بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

05 يوليو 2011

بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية











هذا المبحث جديد لنا سوف نبحث فيه – بفضل الله تعالى - بعض تطبيقات الغبن في القوانين العربية{المصرية،السورية،اللبنانية}ذلك أن هناك حالات أخذ المتشرع فيها بفكرة الغبن وفق النظرية المادية وذلك بمقتضى نصوص خاصة بكل حالة على حده،وقد أشارت المادة/130/ مدني مصري والمادة/131/مدني سوري إلى هذه الحالات بقولها:{يراعى في تطبيق المادة السابقة عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود أو بسعر الفائدة}.

والذي دعا المتشرع إلى الأخذ بفكرة الغبن وفق هذه النظرية في هذه الحالات حرصه على أن يضمن الحماية فيها للطرف المغبون على أساس محدود وبطريقة يسهل فيها الإثبات.

وعلى هذا نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب هي :



المطلب الأول : الغبن في ظل شركة حصة الأسد .

المطلب الثاني : الغبن في ظل عقد الإذعان.

المطلب الثالث: الغبن في ظل القسمة الاتفاقية .

المطلب الرابع : الغبن في ظل عقد الوكالة.







المطلب الأول

الغبن في شركة حصة الأسد



شركة الأسد: هي التي يعفى فيها أحد الشركاء من تحمل الخسائر مع مقاسمته للأرباح ، أو يحرم من الأرباح مع تحمله للخسائر.



ذلك أن من مقومات عقد الشركة أن يساهم كل شريك في أرباحها و في خسائرها بنصيب ما، و إلا كانت الشركة باطلة لإنتقاء نية المشاركة ، فإذا نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الربح ، فمعنى ذلك أن يحقق الربح دون خسارة ، فيكون له الغنم ولغيره الغرم .

ولا شك أن الطرف الذي يأخذ الأرباح دون أن يتحمل الخسائر هو الغابن ، لذلك من الواجب حماية هذا المغبون و إعادة الأمور إلى نصابها، فليس من الضروري أن يتم توزيع الأرباح بالتساوي بين الشركاء مادام كل منهم يحصل على نسبة جدية من الربح.



لنرى الآن كيف عالجت التشريعات العربية {اللبنانية ، السورية ، المصرية } هذا الموضوع:

ذهبت القوانين العربية { اللبناني في المادة 835 موجبات وعقود ، والمصري في المادة515 مصري ، و السوري في المادة 483 مدني إلى بطلان الشركة المتضمنة شرط الأسد ، فنصت المادة: 483مدني سوري على ما يلي :

1-إذا اتفق على أن أحد الشركاء لايساهم في أرباح الشركة أو في خسائرها ،كان عقد الشركة باطلاً .

2- يجوز الاتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عمله من المساهمة في الخسائر بشرط ألا يكون قد تقرر له أجر عن عمله .

فإذا اتفق الشركاء على أن يأخذ أحد الشركاء بعض أرباح الشركة دون أن يتحمل أي خسارة تتناسب مع حصته ، أو اتفقوا على أن يتحمل أحد الشركاء الخسائر من دون غيره مع حرمانه من كافة الأرباح ، فلا جرم بأن هذا الاتفاق يحوي بين طيّاته غبناً فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة ، لذلك رأينا ان المتشرع قد تفاعل مع هذا الغبن فنص على بطلان ، ليس فقط ذلك الشرط بل بطلان الشركة كلها بطلاناً مطلقاً.

وكذلك الأمر إذا نص عقد الشركة على أن أحد الشركاء يجني الأرباح مع أن نصيبه تافهاً إلى حد أنه غير جدي ، فإن هذه الشركة تكون باطلة ، وتكون أيضاً باطلة إذا نص العقد على أن أحد الشركاء لا يتحمل الخسائر أو أن يتحمل بعض الخسائر إلى حد عدم الجدية.

ويجوز التفاق على إعفاء الذي قدم عمله فقط كحصة في الشركة من الخسائر إذا لم يقرر له أجراً عن عمله ، لأنه سوف يتحمل الخسائر عن طريق عدم أخذه لأي مبلغ لقاء عمله إن خسرت الشركة.

نصت الفقرة الثانية من المادة 515 مدني مصري والمادة 483 مدني سوري صراحة على هذا الحكم ، وقد رأينا مما سلف أنه يجوز الإتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم إلا عمله كحصة من الخسائر على أن لا يكون قد تقرر له أجراًلقاء عمله.

وشركة حصة الأسد في أي صورة من صورها باطلة بطلاناً مطلقاً في القوانين اللبنانية والمصرية والسورية ، بحيث يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان،كما يمكن أن يحكم به القاضي من تلقاء نفسه ، ولا ترد على هذه الشركة الإجازة ولا يسري في حقها التقادم .

وبعد ما أوردنا فيما تقدم حكم هذه الشركة في القوانين الثلاثة لنر مدى انطبات الغبن عليها ، وإذا ما انطبق الغبن عليها ، فهل ينطبق عليها الغبن في ضوء النظرية المادية أم في ضوء النظرية الشخصية ، وهل كانت تلك القوانين موفقة في نصها على بطلان تلك الشركة بطلاناًمطلقاً أم لا ؟؟.

في البداية كما نعلم أن للغبن في ضوء النظرية المادية عنصرين بينما الغبن في ضوء النظرية الشخصية يتكون من ثلاثة عناصر، لنطبق هذه العناصر على شركة الأسد لنرى أي النظريتين أجدر لحل مشـكلة هذه الشــركة.

{أ} ما مدى انطباق الغبن وفق النظرية المادية على شركة الأسد؟؟:

لا حظنا أن أحد صور شركة الأسد أن يستأثر أحد الشركاء بالربح دون أن يتحمل أي خسارة ، ولنطبق هذه الصورة على عناصر الغبن وفق النظرية المادية.

{العنصر الأول}قيمة الشيء:

فالعبرة بقيمة الشيء بحد ذاته تبعاً للقوانين الاقتصادية ، ولنفترض أن الشركاء في المثال السابق قد دفعوا حصصاًمتساوية في القيمة النقدية.

{العنصر الثاني}درجة الاختلال في هذا التعادل:

نرى أن الشريك الذي حصل على حصة الأسد قد تقدم بحصة مثله مثل باقي شركائه ومع هذا فإنه يأخذ ربحاً فاحشاً لايتعادل مع حصته ودون أن يتحمل أية خسارة .



{ب} ما مدى انطباق الغبن وفق النظرية الشخصية على شركة الأسد:

كما أصبحنا نعلم أن الغبن في ضوء النظرية الشخصية يتكون من ثلاثة عناصر لنطبق تلك العناصر على شـركة الأسـد.

{1} قيمة الشيء:

قيمة الحصص لا تقيم بسعر السوق ولكن بالسعر الشخصي ، فربما قيّم أحد الشركاء حصته بأنها تساوي حصة الأسد وبالتالي يجب أن يستأثر بالأرباح دون أن يتحمل أي خسـارة.

{2} استغلال ضعف الشريك المغبون:

قد يكون الشريك صاحب حصة الأسد من ذوي النفوذ والسلطة مما يجعله يستغل باقي الشركاء ليحصل على هذه الحصة دون خسارة فعلية.



{3} أن هذا الاستغلال هو الذي دفع إلى التعاقد:

فلولا سلطة وبطش ذاك الشريك لما رضخ له باقي الشركاء على الرغم مما تحوي هذه الشركة من الغبن الفاحش.



ومما تقدم نلاحظ أن الشرط الأول قد لا يتحقق أما باقي الشروط فقد تحققت وبالتالي لا يمكن أن يكون للغبن وفق النظرية الشخصية أي مفعول إلا بتحقيق شروطها الثلاث معاً.



أما إذا طبقنا على شركة الأسـد شروط الغبن وفق النظرية المادية فإنها تستطيع أن تفرش جناحيها حامية بذلك الشريك المغبون من هذا الغبن الفاحش وتعيد الأمور إلى نصابها بأن يتعادل الشركاء بالخسائر والأرباح كل وفق حصته.

وبعد أن شاهدنا أن الغبن ينطبق انطباقاً تاماً على شركة الأسد فلماذا لا نطبق عليها أيضاً حلول الغبن !!.
فجزاء الغبن هو إما البطلان و إما إعادة التوازن بين الإلتزامات أما جزاء شركة الأسـد في القانون هو البطلان المطلق مع العلم بأن نص المادة/515/مدني مصري،ونص المادة/483/مدني سوري كانا في المشروع التمهيدي كما يلي:
{الشركة تكون قابلة للإبطال لمصلحة من يضار من الشركاء بشرط عدم المساهمة في الخسارة /وهم سائر غير من أعفى من المساهمة في الخسارة/أو لمصلحة الشريك الذي اشترط عليه عدم المساهمة في الربح}.

بيد أن النص أجود حكماً من نص المادة /515/مدني مصري،و/483/مدني سوري لأنه يحقق هدفين وهـما:

1-المحافظة على المراكز القانونية التي نشأت في ظل هذه الشركة.

2-حماية الطرف المغبون من هذا الشرط بأن يكون البطلان لصالح المغبون إن لم تصبح الموجبات بين الشركاء متعادلة كل وفق حصته في الأرباح والخسائر.

فالتشريعات الوضعية العربية {اللبنانية،المصرية،السورية}أرادت أن تضع نصاً يُرهب من يريد مثل هذه الشركة ولم ترد أن تعترف بها ثم تحل مشاكلها وتعقيداتها ومع هذا أميل إلى أن تطبق على هذه الشركة حلول الغبن و آثاره .

أما بالنسبة لشرط الأسد فهو الباطل وهذا البطلان لا يسري عليه التقادم الطويل ويستطيع كل ذي مصلحة أن يطلب بطلان هذا الشرط ،كما تستطيع المحكمة أن تحكم من تلقاء ذاتها ببطلان هذا الشرط.





















































المطلب الثاني



الغبن في عقد الإذعان



الأصل في التعاقد أن يتم عن طريق التفاوض والمناقشة والمساومة ، بحيث يتفاوض أطرف العقد على بنوده على نحو يحقق لهما مصالحهما ، بيد أن هناك من العقود ما يشذ عن هذه القاعدة،فلا يكون هناك مفاوضات أو مساوم على بنود العقد ، وإنما يضع الطرف القوي في العقد شروطه وما على الطرف الثاني إلا أن يرضخ لهذه الشروط جملة وتفصيلاً أو يرفضها كلها مما قد يترتب على هذا العقد غبناً فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفةى ، وعلى هذا سوف نبحث كيف يحمي القانون الطرف المذعن المغبون ، وما مدى هذه الحماية.

اعتبرت القوانين المدنية السورية والمصرية واللبنانية عقد الاذعان من العقود الصحيحة ، واعتبرت أن تسليم الطرف المذعن لمشيئة الطرف الآخر أنه قبول للعقد،إلا أن تلك القوانين لم تغفل عن أن عقد الإذعان يتميز بطبيعة خاصة فالعقد قائم التفاوت الكبير بين مركز كل من طرفيه ، الأول يفرض شروطه والثاني عليه أن يقبلها دون أدنى مناقشة وربما أدى ذلك إلى وقوع الطرف المذعن تحت رحمة الطرف القوي ، فيشتغله بأن يفرض عليه شروطاً تعسفية مما جعل رجال الفقه القانوني يسعون جاهدين في سبيل حماية الطرف المذعن من تلك الشروط التعسفية.

نص القانون اللبناني في المادة /172/موجبات وعقود القانون المدني المصري في المادة/150/ على أنه {إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف المذعن منها وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة ، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك}.

فالمظهر السياسي للحماية التي يضعها القانون للطرف المذعن المغبون تتمثل في رفع هذا الغبن عن طريق رفع هذا الغبن عن طريق رفع الأمر للقضاء طالباً منه تعديل الشروط التعسفية وفقاص لما تقضي به العدالة عن طريق رفع الغبن عن الطرف المذعن وإعادة الموجبات إلى حالتها الطبيعية.

ويلاحظ أن بعض الفقهاء يحرص على إبعاد أحكام الغبن عن العقود التجارية ، وجعلها محصورة في عقود القانون المدني فقط.

يقول الدكتور مصطفى كمال طه:{أما البطلان في المغالاة التدليسية في التأمين ، فلا يشترط فيه ارتكاب المستأمن بطرق احتيالية بل يكفي المؤمن إثبات أن المستأمن قد غالى في تقدير الشيء المؤمن عليه بقصد الحصول على تعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية}.

فالفقيه هنا يجعل المغالاة في تقدير الشيء المؤمن عليه بقصد الحصول على تعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية تديساً، ولا يخفى على أحد بأن التدليس لابد أن يقترن بطرق احتيالية،أما إذا انتقت هذه الطرق فلم يعد هذا تدليساً بل غبناً.

والدليل على ما أقول هو أن شروط الغبن متوفرة في المثال السابق فهناك اختلال بين الموجبات فالمؤمن يريد الحصول على التعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية وهذا التعويض فاحش جداً بالنسبة للقيمة الحقيقية للأشياء المؤمن عليها وبالتالي فإن هناك اختلالاً بين الموجبات وعليه فإن هناك غبناً ، وغني على البيان أن تعديل الشروط التي يتضمنها عقد الإذعان لا يقرره القاضي من تلقاء نفسه ، وإنما بناء على طلب الطرف المذعن.

بعد أن يطلب الطرف المذعن رفع الغبن عنه ، فالقاضي هو الذي يملك حق تقدير ما إذا كان هناك غبناً أم لم يكن،فإذا اكتشف أن هناك غبناً فله أن يزيله كلياً أو يزيل جزءاً منه ، فالمتشرع لم يرسم للقاضي حدوداً في ذلك إلا ما تقتضيه العدالة ، ولا يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته هذه باتفاق خاص لأن هذا الإتفاق إذا ما وجد فهو باطل لمخالفته النظام العام.








المطلب الثالث

الغبن في القسمة الإتفاقية



تنص المادة /835/من القانون المدني المصري والمادة /789/ من القانون المدني السوري على أن :{الشركاء إذا انعقد إجماعهم أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها، فإذا كان بينهم من هو ناقص الأهلية ، وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون}.



وتنص المادة /845/من القانون المدني المصري والمادة /779/من القانون المدني السوري على أنه :

1-يجوز نقض القسمة الحاصلة يالتراضي إذا أثبت احد المتقاسمين أنه قد لحقه منها غبن يزيد على الخمس،على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة.

2- ويجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة ، وللمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل المدعي نقداً ، أو عيناً ما نقص من حصته.

ومن هاتين المادتين نستطيع أن نستنتج أحكاماً تكون خطة بحث لهذا المطلب لذا سوف نقسم المطلب إلى النقاط التالية :



أولاً: طبيعة القسمة الإتفاقية .

ثانياً: كيفية إجراء القسمة الإتفاقية .

ثالثاً:حماية من كان ناقص الأهلية من الشركاء .

رابعاً: نقض القسمة الإتفاقية .



أولاً: طبيعة القسمة الإتفاقية:

تنص المادة /835/ مدني مصري والمادة /789/ مدني سوري على أن:{للشركاء إذا انعقد إجماعهم ، أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها}.

ومن ذلك يتبين لنا أن القسمة الرضائية عقد أطرافه الشركاء المشتاعون ،ومحله المال الشائع وعلى هذا العقد تسري أحكام سائر العقود من رضى جميع الشركاء على هذه القسمة،فإذا لم يتوفر رضى الجميع وأبرم بعض الشركاء عقد القسمة،ولم يبرمه البعض الآخر،فلا يترتب على ذلك إنهاء حالة الشيوع،وإنما يسري هذا الاتفاق على من رضي به فقط،حتى إذا رضي باقي الشركاء أصبحت هذه القسمة نافذة بحق الجميع.

ويتعين ألا يكون من بين هؤلاء الشركاء من هو ناقص الأهلية فإذا كان هناك من هو ناقص الأهلية فإذا كان هناك من هو ناقص الأهلية وجب اتباع الإجراءات التي يقضي بها القانون في هذا الصدد.

ويخضع إثبات عقد القسمة للقواعد العامة في الإثبات فلما زادت قيمة المال المقسوم على المبلغ المحدد في القانون فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة أو بمبدأ ثبوت بالكتابة وكما يكون الإتفاق على القسمة صريحاً يمكن أن يكون ضمنياً،وفي هذه الحالة يكون للقضاء أن يستخلص من تصرفات الشركاء أنهم قد ارتضوا جميعاً قسمة المال الشائع طالما كان تصرف كل منهم في حدود حصته فقط وصدر التصرف من جميع الشركاء.



ثانياً:كيفية إجراء القسمة الرضائية:
من نص المادة /835/مدني مصري،والمادة /789/مدني سوري،والمادة /941/ موجبات لبناني ، يتبين أن المتشرع ترك للشركاء الحرية التامة في اختيار طريقة اقتسام المال الشائع فيما بينهم،كأن يتصرف أحد الشركاء بجزء مفرز من عقار شائع لم يجري تحديده وتحريره،يوازي حصته،ثم يتبعه الشركاء الآخرون،فيتصرف كل منهم بحصة مفرزة أيضاً تعادل نصيبه،فيعد تصرفهم على هذا الوجه دالاً على رضىائهم الضمني بالقسمة الفعلية التي تمت بفعل جميع الشركاء على السواء،هذا إذا لم يكن فيما بين الشركاء قاصر أو غائب،فإذا كان إحد الشركاء غائباً أو لا تتوافر فيه الأهلية،فيجب على الوصي{على القاصر} أو القيم {على المجنون أو السفيه أو المعتوه أو المغفل}أو الوكيل القضائي{عن الغائب}بإذن من المكمة إلى إجراء القسمة بالتراضي مع باقي الشركاء ولا تكون هذه القسمة نافذة إلا بتصديق القاضي.

ثالثاً: حماية من كان ناقص الأهلية من الشركاء:

رأينا في المادة /835/مدني مصري والمادة /789/مدني سوري تنص على أنه {إذا كان بين الشركاء من هو ناقص الأهلية وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون}.



وأن المادة /941/موجبات وعقود لبناني تنص على أنه:{إذا كان بينهم غير ذي أهلية ،أوغائب غيبة متقطعة ،فلا تكفي موافقة ممثله الشرعي بل يجب أن يحكم القاضي المختص بالتصديق على القسمة لتصبح نافذة }.



إذن يجب الحصول على الإذن من القاضي الشرعي حتى تصبح القسمة نافذة بحق جميع الشركاء ،وبذلك تنص المادة /181/ من الأحوال الشخصية السوري:{إذا كان للقاصر حصة شائعة في عقار فللوصي بإذن المحكمة إجراء القسمة بالتراضي مع باقي الشركاء ،ولا تكون هذه القسمة نافذة إلا بتصديق القاضي}.



وتنص المادة /206/من قانون الأحوال الشخصية السوري:{يسري على القيم والوكيل القضائي ما يسري على الوصي من الأحكام إلا ما يستثنى بنص صريح}وبذلك لا ير هذا الحكم على وصي القاصر وحده بل يشمل أيضاً القيم والوكيل القضائي.



ومن ذلك يتبين أنه إذا كان من بين الشركاء من هو ناقص الأهلية أو عديمها،أو كان فيهم غائب،فعلى وصي القاصر والقيم والوكيل القضائي الحصول على إذن القاضي الشرعي لإجراء القسمة الإتفاقية والحصول أيضاً على أذن القاضي الشرعي لإجراء القسمة الإتفاقية والحصول أيضاً على تصديق القاضي الشرعي على هذه القسمة بعد إجرائها حتى تكون نافذة في مواجهة الكافة.

رابعاً:نقض القسمة الإتفاقية بسبب الغبن:

تنص المادة /845/من القانون المدني المصري والمادة/799/ من القانون المدني السوري على أنه:

1- يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه قد لحقه منه غبن يزيد عن الخمس على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة.

2- يجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة،وللمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي نقداً أوعيناً ما نقص حصته.

أما القانون اللبناني فقد تكلم في المادة /947/موجبات وعقود عن الغبن بصفة مطلقة بالنسبة لكل أنواع الغبن.

ومن تلك النصوص يتبين أن المتشرع قد أجاز للشريك المغبون أن يطلب نقض القسمة الإتفاقية ،إذا وقع فيها غبن بالمقدار الذي حدده القانون.

ما هو مقدار الغبن الذي يؤثر في القسمة الرضائية؟؟؟.

لم يتفق القانونان المصري والسوري مع التقنين اللبناني على مقدار واحد للغبن المؤثر في القسمة فقانون موجبات وعقود اللبناني لم يحدده الغبن بنسبة معينة بل وصفه أن يكون فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة.

بينما ذهب كل من القانون المصري والقانون السوري إلى تحديده بما يزيد على الخمس ،أسوة ببيع عقار القاصر ،ولأن الخمس هو المقدار المألوف في الشريعة الإسلامية.

وأعتقد أن القانونين المصري والسوري كانا أحكم من القانون اللبناني لأنهما حددا مقدار الغبن حسماً للخلاف وسرعةً في الحكم.

والعبرة في تقدير الغبن ،النظر في قيمة المال الشائع وقت القسمة لأنه الوقت الذي يراعى في التقدير لتحقيق المساواة بين المتقاسمين.



دعوى إبطال القسمة الإتفاقية للغبن:

إذا تحقق الغبن على النحو الذي ذكرنا بأن كان فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة،كما هو في القانون اللبناني أو كان يزيد على الخمس كما في القانونين المصري والسوري جاز للمتقاسم المغبون،طلب إبطال القسمة والعودة إلى حالة الشيوع،أما الشريك الذي لم يلحقه غبن فلا يستطيع رفع دعوى إبطال الغبن القسمة للغبن.

والمدعي عليه دعوى الغبن هم سائر الشركاء ،لأن دعو الغبن ترمي إلى إبطال القسمة الرضائية كلها،ويقع عبء الإثبات في هذه الدعوى على عاتق المدعي المغبون وله أن يثبت الغبن بجميع طرق الإثبات بما فيها القرائن،لأنها واقعة مادية،وعند ثبوت وقوع الغبن فإنه يجوز للقاضي أن يبطل القسمة.

هذا ويجب أخيراً أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة وإذا ما رفعت الدعوى كان للمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع إجراء القسمة من جديد إذا أكمل المغبون نقداً ،أو عيناً ما نقص من حصته هذا في القانون المصري والسوري،أما القانون موجبات وعقود اللبناني فإنه وضع حكماً خاصاً في شأن ميعاد رفع دعوى الإبطال إذ قرر إنه يجب أن تقام دعوى الإبطال في السنة التي تلي القسمة ولاتقبل الدعوى بعد انقضائها والمدة هنا مدة السقوط.

ما هي الآثار التي تترتب على إبطال القسمة الرضائية للغبن؟؟؟.

الآثار التي تترتب على إبطال القسمة الرضائية للغبن هي إعادة الحالة إلى ما كانت عليها قبل القسمة وإعتبار المال المملوك للشركاء شائعاً منذ أن بدأ الشيوع أول مرة وكأن الشيوع لم ينقطع أبداً، عندها يجوز لأي شريك سواء أكان المغبون أو الغابن أن يطلب القسمة سواء أكانت اتفاقية أو قضائية.



*هل يستطيع الشريك الغابن أن يتفادى إبطال القسمة الإتفاقية؟؟؟.

نعم يستطيع الشريك الغابن أن يتفادى إبطال القسمة بسبب الغبن إذا أكمل للمغبون نقداً أو عيناً ما نقص من حصته ،هذا الأكمال ليس فقط بما يرفع الفحش وجعله يسيراً بل يجب أن يرتفع الغبن كاملاً بحيث يتعادل برفعه نصيب الشريك المغبون مع حصته الشائعة.

ويستطيع المدعى عليه أن يوقف سير الدعوى في أي مرحلة كانت عليها الدعوة طالما لم يصدر حكم نهائي بإبطال القسمة،لأنه بصدور حكم نهائي تعود حالة الشيوع إلى ما كانت عليه قبل القسمة،ولم يعد مقبولاً أن يكون من حق المدعى عليه الغابن أن يطلب تكملة نصيب الشريك المغبون.



























المطلب الرابع

الغبن في عقد الوكالة



تعريف الوكالة: تنص المادة /699/من القانون المدني المصري والمادة /655/من القانون المدني السوري بأن الوكالة :{عقد بمقتضاه يلزم الوكيل يأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل.

والمادة /769/موجبات وعقود لبناني تتفق في مجموعها مع التقنين المصري والسوري إلا أنها لا تحدد محل الوكالة بأنه تصرف قانوني.

ومما تقدم يتبين لنا بأن عقد الوكالة هو عقد من عقود التراضي يتم بالإيجاب والقبول،وأن محل هذه الوكالة هو عمل قانوني دائماً وأن الوكيل يجب عليه أن يعمل لحساب موكله لا لحسابه الشخصي ومن هذه النقطة نستطيع أن ننتقل إلى نقطة هامة في هذا المطلب وهي الأجر في عقد الوكالة.



الأجر عقد الوكالات :

تنص المادة /709/ من القانون المدني المصري والمادة /675/ من القانون المدني السوري على ما يلي:



1- الوكالة تبرعية ، مالم يتفق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيـل.

2- فإذا اتفق على أجر الوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة.

أما القانون اللبناني فقد كان موافق للنصين المصري و السوري بيد أنه لم يذكر أن أجر الوكيل يكون خاضعاً لتقدير القاضي.



ومن هذه النصوص نستطيع أن نميز فرضين على أجر الوكالة :

الأول: حالة عدم اتفاق الموكل والوكيل على الأجر.

الثاني: حالة عدم وجود اتفاق ما بين الموكل والوكيل على الأجر.



الفرض الأول: حالة عدم وجود اتفاق على الأجر:

من نصوص المواد 709/1مدني مصري ، و 675/1 مدني سوري ، و 770 موجبات وعقود لبناني يتبين لنا أنه إذا لم يتم اتفاق بين الموكل والوكيل على الأجركانت الوكالة غير مأجورة ، وكان الوكيل متبرعاً واعتبرت الوكالة في هذه الحالة من عقود التبرع وذلك بنص المواد سالفة الذكر.

بهذا قضت محكمة النقض السورية بقولها:{الوكالة تبرعية مالم يتم الاتفاق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل ، فإذا اتفق على الأجر للوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة}.



الفرض الثاني: حالة وجود اتفاق على الأجر:

من النصوص سالفة الذكر يتبين لنا أن الوكيل لا يأخذ أجراً إلا إذا وجد اتفاق على ذلك ، و ربما كان هذا الاتفاق صريحاً أو ضمنياً و سواء كان الإتفاق صريحاً أو ضمنياً فعبء إثباته يقع على عاتق الوكيل وقاضي الموضوع هو الذي يقرر ما إذا كانت الوكالة مأجورة،ومن أبرز الحالات التي يستخلص منها ضمناً أن الوكالة مأجورة هي مهنة الوكيل ، فإذا كان الوكيل يحترفها مهنة يكسب منها عيشه ، فالمفروض أن الوكالة التي تدخل في أعماق هذه المهنة تكون مأجورة ، فمن وكل محامياً يكون قد اتفق ضمناً مع الوكيل على إعطائه أجراً كما يجري به العرف ، ويغلب أن يكون أجر الوكيل مبلغاً من النقود ولكن لاشيء يمنع من أن يكون من غير النقود إذا اتفقا على أجر صراحةً أو ضمناً ، فيغلب أن الأجر مستحقاً للوكيل ولو لم ينجح في مهمته الموكل لها ، فهو يؤجر على ما بذل من جهد دون النظر إلى النتيجة إذ التزامه هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية بيد أنه لا شيء يمنع من الإتفاق على أن يكون التزام الوكيل التزاماً بتحقيق غاية ، فالوكيل يستحق أجره وره ما تكبده من المصاريف في سبيل المهمة التي كلف بها بغض النظر عن النتائج طالما أن الوكيل لم يرتكب خطأ أدى إلى النتيجة السيئة.



الخلاف على الأجر:



في حال الخلاف على الأجر بين الموكل والوكيل بأن ادعى أحدهم بأن هناك غبناً في الأجر ، فرفع الأمر إلى القضاء المختص ، إذ أن :{أجور الوكيل خاضعة لتقدير القاضي ، و لو كانت متفقاً عليها و التقدير يكون بعد إنهاء العمل}.



و {لقاضي الموضوع الحق في تعديل أجر الوكالة المتفق عليها سواء بتخفيضه أو بزيادة عليه أو بالحد الذي يجعله مناسباً ، و على المحكمة إذا ما رأت تعديل الأجر بالزيادة أو بالنقصان أن تعرض في حكمها للظروف والمؤثرات التي أحاطت بالتعاقد و أدت إلى الخطأ في الإتفاق على مقابل غير مناسب}.



وعلى هذا يترتب :



1- أنه يجوز للقاضي إعادة الأجر إلى الحد المعقول لتصحيح ما وقع فيه المتعاقدين في تعيين مقدار الأجر سواء أكان بزيادة هذا المقدار إذا كان غير كاف ، أوبتخفيض هذا الأجر إذا كان مبالغاً فيه ، وطبعاً ذلك يتوقف على ما تبين بعد تنفيذ الوكالة من أهمية العمل الذي قام به الوكيل وما لقي فيه من صعوبات وما أدى إليه العمل من نتائج ، فإذا ظهر أن مقدار الأجر يزيد على قيمة العمل رفع القاضي هذا الغبن عن كاهل الموكل ، وإذا كان مقدار الأجر ينقص عن قيمة العمل رفع القاضي هذا الغبن عن كاهل الوكيل.

2- يمنع على القاضي أن يعدل مقدار الأجر سواء أكان بزيادة أو بالنقصان إذا رفع الموكل المتفق عليه طوعاً بعد تنفيذ الوكالة حتى ولو كان مقدار الأجر يزيد على قيمة العمل أو ينقص.



ومما تقدم يتضح أنه إذا كان أجر الوكيل لا يتناسب مع العمل الذي قام به بعد إنهاء العمل ، فإن قاضي الموضوع يستطيع بماله من سلطة تقديرية أن يرفع هذا الغبن عن المغبون ويعيد التوازن بين الموجبات مع ملاحظة أن الغبن هنا غير محدد برقم معين بل هو أمر متروك لاجتهاد القاضي وظروف كل قضية.



ومما تقدم من المباحث في الفصلين السابقين يتبين لنا حقيقة واضحة بأن الغبن قد غبن غبناً فاحشاً في التقنيات الوضعية سواء في القانون اللبناني أو في القانون المصري والسوري ، بينما نرى الغبن في فقه الشريعة الإسلامية باسط جناحيه في سماء الفقه الإسلامي ليكون نظرية متكاملة عادلة .



لذلك سوف نبحث في هذا المبحث ما يلي :

1-شروط الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية .

2-آثار الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية .

3-بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية.







المطلب الأول

شروط الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية



احتفظت القوانين الوضعية الحديثة بمفعول الغبن وفق النظرية المادية بيد أنهم قصروها على بعض العقود والحالات فقط .

فالغبن وفقاً لهذه النظرية يعتبر عيباً في العقد ، وليس عيباً في الرضا ، فنحن لا ننظر إلى الحالة النفسية للعاقد المغبون ولا ننظر إلى ظروف العقد والعاقد بل ننظر إلى التوازن ما بين الإلتزامات ، فإذا كان هناك اختلال وفق درجة معينة كان يكون خارجاً عن العادة المألوفة كان هناك غبن .



فالغبن وفق النظرية المادية يتكون من عنصرين هما :



1 -قيمة الشيء : فالعبرة في الغبن بقمة الشيء بحد ذاته وفقاً لقانون العرض والطلب .

2-درجة الإختلال في التعادل : والغبن وفقاً لهذه النظرية رقم مرصود فالقوانين الوضعية حددته بنسبة مئوية في العقار كما فعل القانون المصري في المادة / 425/من القانون المدني .

أما عن شروط الغبن وفق النظرية الشخصية في القوانين الوضعية الحديثة فهو عيب في الإرادة ، وله ثلاث شروط هي :



1-الإختلال في الموجبات

2-أن يكون هناك استغلال لضعف معين في المتعاقد المغبون

3-أن يكون هذا الإستغلال هو الذي دفع المتعاقد إلى التعاقد ولولاه لما أبرم هذا العقد .

هذا في القانون الوضعي.

فنصوص الغبن وفق النظرية المادية محدودة المفعول والغبن وفق النظرية الشخصية أكثر اتساعاً وشمولاً بيد أنها قليلة المفعول والتطبيق لكثرة و تعقد شروطها وصعوبة إثباتها .

أما الغبن في فقه الشريعة الإسلامية، فحلوله فعالة لبساطة شروطه وسهولة إثباته ، فالحنابلة والحنفية والشافعية لم يشترطوا لتحقق الغبن الفعال إلا شرطين هما :

1-الغبن الفاحش ، وهذا الشرط سهل الإثبات جداً .

2-التغرير ، وهذا الشرط أيضاً لا يصعب إثباته في الشريعة الإسلامية

أما الظاهرية والمالكية ، والإباضية والجعفرية والزيدية فلم يشترطوا إلا شرطين هما:

1-الجهل بالقيمة : وهو سهل الإثبات .

2-الغبن الفاحش :وهو أيضاً سهل الإثبات جداً .

وهكذا لاحظنا أن فقهاء الشريعة الإسلامية افترقوا إلى رأيين ، رأي لا يعتد بالغبن الفاحش من دون أن يكون مقترناً بالتغرير ، ورأي لم يشترط اقتران الغبن بالتغرير ليكون العقد قابلاً للفسخ ، ولعل الرأي الأرفق والأوفق هو الرأي الذي يعتد بالغبن من دون أن يشترط اقترانه بالتغرير .

أما عن الإستغلال الموجود في النصوص التقنين الوضعي :

فالإستغلال في فقه الشريعة الإسلامية لا يعتبر مصدراً عاماً للإلتزام ، وإنما هناك تطبيقات كثيرة تشبه الإستغلال الموجود في الفقه الغربي ، بيد أن هذا لا يعني على الإطلاق تقرير نظرية عامة للإستغلا في الفقه الإسلامي ، ولا ضير في عدم معرفة الفقه الإسلامي للإستغلال كمصدر عام للإلتزام ، لأن لكل فقه منهجه الخاص به ، وأسلوبه في معالجة قضاياه ، والفقه الإسلامي قد عالج آثار الإستغلال ووسائله من خلال نظريات أخرى ولعل من أهمها نظرية الغبن التي كان لها تأثير فعال في مقاومة الغبن وأشكاله في السوق الإسلامية .





المطلب الثاني

آثار الغبن في القانون الوضعي على ضوء الفقه الإسلامي



إن آثار الغبن في القانون الوضعي له طبيعة معينة بحيث يعطي للمغبون الحق في إبطال العقد أو إنقاص إلتزاماته إلى الحد المعقول وفق تصور المتشرع الوضعي كما أن للغابن أن يتوقى الحكم بإبطال العقد إذا عرض زيادة التزاماته يرفع هذا الغبن .



قد أجاز القانون للمغبون أن يطلب فسخ العقد عند تحقق الشروط الثلاثة للإستغلال وللقاضي سلطة واسعة في تقدير هذا الطلب .



أما في فقه الشريعة الإسلامية فإننا نرى أن الفقه قد ملك المغبون سلطة فسخ العقد إذا أراد ذلك ودون أن يكون للقاضي سلطة عليه كأن يرغمه على إمضائه إذا أعاد الغابن إلى العقد توازنه ، فالشريعة الإسلامية احترمت الحرية إذا كانت غير مبنية على التعسف في استعمال الحق لذلك تركت للمغبون الحق في فسخ العقد أو إمضائه بحسب ما يرى وليس للقاضي سلطة عليه إلا إذا تعسف في استعمال حقه .



وقد أجاز القانون للمغبون أن يطلب إنقاص إلتزاماته إلى الحد المعقول وفق وجهة نظر المتشرع الوضعي ، فقد يرى المغبون دعوى الإبطال بيد أن القاضي قد يرى أن إنقاص الإلتزامات إلى الحد المعقول أقرب للعدالة ولمصلحة طرفي العقد .



أما الفقه الإسلامي فقد راعى الفطرة وحقق العدالة بين البشر فلم يجعل من سلطة القاضي سيفاً مسلطاً على رقاب المتداعين ، فالمغبون عندما يطلب فسخ العقد لا يستطيع القاضي أن يحكم إلا بما طلب المغبون عند تحقق شروط الغبن .

وإذا طلب إنقاص الإلتزامات ، فلا يستطيع أن يفسخ العقد إلا إذا كان العقد مخالفاً للقواعد الآمرة بالشريعة الإسلامية.



أما عن مدة الدعوى فإننا نلاحظ اتفاق القانون الوضعي مع فقه الشريعة الأإسلامية في جعل مدة سقوط الدعوى سنة ، وعندما تنتهي هذه السنة تصبح دعوى الغبن غير مقبولة لسرعة استقرار المعاملات .

المطلب الثالث

بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي على ضوء الشريعة الإسلامية



في هذا المطلب سوف ألقي الضوء على شركة الأسد وعلى عقد الإذعان وعلى القسمة الإتفاقية وعقد الوكالة من خلال الشريعة الإسلامية .

لذلك سوف أفرع هذا المطلب إلى مايلي :



الفرع الأول : شركة الأسد في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الثاني : عقد الإذعان في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الثالث : القسمة الإتفاقية في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الرابع : عقد الوكالة في ضوء فقه الشريعة الإسلامية











الفرع الأول

شركة الأسد في ضوء فقه الشريعة الإسلامية



ذهبت القوانين الوضعية العربية { اللبنانية ، السورية ، المصرية } إلى بطلان الشركة المتضمنة شروط الأسد .

فهل هذا الحكم المتربع في القانون الوضعي صحيحاً في ضوء الشريعة الإسلامية ؟

المشكلة تتحدد أو تتعين في أن بطلان الشركة تلقائي وليس إرادي فيستطيع كل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان كما يمكن أن يحكم به القاضي من تلقاء نفسه ، ولا ترد على هذه الشركة الإجازة ، ولا يسري في حقها التقادم .

فالشريعة الإسلامية حرم النجش { وفق ما رجحت } بيد أنها لم تجعل هذه الحرية المطلقة بحيث يسري هذا البطلان على العقد بل يستطيع كل ذي مصلحة طلب البطلان أو أن القاضي عليه أن يحكم بالبطلان ، فهذا الحكم في القانون غريب جداً .

فالشريعة الإسلامية جعلت الحرمة مطلقة في العيون النجسة كأن يعقد عقداً على توريد الخمور ، أو الخنازير ، أو اللحوم الميتة للمسلمين فهذا العقد باطل بطلاناً مطلقاً .

فهل الشركة التي تحتوي على شركة الأسد من تلك الأصناف التي حرمها الشارع الحكيم ؟ .


الشركة التي تحتويها شرط الأسد بها ظلم عظيم على الشركاء ، بيد أنهم هم من ارتضوا ذلك ، فإن كان رضاهم ، نتيجة إكراه فلم لا نطبق عليهم حكمه ، وإن كان نتيجة الغرر ، فلم لا نطبق عليهم حكم الغرر ، وإن كان نتيجة غبن فيتعين علينا أن نطبق عليهم أحكام الغبن .

أما أن نحكم ببطلان الشركة بل أن نجعل لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان فهذا شيء عجيب فالبطلان يجب ألا يسري إلا على شرط الأسد فقط وتظل الشركة صحيحة ومعاملاتها صحيحة وشرط الأسد هو الباطل والشرط ، وليس ببطلان الشركة ، كما يجب على القاضي أن يحكم ببطلان شرط الأسد وليس ببطلان شركة الأسد حفاظاً على مصالح الشركاء والمتعاملين معهم .
بعض تطبيقات الغبن

في القانون الوضعي

في ضوء الشريعة الإسلامية
















هذا المبحث جديد لنا سوف نبحث فيه – بفضل الله تعالى - بعض تطبيقات الغبن في القوانين العربية{المصرية،السورية،اللبنانية}ذلك أن هناك حالات أخذ المتشرع فيها بفكرة الغبن وفق النظرية المادية وذلك بمقتضى نصوص خاصة بكل حالة على حده،وقد أشارت المادة/130/ مدني مصري والمادة/131/مدني سوري إلى هذه الحالات بقولها:{يراعى في تطبيق المادة السابقة عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود أو بسعر الفائدة}.

والذي دعا المتشرع إلى الأخذ بفكرة الغبن وفق هذه النظرية في هذه الحالات حرصه على أن يضمن الحماية فيها للطرف المغبون على أساس محدود وبطريقة يسهل فيها الإثبات.

وعلى هذا نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب هي :



المطلب الأول : الغبن في ظل شركة حصة الأسد .

المطلب الثاني : الغبن في ظل عقد الإذعان.

المطلب الثالث: الغبن في ظل القسمة الاتفاقية .

المطلب الرابع : الغبن في ظل عقد الوكالة.







المطلب الأول

الغبن في شركة حصة الأسد



شركة الأسد: هي التي يعفى فيها أحد الشركاء من تحمل الخسائر مع مقاسمته للأرباح ، أو يحرم من الأرباح مع تحمله للخسائر.



ذلك أن من مقومات عقد الشركة أن يساهم كل شريك في أرباحها و في خسائرها بنصيب ما، و إلا كانت الشركة باطلة لإنتقاء نية المشاركة ، فإذا نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الربح ، فمعنى ذلك أن يحقق الربح دون خسارة ، فيكون له الغنم ولغيره الغرم .

ولا شك أن الطرف الذي يأخذ الأرباح دون أن يتحمل الخسائر هو الغابن ، لذلك من الواجب حماية هذا المغبون و إعادة الأمور إلى نصابها، فليس من الضروري أن يتم توزيع الأرباح بالتساوي بين الشركاء مادام كل منهم يحصل على نسبة جدية من الربح.



لنرى الآن كيف عالجت التشريعات العربية {اللبنانية ، السورية ، المصرية } هذا الموضوع:

ذهبت القوانين العربية { اللبناني في المادة 835 موجبات وعقود ، والمصري في المادة515 مصري ، و السوري في المادة 483 مدني إلى بطلان الشركة المتضمنة شرط الأسد ، فنصت المادة: 483مدني سوري على ما يلي :

1-إذا اتفق على أن أحد الشركاء لايساهم في أرباح الشركة أو في خسائرها ،كان عقد الشركة باطلاً .

2- يجوز الاتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عمله من المساهمة في الخسائر بشرط ألا يكون قد تقرر له أجر عن عمله .

فإذا اتفق الشركاء على أن يأخذ أحد الشركاء بعض أرباح الشركة دون أن يتحمل أي خسارة تتناسب مع حصته ، أو اتفقوا على أن يتحمل أحد الشركاء الخسائر من دون غيره مع حرمانه من كافة الأرباح ، فلا جرم بأن هذا الاتفاق يحوي بين طيّاته غبناً فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة ، لذلك رأينا ان المتشرع قد تفاعل مع هذا الغبن فنص على بطلان ، ليس فقط ذلك الشرط بل بطلان الشركة كلها بطلاناً مطلقاً.

وكذلك الأمر إذا نص عقد الشركة على أن أحد الشركاء يجني الأرباح مع أن نصيبه تافهاً إلى حد أنه غير جدي ، فإن هذه الشركة تكون باطلة ، وتكون أيضاً باطلة إذا نص العقد على أن أحد الشركاء لا يتحمل الخسائر أو أن يتحمل بعض الخسائر إلى حد عدم الجدية.

ويجوز التفاق على إعفاء الذي قدم عمله فقط كحصة في الشركة من الخسائر إذا لم يقرر له أجراً عن عمله ، لأنه سوف يتحمل الخسائر عن طريق عدم أخذه لأي مبلغ لقاء عمله إن خسرت الشركة.

نصت الفقرة الثانية من المادة 515 مدني مصري والمادة 483 مدني سوري صراحة على هذا الحكم ، وقد رأينا مما سلف أنه يجوز الإتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم إلا عمله كحصة من الخسائر على أن لا يكون قد تقرر له أجراًلقاء عمله.

وشركة حصة الأسد في أي صورة من صورها باطلة بطلاناً مطلقاً في القوانين اللبنانية والمصرية والسورية ، بحيث يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان،كما يمكن أن يحكم به القاضي من تلقاء نفسه ، ولا ترد على هذه الشركة الإجازة ولا يسري في حقها التقادم .

وبعد ما أوردنا فيما تقدم حكم هذه الشركة في القوانين الثلاثة لنر مدى انطبات الغبن عليها ، وإذا ما انطبق الغبن عليها ، فهل ينطبق عليها الغبن في ضوء النظرية المادية أم في ضوء النظرية الشخصية ، وهل كانت تلك القوانين موفقة في نصها على بطلان تلك الشركة بطلاناًمطلقاً أم لا ؟؟.

في البداية كما نعلم أن للغبن في ضوء النظرية المادية عنصرين بينما الغبن في ضوء النظرية الشخصية يتكون من ثلاثة عناصر، لنطبق هذه العناصر على شركة الأسد لنرى أي النظريتين أجدر لحل مشـكلة هذه الشــركة.

{أ} ما مدى انطباق الغبن وفق النظرية المادية على شركة الأسد؟؟:

لا حظنا أن أحد صور شركة الأسد أن يستأثر أحد الشركاء بالربح دون أن يتحمل أي خسارة ، ولنطبق هذه الصورة على عناصر الغبن وفق النظرية المادية.

{العنصر الأول}قيمة الشيء:

فالعبرة بقيمة الشيء بحد ذاته تبعاً للقوانين الاقتصادية ، ولنفترض أن الشركاء في المثال السابق قد دفعوا حصصاًمتساوية في القيمة النقدية.

{العنصر الثاني}درجة الاختلال في هذا التعادل:

نرى أن الشريك الذي حصل على حصة الأسد قد تقدم بحصة مثله مثل باقي شركائه ومع هذا فإنه يأخذ ربحاً فاحشاً لايتعادل مع حصته ودون أن يتحمل أية خسارة .



{ب} ما مدى انطباق الغبن وفق النظرية الشخصية على شركة الأسد:

كما أصبحنا نعلم أن الغبن في ضوء النظرية الشخصية يتكون من ثلاثة عناصر لنطبق تلك العناصر على شـركة الأسـد.

{1} قيمة الشيء:

قيمة الحصص لا تقيم بسعر السوق ولكن بالسعر الشخصي ، فربما قيّم أحد الشركاء حصته بأنها تساوي حصة الأسد وبالتالي يجب أن يستأثر بالأرباح دون أن يتحمل أي خسـارة.

{2} استغلال ضعف الشريك المغبون:

قد يكون الشريك صاحب حصة الأسد من ذوي النفوذ والسلطة مما يجعله يستغل باقي الشركاء ليحصل على هذه الحصة دون خسارة فعلية.



{3} أن هذا الاستغلال هو الذي دفع إلى التعاقد:

فلولا سلطة وبطش ذاك الشريك لما رضخ له باقي الشركاء على الرغم مما تحوي هذه الشركة من الغبن الفاحش.



ومما تقدم نلاحظ أن الشرط الأول قد لا يتحقق أما باقي الشروط فقد تحققت وبالتالي لا يمكن أن يكون للغبن وفق النظرية الشخصية أي مفعول إلا بتحقيق شروطها الثلاث معاً.



أما إذا طبقنا على شركة الأسـد شروط الغبن وفق النظرية المادية فإنها تستطيع أن تفرش جناحيها حامية بذلك الشريك المغبون من هذا الغبن الفاحش وتعيد الأمور إلى نصابها بأن يتعادل الشركاء بالخسائر والأرباح كل وفق حصته.

وبعد أن شاهدنا أن الغبن ينطبق انطباقاً تاماً على شركة الأسد فلماذا لا نطبق عليها أيضاً حلول الغبن !!.
فجزاء الغبن هو إما البطلان و إما إعادة التوازن بين الإلتزامات أما جزاء شركة الأسـد في القانون هو البطلان المطلق مع العلم بأن نص المادة/515/مدني مصري،ونص المادة/483/مدني سوري كانا في المشروع التمهيدي كما يلي:
{الشركة تكون قابلة للإبطال لمصلحة من يضار من الشركاء بشرط عدم المساهمة في الخسارة /وهم سائر غير من أعفى من المساهمة في الخسارة/أو لمصلحة الشريك الذي اشترط عليه عدم المساهمة في الربح}.

بيد أن النص أجود حكماً من نص المادة /515/مدني مصري،و/483/مدني سوري لأنه يحقق هدفين وهـما:

1-المحافظة على المراكز القانونية التي نشأت في ظل هذه الشركة.

2-حماية الطرف المغبون من هذا الشرط بأن يكون البطلان لصالح المغبون إن لم تصبح الموجبات بين الشركاء متعادلة كل وفق حصته في الأرباح والخسائر.

فالتشريعات الوضعية العربية {اللبنانية،المصرية،السورية}أرادت أن تضع نصاً يُرهب من يريد مثل هذه الشركة ولم ترد أن تعترف بها ثم تحل مشاكلها وتعقيداتها ومع هذا أميل إلى أن تطبق على هذه الشركة حلول الغبن و آثاره .

أما بالنسبة لشرط الأسد فهو الباطل وهذا البطلان لا يسري عليه التقادم الطويل ويستطيع كل ذي مصلحة أن يطلب بطلان هذا الشرط ،كما تستطيع المحكمة أن تحكم من تلقاء ذاتها ببطلان هذا الشرط.





















































المطلب الثاني



الغبن في عقد الإذعان



الأصل في التعاقد أن يتم عن طريق التفاوض والمناقشة والمساومة ، بحيث يتفاوض أطرف العقد على بنوده على نحو يحقق لهما مصالحهما ، بيد أن هناك من العقود ما يشذ عن هذه القاعدة،فلا يكون هناك مفاوضات أو مساوم على بنود العقد ، وإنما يضع الطرف القوي في العقد شروطه وما على الطرف الثاني إلا أن يرضخ لهذه الشروط جملة وتفصيلاً أو يرفضها كلها مما قد يترتب على هذا العقد غبناً فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفةى ، وعلى هذا سوف نبحث كيف يحمي القانون الطرف المذعن المغبون ، وما مدى هذه الحماية.

اعتبرت القوانين المدنية السورية والمصرية واللبنانية عقد الاذعان من العقود الصحيحة ، واعتبرت أن تسليم الطرف المذعن لمشيئة الطرف الآخر أنه قبول للعقد،إلا أن تلك القوانين لم تغفل عن أن عقد الإذعان يتميز بطبيعة خاصة فالعقد قائم التفاوت الكبير بين مركز كل من طرفيه ، الأول يفرض شروطه والثاني عليه أن يقبلها دون أدنى مناقشة وربما أدى ذلك إلى وقوع الطرف المذعن تحت رحمة الطرف القوي ، فيشتغله بأن يفرض عليه شروطاً تعسفية مما جعل رجال الفقه القانوني يسعون جاهدين في سبيل حماية الطرف المذعن من تلك الشروط التعسفية.

نص القانون اللبناني في المادة /172/موجبات وعقود القانون المدني المصري في المادة/150/ على أنه {إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف المذعن منها وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة ، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك}.

فالمظهر السياسي للحماية التي يضعها القانون للطرف المذعن المغبون تتمثل في رفع هذا الغبن عن طريق رفع هذا الغبن عن طريق رفع الأمر للقضاء طالباً منه تعديل الشروط التعسفية وفقاص لما تقضي به العدالة عن طريق رفع الغبن عن الطرف المذعن وإعادة الموجبات إلى حالتها الطبيعية.

ويلاحظ أن بعض الفقهاء يحرص على إبعاد أحكام الغبن عن العقود التجارية ، وجعلها محصورة في عقود القانون المدني فقط.

يقول الدكتور مصطفى كمال طه:{أما البطلان في المغالاة التدليسية في التأمين ، فلا يشترط فيه ارتكاب المستأمن بطرق احتيالية بل يكفي المؤمن إثبات أن المستأمن قد غالى في تقدير الشيء المؤمن عليه بقصد الحصول على تعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية}.

فالفقيه هنا يجعل المغالاة في تقدير الشيء المؤمن عليه بقصد الحصول على تعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية تديساً، ولا يخفى على أحد بأن التدليس لابد أن يقترن بطرق احتيالية،أما إذا انتقت هذه الطرق فلم يعد هذا تدليساً بل غبناً.

والدليل على ما أقول هو أن شروط الغبن متوفرة في المثال السابق فهناك اختلال بين الموجبات فالمؤمن يريد الحصول على التعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية وهذا التعويض فاحش جداً بالنسبة للقيمة الحقيقية للأشياء المؤمن عليها وبالتالي فإن هناك اختلالاً بين الموجبات وعليه فإن هناك غبناً ، وغني على البيان أن تعديل الشروط التي يتضمنها عقد الإذعان لا يقرره القاضي من تلقاء نفسه ، وإنما بناء على طلب الطرف المذعن.

بعد أن يطلب الطرف المذعن رفع الغبن عنه ، فالقاضي هو الذي يملك حق تقدير ما إذا كان هناك غبناً أم لم يكن،فإذا اكتشف أن هناك غبناً فله أن يزيله كلياً أو يزيل جزءاً منه ، فالمتشرع لم يرسم للقاضي حدوداً في ذلك إلا ما تقتضيه العدالة ، ولا يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته هذه باتفاق خاص لأن هذا الإتفاق إذا ما وجد فهو باطل لمخالفته النظام العام.








المطلب الثالث

الغبن في القسمة الإتفاقية



تنص المادة /835/من القانون المدني المصري والمادة /789/ من القانون المدني السوري على أن :{الشركاء إذا انعقد إجماعهم أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها، فإذا كان بينهم من هو ناقص الأهلية ، وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون}.



وتنص المادة /845/من القانون المدني المصري والمادة /779/من القانون المدني السوري على أنه :

1-يجوز نقض القسمة الحاصلة يالتراضي إذا أثبت احد المتقاسمين أنه قد لحقه منها غبن يزيد على الخمس،على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة.

2- ويجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة ، وللمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل المدعي نقداً ، أو عيناً ما نقص من حصته.

ومن هاتين المادتين نستطيع أن نستنتج أحكاماً تكون خطة بحث لهذا المطلب لذا سوف نقسم المطلب إلى النقاط التالية :



أولاً: طبيعة القسمة الإتفاقية .

ثانياً: كيفية إجراء القسمة الإتفاقية .

ثالثاً:حماية من كان ناقص الأهلية من الشركاء .

رابعاً: نقض القسمة الإتفاقية .



أولاً: طبيعة القسمة الإتفاقية:

تنص المادة /835/ مدني مصري والمادة /789/ مدني سوري على أن:{للشركاء إذا انعقد إجماعهم ، أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها}.

ومن ذلك يتبين لنا أن القسمة الرضائية عقد أطرافه الشركاء المشتاعون ،ومحله المال الشائع وعلى هذا العقد تسري أحكام سائر العقود من رضى جميع الشركاء على هذه القسمة،فإذا لم يتوفر رضى الجميع وأبرم بعض الشركاء عقد القسمة،ولم يبرمه البعض الآخر،فلا يترتب على ذلك إنهاء حالة الشيوع،وإنما يسري هذا الاتفاق على من رضي به فقط،حتى إذا رضي باقي الشركاء أصبحت هذه القسمة نافذة بحق الجميع.

ويتعين ألا يكون من بين هؤلاء الشركاء من هو ناقص الأهلية فإذا كان هناك من هو ناقص الأهلية فإذا كان هناك من هو ناقص الأهلية وجب اتباع الإجراءات التي يقضي بها القانون في هذا الصدد.

ويخضع إثبات عقد القسمة للقواعد العامة في الإثبات فلما زادت قيمة المال المقسوم على المبلغ المحدد في القانون فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة أو بمبدأ ثبوت بالكتابة وكما يكون الإتفاق على القسمة صريحاً يمكن أن يكون ضمنياً،وفي هذه الحالة يكون للقضاء أن يستخلص من تصرفات الشركاء أنهم قد ارتضوا جميعاً قسمة المال الشائع طالما كان تصرف كل منهم في حدود حصته فقط وصدر التصرف من جميع الشركاء.



ثانياً:كيفية إجراء القسمة الرضائية:
من نص المادة /835/مدني مصري،والمادة /789/مدني سوري،والمادة /941/ موجبات لبناني ، يتبين أن المتشرع ترك للشركاء الحرية التامة في اختيار طريقة اقتسام المال الشائع فيما بينهم،كأن يتصرف أحد الشركاء بجزء مفرز من عقار شائع لم يجري تحديده وتحريره،يوازي حصته،ثم يتبعه الشركاء الآخرون،فيتصرف كل منهم بحصة مفرزة أيضاً تعادل نصيبه،فيعد تصرفهم على هذا الوجه دالاً على رضىائهم الضمني بالقسمة الفعلية التي تمت بفعل جميع الشركاء على السواء،هذا إذا لم يكن فيما بين الشركاء قاصر أو غائب،فإذا كان إحد الشركاء غائباً أو لا تتوافر فيه الأهلية،فيجب على الوصي{على القاصر} أو القيم {على المجنون أو السفيه أو المعتوه أو المغفل}أو الوكيل القضائي{عن الغائب}بإذن من المكمة إلى إجراء القسمة بالتراضي مع باقي الشركاء ولا تكون هذه القسمة نافذة إلا بتصديق القاضي.

ثالثاً: حماية من كان ناقص الأهلية من الشركاء:

رأينا في المادة /835/مدني مصري والمادة /789/مدني سوري تنص على أنه {إذا كان بين الشركاء من هو ناقص الأهلية وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون}.



وأن المادة /941/موجبات وعقود لبناني تنص على أنه:{إذا كان بينهم غير ذي أهلية ،أوغائب غيبة متقطعة ،فلا تكفي موافقة ممثله الشرعي بل يجب أن يحكم القاضي المختص بالتصديق على القسمة لتصبح نافذة }.



إذن يجب الحصول على الإذن من القاضي الشرعي حتى تصبح القسمة نافذة بحق جميع الشركاء ،وبذلك تنص المادة /181/ من الأحوال الشخصية السوري:{إذا كان للقاصر حصة شائعة في عقار فللوصي بإذن المحكمة إجراء القسمة بالتراضي مع باقي الشركاء ،ولا تكون هذه القسمة نافذة إلا بتصديق القاضي}.



وتنص المادة /206/من قانون الأحوال الشخصية السوري:{يسري على القيم والوكيل القضائي ما يسري على الوصي من الأحكام إلا ما يستثنى بنص صريح}وبذلك لا ير هذا الحكم على وصي القاصر وحده بل يشمل أيضاً القيم والوكيل القضائي.



ومن ذلك يتبين أنه إذا كان من بين الشركاء من هو ناقص الأهلية أو عديمها،أو كان فيهم غائب،فعلى وصي القاصر والقيم والوكيل القضائي الحصول على إذن القاضي الشرعي لإجراء القسمة الإتفاقية والحصول أيضاً على أذن القاضي الشرعي لإجراء القسمة الإتفاقية والحصول أيضاً على تصديق القاضي الشرعي على هذه القسمة بعد إجرائها حتى تكون نافذة في مواجهة الكافة.

رابعاً:نقض القسمة الإتفاقية بسبب الغبن:

تنص المادة /845/من القانون المدني المصري والمادة/799/ من القانون المدني السوري على أنه:

1- يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه قد لحقه منه غبن يزيد عن الخمس على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة.

2- يجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة،وللمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي نقداً أوعيناً ما نقص حصته.

أما القانون اللبناني فقد تكلم في المادة /947/موجبات وعقود عن الغبن بصفة مطلقة بالنسبة لكل أنواع الغبن.

ومن تلك النصوص يتبين أن المتشرع قد أجاز للشريك المغبون أن يطلب نقض القسمة الإتفاقية ،إذا وقع فيها غبن بالمقدار الذي حدده القانون.

ما هو مقدار الغبن الذي يؤثر في القسمة الرضائية؟؟؟.

لم يتفق القانونان المصري والسوري مع التقنين اللبناني على مقدار واحد للغبن المؤثر في القسمة فقانون موجبات وعقود اللبناني لم يحدده الغبن بنسبة معينة بل وصفه أن يكون فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة.

بينما ذهب كل من القانون المصري والقانون السوري إلى تحديده بما يزيد على الخمس ،أسوة ببيع عقار القاصر ،ولأن الخمس هو المقدار المألوف في الشريعة الإسلامية.

وأعتقد أن القانونين المصري والسوري كانا أحكم من القانون اللبناني لأنهما حددا مقدار الغبن حسماً للخلاف وسرعةً في الحكم.

والعبرة في تقدير الغبن ،النظر في قيمة المال الشائع وقت القسمة لأنه الوقت الذي يراعى في التقدير لتحقيق المساواة بين المتقاسمين.



دعوى إبطال القسمة الإتفاقية للغبن:

إذا تحقق الغبن على النحو الذي ذكرنا بأن كان فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة،كما هو في القانون اللبناني أو كان يزيد على الخمس كما في القانونين المصري والسوري جاز للمتقاسم المغبون،طلب إبطال القسمة والعودة إلى حالة الشيوع،أما الشريك الذي لم يلحقه غبن فلا يستطيع رفع دعوى إبطال الغبن القسمة للغبن.

والمدعي عليه دعوى الغبن هم سائر الشركاء ،لأن دعو الغبن ترمي إلى إبطال القسمة الرضائية كلها،ويقع عبء الإثبات في هذه الدعوى على عاتق المدعي المغبون وله أن يثبت الغبن بجميع طرق الإثبات بما فيها القرائن،لأنها واقعة مادية،وعند ثبوت وقوع الغبن فإنه يجوز للقاضي أن يبطل القسمة.

هذا ويجب أخيراً أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة وإذا ما رفعت الدعوى كان للمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع إجراء القسمة من جديد إذا أكمل المغبون نقداً ،أو عيناً ما نقص من حصته هذا في القانون المصري والسوري،أما القانون موجبات وعقود اللبناني فإنه وضع حكماً خاصاً في شأن ميعاد رفع دعوى الإبطال إذ قرر إنه يجب أن تقام دعوى الإبطال في السنة التي تلي القسمة ولاتقبل الدعوى بعد انقضائها والمدة هنا مدة السقوط.

ما هي الآثار التي تترتب على إبطال القسمة الرضائية للغبن؟؟؟.

الآثار التي تترتب على إبطال القسمة الرضائية للغبن هي إعادة الحالة إلى ما كانت عليها قبل القسمة وإعتبار المال المملوك للشركاء شائعاً منذ أن بدأ الشيوع أول مرة وكأن الشيوع لم ينقطع أبداً، عندها يجوز لأي شريك سواء أكان المغبون أو الغابن أن يطلب القسمة سواء أكانت اتفاقية أو قضائية.



*هل يستطيع الشريك الغابن أن يتفادى إبطال القسمة الإتفاقية؟؟؟.

نعم يستطيع الشريك الغابن أن يتفادى إبطال القسمة بسبب الغبن إذا أكمل للمغبون نقداً أو عيناً ما نقص من حصته ،هذا الأكمال ليس فقط بما يرفع الفحش وجعله يسيراً بل يجب أن يرتفع الغبن كاملاً بحيث يتعادل برفعه نصيب الشريك المغبون مع حصته الشائعة.

ويستطيع المدعى عليه أن يوقف سير الدعوى في أي مرحلة كانت عليها الدعوة طالما لم يصدر حكم نهائي بإبطال القسمة،لأنه بصدور حكم نهائي تعود حالة الشيوع إلى ما كانت عليه قبل القسمة،ولم يعد مقبولاً أن يكون من حق المدعى عليه الغابن أن يطلب تكملة نصيب الشريك المغبون.



























المطلب الرابع

الغبن في عقد الوكالة



تعريف الوكالة: تنص المادة /699/من القانون المدني المصري والمادة /655/من القانون المدني السوري بأن الوكالة :{عقد بمقتضاه يلزم الوكيل يأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل.

والمادة /769/موجبات وعقود لبناني تتفق في مجموعها مع التقنين المصري والسوري إلا أنها لا تحدد محل الوكالة بأنه تصرف قانوني.

ومما تقدم يتبين لنا بأن عقد الوكالة هو عقد من عقود التراضي يتم بالإيجاب والقبول،وأن محل هذه الوكالة هو عمل قانوني دائماً وأن الوكيل يجب عليه أن يعمل لحساب موكله لا لحسابه الشخصي ومن هذه النقطة نستطيع أن ننتقل إلى نقطة هامة في هذا المطلب وهي الأجر في عقد الوكالة.



الأجر عقد الوكالات :

تنص المادة /709/ من القانون المدني المصري والمادة /675/ من القانون المدني السوري على ما يلي:



1- الوكالة تبرعية ، مالم يتفق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيـل.

2- فإذا اتفق على أجر الوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة.

أما القانون اللبناني فقد كان موافق للنصين المصري و السوري بيد أنه لم يذكر أن أجر الوكيل يكون خاضعاً لتقدير القاضي.



ومن هذه النصوص نستطيع أن نميز فرضين على أجر الوكالة :

الأول: حالة عدم اتفاق الموكل والوكيل على الأجر.

الثاني: حالة عدم وجود اتفاق ما بين الموكل والوكيل على الأجر.



الفرض الأول: حالة عدم وجود اتفاق على الأجر:

من نصوص المواد 709/1مدني مصري ، و 675/1 مدني سوري ، و 770 موجبات وعقود لبناني يتبين لنا أنه إذا لم يتم اتفاق بين الموكل والوكيل على الأجركانت الوكالة غير مأجورة ، وكان الوكيل متبرعاً واعتبرت الوكالة في هذه الحالة من عقود التبرع وذلك بنص المواد سالفة الذكر.

بهذا قضت محكمة النقض السورية بقولها:{الوكالة تبرعية مالم يتم الاتفاق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل ، فإذا اتفق على الأجر للوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة}.



الفرض الثاني: حالة وجود اتفاق على الأجر:

من النصوص سالفة الذكر يتبين لنا أن الوكيل لا يأخذ أجراً إلا إذا وجد اتفاق على ذلك ، و ربما كان هذا الاتفاق صريحاً أو ضمنياً و سواء كان الإتفاق صريحاً أو ضمنياً فعبء إثباته يقع على عاتق الوكيل وقاضي الموضوع هو الذي يقرر ما إذا كانت الوكالة مأجورة،ومن أبرز الحالات التي يستخلص منها ضمناً أن الوكالة مأجورة هي مهنة الوكيل ، فإذا كان الوكيل يحترفها مهنة يكسب منها عيشه ، فالمفروض أن الوكالة التي تدخل في أعماق هذه المهنة تكون مأجورة ، فمن وكل محامياً يكون قد اتفق ضمناً مع الوكيل على إعطائه أجراً كما يجري به العرف ، ويغلب أن يكون أجر الوكيل مبلغاً من النقود ولكن لاشيء يمنع من أن يكون من غير النقود إذا اتفقا على أجر صراحةً أو ضمناً ، فيغلب أن الأجر مستحقاً للوكيل ولو لم ينجح في مهمته الموكل لها ، فهو يؤجر على ما بذل من جهد دون النظر إلى النتيجة إذ التزامه هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية بيد أنه لا شيء يمنع من الإتفاق على أن يكون التزام الوكيل التزاماً بتحقيق غاية ، فالوكيل يستحق أجره وره ما تكبده من المصاريف في سبيل المهمة التي كلف بها بغض النظر عن النتائج طالما أن الوكيل لم يرتكب خطأ أدى إلى النتيجة السيئة.



الخلاف على الأجر:



في حال الخلاف على الأجر بين الموكل والوكيل بأن ادعى أحدهم بأن هناك غبناً في الأجر ، فرفع الأمر إلى القضاء المختص ، إذ أن :{أجور الوكيل خاضعة لتقدير القاضي ، و لو كانت متفقاً عليها و التقدير يكون بعد إنهاء العمل}.



و {لقاضي الموضوع الحق في تعديل أجر الوكالة المتفق عليها سواء بتخفيضه أو بزيادة عليه أو بالحد الذي يجعله مناسباً ، و على المحكمة إذا ما رأت تعديل الأجر بالزيادة أو بالنقصان أن تعرض في حكمها للظروف والمؤثرات التي أحاطت بالتعاقد و أدت إلى الخطأ في الإتفاق على مقابل غير مناسب}.



وعلى هذا يترتب :



1- أنه يجوز للقاضي إعادة الأجر إلى الحد المعقول لتصحيح ما وقع فيه المتعاقدين في تعيين مقدار الأجر سواء أكان بزيادة هذا المقدار إذا كان غير كاف ، أوبتخفيض هذا الأجر إذا كان مبالغاً فيه ، وطبعاً ذلك يتوقف على ما تبين بعد تنفيذ الوكالة من أهمية العمل الذي قام به الوكيل وما لقي فيه من صعوبات وما أدى إليه العمل من نتائج ، فإذا ظهر أن مقدار الأجر يزيد على قيمة العمل رفع القاضي هذا الغبن عن كاهل الموكل ، وإذا كان مقدار الأجر ينقص عن قيمة العمل رفع القاضي هذا الغبن عن كاهل الوكيل.

2- يمنع على القاضي أن يعدل مقدار الأجر سواء أكان بزيادة أو بالنقصان إذا رفع الموكل المتفق عليه طوعاً بعد تنفيذ الوكالة حتى ولو كان مقدار الأجر يزيد على قيمة العمل أو ينقص.



ومما تقدم يتضح أنه إذا كان أجر الوكيل لا يتناسب مع العمل الذي قام به بعد إنهاء العمل ، فإن قاضي الموضوع يستطيع بماله من سلطة تقديرية أن يرفع هذا الغبن عن المغبون ويعيد التوازن بين الموجبات مع ملاحظة أن الغبن هنا غير محدد برقم معين بل هو أمر متروك لاجتهاد القاضي وظروف كل قضية.



ومما تقدم من المباحث في الفصلين السابقين يتبين لنا حقيقة واضحة بأن الغبن قد غبن غبناً فاحشاً في التقنيات الوضعية سواء في القانون اللبناني أو في القانون المصري والسوري ، بينما نرى الغبن في فقه الشريعة الإسلامية باسط جناحيه في سماء الفقه الإسلامي ليكون نظرية متكاملة عادلة .



لذلك سوف نبحث في هذا المبحث ما يلي :

1-شروط الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية .

2-آثار الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية .

3-بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية.







المطلب الأول

شروط الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية



احتفظت القوانين الوضعية الحديثة بمفعول الغبن وفق النظرية المادية بيد أنهم قصروها على بعض العقود والحالات فقط .

فالغبن وفقاً لهذه النظرية يعتبر عيباً في العقد ، وليس عيباً في الرضا ، فنحن لا ننظر إلى الحالة النفسية للعاقد المغبون ولا ننظر إلى ظروف العقد والعاقد بل ننظر إلى التوازن ما بين الإلتزامات ، فإذا كان هناك اختلال وفق درجة معينة كان يكون خارجاً عن العادة المألوفة كان هناك غبن .



فالغبن وفق النظرية المادية يتكون من عنصرين هما :



1 -قيمة الشيء : فالعبرة في الغبن بقمة الشيء بحد ذاته وفقاً لقانون العرض والطلب .

2-درجة الإختلال في التعادل : والغبن وفقاً لهذه النظرية رقم مرصود فالقوانين الوضعية حددته بنسبة مئوية في العقار كما فعل القانون المصري في المادة / 425/من القانون المدني .

أما عن شروط الغبن وفق النظرية الشخصية في القوانين الوضعية الحديثة فهو عيب في الإرادة ، وله ثلاث شروط هي :



1-الإختلال في الموجبات

2-أن يكون هناك استغلال لضعف معين في المتعاقد المغبون

3-أن يكون هذا الإستغلال هو الذي دفع المتعاقد إلى التعاقد ولولاه لما أبرم هذا العقد .

هذا في القانون الوضعي.

فنصوص الغبن وفق النظرية المادية محدودة المفعول والغبن وفق النظرية الشخصية أكثر اتساعاً وشمولاً بيد أنها قليلة المفعول والتطبيق لكثرة و تعقد شروطها وصعوبة إثباتها .

أما الغبن في فقه الشريعة الإسلامية، فحلوله فعالة لبساطة شروطه وسهولة إثباته ، فالحنابلة والحنفية والشافعية لم يشترطوا لتحقق الغبن الفعال إلا شرطين هما :

1-الغبن الفاحش ، وهذا الشرط سهل الإثبات جداً .

2-التغرير ، وهذا الشرط أيضاً لا يصعب إثباته في الشريعة الإسلامية

أما الظاهرية والمالكية ، والإباضية والجعفرية والزيدية فلم يشترطوا إلا شرطين هما:

1-الجهل بالقيمة : وهو سهل الإثبات .

2-الغبن الفاحش :وهو أيضاً سهل الإثبات جداً .

وهكذا لاحظنا أن فقهاء الشريعة الإسلامية افترقوا إلى رأيين ، رأي لا يعتد بالغبن الفاحش من دون أن يكون مقترناً بالتغرير ، ورأي لم يشترط اقتران الغبن بالتغرير ليكون العقد قابلاً للفسخ ، ولعل الرأي الأرفق والأوفق هو الرأي الذي يعتد بالغبن من دون أن يشترط اقترانه بالتغرير .

أما عن الإستغلال الموجود في النصوص التقنين الوضعي :

فالإستغلال في فقه الشريعة الإسلامية لا يعتبر مصدراً عاماً للإلتزام ، وإنما هناك تطبيقات كثيرة تشبه الإستغلال الموجود في الفقه الغربي ، بيد أن هذا لا يعني على الإطلاق تقرير نظرية عامة للإستغلا في الفقه الإسلامي ، ولا ضير في عدم معرفة الفقه الإسلامي للإستغلال كمصدر عام للإلتزام ، لأن لكل فقه منهجه الخاص به ، وأسلوبه في معالجة قضاياه ، والفقه الإسلامي قد عالج آثار الإستغلال ووسائله من خلال نظريات أخرى ولعل من أهمها نظرية الغبن التي كان لها تأثير فعال في مقاومة الغبن وأشكاله في السوق الإسلامية .





المطلب الثاني

آثار الغبن في القانون الوضعي على ضوء الفقه الإسلامي



إن آثار الغبن في القانون الوضعي له طبيعة معينة بحيث يعطي للمغبون الحق في إبطال العقد أو إنقاص إلتزاماته إلى الحد المعقول وفق تصور المتشرع الوضعي كما أن للغابن أن يتوقى الحكم بإبطال العقد إذا عرض زيادة التزاماته يرفع هذا الغبن .



قد أجاز القانون للمغبون أن يطلب فسخ العقد عند تحقق الشروط الثلاثة للإستغلال وللقاضي سلطة واسعة في تقدير هذا الطلب .



أما في فقه الشريعة الإسلامية فإننا نرى أن الفقه قد ملك المغبون سلطة فسخ العقد إذا أراد ذلك ودون أن يكون للقاضي سلطة عليه كأن يرغمه على إمضائه إذا أعاد الغابن إلى العقد توازنه ، فالشريعة الإسلامية احترمت الحرية إذا كانت غير مبنية على التعسف في استعمال الحق لذلك تركت للمغبون الحق في فسخ العقد أو إمضائه بحسب ما يرى وليس للقاضي سلطة عليه إلا إذا تعسف في استعمال حقه .



وقد أجاز القانون للمغبون أن يطلب إنقاص إلتزاماته إلى الحد المعقول وفق وجهة نظر المتشرع الوضعي ، فقد يرى المغبون دعوى الإبطال بيد أن القاضي قد يرى أن إنقاص الإلتزامات إلى الحد المعقول أقرب للعدالة ولمصلحة طرفي العقد .



أما الفقه الإسلامي فقد راعى الفطرة وحقق العدالة بين البشر فلم يجعل من سلطة القاضي سيفاً مسلطاً على رقاب المتداعين ، فالمغبون عندما يطلب فسخ العقد لا يستطيع القاضي أن يحكم إلا بما طلب المغبون عند تحقق شروط الغبن .

وإذا طلب إنقاص الإلتزامات ، فلا يستطيع أن يفسخ العقد إلا إذا كان العقد مخالفاً للقواعد الآمرة بالشريعة الإسلامية.



أما عن مدة الدعوى فإننا نلاحظ اتفاق القانون الوضعي مع فقه الشريعة الأإسلامية في جعل مدة سقوط الدعوى سنة ، وعندما تنتهي هذه السنة تصبح دعوى الغبن غير مقبولة لسرعة استقرار المعاملات .

المطلب الثالث

بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي على ضوء الشريعة الإسلامية



في هذا المطلب سوف ألقي الضوء على شركة الأسد وعلى عقد الإذعان وعلى القسمة الإتفاقية وعقد الوكالة من خلال الشريعة الإسلامية .

لذلك سوف أفرع هذا المطلب إلى مايلي :



الفرع الأول : شركة الأسد في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الثاني : عقد الإذعان في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الثالث : القسمة الإتفاقية في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الرابع : عقد الوكالة في ضوء فقه الشريعة الإسلامية











الفرع الأول

شركة الأسد في ضوء فقه الشريعة الإسلامية



ذهبت القوانين الوضعية العربية { اللبنانية ، السورية ، المصرية } إلى بطلان الشركة المتضمنة شروط الأسد .

فهل هذا الحكم المتربع في القانون الوضعي صحيحاً في ضوء الشريعة الإسلامية ؟

المشكلة تتحدد أو تتعين في أن بطلان الشركة تلقائي وليس إرادي فيستطيع كل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان كما يمكن أن يحكم به القاضي من تلقاء نفسه ، ولا ترد على هذه الشركة الإجازة ، ولا يسري في حقها التقادم .

فالشريعة الإسلامية حرم النجش { وفق ما رجحت } بيد أنها لم تجعل هذه الحرية المطلقة بحيث يسري هذا البطلان على العقد بل يستطيع كل ذي مصلحة طلب البطلان أو أن القاضي عليه أن يحكم بالبطلان ، فهذا الحكم في القانون غريب جداً .

فالشريعة الإسلامية جعلت الحرمة مطلقة في العيون النجسة كأن يعقد عقداً على توريد الخمور ، أو الخنازير ، أو اللحوم الميتة للمسلمين فهذا العقد باطل بطلاناً مطلقاً .

فهل الشركة التي تحتوي على شركة الأسد من تلك الأصناف التي حرمها الشارع الحكيم ؟ .


الشركة التي تحتويها شرط الأسد بها ظلم عظيم على الشركاء ، بيد أنهم هم من ارتضوا ذلك ، فإن كان رضاهم ، نتيجة إكراه فلم لا نطبق عليهم حكمه ، وإن كان نتيجة الغرر ، فلم لا نطبق عليهم حكم الغرر ، وإن كان نتيجة غبن فيتعين علينا أن نطبق عليهم أحكام الغبن .

أما أن نحكم ببطلان الشركة بل أن نجعل لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان فهذا شيء عجيب فالبطلان يجب ألا يسري إلا على شرط الأسد فقط وتظل الشركة صحيحة ومعاملاتها صحيحة وشرط الأسد هو الباطل والشرط ، وليس ببطلان الشركة ، كما يجب على القاضي أن يحكم ببطلان شرط الأسد وليس ببطلان شركة الأسد حفاظاً على مصالح الشركاء والمتعاملين معهم .

شرط الأسد في القانون التجاري

شرط الأسد

شرط الأسد في القانون التجاري .. هو

1- استئثار أحد الشركاء بالأرباح كلها أو بالأقسم الأعظم منها
بحيث لا يوزع علي باقي الشــــــركاء الا جـــــزء زهيـــــد تافه
وهذا الشرط يعتبر باطلا لاخلاله بركن جوهري في عقد الشركة
هو ( اقتسام الأرباح والخسائر )

2- اعفاء أحد الشركاء من تحمل الخسائر أو الاتفاق علـــي استـــرداد
حصته كاملة وسالمة من أية خسارة مهما كان المركز المالي للشركة
فإن هذا الشرط يقع باطلا لذات السبب ( اقتسام الأرباح والخسائر )
ومع ذلك اذا اشترط شريك مشارك بحصة مالية وبعمل فني اعفاء
حصته المالية من أية خسارة فلا يبطل الشرط لأنه يكون قد تحمل
في الخسارة في صورة ضياع عمله الفني بلا مقابل .

3- حصول أحد الشركاء علي نسبة ثابته من الأرباح في جميع الأحوال أي سواء
حققت الشركة أرباح أو مني بخسارة ويعرف هذا الشرط بشرط الفــــائدة الثابتة
فهذا الشرط يكون باطلا لتخلف ركن نية المشاركة لدي الشريك الذي وضع الشرط لصالحه


- في الصور الثلاثة المذكورة سلفا يكون شرط الأسد باطلا ويستتبع ذلك
أيضا بطلان الشركة ذاتها لأنها فقدت ركنا موضوعيا خاصا من أركانها

عقود الاذعان

بحث مقدمة إلى الدورة الرابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.



1- المسألة محل البحث :

اقتضت طبيعة الحياة المعاصرة، وترتب على تعاظم دور المؤسسات (العامة والخاصة) في النشاط الاقتصادي، ان صارت الشخصيات الاعتبارية (وبخاصة الشركات التجارية) طرفاً في اكثر معاقدات الناس بين فرد وآخر قليلة غير ذات بال. ولقد أدت الدافعية لتعظيم الأرباح لدى تلك المؤسسات إلى سعي لا يعرف الكلل نحو مزيد من الكفاءة في أداء الأعمال والضغط على تكاليف الإنتاج والنفقات الإدارية بما في ذلك عمليات التعاقد في البيع بالشراء والإجارة وغير ذلك. ومن أهم نتائج ذلك ما يسمى "بالتنميط". إن منتجات تلك الشركات وعملياتها المختلفة عندما ينتج منها وحدات "نمطية" تعد بمئات الآلاف أو بالملايين، فإن تكلفة الوحدة الواحدة –سواء كانت سعلة أو خدمة- تصبح قليلة جداً.

ومن ذلك العقود التي تقدم تلك المؤسسات بناء عليها الخدمات والسلع، فقد أضحت عقوداً نمطية ليس على الطرف الآخر (الفرد) عند طلبه السلعة أو الخدمة إلا ان يؤشر على مربعات فيها أو يوقع في المكان المخصص لذلك.

مثل هذا الترتيب يختلف عما تصوره الفقهاء قديماً وحديثاً وبسطوا الكلام عنه في كتبهم من ناحية تكوين العقد وتحقق أركانه وتوافره على شرائط الصحة وبخاصة الرضا. إن تباين القوة التفاوضية بين طرفي هذه العقود والطريقة التي تنعقد بها من حيث النمطية وافتقارها إلى المجاذبة بين البائع والمشتري على شروط العقد جعلها مظنة الإكراه والشك في تعيب الرضا فيها الذي هو أساس صحة عقود المعاوضات ومعلوم أن تعيب الرضا سبب من أسباب فساد العقود. ومن هذا اكتسب الموضوع أهميته واحتاج إلى نظر وتأمل وبحث شامل.



2- معنى الإذعان :

قال في لسان العرب : الإذعان هو الإسراع مع الطاعة، والإذعان، الانقياد وأذعن الرجل انقاد وسلس. وقال في المعجم الوجيز أذعن انقاد وسلب وأذعن بالحق أقر به وقال في مختار الصحاح: أذعن خضع وذل.



3- تعريف عقود الإذعان :

عقود الإذعان هي صيغة من صيغ إبرام العقود تعتمد على استخدام أنموذج نمطي للعقد يعده أحد طرفي العلاقة التعاقدية بصورة منفردة ويعرضه على الطرف الآخر الذي ليس له إلا الموافقة عليه كما هو أو رفضه دون ان يكون له ان يغير في العبارات الواردة فيه أو الشروط والأحكام التي يتضمنها ولا أن يدخل في مجاذبة أو مساومة حقيقية على شروطه مع الطرف المعد لهذا العقد، ومن هذا وصفت هذه العقود "بالإذعان". وقيل ان أول من سماها كذلك القانوني الفرنسي سالي في مطلع القرن العشرين(1).

وأهم عنصر في هذه العقود، وهوا لذي جعلها مظنة الإذعان، هو طريقة عرض العقد من قبل معدة على الطرف الآخر إذ لسان حالة يقول : "أقبله كما هو أو اتركه كما هو" وهو ما يـقال عنه باللغة الإنجليزية Take it-or Leave it"”. ونحن نقول إن هذا النوع من العقود هو مظنة الإذعان، لأنها لا تكون من عقود الإذعان إلا إذا تضمنت شروطاً ما كان للطرف الآخر إن يقبل بها لو أعطي حرية المساومة ومن ثم يمكن القول بتعيب الرضا فيها. فإذا تُحقق من حصول الرضا فيها لم تعد من الإذعان بأي وصفٍ كانت.



4- الصيغ النمطية للعقود :

قال في لسان العرب: النمط الطريقة والضرب من الضروب، والنمط جماعة من الناس أمرهم واحد. وقال في المغرب: والنمط الطريقة والمذهب ومنه "تكلموا على نمط واحد"، وعندي قاع من هذا النمط أي من هذا النوع. وفي الحديث عن علي "خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي(2) .

والصيغ النمطية هي صيغ معدة من قبل أحد طرفي العلاقة التعاقدية، تتضمن أحكام وشروط المعاقدة يعرضها على الطرف الآخر في حال الرغبة في الدخول في العقد دون إن يكون للأخير إلا الحد الأدنى من الاختيار.

وقد انتشرت العقود النمطية في المعاملات التي تجري بين الناس وبخاصة في مجالات الاستهلاك. وقد قدر بعض الباحثين عام 1971 إن الصيغ النمطية الجاهزة للعقود تغطي نحو 99% من المعاقدات التي تجري في البلاد الغربية(3). أما العقود التي تنعقد بالطريقة التي نتصورها نظرياً أو تلك التي تعدها كتب الفقه الصيغ الأساس للمعاقدات فإنها تكاد تكون قد اختفت تماماً من حياة الناس المعاصرة. فالعقود التي تقع بين الناس سواء وقع الإيجاب والقبول به طرفيها مكتوباً أو ملفوظاً أو كانت بالمعاطاه تجري على نمط معد مسبقاً ونظام مرتب إقتضته معطيات التطور الاقتصادي والتكنولوجي. ولم يعد يقع بين الناس اليوم تلك المساومة والمجاذبة على شروط العقد التي يفترض ان تكون دليلاً على تحقق الرضا.



5- فوائد تنميط العقود :

ما كان اتجاه الناس إلى "تنميط العقود" إلا لما ظهر فيها من فوائد تعود على طرفي العلاقة التعاقدية يمكن إن نعد منها:

اختصار الوقت وتقليل الإجراءات الإدارية إذ إن وجود صيغة جاهزة جرى الموافقة المسبقة عليها من الجهة المعينة من المؤسسة يؤدي إلى زيادة كفاءة العمل. وبخاصة ان المعاقدات التي تجري بين الناس في يوم الناس هذا لم تعد كما كانت قديماً. فالمبايعات في الزمان القديم كانت تتم بيسر وسهولة لبساطة محل المعاقدة. أما اليوم فإن السلع الالكترونية والميكانيكية والخدمات الطبية وعمليات الصيانة والتشغيل والمقاولات جميعاً تتضمن تفاصيل كثيرة يصعب ان تكون محل مساومة في كل مرة. أضف الى ذلك الحجم العظيم من الأعمال الذي ترتب على التزايد الكبير للسكان في كل بلد.

خفض تكاليف المعاقدات وبخاصة في الحالات ذات الطبيعة المعقدة مثل عقود بيع المعدات والعقارات والآلات الطبية والطائرات والى آخر ذلك التي تمتد سنوات لارتباطها بترتيبات صيانة وتجديد وتدريب وما الى ذلك. وهذا يسهل العمل ويغني عن المجاذبة والمساومة، كل مرة يقع فيها بيع.

ملائمة حاجات الميكنه واستخدام برامج الحاسوب من قبل بائعي السلع والخدمات في اتمام المعاملات في كافة القطاعات الصناعية والخدمية. ولا يتصور لذلك من سبيل إلا تنميط الاجراءات وصيغ العقود حتى يسهل على الآله التعامل معها.

يؤدي التنميط الى جعل العلاقة بين المؤسسة وعملائها ذات طبيعة موحدة، وعندئذٍ يمكن معاملة جميع العملاء أو الموظفين بصورة جماعية بدلاً من نشؤ علاقة مختلفة مع كل واحد منهم. ومن ثم تفادي التفرق بين الناس بحسب قوتهم التفاوضية.

إن التنميط يقلل الوقوع في الأخطاء، لان العناية بالنمط المعتمد تكون عظيمة وان تكرر العمل به يخلصه من بعض ما يلاحظ عليه من نقص أو خلل لمعاودة انظر فيه وتكرره. كما إن العقود النمطية لما تلقاه من عناية المشخصين تكون أوضح في الصياغة وأدق في العبارة ومن ثم أيسر في الفهم.

وكل ذلك يسهل عمل المحاكم وجهات فض المنازعات في كل الاختلاف لان هذه الأحكام المتشابهة واللغة الموحدة والمعايير المعتمدة تسد الذرائع الى النزاع كما انها تسهل فضه إن وقع.



6- أنواع العقود النمطية :

ويمكن التفريق بين العقود النمطية بطريقتين :

أولاً : من حيث العلم بشروط العقد وأحكامه وتنقسم الى صنفين :

تلك التي يطلع الطرف القابل بها على نصوص العقد المزمع توقيعه مع الطرف الآخر. ويتمكن من العلم بكافة الشروط الواردة فيه مع عدم السماح له بمناقشة محتوياته أو تغيير أي شرط في ذلك العقد، وانما له ان يوافق على جميع ما جاء فيه فينعقد بينهما العقد، أو يعترض على بعض أو كل ما جاء في العقد فلا ينعقد بينهما عقد.

وقد ظهر الآن نوع جديد من العقود النمطية لا يتاح للطرف القابل بها حتى الاطلاع على نصوص العقد أو على صيغته أو شروطه بل يجب عليه إن يوافق على العقد وما جاء فيه مقدماً وقبل اطلاعه على النص. وقد جاء هذا النوع من عقود الإذعان مع انتشار برامج الكمبيوتر، كما سيأتي تفصيله فيما بعد.

ثانياً : من حيث وجود المساومة وعدمه وتنقسم الى قسمين :

ومنها ما لا يكون للطرف القابل ان يناقش شيئاً البتة كخدمات الكهرباء ونحوها بينما ان اكثرها يقتصر المجاذبة بين الطرفين على الثمن أما باقي الشروط فلا نقاش فيها.

ما لا يكون فيه مجال للمساومة او المناقشة في أي شئ كعقود خدمات الكهرباء والماء ونحوها.



7- نمطية العقود ليست دليلاً على تعيب الرضا فيها :

ليس للتنميط في العقود تأثير على صحتها إذ انها مجرد صيغة مستحدثة لتسهيل المعاملات بين الناس يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى : " القول الثالث: انها ]أي العقود[ تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول او فعل فكل ماعد الناس بيعاً و اجارة فهو بيع واجارة وان اختلف اصطلاح الناس في الالفاظ والافعال انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم من الصيغ والافعال وليس لذلك حد مستمر لا في شرع ولا في لغة بل بتنوع اصطلاح الناس كما تتنوع لغاتهم.." ثم قال "وهذا هو الغالب على أصول مالك وظاهر مذهب أحمد".

وقد اتجه بعض الكتاب إلى القول بان جميع العقود النمطية هي من عقود الإذعان لافتقارها إلى المناقشة والمساومة بين طرفيها، ولان معدها وهو دائماً الطرف الأقوى ويرجح فيها مصالحه وهو غير مستعد لإحداث أي تغيير فيها وفي كثير من الأحيان لا تقبل حتى مناقشة محتوياتها بصورة تفصيلية.

لا يمكن إطلاق الحكم على صيغة العقد بأنها تفتقد الى الرضا لمجرد كونها نمطية، أو لأنها قد أعدت من قبل طرفي العلاقة أو أنها تحتوي شروطاً قد تبدو مرجحة لمصلحة طرف على الطرف الآخر. ذلك ان تحقق الرضا من طرفيها على ما فيها أمر محتمل.

قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى بعد الكلام عن الرضا : "... ولم يشترط لفضاً ولا فعلاً معيناً يدل على التراضي وعلى طيب النفس ونحن نعلم بالاضطرار من عادات الناس في أقوالهم وأفعالهم انهم يعلمون التراضي وطيب النفس..".

فإذا حصل ذلك خرجت عن وصف الإذعان إلى الصحة بافتراض انها في الأصل من العقود المباحة. إلا ان الخلل ربما دخل عليها من جهة أخرى وهي وجود مبرر لادعاء أحد طرفيها بعدم حصول الرضا وكونه مكرهاً على التعاقد.



8- مجالات عقود الإذعان :

أضحت اكثر معاقدات الناس في يوم الناس هذا هي من العقود النمطية التي هي مظنة الاذعان من عقود الإذعان، إذ ان هذه العقود يعدها طرف واحد ويضمنها الشروط المحققة لغاياته والمرجحة لمصلحته على مصالح الطرف الآخر. ويمكن القول بصفة عامة ان العلاقات التعاقدية بين الأفراد والشخصيات الاعتبارية تقوم جميعها على أساس صيغ جاهزة للعقود تعدها الشركات والمؤسسات والهيئات ولا تتضمن إمكانية المجاذبة على الشروط أو المراوضة على العقد. ولذلك كانت مجالات عقود الإذعان هي السلع والخدمات الاستهلاكية وكذلك عقود العمل والاستخدام التي يرتبط الفرد فيها مع مؤسسة أو جهة عامة. فالمعاقدات التي تجري بين فرد وشخصية اعتبارية سواء كانت خاصة أو حكومية هي في اغلب حالاتها محكومة بعقد جاهز (هو مظنة الإذعان). أما المعاقدات التي تجري بين الشركات والحكومات أو الشركات والحكومات مع بعضها البعض فهي لما تزل معتمدة على المساومة والمناقشة والتراضي على الشروط في العقد في غالب أحوالها. إذا خلصنا إلى القول بان عقود الإذعان هي تلك التي تتضمن شروطاً ما كان للقابل لها إن يرضى بها لو كان له الحرية التامة في المساومة بشأنها. يمكننا القول عندئذٍ إن مثل هذه العقود يكثر العمل بها في حالات معينة تتسم بما يلي :

كون القوة التفاوضية بين طرفي العلاقة التعاقدية متفاوتة تفاوتاً عظيماً، مثال ذلك الفرد العادي أمام شركة عظيمة لا يمثل ما يشتريه ذلك الفرد منها إلا قدراً لا يكاد يذكر ولا تأثير له عليها.

كون السلع أو الخدمات محل العلاقة ضرورية بصفة عامة كخدمات الكهرباء والماء والهاتف أو كونها ضرورية عند توقيع العقد مثل الخدمات الطبية في الحالات الطارئة التي لا يكون للطرف القابل قوة تفاوضية حقيقية لحاجته الماسة للعناية العلاجية العاجلة.



9- أمثلة على عقود يعدها الناس من عقود الإذعان :

أ- عقود الاشتراك في الخدمات العامة :

كعقد الاشتراك في خدمة الكهرباء والماء والهاتف ونحو ذلك إذ يعرض مقدم الخدمة سواء كان شركة عامة أو خاصة عقداً نمطياً لا يقبل من المستفيد من الخدمة إلا التوقيع عليه بدون مناقشة أو رفضه بدون مناقشة، وليس فيه مجال لاختلاف الثمن او شروط العقد.



ب- عقود المصارف وشركات التأمين :

ومنها عقود فتح الحسابات المصرفية بأنواعها وإصدار بطاقات الائتمان وشهادات التأمين بنوعيه التجاري والتعاوني.

وان كان في هذه إمكانيات المساومة على الرسوم ونوعية الخدمات بحسب القوة التفاوضية للعميل. ولكن يبقى ان العقد نمطي لا يتغير.



ج- عقود العمل :

من المعتاد لدى الشركات ان تعد عقداً نمطياً تطلب إلى جميع العاملين فيها التوقيع عليه ولا يكون لطالب العمل فرصة المناقشة لما يرد فيه من شروط وأحكام. وكذا الحال في العمل لدى الحكومة أو المؤسسات العامة إذ يحكم الوظيفة لوائح عامة تسري على جميع العاملين دون ان يكون لهم حق الاعتراض على أي منها.



د- العقود المتعلقة باستخدامات برامج الحاسوب :

لبرامج الحاسوب طبيعة خاصة ولدت صيغة جديدة للتعاقد بين طرفي العقد فيها. قام استخدام برامج الكمبيوتر قام ليس على أساس ما يسمى "حق الاستخدام لمدة محددة" فلم يجعلوه بيعاً للبرامج ولا إجارة له. ولعل الباعث على ذلك ان البيع (والإجارة) كلاهما يرتب حقوقاً للمشتري (والمستأجر) لا تتلاءم مع طبيعة البرامج الحاسوبية. ذلك ان استخدام هذه البرامج خلال المدة مشروط بعدم التصرف فيها بالتغيير، أو تطوير برامج جديدة معتمدة عليها، أو نسخها أو إتاحة استخدامها للغير وفي نفس الوقت البراءة من كل عيوبها وعدم التعهد بصلاحيتها لأي شئ أو بتحمل الأضرار التي قد تلحقها تلك البرامج بجهاز المستخدم. ونظراً إلى ان هذا المستخدم سيتمكن من استخدام البرنامج والتصرف فيه بالطريقة التي يشاء بمجرد فتحه للغلاف البلاستيكي المحيط بالقرص الذي يحتوي ذلك البرنامج، دون ان يكون لمالك البرنامج القدرة على منعه من الاستخدامات التي قد تلحق الضرر بالمالك اتجه القوم الى التمسك بالحماية القانونية المبالغ فيها لحقوقهم. لذلك فقد وجدت شركات الكمبيوتر ان تمكين المستخدم من فتح ذلك الغلاف قبل إلزامه بعلاقة تعاقدية تحمي حقوق الشركة يتضمن مخاطرة ضياع تلك الحقوق اذ يصعب عليها لو انها اضطرت إلى المرافعة لدى المحاكم ان تثبيت جرمه اذ لم يلتزم بعد بعلاقة تعاقدية. لذلك اتجهت إلى النص على الغلاف الخارجي ان مجرد فتح الغلاف يعني القبول والموافقة على نصوص العقد الموجود داخل الظرف (أو ضمن محتويات القرص). وعلى ذلك المستخدم إن يوافق على نصوص العقد قبل ان يطلع عليها ودليل موافقته فتحه لغلاف المظروف اذ يكتب عليه "اذ لم تكن موافقاً فامتنع عن فتحه". فجمعت هذه الصيغة للعقود مساوئ عقود الإذعان إضافة الى وقوع المعاقدة فيها على شروط مجهولة، تلزم القابل بها قبل ان يطلع عليها.



10- أمثلة على الشروط التي ترد في العقود النمطية فتجعلها مظنة الإذعان :

غرض معد العقد من جعله نمطياً ليس للطرف الآخر الاعتراض على محتواه ان يضمنه أنواعا من الشروط التي ترجح مصلحته على مصلحة الطرف الآخر القابل به وتحمي حقوق معد العقد أولا وتلزم الطرف الآخر بالتزامات لا يقبلها لو ترك الأمر له أو كان يتوافر على قوة تفاوضية كافية. وإنما وصف العقد بأنه عقد إذعان لما فيه من شروط يرجح ان الطرف الآخر لم يكن ليرضى بها لو كان انعقاد العقد بإرادته الحرة واختياره التام. من ذلك :



أ- اشتراط التنازل عن اللجؤ إلى القضاء لفض النزاع :

كثيراً ما يرد في عقود النمطية شرط التنازل عن حق اللجؤ إلى القضاء في حال الاختلاف أو المنازعة مع الطرف الآخر، وإذعان القابل لحكم هيئة صلح ينص غالباً على طريقة تكوينها في صلب العقد. ويقع ذلك أكثر ما يقع في عقود العمل، وفيها يوقع الموظف على موافقته ان تكون ما تتوصل إليه تلك الهيئة نهائياً يرضاه ولا يلجأ إلى المحاكم بعد ذلك. ولقطع طريق العامل الى المحاكم ينص في العقد على حرمانه من كافة حقوقه الباقية له بموجب العقد كالتقاعد ومكافأة نهاية الخدمة ونحوها اذا لم يلتزم بهذا الشرط. فيكون في لجؤه الى القضاء مخاطرة عليه.



ب- اشتراط ان دفاتر البنك هي البينة على الحسابات عند الاختلاف:

وهذا نص معتاد في اتفاقيات فتح الحسابات المصرفية، إذ يقر العميل بان قد رضي بما يكون مسجلاً في دفاتر البنك في حال الاختلاف، فإذا وجد حسابه ناقصاً وأخبره المصرف انه – أي العميل- سحب منه، بينما يقول هو انه لم يسحب كان الحكم في المسألة بناء على هذا الشرط لما يوجد في سجلات البنك فحسب.



ج- اشتراط سقوط حق المطالبة بعد مدة وجيزة :

من ذلك ما ينص في اتفاقيات فتح الحسابات المصرفية ان للعميل إذا تلقى كشف الحساب من البنك الاعتراض على ما يرد فيه من خطأ خلال 15 يوماً فإذا لم يفعل سقط حقه في الاعتراض على ما ورد في ذلك الكشف من اخطأ حتى لو انه لم يتسلم الكشف إلا متأخرة. وجلي ان هذه الأخطاء يترتب عليها ضياع لحقوق أو أموال صاحب الحساب. لذلك فان النص على موافقته على ما ورد في الكشف وسقوط حقه في الاعتراض عليه بعد هذه المدة يعني إقراره بما ورد في ذلك الكشف، والتزامه بما جاء فيه وسقوط حقه في الإعتراض مستقبلاً.



د- اشتراط ان مجرد إرسال الإشعارات إليه يعد تسلماً لها منه :

وهو نص يرد في العقود النمطية الخاصة بالخدمات وغيرها وينص على انه بمجرد تسليم "الإشعارات" والخطابات والفواتير إلى مكتب البريد يكون العميل قد تسلمها اذا كانت مرسلة الى العنوان الذي ذكره في العقد عند التعاقد. وليس له ادعاء عدم ذلك. وبهذا يسقط الطرف الأقوى المسؤولية عن نفسه بمجرد إيداعها في البريد. بما في ذلك ما يكون من مخاطبات تبلغه بتغيير رسوم الخدمات او إدخال التعديلات في شروط العقد...الخ. وكذا فواتير الخدمات إذ ان مجرد إرسالها يعد تسلماً لها من قبل العميل. ولذلك فان عدم تسديدها يعتبر مماطلة توجب الغرامات وقطع الخدمة وليس له الاعتذار بان الفاتورة لم تصل إليه.



و- جعل العقود جائزة في حق الطرف القوي :

ومنها اشتراط ان يكون العقد جائزاً من جهة الطرف القوي لازماً من جهة القابل به. فينص على حق فسخه في أي وقت بإرادة منفردة وكذا النص على حقه في تغيير شروط المعاقدة دون موافقة الطرف الآخر. من ذلك ما يرد في العقود النمطية للمصارف. "عند إصدار بطاقات الائتمان ونصه : يحق للبنك إلغاء البطاقة الأساسية أو أية بطاقات إضافية تكون قد أصدرت عنها بدون إشعار العميل بإيقاف العمل بها"، ومنها "يحتفظ البنك بحقه في تعديل شروط وأحكام هذه الاتفاقية كلياً أو جزئياً وذلك بدون موافقة العميل وينطبق ذلك على جميع الرسوم الخاصة بالبطاقة".



ح- البراءة من كل عيب والتحلل من كل التزام والمبالغة في حماية حقوق طرف على حساب الآخر :

أشرنا آنفاً الى خصوصية عقود إستخدام برامج الحاسوب، ويرد في هذه العقود شروط لا باعث عليها إلا الاذعان. ولا ونقدم أدناه أمثلة على نصوصٍ ترد في هذه العقود منها:

(ويشار إلى الطرف الأول فيها بأنه صاحب البرنامج أو الشركة بينما يشار إلى الثاني بأنه المستخدم). وهذه الصيغة أصبحت نمطية تكاد ترد في كافة برامج الحاسوب:

"يتنازل المستخدم عن كل حق له ويبرء ويسامح ويتخلص ويترك كل استحقاق أو ادعاء يدعيه على الشركة وموظفيها أو المسؤولين فيها ووكلائها وموزعيها وملاك أسهمها وممثليها وكل من له صلة أو علاقة بها عن أي حق أو ضرر أو خسارة تقع عليه من جراء استخدام هذا البرنامج سواء كانت بصفة مباشرة أو غير مباشرة خطأ كانت أو عمداً. وفي نفس الوقت فإن المستخدم يتعهد بتعويض الشركة وحمايتها والدفاع عنها وعن شركاتها الفرعية وشركتها الأم وحملة أسهمها والموظفين والمسؤولين فيها وعمالها عن أي ضرر أو خسارة أو ضرائب أو أي مسؤولية من أي نوع كانت وأية مصاريف تتكبدها الشركة أو موظفيها أو عمالها أو حملة أسهمها ناشئة عن قيام الشركة بعملها الطبيعي في إتمام المهام الملقاة على عاتقها".

"لا يقدم صاحب البرنامج ولا البائع ولا الموزع أية ضمانات أو تأكيدات أن هذا البرنامج صالح للعمل أو مناسب لأي تطبيق ولا انه يعتمد عليه في أي شئ أو أنه مستوفٍ لمتطلبات الدقة أو للشروط والمواصفات الفنية لا جملة ولا تفصيلاً وإنما يبيعه كما هو بدون أية ضمانات أو تأكيدات كما لا يتحمل صاحب البرنامج ولا الموزع أية مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة خاصة أو عامة من أي نوع كان ولا يتحمل التعويض عن الإضرار بأية صفة كانت".

"يتنازل المستخدم عن كل حق له في الاحتكام إلى أية محكمة بما فيها محاكم البلد الذي يقيم فيه، عدا محاكم إنجلترا ويحتفظ صاحب البرنامج من جهة أخرى بحقه في مقاضاته في أية محكمة يختار بإرادته المطلقة والمنفردة ولا يلزم ذلك أن يكون في مكان إقامة مستخدم البرنامج أو في مقر عمله ولا في مكان صاحب البرنامج وإنما في أي محكمة يختارها وليس للمستخدم الاعتراض على ذلك".



11- عقود الإذعان من وجهة نظر الاقتصاديين :

شُغل الاقتصاديون –كما شغل أهل القانون- بالعلاقات التعاقدية التي تنشأ بين الناس في مجال النشاط الاقتصادي، ومن ذلك العقود النمطية التي هي مظنة الإذعان. إلا ان الاقتصاديين مختلفون في نظرهم إلى عقود الإذعان عن أهل القانون حيث يرون ان الحكم بوجود الإذعان لا يمكن التوصل إليه بمجرد النظر في الصيغة التعاقدية وشروط العقد بل إلى لابد ان نأخذ في الاعتبار هيكل السوق الذي يستخدم فيه ذلك العقد. فإذا كانت السوق تنافسية لا يسيطر على العرض أو الطلب فيها منتج واحد او عدد قليل من الباعة، فإن العقود لا يمكن وصفها بإنها عقود إذعان حتى لو كانت نمطية لايتاح لأحد طرفيها المساومة على شروطها. لان القابل لها متاح له خيارات أخرى، حتى لو كان قام الطرف الأقوى بصياغة العقد بنفسه وعرضه على القابل به دون مجاذبة او مساومة.

فالقضية ترجع الى وجود الاحتكار، فإذا وجد وجدت عقود الإذعان أما إذا كانت السوق تنافسية بوجود عدد كافٍ من العارضين للسلعة أو الخدمة فإن ذلك يعني حرية التعاقد ويتحقق معه الرضا بصفة مباشرة عن طريق التفاوض بين الطرفين فإذا لم يوحد ذلك حصل الرضا بصفة غير مباشرة عن طريق ما تحدثه قوى العرض والطلب. وبهذا تخرج العقود التي لا يتوافر الطرف المعد لها على قوة احتكارية من تعريف عقود الإذعان، وتكون العقود التي يفرضها المحتكر على عملائه فقط مظنة الإذعان. لا ريب ان هذه المسألة واضحة بالنسبة لعنصر الثمن حيث يسود في السوق التنافسية الثمن الأمثل. إلا ان الاقتصاديين يرون ان القوة المنافسة لا يتوقف تأثيرها الحسن على الثمن إذ انهم يقولون ان الشروط الأخرى في عقود المعاوضات لا تختلف عن الثمن. وبما ان الثمن في السوق التنافسية يتحدد بما يشبه المساومة الجماعية بين الباعة والمشترين بحيث يكون السعر السائد في السوق هو الذي يحقق مصالح الطرفين، كذلك الحال بالنسبة للشروط الأخرى في العقود.



12- تجارب بعض الدول في التعامل مع العقود النمطية :

ان السعي نحو تحقيق العدل في المعاملات التي تجري بين الناس وسد ذرائع الظلم في المعاقدات أحد متطلبات السلام الاجتماعي وهي قيمة إنسانية تشترك فيها كافة المجتمعات المتحضرة عنى بها نظام الاسلام وجاءت مقصداً من مقاصد الشريعة في العقود.

يقول القرافي رحمه الله في هذا الشأن "قاعدة: مقصود صاحب الشرع صلاح ذات البين وحسم مادة الفتن حتى بالغ في ذلك بقوله: لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا"(4). وللأمم الأخرى خبرات في التعامل مع العقود النمطية، وما أنقلب منها إلى عقود إذعان حري بالاستفادة منه.

لقد اختلف تناول السلطات التشريعية والقضائية لهذه المسألة في الدول التي حصلنا على معلومات عنها.

ليس في فرنسا قانون خاص للعقود النمطية، ولكن يجري تنظيم هذه المسألة في التقنين الخاص بأغراض الاستهلاك. فالمادة R132-1 تنظم شروط العقود التي تنشأ بين تاجر ومستهلك، فهي تمنع "الشروط المجحفة" وهي التي تحد من الخيارات المتاحة للمستهلك في حال مخالفة التاجر لشروط العقد مثل ان تمنعه من التحاكم الى القضاء او الحصول على التعويض ونحو ذلك. ويتضمن التقنين المذكور أمثلة على الشروط التي لا يجوز ان يتضمنها عقد بين تاجر ومستهلك. كما ينص القانون على إنشاء هيئة دائمة ضمن إدارة حماية المستهلك تقرر "قانونية" الشروط التي ترد في تلك العقود في حال الاختلاف. وجلي ان المشرع الفرنسي لا يرى العقود التي تنشأ بين التجار أو الشركات بحاجة الى مثل هذا الاهتمام لقدرتهم على حفظ حقوقهم. وقد تضمن القانون المذكور ملحقاً يتضمن قائمة (غير كلية) الشروط التي تعد شروطاً مجحفة ولا يجوز النص عليها في العقود.

وإذا تقرر ان العقد يتضمن شروطاً مجحفة، فإن ذلك لا يعني في المحاكم بطلان العقد برمته وإنما يصح منه ما سلم من ذلك.

ومعالجة قضايا العقود النمطية في الولايات المتحدة يرجع الى المحاكم. إذا أدعى أحد طرفي العقد النمطي أن ذلك كان عقد إذعان فان المحاكم تفرق في النظر بين العقود الاستهلاكية أي التي يكون طرفها القابل فرداً يشتري سلعة أو خدمة من شركة كبيرة وبين العقود التجارية التي تقع بين الشركات. وتعد عقود العمل جزءاً من العقود الاستهلاكية. ثم تقوم بالنظر في نصوص العقد وشروط وتفسرها جميعاً لصالح الطرف الأضعف (أي المستهلك)، فإذا لم يكن ذلك كافياً أبطلت ما كان فيها من شروط تراها منافية لمقتضيات العدالة. ولكنها لا تفسد العقد برمته.

فمثلاً إذا اشترط رب العمل على العامل التنازل عن اللجؤ إلى المحاكم، وانه إن فعل فسوف يفقد حقه في مكافأة نهاية الخدمة أو التأمين الصحي أو التقاعد، فإن المحاكم تسقط هذا الشرط فوراً. ولكن لو نص على مثل ذلك الشرط ولكن أضيف الى ذلك إن عليه إن يعطي فرصة كاملة للصلح وفض المنازعة بواسطة لجنة مشتركة قبل ان يلجأ الى القضاء، فان لجؤه الى القضاء قبل ذلك لا تقبله المحكمة. أو نص على انه إن أراد اللجؤ إلى المحاكم لزم إن يفعل ذلك خلال مدة يحددها العقد وإلا سقط حقه في ذلك، اتجهت المحاكم إلى قبول مثل ذلك الشرط ولم تقبل منه اللجؤ الى المحكمة اذا فات ذلك التاريخ لما تجده من مصلحة واضحة لرب العامل دون ضرر بالغ على العامل(5).



13- الأشكال في عقود الإذعان :

إن تحقق العدل في المعاملات التي تجري بين الناس مقصد شرعي وهو أساس حصول الاستقرار والسلام الاجتماعي ولذلك منع الشارع أنواعا من المعاقدات التي مبناها الظلم كالربا والميسر أو التي تفظي إلى النزاع بين الناس كعقود الغرر والقمار واشترط في المعاقدات ان يدخل فيها الناس برضا وارادة حرة وعلى علم تام وانتفاء جهالة. والرضا أمر خفي لا يمكن الجزم بعدم وجوده بمجرد النظر في صيغة العقد. إلا ان عقود الإذعان لما كانت قد صممت على أساس ان تقبل أو ترفض دون وجود مساومة حقيقية بين طرفيها في الشروط كانت مظنة الفساد لاحتمال ان تكون حقيقتها انها عقود إكراه لا تتوافر على الرضا، وربما تظمنت شروطاً منافية لمقتضيات العدالة أو مخالفة لأحكام الشريعة. ما نحتاج الى الاجابة عنه والحال هذه ثلاثة اسئلة :

الأول : مالصيغة للعقود النمطية التي يجزم فيها بانعدام الرضا فتعد من عقود الإكراه؟

والثاني : هل يعذر المسلم في الدخول في عقد اذعان اذا تضمن شروطاً مخالفة لمجرد عجزه عن تغيير شروط العقد؟

والثالث: مالذي يجب على ولي الأمر عمله حتى نتفادى مفاسد عقود الاذعان دون اغلاق الباب على مصالح تنميط العقود؟

ولكن قبل ذلك نتنازل مسألة الرضا والإكراه ومعنى بيع المكره وحكمه.


14- الرضا وأهميته في العقود:

أ- الرضـــا :

الرضا في اللغة الاختيار والموافقة والارتياح وطيب الخاطر وهو خلاف السخط، والتراضي أساس صحة عقود المعاوضات فيتوقف عليه انعقادها. يدل على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم"(6).

فقد نهى في الآية عن أكل الأموال بالباطل واستثنى التجارة عن تراضٍ من هذا النهي.

ومن السنة ما رواه أبو داود من حديث أبى سعيد الخدري مرفوعاً "إنما البيع عن تراض" أخرجه ابن حبان وابن ماجه والبيهقي وفي روايته قول المصطفى عليه السلام "لألقين الله من قبل ان أعطي أحدا من مال أحد شيئاً بغير طيب نفسه إنما البيع عن تراضٍ"، ومنها قوله عليه السلام "لا يحل مال امرأ مسلم إلا من طيب نفس منه".

قال ابن العربي في أحكام القرآن، في تفسير قوله تعالى : (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل): "المسألة السابعة: قوله تعالى "عن تراضٍ منكم" وهو حرف أشكل على العلماء حتى اضطربت فيه آراؤهم قال بعضهم التراضي هو التخاير بعد عقد البيع قبل الافتراق من المجلس وبه قال ابن عمر وأبو هريرة وشريح والشعبي وابن سيرين والشافعي... وقال آخرون إذا تواجبا بالقول فقد تراضيا يروى عن عمر وغيره وبه قال أبو حنيفة ومالك والصحابة"(7).

ويرى جمهور الفقهاء ان الانعقاد يتوقف على إرادة التعبير والرضا بالحكم عملاً بآية التراضي والأحاديث التي بمعناها. ولذلك جاء تعريف البيع في كثير من كتب الفقه بأنه "مبادلة المال بالمال بالرضا". فإذا لم يحصل الرضا وانعقد العقد كان انعقاده على إكراه.

ب- الإكــراه :

والإكراه في اللغة إثبات الكره والكره ما نافى المحبة والرضا، والإكراه في الاصطلاح هو إجبار أحد على ان يعمل عملاً بغير حق من دون رضاه بالإخافة ونحوها. قال صاحب المبسوط في الكره المعتبر "ان يصير خائفاً على نفسه من جهة المكره في إيقاع ما هدده به عاجلاً لأنه لا يصير ملجأ محمولاً طبعاً(8).



وقال صاحب المغني في معنى الإكراه :

"فصل: والإكراه على الفعل ينقسم قسمين أحدهما إن يُلجأ إليه مثل من يحلف لا يدخل داراً فحمل فأدخلها أو لا يخرج منها فأخرج محمولاً أو مدفوعاً بغير اختياره ولم يمكنه الامتناع... والثاني إن يكره بالضرب والتهديد بالقتل ونحوه..".



وقال ابن العربي في أحكام القرآن :

"المضطر هو المكلف بالشيء الملجأ إليه المكره عليه ولا يتحقق اسم المكره إلا لمن قدر على الشيء ومن خلف الله فيه فعلاً لم يكن له عليه قدرة كالمرتعش والمحموم لا يسمى مضطراً ولا ملجأ... المضطر المحتاج ولكن الملجأ مضطر حقيقة والمحتاج مضطر مجازاً".



وقال ابن حزم في المحلى (كتاب الإكراه):

"الإكراه كل ما سمي في اللغة إكراها وعرف بالحس انه إكراه كالوعيد بالقتل ممن لا يؤمن منه إنفاذ ما توعد به والوعيد بالضرب كذلك أو الوعيد بالسجن كذلك أو الوعيد بإفساد المال...".

ثم قال : "الإكراه ينقسم إلى قسمين إكراه على كلام وإكراه على فعل فالإكراه على الكلام لا يجب به شئ وان قاله المكره كالكفر والقذف والإقرار والنكاح والطلاق والبيع والابتياع... فصح إن كل من اكره على قول ولم يتفوه مختاراً له فإنه لا يلزمه".



وقال الشافعي في الأم (باب الدعوى والصلح):

"والإكراه من كان أقوى من المكره في الحال التي يكرهه فيها التي لا مانع له فيها من إكراهه ولا يمتنع هو بنفسه سلطاناً كان أو لصاً أو خارجياً أو رجلا في صحراء أو في بيت مغلق على من هو أقوى منه".

ولا يكون الإكراه إلا على أمر لا يحبه أو لا يريده أو ما كان له إن يفعله لو كان له حرية الإرادة في ذلك. يقول السرخسي في المبسوط: ".. وفيما اكره عليه إن يكون المكره ممتنعاً منه قبل الإكراه إما لحقه أو لحق آدمي آخر أو لحق الشرع"(9).

وقال أيضاً: "واصل المسألة إن تصرفات المكره قولا منعقد عندنا إلا إن ما يحتمل الفسخ منه كالبيع والإجارة يفسخ ومالا يحتمل الفسخ منه كالطلاق والنظام والعتاق وجميع ما سميناه فهو لازم"(10).

ج- حكم بيع المكره :

قال ابن حزم في المحلى، كتاب البيوع: "مسألة : ولا يحل بيع من أكره على البيع وهو مردود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عفا لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وقوله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا إن تكون تجارة عن تراض منكم) فصح إن كل بيع لم يكن عن تراض فهو باطل إلا بيعاً أوجبه النص...".



وقال ابن العربي في أحكام القرآن في تفسير قوله تعالى (إلا إن تكون تجارة عن تراض منكم) "المسألة الثامنة هذا نص على إبطال بيع المكره لفوات الرضا فيه وتنبيه على إبطال أفعاله كلها حملاً عليه".



وقال الشيرازي في المهذب كتاب البيوع "فأما المكره فان كان بغير حق لم يصح بيعه لقوله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا إن تكون تجارة عن تراضٍ منكم".

وقال في بدائع الصنائع "فلا يصح بيع المكره إذا باع مكرها وسلم مكرها لعدم الرضا فإذا باع مكرها وسلم طائعاً فالبيع صحيح"(11).



هل الاذعان لشروط الطرف الآخر دليل على الإكراه :

ان الاذعان لشروط الطرف الآخر ليس دليلاً كافياً لوجود الإكراه وانعدام الرضا، يشهد لذلك ما ذكره الفقهاء من ان المكره اذا تصرف بعد التعاقد تصرفاً لم يكن فيه مكرهاً فقد حصل منه الرضا. وكذا في المبسوط "ولو اكرههما على البيع والشراء ولم يذكر لهما قبضاً فلما تبايعا لم يتقابضا حتى فارق الذي اكرههما ثم تقابضا على ذلك البيع فهذا رضائهما بالبيع أجازه له"(12).



قال صاحب المجموع: "المصادر من جهة السلطان وغيره من يظلمه بطلب مال وقهره على إحضاره إذا باع ماله ليدفعه إليه للضرورة والأذى الذي يناله.. فيه وجهان مشهوران ... أحدهما لا يصح كالإكراه وأصحهما يصح.. لأنه لا إكراه على نفس البيع ومقصود الظالم تحصيل المال من أي جهة كان" (المجموع شرح المهذب).

وقال في بدائع الصنائع "فلا يصح بيع المكره إذا باع مكرهاً وسلم مكرهاً لعدم الرضا فأما إذا باع مكرهاً وسلم طائعاً فالبيع صحيح" (البدائع كتاب البيوع فصل في شرائط الصحة في البيوع).

ولا يغير كثيراً من الحكم كون القابل مضطراً الى التعاقد ان كان اضطراراً من حيث الحاجة الى التعاقد وليس الإكراه عليه بالقوة الغاشمة.



قال النووي في المجموع (كتاب البيوع باب المكره على البيع): "فرع: ذكر الخطابي في تفسير حديث علي رضي الله عنه إن بيع المضطر يكون على وجهين أحدهما إن يضطر إلى العقد عن طريق الإكراه عليه فلا ينعقد العقد والثاني إن يضطر إلى البيع لدين أو مؤنة ترهقه فيبيع ما في يده بالوكس من أصل الضرورة فسبيله من حيث المرؤة إن لا يترك حتى بيع ماله ولكن يعان ويقرض ويستمهل له إلى الميسرة حتى يكون له فيه بلاغ فان عقد البيع على هذا الوجه صح ولا يفسخ ولكن كرهه عامة أهل العلم هذا لفظ الخطابي رحمه الله".

ولذلك نقل صاحب درر الحكام عن الزيلعي قوله "والحاصل ان عدم الرضا معتبر في جميع صور الإكراه وأصل الاختيار في جميع صوره ثابت لكن في بعض الصور يفسد الاختيار وفي بعضها لا يفسد" (مادة 948).



15- ماهي الصيغة من العقود النمطية التي يجزم فيها بانعدام الرضا وانها من عقود الإكراه :

لا يكون الإكراه إلا بوجوده قوة قاهرة يذعن لها الفرد خوفاً من وقوع امر لا يحبه وتكون قادرة على ذلك الأمر به، فإذا دخل في العقد تحت هذا الضغط كان مكرهاً ولكن لو انه تصرف بما يدل على الرضا لم يكن مكرهاً حتى تحت ذلك الضغط فلو ارغم على البيع بتهديد، ولكنه أقبض البائع برضاه لم يكن مكرهاً.

ولو كان في حاجة ماسة فدخل في العقد لحاجته لم يكن مكرهاً. ولو كان مكرهاً على أمر لا يتم إلا بالدخول في عقد فدخل فيه لم يكن من عقود الإكراه كمن اكره على دفع المال فباع بعض متاعه فليس بيعه فاسداً للاكراه.

وقد قدمنا أعلاه النقول الدالة على ما ذكره اذاً لا يمكن وصف العقد النمطي الذي يدخل فيه الفرد حتى لو دخل فيه دون مناقشة ولا قدرة على تغير شروطه او المساومة عليها بانه من عقود الإكراه إلا اذا ارغم على الدخول فيه بالتهديد ونحوه ولم يتصرف تصرفاً بعد ذلك يدل على رضاه. ومثل ذلك لا يقع في المعاملات المعاصرة. وليس في عقود الاذعان مثل ذلك.

جلي مما سبق بحثه إن عقود الإذعان، وهي التي تتضمن شروطاً ما كان للقابل إن يرضى بها لو كان له حرية الاختيار، مثل هذه العقود لا تصل إلى وصف الإكراه فإن الدخول فيها يبقى قراراً يتخذه القابل ويمكنه الامتناع عنه. فإذا اندفع إليه بحكم حاجته إلى الخدمات أو ما إلى ذلك فليس هذا مما يدخل في تعريف الإكراه. حتى لو كان محل العقد سلعة ضرورية او حاجة ماسة له.



16- لا يعذر المسلم في الدخول في عقود فيها شروط مخالفة لأحكام الشريعة لمجرد كونها من عقود الاذغان :

اذا وجد من المتعاملين في الأسواق من يبيع سلعاً او خدمات مباحة إلا انه يعتمد في بيعه على صيغ عقود نمطية لا يسمح للطرف الآخر بمناقشة ما فيها وانما له ان يقبلها كما هي او يرفضها كما هي، وقد ضمنها شروطاً مخالفة لأحكام الشريعة، تؤدي الى فساد العقد فلا يجوز للمسلم الدخول فيها. فان قيل لعله يكون مضطراً لكونها من عقود الاذعان فالجواب عن ذلك ان الاضطرار الذي يبيح المحظور هو ما فصل الفقهاء في وصفه ولا يقع مثل ذلك في معاملات الناس المعتادة. يقول ابن حزم في المحلى كتاب البيوع "المضطر الى البيع كمن جاع وخشي الموت فباع فيما يحمي به نفسه وأهله وكمن لزمه فداء نفسه او حميمة من دار الحرب او كمن أكرهه ظالم على غرم ماله بالضغط..." وإذا كان الانسان في مثل ذلك الوضع ابيح له المحظور بقدر ما يسد رمقه او ينقذه من الهلاك. قال الجصاص في أحكام القرآن في قوله تعالى "إلا ما اضطررتم إليه" قال "فعلق الإباحة بوجود الضرورة والضرورة هي خوف الضرر". وكل ذلك لا نراه يقع في المعاملات التي تجري بين الناس والتي مجالها العقود النمطية.



17- ما يجب على ولاة الأمر عمله في العقود النمطية :

قد بينا آنفاً ما في العقود النمطية من فوائد على المتعاملين بها وتنميط العقود كسائر امور الحياة فيه جهتا نفع وضرر ويجب العمل على تغليب النفع فيها وسد الذريعة الى ما فيه ضرر. ويحصل ذلك بتبني السياسة الصحيحة التقنين المناسب في المسألة مستفيدين من تجارب الأمم الأخرى في هذه القضايا. ومن ذلك تبني الخطوات التالية :

عند الحاجة الى العقود النمطية يجب العمل على ان يتم اعداد صيغها من قبل أهل الاختصاص وأن توافق عليها جهات رسمية كوزارات التجارة أوهيئات حماية المستهلك واتحادات العمال ونحوها، وان تأخذ باعتبارها عند الاعداد مصالح اطرافها جميعاً.

ان تعنى جهات حماية المستهلك بإيجاد قائمة بالشروط التي لا يجوز ان تتضمنها العقود النمطية اذا كانت تئول الى الإذعان أويترتب عليها الظلم أو الاقتصاد الى النزاع بين الناس.

اهتمام المحاكم عند النظر في القضايا المتعلقة بالعقود الاستهلاكية، بمسألة تحقق الرضا فيها وبعدها عن الإذعان وان تفسر نصوص العقود لصالح الطرف الأضعف.

إيجاد اتحادات المستهلكين التي من شأنها ان تجعل القوة التفاوضية لأفراد الناس مجتمعة ومؤثرة مما يحقق الحماية لهم امام الشركات العظيمة والمؤسسات الكبيرة.



والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم والحمد لله أولاً وأخراً ،،،،

الحواشي

1- ذكر ذلك السنهوري في الموجز في النظرية العامة للالتزام ص 68. عبدالرزاق السنهوري: النظرية العامة للإلتزامات، مطبعة لجنة التأليف والترجمة للنشر 1983م.

2- أورد الحديث الرازي في مختار الصحاح .

3-W. David Slawson Standard Form Contracts & democratic Control of Lawmaking Power Harvard Law Review 84 (1971).

4- القرافي في الذخيرة، عند افتتاح الباب الأول من القسم الخامس في السلم، ص225، ج5.

5- جميع ذلك من موقع LEX2K على الشبكة العالمية. LEX2K.ORG

6- سورة النساء، آية 29

7- ابن العربي في أحكام القرآن، تفسير سورة النساء.

8- درر الحكام، مادة 948.

9- المبسوط كتاب الإكراه.

10- كتاب الإكراه.

11- بدائع الصنائع، ص 177

12- كتاب الإكراه


Privacy Policy Webmaster Elgarisite@hotmai

28 يونيو 2011


دعوى ثبوت ملكيه
إنه فى يوم الموافق / / الساعة
إنه فى يوم الموافق / / الساعة
إنه فى يوم الموافق / / الساعة
إنه فى يوم الموافق / / الساعة
بناء على طلب السيد/ سالم حلمى رزق الصاوى المقيم بناحية حوض الجبل 10تبع قرية... مركز ....محافظة القليوبية ومحلة المختارمكتب السيد الأستاذ/محمد جابر عيسى المحامى بشبرا الخيمة أول
أنا محضر محكمة ..... الجزئية قد إنتقلت فى التاريخ أعلاه إلى حيث يقيم ورثة المرحوم / الشيخ/ حسانين السيد أحمد وهم ورثة المرحومة /فاطمة الحسينى السعيد وهم :-
1-عبد المتوكل حسين السيد بصفته صادر ضده وبصفته أحد ورثة أحد الملاك الأصليين للمالك الأصلى المقيم بحوض الجبل 10 تابع قرية... مركز .....
مخاطبا مع :
2-عبد الرحيم حسين السيد بصفته صادر ضده وبصفته أحد ورثة أحد الملاك الأصليين للمالك الأصلى المقيم بناحية قرية مركز .....محافظة .....
مخاطبا مع :
3- سامحة حسين السيد المقيمه بناحية قرية ... مركز ......ه محافظة....
مخاطبا مع :
4- رجوى حسين السيد المقيمه بناحية قرية ..... مركز ...... محافظة ....
مخاطبا مع :
أنا محضر محكمة ......الجزئية قد انتقلت فى التاريخ أعلاه إلى حيث يقيم
ورثة المرحوم الشيخ/ سيد السيد ياسين وهم ورثة المرحوم مصباح سيد السيد ياسين وهو:-
5- هانى مصباح سيد السيد ياسين المقيم بناحية قرية ... مركز ....محافظة .....
مخاطبا مع :
أنا محضر محكمة قد إنتقلت فى التاريخ أعلاه إلى حيث يقيم
6-السيد/ رئيس هيئة الأملاك الأميريه بالقاهره ويعلن بمقر الهيئه بميدان ... بجوار ...... - محافظة ..... مخاطبا مع :
أنا محضر محكمة قد إنتقلت فى التاريخ أعلاه إلى حيث يقيم
7- السيد / مدير الإدارة العامة للأملاك الدولة بـ ..... ويعلن بمقر الهيئه شارع ..... بجوار ..... مخاطبا مع:
8-السيد أمين عام مكتب السجل العينى بمحافظة .... ويعلن بهيئة قضاياالدولة بـ ..... مخاطبا مع:
الموضــــــــــــــــــــــوع
يمتلك الطالب خلفا لسلفه (والده ) وذلك بالمدة الطويلة المكسبة للملكية أرض وبناء العقار الكائن بناحية قرية.... مركز ..... بحوض الجبل 10 قطعة رقم 356 والبالغ مساحتها 20 سهم فقط عشرون سهما تعادل 23 / 149 م2 ومحدودة بحدود أربع بيانهاموضح فيما يلى :-
الحد البحرى / منزل .... الحد القبلى / منزل ....
الحد الشرقى / ...... الحد الغربى / .......
وقد أورد البيان المساحى طبقا لوارد كشف التحديد الخاص بالطلب رقم 242 لسنة 1999 سجل عينى مأمورية الشهر العقارى بـ ....بالبيان المساحى الأتى :
القرية المركز المحافظة اللوحة الحوض رقم القطعة المسطح الحدود والأطوال
قرية...

مركز ...
البحيرة 62
1936 الجبل 10 487
467
398
241
220
213
105
90
الأصليه

20 - -
تعادل 33، 149 م2
س ط ف
20 - - البحرى :القطعة 493 من 467 من 398من 241 من 220 من 213من 105 من 90 بحوضه بطول 50 ,13م
الشرقى: 493 من467من398من241من220من213من 105من90 بحوضه بطول 10، 17 م
القبلى :القطعة 493من 467من 398من241 من 220 من 213من105من 90 بحوضه بطول 90، 5م
الغربى : القطعة 486من398من241 من220 من 213 من 105 من90 بحوضه بطول 20، 10م
والقطعة رقد 493 من 467 من98من241 من 220 من 213 من
105 من 90 بحوضة بطول 90، 6 سم

فقط ثلاثة وعشرون سهما لاغير
 قد تملك الطالب بوضع اليد المدة الطويلة المكسبه للملكية للعقار موضوع التداعى سالف الذكر خلفا عن سلف وذلك بمدد تستند فى جمع مراحلها لوضع اليد مما يترتب عليه ضم مدة الطالب لسلفه وذلك من سنة 1930 وحتى الأن وبنية تملك هذا العقار دون أن يطالبه أو يطالب سلفه أحد بأى حق عليه أو يتعرض أحد لحيازتهما طوال هذه المدة
 مما يؤكد ذلك شهادة الجيران بالمحضر الأدارى رقم 2626 لسنة 1999 إدارى مركز كوم حمادة وحيازتهما لهذا العقار قد توافرت فيه أركان الحيازة القانونية طوال تلك المدة الهادئة المستمرة فى مجابهة الكافة بيما فيهم المدعى عليهم جميعا وعليه فإن تلك الحيازة القانونية تؤدى إلى أثرها القانونى المنصوص عليه بالمادة 698 من القانون المدنى وليصبح المدعى مالك من أرض وبناء لتلك العقار بقوة القانون عملا بنص تلك المدة التى تقرر(( من حاز منقولا أو عقار دون أن يكون مالكا له أو حاز حقا عينيا على منقول أو عقار دون أن يكون هذا الحق خاص به كان له أن يكسب ملكية الشئ أو الحق إذ استمرت حيازته دون إنقطاع خمسة عشر سنة 0))
 وعليه فإن وضع يد الطالب خلفا لسلفه وإتصال حيازتهم إتصال مستمر دون إنقطاع حت الآن وذلك منذ أكثر من خمسون عام سابقة على القانون 59 لسنة 1957تؤكد وضع اليد الفعل المستوفى لعناصرة القانونية من ظهور وتسامح مقرون بنيه التملك تعد بذاتها سبب لكسب الملكية بالتقادم طعن رقم 58/57 ق جلسة 28/1/1990 والطعن رقم 57/55 ق جلسة 10/3/1988 ويعفى على أثر ذلك واضح السيد من يقدم الدليل على مصدر ملكية وصحة سندها طعن رقم 65/34 ق جلسة 9/4/1968 0
 وعليه فإن الطالب يعد مالكا للعقار محل التداعى من تاريخ وضع اليد خلفا عن سلف منذ 1930 وإن التقرير به عن طريق القضاء له أثر كاشف يكشف عن الحق من وقت نشوئه طبقا لأحكام محكمة النقض 0
 وحيث أن المدعى عليه الأول قد زعم على خلاف الحقيقة أنه يمتلك لقطعة الأرض للعقار موضوع التداعى هو ويأتى ورثة / زهره مبروك على الجيار من الأول إلى الرابع وقدورد على صحيفة الوحدة العقارية لهذا العقار على خلاف الحقيقة أن جهة الأملاك ضمن الملاك0
 و الطالب إذ يختصم المدعى عليهم من الأول إلى الرابع وهم ورثة المرحوم / زهره مبروك على الجيار الوريثة لأحد الملاك الأصليين وهو المرحوم / الشيخ على مبروك الجيار وكذلك المدعى عليه الخامس وهو وريث المرحوم / مبروك على مبروك الجيار الوريث لأحد الملاك الأصليين المرحوم / على مبروك الجيار وكذلك المدعى عليهما من السادس والسابع وجهة الأملاك الأمرية وورثت المرحوم / الشيخ / على مبروك الجيار بإعتبارهم الملاك الأصليين لقطعة الأرض الفضاء مح ل الدعوى وذلك على خلاف الحقيقة 0
 وذلك بغية الحكم للطالب بثبوت ملكية العقار موضوع التداعى وعدم الأعتدادبأى تصرف صدر من المالكيين الأصليين سواء جهة الأملاك الأمرية بصفتها إلى الشيخ / على مبروك الجيار حال حياته أو لأحد ورثة أو للغير أو لأحد المعلن إليهم من الأول إلى الخامس وعدم الأعتداد بأى تنازل صدر بعض تصرف جهة الأملاك إلى الشيخ / على مبروك الجيار حال حياته أو لأحد ورثته أو للغير أو لأحد المعلن إليهم من الأول إلى الخامس وأقرته جهة الأملاك عل إعتبار أنه صدر على ملك المدعى بالمدة الطويلة المكسبة للملكية ومنع تعرضهم المادى والقانونى والقضاء للطالب فى ملكيتة وحيازته المشروعة 0
 وقدتم إختصام المعلن إليه الأخير بصفته طبقا للمادة 32 من قانون السجل العينى 142 لسنة 1964حيث أن كشف تحديد الطلب رقم 124 لسنة 1999 سجل عينى كوم حمادة أن الأطيان محل التعامل تخضع لنظام السجل العينى وليقوم سيادته بإجراء القيد اللازم للبيانات فى صحف الوحدات العقاريه الأصليه للعقار محل التداعى 0
بنــــــــاء عليـــــــــه
أنا المحضر سالف الذكر قد إنتقلت فى التاريخ المذكور إعلاه إلى حيث يقيم المعلن إليهم وتركت لكل منهم صورة من هذه وكلفتهم بضرورة الحضور أمام محكمة مأمورية كوم حمادة الكلية أمام الدائرة / مدنى كلى الكائنة أمام الأدارة الزراعية بكوم حمادة وذلك بجلستها التى ستنعقد بها علنا صباح يوم الموافق / / 2000 وذلك من الساعة الثامنة صباحا وما بعدها لسماع الحكم عليهم فى مواجهة : بثبوت ملكية الطالب للعقار المذكور عاليه من أرضى وبناء والبالغ مساحته20 سهم عشرون سهم : أولا تعادل 23/149 م2 بناحية كفر زيادة مركز كوم حمادة بحوض الجبل 10 والموضح حدود والمعالم بصدر العريضة
ثانيا : :عدم الأعتداد بأى تصرف صدر من المدعى عليهما السادس والسابع بصفتهما والأملاك الأمرية إلى الشيخ / على مبروك الجيار حال حياته أو أى تصرف صدر من الأخير لأحدى ورثته أو لغيرهم أو للمدعى عليهم من الأول إلى الخامس أو أى تنازل صدر من الشيخ / على مبروك الجيار لأحدى ورثته أو من ورثته حال حياتهما للمدعى عليهم من الأول إلى الخامس بموافقة جهة الأملاك الأمرية 0
ثالثا : وليصدر الحكم فى مواجهة المدعى عليهم من الأول إلى الخامس بأعتبارهم ورثة الشيخ / على مبروك الجيار وكذلك بأعتبارهم ورثة المرحومه / زهرة على مبروك الجيار ومبروك على مبروك الجيار
 والمدعى عليهم السادس والسابع بصفتهما (( جهة الأملاك الأمرية وذلك بإعتبارهم الملاك الأصليين للقطعة محل التعامل كوارد السجل العينى للوحدة 398 بحوض الجبل 10 الأصلية وذلك على غير الحقيقة حيث أن الطالب يتملك بوضع اليد بالمدة الطويلة المكسبة للملكية خلفا عن سلف لمدة تزيد على خمسون عاما مع كف منازعتهم ومنع تعرضهم 0
 والطالب يختصم المدعى عليه الثامن بصفته ليصدر الحكم فى مواجهة وليقوم بإجراء التأشير اللازم لسجل العينى بالبيانات الجديدة وبمضمون الطلبات طبقا لقانون السجل العينى رقم 142 لسنة 64 مع إلزام المعلن إليهم جميعا عدا الثامن بالمصروفات والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلاكفالة0
ولأجل العلم ،