1981) المنشور بالجريدة الرسمية - العدد (15) فى 15/4/ 1982 – وقد أوردت مصر تحفظاً عاماً نصَّ على "الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها".

8. الميثاق الأفريقى لحقوق الانسان والشعوب بالقرار الجمهورى رقم (77) لسنة 1984 والمنشور بالجريدة الرسمية - العدد (7) فى 14/2/1991 - مع التحفظ بأن يكون تطبيق الفقرة الثالثة من المادة الثامنة عشر، فى ضوء أحكام الشريعة الإسلامية وعدم التعارض معها والخاصة بعدم التمييز ضد المرأة وحقوق الطفل.

9. اتفاقيات جينيف الأربع المعنية بحقوق الإنسان فى زمن الحرب (القانون الإنسانى الدولى).

10. اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس البشرى بالقانون رقم (121) لسنة 1951 والمنشورة بالوقائع المصرية – العدد (73) فى 22/9/1955.

11. الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة بالقرار الجمهورى رقم (294) لسنة 2003 المنشور بالجريدة الرسمية – العدد (37) فى 9/9/2004.

12. اتفاقية العمل الدولية رقم (182) لسنة 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، والإجراءات الفورية للقضاء عليها بالقرار الجمهورى رقم (69) لسنة 2002 والمنشور بالجريدة الرسمية - العدد (30) فى 25/7/2003 - والمعمول بها اعتباراً من 6/5/2003.

13. اتفاقية العمل الدولية رقم (138) لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام بالقرار الجمهورى رقم (67) سنة 1999 والمنشور بالجريدة الرسمية - العدد (35) فى 3/9/1999 - والمعمول بها اعتباراً من 9/6/2000، كما صدرت اتفاقية حقوق الطفل فى الإسلام، وجارى إجراءات التوقيع للانضمام إليها، كما صدرت الاتفاقية الدولية للمعوَّقين التى تعنى بجانب منها بالإعاقة والطفل المعاق.

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات

ظاهرة أطفال الشوارع - التجارب والآليات الإقليمة والدولية



-1-

موجز الدراسة





التشريعات المُتعلِّقة بحقوق الأطفال فى مصر

الطفولة والدستور المصرى

الاتفاقيات الدولية والإقليمية ...

التطور التشريعى للعدالة الجنائية ...

هدف قانون الطفل وإجراءاته

أهم الآليات الإقليمية والدولية لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع

البعد الدولى للمشكلة

الآليات الإقليمية والدولية فى ...

النتائج والتوصيات

النتائج والتوصيات

قائمة المراجع

قائمة المراجع

هوامش

هوامش







الطفولة والدستور المصرى





يأتى تطور فلسفة حقوق الطفل فى مصر ضمن اهتمام عالمى واسع، تشكَّل وأخذ هيأته الحالية بعد نضال ومطالبة دولية، وذلك بإفراد وتخصيص وثيقة دولية تختص بالطفل وحقوقه. فمن الإعلان العالمى لحقوق الطفل الذى أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1959م والذى نصَّ على أحكام عدة تنطبق على الطفل، حيث أضاف أن الطفل (يحتاج إلى حماية وعناية خاصة، وخصوصاً إلى حماية قانونية مناسبة، سواءً قبل مولده أو بعده)(3).

ويعتبر النصف الأخير من القرن التاسع عشر ثم القرن العشرون و السنوات الأولى من القرن الحالى، من الفترات الهامة فى تاريخ مصر الحديث، إذ حفلت بمستجدات هامة على صعيد العمل الدستورى والتشريعى فى كافة المجالات، وبصفة خاصة حماية الطفل والطفولة، وذلك لمواكبة المتغيرات والمستجدات العالمية الحاصلة دولياً ومحلياً، وتلبيةً للاتجاهات الحديثة فى ميدان الدفاع الاجتماعى سواء من ناحية السياسات الوقائية أو العلاجية الهادفة للحدّ من الجريمة ومعاملة المجرمين.

ونظراً لأهمية هذه الفئة العمرية، يولى المشرع المصرى(4) مزيداً من الاهتمام إليها، حيث تضمن القانون العقابى الصادر عام 1883 المسؤولية الجنائية للأطفال، كما أنشئت عام 1905 ثانى محكمة للأحداث على مستوى العالم، ثم توالت الجهود الوطنية على كافة المستويات لدعم وتعزيز الرعاية والمعاملة العقابية الخاصة بالأطفال. وبشكل مواز عنيت الجهود الدولية المعنية بحقوق الإنسان بالطفل بشكل مستقل، وتعاظمت هذه الجهود، وتعاقب على ذلك صدور اتفاقيات إقليمية للطفولة على المستوى العربى والأفريقى، وصدور اتفاقيات دولية فى إطار منظمة العمل الدولية تتعلق بتنظيم عمل الأطفال.

وانتقلت بذلك مسؤولية التصدِّى لقضايا ومشكلات الطفولة إلى بؤرة الاهتمام العالمى، وتسابقت دول العالم - فى إطار تنفيذ التزاماتها الدولية الناشئة عن الانضمام إلى تلك الجهود الدولية - فى إقرار النظم الوطنية الكفيلة بضمان تمتع جميع الأطفال بالحماية من أية اعتداءات تمس عملية تنشئتهم، وهو ما يقع على عاتق مؤسسات المجتمع.





الطفولة والدستور المصرى



امتداداً للثوابت التاريخية والدينية - التى صاغت التقاليد المصرية - ونظرتها للأسرة والطفولة والتى تقوم على الاحترام والتماسك والعطف والترابط - فقد عنى الدستور المصرى بالطفل باعتباره نواة الأسرة ومحور تماسكها واستمرارها.

وتأتى أهمية تناول الدستور المصرى لقضية الطفولة فى كون الدستور - وفقاً للنظام القانونى المصرى - يأتى على قمة المدارج التشريعية، وبالتالى فإن توفير حماية دستورية للطفولة تقتضى التزام المجتمع ممثَّلاً فى السلطة التشريعية، بحيث يكون ما يصدر عنه من تشريعات متفقاً مع النصوص الدستورية المتعلقة بهذا الشأن، كما توفر أيضاً هذه الحماية الدستورية حماية قضائية ممثَّلة فى المحكمة الدستورية العليا التى أنيط بها - عملاً بالدستور الدائم والصادر عام 1971 - الفصل فى دستورية القوانين، وتعقُّب أىّ نصوص تشريعية تأتى مخالفة للدستور.













مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات